ابو وليد البحيرى
2022-08-30, 12:32 AM
خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
- بِــرُّ الْوَالِدَيْنِ فَضْلُهُ وَصُوَرُهُ
مجلة الفرقان
جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 18 من ذي القعدة 1443هـ - الموافق 17/6/2022م بعنوان: (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَضْلُهُ وَصُوَرُهُ)؛ حيث أكدت الخطبة أن اللهُ -تَعَالَى- أَوْصَانَا بِوَصِيَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَكَرَّرَهَا فِي آيَاتٍ كَرِيمَةٍ، أَلَا وَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَبِرُّهُمَا، قَالَ -تَعَالَى-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14).
أَوْصَانَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِمَنْ كَانَا سَبَبًا فِي وُجُودِنَا، أَوْصَانَا بِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا بِالتَّرْبِيَةِ وَنَحْنُ صِغَارٌ؛ فَوَجَبَ عَلَيْنَا الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا وَنَحْنُ كِبَارٌ؛ فَبِرُّهُمَا سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجِنَانِ، وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا سَبِيلٌ لِنَيْلِ رِضَى الرَّحْمَنِ، فَمَا أَعْظَمَ هَذَا الْعَمَلَ فِي الْمِيزَانِ! وَمَا أَجَلَّهُ بَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ! فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فَقَدَّمَ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِي يَبْذُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِلَّهِ -تَعَالَى-؛ وَذَاكَ أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ؛ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ. قَالَ: «فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟». قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا. قَالَ: «فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَارْجِـعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا».
السبيل إلى رضا الله تعالى
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْضَى اللهُ -تَعَالَى- عَنْهُ فَلْيُحْسِنْ إِلَى وَالِدَيْهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ )، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَإِعَانَةِ اللهِ -تَعَالَى- لِلْعَبْدِ حَالَ الضَّرَّاءِ، فَهَذَا أَوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- مِنَ التَّابِعِينَ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ - رضي الله عنه -، وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِهِ بِرَّهُ بِوَالِدَتِهِ حَتَّى أَصْبَحَ مِمَّنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -]- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ » (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). فَهَنِيئًا لِمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمَا غَايَةَ الْإِحْسَانِ، فَذَاكَ سَبَبٌ لِنَيْلِ الْغُفْرَانِ، وَدُخُولِ الْجِنَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ»، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِـعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ).
المبادرة إلى بر الوالدين
مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلْيُبَادِرْ إِلَى بِرِّهِمَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، وَخُصُوصًا حَالَ كِبَرِهِمَا وَحَاجَتِهِمَا إِلَيْكَ؛ فَإِنَّهُمَا قَدْ بَذَلَا لَكَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ لِتَسْعَدَ فِي دُنْيَاكَ، كَانَتْ سَعَادَتُهُمَا حِينَ يَرَيَانِ ابْتِسَامَتَكَ، فَلَا تَبْخَلْ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَيْهِمَا بِالْإِحْسَانِ بِأَنْوَاعِهِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمَا، فَيَا سَعَادَةَ مَنْ رَضِيَ عَنْهُ وَالِدَاهُ، بَعْدَ رِضَى رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ! ولاسيما أُمَّكَ- يَا عَبْدَاللَّهِ.
جُمْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن ِ
لَقَدْ بَيَّنَ اللهُ -تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ جُمْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن ِ وَصُوَرِهِ؛ فَإِنَّهُ -تَعَالَى- بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ -تَعَالَى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23)، ثُمَّ ذَكَرَ -تَعَالَى- بُلُوغَهُمَا الْكِبَرَ عِنْدَ الْوَلَدِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إِلَى حَاجَتِهِمَا إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ قَدْ أَدَّيَا مَا عَلَيْهِمَا مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْإِحْسَانِ، فَقَالَ -تَعَالَى-: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (الإسراء:23)، فَأَمَرَ بِلِينِ الْكَلَامِ وَطِيبِ الْمَقَالِ، وَأَشَارَ إِلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الْأَذَى وَهُوَ كَلِمَةُ (أُفٍّ) تَنْبِيهًا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، ثُمَّ نَهَى عَمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ -تَعَالَى-: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا}، أَيْ: لَا تَزْجُرْهُمَا، وَلَا تَتَكَلَّمْ لَهُمَا كَلَامًا خَشِنًا، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، لَا تَتَكَلَّمْ مَعَهُمَا إِلَّا بِأَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ، وَلَا تَقُلْ لَهُمَا إِلَّا مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِمَا الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ، وَجَنِّبْهُمَا كُلَّ مَا يُؤْذِيهِمَا وَيُدْخِلُ الْحُزْنَ عَلَى قُلُوبِهِمَا مِنْ مشكلاتك ومشكلات إِخْوَانِكَ، لَا تُرِهِمَا إِلَّا الِابْتِسَامَةَ .
لا تُسمعهُما إِلَّا الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ
وَلَا يَسْمَعَانِ إِلَّا الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ، اجْلِسْ مَعَهُمَا وَآنِسْهُمَا، لَا تُقَدِّمْ مُجَالَسَةَ أَصْحَابِكَ عَلَى مُجَالَسَتِهِمَ ا، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُقَرِّبُكَ إِلَى رَبِّكَ زُلْفَى، وَيَرْفَعُكَ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، وَيَكُونُ سَبَبًا لِبِرِّ أَبْنَائِكَ بِكَ، كَمَا بَرِرْتَ وَالِدَيْكَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لِرَجُلٍ: أَتَفْرَقُ النَّارَ، وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: إِي وَاللهِ! قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: عِنْدِي أُمِّي. قَالَ: «فَوَاللهِ! لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلَامَ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَـبْتَ الْكَبَائِرَ». وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (الإسراء:24) أَيْ: تَوَاضَعْ لَهُمَا ذُلًّا لَهُمَا وَرَحْمَةً وَاحْتِسَابًا لِلْأَجْرِ؛ فَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ فِي الْآيَةِ: {لَا تَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ}. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِهِمَا وَصُوَرِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا: الدُّعَاءَ لَهُمَا بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ وَفَاتِهِمَا، {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء:24).
وَصُوَرُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ. وَجَامِعُهُ إِيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الشَّرِّ، بِحَسَبِ الطَّاقَةِ؛ أَبْصَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: مَا هَذَا مِنْكَ؟ فَقَالَ: أَبِي، فَقَالَ: لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ، وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ.
حَقُّ الْوَالِدَيْنِ عَظِيمٌ
وحَقَّ الْوَالِدَيْنِ عَظِيمٌ، فَمَهْمَا أَدَّيْتَ لَهُمَا مِنَ الْحُقُوقِ وَالْإِحْسَانِ فَلَنْ تَبْلُغَ جَزَاءَ مَا قَدَّمَا لَكَ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ». وَقَدْ شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- رَجُلًا يَمَانِيًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ يَقُولُ:
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ
إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ
ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ: أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ.
كيفية بر الوالدين بعد الممات
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- عن بر الوالدين بعد مماتهما فقال: بر الوالدين من أهم الواجبات والفرائض، وقد أمر الله بذلك في كتابه الكريم في آيات كثيرات، منها قوله -سبحانه-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا} (النساء:36)، ومنها قوله -سبحانه- في سورة لقمان: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14) فبرهما من أهم الفرائض حيين وميتين.
حق الوالدين بعد وفاتهما
سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حق الوالدين بعد وفاتهما فقال له سائل: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد وفاتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، ذكر خمسة أشياء: الصلاة عليهما أي الدعاء، ومن ذلك صلاة الجنازة فإنها دعاء والصلاة عليهما بالدعاء والترحم عليهما من أحق الحق ومن أفضل البر في الحياة وبعد الموت، وهكذا الاستغفار لهما، يعني: سؤال الله أن يغفر لهما سيئاتهما، هذا أيضًا من برهما حيين وميتين، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، والوصية التي يوصيان بها، فالواجب على الولد ذكرًا كان أو أنثى إنفاذها إذا كانت موافقة للشرع المطهر.
والخصلة الرابعة: إكرام صديقهما، إذا كان لأبيك أو أمك أصدقاء وأحباب وأقارب تحسن إليهم وتقدر لهم صحبة والديك وصداقة والديك ولا تنس ذلك، لا تنس ذلك بالكلام الطيب والإحسان إذا كانا في حاجة إلى الإحسان، وجميع أنواع الخير الذي تستطيعه فهذا من برهما بعد وفاتهما.
والخصلة الخامسة: صلة الرحم الذي لا توصل إلا بهما وذلك بالإحسان إلى أعمامك وأقارب أبيك وإلى أخوالك وخالاتك من أقارب أمك، هذا من الإحسان إلى الوالدين وبر الوالدين أن تحسن إلى أقارب والديك، الأعمام والعمات وأولادهم.. والأخوال والخالات وأولادهم، الإحسان إليهم وصلتهم كل ذلك من صلة الأبوين ومن إكرام الأبوين. وفق الله الجميع.
