محمدعبداللطيف
2022-12-21, 08:34 PM
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فى شرحه لكشف الشبهات
(وَعَرَفْتَ أَنَّ الطَرِيقَ إِلَى اللهِ لاَبُدَّ لَهُ مِن أَعْدَاءٍ قَاعِدِينَ عَلَيْهِ) مُلاَزِمِينَ لَهُ، لاَ يَنْفَكُّونَ عَنْهُ ولاَ يَرْجِعُونَ عنه أَبَدًا،
قَصْدُهُم الإِغْوَاءُ والصَّدْفُ عن هَذَا الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ
(أَهْلِ فَصَاحَةٍ) وبَلاَغَةٍ في المَنْطِقِ (وعِلْمٍ وحُجَجٍ) عَلَى بَاطِلِهِم؛
ولَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِن الحُجَجِ المَوْرُوثَةِ عن الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهُ وسَلاَمُهُ عَلَيْهِم إِنَّما هي مَنَامَاتٌ وأَكَاذِيبُ إِذَا جَاءَ عِنْدَ التَّحْصِيلِ فإِذَا هي تَخُونُهُم أَحْوَجَ ما يَكُونُونَ إِلَيْهَا.
(فَالوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَعلَّمَ مِن دِينِ اللهِ) الذي أَنْزَلَهُ
(ما يَصِيرُ لَكَ سِلاَحًا) تَذُبُّ بِهِ عن نَفْسِكَ ودِينِكَ وتُدَافِعُ بِهِ
و(تُقَاتِلُ بِهِ هَؤُلاَءِ الشَّياطِينَ الَّذِينَ) هُمْ بِهَذَا المَقَامِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِن شَيَاطِينِ الجِنِّ، وهم نُوَّابُ إِبْلِيسَ الذي قَالَ إِمَامُهُم ومُقَدَّمُهُم لرِبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ: {لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: لاَ أَتْرُكُ أَحَدًا يَمُرُّ إِلاَّ تَشَبَّثْتُ بِهِ وأَغْوَيْتُهُ؛ لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهِ لِهَذَا النَّوْعِ الإِنْسَانِيِّ، جَدَّ كُلَّ الجِدِّ، واجْتَهَدَ كُلَّ الاجْتِهَادِ، في إِغْوَائِهِ وصَدْفِهِ وإِضْلاَلِهِ؛ أَخْبَرَ هَذَا الخَبَرَ عَمَّا هو مُرِيدٌ وجَازِمٌ وعَازِمٌ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِهَذِه التَّأْكِيدَاتِ : {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
فَإِذَا كَانَ الطَّرِيقُ الذي هذه صِفَتُهُ مَقْعُودٌ عَلَيْهِ ومَرْصُودٌ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الصُّدُوفِ،
وَأَنْوَاعِ القُيُودِ، وأَنْوَاعِ السِّلاَحِ، وأَنْوَاعِ الحُجَجِ والبَيِّنَاتِ، وأَنْوَاعِ الكَيْدِ والمَكْرِ والخِدَاعِ،
فكيف يَأْمَنُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَخَافُ؟!.ومِمَّ ا تَقَدَّمَ تَعْرِفُ البُعْدَ عن صِفَةِ التَّعَبِ والْهُوَيْنَا،
بل الأَمْرُ جِدٌّ كُلُّ الجِدِّ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ المُقَيَّضَ له أَعْدَاءٌ، لا يَكُونُ في غَفْلَةٍ عَنْهُم ولَيْسَ مَقْصُودُهم سَفْكَ الدَّمِ فَقَطْ، لاَ بَلْ الدِّينَ.
