ابو وليد البحيرى
2021-11-11, 12:08 PM
أهميّة اللّغة العربيّة وكيْف يُمكن تَعلُّمها
نظام الدّين إبراهيم أوغلو
محاضر بجامعة هيتيت ـ تركيا
مقدمة
تُعتبرُ اللّغة العربيّة لغة عالمية من بين 3000 لغة في العالم. ومن أقدس وأوسع لغاتِ الأديان الأربعةِ: السّريانيّةِ واليُونانيّةِ والعبرانيّةِ والعربيّة، لكونها غنيّة بالمُفردات والمُترادفاتِ ووجود الألفاظ المضادة والتشبيه والمَجاز واشتقاق الكلمات والفصاحة والبلاغة، ولكونها لغة القرآن الكريم أخر الأديان السّماوية والمنُزل من عند الله تعالى، وفيها هداية ورحمة وشفاء للصدور ومعجزات كثيرة، وتجمع فيها كلمات دينيّة لكافة لغات الأديان السَّماوية، كل هذه تضيف لها قداستها.
وأشادَ " ماريو بِلْ، مؤلف كتاب قصة اللّغات: بأنَّ العربيّة هي اللّغة العالميةُ في حضاراتِ العُصورِ الوسطى، وكانت رافداً عظيماً للإنكليزية في نهضتها وكثيرٍ من الأوربيّات، وقد أورد قاموس Littre قوائمَ بما اقتبسته هذه اللّغات من مفرداتٍ عربيةٍ، وأولها الإسبانية ثم الفرنسية والإيطالية واليونانية والمجرية، وكذلك الأرمنية والروسية وغيرها، ومجموعها 27 لغة، وتقدر المفردات بالآلاف .
لقد عَرَفَ عظمةَ اللّغة العربيّة مَنْ اطَّلعَ عَليها وتعلَّمها وغَاض في أسرارها من العَرب في القَديم، ولا عجب في أنْ يشهدوا بعظمتها لأنهم أهل اللّغة، والاطّلاع على أقوالهم يزيدنا علماً وثقةً بها، لكنّ الاطّلاع على شهادات غير العرب في العربيّة له طَعْمٌ آخر، لأنّهم عرفوا قيمةَ لغة القرآن وهم ليسوا منهم، وهو ما يدفعنا إلى محاولة معرفة ما عرفوه منها، لنزداد اعتزازاً بها ونغرس الاعتزاز في نفوس ابنائنا.
واللّغة العربيّة تحتوي على 28 حرفاً مكتوباً، وهي تكتب من اليمين إلى اليسار ـ بعكس الكثير من لغات العالم.
لقد وجدنا أنّ كثيراً من ابناء المسلمين يجهلون فضل اللّغة العربيّة وجوانب عظمتها، لهذا السّبب أرادنا ايضاح أهميتها وكيف يمكن تعلمها في بحثنا هذا ليتشجع طالب العلم على تعلّمها وبكافة وسائلها.
تركيا 27 / 09 / 2009
أهمية اللّغة العربيّة
تعريف اللّغة:
عرف القدماء اللّغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع التعريفات الحديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي، غير أن تعريف اللّغة بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعلاقتها بالإنسان.. فاللّغة هي الإنسان، وهي الوطن والأهل، واللّغة التي هي نتيجة التفكير.. هي ما يميز الإنسان عن الحيوان وهي ثمرة العقل والعقل كالكهرباء يعرف بأثره، ولا ترى حقيقته .
وعرّف علماء النفس اللّغة، فرأوا أنها مجموعة إشارات تصلح للتعبير عن حالات الشعور، أي عن حالات الإنسان الفكرية و العاطفية و الإرادية، أو أنها الوسيلة التي يمكن بواسطتها تحليل أية صورة أو فكرةٍ ذهنيةٍ إلى أجزائها أو خصائصها، و التي بها يمكن تركيب هذه الصورة مرّة أخرى بأذهاننا و أذهان غيرنا، وذلك بتأليف كلماتٍ و وضعها في ترتيبٍ خاصٍ .
تعريف النّحو:
وسيلة في تعلم اللّغة وهو قواعد يُعرف بها أحوال أواخر الكلمات العربيّة التي حَصَلت بتركيب بعضها مع بعض من إعراب وبناء وما يتبَعُهما . أو هو علم بأصول مستنبطة من كلام العرب، يعرف بها أحكام الكلمات العربيّة حال إفرادها وتركيبها وما يتبعها . وهناك قول مأثور على علم النّحو (النّحو في الكلام كالملحِ في الطّعام).
تعريف الصّرف:
وسيلة في تعلّم اللّغة وهو التغيير الذي يتناول صيغة الكلمة وبِنْيتها، لإظهار ما في حروفها من أصالة، أو زيادة، أو حذف، أو صحة، أو إعلال، أو إبدال، أو غير ذلك من التغيير الذي لا يتصل باختلاف المعاني . أو هو علم بأصول يُعرف به تغيير أواخر الكلم إعرابا وبناءا . وهو تغيير أحوال الكَلِم العربيّة إفراداً وتركيباً. وقال أحمد بن علي ابن مسعود في علم الصرف (اعلم أن الصرف أم العلوم والنحو أبوها ويقوى في الدرايات داروها ويطغى في الروايات عاروها، ) .
علاقة اللّغة العربيّة بالقرآن الكريم:
اللسان العربي هو شعار الإسلام كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: واللّغة العربيّة من الدين لا تنفصل عنه، ولا ينفصل عنها بل هي الدين بعينه ، فقد نزل بها كتاب ربنا، وأصبح تعلمها واتقانها ومعرفة قواعدها وأسرارها فرضاً واجباً، لأن فهم الكتاب والسنة ومعرفة أحكام الدين من الأمور المتعينة على المسلم. وهذا لايتم إلا بفهم اللّغة العربيّة لغة القرآن والدين والتراث ..
وقال أيضاً: « لا بُدّ في تفسير القرآن والحديث من أن يُعرَف ما يدلّ على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يُفهَم كلامُه. فمعرفة العربيّة التي خُوطبنا بها ممّا يُعين على أن نفقه مرادَ اللهِ ورسولِه بكلامِه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإنّ عامّة ضلال أهم البدع كان بهذا السبب، فإنّهم صاروا يحملون كلامَ اللهِ ورسولِه على ما يَدّعون أنّه دالٌّ عليه، ولا يكون الأمر كذلك » .
