مشاهدة النسخة كاملة : بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي ----متجدد
ابو وليد البحيرى
2021-08-27, 09:32 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
من صـــ 57 الى صـــ 64
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/42.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
المؤلف: مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ)
المحقق: محمد علي النجار
الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة
عدد الأجزاء: 6
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عام النشر:
جـ 1، 2، 3: 1416 هـ - 1996 م
جـ 4، 5: 1412 هـ - 1992 م
جـ 6: 1393 هـ - 1973 م
الباب الأول - الطرف الأول - المقدمات
الفصل الأول - في فضائل القرآن ومناقبه
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم} وقال {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ} وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} وسيأْتى تفصيل أَسماءِ القرآن بعد هذا.
وأَمّا الخبر فأَشرف الأَحاديث فى ذلك ما صحّ عن النبى صلى الله عليه وسلم أَنه حدَّث عن جبريل عليه السّلام عن الربّ تبارك وتعالى أَنه قال "مَن شغله قراءَة كتابى عن مسأَلتى أَعطيته أَفضل ما أُعطِى الشاكرين" وفى رواية (السّائلين) . وعن أَنس عن النبى صلى الله عليه وسلم أَنه قال "إِن لله أَهلين من الناس. فقيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: أَهل القرآن. هم أَهل الله وخاصّته" وعن ابن عباس يرفعه "أَشراف أُمّتى حَمَلةُ القرآن، وأَصحاب الليل" وعنه أَيضا يرفعه "مَن أُعطِى القرآن فظنّ أَنّ أَحداً أُعْطِى أَفضلَ ممّا أُعْطى فقد عظَّم ما حقّر الله وحقّر ما عظَّم الله" وقال "من أَوتى القرآن فكأَنما أُدْرجتِ النبوّة بين جنبيه، إِلاَّ أَنّه لم يوحَ إِليه" وسئل النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل مَن أَفضل النّاس؟ فقال "الحالّ المرتحل. قيل: ومن الحالّ المرتحل؟ قال: صاحب القرآن كلَّما حلّ ارتحل" أَى كلَّما أَتمّ ختْمة استأنف ختمة أخرى.
وعن عليٍّ رضى الله عنه "قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم الفتنة. قلنا يا رسول الله: وما المَخْرج منها؟ قال: كتاب الله. فيه نبأ ما قبلكم، وفَصْل ما بينكم، وخَبر ما بعدكم. وهو الفصل ليس بالهَزْل. مَن تركه من جَبَّار قصمه الله. ومن ابتغى الهُدَى فى غيره أَضلَّه الله، وهو (حبل الله) المتين. وهو الذكر الحكيم، وهو الصِّراط المستقيم، وهو الذى لا يتلبِس له الأَلسُن، ولا يزيغ به الأَهواءُ، ولا يَخْلُق عن كثرة الرَّدّ، ولا يشبع منه العلماءُ، ولا ينقضى عجائبه، هو الَّذى لم يلبثِ الجِنُّ إِذْ سمعته أَن قالوا: إِنَّا سمعنَا قرآناً عجباً. من قال به صَدَق، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به هُدِى إِلى صراط مستقيم" وعن ابن مسعود عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال "إِن هذا القرآن مَأَدُبَةُ الله فى أَرضه، فتعلَّموا مَأْدبته ما استطعتم. وإِن هذا القرآن هو حبل الله، فهو نوره المبين، والشِّفاءُ النافع، عِصْمة لمن تمسك به، ونجاة من تبعه. "لا يَعْوجُّ فيقوَّم، ولا يزيغ فيُستَعتَبَ، ولا ينقضى عجائبه، ولا يَخْلقُ عن كثرة الردِّ فاقرءُوه؛ فإِنَّ الله يأْجُركم بكلِّ حرف عشر حسنات. أَمَا إِنى لا أَقول: الم عشر، ولكن أَلف، ولام، وميم ثلاثون حسنة" وعن أَبى هريرة أَنًَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "فَضْل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خَلْقه" وعن أَبى الدرداءِ يرفع إِلى النبىّ صلى الله عليه وسلم: القرآن أَفضل من كل شىء دون الله. فمن وَقَّر القرآن فقد وقَّر الله، ومن لم يوقِّر القرآن فقد استخفّ بحرمة الله. حرمة القرآن على الله كحرمة الوالد على ولده" وعن أَبى أُمامة أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأَ ثُلث القرآن أُوتى ثُلث النبوَّة. ومن قرأَ نصف القرآن أُوتى نصف النبوَّة. ومن قرأَ ثُلثى القرآن أُوتى ثُلثى النبوَّة. ومن قرأَ [القرآن] كلَّه أُوتى النبوّة كلها، ثم يقال له يوم القيامة: اقرأْ وارْقَ بكُّل آية درجةً حتَّى يُنجز ما (معه من) القرآن. ثم يقال له: اقبض فيقبِض، فيقال: هل تدرى ما فى يديك؟ فإِذا فى اليمنى الخُلْد، وفى الأُخرى النعيم".
وعن عائشة رضى الله عنها عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال: "حَمَلة القرآن محفوفون برحمة الله، الملْبَسون نورَ الله، المعلِّمون كلام الله. فمن عاداهم فقد عادى الله. ومن والاهم فقد والى الله. يقول الله عز وجل: يا حَمَلة كتاب الله تَحَبَّبوا إِلى الله بتوقير كتابه يزدكم حُبّاً، ويحبِّبكم إِلى خَلْقه. يُدفع عن مستمع القرآن شرّ الدنيا، ويدفع عن تالى القرآن بَلْوَى الآخرة. ولَمُستمع آية من كتاب الله خير من ثَبير ذهباً. ولَتَالى آيةٍ من كتاب الله خير مما تحت العرش إِلى تُخُوم الأَرض السفلى" وعن أَبى بُرَيدة قال: كنت عند النبىّ صلَّى الله عليه وسلم فسمعته يقول: إِنَّ القرآن يَلْقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه قبرُه كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفنى؟ فيقول: ما أَعرفك. فيقول: أَنا صاحبك القرآنُ الذى أَظمْأْتُك فى الهواجر، وأَسهرت ليلتك. وإِن كل تاجر من وراءِ تجارته، وإِنك اليوم من وراءِ كل تجارة. قال: فيعطى المُلْك بيمينه، والخُلْد بشِماله، ويوضع على رأْسه تاجُ الوقار، ويُكْسَى والداه حُلَّتَين لا يقوم لهما أَهل الدنيا. فيقولان: بِم كُسِينا هذا؟ فيقال لهما: بأَخْذ ولدكما القرآن. ثم يقال له: اقرأْ واصعد فى دَرَج الجنَّة وغُرَفها. فهو فى صُعُود ما دام يقرأُ، هذّاً كان أَو ترتيلا".
وعن مُعَاذ قال: "كنت فى سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله حدِّثنا بحديث يُنتفع به، فقال: إِن أَردتم عيش السُّعداء أَو موت الشهداء، والنجاةَ يوم الحشر، والظِّلّ يوم الحَرُور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن؛ فإِنَّه كلام الرَّحمن، وحَرس من الشيطان، ورُجْحان فى الميزان" وعن عُقْبة بن عامر قال "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن فى الصُّفَّة، فقال: أَيّكم يحبُّ أَن يغدو كلَّ يوم إِلى بُطْحان أَو العَقيقِ، فيأتىَ بناقتين كَوْماوَين زهراوين فى غير إِثم ولا قطيعة رَحم؟ قلنا كلّنا يا رسول الله يحبُّ ذلك. قال: لأَن يغدو أَحدكم كلَّ يوم إِلى المسجد فيتعلَّم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاثٌ خير له من ثلاث ومِن أَعدادهنَّ من الإِبل" وعن عائشة قالت "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البررة. والذى يَتَتَعْتع فيه له أَجران"
وروى عن أَبى ذرّ "أَنَّه جاءَ إِلى النبىِّ صلِّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إِنِّى أَخاف أَن أَتعلَّم القرآن ولا أَعمل به. فقال صلَّى الله عليه وسلم: "لا يعذِّب الله قلباً أَسكنه القرآن" وعن أنس عن النبي صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال: "مَن علَّم آية من كتاب الله كان له أَجرها ما تليت" وعن ابن مسعود أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أَراد علم الأَوَّلين والآخرين فليتدبَّر القرآن مؤثراً؟ فإِن فيه علم الأَولين والآخرين؛ أَلم تسمعوا قوله: ما فرطنا فى الكتاب من شَىْءٍ" عن واثلة بن الأَسْقع أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أُعطيت السَّبع الطِّوال مكان التوراة، وأُعطِيت المائدة مكان الإِنجيل وأُعطيت المثانى مكان الزَّبور وفُضِّلت بالمفصَّل" وعن عثمان بن عفَّان أَنَّه قال: "خيركم من تعلَّم القرآن وعَلَّمه" قال ابن عبَّاس: افتخرت السماءُ على الأَرض فقالت: أَنا أَفضل، فِىَّ العرش، والكرسيُّ، واللَّوح، والقلم. وفيَّ الجنَّة المأوى وجنَّة عَدْن، وفىَّ الشمس، والقمر، والنجوم. ومنِّى تنزَّلُ أَرزاق الخَلْق. وفىَّ الرَّحمة. فقالت الأَرض وتركتْ أَن تقول: فىَّ الأَنبياء والأَولياءُ وفىَّ بيت الله بل قالت: أَليس تنقلب أضلاعُ حَمَلة القرآن فى بطنى: فقال الله: صَدَقْتِ يا أَرض. وكان افتخارها على السَّماءِ أَن قال لها الرَّب صدقتِ. وعن أَبى موسى الأَشعرىّ عن النبىّ صلى الله عليه وسلم مَثَل الذى "يقرأُ القرآن ويعمل به مثل الأُتْرُجَّة: طعمها طيّب وريحها طيب ومثلُ الذى لا يقرأُ القرآن ويعمل به مثل التَمْرة: طعمها طيِّب، ولا ريح لها. ومثل الذى يقرأُ القرآن ولا يعمل به كمثل الرَّيحانة: لها رائحة، وطعمها مُرٌّ. ومثل الذى لا يقرأُ القرآن ولا يعمل به مثل الحَنْظَلة. لا طعم لها، ولا رائحة".
وسئل النبى صلى الله عليه وسلم من أَحسن النَّاس صوتاً؟ قال من إِذا سمعته يقرأُ خشية تخشى الله" وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأَصحابه: "اقرءُوا القرآن بحزن؛ فإِنه نزل بحزن" وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هذه القلوب لتصدأُ كما يصدأُ الحديد. قيل فما جِلاؤها يا رسول الله؟ قال: ذكر الموت وتلاوة القرآن: أَلم تسمعوا قوله تعالى {وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور} وقال عليه السَّلام: "القرآن هو الدَّواءُ" وقال "لا فاقة بعد القرآن، ولا غنى دونه" وقال: " ما آمن بالقرآن من استحلَّ محارمه" (وقال) "القرآن شافع، أَو ما حِلٌ مصدَّق" وقال: "من قرأَ القرآن وعمل بما فيه لم يُرَدَّ إِلى أَرذل العمر" وقال فى قوله {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} قال يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه ويكِلون ما أَشكل عليهم إِلى عالِمه" ويرى أَنَّ امرأَة مرَّت بعيسى بن مريم فقالت طوبى لبطن حملتك وثدى أَرضعك فقال عيسى لا بل طوبى لمن قرأَ القرآن وعمل به.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-09-13, 07:35 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(2)
من صـــ 65 الى صـــ 71
الفصل الثاني - في ذكر اعجاز القرآن وتمييزه بالنظم المعجز عن سائر الكلام
فى ذكر إِعجاز القرآن وتمييزه بالنظم المعجز عن سائر الكلام.
اعلم أَن الإِعجاز إِفعال من العَجْز الَّذى هو زوال القدرة عن الإِتيان بالشىء من عمل أَو رأْى أَو تدبير. والَّذى يظهر على الخلق من هذا المعنى ثلاث درجات: مَخْرقة وكرامة (ومعجزة) .
وبين المَخْرقة والمعجزة فروق كثيرة.
منها أَنَّ المَخْرقة لا بقاءَ لها، كعِصِىّ سَحَرة فرعون، والمعجزة باقية، كعصا موسى. ومنها أَنَّ المَخْرقة لا حقيقة لها، ولا معنى؛ لأَنَّ بناءَها على الآلات، والحِيل؛ والمعجزة لا آلة لها، ولا حيلة. ومنها أَنَّ العوامَّ يعجزون عن المَخْرقة، وأَمَّا الحُذَّاق والأَذكياءُ فلا يعجِزون عنها. وأَمَّا المعجزة فالخواصّ والعوامّ على درجة واحدة فى العجز عنها.
ومنها أَنَّ المَخْرقة متداولة بين النَّاس فى جميع الأَزمان غير مختصَّة بوقت دون وقت، وأَمَّا المعجزة فمختصَّة بزمان النبوّة، خارجة عن العُرْفِ، خارقة للعادة.
ومنها أَنَّ المَخْرقة يمكن نقضها بأَضدادها، ولا سبيل للنَّقض إِلى المعجزة.
وأَمَّا الفرق بين المعجزة والكرامة فهو أَنَّ المعجزة مختصَّة بالنبىّ دائما، [و] وقت إِظهارها مردَّد بين الجواز والوجوب، ويُقرن بالتحدِّى، وتحصل بالدُّعاءِ، ولا تكون ثمرةَ المعاملات المَرْضِيَّةِ، ولا يمكن تحصيلها بالكسب والجهد، ويجوز أَن يحيل النبىّ المعجزة إِلى نائبه، لينقلها من مكان إِلى مكان كما فى شمعون الصَّفا الَّذى كان نائباً عن عيسى فى إِحياءٍ الموتى، وأَرسله إِلى الرُّوم، فأَحيا الموتى هناك. وأَيضاً يكون أَثر المعجزة باقيا بحسب إِرادة النبىّ، وأَمَّا الكرامة فموقوفة على الولىِّ، ويكون كتمانها واجباً عليه، وإِن أَراد إِظهارها وإِشاعتها زالت وبطلت. وربما تكون موقوفة على الدعاءِ والتضرع. وفى بعض الأَوقات يعجز عن إِظهارها.
وبما ذكرنا ظهر الفرق بين المعجزة والكرامة والمَخْرقة.
وجملة المعجزات راجعة إِلى ثلاثة معان: إِيجاد معدوم، أَو إِعدام موجود، أَو تحويل حال موجود.
إِيجاد معدوم كخروج الناقة من الجبل بدعاءِ صالح عليه السلام.
وإِعدام الموجود كإِبراءِ الأَكمه والأَبرص بدعاءِ عيسى عليه السلام.
وتحويلُ حال الموجود كقلب عصا موسى ثعباناً.
وكلُّ معجزة كانت لنبىٍّ من الأَنبياءِ فكان مثلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إِظهارها له ميسَّراً مسلماً.
وأَفضل معجزاته وأَكملها وأَجلُّها وأَعظمها القرآن الذى نزل عليه بأَفصح اللُّغات، وأَصحِّها، وأَبلغها، وأَوضحها، وأَثبتها، وأَمتنها، بعد أَن لم يكن كاتباً ولا شاعراً ولا قارئاً، ولا عارفاً بطريق الكتابة، واستدعاءٍ من خطباءِ العرب العرباءِ وبلغائهم وفصحائهم أَن يأْتوا بسورة من مثله، فأَعرضوا عن معارضته، عجزاً عن الإِتيان بمثله، فتبيَّن بذلك أَن هذه المعجزة أعجزت العالَمِين عن آخرهم.
ثم اختلف الناس فى كيفيَّة الإِعجاز.
فقيل: لم يكونوا عاجزين عن ذلك طبعاً، إِلاَّ أَنَّ الله صَرَف همَّتهم، وحبس لسانهم، وسلبهم قدرتهم، لُطْفاً بنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، وفضلاً منه عليه. وذلك قوله {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً} . وهو قول مردود غير مرضىٍّ.
وقال آخرون: لم يكن عجزهم عن الإِتيان بمثل لفظه، وإِنما كان عن الإِتيان بمثل معناه.
وقيل: لم يعجزوا عنهما، وإِنَّما عجزوا عن نظم مثل نظمه؛ فإِن أَنواع كلامهم كانت منحصرة فى الأَسجاع، والأَشعار، والأَراجيز، فجاءَ نظم التنزيل على أُسلوب بديع لا يشبه شيئاً من تلك الأَنواع، فقصُرت أَيدى بلاغاتِهم عن بلوع أَدنى رُتْبَةٍ من مراتب نظمه.
ومذهب أَهل السُّنة أَنَّ القرآن معجز من جميع الوجوه: نظماً، ومعنى، ولفظا، لا يشبهه شىء من كلام المخلوقين أَصلاً، مميَّز عن خُطَب الخطباءِ، وشعر الشعراء، باثنى عشر معنى، لو لم يكن للقرآن غير معنى واحد من تلك المعانى لكان معجِزاً، فكيف إِذا اجتمعت فيه جميعاً.
ومجملها إِيجاز اللفظ، وتشبيه الشىءِ بالشىءِ، واستعارة المعانى البديعة؛ وتلاؤم الحروف، والكلمات، والفواصل، والمقاطع فى الآيات، وتجانس الصِّيغ، والأَلفاظ، وتعريف القِصَص، والأَحوال، وتضمين الحِكَم، والأَسرار، والمبالغةُ فى الأَمر، والنهى، وحسن بيان المقاصد، والأَغراض، وتمهيد المصالح، والأَسباب، والإِخبار عما كان، وعما يكون.
أَمّا إِيجاز اللفظ مع تمام المعنى فهو أَبلغ أَقسام الإِيجاز. ولهذا قيل: الإِعجِاز فى الإِيجاز نهاية إِعجاز. وهذا المعنى موجود فى القرآن إِمّا على سبيل الحذف، وإِما على سبيل الاختصار.
فالحذف مثل قوله تعالى {وَسْئَلِ القرية} أَى أَهلها {ولاكن البر مَنْ آمَنَ بالله} أَى برّ من آمن. والاختصار {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ} هذه أَربع كلمات وستة عشرة حرفاً يتضَّمَّن ما ينيِّف على أَلف أَلف مسأَلة، قد تصدَّى لبيانها علماءُ الشريعة، وفقهاءُ الإِسلام فى مصنَّفاتهم؛ حتَّى بلغوا أُلوفاً من المجلَّدات، ولم يبلغوا بعدُ كنهَها وغايَتَها.
وأَمَّا تشبيه الشىءِ بالشىءِ فنحو قوله تعالى {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} وقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} وكلُّ مَثَل من هذه الأَمثال دُرْج جواهر، وبُرْج زواهر، وكنز شرف، وعالَم عِلم، وحُقُّ حقائق، وبحار دُرَر دِراية، ومصابيح سالكى مسالك السنَّة. ولهذا يقال: الأَمثال سُرج القرآن.
وأَمَّا استعارة المعنى فكالتعبير عن المضىِّ والقيام بالصَّدع {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} أَى قُم بالأَمر، وكالتعبير عن الهلاك، والعقوبة بالإِقبال والقدوم {وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ} ، وكالتعبير عن تكوير الليل والنهار بالسَّلخ {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} ولا يخفى ما فى أَمثال هذه الاستعارات من كمال البلاغة، ونهاية الفصاحة. يحكى أَنَّ أَعرابيّاً سمع {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فلم يتمالك أَن وقع على الأَرض وسجد، فسئل عن سبب سجدته فقال، سجدت فى هذا المقام، لفصاحة هذا الكلام.
وأَما تلاؤم الكلمات والحروف ففيه جمال المقال، وكمال الكلام؛ نحو قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ} {ياأسفى عَلَى يُوسُفَ} {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} {فأدلى دَلْوَهُ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} ونظائرها.
وأَمَّا فواصل الآيات ومقاطعُها فعلى نوعين: إِمَّا على حرف كطه؛ فإِنَّ فواصل آياتها على الأَلف، وكاقتربت؛ فإِنَّ مقاطع آياتها على الراء، وإِمَّا على حرفين كالفاتحة؛ فإِنَّها بالميم والنُّون: {الرحمان الرحيم مالك يَوْمِ الدين} ونحو {ق والقرآن المجيد} فإِنَّها بالباءِ والدَّال.
وأَمَّا تجانس الأَلفاظ فنوعان أَيضاً: إِمَّا من قبيل المزاوجة؛ كقوله {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ} {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} {يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً} {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} وإما من قبيل المناسبة كقوله {ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار} .
وأَمَّا تصريف القِصَص والأَحوال فهو أَنَّ الله تعالى ذكر بحِكَمهِ البالغة أَحوال القرون الماضية، ووقائع الأَنبياءِ، وقصصهم، بأَلفاظ مختلفة، وعبارات متنوِّعة، بحيث لو تأَمّل غوّاصو بحار المعانى، وخوَّاضو لُجَج الحُجَج، وتفكّروا فى حقائقها، وتدبَّروا فى دقائقها، لعلموا وتيقَّنوا (وتحققوا) وتبيَّنوا أَنَّ ما فيها من الأَلفاظ المكرَّرة المعادات، إِنَّما هى لأَسرار، ولطائف لا يرفع بُرْقع حجابها من الخاصَّة إِلاَّ أَوحدُهم وأَخصُّهم، ولا يكشف سِتر سرائرها من النحارير إِلاَّ واسِطتهم وقصهم.
وأَمَّا تضمين الحِكَم والأَسرار فكقولنا فى الفاتحة: إِن فى {بِسْمِ} التجاءَ الخَلْق إِلى ظلِّ عنايته، وكلمة الجلالة تضمَّنت آثار القدرة والعظمة، وكلمة الرحمن إِشارة إِلى أَنَّ مصالح الخَلْق فى هذه الدَّار منوط بكفايته. وكلمة الرَّحيم بيان لاحتياج العالَمين إِلى فيض من خزائن رحمته. والنِّصف الأَوَّل من الفاتحة يتضمَّن أَحكام الرُّبوبيَّة. والنصف الثَّانى يقتضى أَسباب العبوديَّة. وخُذْ على هذا القياس. فإِنَّ كلَّ كلمة من كلمات القرآن كنزُ معانٍ، وبحر حقائق.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-09-13, 07:41 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(3)
من صـــ 71 الى صـــ 77
ومن جوامع آيات القرآن قوله تعالى: {خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} فإِنها جامعة لجميع مكارم الأَخلاق، وقوله: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} مستجمعة لجميع أَسباب السِّياسة والإِيالة. وقوله:{أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا} محتوية على حاجات الحيوانات كافَّة. وقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إِلى آخر الثلاث الآيات جامعة لجميع الأَوامر والنَّواهى، ومصالح الدُّنيا والآخرة، وقوله: {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} يشتمل على أَمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين.
وأَمَّا المبالغة فى الأَسماءِ والأَفعال فالأَسماءُ {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} ، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} ، {الملك القدوس} ، {وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم} ، {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء} ، {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} . والأَفعال {أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً} ، {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} ، {وَقَطَّعْناهم فِي الأرض أُمَماً} ، {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} ، {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} ، {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} ، {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} .
وَأَمَّا حُسْن البيان فلتمام العبارة: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ، ولبيان فصل الخصومة والحكومة {إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً} ،وللحجّة للقيامة {يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، وللنَّصيحة والموعظة {ياأيها الناس قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} ، ولثبات الإِيمان والمعرفة: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان} ، ولبيان النعت والصِّفة {بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيم} ، {عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِير} ، ودليلاً لثبوت الرِّسالة {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} ، وإِظهاراً للعمل والحكمة {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} ، وللرَّحمة السَّابقة واللاحقة {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيماً} ، وبرهاناً على الوَحْدانيَّة والفَرْدانيَّة {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} ، وتحقيقا للجنَّة والنَّار {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينْ} ، وتحقيقاً للرُّؤية واللِّقاءِ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، وتمهيداً لمصالح الطَّهارات {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً} ، وللصَّلاة {وَأَقِيمُواْ الصلاة} ولِلزكاة والصيام والحجّ {وَءَاتُوْا الزَّكَاةَ} ، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ، {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} ، وللمعاملات {أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} ، وللصِّيانة والعِفَّة {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} ، وللطلاق والفراق بشرط العِدَّة {فَطَلِّقُوهُن لِعِدَّتِهِنَّ} ، ولرعاية مصلحة النفوس {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ}ولكفارة النُّذور والأَيمان {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} .
وعلى هذا القياس جميع أَحكام الشريعة تأيَّدت بالآيات القرآنية وأَمَّا الإِخبار عمَّا كان وعمَّا يكون: أَمَّا المتقدِّم فكتخليق العرْش، والكُرْسىّ، وحال الحَملة والخَزنَة، وكيفيَّة اللَّوح والقلم، ووصف السِّدْرة، وطوبى، وسَيْر الكواكب، ودَوْر الأَفلاك، وحكم النيِّرين، والسَّعدين، والنحسين، وقران العُلويَّين والسُّفليين، ورفع السَّماءِ، وتمهيد الأَرض، وتركيب الطَّبائع، والعناصر، وترتيب الأجسام والأَجرام، وحكم المشرق، والمغرب، من الأُفُق الأَعلى إِلى ما تحت الثَرى ممَّا كان، ومما هو كائن، وممَّا سيكون: من أَحوال آدم، وعالَمَىِ الجنِّ، والإِنس، والملائكة، والشياطين. ففى القرآن من كلِّ شىءٍ إِشارة وعبارة تليق به.
وأَمَّا المتأَخر فكأَخبار الموت، والقبر، والبعث، والنَشْر، والقيامة، والحساب، والعقاب، والعَرْض، والحوض، والسؤال، ووزن الأَعمال، والميزان، والصراط والجَنَّة، والنَّار، وأَحوال المتنعمين، والمعذَّبين فى الدَركات، وأَحوال المقرَّبين فى الدَّرجات، ما بين مُجْمَل ومفصَّل، لا إِجمالا يعتريه شَكّ، ولا تفصيلاً يورث كلالة وملالة.
كلُّ ذلك على هذا الوجه مذكور فى القرآن، فلا غَرْو أَن يترقَّى هذا الكلام عن إِدراك الأَفهام، وتناول الأوهام، ويُعجز الفصحاءَ والبلغاءَ عن معارضته، ومقابلته.
وبلغنى عن الأَئمة الرَّاسخين، والعلماء المحققين أَنَّ الَّذى اشتمل عليه القرآن من الدَّقائق، والحقائق، والمبانى، والمعانى، سبعون قسماً.
وهى المحكم، والمتشابه، والنّاسخ، والمنسوخ، والحقيقة، والمجاز، والمنع، والجواز، والحذف، والزّيادة، والبيان، والكناية، والمقلوب، والمستعار، والإِظهار، والإِضمار، والإِيجاز، والاختصار، والإِخبار، والاستخبار، والخاصّ، والعامّ، والحدود، والأحكام، والتحليل، والتَّحريم، والسَبْر، والتقسيم، والأَمر، والنَّهى، والجحد، والنَّفى، والقَصَص، والأَمثال، والتفصيل، والإِجمال، والزّجر، والتأْديب، والترغيب والترهيب، والوعد، والوعيد، والعطف، والتوكيد، والتحكُّم، والتهديد، والوصف، والتّشبيه، والكشف، والتنبيه، والتقديم، والتأْخير، والتأْويل، والتفسير، والتكرار، والتقرير، والتعريض، والتصريح، والإِشارة، والتلويح، والتجنيس، والتقريب، والتعجيب، والسؤال، والجواب، والدّعاء، والطَّلب، والبِشارة، والنِّذارة، والفاتحة والخاتمة. ولكُّل قسم من ذلك نظائر وشواهد فى القرآن لا نطوِّل بذكرها.
والغرض من ذكر هذا المجمل التَّنبيه على أَنَّ الكلمات القرآنية كُّل كلمة منها بحر لا قعر له، ولا ساحل، فأَنَّى للمعارض الماحل.
يحكى أَنَّ جماعة من أَهل اليمامة قدِموا على الصِّديق الأَكبر رضى الله عنه، فسأَلهم عن مُسيلمة، وعَمَّا يدَّعيه أَنه من الوحى النازل عليه، فقرءُوا عليه منه هذه السُّورة (يا ضفدع نِقِّى نِقِّى إِلى كم تَنِقِّين، لا الماءَ تكدِّرين،ولا الطِّين تفارقين ولا العُذُوبةَ تمنعين) فقال الصِّدِّيق رضى الله عنه: والله إِنَّ هذا الكلام لم يخرج من إِلّ. ويحكى عن بعض الأَشقياءِ أنه سمع قوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} فقال مستهزئاً: انظر إِلى (هذا الدَّعوى المُعرَّى) عن المعنى. الَّذى يدَّعيه محمَّد يأَتينا به المِعْوَل والفئوس. فانشقت فى الْحال حَدَقتاه، وتضمخَت بدم عينيه خَدَّاه، ونودى من أَعلاه، قل للمِعْول والفئوس، يأتيان بماءِ عينيك.
وذكر أَنَّ بعض البلغاء قصد معارضة القرآن، وكان ينظر فى سورة هود، إِلى أَن وصل إِلى قوله تعالى {ياأرض ابلعي مَآءَكِ وياسمآء أَقْلِعِي} الآية فانشقَّت مرارته من هيبة هذا الخطاب، ومات من حينه. ودخل الوليد بن عُقْبة على النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم وقال يا محمد اقرأْ علىَّ شيئاً ممَّا أُنزِل عليك فقرأَ قوله تعالى {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} الآية فقال الوليد: إِنَّ لهذا الكلام لحلاوة، وإِن عليه لطلاوة، وإِنَّ أَسفله لمغدِق، وإِنَّ أَعلاه لمثمر،وإِنَّ لى فيه نظرا، ولا يقول مثل هذا بشر. وفى الآثار أَنه ما نزلت من السَّماءِ آية إِلاَّ سُمع من السَّماءِ صَلصَلة كسِلسِلة جُرَّت فى زجاجة، ولم يبق فى السَّماءِ مَلَك مُقَرَّب إِلاَّ خرُّوا لله ساجدين. وأُغمى على النبىَّ صلَّى الله عليه وسلم من ثقل بُرَحاءٍ الوَحْى. وكان إِذا سُرِّى عنه ارتعدت مفاصله فَرَقاً، وتَصَبَّب وجهه عَرَقاً.
فهذا طَرَف ممَّا ذكر فى إِعجاز لفظ القرآن.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-09-13, 07:51 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(4)
من صـــ 78 الى صـــ 85
الفصل الثالث - في شرح كلمات لابد من معرفتها قبل الخوض في شرح وجوه التفسير
اعلم أَنَّ الكلمات الَّتى يُحتاج إِلى معرفتها فى مقدَّمة هذا النَّوع من العلم خمسة عشر كلمة. وهى التأويل، والتفسير، والمعنى، والتَّنزيل، والوحي، والكلام، والقول، والكتاب، والفرقان، والقرآن، والسُّورة، والآية، والكلمة، والمصحف، والحرف.
أَمَّا التفسير فمن طريق اللغة: الإِيضاح والتَّبيين. يقال: فسَّرت الحديث أَي بيَّنته وأَوضحته. واختلف فى اشتقاقه.
فقيل: من لفظ التَفْسِرة، وهو نظر الطبيب فى البول لكشف العلَّة والدواءِ، واستخراج ذلك. فَكذلك المفسِّر ينظر فى الآية لاستخراج حكمها ومعناها.
وقيل: اشتقاقه من قول العرب: فسَرت الفرس وفسَّرته أَى أَجريته وأَعديته إِذا كان به حُصْر، ليستطلِق بطنُه. وكأَن المفسِّر يجرى فرس فكره فى ميادين المعانى ليستخرج شرح الآية، وَيُحلَّ عقْد إِشكالها.
وقيل: هو مأْخوذ من مقلوبه. تقول العرب: سفَرت المرأَةُ إِذا كشفت قِناعها عن وجهها، وسفرتُ إِذ كَنَسته ويقال للسَّفَر سفَر لأَنه يَسِفر ويكشف عن أَخلاق الرجال. ويقال للسُّفرة سُفْرة لأَنها تُسفَر فيظهر ما فيها؛ قال تعالى: {والصبح إِذَآ أَسْفَرَ} أَى أَضاءَ. فعلى هذا يكون أَصل التفسير التسفير على قياس صعق وصقع، وجذب وجبذ، وما أَطيبه وأَيطبه، ونظائِره؛ ونقلوه من الثلاثىّ إلى باب التفعيل للمبالغة. وكأَنَّ المفسِّر يتتبع سورة سورة، وآية آية، وكلمة كلمة، لاستخراج المعنى. وحقيقته كشف المتغلق من المراد بلفظه، وإِطلاق المحتبس عن الفهم به.
وأَمَّا التأْويل فصرف معنى الآية بوجه تحتمله الآية، ويكون موافقا لما قبله، ملائماً لما بعده. واشتقاقه من الأوْل وهو الرُّجوع. فيكون التأْويل بيان الشىء الَّذى يرجع إِليه معنى الآية ومقصودها.
وقيل التأويل إِبداءُ عاقبة الشىءِ. واشتقاقه من المآل بمعنى المرجِع والعاقِبة. فتأْويل الآية ما تئول إِليه من معنى وعاقبة. وقيل: اشتقاقه من لفظ الأَوّل. وهو صرف الكلام إِلى أَوَّله. وهذانِ القولانِ متقاربان. ولهذا قيل: أَوَّل غرض الحكيم آخر فعله.
وقيل اشتقاقه من الإِيالة بمعنى السياسة. تقول العرب: (أُلْنا وإِيل علينا) أَى سُسْنا وسِيس علينا، أَى ساسنا غيرنا. وعلى هذا يكون معنى التأويل أَن يسلِّط المؤوِّل ذهنه وفكره على تتبّع سِرِّ الكلام إِلى أَن يظهر مقصودُ الكلام، ويتَّضح مراد المتكلِّم.
والفرق بين التفسير والتأويل أَن التفسير هو البحث عن سبب نزول الآية، والخوض فى بيان موضع الكلمة، من حيث اللغة. والتأويل هو التفحُّص عن أَسرار الآيات، والكلمات، وتعيين أَحد احتمالات الآية. وهذا إِنَّما يكون فى الآيات المحتملة لوجوه مختلفة، نحو {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} وكقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} ، وكقوله: {والشفع والوتر} ، وكقوله: {وشَاهِدٍ وَمَشْهُود} فإِن هذه الآيات ونظائرها تحتمل معانى مختلفة، فإِذا تعيَّن عند المؤوّل أَحدها، وترجَّح، فيقال حينئذ: إِنَّه أَوَّل الآية.
وأَمَّا المعنى فمن طريق اللغة: المقصد. يقال: عَنَاه يعنيه أَى أَراده وقصده. فيكون معنى الآية: ما به يظهر حكمةُ الحكيم فى نزول الآية. ويكون قصد من يروم سرّ الآية إِلى خمسة.
وقيل اشتقاق المعنى من العناية، وهى الاهتمام بالأَمر، يقال: فلان مَعْنّى بكذا أَى مهتمٌّ به. فيكون المعنى أَنَّ الباحث عن الآية يصرف عنايته واهتامه إِلى أَن ينكشف له المراد من الآية.
وقيل اشتقاقه من الْعَنَاءِ، وهو التَّعب والمشقَّة. والمعنى لا يمكن الوصول إِليه إِلاَّ بكدّ الخاطر ومشقَّة الفكر؛ لما فيه من الدقَّة والغموض.
وأَمَّا التنزيل فتفعيل من النزول، وقد يكون بمعنى التكليم: قال فلان في تنزيله: في تكليمه، لأَنَّ المتكلّم يأتى به نَزْلة بعد نزلة. والنزلة هى المرَّة، قال تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى} أَي مَرَّة أُخرى. وقد يكون بمعنى الإِنزال {وَنَزَّلْنَا مِنَ السمآء مَآءً مُّبَارَكاً} أَي وأَنزلْنا، {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} فقرىءَ بالتشديد والتخفيف.
وقيل للقرآن: تنزيل من ربّ العالمين لأَنه تكليم من الله الجليل، وإِنزال على لسان جبريل.
وأَمَّا الوحى فلغةً: الرِّسالة والإِلهام، والإِشارة بالحواجب، والكتابة بالقلم. وَحَى يَحى وَحْياً، فهو واح. وجمع الوحى وُحِىّ كحَلْى وحُلِىّ. ويقال: إِنَّ الوحى مختصّ برسالة مقترِنة بخفَّة وسرعة. فسمّى التنزيل وَحْياً لسرعة جبريل فى أَدائه، وخِفَّة قبوله على الرَّسول. وإِن جعلته من معنى الإِشارة فكأَنَّ الرَّسول اطَّلع على المراد بإِشارة جبريل. وإِن جعلته من معنى الكتابة فكأَنَّ جبريل أَثبت آيات القرآن فى قلب النبىّ، كما يثبت المكتوب في اللّوح بالكتابة. قال تعالى {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين عَلَى قَلْبِكَ} .
وأَمَّا الكلامُ فإِنَّه اسم لما يصحّ به التكلّم، وضدّه الْخَرَس. والكلام والتكليم مصدران على قياس السلام والتسليم. وقد يطلق الكلام على التكلّم والتكليم. وقيل للقرآن: كلام فى نحو قوله تعالى {حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله} وقولِه {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ الله} لأَنَّه تكليم وتكلُّم. وأَيضاً هو ما يصحّ به التكلّم. وقيل: الكلام ما اشتمل على أَمر ونهى وإِخبار واستخبار. وقيل: هو معنى قائم بالنَّفس، والعبارات تدلُّ عليه، والإِشارات تجرّ إِليه. وقيل: هو ما ينافى السُّكوت والبهيمية.
وأَمَّا الكلمة فمشتقة من الكَلْم بمعنى الجرح. وجمعها كَلِم وكَلْم وكلمات. يقال: كَلَمت الصّيد أَى جرحته. فالكلام (والكلمة على قول: ما يؤثِّر في قلب المستمِع بواسطة سماع الآذان كتأثير الكَلْم) فى الصَّيد. وقد يكون الكَلْم بمعنى القطع، فيكون الكلمة اسماً لجمع من الحروف متَّصل بعضها ببعض منقطع عن غيرها من الكلمات. وسيأْتي شرح الكلام والكلمة فى باب الكاف بأَتمَّ من هذا إِن شاءَ الله تعالى.
وأَمَّا القول ففي أَصل اللغة: النُّطق. وحقيقته من حيث المعنى: كلام مهذَّب مرتَّب على مسموع مفهوم، مؤدًّى بمعنى صحيح. وعلى هذا يصحّ إِطلاق القول على القرآن، فإِنه يتضمَّن التَّهذيب والترتيب، لفظه مسموع، ومعناه مفهوم.
وأَمَّا الكِتَاب فيكون اسماً - وجمعه كُتُب -، ويكون مصدراً بمعنى الكتابة، فسُمِّى به الْقرآن، لأَنه يُكتب، كما سمِّى الإِمام إِمامَا لأَنَّه يؤتمّ به. ويقال: إِن مادَّة كتب موضوعة بمعنى الْجمع: كتبتُ الْبلغةَ إِذا جمعت بين شُفريها بحلْقة. ويقال للعسكر: الْكتيبة لاجتماع الأَبطال. فسُمِّى الْقرآن كتاباً لأَنه مجتمع الْحروف والْكلمات والسُّوَرِ والآيات. فسيأْتى شرحه فى باب الْكاف.
وأَمَّا الْفُرقان فاسم على زنة فُعْلان مشتقٌّ من الْفَرْق، وهو الْفصل. والفُرق بالضمّ لغة فيه، قال الراجز: ومُشْرِكيٍّ كافر بالْفُرْق والْفِرق بالكسر: قَطيع من الغنم يتفرَّق من سائرها، وسمِّى الْقرآن فرقاناً لأَنه نزل من السماءِ نجوماً متفرِّقة، ولأَنَّه يَفرق بين الْحقّ والْباطل. وقد يكون الفرقان بمعنى النُّصْرة، قال تعالى: {يَوْمَ الفرقان يَوْمَ التقى الجمعان} أَى يوم النُصرة. فقيل للقرآن: فرقان لما فيه من نُصرة الدِّين وأَهله. وقد يكون الفرقان بمعنى الخروج من الشكِّ والشُّبهة، قال تعالى: {إِن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} فالقرآن فرقان بمعنى أَنَّه تقوية وهداية، يحصل به الخروج من ظلمات الضَّلالات، والشكوك، والشبهات.
وأَمَّا القرآن فاسم لما يُقْرَأُ؛ كالْقرْبان: اسم لما يُتقرَّب به إِلى الله. ويقال أَيضاً: إِنه مصدر قرأَ يقرأ (قَرْأ وقِراءَة) وقرآناً. وفي الشرع اسم للكتاب المفتَتح بفاتحة الكتاب، المختَتم بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} وفيه لغتان: الهمز وتركه. المهموز من القُرْء - بالفتح والضَّم - بمعنى الحيض، والطُّهر. سُمى به لاجتماع الدَّم فيه. والقرآن سمِّى به لاجتماع الحروف، والكلمات، ولأَنه مجتمع الأَحكام، والحقائق، والمعانى، والحكم. وقيل اشتقاقه من القِرَى بمعنى الضيافة؛ لأَن القرآن مَأْدُبة الله للمؤمنين، وقيل القران - بغير همز - مشتقّ من القِرْن بمعنى القرين لأَنه لَفظ فصيح قرِين بالمعنى البديع. وقيل: القرآن اسم مرتجل موضوع، غير مشتقٍّ عن أَصل؛ وإِنَّما هو عَلَم لهذا الكتاب المجيد؛ على قياس الجلالة فى الأَسماء الحسنى.
وأَمَّا سُورة - بالهمز وبتركه - فبغير الهمز من سَوْرة الأَسد، وسَورة الشراب، بمعنى القُوة؛ لأَنَّ قوَّة السُّورة أَكثر من قوّة الآية؛ أَو من السُّور بمعنى الجماعة: يقال. لفلان سُور من الإِبل أَى جماعة؛ لأَنَّ السُّورة مشتمِلة على جماعة الآيات، أَو من السُّور المحيط بالأَبنية؛ لأَن السُّورة محيطة بالآيات، والكلمات، والحروف، مشتملة على المعانى: من الأَمر والنَّهى، والأَحكام. وإذا قلت بالهمز فيكون من سُؤر الكأْس - وهو ما يبقى فيه من الشراب - لأَن كلَّ سُورة من القرآن بقيَّة منه. ويقال: إِنَّ السُور (بلا همز) بمعنى الرَّفعة والمنزلة، وسُوَر القرآن هكذا: متفاوتة: بعضها فوق بعض من جهة الطُّول، والقصر، وفى الفضل، والشرف، والرُّتبة، قال النَّابغة:
أَلم تر أَنَّ الله أَعطاك سُورة
أَى شرفاً ورفعة.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-09-13, 08:01 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(5)
من صـــ 85 الى صـــ 95
وأَمَّا آية ففى أَصل اللغة: بمعنى العَجَب، وبمعنى العلامة، وبمعنى الجماعة. سمِّيت آيةُ القرآن آية لأَنها علامة دالَّة على ما تضمَّنته من الأَحكام، وعلامة دالَّة على انقطاعه عمَّا بعده وعمَّا قبله، أَو لأَن فيها عجائب من القِصَص، والأَمثال، والتفصيل، والإِجمال، والتميُّز عن كلام المخلوقين، ولأن كلَّ آية جماعةٌ من الحروف، وكلامٌ متَّصل المعنى إِلى أَن ينقطع، وينفرد بإِفادة المعنى. والعرب تقول: خرج القوم بآياتهم أَى بجماعتهم. وقال شاعرهم:خرجنا من النقبين لا حَىَّ مثلُنا ... بآيتنا نُزْجى اللقاح المَطافلا
وقال فى معنى العلامة:
إِذا طلعت شمس النهار فسلِّمى ... فآية تسليمى عليكِ طلوعُها
وأَصلها أَيَيَة على وزان فَعَلة عند سيبويه، وآيِيَة على مثال فاعلة عند الكسائى، وأَيِيَه على فِعلَة عند بعض، وأَيَّة عند الفرَّاء، وأَأْية بهمزتين عند بعض.
وأَمَّا الحرف فقد جاءَ لمعان: منها طَرَف الشيىء، وحَدّ السَّيف، وذُروة الجبل، وواحد حروف الهجاء، والنَّاقةُ السَّمينة القويّة، والناقة الضعيفة، وقَسِيم الاسم والفعل. فقيل للحرف: حرف لوقوعه فى طَرَف الكلمة، أَو لضعفه فى نفسه، أَو لحصول قوَّة الكلمة به، أَو لانحرافه؛ فإِن كلَّ حرف من حروف المعجم مختصّ بنوع انحراف يتميَّز به عن سائر الحروف.
وأَمَّا المصحف فمثَّلثه الميم. فبالضمّ: اسم مفعول من أَصحفه إِذا جمعه، وبالفتح: موضع الصُّحُف أَى مجمع الصَّحائف، وبالكسر: آلة تجمع الصحف.
والصَّحائف جمع صحيفة، كسفينة وسفائن. والصُّحف (جمع صحيف) كسفين وسُفُن.
وقيل للقرآن مصحف لأَنَّه جُمع من الصَّحائِف المتفرِّقة فى أيدى الصِّحابة، وقيل: لأَنَّه جَمَع وحوَى - بطريق الإِجمال - جميع ما كان فى كتب الأَنبياء، وصُحُفهم، (لا) بطريق التفصيل.
هذا بيان الكلمات الَّتى لا بدَّ من معرفتها قبل الخوص فى التفسير. والله ولى التَّيسير.
الفصل الرابع - فى ذكر أسماء القرآن
اعلم أَنَّ كثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمَّى، أَو كمالِه فى أَمر من الأمور. أَما ترى أَن كثرة أَسماءِ (الأسد دلَّت على كمال قوُّته، وكثرةَ أَسماء القيامة دلَّت على كمال شدته وصعوبته، وكثرة أَسماء) الدَّاهية دلت على شِدة نِكايتها. وكذلك كثرة أَسماء الله تعالى دلَّت على كمال جلال عظمته؛ وكثرة أَسماء النبى صلى الله عليه وسلم دَلَّت على علّو رتبته، وسموِّ درجته. وكذلك كثرة أَسماء القرآن دلَّت على شرفه، وفضيلته.
وقد ذكر الله تعالى للقرآن مائة اسم نسوقها على نَسَقٍ واحد. ويأْتى تفسيرها فى مواضعها من البصائر.
الأول: العظيم {سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم} .
الثانى: العزيز {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} .
الثالث: العليِّ {لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ} .
الرابع: المجِيد {بَل هُوَ قُرءانٌ مَجِيد} .
الخامس: المُهَيمِن {ومُهَيمِناً عَلَيه} .
السادس: النور {واتَّبَعُوا النُّوْرَ الَّذِى أُنْزِلَ مَعَهُ} .
السابع: الحقّ {وَقَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ} .
الثامن: الحكيم {يس والقرآن الحكيم} .
التاسع: الكريم {إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَريمٌ} .
العاشر: المُبين {حموالكتاب المبين} .
الحادى عشر: المنير {وَالْكِتَابِ الْمُنِير} .
الثانى عشر: الهُدَى {هُدًى لِلْمُتَّقِين} .
الثالث عشر: المبشِّر {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} .
الرابع عشر: الشفاءُ {وَشِفَآءٌ لِمَا فِي الصُّدُرِ} .
الخامس عشر: الرّحمة {وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } .
السادس عشر: الكتاب {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ} .
السابع عشر: المبارك {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} .
الثامن عشر: القرآن {الرحمان عَلَّمَ القرآن} .
التاسع عشر: الفرقان {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان} .
العشرون: البرهان {بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} .
الحادى والعشرون: التبيان {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} .
الثانى والعشرون: البيان {بَيَانٌ لِلْنَّاسِ} .
الثالث والعشرون: التَّفصيل {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} .
الرابع والعشرون: المفصَّل {الْكِتَابُ مُفَصَّلاً} .
الخامس والعشرون: الفَصْل {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْل} .
السادس والعشرون: الصِّدق {والذي جَآءَ بالصدق} .
السابع والعشرون: المصدِّق {مُّصَدِّقُ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} .
الثامن والعشرون: ذكرى {وذكرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} .
التاسع والعشرون: الذكر {وهاذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ} .
الثلاثون: التذكرة {إِنَّ هاذه تَذْكِرَةٌ} .
الحادى والثلاثون: الحُكْم {أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} .
الثانى والثلاثون: الحِكْمَةُ {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} .
الثالث والثلاثون: محكمة {سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} .
الرابع والثلاثون: الإِنزال {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ} .
الخامس والثلاثون: التنزيل {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ} .
السادس والثلاثون: التَّصديق {ولاكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} .
السابع والثلاثون: المنزَّل {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} .
الثامن والثلاثون: التبصرة {تَبْصِرَةً وذكرى} .
التاسع والثلاثون: البصائر {هاذا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} .
الأربعون: الموعظة {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } .
الحادى والأربعون: البيِّنة {بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} .
الثانى والأربعون: البشير {بَشِيرًا وّنَذِيرًا} .
الثالث والأربعون: الوَحْي {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} .
الرابع والأربعون: الرِّسالة {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} .
الخامس والأربعون: النَّبَأ {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} .
السادس والأربعون: القيِّم {قَيِّماً لِيُنْذِرَ} .
السابع والأربعون: قَيِّمَةٌ {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} .
الثامن والأربعون: الرُّوح {رُوْحاً مِنْ أَمْرِنَا} .
التاسع والأربعون: الكلام {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} .
الخمسون: الكلمات {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} .
الحادى والخمسون: الكلمة {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} .
الثانى والخمسون: الآيات {تِلْكَ آيَاتُ اللهِ} .
الثالث والخمسون: البَيِّنَاتُ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} .
الرابع والخمسون: الفضل {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ} .
الخامس والخمسون: القول {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} .
السادس والخمسون: القيل {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً} .
السابع والخمسون: الحديث {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} .
الثامن والخمسون: أَحسن الحديث {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} .
التاسع والخمسون: العربيُّ {قُرْآناً عَرَبِيّاً} .
الستون: الحَبْل {واعتصموا بِحَبْلِ الله} .
الحادى والستون: الخير {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} .
الثانى والستون: البلاغ {هاذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} .
الثالث والستون: البالغة {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} .
الرابع والستون: الحقّ {وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقين} .
الخامس والستون: المتشابه والمثاني {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ} .
السادس والستون: الغيب {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} .
السابع والستون: الصِّرَاط المستقيم {اهدنا الصراط المستقيم} .
الثامن والستون: المبين {قُرْآنٌ مُبِينٌ} .
التاسع والستون: الحُجَّة {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} .
السبعون: العروة الوثقى {فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} .
الحادى والسبعون: القَصَص {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} .
الثانى والسبعون: المثل {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً} .
الثالث والسبعون: العَجَب {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} .
الرابع والسبعون: الأَثارة {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} أَى ما يُؤثَر عن الأَوَّلين، أَى يُرْوى عنهم.
الخامس والسبعون: القِسط {فاحكم بَيْنَهُمْ بالقسط} .
السادس والسبعون: الإِمام {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} .
السابع والسبعون: النجوم {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم} .
الثامن والسبعون: النعمة {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} .
التاسع والسبعون: الكوثر {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} .
الثمانون: الماء {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} .
الحادى والثمانون: المتلُوّ {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} .
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-09-13, 08:07 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(6)
من صـــ 96 الى صـــ 99
الثانى والثمانون: المَقروء {لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ} .
الثالث والثمانون: العدل {كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} .
الرابع والثمانون: البشرى {وَهُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ } .
الخامس والثمانون: المسطور {وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} .
السادس والثمانون: الثقيل {قَوْلاً ثَقِيلاً} .
السابع والثمانون: المرتَّل {وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً} .
الثامن والثمانون: التفسير {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} .
التاسع والثمانون: المثبِّت {مَا نُثَّبِتُ بِهِ فُؤَادَكَ} .
ومنها الصُحُف، والمكرَّم: والمرفوع، والمطهّر {فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} .
ومن أَسماءِ القرآن الواردة فى الحديث النَّبوى القرآن، حَبْل الله المتين، وشفاؤه النَّافع، بحر لا ينقضى عجائبه، والمرشد: مَن عمِل به رَشَد، المعدِّل: من حكم به عَدَل. المعتَصم الهادى: من اعتصم به هُدِى إِلى صراط مستقيم. العِصْمة: عِصْمة لمَن تمَّسك به. قاصم الظَّهر: من بدّله من جَبَّار قصمه الله: مأَدُبة الله فى أَرضه. النجاة. "ونجاة لمن اتَّبعه"النبأُ والخَبَر: "فيه نبأُ ما قبلكم وخَبَر ما بعدكم" الدَّافع: يدفع عن تالى القرآن بَلْوَى الآخرة. صاحب المؤمن (يقول القرآن للمؤمن يوم القيامة: أَنا صاحبك) كلام الرحمن. الحَرَس من الشيطان. الرُّجحان في الميزان.
فهذا الكتاب الذى أَبَى الله أَن يُؤتى بمثله ولو كان النَّاس بعضهم لبعض ظهيراً. وذلك لأَنَّه كتاب جاءَ من غيب الغيب، بعالَم من العِلْم، وصل إِلى القول، ومن (القول إِلى القلم، ومن القلم إِلى صفحة اللوح، إِلى حدِّ الوحى ومن) الوحى إِلى سفارة الرُّوح الأَمين، ومن سفارته إِلى حضرة النبُّوة العظمى. واتَّصل منها إِلى أَهل الولاية، حتى أَشعلوا سُرُج الهداية، وظفروا منها بكاف الكفاية، فلم يزل متعلِّقةً بحروفها وكلماته الرَّاحةُ، فالرَّحمة، والعزَّة، والنعمة، ففي حال الحياة للمؤمن رقيب، وبعد الوفاة له رفيق، وفى القبر له عَدِيل؛ وفى القيامة له دليل، وميزان طاعته به ثقيل. وفى عَرَصات الحشر له شفيع وكفيل، وعلى الصِّراط له سائق ورَسِيل وفى الجنَّة أَبد الآبدين له أَنيس وخليل. جعله الله لنا شفيعاً، ومَنْزِلنا بالعلم والعمل بما فيه رفيعاً.
الفصل الخامس - فى ترتيب نزول سور القرآن
للعلماءِ فى عدد سوره خلاف. والَّذي انعقد عليه إِجماع الأَئمة واتِّفق عليه المسلمون كافَّة، أَن عدد سوره مائة وأَربعة عشر سورة، الَّتى جمعها عثمان رضى الله عنه، وكتب بها المصاحف، وبعث كلَّ مصحف إِلى مدينة من مدن الإِسلام.
ولا مُعَرَّجَ إِلى ما روى عن أُبَىّ أَنَّ عددها مائة وستَّة عشرة سورة، ولا على قول من قال: مائة وثلاثة عشرة سورة، بجعل الأَنفال وبراءَة سورة. وجَعَل بعضهم سورة الفيل وسورة قريش سورة واحدة. وبعضهم جعل المعوِّذتين سورة. وكلُّ أَقوال شاذَّة لا التفات إِليها.
وأَمَّا ترتيب نزول السُوَر فاعتمدنا على ما نقله الماورديّ وأَبو القاسم النِّيسابوريّ في تفسيرهما، ولنبتدئ بالسُّور المكِّية.
اتَّفقوا على أَنَّ أَوّل السُّور المكِّية {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ} ، ثمَّ {ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ} ، ثمَّ سورة المزمِّل، ثمَّ سورة المدَّثِّر، ثمَّ سورة تبَّت، ثم {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، ثم {سَبِّحِ اسْمِ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، ثمَّ {والليل إِذَا يغشى} ، ثم {وَالفَجْرِ} ، ثم {وَالضُّحَى} ، ثمَّ {أَلَمْ نَشْرَح} وَزعمت الشِّيعة أَنَّهما واحدَة، ثمَّ {وَالعَصْرِ} ، ثم {وَالعَاديات} ، ثم الكوثر، ثم أَلهاكم، ثم أَرأَيت، (ثم الكافرون) ثمَّ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ} ، ثم الفلق، ثم الناس، ثم قل هو الله أَحد، ثمَّ {وَالنَّجْم} ، ثم عَبَس، ثم القَدر، ثمَّ {والشمس وَضُحَاهَا} ، ثم البروج، ثم {وَالتِّينِ} ، ثم {لإِيلاَفِ} ، ثم القارعة، ثم {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} ، ثم {ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} ، ثم {وَالمُرْسِلات} ، ثم {ق والقرآن المجيد} ، ثم {لاَ أُقْسِمُ بهاذا البلد} ، ثم {والسمآء والطارق} ، ثم {اقْتَرَبَتِ السَّاعَة} ، ثم ص، ثم الأَعراف، ثم {قُلْ أُوْحِىَ} ، ثم يس، ثم الفرقان، ثم الملائكة، ثم مريم، ثم طه، ثم الواقعة، ثم الشعراءُ، ثم النمل، ثم القَصَص، ثم بني إِسرائيل، ثم يونس، ثم هود، ثم يوسف، ثم الحِجْر، ثم الأَنعام، ثم الصَّافَّات، ثم لقمان، ثم سبأ، (ثم الزمر) ، ثم المؤمن، ثم (حَم السجدة) ،ثم (حَم عسق) ، ثم الزخرف، ثم الدُّخَان، ثم الجاثية، ثم الأَحقاف، ثم الذاريات، ثم الغاشية، ثم الكهف، ثم النَّحل، ثم سورة نوح، ثم سورة إِبراهيم، ثم سورة الأَنبياءِ، ثم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} ، ثم (الم السَّجدة) ، ثم الطور، ثم (تبارك الملك) ، ثم الحاقَّة، ثم سأَل سائل، ثم {عَمَّ يَتَسَآءَلُون} ، ثم النازعات، ثم {إِذَا السمآء انفطرت} ، ثم {إِذَا السمآء انشقت} ، ثم الرُّوم، ثم العنكبوت، ثم المطفِّفين.
فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة.
(وأَوَّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة، ثم سورة الأَنفال، ثم سورة آل عمران، ثم الأَحزاب، ثم الممتحِنة، ثم النساءُ، ثم زلزلت، ثم الحديد، ثم سورة محمد صلَّى الله عليه وسلم، ثم الرعد، ثم الرحمن، ثم {هَلْ أتى عَلَى الإنسان} ثم الطلاق، ثم لم يكن، ثم الحشر، ثم إِذا جاءَ نصر الله، ثم النور؛ ثم الحج، ثم المنافقون، ثم المجادلة، ثم الحجرات، ثم المتحرِّم، ثم الجمعة، ثم التغابن، (ثم الصف) ثم الفتح، (ثم التوبة) ، ثم المائدة.
فهذه جملة ما نزل بمكة من القرآن، وما نزل بالمدينة. ولم نذكر الفاتحة لأَنَّه مختلَف فيها: أُنزلت بمكة، وقيل بالمدينة؛ وقيل بكلٍّ مرة.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-09-13, 08:17 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(7)
من صـــ 100 الى صـــ 107
الفصل السادس - فيما لابد من معرفته فى نزول القرآن
اعلم أَن نزول آيات القرآن، وأَسبابَه، وترتيب نزول السُّور المكِّية، والمدنِيَّة، من أَشرف علوم القرآن.
وترتيب نزول الخواصَّ فى التفسير أَن يَفْرقُ بين الآية التي نزلت: بمكة وحكمُها مدنى، والتى نزلت بالمدينة وحكمها مكى، والتى نزلت بالمدينة فى حق (أَهل مكَّة، والتى نزلت بمكة فى حقّ) أَهل المدينة، والتى نزلت بالْجُحفة، والتى نزلت ببيت المقدس، (والتى نزلت بالطائف) والتى نزلت بالحُدَيْبية، والتى نزلت بالليل، والتى نزلت بالنهار، والآية المكية التى فى سورة (مدنية، والآية المدنية التى فى سورة) مكيةَ؛ والتى حُمِلت من مَكَّة إِلى المدينة، والتى حملت من المدينة إِلى (مكة، أَو حملت من المدينة إِلى) أَرض الحَبَشة، والتى اختُلِف فيها: فذهب بعضهم إِلى أَنَّها مكية، وبعضهم إِلى أَنَّها مدنِيَّة.
أَمَّا التى نزلت بمكَّة وحكمها مدني ففي سورة الحجرات {ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} نزلت يوم فتح مكَّة، لكن حكمها مدنى؛ لأَنَّها فى سورة مَدَنيَّة وفى سورة المائدة {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} نزلت يوم عرفة. نزلت فى حال الوقفة والنبى صلَّى الله عليه وسلم على ناقته العَضْباءِ، فسقطت العضباءُ على ركبتيها، من هَيْبة الوحى بها، وسورة المائدة مدنية.
وأَمَّا التى نزلت بالمدينة وحكمها مكيّ فـ {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} نزلت فى حق حَاطب، خطاباً لأَهل مكَّة. وسورة الرعد مدنية والخطاب مع أَهل مكَّة، وأَول سورة براءَة إِلى قوله {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} خطاب لمشركى مكَّة والسُّورة مدنية.
وأَما التى نزلت بالجُحْفة فقوله تعالى {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن} فى سورة طس القصص.
وأما التى نزلت ببيت المقدس ففى سورة الزُخرف {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} نزلت ليلة المعراج، لمَّا اقَتدى به الأَنبياءُ في الصلاة في المسجد الأَقصى، وفرغ من الصَّلاة، نزل جبريل بهذه الآية.
وأما التى نزلت بالطائف ففى سورة الفرقان {أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} ، وفى سورة الانشقاق {بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} يعني كفار مكَّة.
وأَما التى نزلت بالحدَيْبِية ففى سورة الرعد {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمان} لما أَمر النبى صلى الله عليه وسلم أَن يكتب فى أَوَّل كتاب الصُّلح: بسم الله الرحمن الرحيم قال سُهَيل بن عَمرْو: لا نعرف الرحمن إِلاَّ رحمن اليمامة، فنزل قوله تعالى {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمان} .
وأَمَّا ابتداءُ سورة الحج فنزلت فى غزوة بنى المُصْطَلِق.
وقوله تعالى {واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} نزلت فى بعض الغَزَوات لما قال صلى الله عليه وسلم: من يحرسني الليلة؟ فنزلت الآية.
وفى سورة القصص {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت بالليل وهو فى لِحاف عائشة رضى الله عنها وعن أَبيها.
وأَمَّا السّور والآيات التى نزلت والملائكة يشيِّعونها ففاتحة الكتاب. نزل بها جبريل وسَبْعمائة أَلف مَلَك يشيِّعها. بحيث امتلأَ منهم ما بين السماءِ والأَرض، طبَّقوا العالم بزَجَل تسبيحهم، وخرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لهَيْبة ذلك الحال، وهو يقول في سجوده: سبحان الله والحمد لله.
ونزلت سورة الأَنعام وسبعون ألفَ ملَك يشيِّعها. ونزلت سورة الكهف واثنا عشر ألفَ مَلَك يشيِّعها. ونزلت آية الكرسيّ وثلاثون أَلف مَلَك يشيِّعها. ونزلت يس واثنا عشر ألف مَلَك يشيِّعها.
وأَما الآيات المَدَنية التى فى سورة مكيَّة فسورة الأَنعام: مكِّية، سوى ست آيات {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} الآيتين {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} نزلت فى عبد الله بن سعد، وفى مسيلمة الكذاب، و {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} إلى آخر الثلاث الآيات نزلت بالمدينة أيضا، وسورة الأَعراف مكِّية، سوى ثلاثِ آيات {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} إلى آخر الثلاث الآيات. وسورة إِبراهيم مكِّيّة، سوى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله} إِلى آخر الآيتين. وسورة النَّحل مكِّيَّة إِلى قوله {والذين هَاجَرُواْ فِي الله} وباقة السُّورة مدنى، وسورة بنى إِسرائيل مكِّيَّة، سوى {وَإِنْ كَادُوْا لَيَفْتِنُوْنَك َ} . وسورة الكهفِ مكيَّة سوى قوله: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} ، وسورة القصص، مكيَّة سوى قوله: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب} نزلت فى أَربعين رجلاً من مؤمنى أَهل الكتاب، قدِموا من الحبشة وأَسلموا مع جعفر. وسورة الزُّمَر مكيّة، سوى قوله {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} والحواميم كلَّها مكية، سوى هذه الآية فى الأَحقاف {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ} نزلت فى عبد الله بن سَلاَم.
وأَمَّا الآيات المكيّة فى السِّور المدنية ففي سورة الأَنفال {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} يعنى أَهل مكَّة. وسورة التوبة مدنيّة، سوى آيتين مِن آخرها {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلُ} إِلى آخر السُّورة. وسورة الرَّعد مدنيَّة؛ غير قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض} . وسورة الحجِّ مدنيَّة سوى أَربع آيات {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ} إِلى آخر الأَربع الآيات. وسورة الماعون مكيَّة إِلى قوله {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين} . ومنها إِلى آخر السُّورة مدنيَّة.
وأَمّا الَّذى حُمِل من مكة إِلى المدينة فسورة يوسف أَوَّل سورة حُمِلت من مكّة، ثمّ سورة {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} ، ثمّ مِن سورة الأَعراف هذه الآية {ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} إِلى قوله {يَعْدِلُوْن} .
وَأَمَّا الَّذى حُمِل من المدينة إِلى مكَّة فمن سورة البقرة {يَسْئَلُوْنَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ} ، ثم آية الرِّبا فى شأْن ثَقِيف، ثم تسع آيات من سورة براءَة، أُرسِل بها إِلى مكَّة صحبة على رضى الله عنه، فى ردَّ عهد الكفار عليهم فى الموسم. ومن سورة النِّساءِ {إِلاَّ المُسْتَضْعَفِي نَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ} إِلى قوله {غَفُوراً رَحِيماً} فى عُذْر تَخلُّف المستضعفين عن الهجرة.
وأَمَّا الَّتى حُمِلت من المدينة إِلى الحبشة فهى ستُّ آيات من سورة آل عمران، أَرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى جعفر، ليقرأَها على أَهل الكتاب {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ} إِلى آخر الآيات الستّ. فكان سبب إِسلام النجاشى.
وأَمَّا الآيات المجملة فهى مثل قوله فى سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} ، وفى سورة هود: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ القرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} وفى سورة الحجّ: {وافعلوا الخير لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، وقوله: {ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} وقوله: {وَتُوْبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} .
وأَمَّا الآيات المفسَّرة فمثل قوله: {واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية} و (قوله) {التائبون العابدون} و {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} و {ياأيها الذين آمَنُواْ اركعوا واسجدوا} . ومن وجه آخر {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد} تفسيره {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وقوله {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً} تفسيره {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} .
وأَمَّا الآيات المرموزة فمثل طه. قيل: هو الرّجل بلغة عَكٍّ. وقيل: معناه: طُوبَى وهاوية ... . وقيل: معناه: طاهر، يا هادى. وقوله: يس قيل: معناه: يا إِنسان. وقيل: يا سيِّد البشر. وقيل: يا سَنِىَّ القَدْر. وعلى هذا القياس جميع حروف التهجىِّ المذكورة فى أَوائل السُّور.
وقال عُرْوة بن الزُّبَير: كلّ سورة فيها ضَرْب المِثال، وذكر القرون الماضية فهى مكِّيّة، وكلّ سورة تتضمَّن الفرائض، والأَحكام، والحدود،فهى مدنيَّة، وكلّ عبارة فى القرآن بمعنى التوحيد، ويا أَيُّها النَّاس خطاب لأَهل مكَّة. ويا أَيُّها الَّذين آمنوا خطاب لأَهل المدينة. و (قُل) خطاب للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلم.
هذه جملة ما لا بدَّ من معرفته قبل الشروع فى التفسير. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-09-13, 08:23 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(8)
من صـــ 108 الى صـــ 116
الفصل السابع - في أصناف الخطابات والجوابات التي يشتمل عليها القرآن
فى أَصناف الخطابات والجوابات التى يشتمل عليها القرآن.
ولهذا الفصل طرفان: الأَوَّل فى فنون المخاطبات. والثانى فى الابتداءَات والجوابات.
أَمَّا المخاطَبات فإِنها تَرد فى القرآن على خمسة عشر وجهاً: عامّ، وخاصّ، وجنس، ونوع، وعَين، ومدح، وذمّ، وخطاب الجمع بلفظ الواحد، والواحدِ بلفظ الجمع، وخطاب الجمع بلفظ الاثنين، (وخطاب الاثنين) بلفظ الواحد، وخطاب كَرَامة، وخطاب هوان، وخطاب عَيْن والمراد به غيره، وخطاب تلوّن.
أَمَّا خطاب العام {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} . وأَما الخِطاب الخاصّ كقوله: {هاذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} ، {فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ} ، وخطاب الجنس: يا أَيها الناس، وخطاب النوع: يا بنى آدم. وخطاب العين: يا آدم، ويا نوح، ويا إبراهيم: (وخطاب المدح: يأَيها الذين آمنوا. وخطاب الذم: يأَيها الذين كفروا)وخطاب الكرامة: يأَيها الرسول، يأَيها النبىّ. وخطاب الهوانِ لإِبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى} ولأَهل النار. {اخْسَئُوْا فِيْهَا} ، ولأَبى جهل {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيْزُ الكُرِيمُ} . وخطاب الجمع بلفظ الواحد {ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ} ، {ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ} . وخطاب الواحد بلفظ الجمع {رَبِّ ارْجِعُون} أَى ارجعنى {ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} وهو خطاب نبيّنا صلى الله عليه وسلَّم. وخطاب الواحد والجمع بلفظ التثنية {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ} . وخطاب الاثنين بلفظ الواحد {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوْسَى} .
وأَمّا الخطاب العينى الذى يراد به الغير: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ} {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني} ، {أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ} .
وأَمّا التلوّن فعلى وجوه:
أَمّا الأَول فقوله: {هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر} ، ثم قال {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة} ، وكقوله: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً} ، ثم قال {فأولائك هُمُ المضعفون} ، وكقوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر} ثم قال {أولائك هُمُ الراشدون} .
الثانى أَن ينتقل من الخَبَر إِلى الخطاب، كقوله: {الْحَمْدُ للهِ} ثم قال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، وقوله {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً} ثم قال {وَإِنَّ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} وقوله: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} ثم قال: {إِنَّ هاذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً} ، وقوله: {فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ} ثم قال: {هاذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} .
الثالث أَن يكون الخطاب لمعين، ثم يُعدَل إِلى غيره، كقوله: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} ثم قال: {لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} .
الطرف الثانى من هذا الفصل فى الابتداءَات والجوابات. ويسمى تراجُعَ الخطاب.
والجواب يكون انتهاء، والسؤال يكون ابتداءً. والسؤال يكون ذَكَراً، والجواب يكون أُنثى، فإِذا اجتمع الذَّكَر والأُنثى يكون منه نتائج وتولُّدات.
وترد أَنواع الجوابات في نصّ القرآن على أَربعة عشر وجهاً: جواب موصول بابتداءٍ، جواب مفصول عنه، (جواب) مضمر فيه، (جواب) مجرد عن ذكر ابتداءٍ، جوابان لابتداءٍ واحد، جواب واحد لابتداءَين،جواب محذوف، جواب إِلى فصل غير متصل به، جواب في ضمن كلام، (جواب في نهاية كلام) ، جواب مُدَاخَل في كلام؛ جواب موقوف على وقت، جواب بفاء، جواب الأَمر والنهي وغيرهما، جواب شرط، جواب قَسَم.
أَما الجواب الموصول بابتداءٍ فقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونك عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ، {وَيَسْأَلُونك عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ، {وَيَسْأَلُونك مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو} ، {يَسْأَلُونك عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} ، {وَيَسْأَلُونك عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى} .
وأَما الجواب المفصول عن الابتداءٍ فنوعان:
أَحدهما أَن يكون الابتداءُ والجواب فى سورة واحدة، كقوله في الفرقان {وَقَالُواْ مَالِ هاذا الرسول يَأْكُلُ الطعام} جوابه فيها: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام} ، وكقوله فى البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} جوابه فيها {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .
والثانى أَن يكون الابتداء فى سورة، والجواب فى سورة أُخرى، كقوله فى الفرقان: {قَالُواْ وَمَا الرحمان} جوابه {الرحمان عَلَّمَ القُرْءَان}، وفى الأَنفال، {لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هاذا} جوابه فى بنى إِسرائيل {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ} الآية، وفى سورة القَمَرَ {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِر} جوابه فى الصَّافات {مَالَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونْ} .
وأَما الجواب المضمر ففى سورة الرَّعد {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى} جوابه مضمر فيه أَى (لكان هذا القرآن) .
وأَما الجواب المجرَّد عن ذكر الابتداءِ فكما فى سورة المائدة: {لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ} فإِنه فى جواب الصحابة: فكيف من شرب الخمر قبل تحريمها ومات. وفى سورة البقرة {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} فى جواب أُناس قالوا كيف: بمن صلَّى إِلى بيت المَقْدِس قبل تحويل القبلة.
وأَمَّا جوابان لسؤال واحد كقوله فى الزخرف {لَوْلاَ نُزِّلَ هاذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} فله جوابان: أَحدهما {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا} والثانى فى سورة القصص: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} ، ونحو قوله {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً} أَحد جوابيْه {يس والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} وثانيهما {ياأيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} وفى سورة الفتح {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} ، وكقوله: {وَقَالُوْا مُعَلَّمٌ مَجنُونٌ} جوابه فى السورة {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجنُونٌ} وجواب ثان فى سورة ن {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجنُونٍ} وجواب ثالث فى سورة الأَعراف: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ} .
وأَما جواب واحد لابتداءَين فكقوله فى سورة النور {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وابتداءُ هذين الجوابين حديث الإِفك. ونظير هذا فى سورة الفتح "لولا رجال مؤمنون" إلى قوله "لو تَزيَّلُوا" وابتداؤُه صَدُّ الكفار المسلمين عن المسجد الحرام.
وأَما الجواب المحذوف فكقوله في سورة البقرة {وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} جوابه {كَفَرُوْا بِهِ} وهو محذوف ومثل قوله: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} جوابه محذوف أَى حال هذا الرَّجل كحال مَن يريد زينة الحياة الدُّنيا.
وأَمَّا الجواب الَّذى يكون راجعاً إِلى فصل غير متَّصل بالجواب فكقوله فى سورة العنكبوت {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} جوابه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرِّقُوهُ} وهذا فى يس: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} جوابه {وَيَقُولُونَ متى هَذَا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} وعلى هذا القياس مناظرة موسى وفرعون فى سورة الشعراءِ فى قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين} .
وأَمّا الجواب الَّذى يكون فى ضمن كلام فكما فى سورة (ص) لمَّا زعم الكفار أَنّ محّمداً غير رسول بالحق نزلت الآية مؤكَّدة بالقسم لتأْكيد رسالته {ص والقرآن ذِي الذكر} إِلى قوله {وعَجِبُوْا} وكذا قال {ق والقرآن المجيد} الى قوله {إِنَّ هاذا شَيْءٌ عَجِيبٌ} وهكذا فى سورة المُلْك {أَمَّنْ هاذا الذي يَرْزُقُكُمْ} جوابه في ضمن هذه الآية {قُلْ هُوَ الرحمان آمَنَّا بِهِ} وأَما الجواب الذى يكون فى نهاية الكلام فكقوله {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر لَمَّا جَآءَهُمْ} جوابه فى منتهى الفصل {أولائك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وفي سورة الحج {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} جوابه {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} وفى سورة الكهف {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ} جوابه {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} وفى سورة الأَنعام {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ}إِلى قوله {مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى} جوابه {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} .
وأَمَّا الجواب المُداخَل ففي سورة يوسف {مَّاذَا تَفْقِدُونَ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك} وفى قصة إِبراهيم {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} .
وأَما الجواب على وقف الوقت فكقوله {ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فقالت الصحابة: متى وقت إِجابة الدعاءِ؟ فنزلت {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} وأَيضاً لمَّا نزلت {استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} قالوا: متى وقت الاستغفار؟ فنزلت: {والمستغفرين بالأسحار} .
وأَما جواب الشرط والجزاءُ بغير فاءٍ فمجزوم كقوله {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ، من يَغْزُ يغنم، من يكظم غيظاً يأْجره الله.
وأَما جواب الشرط بالفاءِ فمرفوع {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} {فَمَنْ يُؤْمِنُ بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً} .
وأَما جواب الأَمر والنهى والدعاءِ والتمنِّى والاستفهام والعرْض بغير فاءٍ فمجزوم، وبالفاءِ منصوب. والأَمر كقوله {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} لا تضربي أَشتِمْك، اللَّهمَّ أَعطني أَشكرْك وكذا في غيره.
وأَمَّا بفاءٍ فكقولك زرني فأَكرمَك، {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} ، {ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} وكذا فى غيرها لا جواب النفى، فإِنه إذا كان بلا فاءٍ فمرفوع كقوله {مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى} .
وأَمَّا جواب القسم فأَقسام القرآن ثلاثة (أَنواع: إِما قَسم بأَسماءِ) الله تعالى، كقوله: {فَوَرَبِّكَ} وإِمَّا بمفعولاته كقوله: {وَالْفَجْرِ} ، {وَالشَّمْسِ} ، {وَالعَصْرِ} . وإِما بأَفعاله كقوله: {والسمآء وَمَا بَنَاهَا والأرض وَمَا طَحَاهَا} .
ولا بد للقسم من جواب إِما بإِثبات أَو بنفى. وتأْكيد الإِثبات يكون بإِنّ وباللاَّم أَو بهما. أَمَّا بإِنَّ فكقوله {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} وقوله: {وَالفَجْرِ} إِلى قوله {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد } . وأَمَّا بهما فكقوله {فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} .
هذه فنون الجوابات، وأَنواع الخطابات التى نطق بها القرآن.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-09-25, 06:56 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(9)
من صـــ 117 الى صـــ 123
الفصل الثامن - فيما هو شرط من معرفة الناسخ والمنسوخ
اعلم أَن معرفة النَّاسخ والمنسوخ باب عظيم من علوم القرآن. ومن أَراد أَن يخوض فى بحر التفسير ففَرْضٌ عليه الشروعُ فى طلب معرفته، والاطِّلاع على أَسراره، ليسلَم من الأَغلاط، والخطإِ الفاحش، والتأْويلات المكروهة.
والكلام فى ذلك على سبيل الإِجمال من عشرة أَوجه: الأَوَّل فى أَصل النسخ ومذاهبِ النَّاس فيه. الثانى فى حَدّ النسخ ومعناه. الثالث في حقيقته من حيث اللُّغة. الرّابع فى حكمته الحقّ، والسرّ فى نسخ أَمرٍ بأَمرٍ.
الخامس فى بيان ما يجوز نسخه. السَّادس في سبب نزول آية النسخ. السَّابع فى وجوب معرفة النَّاسخ والمنسوخ. الثامن فى أَنواع ما فى القرآن من المنسوخ التَّاسع فى ترتيب نَسْخ أَحكام القرآن أَوَّلا فأَوَّلاً. العاشر فى تفصيل سُوَرِ القرآن الخالية عن الناسخ والمنسوخ.
أَمَّا أَصل النسخ فالنَّاسَ على مذهبين: مثبتون ومنكِرون. والمنكرون صنفان:
صنف خارج على مِلَّة الإِسلام. وهم اليهود فإِنهم أَجمعوا على أَنَّه لا نسخ فى شريعة موسى، وحكمُ التوراة باقٍ إِلى انقراض العالَم. وقالوا: إِنَّ النسخ دليل على البداءِ والنَّدامة، ولا يليق بالحكيم ذلك.
هذا مقالهم، وتحريف التوراة فعالهم. يحرِّفون الكلِم عن مواضعه، ويلبِسون الحقَّ بالباطل، ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً: ولهذا قال تعالى فى حقّهم: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} .
وصنف ثانٍ من أَهل الإِسلام. وهم الرافضة فإِنهم وافقوا اليهود فى هذه العقيدة، وقالوا: ليس فى القرآن ناسخ ولا منسوخ، وقبيح بالحكيم أَن يبطل كلامه.
فهم بكلامه يُوَادُّون من حادَّ الله {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود} .
وأَمَّا أَهل السنَّة وجماهير طوائف المسلمين فقد أَثبتوا النسخ، وأَنّ القرآن مشتمِل على الناسخ والمنسوخ، وأَنَّ الحكمة الرَّبانية تقتضى ذلك، لأَنَّ الله تعالى ربُّ الأَرباب، ومالك الملوك، ومتصرِّف فى الأَعيان، متحكِّم فى الأَشخاص، ونعتُه وصفته: أَحكم الحاكمين، وطبائع الخَلْق مختلِفة؛ والأَزمنة، والأَوقات متفاوِتة، وبناءُ عالَم الكَوْن والفساد على التغيير والتحّول. وأَىُّ حكمة أَبلغُ وأَتمُّ من حكمة عدل على وفق طبائع الناس بناءً على رعاية مصالحهم بحسب الوقت، والزَّمان، كسائر التَّصرُّفات الإلهية فى العالَم:
من تكوير الليلِ والنَّهار، وتغيير الفصول والأَيَّام، بالبَرْد والحَرِّ، والاعتدال، وتبديل أَحوال العباد بالإِغناء، والإِفقار، والإِصحاح، والإِعلال، وغير ذلك:
من أَنواع التصرُّفات المختلفة الَّتى فى كلِّ فرد من أَفرادها حكمة بالغة، وإِذا كان تصرُّفه تعالى فى مِلكه ومُلكه يقتضى الحكمة، ولا اعتراض لمخلوق، فكذلك الأمر فى الشرائع والفرائض:
تارة يأْمُر، وتارة ينهى، ويكلِّف قوماً بشرع ثقيل، كبنى إِسرائيل، وآخرين بشرع خفيف كالأُمَّة المحمَّدية.
وهو فى كلِّ هذه التصرُّفات مقدَّس الجناب منزَّه الحَضْرة عن لائمة المعترِضين، وسؤال المتعرِّضين. ولما كان محمَّد خاتم الرُّسل، والقرآن خاتم الكتب، وشَرْع القرآن خاتم الشرائع، نُسخ فى عهده بعضُ القرآن ببعض، لِما عند الله من الحكمة البالغة فى ذلك، ولِما يتضمَّن من رعاية ما هو أَصلح للعباد، وأَنفع للمَعَاد. وأَيضاًَ كان النبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُنسخ بعضُ شرعه ببعض بواسطة الوحى السَّماوى، والسُّنَّة تَقْضِى على القرآن والقرآن لا يَقضى على السُنّة.
وأَمَّا بعد ما استأْثر اللهُ به (صَلَّى الله عليه وسلَّم) فقد صار القرآن والسنة محروسين من النَّسْخ، والتغيير، بدليل قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
وأَمَّا حَد النسخ (من حيث المعنَى) فهو رفْع حكم ثابت من قولهم: نسخَت الرِّياحُ الأَثَر إِذا دَرَسَتْه. وقيل "النسخ" قَصْر حُكم على لفظ يختصُّ بأَهل زمان خاصّ؛ كما أَنَّ التخصيص قصر حكم لفظ على بعض الأَشخاص. وقيل "النَّسخ" التَّحويل، والأَجود أَن يقال "النسخ" بيان نهاية تعبُّد بأَمر، أَو نهى مجدَّد، فى حكم خاصّ، بنقله إِلى حكم آخر.
وللنَّاسخ والمنسوخ خمسة شروط: أَحدها أَن يكون كلٌّ منهما شرعيّاً. الثَّانى أَن يكون النَّاسخ متأَخِّراً عن المنسوخ. الثالث أَن يكون الأَمر بالمنسوخ مطلقاً غير مقيَّدٍ بغاية. والرَّابع أَن يكون النَّاسخ كالمنسوخ فى إِيجاب العلم والعمل. الخامس أَن يكون النَّاسخ والمنسوخ منصوصين بدليل خطاب (أَو بمفهوم خطاب) .
وأَمَّا حقيقة النسخ لغة فقد جاءَ بمعنيين:
أَحدهما النقل، كما يقال للكتابة نَسْخ. قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وعلى هذا يكون جميع القرآن منسوخاً، بمعنى أَنه مكتوب نُقِل من اللَّوح المحفوظ إِلى صُحف مرفوعة مطهَّرة، بأَيدى سفرة كرام بررة، ولمَّا نزل من السَّماءِ بواسطة الوحى كتبه الصَّحابة، ونسخوه فى صُحُفهم، ثمَّ لما يزل يُنْسَخ، وينقل إِلى يوم القيامة.
والقول الثانى أَن يكون لغة بمعنى الرفع والإِزالة. يقال: نسخت الشَّمسُ الظلّ إِذا أَبطلته، ونسخت الريحُ الأَثر إِذا أَذهبته. وعلى هذا قيل لرفع حكم بحكم آخر: نَسْخ، لأَنه إِبطال حكم، وإِثبات حكم مكانه، كالشَّمس مكان الظِّل.
وأَمَّا الحكمة فى النسخ فذكروا فيها وجوهاً.
أَوَّلها وأَجلُّها إِظهار الرُّبوبيَّة، فإِنَّ بالنَّسخ يتحقَّق أَن التَّصرُّف فى الأَعيان إِنَّما هو له تعالى: يفعل ما يشاءُ، ويحكم ما يريد.
الثَّانى بيان لكمال العبوديَّة، كأنَّه منتظِر لإِشارة السيِّد، كيفما وردت وبأَىِّ وجه صدرت. وإِنَّما يظهر طاعةُ العبيد بكمال الخضوع، والانقياد.
والثالث امتحان الْحرِّيَّة، ليمتاز مَن المتمرِّد من المنقاد، وأَهلُ الطَّاعة من أَهل العناد فالدارُ دار الامتحان، والذهب يُجَرَّب بالذَوَبان، والعبد الصَّالح بالابتلاءِ والهوان.
الرَّابع إِظهار آثار كُلْفة الطَّاعة، على قدر الطَّاقة، {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} .
الخامس التيسير، ورفع المشقَّة عن العباد، برعاية المصالح {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} .
السادس نقل الضعفاءِ من درجة العسر إِلى درجة اليسر {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} .
وأَمَّا أَنَّ النسخ فيماذا يجوز فالصَّحيح أَنَّ النسخ يتعلَّق بالأَمر والنَّهى فقط. وأَمَّا الأَخبار فمصونة عن النسخ، لأَنَّ المخبِر الصادق يصير بنسخ خبره كاذباً. وقيل: النَّسخ فى الأَمر، والنَّهى، وفى كل خبر يكون بمعنى الأَمر والنَّهى. فالنَّهى مثل قوله تعالى: {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} . والأَمر مثل قوله: {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً} أَى ازرعوا. وشذَّ قوم أَجازوا النسخ فى الأَخبار مطلقا.
وأَمَّا سبب نزول آية النَّسخ فهو أَنَّ كفَّار مكَّة ويهودَ المدينة لَمَّا صرَّحوا بتكذيب النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم، وقالوا: إِنَّ هذا الكلام مختلَق، لأَنَّه يأْمر بأمر، ثم ينهى عنه، ويقرِّر شرعاً، ثمَّ يرجع عنه، فما هو إِلاَّ من تِلقاءِ نفسه، فنزلت {وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ووردت الإِشارة إِلى النسخ فى الآية الأُخرى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَى قادر على إِنفاذ قضائه وقَدَره، فيقدِّم من أَحكامه ما أَراد، ويؤخِّر منها ما أَراد، ويثقِّل الحكم على من شاءَ، ويخفَّفه عمَّن شاءَ، وإِليه التَّيسير والتعسير، وبيده التقدير والتقرير، ولا يُنسب فى شىء إِلى العجز والتقصير، ولا مجال لأَحد فى اعتراض وتغيير، إِنَّه حكيم خبير، وبيده التصريف والتدبير، أَلا له الخَلْق والأَمر تبارك الله ربُّ العالمين.
