ابو وليد البحيرى
2021-12-14, 10:15 PM
خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - بـــــر الوالدين مــــن أعظـــــم القــربـــات
مجلة الفرقان
جاءت خطبة الجمعية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 28 من ربيع الآخر 1443هـ - الموافق 3/12/2021م، مبينةً حق الوالدين وضرورة برهما والإحسان إليهما؛ حيث بينت الخطبة أنَّ الله -تعالى- خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ، وَأَوْجَدَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِتَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ؛ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، وَقَرَنَ اللهُ -تعالى- تَوْحِيدَهُ بِعَمَلٍ عَظِيمٍ، وَخُلُقٍ كَرِيمٍ، أَلَا وَهُوَ بِرُّ الوَالِدَيْنِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى الأَبَوَيْنِ، فَكَمَا أَنَّ اللهَ -سبحانه- خَلَقَنَا وَقَدَّرَ أَرْزَاقَنَا، جَعَلَ الوَالِدَيْنِ سَبَباً لِوُجُودِنَا، وَعَوْناً عَلَى رِزْقِنَا وَالقِيَامِ عَلَى شُؤُونِنَا، قَالَ -سبحانه-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء: 23).
فَفَضْلُ بِرِّ الوَالِدَيْنِ عَظِيمٌ، وَتَقْدِيمُ الإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا كَبِيرٌ، جَاءَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ ، وَحَرَصَ عَلَيْهِ الأَتْقِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ ، فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ نُوحٌ -عليه السلام- يَدْعُو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} (نوح: 28). وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ يَحْيَى -عليه السلام- يُثْنِي عَلَيْهِ رَبُّنَا فَيَقُولُ: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} (مريم: 14). وَهَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ -عليه السلام- يَقولُ: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} (مريم: 32).
مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ
إِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ عِنْدَ الله -تعالى-؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
يَزِيدُ لِلْإِنْسَانِ فِي عُمُرِهِ
وَإِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ يَزِيدُ لِلْإِنْسَانِ فِي عُمُرِهِ، وَيُبَارَكُ لَهُ فِي رِزْقِهِ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
استجابة دعائهما
وَمِنْ عِظَمِ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عِنْدَ اللهِ -سبحانه-: اسْتِجَابَتُهُ -جَلَّ وَعَلَا-لِأَحَدِهِمَا إِذَا دَعَا لِابْنِهِ، أَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ لِابْنَتِهِ؛ فَفِي الحَدِيثِ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -:«ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُ ّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ التَّوْبَةِ
وَإِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ التَّوْبَةِ وَالمَغْفِرَةِ عِنْدَ اللهِ -تعالى-؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا كَبِيرًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَكَ وَالِدَانِ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ خَالَةٌ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَبَرَّهَا إِذًا». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُ ّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَالهَيْثَمِيُّ ).
أنواع الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن ِ
إِنَّ أنواع الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن ِ كَثِيرَةٌ، وَطُرُائقَ الإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا مُتَنَوِّعَةٌ، وَهِيَ تَجْتَمِعُ فِي شَيْئَيْنِ: تَقْدِيمِ الخَيْرِ لَهُمَا، وَكَفِّ الشَّرِّ عَنْهُمَا، فَمِنْ صُوَرِ البِرِّ بِهِمَا: إِسْعَادُهُمَا وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمَا، وَمَدْحُهُمَا أَوِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهمَا- قَالَ: إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ! قَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا «(أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
تَقْدِيمُ رِضَاهُمَا
عَلَى رِضَا غيرهما
وَمِنْ أنواع البِرِّ: تَقْدِيمُ رِضَاهُمَا عَلَى رِضَا نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ بِالْمَعْرُوفِ؛ فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتِسْعٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا: «وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ فَاخْرُجْ لَهُمَا».
إِخْبَارُهُمَا بِمَا يَسُرُّهُمَا
وَمِنْ أنواع البِرِّ الَّتِي لَا نَنْتَبِهُ لَهَا: إِخْبَارُهُمَا بمَا يَسُرُّهُمَا وَيَجْلِبُ الفَرْحَةَ لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا تُدْخِلِ الحُزْنَ وَالضِّيقَ عَلَيْهِمَا بِإِخْبَارِهِمَ ا بِمَشَاكِلِكَ أَوْ خِلَافَاتِكَ الزَّوْجِيَّةِ، أَوْ مَشَكلات عَمَلِكَ، فَإِنَّ مَا أَهَمَّكَ سَيُهِمُّهُمَا، وَمَا أَحْزَنَكَ سَيُحْزِنُهُمَا .