- بِــرُّ الْوَالِدَيْنِ فَضْلُهُ وَصُوَرُهُ
مجلة الفرقان
جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 18 من ذي القعدة 1443هـ - الموافق 17/6/2022م بعنوان: (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَضْلُهُ وَصُوَرُهُ)؛ حيث أكدت الخطبة أن اللهُ -تَعَالَى- أَوْصَانَا بِوَصِيَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَكَرَّرَهَا فِي آيَاتٍ كَرِيمَةٍ، أَلَا وَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَبِرُّهُمَا، قَالَ -تَعَالَى-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14).
أَوْصَانَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِمَنْ كَانَا سَبَبًا فِي وُجُودِنَا، أَوْصَانَا بِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا بِالتَّرْبِيَةِ وَنَحْنُ صِغَارٌ؛ فَوَجَبَ عَلَيْنَا الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا وَنَحْنُ كِبَارٌ؛ فَبِرُّهُمَا سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجِنَانِ، وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا سَبِيلٌ لِنَيْلِ رِضَى الرَّحْمَنِ، فَمَا أَعْظَمَ هَذَا الْعَمَلَ فِي الْمِيزَانِ! وَمَا أَجَلَّهُ بَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ! فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فَقَدَّمَ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِي يَبْذُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِلَّهِ -تَعَالَى-؛ وَذَاكَ أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ؛ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ. قَالَ: «فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟». قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا. قَالَ: «فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ؟». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَارْجِـعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا».
السبيل إلى رضا الله تعالى
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْضَى اللهُ -تَعَالَى- عَنْهُ فَلْيُحْسِنْ إِلَى وَالِدَيْهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ )، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَإِعَانَةِ اللهِ -تَعَالَى- لِلْعَبْدِ حَالَ الضَّرَّاءِ، فَهَذَا أَوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- مِنَ التَّابِعِينَ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ - رضي الله عنه -، وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِهِ بِرَّهُ بِوَالِدَتِهِ حَتَّى أَصْبَحَ مِمَّنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -]- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ » (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). فَهَنِيئًا لِمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمَا غَايَةَ الْإِحْسَانِ، فَذَاكَ سَبَبٌ لِنَيْلِ الْغُفْرَانِ، وَدُخُولِ الْجِنَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ»، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِـعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ).
المبادرة إلى بر الوالدين
مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلْيُبَادِرْ إِلَى بِرِّهِمَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، وَخُصُوصًا حَالَ كِبَرِهِمَا وَحَاجَتِهِمَا إِلَيْكَ؛ فَإِنَّهُمَا قَدْ بَذَلَا لَكَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ لِتَسْعَدَ فِي دُنْيَاكَ، كَانَتْ سَعَادَتُهُمَا حِينَ يَرَيَانِ ابْتِسَامَتَكَ، فَلَا تَبْخَلْ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَيْهِمَا بِالْإِحْسَانِ بِأَنْوَاعِهِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمَا، فَيَا سَعَادَةَ مَنْ رَضِيَ عَنْهُ وَالِدَاهُ، بَعْدَ رِضَى رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ! ولاسيما أُمَّكَ- يَا عَبْدَاللَّهِ.
جُمْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن ِ
لَقَدْ بَيَّنَ اللهُ -تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ جُمْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن ِ وَصُوَرِهِ؛ فَإِنَّهُ -تَعَالَى- بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ -تَعَالَى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23)، ثُمَّ ذَكَرَ -تَعَالَى- بُلُوغَهُمَا الْكِبَرَ عِنْدَ الْوَلَدِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إِلَى حَاجَتِهِمَا إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ قَدْ أَدَّيَا مَا عَلَيْهِمَا مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْإِحْسَانِ، فَقَالَ -تَعَالَى-: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (الإسراء:23)، فَأَمَرَ بِلِينِ الْكَلَامِ وَطِيبِ الْمَقَالِ، وَأَشَارَ إِلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الْأَذَى وَهُوَ كَلِمَةُ (أُفٍّ) تَنْبِيهًا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، ثُمَّ نَهَى عَمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ -تَعَالَى-: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا}، أَيْ: لَا تَزْجُرْهُمَا، وَلَا تَتَكَلَّمْ لَهُمَا كَلَامًا خَشِنًا، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، لَا تَتَكَلَّمْ مَعَهُمَا إِلَّا بِأَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ، وَلَا تَقُلْ لَهُمَا إِلَّا مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِمَا الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ، وَجَنِّبْهُمَا كُلَّ مَا يُؤْذِيهِمَا وَيُدْخِلُ الْحُزْنَ عَلَى قُلُوبِهِمَا مِنْ مشكلاتك ومشكلات إِخْوَانِكَ، لَا تُرِهِمَا إِلَّا الِابْتِسَامَةَ .
