المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاجوبة النجدية فى أنَّ الفرع يزول بزوال أصله واحتجاج المشركين بإقامة بعض الفرائض غير مؤثر بالكتاب والسنة والاجماع



محمدعبداللطيف
2023-02-26, 12:33 PM
قال الشيخ الامام محمد ابن ابراهيم ال الشيخ مفتى الديار النجدية فى شرح كتاب كشف شبهات المشركين لشيخ الاسلام محمد ابن عبد الوهاب
(إِذَا تَحَقَّقْتَ) مِمَّا تَقَدَّمَ
(أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ عُقُولاً وَأَخَفُّ شِرْكًا مِنْ هَؤُلاَءِ)
يَعْنِي: مِن شِرْكِ مُشْرِكِي زَمَانِنَا
(فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاَءِ شُبْهَةً يُورِدُونَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا) يُدْلِي بِهَا بَعْضُ مَنْ في زَمَنِ المُؤَلِّفِ مِن كَوْنِ مَا عَلَيْهِ مُشْرِكُو زَمَانِنَا مِن الشِّرْكِ كشِرْكِ الأَوَّلِينَ؛
بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّكُم مَا اقْتَصَرْتُمْ عَلَى أَنْ جَعَلْتُمُونَا مِثْلَهُم بل زِدْتُمْ
، يُرِيدُ صَاحِبُ هَذِه الشُّبْهَةِ مِمَّا اعْتَرَضَ بِهِ مِن الفُرُوقِ نَفْيَ مَا قَرَّرَهُ المُصَنِّفُ في هَذِه التَّرْجَمَةِ (وهي مِنْ أَعْظَمِ شُبَهِهِمْ فَأْصْغِ سَمْعَكَ لِجَوَابِهَا)

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 12:36 PM
وَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بِتِسْعَةِ أَجْوِبَةٍ،
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَافٍ شَافٍ في رَدِّهَا،
لَكِنْ كَثَّرَهَا لِمَزِيدِ كَشْفٍ وَإِيضَاحٍ.
(وَهِيَ أَنَّهُم يَقُولُونَ:
إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمُ القُرْآنُ لاَ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)
يَعْنِي: لاَ يَنْطِقُونَ بالشَّهَادَتَيْ نِ
(وَيُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ) وَيَمْتَنِعُونَ عَنْ طَاعَتِهِ
(وَيُنْكِرُونَ البَعْثَ) وَلاَ يُصَدِّقُونَ بِهِ
(وَيُكَذِّبُونَ القُرْآنَ ويَجْعَلُونَهُ سِحْرًا) وَلاَ يُصَلُّونَ وَلاَ يَصُومُونَ
(وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ،
وَنُصَدِّقُ القُرْآنَ،
ونُؤْمِنُ بِالبَعْثِ،
ونُصَلِّي
وَنَصُومُ،
فَكَيْفَ تَجْعَلُونَنَا مِثْلَ أُولَئِكَ؟) فَكَيْفَ تُسَوُّونَ مَن يُقِرُّ بِهَذِهِ الأُمُورِ العَظِيمَةِ وبَيْنَ مَن يَجْهَلُهَا؛
يَعْنِي وأَنَّكُمْ سَوَّيْتُم بَيْنَ المُتَفَارِقَيْ نِ وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ المُخْتَلِفَيْن ِ؛
بل مَا اقْتَصَرْتُمْ،
بل جَعَلْتُمُونَا أَعْظَمَ جَهْلاً وَضَلاَلاً منهم.
فَعَرَفْتَ أَنَّهُم يُعَارِضُونَ مَا قَرَّرَهُ المُصَنِّفُ ويَقُولُونَ لَسْنَا منهم، وَأَنْتُم جَعَلْتُمُونَا أَعْظَمَ مِنْهُم،
كَيْفَ تَجْعَلُونَ مَن كَانَتْ فيه هَذِه الخِصَالُ والفُرُوقُ كَمَنْ لَيْسَ فِيهِ مِنْهَا شَيْءٌ؟
ويَأْتِيكَ جَوَابُ المُؤَلِّفِ لَهُم وَأَنَّ هَذِهِ الفُرُوقَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ،
بَلْ هَذِه الفُرُوقُ مِمَّا يَتَغَلَّظُ كُفْرُهُم بِهَا؛
فَإِنَّ الكَافِرَ الأَصْلِيَّ الذي مَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ أَهْونُ كُفْرًا مِمَّنْ أَقَرَّ بالحَقِّ وجَحَدَهُ،
ولذلك المُرْتَدُّ أَعْظَمُ كُفْرًا مِن الكَافِرِ الأَصْلِيِّ في أَحْكَامِهِ.

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 12:41 PM
(فالجَوَابُ الأَوَّلْ) عَمَّا اعْتَرَضُوا بِهِ مِن هَذِه الفُرُوقِ التي زَعَمُوا أَنَّها تُؤَثِّرُ؛

أَنَّ الفُرُوقَ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى قِسْمَيْنِ:
-فَرْقٍ يُؤَثِّرُ.
- وَفَرْقٍ لاَ يُؤَثِّرُ.
فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ أَنَّ هَذِه الفُرُوقَ لاَ تُؤَثِّرُ،
(لاَ خِلاَفَ بَيْنَ العُلَمَاءِ كُلِّهِم أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَيْءٍ وكَذَّبَهُ في شَيْءٍ أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ في الإِسْلاَمِ) بالإِجْمَاعِ، يَعْنِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَلاَ عِنْدَه مِن الإِسْلاَمِ شَعْرَةٌ؛ فَإِذَا كَذَّبَهُ في وَاحِدٍ وصَدَّقَهُ في الأُلُوفِ مِن الصَّلاَةِ والصَّدَقَةِ ونَحْوِ ذَلِكَ فَهُو قَاضٍ عَلَى تَلِكَ الأُلُوفِز
فَإِذَا كَانَ مَن صَدَّقَهُ في شَيْءٍ وكَذَّبَهُ في شَيْءٍ فهو كَافِرٌ، فَكَيْفَ بالتَّوْحِيدِ الذي هو أَعْظَمُ فَرِيضَةٍ جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عَمَدَ إِلَى زُبْدَةِ الرِّسَالَةِ، وجَعَلَ لفَاطِرِ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ شَرِيكًا في العِبَادَةِ فَصَرْفُهُ لَهُ الدُّعَاءَ الَّذِي هو مُخُّ العِبَادَةِ وخَالِصُهَا، إِمَّا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَه وَحْدَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ شَرِيكًا لَهُ.فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الفُرُوقُ لاَ تُؤَثِّرُ فَكَيْفَ بالتَّوْحِيدِ؟ لَكِنْ والعِيَاذُ باللهِ طَمَسَ عَلَى قُلُوبِهِم الشِّرْكُ، وامْتَزَجَتْ بِهِ؛ فَإِنَّ أَهْلَ هَذِه الشُّبِهَةِ مِن أَهْلِ الجَهَالاَتِ والضَّلاَلاَتِ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ النَّظَرِ المُنْصِفَ إِذَا نَظَرَ في أَهْلِ هَذِه الشُّبَهِ لَقِيَهُم مَفَالِيسَ مِن العِلْمِ بالمَرَّةِ (وَكَذَلكَ إِذَا آمَنَ بالقُرْآنِ وجَحَدَ بَعْضَهُ) وَلَوْ حَرْفًا وَاحِدًا، أَنْكَرَهُ وجَحَدَهُ، أَوْ جَحَدَ شَيْئًا مِمَّا ثَبَتَ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو كُفْرٌ ظَاهِرٌ؛ أي: كُفْرٌ فَوْقَ كُفْرِ تَكْذِيبِ اللهِ وَرَسُولِهِ (كَمَنْ أَقَرَّ التَّوْحِيدَ) لَفْظًا وَمَعْنًى (وَجَحَدَ) فَرْعًا مِن فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِهِ (وُجُوبَ الصَّلاَةِ) الَّذِي يَجْحَدُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ كَافِرٌ بِالإِجْمَاعِ، ولو أَنَّهُ يَفْعَلُهَا، وَجَاءَ بالتَّوْحِيدِ (أَوْ أَقَرَّ بالتَّوْحِيدِ وَالصَّلاَةِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ) وَلَوْ كَانَ يُؤَدِّيهَا، فهو كَافِرٌ بإِجْمَاعِ الأُمَّةِ (أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وجَحَدَ الصَّوْمَ) وَلَوْ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ بإِجْمَاعِ الأُمَّةِ لتَكْذِيبِهِ اللهَ ورَسُولَهُ (أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ الحَجَّ) إلى البَيْتِ، وَإِنْ كَانَ يَحُجُّ، فهو كَافِرٌ بالإِجْمَاعِ لتَكْذِيبِهِ اللهَ ورَسُولَهُ ورَدِّهِ إِجْمَاعَ الأُمَّةِ.
( (وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أُنَاسٌ في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلحَجِّ) إلى البَيْتِ
(أَنْزَلَ اللهُ في حَقِّهِم: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً})
يَعْنِي: وَاجِبٌ للهِ عَلَى المُسْتَطِيعِ مِن النَّاسِ أَنْ يَحُجَّ
{وَمَن كَفَرَ} يَعْنِي: تَرَكَ ذَلِكَ {فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}ف دَلَّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ كُفْرٌ؛
فَمَنْ جَحَدَ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ؛ فَدَلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ حَجِّ الْبَيْتِ؛
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي لاَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ كَافِرٌ وَهَذَا بِخِلاَفِ العَاجِزِ.و
كَذَلِكَ مَنْعُ الزَّكَاةِ بُخْلاً بِخِلاَفِ الجَاحِدِ.فَأَم َا تَرْكُ الصَّلاَةِ تَهَاوُنًا، فاخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَحَكَى إِسْحَاقُ بنُ رَاهُويَه كُفْرَهُ بالإِجْمَاعِ.
(وَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ البَعْثَ) أي: جَحَدَ بَعْثَ هَذِه الأَجْسَامِ بَعْدَ بَلاَئِهَا وإِعَادَةَ أَرْوَاحِهَا إِلَيْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ (كَفَرَ بالإِجْمَاعِ) بِإِجْمَاعِ أَهْلِ العِلْمِ (وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ) وَلَمْ يَنْفَعْهُ الإِقْرَارُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} الآيةَ.
فَصَرَّحَ اللهُ تَعَالَى في هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهُ الكَافِرُ حَقًّا؛
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَكُونَ كُفْرًا إِلاَّ إِذَا كَفَرَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ؛
بل هَذَا كُفْرٌ نَوْعِيٌّ؛
فَإِنَّ الكُفْرَ كُفْرَانِ:

-كُفْرٌ كُلِّيٌّ.

-وَكُفْرٌ نَوْعِيٌّ.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ مَنْ كَفَرَ بِبَعْضٍ فَكَمَنْ كَفَرَ بالكُلِّ لاَ فَرْقَ.


(فَإِذَا كَانَ اللهُ قَدْ صَرَّحَ في كِتَابِهِ أَنَّ مَن آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فهو الكَافِرُ حَقًّا زَالَتْ هَذِه الشُّبْهَةُ،
وهَذِهِ هي الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الإِحْسَاءِ في كِتَابِهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا)
وبِهَذَا ظَهَرَ واتَّضَحَ أَنَّهُ يُوجَدُ فُرُوقٌ ولَكِنْ لاَ تُؤَثِّرُ؛
فَإِنَّ الرِّدَّةَ رِدَّتَانِ:
-رِدَّةٌ مُطْلَقَةٌ: وهي الرُّجُوعُ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ جُمْلَةً.

والثَّانِيَةُ:
أَنْ يَكْفُرَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ الَّذِي يَرْتَدُّ عَنْ بَعْضِ الدِّينِ كَافِرٌ؛
بل يَرَوْنَ أَنَّ الاعْتِقَادَ الوَاحِدَ والكَلِمَةَ الوَاحِدَةَ قَدْ تُخرِجُ صَاحِبَهَا عن جُمْلَةِ الدِّينِ.
وبِهَذَا انْكَشَفَت الشُّبْهَةُ وعُرِفَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بالفُرُوقِ الَّتِي ذُكِرَتْ مِن الفُرُوقِ الَّتِي هي غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ.

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 12:48 PM
الجواب الثاني:
(وَيُقَالُ أَيْضًا) هَذَا جَوَابٌ ثَانٍ للشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ
(إِذَا كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاَةِ فهو كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّمِ والمَالِ بالإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ بكُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ البَعْثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ صَوْمَ رَمَضَانَ وَصَدَّقَ بِذَلِكَ كُلِّهِ لاَ يَجْحَدُ)
الخَصْمُ (هَذَا) لاَ يُنْكِرُ مَا قُرِّرَ مِن وُجُوبِ هَذِه المَذْكُورَاتِ وَلاَ يَسْتَقِيمُ الإِسْلاَمُ، بل يَنْتَقِلُ الإِسْلاَمُ كُلُّهُ وَيَزُولُ مِن أَسَاسِهِ
(وَلاَ تَخْتَلِفُ المَذَاهِبُ فِيهِ) لاَ تَخْتَلِفُ المَذَاهِبُ في أَنَّ جَحْدَ وُجُوبِ واحِدٍ منها كَافٍ في انْتِكَاسِ العَبْدِ وَأَنَّهُ كَافِرٌ بالإِجْمَاعِ
(وَقَدْ نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ كَمَا قَدَّمْنَا) أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فهو الكَافِرُ حَقًّا.
(فَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْحيدَ هو أَعْظَمُ فَرِيضَةٍ جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أَعْظَمُ)
مِن فَرِيضَةِ (الصَّلاَةِ
والزَّكَاةِ
والصَّوْمِ
والحَجِّ) وتَصْدِيقُهُ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَنْفَعُهُ ولاَ يُجْدِي عَلَيْهِ.

(فَكَيْفَ إِذَا جَحَدَ الإِنْسَانُ شَيْئًا مِن هَذِه الأُمُورِ كَفَرَ وَلَوْ عَمِلَ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا جَحَدَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هو دِينُ الرُّسُلِ كُلِّهِم لاَ يَكْفُرُ)؟!
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَنْ جَحَدَ واحِدًا مِن أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ
فَكَيْفَ بِمَنْ جَحَدَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هو أَسَاسُ المِلَّةِ والدِّينِ؟! فَإِنَّهُ أَعْظَمُ،
فَلاَ يَنْفَعُهُ تَصْدِيقُهُ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ جَحَدَ الأَصْلَ،
إِذَا صَارَ جَحْدُ فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ كُفْرًا فَكَيْفَ بِجَحْدِ الأَصْلِ وهو التَّوْحِيدُ؟

فَلَوْ قُدِّرَ -وهو لاَ يَكُونُ- أَنَّ هَذِه الفُرُوعَ كُلَّهَا مِنَ الصَّلاَةِ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَلاَ عَظِيمَةٍ
لَكَانَ جَحْدُ التَّوْحِيدِ كُفْرًا بِرَأْسِهِ، فَكَيْفَ وهو الأَصْلُ؟
فَإِنَّ هَذَا الجَهْلَ بِمَكانٍ لاَ يَجْحَدُ هَذَا الخَصْمُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنَ الإِسْلاَمِ بِمُفْرَدِهِ؛
يَجْعَلُونَ مَن يَهْدِمُ أَسَاسَ الدِّينِ صَبَاحًا ومَسَاءً أَنَّهُ مُسْلِمٌ لِكَوْنِهِ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ،
والَّذِي يَجْحَدُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ يُؤَدِّيهَا كَافِرٌ بالإِجْمَاعِ!
(سُبْحَانَ اللهِ، مَا أَعْجَبَ هَذَا الجَهْلَ!) فَإِنَّ جَهْلَ هَؤُلاَءِ مِن أَعْجَبِ الجَهْلِ،
كَوْنُ الوَاحِدِ مِنْهُم يُقِرُّ أَنَّ جَحْدَ الصَّلاَةِ كُفْرٌ بالإِجْمَاعِ أو جَحْدَ غَيْرِهَا مِن أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ كُفْرٌ،
وَجَحْدَ التَّوْحِيدِ لَيْسَ بِكُفْرٍ؟! فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا لاَ تُكَفِّرُ -وهو لاَ يُقَدَّرُ-
فالتَّوْحِيدُ وَحْدَهُ يُكَفِّرُ؛
والدَّلِيلُ أنَّ الأَصْلَ لاَ يَزُولُ بِزَوَالِ الفَرْعِ بِخَلاَفِ الفَرْعِ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِزَوَالِ أَصْلِهِ؛
كالحَائِطِ والشَّجَرَةِ إِذَا زَالَ أَصْلُهُ زَالَ فَرْعُهُ.

فالحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ التَّوْحِيدَ بَعْضُ المَذْكُورَاتِ لَكَانَ جَحْدُه كُفْرًا، فَكَيْفَ وهو أَسَاسُ ذَلِكَ كُلِّهِ؟!
بل التَّوْحِيدُ قَدْ يَكْفِي وَحْدَهُ في إِسْلاَمِ العَبْدِ ودُخُولِهِ الجَنَّةَ؛
فَإِنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ثُمَّ تُوُفِّيَ قَبْلَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِن الفُرُوعِ عَلَيْهِ كَفَى التَّوْحِيدُ وَحْدَهُ؛
فالتَّوْحِيدُ لَيْسَ فَقِيرًا إِلَيْهَا، بل هي الفَقِيرَةُ إِلَيْهِ في صِحَّتِهَا.

فَلاَ أَعْجَبَ وَلاَ أَقْبَحَ ولا أَعْظَمَ مِمَّنْ جَهِلَ هَذَا،
فَإِذَا كَانَ مُقِرًّا أَنَّ مَن جَحَدَ شَيْئًا مِن هَذِه الفُرُوعِ فَهُو كَافِرٌ، وهو لاَ يَجْحَدُ هَذَا، وَإِذَا جَحَدَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هو الأَصْلُ وَمَا بَعْدَهُ فَرْعٌ عَنْهُ لاَ يَكْفُرُ، فَلاَ أَعْجَبَ مِن جَهْلِ مَنْ جَهِلَ هَذَا.

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 12:48 PM
الجواب الثالث:
(ويُقَالُ أَيْضًا) هَذَا جَوَابٌ ثَالِثٌ (هَؤُلاَءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَفَّرُوا و (قَاتَلُوا بَنِي حَنِيفَةَ) ورَأَوْا أَنَّهُ مِن أَفْضَلِ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُم، وسَبَوا ذَرَارِيَّهُم، وَهُم يَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ (وَقَدْ أَسْلَمُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُم يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَيُؤَذِّنُونَ ويُصَلُّونَ فَإِنْ قَالَ) المُشَبِّهُ: (إِنَّهُم يَقُولُونَ: إِنَّ مُسَيْلِمَةَ نَبِيٌّ) يَعْنِي: كَفَّرُوهُم لِقَوْلِهِم: مُسَيْلِمَةُ نَبِيٌّ .(قُلْنَا): نَعَمْ (هَذَا هو المَطْلُوبُ) هَذَا هو مَطْلُوبُنَا، فَهَؤُلاَءِ مَا صَدَرَ منهم إِلاَّ أَنَّهُم قَالُوا: إِنَّهُ نَبِيٌّ، فَجَنَوْا عَلَى الرِّسَالَةِ وصَارَ مُبْطِلاً تَوْحِيدَهُم ودِينَهُم (إِذَا كَانَ مَن رَفَعَ رَجُلاً إِلَى رُتْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ وَحَلَّ دَمُهُ ومَالُهُ وَلَمْ تَنْفَعْهُ الشَّهَادَتَانِ وَلاَ الصَّلاَةُ) وَلاَ الصِّيامُ وَلاَ الأَذَانُ؛ وَأَنْتَ تُقِرُّ بِهَذَا، وهَذِه جَرِيمَةُ رَفْعِ مَخْلُوقٍ إِلَى رُتْبَةِ مَخْلُوقٍ (فَكَيْفَ بِمَنْ) جَنَى عَلَى الأُلُوهِيَّةِ فَرَفَعَ مَخْلُوقًا إِلَى رُتْبَةِ خَالِقٍ.
فالعُلَمَاءُ كَفَّرُوا مَنْ جَنَى عَلَى الرِّسَالَةِ فكَيْفَ بِمَنْ جَنَى عَلَى الأُلُوهِيَّةِ؟ فالَّذِي يَعْبُدُ مَعَ اللهِ غَيْرَه قَدْ جَنَى، بل لاَ أَعْظَمَ مِن جِنَايَتِهِ (رَفَعَ شِمْسَانَ أو يُوسُفَ أو صَحَابِيًّا أو نَبِيًّا في رُتْبَةِ جَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) يَعْنِي: هَذَا أَوْلَى بالكُفْرِ والضَّلاَلِ؛ لأَِنَّهُ صَرَفَ للمَخْلُوقِ مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ مَا لاَ يَسْتَحِقُّهُ إِلاَّ الخَالِقُ، وهَذَا مِن قِيَاسِ الأَوْلَى، يَعْنِي: إِذَا كَانَ جِنْسُ مَا احْتَجُّوا بِهِ كُفْرًا فَبِطَرِيقِ الأَوْلَى هَذَا، فَهَذَا رَدٌّ عَلَيْهِم مِن نَفْسِ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وإِلاَّ فَالأَدِلَّةُ في ذَلِكَ مَعْلُومَةٌ (سُبْحَانَ اللهِ ما أَعْظَمَ شَأْنَهُ، {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاََ يَعْلَمُونَ}) كَهَذَا الطَّبْعِ عَلَى قَلْبِ هَذَا الجَاهِلِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّ مَن رَفَعَ رَجُلاً إِلَى رُتْبَةِ رَجُلٍ فهو كَافِرٌ وَإذا رَفَعَ رَجُلاً في رُتْبَةِ جَبَّارِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لاَ يَكْفُرُ؟!

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 12:53 PM
الجواب الرابع:
(وَيُقَالُ أَيْضًا) هَذَا جَوَابٌ رَابِعٌ للشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ في قَوْلِهِ: (إِنَّ الذين نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ لاَ يَشْهَدُونَ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.. إلخ)، (الَّذِينَ حَرَّقَهُم

عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بالنَّارِ) وَهُمْ مِن الشِّيعَةِ الغَالِيَةِ مِن أَصْحَابِ عَلِيٍّ، زَادُوا في مَحَبَّتِهِ وتَعَدَّوُا الحَدَّ، وَذَلِكَ بِدَسِيسَةِ نَاسٍ مِن أَصْحَابِهِ مُنَافِقِينَ دَسُّوهَا ليُفْسِدُوا عَلَى النَّاسِ دِينَهُم؛ أَتْبَاعِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَبَأٍ.ادَّعَى الإِسْلاَمَ وَأَرَادَ أَن يَفْتِكَ بِأَهْلِ الإِسْلاَمِ ويُدْخِلَهُم في الشِّرْكِ -تَعَدَّوُا الحَدَّ في مَحَبَّةِ عَلِيٍّ وتَعْظِيمِهِ حَتَّى ادَّعَوْا فيه الإِلَهِيَّةَ (كُلُّهُم يَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ) ويَعْمَلُونَ أَعْمَالَ الإِسْلاَمِ
(وَهُمْ مِن أَصْحَابِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وتَعَلَّمُوا العِلْمَ مِن الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ)
ظَهَرَتْ مِنْهُم المَقَالَةُ الرَّدِيَّةُ (اعْتَقَدُوا في عَلِيٍّ) الاعْتِقَادَ البَاطِلَ؛ اعْتَقَدُوا فيه السِّرَّ -يَعْنَي الأُلُوهِيَّةَ (مِثْلَ الاعْتِقَادِ في يُوسُفَ، وَشِمْسَانَ وأَمْثَالِهِمَا ) كَعْبِدِ القَادِرِ، والعَيْدَرُوسِ؛ كاعْتِقَادِ أَهْلِ زَمَانِنَا في غَيْرِهِم.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ منهم عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَدَّ لَهُم أَخَادِيدَ عِنْدَ بَابِ كِنْدَةَ، وَأَضْرَمَ فِيهَا النِّيرَانَ وقَذَفَهُم فِيهَا مِن أَجْلِ مَقَالَتِهِم فِيهِ، وَقَالَ:











فَهَذَا الأَمْرُ مِن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ، وَرَأَوْا أَنَّهُم مُرْتَدُّونَ وَأَنَّ قَتْلَهُم حَقٌّ، وابنُ عَبَّاسٍ كَغَيْرِه في ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: لو قَتَلَهُم بالسَّيْف، وَقَالَ: لاَ يُعَذِّبُ بالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِعْلُهُ مَزِيدُ اجْتِهَادٍ منه، رَأَى تَحْرِيقَهُم لِغِلَظِ كُفْرِهِم، كَمَا حَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ بَعْضَ المُرْتَدِّينَ
.(فَكَيْفَ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِهِم وَكُفْرِهِم؟ أَتَظُنُّونَ أَنَّ الصَّحَابَةَ يَكَفِّرُونَ المُسْلِمِينَ؟
أَتَظُنُّونَ أنَّ الاعْتِقَادَ في تَاجٍ وَأَمْثَالِهِ لاَ يَضُرُّ والاعْتِقَادَ في عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ يُكَفِّرُ؟)
فحينَئذٍ إِذَا تَحَقَّقْتَ وعَلِمْتَ أَنَّ هَذَا صَدَرَ مِن عَلِيٍّ عَلَى وَقْتِ الصَّحَابَةِ
فَيَلْزَمُ أَهْلَ هَذِه الشُّبْهَةِ
أَحَدُ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ:
إِمَّا أَنْ يَقُولُوا:
إِنَّ الصَّحَابَةَ غَلِطُوا وَأَخْطَؤُوا وكَفَّرُوا المُسْلِمِيَن، وَقَتَلُوا مَن لاَ يَسْتَحِقُّ الكُفْرَ والقَتْلَ وهم على ضَلاَلَةٍ.وهم لا يَقُولُونَ ذلك لوُضُوحِهِ في السِّيَرِ والتَّارِيخِ.
وَإِنْ قَالُوه في الصَّحَابَةِ فهو كافٍ في الرَّدِّ عَلَيْهِم؛
لأَِنَّهُم صَارُوا مِن الخَوَارِجِ الذين يُكَفِّرُونَ الصَّحَابَةَ ويَسُبُّونَهُم، أو يَقُولُونَ حَاشَاهُم مِن تَكْفِيرِ المُسْلِمِينَ ومِنْ قَصْدِ ظُلْمِهم أو الاجْتِمَاعِ عَلَى غَلَطٍ.
وإِمَّا أَنْ يَقُولُوا:
إنَّ الاعْتِقَادَ في تَاجٍ وأَمْثَالِهِ والتَّوَسُّلَ بالصَّالِحِينَ وسُؤَالَهُم قَضَاءََ الحَاجَاتِ وتَفْرِيجَ الكُرُباتِ وإِغاثَةَ اللهَفَاتِ لاَ يَضُرُّ، والاعْتِقَادَ في عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ يُكَفِّرُ، وهم لا يَقُولُونَ ذلك،
فإنْ قَالُوا: إِنَّه لاَ يُكَفِّرُ، كَفَى أَنَّه كُفْرٌ وَشِرْكٌ،
وظَهَرَ عَظِيمُ جَهْلِهِم لفَضْلِ عَلِيٍّ عَلَى هؤلاء بِمَا لاَ نِسْبَةَ فيه، فلو كانَ مُسَامَحَةٌ في دَعْوَةِ غَيْرِ اللهِ أو يكونُ أَسْهَلَ لكَانَتْ دَعْوَةَ عَلِيٍّ.

فحينَئذٍ يَلْزَمُ الأَمْرُ الثَّالِثُ،
وهو أَنْ يُذْعِنُوا ويُسَلِّمُوا أَنَّ مَن تَعَلَّقَ عَلَى غَيْرِ اللهِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِن أَنْوَاعِ العِبَادَةِ فهو كَافِرٌ خَارِجٌ مِن المِلَّةِ مُرْتَدٌّ، أَغْلَظُ كُفْرًا مِمَّن ليس مَعَهُ هذه الأَعْمَالُ،
وَأَنَّ إِقْرَارَه بالشَّهَادَتَيْ نِ والصَّلاَةِ والزَّكَاةِ ونحوِ ذلك فَرْقٌ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَغَيْرُ نافِعٍ،
فَظَهَرَ بذلك أَنَّهُم ضُلاَّلٌ في تَشْبِيهِهِم وتَرْويجِهِم؛
فَإِنَّ الغَالِيَةَ في عَلِيٍّ ما اعْتَقَدُوا فيه إِلاَّ مِثْلَ الاعْتِقَادِ في تَاجٍ وأَمْثَالِهِ مِن هذه الأَصْنَامِ.

وإنْ قَالُوا: لَيْسَ مِن الغُلُوِّ ففي أَوَّلِ الكِتَابِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّه مِن الغُلُوِّ بعِبَادَةِ المَخْلُوقِ مَعَ اللهِ.

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 12:58 PM
الجواب الخامس:
(ويُقَالُ أَيْضًا) هذا جَوَابٌ خَامِسٌ للشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ
(بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ) الذين ادَّعَوْا أَنَّهُم فَاطِمِيُّونَ وَسَاعَدَهُم عَلَى ذَلِكَ مَن سَاعَدَهُم وهم أدْعِيَاءُ لَيْسُوا بِفَاطِمِيِّينَ - أَبُوهُم وَقِصَّةُ تَزَوُّجِهِ المَرْأَةَ وَتَارِيخُهُم مَعْرُوفٌ
(الَّذِينَ مَلَكُوا المَغْرِبَ وَمِصْرَ في زَمَنِ بَنِي العَبَّاسِ) وَطَالَتْ لَهُم يَدٌ أَيْضًا على الحَرَمَيْنِ؛ مُلُوكُهُم يُسمَّوْنَ الحَاكِمِيِّينَ ؛ الحَاكِمُ فُلاَنٌ والحَاكِمُ فُلاَنٌ
(كُلُّهُم يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ويَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ وَيُصَلُّونَ الجُمُعَةَ والجَمَاعَةَ)
ويَنْصِبُونَ القُضَاةَ والمُفْتِينَ
(فَلَمَّا أَظْهَرُوا مُخَالَفَةَ الشَّرِيعَةِ في أَشْيَاءَ دونَ مَا نَحْنُ فيه)
كاسْتِحْلاَلِ بَعْضِ المُحَرَّمَاتِ مِثْلَ تَجْوِيزِهِم الجَمْعَ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ
(أَجْمَعَ العُلَمَاءُ) في وَقْتِهِم
(عَلَى كُفْرِهِم وقِتَالِهِم) وَلاَ جَعَلُوا الشَّهَادَتَيْن ِ والصَّلاَةَ والزَّكَاةَ والجُمُعَةَ والجَمَاعَةَ فَرْقًا مُؤَثِّرًا،
بل رَأَوْهُ لاَغِيًا، وذلك أَنَّه وُجِدَ مُكَفِّرٌ فَلَمْ يَنْفَعْهُم مَا هُمْ فِيهِ
(و) أَجْمَعُوا في وَقْتِهِم عَلَى (أَنَّ بِلاَدَهُم بِلاَدُ حَرْبٍ)
وَأَنَّ جِهَادَهُم أَفْضَلُ جِهَادٍ.
(وغَزَاهُم المُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا مَا بِأَيْدِيهِم مِن بُلْدَانِ المُسْلِمَينَ)
وَصَنَّفَ ابنُ الجَوْزِيِّ كِتَابًا سَمَّاهُ: (النَّصْرُ عَلَى مِصْرَ) فَكَيْفَ بِمَا نَحْنُ فيه مِن التَّظَاهُرِ بِدِينِ الإِسْلاَمِ مَعَ نَقْضِ أَسَاسِ المِلَّةِ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ؟ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَن يَكُونُ كُفْرُه عِنَادًا أو جَهْلاً؛
الكُفْرُ منه عِنَادٌ وَمِنْهُ جَهْلٌ.
ولَيْسَ مِن شَرْطِ قِيَامِ الحُجَّةِ عَلَى الكَافِرِ أَنْ يَفْهَمَهَا
،بل مَن أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ مِثْلَ مَا يَفْهَمُهَا مِثْلُه فهو كَافِرٌ سَواءٌ فَهِمَها أَوْ لَمْ يَفْهَمْهَا،
ولو كَانَ فَهْمُهَا شَرْطًا لَمَا كَانَ الكُفْرُ إلاَّ قِسْمًا وَاحِدًا وهو كُفْرُ الجُحُودِ؛
بل الكُفْرُ أَنْوَاعٌ، منها الجَهْلُ وغَيْرُه،
المَقْصُودُ أَنَّ العُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى قِتَالِهِم وكُفْرِهِم، والأُمَّةُ لاَ تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلاَلَةٍ.