العِقَابُ الأَلِيمُ فِي إِيذَائِهِمَا
فكمَا أَنَّ الأَجْرَ العَظِيمَ جَاءَ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، فَكَذِلَكَ جَاءَ العِقَابُ الأَلِيمُ فِي إِيذَائِهِمَا، وَإِيصَالِ الشَّرِّ لَهُمَا؛ قَالَ -سبحانه-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد: 22، 23)، وَفِي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ-ثَلَاثًا-؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أنواع عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ
وَإِنَّ أنواع عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ كَثِيرَةٌ، وَأَنْوَاعَ الإِسَاءَةِ إِلَيْهِمَا مُتَعَدِّدَةٌ، -حَمَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهَا-، وَهِيَ تَجْتَمِعُ فِي كُلِّ مَا يَسُوؤُهُمَا، وَيَجْلِبُ الحُزْنَ لَهُمَا دُونَ وَجْهِ حَقٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ: الكَلِمَاتُ البَذِيئَةُ فِي مُخَاطَبَتِهِمَ ا، أَوِ النَّظَرُ بَغَضَبٍ إِلَيْهِمَا؛ {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (الإسراء: 23)، أَوْ تَرْكُ الإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا مَعَ حَاجَتِهِمَا.
اقْتِرَاف المُنْكَرَاتِ أَمَامَهُمَا
وَإِنَّ مِنَ العُقُوقِ لَهُمَا اقْتِرَافَ المُنْكَرَاتِ أَمَامَهُمَا، وَتَلْوِيثَ سُمْعَتِهِمَا بِالتَّصَرُّفَا تِ المُحَرَّمَةِ.
الِاشْتِغَالُ عَنْهُمَا
وَمِنْ صُوَرِ العُقُوقِ الحَدِيثَةِ: الِاشْتِغَالُ عَنْهُمَا عِنْدَ الجُلُوسِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، وَلَا سِيَّمَا بِالنَّقَّالِ وَمُتَابَعَةِ الأَخْبَارِ وَهُمَا يَكْرَهَانِ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنَ الإِسَاءَةِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِهِمَا. وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ إِلَى بِرِّ وَالِدِينَا، وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً.
مجلة الفرقان
جاءت خطبة الجمعية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 28 من ربيع الآخر 1443هـ - الموافق 3/12/2021م، مبينةً حق الوالدين وضرورة برهما والإحسان إليهما؛ حيث بينت الخطبة أنَّ الله -تعالى- خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ، وَأَوْجَدَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِتَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ؛ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، وَقَرَنَ اللهُ -تعالى- تَوْحِيدَهُ بِعَمَلٍ عَظِيمٍ، وَخُلُقٍ كَرِيمٍ، أَلَا وَهُوَ بِرُّ الوَالِدَيْنِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى الأَبَوَيْنِ، فَكَمَا أَنَّ اللهَ -سبحانه- خَلَقَنَا وَقَدَّرَ أَرْزَاقَنَا، جَعَلَ الوَالِدَيْنِ سَبَباً لِوُجُودِنَا، وَعَوْناً عَلَى رِزْقِنَا وَالقِيَامِ عَلَى شُؤُونِنَا، قَالَ -سبحانه-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء: 23).
فَفَضْلُ بِرِّ الوَالِدَيْنِ عَظِيمٌ، وَتَقْدِيمُ الإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا كَبِيرٌ، جَاءَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ ، وَحَرَصَ عَلَيْهِ الأَتْقِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ ، فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ نُوحٌ -عليه السلام- يَدْعُو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} (نوح: 28). وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ يَحْيَى -عليه السلام- يُثْنِي عَلَيْهِ رَبُّنَا فَيَقُولُ: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} (مريم: 14). وَهَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ -عليه السلام- يَقولُ: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} (مريم: 32).
مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ
إِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ عِنْدَ الله -تعالى-؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
يَزِيدُ لِلْإِنْسَانِ فِي عُمُرِهِ
وَإِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ يَزِيدُ لِلْإِنْسَانِ فِي عُمُرِهِ، وَيُبَارَكُ لَهُ فِي رِزْقِهِ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
استجابة دعائهما
وَمِنْ عِظَمِ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عِنْدَ اللهِ -سبحانه-: اسْتِجَابَتُهُ -جَلَّ وَعَلَا-لِأَحَدِهِمَا إِذَا دَعَا لِابْنِهِ، أَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ لِابْنَتِهِ؛ فَفِي الحَدِيثِ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -:«ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُ ّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).
مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ التَّوْبَةِ
وَإِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ التَّوْبَةِ وَالمَغْفِرَةِ عِنْدَ اللهِ -تعالى-؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا كَبِيرًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَكَ وَالِدَانِ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ خَالَةٌ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَبَرَّهَا إِذًا». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُ ّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَالهَيْثَمِيُّ ).
أنواع الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن ِ
إِنَّ أنواع الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن ِ كَثِيرَةٌ، وَطُرُائقَ الإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا مُتَنَوِّعَةٌ، وَهِيَ تَجْتَمِعُ فِي شَيْئَيْنِ: تَقْدِيمِ الخَيْرِ لَهُمَا، وَكَفِّ الشَّرِّ عَنْهُمَا، فَمِنْ صُوَرِ البِرِّ بِهِمَا: إِسْعَادُهُمَا وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمَا، وَمَدْحُهُمَا أَوِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهمَا- قَالَ: إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ! قَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا «(أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
تَقْدِيمُ رِضَاهُمَا
عَلَى رِضَا غيرهما
وَمِنْ أنواع البِرِّ: تَقْدِيمُ رِضَاهُمَا عَلَى رِضَا نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ بِالْمَعْرُوفِ؛ فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتِسْعٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا: «وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ فَاخْرُجْ لَهُمَا».
إِخْبَارُهُمَا بِمَا يَسُرُّهُمَا
وَمِنْ أنواع البِرِّ الَّتِي لَا نَنْتَبِهُ لَهَا: إِخْبَارُهُمَا بمَا يَسُرُّهُمَا وَيَجْلِبُ الفَرْحَةَ لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا تُدْخِلِ الحُزْنَ وَالضِّيقَ عَلَيْهِمَا بِإِخْبَارِهِمَ ا بِمَشَاكِلِكَ أَوْ خِلَافَاتِكَ الزَّوْجِيَّةِ، أَوْ مَشَكلات عَمَلِكَ، فَإِنَّ مَا أَهَمَّكَ سَيُهِمُّهُمَا، وَمَا أَحْزَنَكَ سَيُحْزِنُهُمَا .
العِقَابُ الأَلِيمُ فِي إِيذَائِهِمَا
فكمَا أَنَّ الأَجْرَ العَظِيمَ جَاءَ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، فَكَذِلَكَ جَاءَ العِقَابُ الأَلِيمُ فِي إِيذَائِهِمَا، وَإِيصَالِ الشَّرِّ لَهُمَا؛ قَالَ -سبحانه-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد: 22، 23)، وَفِي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ-ثَلَاثًا-؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أنواع عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ
وَإِنَّ أنواع عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ كَثِيرَةٌ، وَأَنْوَاعَ الإِسَاءَةِ إِلَيْهِمَا مُتَعَدِّدَةٌ، -حَمَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهَا-، وَهِيَ تَجْتَمِعُ فِي كُلِّ مَا يَسُوؤُهُمَا، وَيَجْلِبُ الحُزْنَ لَهُمَا دُونَ وَجْهِ حَقٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ: الكَلِمَاتُ البَذِيئَةُ فِي مُخَاطَبَتِهِمَ ا، أَوِ النَّظَرُ بَغَضَبٍ إِلَيْهِمَا؛ {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (الإسراء: 23)، أَوْ تَرْكُ الإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا مَعَ حَاجَتِهِمَا.
اقْتِرَاف المُنْكَرَاتِ أَمَامَهُمَا
وَإِنَّ مِنَ العُقُوقِ لَهُمَا اقْتِرَافَ المُنْكَرَاتِ أَمَامَهُمَا، وَتَلْوِيثَ سُمْعَتِهِمَا بِالتَّصَرُّفَا تِ المُحَرَّمَةِ.
الِاشْتِغَالُ عَنْهُمَا
وَمِنْ صُوَرِ العُقُوقِ الحَدِيثَةِ: الِاشْتِغَالُ عَنْهُمَا عِنْدَ الجُلُوسِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، وَلَا سِيَّمَا بِالنَّقَّالِ وَمُتَابَعَةِ الأَخْبَارِ وَهُمَا يَكْرَهَانِ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنَ الإِسَاءَةِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِهِمَا. وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ إِلَى بِرِّ وَالِدِينَا، وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً.