الإمام الدهلوي
2008-09-14, 06:40 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فهـــذا كلام جيد في مسألة كيف تتحول دار الإسلام إلى دار كفر مع عرض أقوال العلماء في المسألة .
تفضلوا هــذا هــو الموضوع :
سؤال : هل تنقلب دار الإسلام إلى دار كفــر وما هي أقوال العلماء في المسألة ؟
الجواب : لا يوجد ما يمنع من تحول دار الإسلام إلى دار كفر بهذا الاعتبار ، وذلك إذا تغلب الكافرون عليها وأجروا فيها أحكامهم وكانت القوة والغلبة لهم ، وقد اختلف العلماء في تحول دار الإسلام إلى دار كفر ، فذهب بعض الشافعية إلى أن دار الإسلام لا يمكن أن تصير دار كفر وحرب بأي حال من الأحوال ، حتى ولو تغلب عليها الكفرة وأجروا فيها أحكامهم ، وأجلوا المسلمين عنها ، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )
قال الشربيني الشافعي : ( ولو غلب الكفار على بلدة يسكنها المسلمون كطرسوس لا تصير دار حرب) إهـ
وقال الإمام النووي رحمه الله عند كلامه عن حكم اللقيط معدداً أقسام دار الإسلام : ( فاللقيط يوجد في دار الإسلام أو دار الكفر ، الحال الأول : دار الإسلام وهي ثلاثة أضرب :
أحدها : دار يسكنها المسلمون فاللقيط الموجود فيها مسلم وإن كان فيها أهل ذمة تغليباً للإسلام.
الثاني : دار فتحها المسلمون وأقروها في يد الكفار بجزية فقد ملكوها أو صالحوهم ولم يملكوها ، فاللقيط فيها مسلم إن كان فيها مسلم واحد فأكثر ، وإلا فكافر على الصحيح .
الثالث : دار كان المسلمون يسكنونها ثم جلوا عنها وغلب عليها الكفار ) إهـ
فكما ترى فقد عد الدار التي حكمها الإسلام يوماً وسكنها المسلمون ثم تغلب عليها الكفار من أقسام دار الإسلام ولهذا قال بعدها معلقاً : [وأما عد الأصحاب الضرب الثالث دار إسلام فقد يوجد في كلامهم ما يقتضي أن الاستيلاء القديم يكفي لاستمرار الحكم ، ورأيت لبعض المتأخرين تنزيل ما ذكروه على ما إذا كانوا لا يمنعون المسلمين منها فإن منعوهم فهي دار كفر) إهـ
وقال الرملي الأنصاري عند كلامه على حكم اللقيط يوجد في دار الإسلام : ( إذا وجد صغير لقيط بدار الإسلام ولو كان فيها أهل ذمة كدار فتحها المسلمون ثم أقروها بيد كفار صلحا أو بعد ملكها بجزية ، أو دار غلبهم عليها الكفار وسكنوها) إهـ .
وهذا لا يختلف عن المنقول قبله ، إلا أن هذا ليس قول الشافعية كلهم ، بل نقل ابن قدامة عن الشافعي نفسه خلاف هذا حيث قال : ( فصل ومتى ارتد أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم
وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة – إلى أن قال – وبهذا قال الشافعي) إهـ .
إن كان مقصود ابن قدامة هو موافقة الإمام الشافعي لهم فيما ذكره من الأحكام لا في الاسم ، بمعنى أنه وإن كان معهم في إجراء أحكام دار الحرب على دماء أهلها المرتدين وأموالهم وأبنائهم إلا أنه لا يسمي الدار (دار حرب) وهذا محتمل في كلام ابن قدامة وليس بظاهر والله تعالى أعلم .
وقال الماوردي -رحمه الله- عند كلامه عن حكم اللقيط في دار الحرب : ( أما دار الشرك فعلى ثلاثة أضرب أيضاً ... والضرب الثالث : كان من بلاد الإسلام التي غلب عليها المشركون حتى صارت دار شرك كطرسوس وإنطاكية ، وما جرى مجرى ذلك من الثغور المملوكة على المسلمين) إهـ فقد نص على أن طرسوس التي تغلب عليها الكافرون أصبحت بغلبتهم دار كفر خلافاً لما نقلناه سابقاً عن بعض الشافعية ، ونشير هنا إلى أن القائلين بأن دار الإسلام لا يمكن أن تتحول بحال إلى دار كفر يوجد في أقوالهم نوع تناقض ، فمما ذكروه في هذا الصدد أن المسلم المقيم في دار الكفر وله قوة وشوكة يستطيع بها أن يمنع نفسه ويقيم شعائر دينه لا يجوز له أن يهاجر إلى دار الإسلام معللين ذلك بأن انتقاله إلى دار الإسلام يجعل الموضع الذي كان يقيم فيه دارَ كفر قال الإمام النووي : ( قال صاحب الحاوي فإن كان يرجو ظهور الإسلام هناك بمقامه فالأفضل أن يقيم ، قال : وإن قدر على الامتناع في دار الحرب والاعتزال وجب عليه المقام بها لأن موضعه دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب فيحرم ذلك ، ثم إن قدر على قتال الكفار ودعائهم إلى الإسلام لزمه وإلا فلا والله أعلم) إهـ .
فكيف يصير مكانه دار حرب وهم يجعلون الموطن الذي صار دار إسلام لا يمكن أن يتحول إلى دار حرب مطلقاً ؟ ولكن يمكن أن يقال إن الماوردي يرى انقلاب دار الإسلام دارَ حرب كما نقلته عنه قريباً في حق طرسوس وعليه فلا يلزمه التناقض ، إلا أن الشربيني – وهو من القائلين بعدم تغير صفة الدار – قد نقل كلام الماوردي هذا وأقره وجعله استثناء عن استحباب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فقال : ( تنبيه : محل استحبابها – أي الهجرة - ما لم يرجُ ظهور الإسلام هناك بمقامه ، فإن رجاه فالأفضل أن يقيم ، ولو قدر على الامتناع بدار الحرب والاعتزال وجب عليه المقام بها ، لأن موضعه دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب فيحرم ذلك) إهـ
إلا أن بعض علماء الشافعية تنبه لهذا الأمر وشعر باحتمال تطرق التناقض لهذا التقرير فتحاشى ذلك وجعل لها تخريجاً وسماها دار إسلام صورة لا حكماً ، قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- : ( تنبيه" يؤخذ من قولهم : لأن محله دار إسلام أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربيين صار دار إسلام ، وحينئذ الظاهر أنه يتعذر عوده دار كفر وإن استولوا عليه كما صرح به الخبر الصحيح : " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " ، فقولهم لصار دار حرب المراد به صيرورته كذلك "صورة لا حكما" وإلا لزم أن ما استولوا عليه من دار الإسلام يصير دار حرب ، ولا أظن أصحابنا يسمحون بذلك ... ثم رأيت الرافعي وغيره ذكروا نقلاً عن الأصحاب أن دار الإسلام ثلاثة أقسام : قسم يسكنه المسلمون ، وقسم فتحوه وأقروا أهله عليه بجزية ملكوه أو لا ، وقسم كانوا يسكنونه ثم غلب عليه الكفار.
قال الرافعي وعدهم القسم الثاني يبين أنه يكفي في كونها دار إسلام كونها تحت استيلاء الإمام وإن لم يكن فيها مسلم قال : وأما عدهم الثالث فقد يوجد في كلامهم ما يشعر بأن الاستيلاء القديم يكفي لاستمرار الحكم ، ورأيت لبعض المتأخرين أن محله إذا لم يمنعوا المسلمين منها وإلا فهي دار كفر انتهى.
وما ذكره عن بعض المتأخرين بعيد نقلاً ومدركاً كما هو واضح ، وحينئذ فكلامهم صريح فيما ذكرته أن ما حكم بأنه دار إسلام لا يصير بعد ذلك دار كفر مطلقاً) إهـ
وقال الرملي -رحمه الله- : ( واعلم أنه يؤخذ من قولهم : لأن محله دار الإسلام أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربيين صار دار إسلام ، وحينئذ فيتجه تعذر عوده دار كفر وإن استولوا عليه كما صرح به في خبر :" الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ".
فقولهم لصار دار حرب المراد به صيرورته كذلك "صورة لا حكماً" ، وإلا لزم أن ما استولوا عليه من دار الإسلام يصير دار حرب وهو بعيد) إهـ
وقال العجلي أيضاً : ( وقوله فيحرم أن يصيره باعتزاله عنه دار حرب أي : "صورة لا حكما" إذ ما حكم بأنه دار إسلام لا يصير بعد ذلك دار كفر مطلقاً) إهـ .
واما مذهب أبو حنيفة -رحمه الله- فهو لا يحكم على الدار بأنها دار كفر ما لم تتوفر فيها شروط ثلاثة ، أولها : علو أحكام الكفر عليها ، ثانيها : أن تلتصق بدار الحرب من كل جهة ، ثالثها : أن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمنا بأمنه الأول ، أما صاحباه فيجعلان الدار دار كفر بمجرد علو أحكام الكفر وغلبة الكافرين عليها وقد قال السرخسي الحنفي مبينا وجه كلا القولين : ( وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا أظهروا أحكام الشرك فيها – أي في الدار التي غلبوا عليها – فقد صارت دارهم دار حرب لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة ، فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب ، وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين ، ولكن أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى يعتبر تمام القهر والقوة ، لأن هذه البلدة كانت من دار الإسلام محرزة للمسلمين ، فلا يبطل ذلك الإحراز إلا بتمام القهر من المشركين ، وذلك باستجماع الشرائط الثلاث ، لأنها إذا لم تكن متصلة بالشرك فأهلها مقهورون بإحاطة المسلمين بهم من جانب ، فكذلك إن بقي فيها مسلم أو ذمي آمن ، فذلك دليل عدم تمام القهر منهم ، ثم ما بقي شيء من آثار الأصل فالحكم له دون العارض كالمحلة إذا بقي فيها واحد من أصحاب الخطة فالحكم له دون السكان والمشترين ، وهذه الدار كانت دار إسلام في الأصل ، فإذا بقي فيها مسلم أو ذمي فقد بقي أثر من آثار الأصل فبقي ذلك الحكم) إهـ
وقال الكاساني : ( وجه قولهما إن قولنا دار الإسلام ودار الكفر إضافة دار إلى الإسلام وإلى الكفر ، وإنما تضاف الدار إلى الإسلام أو إلى الكفر لظهور الإسلام أو الكفر فيها ، كما تسمى الجنة دار السلام والنار دار البوار ، لوجود السلامة في الجنة والبوار في النار ، وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما ، فإذا ظهر أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر فصحت الإضافة ، ولهذا صارت الدار دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شريطة أخرى ، فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها والله أعلم ، وجه قول أبي حنيفة -رحمه الله- أن المقصود من إضافة الدار إلى الإسلام والكفر ليس هو عين الإسلام والكفر ، وإنما المقصود هو الأمن والخوف ، ومعناه : أن الأمان إن كان للمسلمين فيها على الإطلاق والخوف للكفرة على الإطلاق فهي دار الإسلام ، وإن كان الأمان فيها للكفرة على الإطلاق والخوف للمسلمين على الإطلاق فهي دار الكفر ، والأحكام مبنية على الأمان والخوف لا على الإسلام والكفر ، فكان اعتبار الأمان والخوف أولى ، فما لم تقع الحاجة للمسلمين إلى الاستئمان بقي الأمن الثابت فيها على الإطلاق فلا تصير دار الكفر ، وكذا الأمن الثابت على الإطلاق لا يزول إلا بالمتاخمة لدار الحرب ، فتوقف صيرورتها دار الحرب على وجودهما ، مع أن إضافة الدار إلى الإسلام احتمل أن يكون لما قلتم واحتمل أن يكون لما قلنا وهو ثبوت الأمن فيها على الإطلاق للمسلمين وإنما يثبت للكفرة بعارض الذمة والاستئمان ، فإن كانت الإضافة لما قلتم تصير دار الكفر بما قلتم ، وإن كانت الإضافة لما قلنا لا تصير دار الكفر إلا بما قلنا ، فلا تصير ما به دار الإسلام بيقين دار الكفر بالشك والاحتمال ، على الأصل المعهود أن الثابت بيقين لا يزول بالشك والاحتمال ،بخلاف دار الكفر حيث تصير دار الإسلام لظهور أحكام الإسلام فيها لأن هناك الترجيح لجانب الإسلام ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " الإسلام يعلو ولا يعلى " فزال الشك ، على أن الإضافة إن كانت باعتبار ظهور الأحكام لكن لا تظهر أحكام الكفر إلا عند وجود هذين الشرطين ، أعني المتاخمة وزوال الأمان الأول ، لأنها لا تظهر إلا بالمنعة ، ولا منعة إلا بهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم) .
وعلى مقتضى ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة أفتى ابن عابدين بأن جبل الدروز في سوريا ، والذي كان تحت سيطرتهم ، وتجري فيه أحكامهم وتحكم قضاتهم ، أفتى – رغم ذلك كله – بأنه دار إسلام ، لما فقد أحد الشروط الثلاثة وهو اتصاله بدار الكفر قال – -رحمه الله- - في ذلك : ( قلت : وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز وبعض البلاد التابعة ، كلها دار إسلام ، لأنها وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى ، ولهم قضاة على دينهم ، وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين ، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا ، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب ، وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها) إهـ .
هذا وقد ذهب بعض العلماء إلى أن دار الإسلام لا تصير دار كفر وإن غلب عليها الكفار وأجروا أحكامهم ما دام فيها مسلمون وتقام فيها شعائر الإسلام كصلاة الجماعة والجمعة ونحوها ، قال الدسوقي : ( لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها) إهـ.
ونظير هذا ما أجاب به الإمام الرملي عندما سئل عن "أراغون" وهي في الأندلس وقد تغلب عليها النصارى ، وأقروا المسلمين فيها ، وضربوا عليهم خراج الأرض يؤخذ منهم بقدر ما يستخرجونه منها ، ولم يظلموا في أموالهم ولا في أنفسهم ، ويقيمون الصلوات في المساجد ، ويظهرون شعائر الإسلام جهرةً ، ويقيمون شريعة الله علنا فهل تجب عليهم الهجرة أم لا ؟ فأجاب الإمام الرملي : ( بأنه لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم ، لقدرتهم على إظهار دينهم به ، ولأنه صلى الله عليه وسلم بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكة لقدرته على إظهار دينه بها ، بل لا تجوز الهجرة منه ، لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم ، ولأنه دار إسلام ، فلو هاجروا منه صار دار حرب) إهـ .
فجملة الأقوال في تحول دار الإسلام إلى دار الكفر هي :
الأول: أن الدار تصير دار كفر بمجرد تغلب الكفار عليها وإجراء أحكامهم على أهلها .
الثاني : أن دار الإسلام لا يمكن أن تنقلب دار كفر بأي حال من الأحوال حتى ولو أخذها الكفار وأجلوا عنها المسلمين وأقاموا فيها أحكامهم.
الثالث : أن دار الإسلام إذا أخذها الكفار وتغلبوا عليها وكان السلطان لهم ولكن بقي فيها مسلمون يقيمون شعائر دينهم فإنها لا تزال في هذه الحالة دار إسلام ولا تصير دار كفر .
الرابع : أن دار الإسلام إنما تصير دار حرب بتوفر شروط ثلاثة وقد ذكرناها مراراً وهو قول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله تعالى .
والذي ينبغي أن يقال هو أن العبرة بالمسميات والحقائق لا بمجرد الأسماء والصور ، فكما أن الدار التي كانت بأيدي الكافرين ، وتجري عليها أحكامهم ، ولهم فيها القوة والمنعة الشوكة ، إذا غلب عليها أهل الإسلام ، وجرت عليها أحكامه ، فإنها تصير بذلك دار إسلام بالاسم والحقيقة ولو بقي فيها كفار ذميون ، فكذلك دار الإسلام التي تحكم بشرائعه وله فيها القوة والغلبة والسلطان ، إذا تبدل حالها وغلب عليها الكافرون أيا كان جنسهم وملتهم ، وأجروا عليها أحكامهم فإنها تصير بذلك دار كفر ولا يبقى معنى في التشبث بوصفها دار إسلام مع هذه الحال ، لأنها لا تختلف في شيء عن دار الكفر التي لم يفتحها المسلمون أصلا اللهم إلا في تعين إرجاعها إلى الحكم الإسلامي ، وفرضية مقاتلة غاصبيها ، أو في كون غالب سكانها من المسلمين وإن لم يكن هذا دائما ، فالأندلس وهي ما تسمى اليوم بأسبانيا ، قد فتحها المسلمون بسيوفهم وسقط فيها آلاف الشهداء ، وتخرج منها الكثير من أفذاذ العلماء ، واستنارت بنور الإسلام وهديه أحقاباً طويلة ، ونعمت بحكمه قروناً مديدة ، ثم دارت الدائرة على المسلمين ، وتغلب عليها النصارى الصليبيون ، فاستأصلوا منها الإسلام والمسلمين ولم يبقوا فيها أحداً ممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ومنذ سقوطها وإلى اليوم هي تحت حكمهم وسلطانهم وليس بينها وبين بلدان النصارى الأخرى مثل بريطانيا وأمريكا وغيرها من الفروق إلا المعالم الإسلامية التي صارت مزاراً للسياح ومرتعاً للسفاح ، فهل مع مثل هذه الحال والصفة يقال إن الأندلس ما زالت دار إسلام سواء في الصورة أو الحكم ، لا شك في بُعْدِ هذا القول وضعفه ، والحاصل أنه وكما أن دار الكفر تنقلب إلى دار إسلام – وهذا موضع اتفاق – بظهور أحكامه عليها فكذلك دار الإسلام تنقلب إلى دار كفر إذا غلبت عليها أحكامه ، قال شيخ الإسلام –رحمه الله- : ( فإن كون الأرض دار كفر ، أو دار إسلام ، أو إيمان ، أو دار سلم ، أو حرب ، أو دار طاعة ، أو معصية ، أو دار المؤمنين ، أو الفاسقين ، أوصاف عارضة لا لازمة ، فقد تنتقل من وصف إلى وصف ، كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم وكذلك بالعكس) إهـ .