وبذلك عَرَفْتَ انْكِشَافَ هذه الشُّبْهَةِ؛
وهو أنَّ النُّطْقَ بالشَّهَادَتَيْ نِ لاَ يَكْفِي مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مِن فِعْلِ الطَّاعَاتِ
إِذَا وُجِدَ أَحَدُ المُكَفِّرَاتِ.

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 01:01 PM
الجواب السادس:
(وَيُقَالُ أَيْضًا) هَذَا جَوَابٌ سَادِسٌ عَلَى الشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ
(إِذَا كَانَ الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَِنَّهُم جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وتَكْذِيبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالقُرْآنِ)
يَعْنِي: وتَكْذِيبِهِ (وَإِنْكَارِ البَعْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَا مَعْنَى البَابِ الذِي ذَكَرَهُ العُلَمَاءُ في كُلِّ مَذْهَبٍ)
المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا (بَابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ) وَعَرَّفُوهُ بتَعَارِيفَ
(وهو المُسْلِمُ الَّذِي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ)
فَهَذَا المَذْكُورُ في هَذَا البَابِ إِجْمَاعٌ مِنْهُم أَنَّه يَخْرُجُ مِن المِلَّةِ، وَلَوْ مَعَهُ الشَّهَادَتَانِ ،
لأَِجْلِ اعْتِقَادٍ وَاحِدٍ أو عَمَلٍ واحِدٍ أو قَوْلٍ وَاحِدٍ يَكْفِي بِإِجْمَاعِ أَهْلِ العِلْمِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فيه،
وَأَنَّهُ لَيْسَ المُرْتَدَّ الَّذِي يَخْرُجُ عن الإِسْلاَمِ بالمَرَّةِ
، بل هو قِسْمٌ والقِسْمُ الآخَرُ هو مَا تَقَدَّمَ
(ثُمَّ ذَكَرُوا أَنْواعًا كَثِيرَةً) ومَثَّلُوا له أَمْثِ
لَةً (كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا يُكَفِّرُ وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمَالَهُ)
وقَالُوا: مَن قَالَ كَذَا أو اعْتَقَدَ كذا فهو كَافِرٌ، وَأَنَّه لاَ يَنْفَعُه جَمِيعُ مَا عَمِلَ بِهِ
(حَتَّى إِنَّهُم ذَكَرُوا أَشْيَاءَ يَسِيرَةً عِنْدَ مَن فَعَلَهَا مِثْلَ كَلِمَةٍ يَقُولُها بِلِسَانِهِ دونَ قَلْبِهِ أو كَلِمَةٍ يَقُولُها عَلَى وَجْهِ المَزْحِ واللَّعِبِ)
حَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَهْلِ المَذَاهِبِ يُكَفِّرُونَ مَن صَغَّرَ اسْمَ المَسْجِدِ أو المُصْحَفِ.
ومَا ذَكَرُوه وَعَرَّفُوه هو في الجُمْلَةِ: يُوجِدُ أَشْيَاءَ يَكُونُ بِهَا الإِنْسَانُ مُرْتَدًّا،
وَلَوْ نَطَقَ بالشَّهَادَتَيْ نِ وصَلَّى، بَلْ وَلَوْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ تَرْكَ المُحَرَّمَاتِ
وأَتَى بِمُكَفِّرٍ هَدَمَ جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِن الإِسْلاَمِ؛
فَإِنَّ وُجُودَ المُكَفِّرَاتِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الرَّجُلُ مُرْتَدًّا كَثِيرَةٌ لاَ تُحْصَرُ.
والوَاحِدُ مِن أَسْبَابِ الرِّدَّةِ كَوْنُه يَجْعَلُ لَهُ واحِدًا مِن حَقِّ رَبِّ العَالَمِينَ كَافٍ في كُفْرِهِ،
وَكَوْنُه اتَّخَذَهُ إِلَهًا وَلَوْ لَيْسَ مِن كُلِّ وَجْهٍ،
بل يَكْفِي كَوْنُه جَعَلَهُ يَصْلُحُ لِحَقِّ رَبِّ العَالَمِينَ؛ فَلَيْسَ مِن شَرْطِ المُرْتَدِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَطْرَافِ الرِّدَّةِ،
أو يَجْمَعَ الشِّرْكِيَّاتِ ،
أو أَنَّ رَبَّ العَالَمِينَ ومَعْبُودَه واحِدٌ في جَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّ.
وبِهَذَا تَنْكَشِفُ شُبْهَتُهُ؛
وهو أَنَّه وَلَوْ نَطَقَ بالشَّهَادَتَيْ نِ وصَلَّى وَصَامَ فَإِنَّه يَصِيرُ بِهِ مُرْتَدًّا ويَصِيرُ أَسْوَأَ حَالاً مِمَّن لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَصْلُ الإِسْلاَمِ عِنْدَ جَمِيعِ العُلَمَاءِ.
والصَّحِيحُ مِن قَوْلَيِ العُلَمَاءِ أَنَّ كُفَّارَ هَذِهِ الأَزْمَانِ مُرْتَدُّونَ؛
فَكَوْنُهم يَنْطِقُونَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ صَبَاحًا وَمَسَاءً ويَنْقُضُونَهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً،
فلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَدْخُلُ بِهَا في الإِسْلاَمِ في الجُمْلَةِ.
والقَوْلُ الثَّانِي:
أَنَّهُم كُفَّارٌ أَصْلِيُّونَ؛ فَإِنَّهُم لَمْ يُوَحِّدُوا في يَوْمٍ مِن الأَيَّامِ حَتَّى يُحْكَمَ بِإِسْلاَمِهِم.

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 01:03 PM
الجواب السابع:
(وَيُقَالُ أَيْضًا)
هَذَا جَوَابٌ سَابِعٌ عن شُبْهَتِهِم السَّابِقَةِ،
والأَجْوِبَةُ السَّابِقَةُ ظَاهِرَةٌ لَكَ في كَشْفِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ
(الَّذِينَ قَالَ اللهُ فيهم: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ}
أَمَا سَمِعْتَ اللهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ مَعَ كَوْنِهِم في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ ويُصَلُّونَ مَعَهُ ويُزَكُّونَ وَيَحُجُّونَ ويُوَحِّدُونَ) ويَنْطِقُونَ بالشَّهَادَتَيْ نِ، ويَدِينُونَ دِينَ المُسْلِمِينَ في الظَّاهِرِ،
فَكَيْفَ بِمَنْ جَعَلَ الأَنْدَادَ مَعَاذَهُ ومَلاَذَهُ ومَلْجَأَهُ في الرَّغَبَاتِ،
كَمَا هو الوَاقِعُ مِن القُبُورِيِّينَ والعِيَاذُ باللهِ،
فَلِسَانُه يَقُولُ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)
وعَمَلُهُ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ فَلاَنٌ

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 01:06 PM
الجواب الثامن:

(وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِم:
{أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
فهؤلاء الذين صَرَّحَ اللهُ أَنَّهُم كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِم وهم مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالُوا كَلِمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُم قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ المَزْحِ)
كَفَرُوا بِسَبَبِ كَلِمَةٍ واحِدَةٍ، وَهُم يَعْمَلُونَ الأَعْمَالَ الشَّرْعِيَّةَ ويَعْمَلُونَ أَعْمَالَ المُسْلِمِينَ،
فَصَارُوا بِهَا كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِهِم؛
لَمَّا صَدَرَ مِنْهُم شَيْءٌ وَاحِدٌ صَارُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ،
فَبِهَذَا تَنْكَشِفُ شُبْهَةُ المُشَبِّهِ بِهَذِه الشُّبْهَةِ.
(فَتَأَمَّلْ هَذِه الشُّبْهَةَ وهي قَوْلُهُم:
تُكَفِّرُونَ مِن المُسْلِمِينَ أُنَاسًا يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ويُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ، ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَهَا)
يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ عَلَيْهَا مِن الأَجْوِبَةِ
(فَإِنَّهُ مِن أَنْفَعِ مَا فِي هَذِه الأَوْرَاقِ) فَإِنَّهُ مِن أَنْفَعِ مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ في هَذَا المُؤَلَّفِ؛
وذَلِكَ لأَِنَّهَا شُبْهَةٌ قَدْ تَرُوجُ عَلَى مَن لاَ يَعْرِفُ وَلاَ يَفْهَمُ،
فَيَظُنُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ المُشَبِّهُ فُرُوقٌ مُؤَثِّرَةٌ؛
وَبِمَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ يَتَبَيَّنُ لَكَ أَنَّهَا فُرُوقٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ،
فَإِنَّ أَهْلَ العِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ هَذِه فُرُوقٌ لاَ تُؤَثِّرُ.

محمدعبداللطيف
2023-02-26, 01:12 PM
الجواب التاسع:
(وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا) هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى الأَجْوِبَةِ السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ في كَشْفِ شُبْهَتِهِ،
وهي قَوْلُهُ: (تُكَفِّرُونَ مِن المُسْلِمِينَ أُنَاسًا يَشْهَدُونَ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ …) إلخ،
(مَا حَكَى اللهُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ إِسْلاَمِهِم وعِلْمِهِم وصَلاَحِهِم)
والمُرَادُ بِعِلْمِهِم بالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِم في زَمَنِهِم؛
يَعْنِي: أَنَّهُم أَتْبَاعُ مُوسَى ويَقْتَبِسُونَ مِن عَلْمِهِ ومِمَّا جَاءَ بِهِ،
وَلاَ يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}
فَإِنَّه دَالٌّ عَلَى أَنَّ صُدُورَ ذَلِكَ مِنْهُم عن جَهْلٍ أَنَّهُم قَالُوا لِمُوسَى:
{اجْعَلْ لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} كَأَنَّهُ أَعْجَبَ مَن أَعْجَبَهُ مِنْهُم واسْتَحْسَنُوهُ
فَقَالَ مُوسَى مُنكِرًا عَلَيْهِم {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
(وَقَوْلُ أُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ) لَمَّا مَرُّوا بِقَوْمٍ يُعَلِّقُونَ أَسْلِحَتَهُم عَلَى شَجَرَةٍ ويُسمُّونَها بِهَذَا الاسْمِ
(اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ)
فَأَنْكَرَ عَلَيْهِم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغلَّظَ هَذَا الإِنْكَارَ بأَنْوَاعِ التَّغْلِيظِ (فَحَلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ هَذَا مِثْلُ قَوْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ {اجْعَلْ لَّنَا إِلَـهًا} الآياتِ.
(وَلَكِنْ للمُشْرِكِينَ) عِنْدَ كَشْفِ شُبْهَتِهِم السَّابِقَةِ
(شُبْهَةٌ يُدْلُونَ بِهَا عِنْدَ هَذِه القِصَّةِ) يُشَبِّهُونَ ويُمَانِعُونَ في كَوْنِ ذَلِكَ دَلِيلاً،
قَالُوا:
فَلاَ يَصْلُحُ احْتِجَاجُكُم بالقِصَّتَيْنِ عَلَيْنَا
فَإِنَّكُم احْتَجَجْتُم بِقِصَّتَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِنَا وَهُم لَمْ يَكْفُرُوا بِذَلِكَ.
(فَالجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: إِنَّّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لم يَفْعَلُوا) فَعَدَمُ كُفْرِهِم لاَ مِن قُصُورِ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا
(وَكَذَلِكَ الَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلُوا) بل اسْتَحْسَنُوا شَيْئًا وَطَلَبُوهُ؛
لَوْ عَكَفُوا عَلَى القُبُورِ وكَذَلِكَ لَوْ اتَّخَذُوا إِلَهًا لَكَفَرُوا؛ هَذَا لاَ يُنَازِعُ فيه أَحَدٌ ولاَ يَنْفَعُ اتِّباعُ الرَّسُولِ والأَعْمَالُ الأُخَرُ.
فَعَدَمُ كُفْرِهِم لَيْسَ مِن قُصُورِ العَمَلِ عَن أَنْ يَصِلَ إِلَى التَّكْفِيرِ،
يَعْنِي أَنَّ وَجْهَ احْتِجَاجِنَا هو بِتَقْدِيرِ الفِعْلِ؛ لَوْ صَدَرَ لَكَانَ كُفْرًا،
فَكَانَ احْتِجَاجًا في مَحَلِّهِ ولَكِنَّهُم لَمْ يَفْعَلُوه وإِلاَّ لَوْ فَعَلُوهُ لَكَانَ كُفْرًا،
فَسَلِمَ لَنَا الاحْتِجَاجُ بالقِصَّتَيْنِ عَلَيْكُم.
(وَلَكِنَّ هَذِهِ القِصَّةَ) قِصَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وقِصَّةَ الَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(تُفِيدُ أَنَّ المُسْلِمَ بَلْ العَالِمَ قَدْ يَقَعُ في أَنْوَاعٍ مِن الشِّرْكِ لاَ يَدْرِي عَنْهَا)
إِذْ كَانَ السَّائِلُ في القِصَّةِ مَعَ نَبِيٍّ وهو مُوسَى وهم أَوْسَعُ عِلْمًا منه،
والسَّائِلُ في القِصَّةِ الثَّانِيَةِ مَعَ نَبِيٍّ وهم أَعْلَمُ وأَقْدَمُ فَضِيلَةٍ، اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ ظَنًّا منهم أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ وأَنَّه مِن العِبَادَاتِ التي يُتقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ،
فَكَيْفَ بِمَن دُونَهُم؟!
(فَتُفِيدُ التَّعَلُّمَ) تَعَلُّمَ أَسْبَابِ النَّجَاةِ؛ فَإِنَّه لاَ نَجَاةَ إِلاَّ بالعِلْمِ ومَعْرِفَةِ الضِّدِّ والشَّرِّ لغَيْرِه؛
يَعْرِفُ الشِّرْكَ وأَقْسَامَهُ ووَسَائِلَهُ وذَرَائِعَهُ ليَسْلَمَ مِن الوُقُوعِ فيه
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}
وَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
(كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي).
تَعَلَّمْتُ الشَّرَّ لاَ للشَّرِّ لَكِنْ لتَوَقِّيهِ وَمَنْ لاَ يَعْرِفِ الشَّرَّ مِنَ الخَيْرِ يَقَعْ فِيهِ
(والتَّحَرُّزَ)
يَعْنِي اتِّهَامَ العَمَلِ أَنْ يَكُونَ دَخَلَهُ شَيْءٌ مِن الشِّرْكِ؛
بل يَجْعَلُ عَلَى بَالِهِ هَلْ أَخْلَصَ قَبْلَ دُخُولِهِ فيه،
وتَفَقُّدَ النَّفْسِ ولحَظَاتِكَ فِيمَنْ هي
(وَمَعْرِفَةَ أَنَّ قَوْلَ الجَاهِلِ:
التَّوْحِيدُ فَهِمْنَاهُ أَنَّ هَذَا مِنْ أَكْبَرِ الجَهْلِ ومَكَائِدِ الشَّيْطَانِ)
وهَذِه الكَلِمَةُ قَدْ صَدَرَتْ مِن بَعْضِ الطَّلَبَةِ لَمَّا كَثُرَ التَّدْرِيسُ في التَّوْحِيدِ مَتْنِهِ أو كُتُبٍ نَحْوِه سَئِمُوا وَأَرَادُوا القِرَاءَةَ في كُتُبٍ أُخْرَى.
وَقِيلَ:
إِنَّهُ مِن المُرَاسِلِينَ؛
فَنَقَمَ عَلَيْهِ المُصَنِّفُ في هَذَا القَوْلِ؛ يَعْنِي أَنَّكَ مَا فَهِمْتَهُ حَتَّى الآنَ،
فَقَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ ذَلِكَ ليُنَبِّهَهُم،
ففي هَذِه القِصَّةِ الرَّدُّ عَلَيْهِم فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ عِلْمٍ وصَدَرَ منهم مَا صَدَر،
فَلاَ يُزْهَدُ في التَّوْحِيدِ؛
فَإِنَّ بالزُّهْدِ فيه يَقَعُ في ضِدِّهِ،
وَمَا هَلَكَ مَن هَلَكَ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ إلاَّ بِعَدَمِ إِعْطَائِهِ حَقَّهُ ومَعْرِفَتِهِ حَقَّ المَعْرِفَةِ
وَظَنُّوا أَنَّهُ يَكْفِي الاسْمُ والشَّهَادَتَان ِ وَلَمْ يَنْظُرُوا مَا يُنَافِيهِ ومَا يُنَافِي كَمَالَهُ هَلْ هو مَوْجُودٌ أو مَفْقُودٌ؟
وهَذَا كُلُّهُ مِن عَدَمِ التَّحَرُّزِ ومَعْرِفَةِ أَلْفَاظِ التَّوْحِيدِ لَفْظَةً لَفْظَةً.

مَن الذي عَرَفَ التَّوْحيِدَ كُلَّ المَعْرِفَةِ؟ أَصْلُهُ وللهِ الحَمْدُ مَعْرُوفٌ
لَكِنْ لَهُ أَقْسَامٌ وفُرُوعٌ وشُعَبٌ، وَضِدُّهُ الشِّرْكُ له فُرُوعٌ.

ومِمَّا يُذْكَرُ عن المُؤَلِّفِ أَنَّه يَوْمًا قَالَ: يَذْكُرُ البَارِحَةَ أَنَّهُ وُجِدَ رَجُلٌ عَلَى أُمِّهِ يُجَامِعُهَا، فَاسْتَعْظَمَ المَحْضَرُ ذَلِكَ وضَجُّوا منه، رَأَوْا أَنَّه مُنْكَرٌ كَبِيرٌ، وهو كَبِيرٌ.
ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى:
إِنَّ وَاحِدًا أُصِيبَ بِمَرَضٍ شَدِيدٍ فَقِيلَ لَهُ: اذْبَحْ (دِيكًا) لِفُلاَنٍ -وَلِيٍّ- فَلَمْ يَسْتَعْظِمُوهُ .




ثُمَّ بَيَّنَ لَهُم أَنَّ الأَوَّلَ فَاحِشَةٌ يَبْقَى مَعَهَا التَّوْحِيدُ وَالآخَرَ يُنَافِي التَّوْحِيدَ كُلَّهُ، وهَذَا لَمْ تَسْتَعْظِمُوهُ مِثْلَ هَذَا! وَهَذَا هو الوَاقِعُ مِن أَكْثَرِ النَّاسِ؛
فَإِنَّ النُّفُوسَ تَسْتَبْشِعُ أَشْيَاءَ أَعْظَمَ مِن اسْتِبْشَاعِهَا مَا هو مِن أَمْرِ التَّوْحِيدِ.
(وَتُفِيدُ أَيْضًا أَنَّ المُسْلِمَ المُجْتَهِدَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلاَمِ كُفْرٍ وهو لاَ يَدْرِي،
فَنُبِّهَ عَلَى ذَلِكَ وَتَاَبَ مِن سَاعَتِهِ أَنَّهُ لاَ يَكْفُرُ)
فَإِنَّ مِن الأَشْيَاءِ مَا قَدْ يَخْفَى ويَكُونُ مُجْتَهِدًا وبَعْدَمَا يُبيَّنُ لَهُ يَرْجِعُ كَمَا فَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ
والَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وتُفْيدُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْفُرْ فَإِنَّهُ يُغَلَّظُ عَلَيْهِ الكَلاَمُ تَغْلِيظًا شَدِيدًا،
كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في إِنْكَارِهِ عَلَى أُولَئِكَ في قَوْلِهِم:
(اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُم ذَاتُ أَنْوَاطٍ)كَمَا تَقَدَّمَ.
تم بحمد الله
من رسالة شرح كشف الشبهات للشيخ الامام محمد ابن ابراهيم