لا تُسمعهُما إِلَّا الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ
وَلَا يَسْمَعَانِ إِلَّا الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ، اجْلِسْ مَعَهُمَا وَآنِسْهُمَا، لَا تُقَدِّمْ مُجَالَسَةَ أَصْحَابِكَ عَلَى مُجَالَسَتِهِمَ ا، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُقَرِّبُكَ إِلَى رَبِّكَ زُلْفَى، وَيَرْفَعُكَ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، وَيَكُونُ سَبَبًا لِبِرِّ أَبْنَائِكَ بِكَ، كَمَا بَرِرْتَ وَالِدَيْكَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لِرَجُلٍ: أَتَفْرَقُ النَّارَ، وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: إِي وَاللهِ! قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: عِنْدِي أُمِّي. قَالَ: «فَوَاللهِ! لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلَامَ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَـبْتَ الْكَبَائِرَ». وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (الإسراء:24) أَيْ: تَوَاضَعْ لَهُمَا ذُلًّا لَهُمَا وَرَحْمَةً وَاحْتِسَابًا لِلْأَجْرِ؛ فَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ فِي الْآيَةِ: {لَا تَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ}. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِهِمَا وَصُوَرِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا: الدُّعَاءَ لَهُمَا بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ وَفَاتِهِمَا، {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء:24).
وَصُوَرُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ. وَجَامِعُهُ إِيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الشَّرِّ، بِحَسَبِ الطَّاقَةِ؛ أَبْصَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: مَا هَذَا مِنْكَ؟ فَقَالَ: أَبِي، فَقَالَ: لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ، وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ.
حَقُّ الْوَالِدَيْنِ عَظِيمٌ
وحَقَّ الْوَالِدَيْنِ عَظِيمٌ، فَمَهْمَا أَدَّيْتَ لَهُمَا مِنَ الْحُقُوقِ وَالْإِحْسَانِ فَلَنْ تَبْلُغَ جَزَاءَ مَا قَدَّمَا لَكَ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ». وَقَدْ شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- رَجُلًا يَمَانِيًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ يَقُولُ:
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ
إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ
ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ: أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ.
كيفية بر الوالدين بعد الممات
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- عن بر الوالدين بعد مماتهما فقال: بر الوالدين من أهم الواجبات والفرائض، وقد أمر الله بذلك في كتابه الكريم في آيات كثيرات، منها قوله -سبحانه-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا} (النساء:36)، ومنها قوله -سبحانه- في سورة لقمان: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14) فبرهما من أهم الفرائض حيين وميتين.
حق الوالدين بعد وفاتهما
سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حق الوالدين بعد وفاتهما فقال له سائل: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد وفاتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، ذكر خمسة أشياء: الصلاة عليهما أي الدعاء، ومن ذلك صلاة الجنازة فإنها دعاء والصلاة عليهما بالدعاء والترحم عليهما من أحق الحق ومن أفضل البر في الحياة وبعد الموت، وهكذا الاستغفار لهما، يعني: سؤال الله أن يغفر لهما سيئاتهما، هذا أيضًا من برهما حيين وميتين، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، والوصية التي يوصيان بها، فالواجب على الولد ذكرًا كان أو أنثى إنفاذها إذا كانت موافقة للشرع المطهر.
والخصلة الرابعة: إكرام صديقهما، إذا كان لأبيك أو أمك أصدقاء وأحباب وأقارب تحسن إليهم وتقدر لهم صحبة والديك وصداقة والديك ولا تنس ذلك، لا تنس ذلك بالكلام الطيب والإحسان إذا كانا في حاجة إلى الإحسان، وجميع أنواع الخير الذي تستطيعه فهذا من برهما بعد وفاتهما.
والخصلة الخامسة: صلة الرحم الذي لا توصل إلا بهما وذلك بالإحسان إلى أعمامك وأقارب أبيك وإلى أخوالك وخالاتك من أقارب أمك، هذا من الإحسان إلى الوالدين وبر الوالدين أن تحسن إلى أقارب والديك، الأعمام والعمات وأولادهم.. والأخوال والخالات وأولادهم، الإحسان إليهم وصلتهم كل ذلك من صلة الأبوين ومن إكرام الأبوين. وفق الله الجميع.