ونرى أبضاً أنّ للقرآن الكريم فضل كبير في إقامة اللّغة العربيّة وتعديل اعوجاجه، وترك ما تمجّه الطباع السليمة من اللّغة ونزول القرآن باللّغة العربيّة واعتباره مرجعا لقواعد اللّغة العربيّة إضافة إلى إبراز آثار الأساليب القرآنية على ألسنة الشعوب الإسلامية ولغاتهم. وبهذا يتضح أن العلاقة بين اللّغة العربيّة وعلوم الإسلام من تفسير وحديث وفقه وأصول وغيرها من العلوم علاقة متينة جداً لمن أراد أن يشتغل بأي من العلوم.
آيات حول علاقة العربيّة بالقُرآن الكريم:
لقد وردت كلمة العربيّة بجانب القرآن، فأعطت لها دلالة وصبغة دينية فإزدادت أهميتها فقال الله تعالى: (إنَّا أنزلناه قُرآناً عربيّاً لعلَّكم تعقلون) ، (إنَّا جعلناهُ قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون) ، (قُرآناً عربيّاً غَيرَ ذي عوجٍ لعلَّهم يتَّقون) ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِن المُنْذَرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِي مُبِين) . وفيه معجزات الهداية والشفاء (أُولئِكَ الَّذِين هَداهُم اللهُ وَأولئكَ هُم أولُو الأَلبَاب) ، (إنَّا سَمِعْنَا قُرآناً عَجَباً، يَهدِي إلى الرُّشدِ فآمنَّا بهِ) ، (قُل هُو للَّذين آمنوا هُدىً وشفاءٌ) ، والهُدى: يعني العقل والعظمة في البصيرة ومعرفة حقائق الأمور، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ، والتدبّر لا يكون إلا بعد فهم معنى ما يتلى، فكيف يتحقّق لغير العربي تدبّر القرآن الكريم ؟ هل يتحقق ذلك من قراءة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغته ؟ أم من دراسة اللّغة العربيّة وتعلّمها ليعرف المعني بلغة القرآن نفسه ثم يعرف الإعجاز البياني واللّغوي من نظم وأسلوب وبلاغة القرآن الكريم ماعدا الإعجازات الأخرى؟ إذاً نفهم من الآيات الكريمة أنه يوجد علاقة وثيقة بين القرآن واللّغة العربية.
أحاديث حول تعلّم القُرآن ولُغَة القُرآن:
حاجة تعلم اللّغة العربيّة إلى علم الحديث لأنّ الرسول محمد عليه الصلاة والسلام لأنه أنطق أحاديثه باللّغة العربيّة فأصبحت العلاقة الجوهرية التي تربط بين الحديث كعلم شرعي والعلم اللغوي كعلم مقصدي .
والرسول عليه الصلاة والسلام كان يشجع أصحابه على تعلّم العربيّة فقال نبينا عليه السلام (خَيْركُم مَن تَعلّم القُرآنَ وعَلَّمهُ) متفق عليه. وسأل العباس الرسول صلى الله عليه وسلم ما الجمال؟ فقال: اللسان. وفي رواية أخرى: إنه سأله ما الجمال في الرجل، فقال: فصاحة لسانه. وقال: رحم الله امرأ أصلح من لسانه "في حديث رواه الحاكم وصححه". وروي عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (تَعَلّموا الفَرائِضَ وَعَلّمُوهَا النَّاسَ وَتَعلَّموا العِلمَ وَعَلِّمُوه النَّاسَ فإنّي إمرؤ مَقبوضٌ وإنّ العِلمَ سَيَقْبِضُ وَتَظْهَر الفِتَنَ حَتَّى يَخْتَلِفَ الاثْنَانِ فِي الفَرِيضَةِ لا يَجِدَانِ مَن يَفْصُل بَينَهُما) رواه الحاكم .وقوله: (تَعلّموا العربيّة وَعَلِّموها النّاسَ) رواه البيهقي وابن الأنباري في الإيضاح من قول عمر بن الخطاب، وقد رواه ابن أبي شيبة عن أبي بن كعب موقوفاً.
وحتى الرسول عليه السلام قد شجع تعلم اللغات الأخرى فقال حديثه المتداول عند الناس (مَن تَعلمَّ لُغَةَ قَومٍ أَمِنَ شَرَّهم أو مَكْرَهُم) قيل أنه حديث ضعيف، وأصل الحديث هو: (وقد أمَر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليَهود ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمنهم ! قال زيد بن ثابت : أمَرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فَتَعَلَّمْتُ له كتاب يهود، وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي. فتعلمته، فلم يَمُرّ بِي إلاَّ نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إذا كَتب، وأقرأ له إذا كُتب إليه). رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي . وفيه دليل على جواز تعلّم لُغات الكُفَّار إذا كان هناك حاجة لِتعلُّمها .
يتبيّن من الآيات أنّ لتعلُّمَ اللّغة أهمية ولتعلم اللّغة العربيّة أهمية خاصة لعلاقتها بالقرآن الكريم التي هو دستور المسلمين وكتاب هداية ورحمة ونور وشِفاءٌ لما في الصّدور وفيها عباداتهم ومعاملاتهم. ومن تدبر فيه لقد تعقّل وتوسّع أُفقه وأصبح سمعياً عليماً بصيراً.
وهناك أحاديث موضوعة وضعيفة كثيرة حول فضل العرب واللّغة العربيّة، وسوف نذكر هنا اثنين منها من أجل إزالة الشبهات حول الأحاديث التي يراد بها إلصاقها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. « أُحِبُّ العَرَبَ لِثَلاثٍ لأنِّي عَرَبِيٌّ وَالقُرآنُ عَرَبِيٌّ وَلِسَانُ أهْل الجَنَّةِ عَرَبي» . « فَمَنْ أحَبَّ العَرَبَ فَقَد أحَبَّنِي وَمَن أبْغَضَ العَرَبَ فقد أبْغَضَنِي »
أهمية اللّغة العربيّة في المصَادر العربيّة:
1ـ قال عمر رضي الله عنه: «تعلَّموا النَّحو كما تُعلَّمون السُّنن والفرائضَ». . وفي قول آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «تعلموا العربيّة فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم» .
2ـ قول الثّعالبي في كتابه فقه اللّغة وسرُّ العربيّة : « إنّ مَن أحَبَّ اللهَ أحبَّ رسولهُ، ومن أحبَّ النّبي أحَبَّ العَربَ، ومَن أحبَّ العربَ أحبَّ اللّغة العربيّة التي بها نزلَ أفضلَ الكُتبِ على أفضلَ العجمِ والعربِ، ومَن أحبَّ العربيّة عُنيَ بها وثابرَ عليها، وصرفَ هِمَّتهُ إليها» .
3ـ قول شَّيخُ الإسلام ابن تيميّة: « إنّ اللّغة العربيّة من الدِّين، ومعرفتُها فرضٌ وواجبٌ، فإنَّ فهم الكِتابِ والسُّنةِ فرضٌ، ولا يُفْهمُ إلاّ باللّغة العربيّة، وما لا يتُّمُ الواجبُ إلاّ بهِ فهو واجبٌ » .وقوله أيضاً: « وليس أثر اعتياد اللّغة الفصحى مقصوراً على اللسان، بل يتعمق حتى يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قوياً بيِّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق» .
4ـ قال ابن تيميّة رحمه الله: « وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات، وهو التكلُّم بغير العربيّة إلاّ لحاجة ، كما نصَّ على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: « مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربيّة أُخرِجَ منه » مع أنّ سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام » . وقال أيضاً: « وكان السلف يؤدّبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيباً » .
5ـ قول الفارابي يمدح العربيّة ويقول: « بأنها من كلام أهل الجنّة، وهو المنزّه بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلّى من كل خسيسة، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً » .
6ـ قال ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله: « وإنّما يعرِفُ فضْلَ القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللّغة وعلم العربيّة، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها ... » .
7ـ ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد كراهة الرَطانةِ، وتسميةِ الشهورِ بالاسماءِ الأعجميّةِ، والوجهُ عند الإمام أحمد في ذلك « كراهةُ أن يتعوّد الرجل النطقَ بغير العربيّة» .
8ـ قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: « ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاّ ذلَّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيُّ المستعمرُ لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة ، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً ، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ » .
9ـ ذكر الشافعيُّ أَنّ على الخاصَّة الّتي تقومُ بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلّم لسان العرب ولغاتها، التي بها تمام التوصُّل إلى معرفة ما في الكتاب والسُّنن والآثار وأقاويل المفسّرين من الصحابة والتابعين، من الألفاظ الغريبة، والمخاطباتِ العربيّة، فإنّ من جَهِلَ سعة لسان العرب وكثرة ألفاظها، وافتنانها في مذاهبها جَهِلَ جُملَ علم الكتاب، ومن علمها، ووقف على مذاهبها، وفَهِم ما تأوّله أهل التفسير فيها، زالت عنه الشبه الدَّاخلةُ على من جَهِلَ لسانها من ذوي الأهواء والبدع » .
أهمية اللّغة العربيّة في المصَادر الغَير العربيّة:
من أجل معرفة فضل لغة القرآن يجب علينا من قراءة بعض الأقوال الغير العربية كذلك.
1ـ قوال المستشرق الفرنسي رينان: « من أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللّغة القوميّةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّةٍ من الرُحّل، تلك اللّغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّةِ معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها، ولم يُعرف لها في كلّ أطوار حياتها طفولةٌ ولا شيخوخةٌ، ولا نكاد نعلم من شأنها إلاّ فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبارى ولا نعرف شبيهاً بهذه اللّغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرّج وبقيت حافظةً لكيانها من كلّ شائبة » .
2ـ قول المستشرقة الألمانية الدّكتورة في الفلسفة أنا ماري شيمل، والتي ترجمت القرآنَ الكريمِ الى الألمانية: «واللّغة العربيّة لغةٌ موسيقيّةٌ للغايةِ، ولا أستطيعُ أن أقول إلاّ أنها لا بُدَّ أنْ تكونَ لغةُ الجنّةِ».
3ـ قال المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس: « إنَّ في الإسلام سنداً هامّاً للغة العربيّة أبقى على روعتها وخلودها فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة، كاللاتينية حيث انزوت تماماً بين جدران المعابد. ولقد كان للإسلام قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوب التي اعتنقته حديثاً، وكان لأسلوب القرآن الكريم أثر عميق في خيال هذه الشعوب فاقتبست آلافاً من الكلمات العربيّة ازدانت بها لغاتها الأصلية فازدادت قوةً ونماءً. والعنصر الثاني الذي أبقى على اللّغة العربيّة هو مرونتها التي لا تُبارى ، فالألماني المعاصر مثلاً لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدةً من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة ، بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام » .
4ـ قال المستشرق الألماني يوهان فك: «إن العربيّة الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربيّة والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربيّة الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربيّة بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية» .
5ـ قال جوستاف جرونيباوم :« عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها « قرآناً عربياً » والله يقول لنبيّه: « فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدّاً »، وما من لغة تستطيع أن تطاول اللّغة العربيّة في شرفها، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان، أما السعة فالأمر فيها واضح، ومن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللّغة العربيّة، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات. وتزيّن الدقة ووجازة التعبير لغة العرب، وتمتاز العربيّة بما ليس له ضريب من اليسر في استعمال المجاز، وإن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيراً فوق كل لغة بشرية أخرى، وللغة خصائص جمّة في الأسلوب والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف له نظائر في أي لغة أخرى، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني، وفي النقل إليها، يبيّن ذلك أن الصورة العربيّة لأيّ مثل أجنبيّ أقصر في جميع الحالات ، وقد قال الخفاجي عن أبي داود المطران ـ وهو عارف باللغتين العربيّة والسريانية ـ أنه إذا نقل الألفاظ الحسنة إلى السرياني قبُحت وخسّت، وإذا نُقل الكلام المختار من السرياني إلى العربي ازداد طلاوةً وحسناً، وإن الفارابي على حقّ حين يبرّر مدحه العربيّة بأنها من كلام أهل الجنّة، وهو المنزّه بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلّى من كل خسيسة، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً » .
6ـ قال المستشرق الألماني أوجست فيشر: « وإذا استثنينا الصين فلا يوجدُ شعبٌ آخرُ يحقّ له الفَخارُ بوفرةِ كتبِ علومِ لغتِه، وبشعورِه المبكرِ بحاجته إلى تنسيقِ مفرداتها، بحَسْبِ أصولٍ وقواعدَ غيرَ العرب» .
7ـ قال هايوود: «إن العرب في مجال المعجم يحتلّون مكان المركز، سواءً في الزمان أو المكان، بالنسبة للعالم القديمِ أو الحديثِ ، وبالنسبة للشرقِ أو الغربِ» .
8ـ قال المستشرق ألفريد غيوم عن العربيّة: « ويسهل على المرء أن يدركَ مدى استيعابِ اللّغة العربيّة واتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية للعالم القديم بكل يسرٍ وسهولة، بوجود التعدد في تغيير دلالة استعمال الفعل والاسم ...» ، ويضرب لذلك مثلاً واضحاً يشرح به وجهة نظره حيث يقول: « إن الجذر الثلاثي باشتقاقاته البالغة الألفَ عَدّاً، وكلٌ منها متّسق اتساقاً صوتياً مع شبيهه، مشكّلاً من أيّ جذر آخر، يصدر إيقاعاً طبيعياً لا سبيل إلى أن تخطئه الأذن، فنحن (الإنكليز) عندما ننطق بفكرة مجرّدة لا نفكر بالمعنى الأصلي للكلمة التي استخدمناها، فكلمة (Association) مثلاً تبدو منقطعة الصلة بـ (Socins) وهي الأصل، ولا بلفظة (Ad) ، ومن اجتماعهما تتألف لفظة (Association ) كما هو واضح وتختفي الدالّة مدغمة لسهولة النطق، ولكن أصل الكلمة بالعربيّة لا يمكن أن يَسْتَسِرّ ويَسْتَدِقّ على المرء عند تجريد الكلمة المزيدة حتى يضيع تماماً، فوجود الأصل يظلّ بَيّناً محسوساً على الدوام، وما يعدّ في الإنجليزية محسّناتٍ بديعيةً لا طائل تحتها، هو بلاغةٌ غريزيةٌ عند العربي » .
9ـ قال المستشرق الألماني نولدكه عن العربيّة وفضلها وقيمتها: « إن اللّغة العربيّة لم تَصِرْ حقّاً عالميةً إلا بسبب القرآن والإسلام، وقد وضع أمامنا علماءُ اللّغة العرب باجتهادهم أبنيةَ اللّغة الكلاسيكية، وكذلك مفرداتها في حالة كمالٍ تامٍّ، وأنه لا بدّ أن يزداد تعجب المرء من وفرة مفردات اللّغة العربيّة، عندما يعرف أن علاقات المعيشة لدى العرب بسيطةٌ جداً، ولكنهم في داخل هذه الدائرة يرمزون للفرق الدقيق في المعنى بكلمةٍ خاصّةٍ، والعربيّة الكلاسيكية ليست غنيّةً فقط بالمفردات ولكنها غنيةٌ أيضاً بالصيغ النحوية، وتهتمّ العربيّة بربط الجمل ببعضها ... وهكذا أصبحت اللّغة (البدويّة) لغةً للدين والمنتديات وشؤون الحياة الرفيعة، وفي شوارع المدينة، ثم أصبحت لغةَ المعاملات والعلوم، وإن كلَّ مؤمنٍ غالباً جداً ما يتلو يومياً في الصلاة بعض أجزاء من القرآن، ومعظم المسلمين يفهمون بالطبع بعض ما يتلون أو يسمعون، وهكذا كان لا بُدّ أن يكون لهذا الكتاب من التأثير على لغة المنطقة المتّسعة ما لم يكن لأيّ كتابٍ سواه في العالم، وكذلك يقابل لغة الدين ولغة العلماء والرجل العادي بكثرة، ويؤدّي إلى تغيير كثيرٍ من الكلمات والتعابير في اللّغة الشعبية إلى الصحّة » .
10ـ قال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون: « استطاعت العربيّة أن تبرز طاقة الساميين في معالجة التعبير عن أدق خلجات الفكر سواءً كان ذلك في الاكتشافات العلمية والحسابية أو وصف المشاهدات أو خيالات النفس وأسرارها . واللّغة العربيّة هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربيّة من أنقى اللغات، فقد تفرّدت بتفرّدها في طرق التعبير العلمي والفني والصوفي، إنّ التعبير العلمي الذي كان مستعملاً في القرون الوسطى لم يتناوله القدم ولكنه وقف أمام تقدّم القوى المادية فلم يتطوّر. أما الألفاظ المعبّرة عن المعاني الجدلية والنفسانية والصوفية فإنها لم تحتفظ بقيمتها فحسب بل تستطيع أن تؤثر في الفكر الغربي وتنشّطه .ثمّ ذلك الإيجاز الذي تتسم به اللّغة العربيّة والذي لا شبيه له في سائر لغات العالم والذي يُعدّ معجزةً لغويةً كما قال البيروني» .
11ـ قالت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة: « كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمالَ هذه اللّغة ومنطقَها السليم وسحرَها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللّغة ، فلقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم في هذا التيار يتكلمون اللّغة العربيّة بشغفٍ، حتى إن اللّغة القبطية مثلاً ماتت تماماً، بل إن اللّغة الآرامية لغة المسيح قد تخلّت إلى الأبد عن مركزها لتحتلّ مكانها لغة محمد » .
12ـ قال المستشرق الألماني كارل بروكلمان: « بلغت العربيّة بفضل القرآن من الاتساع مدىً لا تكاد تعرفه أيُّ لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن العربيّة وحدها اللسانُ الذي أُحِلّ لهم أن يستعملوه في صلاتهم ...» . وقال د. جورج سارتون: « وهبَ اللهُ اللّغة العربيّة مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدوّن الوحي أحسن تدوين ... بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن تعبّر عنه بعباراتٍ عليها طلاوة وفيها متانة » .