وَكَمْ أَهْلَكَ في الطَّرِيقِ الذي عَلَيْهِ شَيَاطِينُ الإِنْسِ والجِنِّ مُرَاصِدِينَ مَعَ مَا جُعِلَ لَهُم مِن السُّلْطَةِ عَلَى القَلْبِ ونَحْوِ ذَلِكَ، يَحْسَبُونَ أَنَّه آمِنٌ ولاَ خَافُوا مِن مَخَاوِفِهِ ولاَ عَلِمُوا مِن الشَّرْعِ طُرُقَهُ ومَخَاوِفَهُ بعد ذِكْرِ المُصَنِّفِ مَا ذَكَرَ مِن عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ ونُوَّابِهِ وحِرْصِهِم عَلَى إِهْلاَكِ هَذَا الجِنْسِ الإِنْسَانِيِّ قَالَ:
(وَلَكِنْ إِذَا أَقْبَلْتَ عَلَى اللهِ) بِقَلْبِكَ وقَالِبِكَ، وَعَلِمَ مِنْكَ اللَّجْأَ إِلَيْهِ والتَّبَرِّيَ والتَّخَلِّيَ مِن الحَوْلِ والقُوَّةِ إِلاَّ بِهِ
(وأَصْغَيْتَ) كُلَّ الإِصْغَاءِ (إِلَى حُجَجِ اللهِ وبَيِّنَاتِهِ) مِن الكِتَابِ والسُّنَّةِ
(فَلاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ) مِن الأَعْدَاءِ القَاعِدِينَ لَكَ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؛
فَعِنْدَك مَا يُحَصِّنُكَ مِن هَذَا؛
فالخَوْفُ عَلَيْكَ عِنْدَما تُعْرِضُ عن حُجَجِ اللهِ وبَيِّنَاتِهِ، الخَوْفُ والحَزَنُ عَلَيْكَ مِن جِهَةِ نَفْسِكَ أَنْ لاَ تُقبِلَ ولاَ تُصْغِيَ.
وَأَمَّا إِنْ لَجَأْتَ إِلَيْهِ فَلاَ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} وَإِنْ كَانَ قَسْمُهُ وحَظُّهُ مِن الأَلْفِ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ فَلَيْسَ كَثْرَةُ حِزْبِهِ مِنْ قُوَّةِ كَيْدِهِ، بل كَيْدُه ضَعِيفٌ،
ولَكِنَّ أَكْثَرَ الخَلْقِ أَطَاعُوهُ وتَوَلَّوْهُ ومَكَّنُوهُ من أَنْفُسِهِم، فَلَمَّا جَعَلُوا له سُلْطَانًا كَانَ له عَلَيْهِم سُلْطَانٌ،
وإِلاَّ كُلُّ عِبَادِ اللهِ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ، ولو أَنَّهُم لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانًا لَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ.
فَهُم الذين أَعْطَوْهُ القِيَادَ لأَِجْلِ الشَّهَوَاتِ وإِيثَارِ العَاجِلِ عَلَى الآجِلِ؛ أَعْطَوْهُ ذَلِكَ فَصَارُوا إِلى حَيِّزِهِ مِن جَانِبٍ فَصَارَتْ قُوَّتُه نِسْبِيَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}، فَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ في شَيْءٍ فهو الذي ولاَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، وإِذَا أَطَاعَه في شَيْءٍ انْتَظَرَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ، وهَكَذَا حَتَّى يُوصِلَهُ إلى الْهَلاَكِ والعِيَاذُ باللهِ.
(والعَامِّيُّ مِن المُوَحِّدِينَ) الذي عَرَفَ أَدِلَّةَ دِينِهِ، وإِنْ كَانَ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ولاَ عَالِمٍ، لَيْسَ المُرَادُ العَامِّيَّ الجَاهِلَ، اللهُم إِلاَّ أَنْ يُوَفَّقَ العَامِّيُّ- الذي لاَ يَعْرِفُ - لحُجَّةٍ عَقْلِيَّةٍ، وهو نَادِرٌ،
(يَغْلِبُ الأَلْفَ) بَلِ الأُلُوفَ (مِن عُلَمَاءِ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ) لأَِنَّ حُجَجَ المُشْرِكِينَ تُرَّهَاتٌ وأَبَاطِيلُ ومَنَامَاتٌ كَاذِبَةٌ،
ومَا كَانَ مَعَهُم مِن الحَقِّ فهو رَدٌّ في الحَقِيقَةِ عَلَيْهِم كَمَا (قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} ) فهذه الآيةُ أَفَادَتْ حَصْرَ الغَلَبَةِ في جُنْدِ اللهِ، وهو يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ الغَلَبَ في جَمِيعِ النَّوَاحِي: الحُجَّةِ واللِّسَانِ والسَّيْفِ والسِّنَانِ، يَغْلِبُونَ قَبِيلَهُم،
ولاَ تَظُنَّ أَنَّه يَرِدُ عَلَيْهِ تَسْلِيطُ أَهْلِ الشَّرِّ في هَذِه الأَزْمَانِ، فإِنَّهُ بِسَبَبِ إِضَاعَتِهِ
، وإِلاَّ دِينُ رَبِّ العَالَمِينَ مَحْفُوظٌ مُؤَمَّنٌ بِحِفْظِ مَن يَقُومُ به،
وَلاَ تَظُنَّ أَنَّه يَرِدُ عَلَيْهِ إِدَالَةُ أَهْلِ البَاطِلِ بَعْضَ الأَحْيَانِ فَإِنَّهُ تَمْحِيصٌ وَرِفْعَةٌ وغُرُورٌ لأَِهْلِ البَاطِلِ.
(وإِنَّمَا الخَوْفُ عَلَى المُوَحِّدِ) العَابِدِ للهِ المُسْتَقِيمِ عَلَى التَّوْحِيدِ
(الذي يَسْلُكُ الطَّرِيقَ ولَيْسَ مَعَهُ سِلاَحٌ) يَذُبُّ بِهِ عن دِينِهِ وهو الحُجَّةُ والسِّلاَحُ، لَمْ يَتَعَلَّمْ أَدِلَّةَ دِينِهِ،
فَهَذَا مَخُوفٌ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ أَو يُسْلَبَ أَو يَبْقَى أَسِيرًا في يَدِ عَدُوِّهِ الشَّيْطَانِ وجُنُودِهِ،
يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُلِمَّ به الشَّيْطَانُ وجُنُودُه فَيَسْتَزِلُّون َه عن الطَّرِيقِ السَّوِيِّ.
(وَعَرَفْتَ أَنَّ الطَرِيقَ إِلَى اللهِ لاَبُدَّ لَهُ مِن أَعْدَاءٍ قَاعِدِينَ عَلَيْهِ) مُلاَزِمِينَ لَهُ، لاَ يَنْفَكُّونَ عَنْهُ ولاَ يَرْجِعُونَ عنه أَبَدًا،
قَصْدُهُم الإِغْوَاءُ والصَّدْفُ عن هَذَا الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ
(أَهْلِ فَصَاحَةٍ) وبَلاَغَةٍ في المَنْطِقِ (وعِلْمٍ وحُجَجٍ) عَلَى بَاطِلِهِم؛
ولَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِن الحُجَجِ المَوْرُوثَةِ عن الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهُ وسَلاَمُهُ عَلَيْهِم إِنَّما هي مَنَامَاتٌ وأَكَاذِيبُ إِذَا جَاءَ عِنْدَ التَّحْصِيلِ فإِذَا هي تَخُونُهُم أَحْوَجَ ما يَكُونُونَ إِلَيْهَا.
(فَالوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَعلَّمَ مِن دِينِ اللهِ) الذي أَنْزَلَهُ
(ما يَصِيرُ لَكَ سِلاَحًا) تَذُبُّ بِهِ عن نَفْسِكَ ودِينِكَ وتُدَافِعُ بِهِ
و(تُقَاتِلُ بِهِ هَؤُلاَءِ الشَّياطِينَ الَّذِينَ) هُمْ بِهَذَا المَقَامِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِن شَيَاطِينِ الجِنِّ، وهم نُوَّابُ إِبْلِيسَ الذي قَالَ إِمَامُهُم ومُقَدَّمُهُم لرِبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ: {لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: لاَ أَتْرُكُ أَحَدًا يَمُرُّ إِلاَّ تَشَبَّثْتُ بِهِ وأَغْوَيْتُهُ؛ لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهِ لِهَذَا النَّوْعِ الإِنْسَانِيِّ، جَدَّ كُلَّ الجِدِّ، واجْتَهَدَ كُلَّ الاجْتِهَادِ، في إِغْوَائِهِ وصَدْفِهِ وإِضْلاَلِهِ؛ أَخْبَرَ هَذَا الخَبَرَ عَمَّا هو مُرِيدٌ وجَازِمٌ وعَازِمٌ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِهَذِه التَّأْكِيدَاتِ : {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
فَإِذَا كَانَ الطَّرِيقُ الذي هذه صِفَتُهُ مَقْعُودٌ عَلَيْهِ ومَرْصُودٌ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الصُّدُوفِ،
وَأَنْوَاعِ القُيُودِ، وأَنْوَاعِ السِّلاَحِ، وأَنْوَاعِ الحُجَجِ والبَيِّنَاتِ، وأَنْوَاعِ الكَيْدِ والمَكْرِ والخِدَاعِ،
فكيف يَأْمَنُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَخَافُ؟!.ومِمَّ ا تَقَدَّمَ تَعْرِفُ البُعْدَ عن صِفَةِ التَّعَبِ والْهُوَيْنَا،
بل الأَمْرُ جِدٌّ كُلُّ الجِدِّ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ المُقَيَّضَ له أَعْدَاءٌ، لا يَكُونُ في غَفْلَةٍ عَنْهُم ولَيْسَ مَقْصُودُهم سَفْكَ الدَّمِ فَقَطْ، لاَ بَلْ الدِّينَ.
وَكَمْ أَهْلَكَ في الطَّرِيقِ الذي عَلَيْهِ شَيَاطِينُ الإِنْسِ والجِنِّ مُرَاصِدِينَ مَعَ مَا جُعِلَ لَهُم مِن السُّلْطَةِ عَلَى القَلْبِ ونَحْوِ ذَلِكَ، يَحْسَبُونَ أَنَّه آمِنٌ ولاَ خَافُوا مِن مَخَاوِفِهِ ولاَ عَلِمُوا مِن الشَّرْعِ طُرُقَهُ ومَخَاوِفَهُ بعد ذِكْرِ المُصَنِّفِ مَا ذَكَرَ مِن عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ ونُوَّابِهِ وحِرْصِهِم عَلَى إِهْلاَكِ هَذَا الجِنْسِ الإِنْسَانِيِّ قَالَ:
(وَلَكِنْ إِذَا أَقْبَلْتَ عَلَى اللهِ) بِقَلْبِكَ وقَالِبِكَ، وَعَلِمَ مِنْكَ اللَّجْأَ إِلَيْهِ والتَّبَرِّيَ والتَّخَلِّيَ مِن الحَوْلِ والقُوَّةِ إِلاَّ بِهِ
(وأَصْغَيْتَ) كُلَّ الإِصْغَاءِ (إِلَى حُجَجِ اللهِ وبَيِّنَاتِهِ) مِن الكِتَابِ والسُّنَّةِ
(فَلاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ) مِن الأَعْدَاءِ القَاعِدِينَ لَكَ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؛
فَعِنْدَك مَا يُحَصِّنُكَ مِن هَذَا؛
فالخَوْفُ عَلَيْكَ عِنْدَما تُعْرِضُ عن حُجَجِ اللهِ وبَيِّنَاتِهِ، الخَوْفُ والحَزَنُ عَلَيْكَ مِن جِهَةِ نَفْسِكَ أَنْ لاَ تُقبِلَ ولاَ تُصْغِيَ.
وَأَمَّا إِنْ لَجَأْتَ إِلَيْهِ فَلاَ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} وَإِنْ كَانَ قَسْمُهُ وحَظُّهُ مِن الأَلْفِ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ فَلَيْسَ كَثْرَةُ حِزْبِهِ مِنْ قُوَّةِ كَيْدِهِ، بل كَيْدُه ضَعِيفٌ،
ولَكِنَّ أَكْثَرَ الخَلْقِ أَطَاعُوهُ وتَوَلَّوْهُ ومَكَّنُوهُ من أَنْفُسِهِم، فَلَمَّا جَعَلُوا له سُلْطَانًا كَانَ له عَلَيْهِم سُلْطَانٌ،
وإِلاَّ كُلُّ عِبَادِ اللهِ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ، ولو أَنَّهُم لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانًا لَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ.
فَهُم الذين أَعْطَوْهُ القِيَادَ لأَِجْلِ الشَّهَوَاتِ وإِيثَارِ العَاجِلِ عَلَى الآجِلِ؛ أَعْطَوْهُ ذَلِكَ فَصَارُوا إِلى حَيِّزِهِ مِن جَانِبٍ فَصَارَتْ قُوَّتُه نِسْبِيَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}، فَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ في شَيْءٍ فهو الذي ولاَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، وإِذَا أَطَاعَه في شَيْءٍ انْتَظَرَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ، وهَكَذَا حَتَّى يُوصِلَهُ إلى الْهَلاَكِ والعِيَاذُ باللهِ.
(والعَامِّيُّ مِن المُوَحِّدِينَ) الذي عَرَفَ أَدِلَّةَ دِينِهِ، وإِنْ كَانَ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ولاَ عَالِمٍ، لَيْسَ المُرَادُ العَامِّيَّ الجَاهِلَ، اللهُم إِلاَّ أَنْ يُوَفَّقَ العَامِّيُّ- الذي لاَ يَعْرِفُ - لحُجَّةٍ عَقْلِيَّةٍ، وهو نَادِرٌ،
(يَغْلِبُ الأَلْفَ) بَلِ الأُلُوفَ (مِن عُلَمَاءِ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ) لأَِنَّ حُجَجَ المُشْرِكِينَ تُرَّهَاتٌ وأَبَاطِيلُ ومَنَامَاتٌ كَاذِبَةٌ،
ومَا كَانَ مَعَهُم مِن الحَقِّ فهو رَدٌّ في الحَقِيقَةِ عَلَيْهِم كَمَا (قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} ) فهذه الآيةُ أَفَادَتْ حَصْرَ الغَلَبَةِ في جُنْدِ اللهِ، وهو يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ الغَلَبَ في جَمِيعِ النَّوَاحِي: الحُجَّةِ واللِّسَانِ والسَّيْفِ والسِّنَانِ، يَغْلِبُونَ قَبِيلَهُم،
ولاَ تَظُنَّ أَنَّه يَرِدُ عَلَيْهِ تَسْلِيطُ أَهْلِ الشَّرِّ في هَذِه الأَزْمَانِ، فإِنَّهُ بِسَبَبِ إِضَاعَتِهِ
، وإِلاَّ دِينُ رَبِّ العَالَمِينَ مَحْفُوظٌ مُؤَمَّنٌ بِحِفْظِ مَن يَقُومُ به،
وَلاَ تَظُنَّ أَنَّه يَرِدُ عَلَيْهِ إِدَالَةُ أَهْلِ البَاطِلِ بَعْضَ الأَحْيَانِ فَإِنَّهُ تَمْحِيصٌ وَرِفْعَةٌ وغُرُورٌ لأَِهْلِ البَاطِلِ.
(وإِنَّمَا الخَوْفُ عَلَى المُوَحِّدِ) العَابِدِ للهِ المُسْتَقِيمِ عَلَى التَّوْحِيدِ
(الذي يَسْلُكُ الطَّرِيقَ ولَيْسَ مَعَهُ سِلاَحٌ) يَذُبُّ بِهِ عن دِينِهِ وهو الحُجَّةُ والسِّلاَحُ، لَمْ يَتَعَلَّمْ أَدِلَّةَ دِينِهِ،
فَهَذَا مَخُوفٌ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ أَو يُسْلَبَ أَو يَبْقَى أَسِيرًا في يَدِ عَدُوِّهِ الشَّيْطَانِ وجُنُودِهِ،
يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُلِمَّ به الشَّيْطَانُ وجُنُودُه فَيَسْتَزِلُّون َه عن الطَّرِيقِ السَّوِيِّ.