ومن هذا ما حدث عند تغلب العبيديين على مصر حيث قال فيها شيخ الإسلام - -رحمه الله: ( ولأجل ما كانوا عليه من الزندقة والبدعة بقيت البلاد المصرية مدة دولتهم نحو مائتي سنة قد انطفأ نور الإسلام والإيمان ، حتى قالت فيها العلماء إنها كانت دار ردة ونفاق كدار مسيلمة الكذاب) إهـ .
أما عن الشروط التي نقلت عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- حتى تصير الدار دار كفر فقد ردها ابن قدامة بقوله : ( لنا أنها دار كفار فيها أحكامهم فكانت دار حرب كما لو اجتمع فيها هذه الخصال أو دار الكفرة الأصليين) إهــ.
وبهذا يتبين أن القدر الحقيقي الذي تصير به الدار دار كفر هو علو أحكام الكافرين وجريانها عليها ، حتى ولو كان أكثر سكانها من المسلمين ، تماماً كما لو ضربت الجزية على قوم من الكافرين وصارت أحكام الإسلام هي المهيمنة والجارية ، فإن الدار بذلك تصبح دار إسلام دون النظر إلى سكانها ، أما اشتراط كون الدار التي يحكم عليها بأنها دار كفر لا بد أن تكون منفصلة عن دار الإسلام ، فلا يظهر بالتأمل أن له تأثيراً حقيقيا ، إذ ما معنى قربها أو بعدها من دار الإسلام إذا كانت الأحكام الجارية والمسيطرة والغالبة هي أحكام الكفار ، وأي تأثير لهذا القرب مادام المسلمون تحت سلطانهم وقهرهم وتحكمهم قوانينهم ، ومما يدل على ذلك أن الله سبحانه قد ذكر الهجرة في كتابه وحث عليها وبين ما أعده للمهاجرين ، وتوعد الباقين بين أظهر الكافرين مع قدرتهم على الخروج ، وعلق الوعيد على أمر واحد وهو عدم القدرة على إظهار الدين ، ومعلوم أن العجز عن إقامة الدين وإظهار شعائره إنما يوجد حين تكون الغلبة للكافرين ، لأن الضعف يقابله القوة كما قال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ) سورة النساء97- 99.
فلما احتج هؤلاء الذين لحقهم الوعيد بالاستضعاف ظناً منهم أنه عذر لهم في ترك الهجرة التي هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وردت عليهم الملائكة حجتهم بأن أرض الله واسعة فيمكن إزالة هذا الاستضعاف بالهجرة والخروج ، علمنا من ذلك أن مدار الأمر ومناط الحكم وتعليقه إنما هو في القدرة على إزالة الاستضعاف الناتج عن قوة الكافرين وغلبتهم ، ومعلوم أن تمام القوة والتمكين والاستطاعة لا يمكن إلا حيث تكون للمسلمين دولة وشوكة وسلطان يقيمون بها أحكام الله تعالى ،كما أن تمام تمكن الكافرين وبلوغهم الغاية في القهر والإذلال للمسلمين لا يتحقق إلا حينما تكون لهم القوة والشوكة والسلطان والذي يتمثل في دولة يحكمونها ، ومن المعلوم أن الهجرة هي جزء من الأحكام الناشئة عن تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار كفر.
إذا تبين هذا ونظرنا في حال أغلب ديار المسلمين اليوم وما يعلوها من أحكام الكفر والجاهلية من القوانين الوضعية ، وعلمنا أنها قد فرضت على المسلمين فرضاً وأقيمت فوقهم قسراً وأجريت عليهم قهراً ، وألزموا بالتحاكم إليها إلزاماً ، وقدمت فيها على أحكام الشرع الحنيف ، وصارت هي الغالبة المسيطرة على الديار ، حتى أصبح من العسير أن يأخذ المسلم حقه وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ، ذلك لأن المحاكم التي تحكم بشرع الله صارت منعدمة فيها ، وإن وجد منها شيء فهو في جوانب محددة مقيدة لا تتجاوزها أو تتعداها وهي ما يسمونها بالأحوال الشخصية ، هذا مع ما داخلها من التشويه والتلبيس والمزج بشيء من لوثة تلك القوانين الوضعية والنظم الطاغوتية ، حيث وضعت في قوالب وسكك لا يمكنها الخروج منها والانفكاك عنها فهي تابعة وليست متبوعة ، ومحكومة وليست حاكمة ، ولهذا كانت مسألة الحكم بما أنزل الله وما يتصل بها من أحكام من أكثر القضايا – إن لم تكن أكثرها على الإطلاق – بحثا ومناقشة وتناولا لها في الكتب والرسائل والبحوث والفتاوى والمحاضرات ، زد على ذلك كله أن المسلمين الملتزمين بدينهم الحق لم يعودوا آمنين في هذه الديار ، بل هم مطاردون مضيق عليهم عرضة في كل حين للاضطهاد والتنكيل والتشريد على أيدي حكام هذه البلدان ، لا لشيء إلا لأنهم رجعوا للحق ودعوا إليه ، ولا أظن أن أحدا يماري أو ينكر مثل هذه الحقائق التي أصبحت اليوم أبين من الشمس في رابعة النهار ليس دونها حجاب ، وإلا فما بال سجون هؤلاء الطواغيت قد غصت بالشباب المسلمين المستمسكين بالهدى والحق بينما أعداء الله ورسوله من الملحدين والعلمانيين واليهود والنصارى يعربدون ويفسدون عقائد المسلمين ويهدمون دينهم ويعبثون بأخلاقهم ، ويشاقون الله ورسوله على مرأى من الناس ، ولهم في ذلك كله من هؤلاء الطغاة كامل الحماية وتمام التقدير والتبجيل والاحترام والحفاوة وتوفير سبل العيش في أرقى مستوياته ، إذا تبين هذا وعلمنا أن مناط الحكم على الديار – ألا وهو اعتبار الأحكام التي تعلوها وتهيمن عليها- قد وجد فيها وغدا واضحا جليا وسمة بارزة مميزة لها استطعنا أن نحكم على هذه الديار التي صفتها ما ذكرنا بأنها ديار حرب وكفر وردة ، وإن كان صوت الأذان يرفع فوق مآذنها أو الجماعات تقام في مساجدها ، أو العيدين تصلى في مصلياتها أو المنابر تهتز بالخطب فوقها ، أو أن أكثر سكانها من المسلمين ، فكل هذا لا يغير من الحكم شيئا ، لأنه ليس مناطا للحكم ، ولا مداره عليه ، فإن المساجد اليوم في كثير من الدول الغربية النصرانية ، ومثل ذلك المراكز والهيئات الإسلامية ، ونسبة المسلمين في تلك البلاد عالية وإن لم يكونوا الأكثر ، بل أغلب هذه الدول أصبحت أمن للمسلم من كثير من الدول التي افتتحها المسلمون وكانت يوماً ما دار إسلام ، ومع ذلك فإن ديارهم ديار كفر وحرب ، وكما ذكرنا من قبل ونبهنا عليه ونعيده هنا لأهميته أن هذا الحكم إنما هو للديار فقط ، وهو صفة لها وليس لساكنيها ، ولا تلازم بين الحكم على الدار بأنها دار كفر وبين الحكم على أهلها بأنهم كفار ، فالمسلم تبقى حرمة نفسه وماله ودمه وعرضه أينما وجد وحيثما حل ، ولا ينبغي الخلط بين الأمرين ، فإنه كما حكم بعض الناس على بعض هذه الديار بأنها ديار إسلام وجعلوا حكامها ولاة أمور يجب السمع والطاعة لهم ونتج عن ذلك أحكام منحرفة زائغة ، وفي المقابل هناك من يفهم من القول بأن هذه البلاد أصبحت ديار كفر أن أهلها صاروا بذلك كفارا مرتدين ورتبوا على ذلك أحكاماً واستخلصوا نتائج هي أشد ضلالا وأكثر زيغاً من القول الأول ، والحق وسط بين هذين القولين ، فلا الديار التي غلبت عليها أحكام المرتدين ونظمهم وقوانينهم يحكم عليها بأنها ديار إسلام بمجرد أن أكثر أهلها مسلمون ، ولا سكانها يستحقون الحكم عليهم بالكفر والردة بناء على أن الديار التي يقطنونها هي كذلك ، وقد نقلنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن ماردين ، وكلامه ينطبق تماما على هذه الديار من حيث التفصيل ، وذلك بغض النظر عن جعلها قسما ثالثا كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في ماردين ، أو جعلها ديار كفر كما هو قول الجمهور وهو الراجح إن شاء الله.