يتبع
نظام الدّين إبراهيم أوغلو
محاضر بجامعة هيتيت ـ تركيا
مقدمة
تُعتبرُ اللّغة العربيّة لغة عالمية من بين 3000 لغة في العالم. ومن أقدس وأوسع لغاتِ الأديان الأربعةِ: السّريانيّةِ واليُونانيّةِ والعبرانيّةِ والعربيّة، لكونها غنيّة بالمُفردات والمُترادفاتِ ووجود الألفاظ المضادة والتشبيه والمَجاز واشتقاق الكلمات والفصاحة والبلاغة، ولكونها لغة القرآن الكريم أخر الأديان السّماوية والمنُزل من عند الله تعالى، وفيها هداية ورحمة وشفاء للصدور ومعجزات كثيرة، وتجمع فيها كلمات دينيّة لكافة لغات الأديان السَّماوية، كل هذه تضيف لها قداستها.
وأشادَ " ماريو بِلْ، مؤلف كتاب قصة اللّغات: بأنَّ العربيّة هي اللّغة العالميةُ في حضاراتِ العُصورِ الوسطى، وكانت رافداً عظيماً للإنكليزية في نهضتها وكثيرٍ من الأوربيّات، وقد أورد قاموس Littre قوائمَ بما اقتبسته هذه اللّغات من مفرداتٍ عربيةٍ، وأولها الإسبانية ثم الفرنسية والإيطالية واليونانية والمجرية، وكذلك الأرمنية والروسية وغيرها، ومجموعها 27 لغة، وتقدر المفردات بالآلاف .
لقد عَرَفَ عظمةَ اللّغة العربيّة مَنْ اطَّلعَ عَليها وتعلَّمها وغَاض في أسرارها من العَرب في القَديم، ولا عجب في أنْ يشهدوا بعظمتها لأنهم أهل اللّغة، والاطّلاع على أقوالهم يزيدنا علماً وثقةً بها، لكنّ الاطّلاع على شهادات غير العرب في العربيّة له طَعْمٌ آخر، لأنّهم عرفوا قيمةَ لغة القرآن وهم ليسوا منهم، وهو ما يدفعنا إلى محاولة معرفة ما عرفوه منها، لنزداد اعتزازاً بها ونغرس الاعتزاز في نفوس ابنائنا.
واللّغة العربيّة تحتوي على 28 حرفاً مكتوباً، وهي تكتب من اليمين إلى اليسار ـ بعكس الكثير من لغات العالم.
لقد وجدنا أنّ كثيراً من ابناء المسلمين يجهلون فضل اللّغة العربيّة وجوانب عظمتها، لهذا السّبب أرادنا ايضاح أهميتها وكيف يمكن تعلمها في بحثنا هذا ليتشجع طالب العلم على تعلّمها وبكافة وسائلها.
تركيا 27 / 09 / 2009
أهمية اللّغة العربيّة
تعريف اللّغة:
عرف القدماء اللّغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع التعريفات الحديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي، غير أن تعريف اللّغة بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعلاقتها بالإنسان.. فاللّغة هي الإنسان، وهي الوطن والأهل، واللّغة التي هي نتيجة التفكير.. هي ما يميز الإنسان عن الحيوان وهي ثمرة العقل والعقل كالكهرباء يعرف بأثره، ولا ترى حقيقته .
وعرّف علماء النفس اللّغة، فرأوا أنها مجموعة إشارات تصلح للتعبير عن حالات الشعور، أي عن حالات الإنسان الفكرية و العاطفية و الإرادية، أو أنها الوسيلة التي يمكن بواسطتها تحليل أية صورة أو فكرةٍ ذهنيةٍ إلى أجزائها أو خصائصها، و التي بها يمكن تركيب هذه الصورة مرّة أخرى بأذهاننا و أذهان غيرنا، وذلك بتأليف كلماتٍ و وضعها في ترتيبٍ خاصٍ .
تعريف النّحو:
وسيلة في تعلم اللّغة وهو قواعد يُعرف بها أحوال أواخر الكلمات العربيّة التي حَصَلت بتركيب بعضها مع بعض من إعراب وبناء وما يتبَعُهما . أو هو علم بأصول مستنبطة من كلام العرب، يعرف بها أحكام الكلمات العربيّة حال إفرادها وتركيبها وما يتبعها . وهناك قول مأثور على علم النّحو (النّحو في الكلام كالملحِ في الطّعام).
تعريف الصّرف:
وسيلة في تعلّم اللّغة وهو التغيير الذي يتناول صيغة الكلمة وبِنْيتها، لإظهار ما في حروفها من أصالة، أو زيادة، أو حذف، أو صحة، أو إعلال، أو إبدال، أو غير ذلك من التغيير الذي لا يتصل باختلاف المعاني . أو هو علم بأصول يُعرف به تغيير أواخر الكلم إعرابا وبناءا . وهو تغيير أحوال الكَلِم العربيّة إفراداً وتركيباً. وقال أحمد بن علي ابن مسعود في علم الصرف (اعلم أن الصرف أم العلوم والنحو أبوها ويقوى في الدرايات داروها ويطغى في الروايات عاروها، ) .
علاقة اللّغة العربيّة بالقرآن الكريم:
اللسان العربي هو شعار الإسلام كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: واللّغة العربيّة من الدين لا تنفصل عنه، ولا ينفصل عنها بل هي الدين بعينه ، فقد نزل بها كتاب ربنا، وأصبح تعلمها واتقانها ومعرفة قواعدها وأسرارها فرضاً واجباً، لأن فهم الكتاب والسنة ومعرفة أحكام الدين من الأمور المتعينة على المسلم. وهذا لايتم إلا بفهم اللّغة العربيّة لغة القرآن والدين والتراث ..
وقال أيضاً: « لا بُدّ في تفسير القرآن والحديث من أن يُعرَف ما يدلّ على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يُفهَم كلامُه. فمعرفة العربيّة التي خُوطبنا بها ممّا يُعين على أن نفقه مرادَ اللهِ ورسولِه بكلامِه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإنّ عامّة ضلال أهم البدع كان بهذا السبب، فإنّهم صاروا يحملون كلامَ اللهِ ورسولِه على ما يَدّعون أنّه دالٌّ عليه، ولا يكون الأمر كذلك » .
