المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قافية الياء.. قافية الحزن والشجن



ابو وليد البحيرى
2022-10-31, 11:10 AM
قافية الياء.. قافية الحزن والشجن
د. أحمد الخاني




وللقوافي خصائصها، وهي تفرض نفسها دون تدخل من الشاعر في كثير من المواقف، فقد برزت قافية الدال بصفتها مَعلماً من معالم الغزل، وإن كان كثير من القوافي تشترك معها.

أما قافية الياء فقد رأيتها مشتركة بين شعراء الحزن، بدءاً من عبد يغوث بن وقاص الحارثي سيد مذحج في الجاهلية في اليمن، فمن كان يبحث عن المعارضات أو المناقضات، فليبحث عن القصائد الأم في تاريخ الأدب، ومن الملفت للنظر أنني وجدت قصيدة عبد يغوث وهي ذات اللون النفسي الحزين، قد تبعتها قصائد على قافيتها ذات لون حزين أيضاً؛ الأمر الذي دعاني إلى أن أسمي قافية الياء: قافية الشجن.

قال عبد يغوث وقد أسرته تيم:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا *** فما لكما في اللوم خير ولا ليا

ومنها هذا البيت الذي احتفت به كتب النحو:
وتضحك مني شيخة عبشمية *** كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانيا

ويختم مرثيته لنفسه بقوله:
فيا راكباً إما عرضت فبلغن *** نداماي من نجران ألا تلاقيا

ثم قتل، وانطلقت هذه القافية في أجواء الإحساس الحزين في أدبنا العربي القديم لتسكب في إحساس مجنون ليلى، أو لتكون الكأس التي يصب فيها قيس أحزانه ومواجده قبل أن يجود بنفسه، وقد ظل يرددها إلى أن مات:
تذكرت ليلى والسنين الخواليا *** وأيام لا نخشى على الدهر ناهيا

ومنها هذا البيت الشاهد:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما *** يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وهي قصيدة زادت على مئة بيت في إحدى روايتيها[1]

وجاء مالك بن الريب فقال:


ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif


تذكرت من يبكي علي فلم أجد http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
سوى السيف والرمح الرديني باكيا http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif



وجاء المتنبي فقال مخاطباً نفسه:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا *** وحسب المنايا أن يكن أمانيا

وقد بلغ من قوة انطلاقة هذه القافية بهذا الوتر الشجي الحزين أن اخترقت حجاب الزمان والمكان ووصلت إلى العصر الحديث. قال محمود مفلح[2]:


بعثت إلي الحرف إذ كنتُ لاهيا http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
ففجرت في صحراء عمري السواقيا http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif


إلى الله أمضي والجهاد يشدني http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
أسدد فيه السهم يوماً وثانيا http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif


لعلي إذا ما مت ألقاه راضياً http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
علي وألقى في الجنان رفاقيا http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif



وشاعر آخر معاصر أيضاً يقول في رثاء الشاعر عبد القادر حداد:
بكتك القوافي والندى والنواديا *** ونهر جرى في غربة الشعر داميا[3]
----------------------------------

[1] ديوان مجنون ليلى بتحقيق عبد الستار أحمد فراج نشر ومتبة مصر ص 226.

[2] شعراء عرفتهم أحمد الخاني ط 1 ص 158.

[3] يوان: عندما ينعس القمر . أحمد الخاني ط. 1.