ولعل أبرز الصور التي تنطبق على هذه البلدان من حيث الحكم والوصف ومن حيث اعتبار حال أهلها وإبقاؤهم على حكم الإسلام رغم تسلط المرتدين عليها هو ما جرى من غلبة العبيديين على مصر وإجراء أحكامهم الكفرية على أهلها ، مع إقامتهم لكثير من شعائر الإسلام الظاهرة كالجمع والعيدين والصلوات الخمس والأذان و إن مزجوا كثيرا من هذه العبادات ببدعهم ، ومع ذلك فقد أفتى العلماء بأن دارهم قد صارت دار كفر وردة ، ولم ويستلزم من ذلك أن يكون جميع من فيها كفارا بمجرد ذلك ، وقد نقلنا ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى في ذلك ، ومن المعلوم أن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- لما تغلب على مصر وأزال دولة العبيديين عنها وأعاد الحكم لأهل السنة لم يستتب سكانها ولم يحكم عليهم بالكفر والردة باعتبار سابق بقائهم تحت حكم المرتدين ، بل أنقذهم من ظلم أولئك المارقين الزنادقة وأرجع الدولة إلى حوزة المسلمين.
قال الإمام الذهبي -رحمه الله- : ( قال القاضي عياض : أجمع العلماء بالقيروان أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة) إهـ .
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- : ( قصة بني عبيد القداح : فإنهم ظهروا على رأس المائة الثالثة ، فادعى عبيد الله أنه من آل علي بن أبي طالب ، ومن ذرية فاطمة ، وتزيَّ بزي أهل الطاعة والجهاد في سبيل الله ، فتبعه أقوام من البربر من أهل المغرب وصار له دولة كبيرة من المغرب ولأولاده من بعده ، ثم ملكوا مصر والشام ، وأظهروا شرائع الإسلام ، وإقامة الجمعة والجماعة ، ونصبوا القضاة والمفتين ، لكن أظهروا الشرك ومخالفة الشريعة ، وظهر منهم ما يدل على نفاقهم وشدة كفرهم ، فأجمع أهل العلم : أنهم كفار وأن دارهم دار حرب مع إظهار شعائر الإسلام ، وفي مصر من العلماء والعباد أناس كثير ، وأكثر أهل مصر لم يدخل معهم فيما أحدثوا من الكفر ، مع ذلك : أجمع العلماء على ما ذكرنا ، حتى إن بعض أهل العلم المعروفين بالصلاح قال : لو أن معي عشرة أسهم لرميت بواحد منها النصارى المحاربين ، ورميت بالتسعة بني عبيد ولما كان زمن السلطان محمود بن زنكي أرسل إليهم جيشا عظيما بقيادة صلاح الدين ، فأخذوا مصر من أيديهم ، ولم يتركوا جهادهم بمصر لأجل من فيها من الصالحين) إهــ .
فهذا النص بيِّنٌ فيما ذكرنا من عدم التلازم بين الحكم على الدار بأنها دار كفر وردة بسبب ما يعلوها من أحكام الكافرين ولأجل تغلبهم عليها ، وبين بقاء إسلام سكانها المحكومين بتلك القوانين والمقهورين بسلطان الكافرين ، فالحكم على الدار لا يعني إطلاقا الحكم على السكان ، وذلك كأهل الذمة الذين لا يكونون مسلمين مع إقامتهم في دولة الإسلام وجريان أحكامه عليهم ، وقد أشار الشيخ محمد أبو زهرة إلى ثمرة الخلاف بين الجمهور وأبي حنيفة في صيرورة دار الإسلام دار كفر بقوله : ( لعل ثمرة الخلاف بين الرأيين تظهر في عصرنا هذا ، فإنه على تطبيق رأي أبي حنيفة : تكون الأقاليم الإسلامية من أقصى المغرب إلى سهول تركستان وباكستان ديارا إسلامية ، لأنها إن كان سكانها لا يطبقون أحكام الإسلام ، يعيشون بأمان الإسلام الأول وبذلك تكون الديار ديارا إسلامية .
وبتطبيق رأي أبي يوسف ومحمد ومن معهما من الفقهاء تكون الأقاليم الإسلامية لا تُعد دار إسلام بل دار حرب ، لأنها لا تظهر فيها أحكام الإسلام ولا تطبق) إهــ .
وننقل هنا كلاماً جيداً للدكتور عبد الله بن أحمد القادري حول واقع كثير من البلدان الإسلامية في هذا العصر وتوضيح مناط الحكم على الديار ، وأن الحكم عليها بأنها دار حرب وكفر لا يلزم منها أن يكون أهلها كذلك كفارا فقال بعد كلام طويل له حول حقيقة دار الإسلام ودار الكفر : ( ولكن يجب أن يبين هنا ما تصير به البلاد الإسلامية دار كفر والباحث يميل إلى تلك القاعدة وهي : "أن أي بلد كانت فيه القوة والسلطان للكفار الذين يطبقون أحكام الكفر ويقصون أحكام الإسلام من حياة الناس السياسية والاجتماعية والعسكرية ولا يستطيع المسلمون أن يطبقوا من أحكام الإسلام إلا ما أذن به ذوو السلطان الكفرة مما لا تعلو به كلمة الله ولا تسقط به راية الكفر فإن ذلك البلد الذي تحققت فيه هذه الأمور هو دار كفر وليس دار إسلام" ولو كان أغلب سكانه مسلمين ، ولو كان حكام الكفر ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ، لأن العبرة في دار الإسلام بظهور أحكام الله فيها وكون كلمة الله هي العليا ، والعبرة في دار الكفر بظهور أحكام الكفر وكون مناهج الحياة فيها هي مناهج كفر لا مناهج إسلام .
ولا يهولن القارئ إن هذه القاعدة تنطبق على بلدان أغلب سكانها مسلمون يقيمون شعائر دينهم التي أذن لهم بإقامتها حكامهم المحاربون لله ولرسوله وللمؤمنين ، فإن العبرة ليست بكثرة من ينتسب إلى الإسلام وإنما هي بمن يطبق أحكامه ويظهرها وينصرها ، ويظهر ذلك بعكس هذه المسألة ، وهو أن يغلب المسلمون على بلد أغلب سكانه كفار فيقيمون في ذلك البلد أحكام الإسلام وهم أقل من سكانه فإنه يكون دار إسلام وليس دار كفر ، فكذلك إذا استولت شرذمة من الكفار على بلد أغلب سكانه مسلمون فأقامت تلك الشرذمة في هذا البلد أحكام الكفر فإنه يصير بلاد كفر وليس بلاد إسلام ومن أوضح الأمثلة على ذلك ألبانيا التي لا زالت أسماء بعض حكامها أسماء مسلمين وأغلب سكانها مسلمون ولكن الزمرة الحاكمة فيها اشتطت في تطبيق أحكام أعظم كفر وجد على ظهر الأرض وهو الإلحاد الماركسي ، وإذا كانت ألبانيا أصبحت دار كفر بذلك فما الفرق بينها وبين بلدان أخرى في غير أوروبا تسير في نفس هذا السبيل ويعلن للملأ حكامها بأنهم لينينيون ماركسيون أو علمانيون لا يعترفون بحكم الله في جزئية من الجزئيات وقد يخدعون المسلمين بالإذن لهم بتطبيق بعض الأحكام التي لا يرون من تطبيقها ضررا على حكمهم الكافر .
ولا يلزم من إطلاق اسم دار الكفر على تلك الديار كفر جميع سكانها فقد يكون منهم المسلم المغلوب على أمره ومنهم الكافر الغالب ولا عبرة بقلة أو بكثرة وقد تكون البلاد بلاد إسلام فيستولي عليها الكفار ويطبقون فيها أحكام الكفر فتنقلب دار كفر كما أن بعض الديار تكون دار كفر فيستولي عليها المسلمون ويطبقون فيها أحكام الإسلام فتنقلب دار إٍسلام وهكذا ... والدليل الواضح من الواقع وهو أن الكفرة الذين يطبقون أحكام الكفر ويستميتون في إبقائها وتثبيتها لو دعاهم داع إلى الإسلام وإظهار أحكامه بدلا من الكفر لما استجابوا له بل إنهم لينصبون له العداء ويستعدون لحربه كما يفعل الكفار في بلاد الكفر الأصلية) إهــ .
منقــوا بتصرف بسيط .
فهـــذا كلام جيد في مسألة كيف تتحول دار الإسلام إلى دار كفر مع عرض أقوال العلماء في المسألة .
تفضلوا هــذا هــو الموضوع :
سؤال : هل تنقلب دار الإسلام إلى دار كفــر وما هي أقوال العلماء في المسألة ؟
الجواب : لا يوجد ما يمنع من تحول دار الإسلام إلى دار كفر بهذا الاعتبار ، وذلك إذا تغلب الكافرون عليها وأجروا فيها أحكامهم وكانت القوة والغلبة لهم ، وقد اختلف العلماء في تحول دار الإسلام إلى دار كفر ، فذهب بعض الشافعية إلى أن دار الإسلام لا يمكن أن تصير دار كفر وحرب بأي حال من الأحوال ، حتى ولو تغلب عليها الكفرة وأجروا فيها أحكامهم ، وأجلوا المسلمين عنها ، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )
قال الشربيني الشافعي : ( ولو غلب الكفار على بلدة يسكنها المسلمون كطرسوس لا تصير دار حرب) إهـ
وقال الإمام النووي رحمه الله عند كلامه عن حكم اللقيط معدداً أقسام دار الإسلام : ( فاللقيط يوجد في دار الإسلام أو دار الكفر ، الحال الأول : دار الإسلام وهي ثلاثة أضرب :
أحدها : دار يسكنها المسلمون فاللقيط الموجود فيها مسلم وإن كان فيها أهل ذمة تغليباً للإسلام.
الثاني : دار فتحها المسلمون وأقروها في يد الكفار بجزية فقد ملكوها أو صالحوهم ولم يملكوها ، فاللقيط فيها مسلم إن كان فيها مسلم واحد فأكثر ، وإلا فكافر على الصحيح .
الثالث : دار كان المسلمون يسكنونها ثم جلوا عنها وغلب عليها الكفار ) إهـ
فكما ترى فقد عد الدار التي حكمها الإسلام يوماً وسكنها المسلمون ثم تغلب عليها الكفار من أقسام دار الإسلام ولهذا قال بعدها معلقاً : [وأما عد الأصحاب الضرب الثالث دار إسلام فقد يوجد في كلامهم ما يقتضي أن الاستيلاء القديم يكفي لاستمرار الحكم ، ورأيت لبعض المتأخرين تنزيل ما ذكروه على ما إذا كانوا لا يمنعون المسلمين منها فإن منعوهم فهي دار كفر) إهـ
وقال الرملي الأنصاري عند كلامه على حكم اللقيط يوجد في دار الإسلام : ( إذا وجد صغير لقيط بدار الإسلام ولو كان فيها أهل ذمة كدار فتحها المسلمون ثم أقروها بيد كفار صلحا أو بعد ملكها بجزية ، أو دار غلبهم عليها الكفار وسكنوها) إهـ .
وهذا لا يختلف عن المنقول قبله ، إلا أن هذا ليس قول الشافعية كلهم ، بل نقل ابن قدامة عن الشافعي نفسه خلاف هذا حيث قال : ( فصل ومتى ارتد أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم
وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة – إلى أن قال – وبهذا قال الشافعي) إهـ .
إن كان مقصود ابن قدامة هو موافقة الإمام الشافعي لهم فيما ذكره من الأحكام لا في الاسم ، بمعنى أنه وإن كان معهم في إجراء أحكام دار الحرب على دماء أهلها المرتدين وأموالهم وأبنائهم إلا أنه لا يسمي الدار (دار حرب) وهذا محتمل في كلام ابن قدامة وليس بظاهر والله تعالى أعلم .
وقال الماوردي -رحمه الله- عند كلامه عن حكم اللقيط في دار الحرب : ( أما دار الشرك فعلى ثلاثة أضرب أيضاً ... والضرب الثالث : كان من بلاد الإسلام التي غلب عليها المشركون حتى صارت دار شرك كطرسوس وإنطاكية ، وما جرى مجرى ذلك من الثغور المملوكة على المسلمين) إهـ فقد نص على أن طرسوس التي تغلب عليها الكافرون أصبحت بغلبتهم دار كفر خلافاً لما نقلناه سابقاً عن بعض الشافعية ، ونشير هنا إلى أن القائلين بأن دار الإسلام لا يمكن أن تتحول بحال إلى دار كفر يوجد في أقوالهم نوع تناقض ، فمما ذكروه في هذا الصدد أن المسلم المقيم في دار الكفر وله قوة وشوكة يستطيع بها أن يمنع نفسه ويقيم شعائر دينه لا يجوز له أن يهاجر إلى دار الإسلام معللين ذلك بأن انتقاله إلى دار الإسلام يجعل الموضع الذي كان يقيم فيه دارَ كفر قال الإمام النووي : ( قال صاحب الحاوي فإن كان يرجو ظهور الإسلام هناك بمقامه فالأفضل أن يقيم ، قال : وإن قدر على الامتناع في دار الحرب والاعتزال وجب عليه المقام بها لأن موضعه دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب فيحرم ذلك ، ثم إن قدر على قتال الكفار ودعائهم إلى الإسلام لزمه وإلا فلا والله أعلم) إهـ .
فكيف يصير مكانه دار حرب وهم يجعلون الموطن الذي صار دار إسلام لا يمكن أن يتحول إلى دار حرب مطلقاً ؟ ولكن يمكن أن يقال إن الماوردي يرى انقلاب دار الإسلام دارَ حرب كما نقلته عنه قريباً في حق طرسوس وعليه فلا يلزمه التناقض ، إلا أن الشربيني – وهو من القائلين بعدم تغير صفة الدار – قد نقل كلام الماوردي هذا وأقره وجعله استثناء عن استحباب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فقال : ( تنبيه : محل استحبابها – أي الهجرة - ما لم يرجُ ظهور الإسلام هناك بمقامه ، فإن رجاه فالأفضل أن يقيم ، ولو قدر على الامتناع بدار الحرب والاعتزال وجب عليه المقام بها ، لأن موضعه دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب فيحرم ذلك) إهـ
إلا أن بعض علماء الشافعية تنبه لهذا الأمر وشعر باحتمال تطرق التناقض لهذا التقرير فتحاشى ذلك وجعل لها تخريجاً وسماها دار إسلام صورة لا حكماً ، قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- : ( تنبيه" يؤخذ من قولهم : لأن محله دار إسلام أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربيين صار دار إسلام ، وحينئذ الظاهر أنه يتعذر عوده دار كفر وإن استولوا عليه كما صرح به الخبر الصحيح : " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " ، فقولهم لصار دار حرب المراد به صيرورته كذلك "صورة لا حكما" وإلا لزم أن ما استولوا عليه من دار الإسلام يصير دار حرب ، ولا أظن أصحابنا يسمحون بذلك ... ثم رأيت الرافعي وغيره ذكروا نقلاً عن الأصحاب أن دار الإسلام ثلاثة أقسام : قسم يسكنه المسلمون ، وقسم فتحوه وأقروا أهله عليه بجزية ملكوه أو لا ، وقسم كانوا يسكنونه ثم غلب عليه الكفار.
قال الرافعي وعدهم القسم الثاني يبين أنه يكفي في كونها دار إسلام كونها تحت استيلاء الإمام وإن لم يكن فيها مسلم قال : وأما عدهم الثالث فقد يوجد في كلامهم ما يشعر بأن الاستيلاء القديم يكفي لاستمرار الحكم ، ورأيت لبعض المتأخرين أن محله إذا لم يمنعوا المسلمين منها وإلا فهي دار كفر انتهى.
وما ذكره عن بعض المتأخرين بعيد نقلاً ومدركاً كما هو واضح ، وحينئذ فكلامهم صريح فيما ذكرته أن ما حكم بأنه دار إسلام لا يصير بعد ذلك دار كفر مطلقاً) إهـ
وقال الرملي -رحمه الله- : ( واعلم أنه يؤخذ من قولهم : لأن محله دار الإسلام أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربيين صار دار إسلام ، وحينئذ فيتجه تعذر عوده دار كفر وإن استولوا عليه كما صرح به في خبر :" الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ".
فقولهم لصار دار حرب المراد به صيرورته كذلك "صورة لا حكماً" ، وإلا لزم أن ما استولوا عليه من دار الإسلام يصير دار حرب وهو بعيد) إهـ
وقال العجلي أيضاً : ( وقوله فيحرم أن يصيره باعتزاله عنه دار حرب أي : "صورة لا حكما" إذ ما حكم بأنه دار إسلام لا يصير بعد ذلك دار كفر مطلقاً) إهـ .
واما مذهب أبو حنيفة -رحمه الله- فهو لا يحكم على الدار بأنها دار كفر ما لم تتوفر فيها شروط ثلاثة ، أولها : علو أحكام الكفر عليها ، ثانيها : أن تلتصق بدار الحرب من كل جهة ، ثالثها : أن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمنا بأمنه الأول ، أما صاحباه فيجعلان الدار دار كفر بمجرد علو أحكام الكفر وغلبة الكافرين عليها وقد قال السرخسي الحنفي مبينا وجه كلا القولين : ( وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا أظهروا أحكام الشرك فيها – أي في الدار التي غلبوا عليها – فقد صارت دارهم دار حرب لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة ، فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب ، وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين ، ولكن أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى يعتبر تمام القهر والقوة ، لأن هذه البلدة كانت من دار الإسلام محرزة للمسلمين ، فلا يبطل ذلك الإحراز إلا بتمام القهر من المشركين ، وذلك باستجماع الشرائط الثلاث ، لأنها إذا لم تكن متصلة بالشرك فأهلها مقهورون بإحاطة المسلمين بهم من جانب ، فكذلك إن بقي فيها مسلم أو ذمي آمن ، فذلك دليل عدم تمام القهر منهم ، ثم ما بقي شيء من آثار الأصل فالحكم له دون العارض كالمحلة إذا بقي فيها واحد من أصحاب الخطة فالحكم له دون السكان والمشترين ، وهذه الدار كانت دار إسلام في الأصل ، فإذا بقي فيها مسلم أو ذمي فقد بقي أثر من آثار الأصل فبقي ذلك الحكم) إهـ
وقال الكاساني : ( وجه قولهما إن قولنا دار الإسلام ودار الكفر إضافة دار إلى الإسلام وإلى الكفر ، وإنما تضاف الدار إلى الإسلام أو إلى الكفر لظهور الإسلام أو الكفر فيها ، كما تسمى الجنة دار السلام والنار دار البوار ، لوجود السلامة في الجنة والبوار في النار ، وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما ، فإذا ظهر أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر فصحت الإضافة ، ولهذا صارت الدار دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شريطة أخرى ، فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها والله أعلم ، وجه قول أبي حنيفة -رحمه الله- أن المقصود من إضافة الدار إلى الإسلام والكفر ليس هو عين الإسلام والكفر ، وإنما المقصود هو الأمن والخوف ، ومعناه : أن الأمان إن كان للمسلمين فيها على الإطلاق والخوف للكفرة على الإطلاق فهي دار الإسلام ، وإن كان الأمان فيها للكفرة على الإطلاق والخوف للمسلمين على الإطلاق فهي دار الكفر ، والأحكام مبنية على الأمان والخوف لا على الإسلام والكفر ، فكان اعتبار الأمان والخوف أولى ، فما لم تقع الحاجة للمسلمين إلى الاستئمان بقي الأمن الثابت فيها على الإطلاق فلا تصير دار الكفر ، وكذا الأمن الثابت على الإطلاق لا يزول إلا بالمتاخمة لدار الحرب ، فتوقف صيرورتها دار الحرب على وجودهما ، مع أن إضافة الدار إلى الإسلام احتمل أن يكون لما قلتم واحتمل أن يكون لما قلنا وهو ثبوت الأمن فيها على الإطلاق للمسلمين وإنما يثبت للكفرة بعارض الذمة والاستئمان ، فإن كانت الإضافة لما قلتم تصير دار الكفر بما قلتم ، وإن كانت الإضافة لما قلنا لا تصير دار الكفر إلا بما قلنا ، فلا تصير ما به دار الإسلام بيقين دار الكفر بالشك والاحتمال ، على الأصل المعهود أن الثابت بيقين لا يزول بالشك والاحتمال ،بخلاف دار الكفر حيث تصير دار الإسلام لظهور أحكام الإسلام فيها لأن هناك الترجيح لجانب الإسلام ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " الإسلام يعلو ولا يعلى " فزال الشك ، على أن الإضافة إن كانت باعتبار ظهور الأحكام لكن لا تظهر أحكام الكفر إلا عند وجود هذين الشرطين ، أعني المتاخمة وزوال الأمان الأول ، لأنها لا تظهر إلا بالمنعة ، ولا منعة إلا بهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم) .
وعلى مقتضى ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة أفتى ابن عابدين بأن جبل الدروز في سوريا ، والذي كان تحت سيطرتهم ، وتجري فيه أحكامهم وتحكم قضاتهم ، أفتى – رغم ذلك كله – بأنه دار إسلام ، لما فقد أحد الشروط الثلاثة وهو اتصاله بدار الكفر قال – -رحمه الله- - في ذلك : ( قلت : وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز وبعض البلاد التابعة ، كلها دار إسلام ، لأنها وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى ، ولهم قضاة على دينهم ، وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين ، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا ، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب ، وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها) إهـ .
هذا وقد ذهب بعض العلماء إلى أن دار الإسلام لا تصير دار كفر وإن غلب عليها الكفار وأجروا أحكامهم ما دام فيها مسلمون وتقام فيها شعائر الإسلام كصلاة الجماعة والجمعة ونحوها ، قال الدسوقي : ( لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها) إهـ.
ونظير هذا ما أجاب به الإمام الرملي عندما سئل عن "أراغون" وهي في الأندلس وقد تغلب عليها النصارى ، وأقروا المسلمين فيها ، وضربوا عليهم خراج الأرض يؤخذ منهم بقدر ما يستخرجونه منها ، ولم يظلموا في أموالهم ولا في أنفسهم ، ويقيمون الصلوات في المساجد ، ويظهرون شعائر الإسلام جهرةً ، ويقيمون شريعة الله علنا فهل تجب عليهم الهجرة أم لا ؟ فأجاب الإمام الرملي : ( بأنه لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم ، لقدرتهم على إظهار دينهم به ، ولأنه صلى الله عليه وسلم بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكة لقدرته على إظهار دينه بها ، بل لا تجوز الهجرة منه ، لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم ، ولأنه دار إسلام ، فلو هاجروا منه صار دار حرب) إهـ .
فجملة الأقوال في تحول دار الإسلام إلى دار الكفر هي :
الأول: أن الدار تصير دار كفر بمجرد تغلب الكفار عليها وإجراء أحكامهم على أهلها .
الثاني : أن دار الإسلام لا يمكن أن تنقلب دار كفر بأي حال من الأحوال حتى ولو أخذها الكفار وأجلوا عنها المسلمين وأقاموا فيها أحكامهم.
الثالث : أن دار الإسلام إذا أخذها الكفار وتغلبوا عليها وكان السلطان لهم ولكن بقي فيها مسلمون يقيمون شعائر دينهم فإنها لا تزال في هذه الحالة دار إسلام ولا تصير دار كفر .
الرابع : أن دار الإسلام إنما تصير دار حرب بتوفر شروط ثلاثة وقد ذكرناها مراراً وهو قول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله تعالى .
والذي ينبغي أن يقال هو أن العبرة بالمسميات والحقائق لا بمجرد الأسماء والصور ، فكما أن الدار التي كانت بأيدي الكافرين ، وتجري عليها أحكامهم ، ولهم فيها القوة والمنعة الشوكة ، إذا غلب عليها أهل الإسلام ، وجرت عليها أحكامه ، فإنها تصير بذلك دار إسلام بالاسم والحقيقة ولو بقي فيها كفار ذميون ، فكذلك دار الإسلام التي تحكم بشرائعه وله فيها القوة والغلبة والسلطان ، إذا تبدل حالها وغلب عليها الكافرون أيا كان جنسهم وملتهم ، وأجروا عليها أحكامهم فإنها تصير بذلك دار كفر ولا يبقى معنى في التشبث بوصفها دار إسلام مع هذه الحال ، لأنها لا تختلف في شيء عن دار الكفر التي لم يفتحها المسلمون أصلا اللهم إلا في تعين إرجاعها إلى الحكم الإسلامي ، وفرضية مقاتلة غاصبيها ، أو في كون غالب سكانها من المسلمين وإن لم يكن هذا دائما ، فالأندلس وهي ما تسمى اليوم بأسبانيا ، قد فتحها المسلمون بسيوفهم وسقط فيها آلاف الشهداء ، وتخرج منها الكثير من أفذاذ العلماء ، واستنارت بنور الإسلام وهديه أحقاباً طويلة ، ونعمت بحكمه قروناً مديدة ، ثم دارت الدائرة على المسلمين ، وتغلب عليها النصارى الصليبيون ، فاستأصلوا منها الإسلام والمسلمين ولم يبقوا فيها أحداً ممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ومنذ سقوطها وإلى اليوم هي تحت حكمهم وسلطانهم وليس بينها وبين بلدان النصارى الأخرى مثل بريطانيا وأمريكا وغيرها من الفروق إلا المعالم الإسلامية التي صارت مزاراً للسياح ومرتعاً للسفاح ، فهل مع مثل هذه الحال والصفة يقال إن الأندلس ما زالت دار إسلام سواء في الصورة أو الحكم ، لا شك في بُعْدِ هذا القول وضعفه ، والحاصل أنه وكما أن دار الكفر تنقلب إلى دار إسلام – وهذا موضع اتفاق – بظهور أحكامه عليها فكذلك دار الإسلام تنقلب إلى دار كفر إذا غلبت عليها أحكامه ، قال شيخ الإسلام –رحمه الله- : ( فإن كون الأرض دار كفر ، أو دار إسلام ، أو إيمان ، أو دار سلم ، أو حرب ، أو دار طاعة ، أو معصية ، أو دار المؤمنين ، أو الفاسقين ، أوصاف عارضة لا لازمة ، فقد تنتقل من وصف إلى وصف ، كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم وكذلك بالعكس) إهـ .
ومن هذا ما حدث عند تغلب العبيديين على مصر حيث قال فيها شيخ الإسلام - -رحمه الله: ( ولأجل ما كانوا عليه من الزندقة والبدعة بقيت البلاد المصرية مدة دولتهم نحو مائتي سنة قد انطفأ نور الإسلام والإيمان ، حتى قالت فيها العلماء إنها كانت دار ردة ونفاق كدار مسيلمة الكذاب) إهـ .
أما عن الشروط التي نقلت عن الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- حتى تصير الدار دار كفر فقد ردها ابن قدامة بقوله : ( لنا أنها دار كفار فيها أحكامهم فكانت دار حرب كما لو اجتمع فيها هذه الخصال أو دار الكفرة الأصليين) إهــ.
وبهذا يتبين أن القدر الحقيقي الذي تصير به الدار دار كفر هو علو أحكام الكافرين وجريانها عليها ، حتى ولو كان أكثر سكانها من المسلمين ، تماماً كما لو ضربت الجزية على قوم من الكافرين وصارت أحكام الإسلام هي المهيمنة والجارية ، فإن الدار بذلك تصبح دار إسلام دون النظر إلى سكانها ، أما اشتراط كون الدار التي يحكم عليها بأنها دار كفر لا بد أن تكون منفصلة عن دار الإسلام ، فلا يظهر بالتأمل أن له تأثيراً حقيقيا ، إذ ما معنى قربها أو بعدها من دار الإسلام إذا كانت الأحكام الجارية والمسيطرة والغالبة هي أحكام الكفار ، وأي تأثير لهذا القرب مادام المسلمون تحت سلطانهم وقهرهم وتحكمهم قوانينهم ، ومما يدل على ذلك أن الله سبحانه قد ذكر الهجرة في كتابه وحث عليها وبين ما أعده للمهاجرين ، وتوعد الباقين بين أظهر الكافرين مع قدرتهم على الخروج ، وعلق الوعيد على أمر واحد وهو عدم القدرة على إظهار الدين ، ومعلوم أن العجز عن إقامة الدين وإظهار شعائره إنما يوجد حين تكون الغلبة للكافرين ، لأن الضعف يقابله القوة كما قال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ) سورة النساء97- 99.
فلما احتج هؤلاء الذين لحقهم الوعيد بالاستضعاف ظناً منهم أنه عذر لهم في ترك الهجرة التي هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وردت عليهم الملائكة حجتهم بأن أرض الله واسعة فيمكن إزالة هذا الاستضعاف بالهجرة والخروج ، علمنا من ذلك أن مدار الأمر ومناط الحكم وتعليقه إنما هو في القدرة على إزالة الاستضعاف الناتج عن قوة الكافرين وغلبتهم ، ومعلوم أن تمام القوة والتمكين والاستطاعة لا يمكن إلا حيث تكون للمسلمين دولة وشوكة وسلطان يقيمون بها أحكام الله تعالى ،كما أن تمام تمكن الكافرين وبلوغهم الغاية في القهر والإذلال للمسلمين لا يتحقق إلا حينما تكون لهم القوة والشوكة والسلطان والذي يتمثل في دولة يحكمونها ، ومن المعلوم أن الهجرة هي جزء من الأحكام الناشئة عن تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار كفر.
إذا تبين هذا ونظرنا في حال أغلب ديار المسلمين اليوم وما يعلوها من أحكام الكفر والجاهلية من القوانين الوضعية ، وعلمنا أنها قد فرضت على المسلمين فرضاً وأقيمت فوقهم قسراً وأجريت عليهم قهراً ، وألزموا بالتحاكم إليها إلزاماً ، وقدمت فيها على أحكام الشرع الحنيف ، وصارت هي الغالبة المسيطرة على الديار ، حتى أصبح من العسير أن يأخذ المسلم حقه وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ، ذلك لأن المحاكم التي تحكم بشرع الله صارت منعدمة فيها ، وإن وجد منها شيء فهو في جوانب محددة مقيدة لا تتجاوزها أو تتعداها وهي ما يسمونها بالأحوال الشخصية ، هذا مع ما داخلها من التشويه والتلبيس والمزج بشيء من لوثة تلك القوانين الوضعية والنظم الطاغوتية ، حيث وضعت في قوالب وسكك لا يمكنها الخروج منها والانفكاك عنها فهي تابعة وليست متبوعة ، ومحكومة وليست حاكمة ، ولهذا كانت مسألة الحكم بما أنزل الله وما يتصل بها من أحكام من أكثر القضايا – إن لم تكن أكثرها على الإطلاق – بحثا ومناقشة وتناولا لها في الكتب والرسائل والبحوث والفتاوى والمحاضرات ، زد على ذلك كله أن المسلمين الملتزمين بدينهم الحق لم يعودوا آمنين في هذه الديار ، بل هم مطاردون مضيق عليهم عرضة في كل حين للاضطهاد والتنكيل والتشريد على أيدي حكام هذه البلدان ، لا لشيء إلا لأنهم رجعوا للحق ودعوا إليه ، ولا أظن أن أحدا يماري أو ينكر مثل هذه الحقائق التي أصبحت اليوم أبين من الشمس في رابعة النهار ليس دونها حجاب ، وإلا فما بال سجون هؤلاء الطواغيت قد غصت بالشباب المسلمين المستمسكين بالهدى والحق بينما أعداء الله ورسوله من الملحدين والعلمانيين واليهود والنصارى يعربدون ويفسدون عقائد المسلمين ويهدمون دينهم ويعبثون بأخلاقهم ، ويشاقون الله ورسوله على مرأى من الناس ، ولهم في ذلك كله من هؤلاء الطغاة كامل الحماية وتمام التقدير والتبجيل والاحترام والحفاوة وتوفير سبل العيش في أرقى مستوياته ، إذا تبين هذا وعلمنا أن مناط الحكم على الديار – ألا وهو اعتبار الأحكام التي تعلوها وتهيمن عليها- قد وجد فيها وغدا واضحا جليا وسمة بارزة مميزة لها استطعنا أن نحكم على هذه الديار التي صفتها ما ذكرنا بأنها ديار حرب وكفر وردة ، وإن كان صوت الأذان يرفع فوق مآذنها أو الجماعات تقام في مساجدها ، أو العيدين تصلى في مصلياتها أو المنابر تهتز بالخطب فوقها ، أو أن أكثر سكانها من المسلمين ، فكل هذا لا يغير من الحكم شيئا ، لأنه ليس مناطا للحكم ، ولا مداره عليه ، فإن المساجد اليوم في كثير من الدول الغربية النصرانية ، ومثل ذلك المراكز والهيئات الإسلامية ، ونسبة المسلمين في تلك البلاد عالية وإن لم يكونوا الأكثر ، بل أغلب هذه الدول أصبحت أمن للمسلم من كثير من الدول التي افتتحها المسلمون وكانت يوماً ما دار إسلام ، ومع ذلك فإن ديارهم ديار كفر وحرب ، وكما ذكرنا من قبل ونبهنا عليه ونعيده هنا لأهميته أن هذا الحكم إنما هو للديار فقط ، وهو صفة لها وليس لساكنيها ، ولا تلازم بين الحكم على الدار بأنها دار كفر وبين الحكم على أهلها بأنهم كفار ، فالمسلم تبقى حرمة نفسه وماله ودمه وعرضه أينما وجد وحيثما حل ، ولا ينبغي الخلط بين الأمرين ، فإنه كما حكم بعض الناس على بعض هذه الديار بأنها ديار إسلام وجعلوا حكامها ولاة أمور يجب السمع والطاعة لهم ونتج عن ذلك أحكام منحرفة زائغة ، وفي المقابل هناك من يفهم من القول بأن هذه البلاد أصبحت ديار كفر أن أهلها صاروا بذلك كفارا مرتدين ورتبوا على ذلك أحكاماً واستخلصوا نتائج هي أشد ضلالا وأكثر زيغاً من القول الأول ، والحق وسط بين هذين القولين ، فلا الديار التي غلبت عليها أحكام المرتدين ونظمهم وقوانينهم يحكم عليها بأنها ديار إسلام بمجرد أن أكثر أهلها مسلمون ، ولا سكانها يستحقون الحكم عليهم بالكفر والردة بناء على أن الديار التي يقطنونها هي كذلك ، وقد نقلنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن ماردين ، وكلامه ينطبق تماما على هذه الديار من حيث التفصيل ، وذلك بغض النظر عن جعلها قسما ثالثا كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في ماردين ، أو جعلها ديار كفر كما هو قول الجمهور وهو الراجح إن شاء الله.
ولعل أبرز الصور التي تنطبق على هذه البلدان من حيث الحكم والوصف ومن حيث اعتبار حال أهلها وإبقاؤهم على حكم الإسلام رغم تسلط المرتدين عليها هو ما جرى من غلبة العبيديين على مصر وإجراء أحكامهم الكفرية على أهلها ، مع إقامتهم لكثير من شعائر الإسلام الظاهرة كالجمع والعيدين والصلوات الخمس والأذان و إن مزجوا كثيرا من هذه العبادات ببدعهم ، ومع ذلك فقد أفتى العلماء بأن دارهم قد صارت دار كفر وردة ، ولم ويستلزم من ذلك أن يكون جميع من فيها كفارا بمجرد ذلك ، وقد نقلنا ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى في ذلك ، ومن المعلوم أن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- لما تغلب على مصر وأزال دولة العبيديين عنها وأعاد الحكم لأهل السنة لم يستتب سكانها ولم يحكم عليهم بالكفر والردة باعتبار سابق بقائهم تحت حكم المرتدين ، بل أنقذهم من ظلم أولئك المارقين الزنادقة وأرجع الدولة إلى حوزة المسلمين.
قال الإمام الذهبي -رحمه الله- : ( قال القاضي عياض : أجمع العلماء بالقيروان أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة) إهـ .
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- : ( قصة بني عبيد القداح : فإنهم ظهروا على رأس المائة الثالثة ، فادعى عبيد الله أنه من آل علي بن أبي طالب ، ومن ذرية فاطمة ، وتزيَّ بزي أهل الطاعة والجهاد في سبيل الله ، فتبعه أقوام من البربر من أهل المغرب وصار له دولة كبيرة من المغرب ولأولاده من بعده ، ثم ملكوا مصر والشام ، وأظهروا شرائع الإسلام ، وإقامة الجمعة والجماعة ، ونصبوا القضاة والمفتين ، لكن أظهروا الشرك ومخالفة الشريعة ، وظهر منهم ما يدل على نفاقهم وشدة كفرهم ، فأجمع أهل العلم : أنهم كفار وأن دارهم دار حرب مع إظهار شعائر الإسلام ، وفي مصر من العلماء والعباد أناس كثير ، وأكثر أهل مصر لم يدخل معهم فيما أحدثوا من الكفر ، مع ذلك : أجمع العلماء على ما ذكرنا ، حتى إن بعض أهل العلم المعروفين بالصلاح قال : لو أن معي عشرة أسهم لرميت بواحد منها النصارى المحاربين ، ورميت بالتسعة بني عبيد ولما كان زمن السلطان محمود بن زنكي أرسل إليهم جيشا عظيما بقيادة صلاح الدين ، فأخذوا مصر من أيديهم ، ولم يتركوا جهادهم بمصر لأجل من فيها من الصالحين) إهــ .
فهذا النص بيِّنٌ فيما ذكرنا من عدم التلازم بين الحكم على الدار بأنها دار كفر وردة بسبب ما يعلوها من أحكام الكافرين ولأجل تغلبهم عليها ، وبين بقاء إسلام سكانها المحكومين بتلك القوانين والمقهورين بسلطان الكافرين ، فالحكم على الدار لا يعني إطلاقا الحكم على السكان ، وذلك كأهل الذمة الذين لا يكونون مسلمين مع إقامتهم في دولة الإسلام وجريان أحكامه عليهم ، وقد أشار الشيخ محمد أبو زهرة إلى ثمرة الخلاف بين الجمهور وأبي حنيفة في صيرورة دار الإسلام دار كفر بقوله : ( لعل ثمرة الخلاف بين الرأيين تظهر في عصرنا هذا ، فإنه على تطبيق رأي أبي حنيفة : تكون الأقاليم الإسلامية من أقصى المغرب إلى سهول تركستان وباكستان ديارا إسلامية ، لأنها إن كان سكانها لا يطبقون أحكام الإسلام ، يعيشون بأمان الإسلام الأول وبذلك تكون الديار ديارا إسلامية .
وبتطبيق رأي أبي يوسف ومحمد ومن معهما من الفقهاء تكون الأقاليم الإسلامية لا تُعد دار إسلام بل دار حرب ، لأنها لا تظهر فيها أحكام الإسلام ولا تطبق) إهــ .
وننقل هنا كلاماً جيداً للدكتور عبد الله بن أحمد القادري حول واقع كثير من البلدان الإسلامية في هذا العصر وتوضيح مناط الحكم على الديار ، وأن الحكم عليها بأنها دار حرب وكفر لا يلزم منها أن يكون أهلها كذلك كفارا فقال بعد كلام طويل له حول حقيقة دار الإسلام ودار الكفر : ( ولكن يجب أن يبين هنا ما تصير به البلاد الإسلامية دار كفر والباحث يميل إلى تلك القاعدة وهي : "أن أي بلد كانت فيه القوة والسلطان للكفار الذين يطبقون أحكام الكفر ويقصون أحكام الإسلام من حياة الناس السياسية والاجتماعية والعسكرية ولا يستطيع المسلمون أن يطبقوا من أحكام الإسلام إلا ما أذن به ذوو السلطان الكفرة مما لا تعلو به كلمة الله ولا تسقط به راية الكفر فإن ذلك البلد الذي تحققت فيه هذه الأمور هو دار كفر وليس دار إسلام" ولو كان أغلب سكانه مسلمين ، ولو كان حكام الكفر ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ، لأن العبرة في دار الإسلام بظهور أحكام الله فيها وكون كلمة الله هي العليا ، والعبرة في دار الكفر بظهور أحكام الكفر وكون مناهج الحياة فيها هي مناهج كفر لا مناهج إسلام .
ولا يهولن القارئ إن هذه القاعدة تنطبق على بلدان أغلب سكانها مسلمون يقيمون شعائر دينهم التي أذن لهم بإقامتها حكامهم المحاربون لله ولرسوله وللمؤمنين ، فإن العبرة ليست بكثرة من ينتسب إلى الإسلام وإنما هي بمن يطبق أحكامه ويظهرها وينصرها ، ويظهر ذلك بعكس هذه المسألة ، وهو أن يغلب المسلمون على بلد أغلب سكانه كفار فيقيمون في ذلك البلد أحكام الإسلام وهم أقل من سكانه فإنه يكون دار إسلام وليس دار كفر ، فكذلك إذا استولت شرذمة من الكفار على بلد أغلب سكانه مسلمون فأقامت تلك الشرذمة في هذا البلد أحكام الكفر فإنه يصير بلاد كفر وليس بلاد إسلام ومن أوضح الأمثلة على ذلك ألبانيا التي لا زالت أسماء بعض حكامها أسماء مسلمين وأغلب سكانها مسلمون ولكن الزمرة الحاكمة فيها اشتطت في تطبيق أحكام أعظم كفر وجد على ظهر الأرض وهو الإلحاد الماركسي ، وإذا كانت ألبانيا أصبحت دار كفر بذلك فما الفرق بينها وبين بلدان أخرى في غير أوروبا تسير في نفس هذا السبيل ويعلن للملأ حكامها بأنهم لينينيون ماركسيون أو علمانيون لا يعترفون بحكم الله في جزئية من الجزئيات وقد يخدعون المسلمين بالإذن لهم بتطبيق بعض الأحكام التي لا يرون من تطبيقها ضررا على حكمهم الكافر .
ولا يلزم من إطلاق اسم دار الكفر على تلك الديار كفر جميع سكانها فقد يكون منهم المسلم المغلوب على أمره ومنهم الكافر الغالب ولا عبرة بقلة أو بكثرة وقد تكون البلاد بلاد إسلام فيستولي عليها الكفار ويطبقون فيها أحكام الكفر فتنقلب دار كفر كما أن بعض الديار تكون دار كفر فيستولي عليها المسلمون ويطبقون فيها أحكام الإسلام فتنقلب دار إٍسلام وهكذا ... والدليل الواضح من الواقع وهو أن الكفرة الذين يطبقون أحكام الكفر ويستميتون في إبقائها وتثبيتها لو دعاهم داع إلى الإسلام وإظهار أحكامه بدلا من الكفر لما استجابوا له بل إنهم لينصبون له العداء ويستعدون لحربه كما يفعل الكفار في بلاد الكفر الأصلية) إهــ .
منقــوا بتصرف بسيط .