ونرى أبضاً أنّ للقرآن الكريم فضل كبير في إقامة اللّغة العربيّة وتعديل اعوجاجه، وترك ما تمجّه الطباع السليمة من اللّغة ونزول القرآن باللّغة العربيّة واعتباره مرجعا لقواعد اللّغة العربيّة إضافة إلى إبراز آثار الأساليب القرآنية على ألسنة الشعوب الإسلامية ولغاتهم. وبهذا يتضح أن العلاقة بين اللّغة العربيّة وعلوم الإسلام من تفسير وحديث وفقه وأصول وغيرها من العلوم علاقة متينة جداً لمن أراد أن يشتغل بأي من العلوم.
آيات حول علاقة العربيّة بالقُرآن الكريم:
لقد وردت كلمة العربيّة بجانب القرآن، فأعطت لها دلالة وصبغة دينية فإزدادت أهميتها فقال الله تعالى: (إنَّا أنزلناه قُرآناً عربيّاً لعلَّكم تعقلون) ، (إنَّا جعلناهُ قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون) ، (قُرآناً عربيّاً غَيرَ ذي عوجٍ لعلَّهم يتَّقون) ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِن المُنْذَرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِي مُبِين) . وفيه معجزات الهداية والشفاء (أُولئِكَ الَّذِين هَداهُم اللهُ وَأولئكَ هُم أولُو الأَلبَاب) ، (إنَّا سَمِعْنَا قُرآناً عَجَباً، يَهدِي إلى الرُّشدِ فآمنَّا بهِ) ، (قُل هُو للَّذين آمنوا هُدىً وشفاءٌ) ، والهُدى: يعني العقل والعظمة في البصيرة ومعرفة حقائق الأمور، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ، والتدبّر لا يكون إلا بعد فهم معنى ما يتلى، فكيف يتحقّق لغير العربي تدبّر القرآن الكريم ؟ هل يتحقق ذلك من قراءة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغته ؟ أم من دراسة اللّغة العربيّة وتعلّمها ليعرف المعني بلغة القرآن نفسه ثم يعرف الإعجاز البياني واللّغوي من نظم وأسلوب وبلاغة القرآن الكريم ماعدا الإعجازات الأخرى؟ إذاً نفهم من الآيات الكريمة أنه يوجد علاقة وثيقة بين القرآن واللّغة العربية.
أحاديث حول تعلّم القُرآن ولُغَة القُرآن:
حاجة تعلم اللّغة العربيّة إلى علم الحديث لأنّ الرسول محمد عليه الصلاة والسلام لأنه أنطق أحاديثه باللّغة العربيّة فأصبحت العلاقة الجوهرية التي تربط بين الحديث كعلم شرعي والعلم اللغوي كعلم مقصدي .
والرسول عليه الصلاة والسلام كان يشجع أصحابه على تعلّم العربيّة فقال نبينا عليه السلام (خَيْركُم مَن تَعلّم القُرآنَ وعَلَّمهُ) متفق عليه. وسأل العباس الرسول صلى الله عليه وسلم ما الجمال؟ فقال: اللسان. وفي رواية أخرى: إنه سأله ما الجمال في الرجل، فقال: فصاحة لسانه. وقال: رحم الله امرأ أصلح من لسانه "في حديث رواه الحاكم وصححه". وروي عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (تَعَلّموا الفَرائِضَ وَعَلّمُوهَا النَّاسَ وَتَعلَّموا العِلمَ وَعَلِّمُوه النَّاسَ فإنّي إمرؤ مَقبوضٌ وإنّ العِلمَ سَيَقْبِضُ وَتَظْهَر الفِتَنَ حَتَّى يَخْتَلِفَ الاثْنَانِ فِي الفَرِيضَةِ لا يَجِدَانِ مَن يَفْصُل بَينَهُما) رواه الحاكم .وقوله: (تَعلّموا العربيّة وَعَلِّموها النّاسَ) رواه البيهقي وابن الأنباري في الإيضاح من قول عمر بن الخطاب، وقد رواه ابن أبي شيبة عن أبي بن كعب موقوفاً.
وحتى الرسول عليه السلام قد شجع تعلم اللغات الأخرى فقال حديثه المتداول عند الناس (مَن تَعلمَّ لُغَةَ قَومٍ أَمِنَ شَرَّهم أو مَكْرَهُم) قيل أنه حديث ضعيف، وأصل الحديث هو: (وقد أمَر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليَهود ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمنهم ! قال زيد بن ثابت : أمَرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فَتَعَلَّمْتُ له كتاب يهود، وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي. فتعلمته، فلم يَمُرّ بِي إلاَّ نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إذا كَتب، وأقرأ له إذا كُتب إليه). رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي . وفيه دليل على جواز تعلّم لُغات الكُفَّار إذا كان هناك حاجة لِتعلُّمها .
يتبيّن من الآيات أنّ لتعلُّمَ اللّغة أهمية ولتعلم اللّغة العربيّة أهمية خاصة لعلاقتها بالقرآن الكريم التي هو دستور المسلمين وكتاب هداية ورحمة ونور وشِفاءٌ لما في الصّدور وفيها عباداتهم ومعاملاتهم. ومن تدبر فيه لقد تعقّل وتوسّع أُفقه وأصبح سمعياً عليماً بصيراً.
وهناك أحاديث موضوعة وضعيفة كثيرة حول فضل العرب واللّغة العربيّة، وسوف نذكر هنا اثنين منها من أجل إزالة الشبهات حول الأحاديث التي يراد بها إلصاقها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. « أُحِبُّ العَرَبَ لِثَلاثٍ لأنِّي عَرَبِيٌّ وَالقُرآنُ عَرَبِيٌّ وَلِسَانُ أهْل الجَنَّةِ عَرَبي» . « فَمَنْ أحَبَّ العَرَبَ فَقَد أحَبَّنِي وَمَن أبْغَضَ العَرَبَ فقد أبْغَضَنِي »
أهمية اللّغة العربيّة في المصَادر العربيّة:
1ـ قال عمر رضي الله عنه: «تعلَّموا النَّحو كما تُعلَّمون السُّنن والفرائضَ». . وفي قول آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «تعلموا العربيّة فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم» .
2ـ قول الثّعالبي في كتابه فقه اللّغة وسرُّ العربيّة : « إنّ مَن أحَبَّ اللهَ أحبَّ رسولهُ، ومن أحبَّ النّبي أحَبَّ العَربَ، ومَن أحبَّ العربَ أحبَّ اللّغة العربيّة التي بها نزلَ أفضلَ الكُتبِ على أفضلَ العجمِ والعربِ، ومَن أحبَّ العربيّة عُنيَ بها وثابرَ عليها، وصرفَ هِمَّتهُ إليها» .
3ـ قول شَّيخُ الإسلام ابن تيميّة: « إنّ اللّغة العربيّة من الدِّين، ومعرفتُها فرضٌ وواجبٌ، فإنَّ فهم الكِتابِ والسُّنةِ فرضٌ، ولا يُفْهمُ إلاّ باللّغة العربيّة، وما لا يتُّمُ الواجبُ إلاّ بهِ فهو واجبٌ » .وقوله أيضاً: « وليس أثر اعتياد اللّغة الفصحى مقصوراً على اللسان، بل يتعمق حتى يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قوياً بيِّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق» .
4ـ قال ابن تيميّة رحمه الله: « وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات، وهو التكلُّم بغير العربيّة إلاّ لحاجة ، كما نصَّ على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: « مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربيّة أُخرِجَ منه » مع أنّ سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام » . وقال أيضاً: « وكان السلف يؤدّبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيباً » .
5ـ قول الفارابي يمدح العربيّة ويقول: « بأنها من كلام أهل الجنّة، وهو المنزّه بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلّى من كل خسيسة، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً » .
6ـ قال ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله: « وإنّما يعرِفُ فضْلَ القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللّغة وعلم العربيّة، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها ... » .
7ـ ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد كراهة الرَطانةِ، وتسميةِ الشهورِ بالاسماءِ الأعجميّةِ، والوجهُ عند الإمام أحمد في ذلك « كراهةُ أن يتعوّد الرجل النطقَ بغير العربيّة» .
8ـ قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: « ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاّ ذلَّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيُّ المستعمرُ لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة ، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً ، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ » .
9ـ ذكر الشافعيُّ أَنّ على الخاصَّة الّتي تقومُ بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلّم لسان العرب ولغاتها، التي بها تمام التوصُّل إلى معرفة ما في الكتاب والسُّنن والآثار وأقاويل المفسّرين من الصحابة والتابعين، من الألفاظ الغريبة، والمخاطباتِ العربيّة، فإنّ من جَهِلَ سعة لسان العرب وكثرة ألفاظها، وافتنانها في مذاهبها جَهِلَ جُملَ علم الكتاب، ومن علمها، ووقف على مذاهبها، وفَهِم ما تأوّله أهل التفسير فيها، زالت عنه الشبه الدَّاخلةُ على من جَهِلَ لسانها من ذوي الأهواء والبدع » .
أهمية اللّغة العربيّة في المصَادر الغَير العربيّة:
من أجل معرفة فضل لغة القرآن يجب علينا من قراءة بعض الأقوال الغير العربية كذلك.
1ـ قوال المستشرق الفرنسي رينان: « من أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللّغة القوميّةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّةٍ من الرُحّل، تلك اللّغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّةِ معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها، ولم يُعرف لها في كلّ أطوار حياتها طفولةٌ ولا شيخوخةٌ، ولا نكاد نعلم من شأنها إلاّ فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبارى ولا نعرف شبيهاً بهذه اللّغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرّج وبقيت حافظةً لكيانها من كلّ شائبة » .
2ـ قول المستشرقة الألمانية الدّكتورة في الفلسفة أنا ماري شيمل، والتي ترجمت القرآنَ الكريمِ الى الألمانية: «واللّغة العربيّة لغةٌ موسيقيّةٌ للغايةِ، ولا أستطيعُ أن أقول إلاّ أنها لا بُدَّ أنْ تكونَ لغةُ الجنّةِ».
3ـ قال المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس: « إنَّ في الإسلام سنداً هامّاً للغة العربيّة أبقى على روعتها وخلودها فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة، كاللاتينية حيث انزوت تماماً بين جدران المعابد. ولقد كان للإسلام قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوب التي اعتنقته حديثاً، وكان لأسلوب القرآن الكريم أثر عميق في خيال هذه الشعوب فاقتبست آلافاً من الكلمات العربيّة ازدانت بها لغاتها الأصلية فازدادت قوةً ونماءً. والعنصر الثاني الذي أبقى على اللّغة العربيّة هو مرونتها التي لا تُبارى ، فالألماني المعاصر مثلاً لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدةً من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة ، بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام » .
4ـ قال المستشرق الألماني يوهان فك: «إن العربيّة الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربيّة والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربيّة الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربيّة بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية» .
5ـ قال جوستاف جرونيباوم :« عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها « قرآناً عربياً » والله يقول لنبيّه: « فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدّاً »، وما من لغة تستطيع أن تطاول اللّغة العربيّة في شرفها، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان، أما السعة فالأمر فيها واضح، ومن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللّغة العربيّة، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات. وتزيّن الدقة ووجازة التعبير لغة العرب، وتمتاز العربيّة بما ليس له ضريب من اليسر في استعمال المجاز، وإن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيراً فوق كل لغة بشرية أخرى، وللغة خصائص جمّة في الأسلوب والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف له نظائر في أي لغة أخرى، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني، وفي النقل إليها، يبيّن ذلك أن الصورة العربيّة لأيّ مثل أجنبيّ أقصر في جميع الحالات ، وقد قال الخفاجي عن أبي داود المطران ـ وهو عارف باللغتين العربيّة والسريانية ـ أنه إذا نقل الألفاظ الحسنة إلى السرياني قبُحت وخسّت، وإذا نُقل الكلام المختار من السرياني إلى العربي ازداد طلاوةً وحسناً، وإن الفارابي على حقّ حين يبرّر مدحه العربيّة بأنها من كلام أهل الجنّة، وهو المنزّه بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلّى من كل خسيسة، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً » .
6ـ قال المستشرق الألماني أوجست فيشر: « وإذا استثنينا الصين فلا يوجدُ شعبٌ آخرُ يحقّ له الفَخارُ بوفرةِ كتبِ علومِ لغتِه، وبشعورِه المبكرِ بحاجته إلى تنسيقِ مفرداتها، بحَسْبِ أصولٍ وقواعدَ غيرَ العرب» .
7ـ قال هايوود: «إن العرب في مجال المعجم يحتلّون مكان المركز، سواءً في الزمان أو المكان، بالنسبة للعالم القديمِ أو الحديثِ ، وبالنسبة للشرقِ أو الغربِ» .
8ـ قال المستشرق ألفريد غيوم عن العربيّة: « ويسهل على المرء أن يدركَ مدى استيعابِ اللّغة العربيّة واتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية للعالم القديم بكل يسرٍ وسهولة، بوجود التعدد في تغيير دلالة استعمال الفعل والاسم ...» ، ويضرب لذلك مثلاً واضحاً يشرح به وجهة نظره حيث يقول: « إن الجذر الثلاثي باشتقاقاته البالغة الألفَ عَدّاً، وكلٌ منها متّسق اتساقاً صوتياً مع شبيهه، مشكّلاً من أيّ جذر آخر، يصدر إيقاعاً طبيعياً لا سبيل إلى أن تخطئه الأذن، فنحن (الإنكليز) عندما ننطق بفكرة مجرّدة لا نفكر بالمعنى الأصلي للكلمة التي استخدمناها، فكلمة (Association) مثلاً تبدو منقطعة الصلة بـ (Socins) وهي الأصل، ولا بلفظة (Ad) ، ومن اجتماعهما تتألف لفظة (Association ) كما هو واضح وتختفي الدالّة مدغمة لسهولة النطق، ولكن أصل الكلمة بالعربيّة لا يمكن أن يَسْتَسِرّ ويَسْتَدِقّ على المرء عند تجريد الكلمة المزيدة حتى يضيع تماماً، فوجود الأصل يظلّ بَيّناً محسوساً على الدوام، وما يعدّ في الإنجليزية محسّناتٍ بديعيةً لا طائل تحتها، هو بلاغةٌ غريزيةٌ عند العربي » .
9ـ قال المستشرق الألماني نولدكه عن العربيّة وفضلها وقيمتها: « إن اللّغة العربيّة لم تَصِرْ حقّاً عالميةً إلا بسبب القرآن والإسلام، وقد وضع أمامنا علماءُ اللّغة العرب باجتهادهم أبنيةَ اللّغة الكلاسيكية، وكذلك مفرداتها في حالة كمالٍ تامٍّ، وأنه لا بدّ أن يزداد تعجب المرء من وفرة مفردات اللّغة العربيّة، عندما يعرف أن علاقات المعيشة لدى العرب بسيطةٌ جداً، ولكنهم في داخل هذه الدائرة يرمزون للفرق الدقيق في المعنى بكلمةٍ خاصّةٍ، والعربيّة الكلاسيكية ليست غنيّةً فقط بالمفردات ولكنها غنيةٌ أيضاً بالصيغ النحوية، وتهتمّ العربيّة بربط الجمل ببعضها ... وهكذا أصبحت اللّغة (البدويّة) لغةً للدين والمنتديات وشؤون الحياة الرفيعة، وفي شوارع المدينة، ثم أصبحت لغةَ المعاملات والعلوم، وإن كلَّ مؤمنٍ غالباً جداً ما يتلو يومياً في الصلاة بعض أجزاء من القرآن، ومعظم المسلمين يفهمون بالطبع بعض ما يتلون أو يسمعون، وهكذا كان لا بُدّ أن يكون لهذا الكتاب من التأثير على لغة المنطقة المتّسعة ما لم يكن لأيّ كتابٍ سواه في العالم، وكذلك يقابل لغة الدين ولغة العلماء والرجل العادي بكثرة، ويؤدّي إلى تغيير كثيرٍ من الكلمات والتعابير في اللّغة الشعبية إلى الصحّة » .
10ـ قال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون: « استطاعت العربيّة أن تبرز طاقة الساميين في معالجة التعبير عن أدق خلجات الفكر سواءً كان ذلك في الاكتشافات العلمية والحسابية أو وصف المشاهدات أو خيالات النفس وأسرارها . واللّغة العربيّة هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربيّة من أنقى اللغات، فقد تفرّدت بتفرّدها في طرق التعبير العلمي والفني والصوفي، إنّ التعبير العلمي الذي كان مستعملاً في القرون الوسطى لم يتناوله القدم ولكنه وقف أمام تقدّم القوى المادية فلم يتطوّر. أما الألفاظ المعبّرة عن المعاني الجدلية والنفسانية والصوفية فإنها لم تحتفظ بقيمتها فحسب بل تستطيع أن تؤثر في الفكر الغربي وتنشّطه .ثمّ ذلك الإيجاز الذي تتسم به اللّغة العربيّة والذي لا شبيه له في سائر لغات العالم والذي يُعدّ معجزةً لغويةً كما قال البيروني» .
11ـ قالت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة: « كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمالَ هذه اللّغة ومنطقَها السليم وسحرَها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللّغة ، فلقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم في هذا التيار يتكلمون اللّغة العربيّة بشغفٍ، حتى إن اللّغة القبطية مثلاً ماتت تماماً، بل إن اللّغة الآرامية لغة المسيح قد تخلّت إلى الأبد عن مركزها لتحتلّ مكانها لغة محمد » .
12ـ قال المستشرق الألماني كارل بروكلمان: « بلغت العربيّة بفضل القرآن من الاتساع مدىً لا تكاد تعرفه أيُّ لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن العربيّة وحدها اللسانُ الذي أُحِلّ لهم أن يستعملوه في صلاتهم ...» . وقال د. جورج سارتون: « وهبَ اللهُ اللّغة العربيّة مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدوّن الوحي أحسن تدوين ... بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن تعبّر عنه بعباراتٍ عليها طلاوة وفيها متانة » .
يتبع