وأَمَّا وجوب معرفة النَّاسخ والمنسوخ فقال ابن عبَّاس: مَن لم يعرف النَّاسخ من المنسوخ خلط الحلال بالحرام. وعن النبىِّ صلى الله عليه وسلَّم أَنَّ محرِّم الحلال الخ وقال أَيضاً "ما آمن بالقرآن من استحلَّ محارمه" ولمَّا رأَى علىٌّ رضى الله عنه عبد الله بن دَأْب فى مسجد الكوفة وهو يجيب عن المسائل، فقال له: هل تعرف النَّاسخ من المنسوخ قال: لا؛ قال: فما كنيتك؟ قال أَبو يحيى. قال: أَنت أَبو اعرفونى بالجهل. ثمَّ أَخذَ بأُذُنه، وأَقامه عن مجلسه. فقال: لا يحلُّ لك روايةُ الحديث فى هذا المسجد، ولا الجلوس فى مثل هذا المجلس حتَّى تَعْلم النَّاسخ من المنسوخ.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2021-09-25, 07:04 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(10)
من صـــ 123 الى صـــ 127
وأَمِّا أَنواع منسوخات القرآن فثلاثة:
أَحدها ما نُسخ كتابتُه وقراءَته. قال أَنس كانت سورةٌ طويلة تقارب سورة براءَة، كنَّا نقرؤها على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فنُسخت بكلِّيتها، لم يبق بين المسلمين منها شئ، سوى هذه الآية:
لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إِليهما ثالثا، ولو كان ثالثاً لابتغى رابعاً. ولا يملأُ جوفَ ابن آدم إِلاَّ التراب، ويتوب الله على مَن تاب.
وقال ابن مسعود: لقَّننى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم آية حفِظتها وأَثبتُّها فى المصحف، فأَردتُ فى بعض اللَّيالى أَن أَقرأَها، فلم أَذكُرها، فرجعت إِلى المصحف فوجدت مكانها أَبيض، فأَتيت النبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَخبرته بذلك، فقال:
يا عبد الله، قد نُسخت تلك الآية.
فحزِن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيث لم يذكرها، فنزل جبريل بقوله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} وقيَّدهُ بالمشيئة لئلا يأْمن بالكلِّية فنزلت {إِلاَّ مَا شَآءَ الله} .
الثَّانى ما نُسِخ خَطُّه، وكتابته، وحكمه باقٍ؛ مثل (الشيخُ والشيخة إذا زَنَيا فارجموهما البتَّةَ نكالاً من الله والله عزيز حكيم) .
الثالث ما نُسخ حكمه وخَطّه ثابت. وذلك فى ثلاثة وستين سورة.
وسيأْتى ترتيبه إِن شاءَ الله.
وأَمَّا ترتيب المنسوخات فأَوّلها الصّلوات الَّتى صارت من خمسين إِلى خمس، ثمّ تحويل القبلة من بيت المقدس إِلى الكعبة {فَلَنُوَلينك قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ثم صوم يوم عاشوراء، ثم صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، نُسِخا بفرض صيام رمضان، ثم حكم الزكاة إِلى ربع العشر بعد أَن كان الفاضل عن قُوت العيال، صدقةً، وزكاة، ثمّ الإِعراض عن المشركين والصّفح عنهم نُسخ بآية السّيف: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} .
ثم الأَمر الخاصّ بقتال أَهل الكتاب {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} الى قوله {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، ثمّ نُسخ ميراث الوَلاَء بتوريث ذوى الأَرحام، ونسخ ميراث ذوى الأَرحام بالوصيّة، ثمّ نُسخ الوصيّة بآية المواريث وهى قوله {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ} ثمّ نفى المشركين من الحَرَم والمسجد الحرام {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هاذا} ثمّ نسخ عهد كان بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين المشركين رَدّه عليهم على لسان علىّ يومَ عرفة فى أَوّل سورة براءَة {فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} إِلى قوله {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} .
فهذا ترتيب المنسوخات الأَوّل فالأَوّل.
وأَمَّا تفصيل السّور (التى فيها الناسخ والمنسوخ والتى ما فيها [نسخ] . فالسُوَر الخالية عن الناسخ والمنسوخ) ثلاثة وأَربعون سورة: فاتحة الكتاب، سورة يوسف، يس، الحجرات، الرَّحمن، الحديد، الصَّف، الجمعة، المتحرّم، المُلْك، الحاقَّة، سورة نوح، المرسَلات، سورة الجِنّ، النبأ، والنَّازعات، الانفطار، التطفيف، الانشقاق، البروج، والفجر، البلد، والشمس، والَّيل، والضحى، أَلم نشرح، القلم، القَدْر، لم يكن، زلزلت، والعاديات، القارعة، التكاثر، الهُمَزة، الفيل، لإِيلاف، أَرأَيت، الكوثر، النصر، تبَّت، الإِخلاص، الفلق، النَّاس.
والسُّور الَّتى فيها الناسخ وليس فيها المنسوخ ستٌّ: سورة الفتح، الحشر، المنافقون، التَّغابن، الطَّلاق، الأَعلى.
والَّتى فيها المنسوخ وليس فيها ناسخ أَربعون سورة: الأَنعام، الأَعراف، يونس، هود، الرَّعد، الحِجْر، النَحْل، إِسرائيل، الكهف، طه، المؤمنون، النَّمل، القَصصَ، العنكبوت، الرُّوم، لقمان، المضاجع، الملائكة، الصَّافَّات، ص، الزُّمر، المصابيح، الزُّخرف، الدُّخان، الجاثية، الأَحقاف، سورة محمد صلى الله عليه وسلم، (5) ق، والنَّجم، القمر، الممتحِنة، (5) ن، المعارج، القيامة، الإِنسان، عبس، الطَّارق، الغاشية، والتِّين، الكافرون.
والسُّوَر الَّتى اجتمع فيها النَّاسخ والمنسوخ خمس وعشرون سورة:
البقرة، آل عمران، النِّساء، المائدة، (5) الأنفال، التَّوبة، إِبراهيم، مريم، الأَنبياء، الحجّ، النور، الفرقان، الشعراء، الأَحزاب، سبأ،المؤمن، الشُورى، والذَّاريات، والطُّور، الواقعة، المجادلة، المزَّمل، المدثر، التكوير، والعصر.
وجملة الآيات مئتا آية وأَربع آيات على التفصيل الَّذى ذكرناه.
هذه الجملة الَّتى لا بدَّ من معرفتها من أَمر الناسخ والمنسوخ.
"*"
الطرف الثانى من هذا الباب فى المقاصد المشتملة على جميع سور القرآن من أَوَّله إِلى آخره.
كلَّ سورة تشتمل على ثمانية متعلِّقة بالسُّورة. الأَول موضع نزولها. الثانى عدد آياتها، وكلماتها، وحروفها، والآيات المختلف، فيها. الثالث بيان مجموع فواصلها. الرَّابع ذكر اسمها، أَو أَسمائه ا. الخامس بيان المقصود من السُّورة، وما تتضمّنه مجملاً. السَّادس بيان ناسخها ومنسوخها. السَّابع فى متشابهها. الثامن فى فضلها وشرفها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2021-09-25, 07:36 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(11)
من صـــ 128 الى صـــ 132
الباب الأول - الطرف الثاني - المواقف
بصيرة في الحمد
اختلف العلماءُ فى موضع نزولها. فقيل: نزلت بمكَّة وهو الصحيح، لأَنَّه لا يعرف فى الإِسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب. وقيل: نزلت بالمدينة مرّة، وبمكة مرّة. ولهذا قيل لها:
السّبع المثانى؛ لأَنها ثُنِيت فى النّزول.
وأَمّا عدد الآيات فسبع بالإِجماع؛ غير أَنَّ منهم من عدّ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} دون البسملة؛ ومنهم مَنْ عكس. وشذَّ قوم وقالوا: ثمان آيات. وشذَّ آخرون فجعلوها ستّ آيات.
عدد كلماتها خمس وعشرون.
عدد حروفها مائة وثلاثون وعشرون. وفواصل الآيات (م ن) .
أسماؤها قريبة من ثلاثين: الفاتحة، فاتحة الكتاب، الحمد، سورة الحمد، الشافية، الشفاء، سورة الشفاء، الأَساس، أَساس القرآن، أُمّ القرآن، أُمّ الكتاب، الوافية، الكافية، الصّلاة، سورة الصّلاة، قال الله تعالى "قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين" الحديث،يعنى فاتحة الكتاب، السّبع المثانى؛ لأنها تُثْنَى فى كل صلاة، أَو لاشتمالها على الثَّناء على الله تعالى، أَو لتثنية نزولها، سورة الفاتحة، سورة الثناء، سورة أُمّ القرآن، سورة أُم الكتاب، سورة الأًساس، الرُّقْية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وما أَدراك أَنّها رُقْية".
المقصود من نزول هذه السّورة تعليم العباد التيمُّن والتبّرك باسم الله الرحمن الرحيم فى ابتداء الأُمور، والتّلقين بشكر نعم المنعم؛ والتوكُّل عليه فى باب الرّزق المقسوم، وتقوية رجاء العبد برحمة الله تعالى، والتّنبيه على ترقُّب العبد الحسابَ والجزاءَ يوم القيامة، وإِخلاص العبوديّة عن الشرك، وطلب التوفيق والعصمة من الله، والاستعانة والاستمداد فى أَداء العبادات، وطلب الثبات والاستقامة على طريق خواصّ عباد الله، والرَّغبة فى سلوك مسالكهم، وطلب الأَمان من الغَضب، والضلال فى جميع الأَحوال، والأَفعال، وختم الجميع بكلمة آمين، فإِنها استجابة للدعاء، واستنزال للرَّحمة، وهى خاتَم الرَّحمة الَّتى خَتَم بها فاتحة كتابه.
وأَمَّا النَّاسخ والمنسوخ فليس فيها شئ منهما.
وأَمَّا المتشابهات فقوله (الرحمن الرَّحيم ملك) فيمن جعل البسملة منها، وفى تكراره أَقوال.
قيل: كرّر للتَّأْكيد. وقيل: كُرِّر لأَن المعنى: وجب الحمد لله لأَنه الرَّحمن الرَّحيم. وقيل: إِنما كُرِّر لأَن الرحمة هى الإِنعام على المحتاج وذكر فى الآية الأَولى المنعِم ولم يذكر المنعَم عليهم، فأَعادها مع ذكرهم، وقال:
ربِّ العالمين، الرحمن بهم أَجمعين الرحيم بالمؤمنين خاصَّة يوم الدين، ينعم عليهم ويغفر لهم، وقيل:
لمَّا أَراد ذكر يوم الدين لأَنه مِلكه ومالكه، وفيه يقع الجزاءُ، والعقاب، والثواب وفى ذكره يحصل للمؤمن مالا مزيد عليه: من الرعب والخشية، والخوف، والهيبة. قدَّم عليه ذكر الرَّحمن الرحيم تطميناً له، وتأميناً، وتطييباً لقلبه، وتسكيناً، وإِشعاراً بأَن الرَّحمة سابقة غالبة، فلا ييأَس ولا يأْسى فإِن ذلك اليوم - وإِن كان عظيماً عسيراً - فإِنما عُسْره وشِدّته على الكافرين؛ وأَمَّا المؤمن فبَيْن صفتى الرَّحمن الرَّحيم من الآمنين.
ومنها قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كرّر (إِياك) ولم يقتصر على ذكره مرّة كما اقتصر على ذكر أَحد المفعولين فى {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} وفى آيات كثيرة؛ لأَن فى التقديم فائدة وهى قطع الاشتراك، ولو حُذف لم يدلّ على التقدّم؛ لأَنك لو قلت:
إِيّاك نعبد ونستعين لم يظهر أَن التّقدير: إِياك نعبد وإِيّاك نستعين. وكرّر {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لأَنّه يقرب ممَّا ذكرنا فى {الرحمان الرحيم} . وذلك بأَن الصّراط هو المكان المهيَّأ للسّلوك، فذَكر فى الأَوّل المكان ولم يَذكر السّالكين، فأَعاده مع ذكرهم، فقال:
{صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهم النبيّون والمؤمنون. ولهذا كرّر أَيضاً فى قوله {إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ الله} لأَنّه ذكر المكان المهيّأ وقوله {عَلَيْهِم} ليس بتكرار لأَنّ كلّ واحد منهما متَّصل بفعل غير الآخر، وهو الإِنعام والغضب، وكلّ واحد منهما يقتضيه، وما كان هذا سبيليه فليس بتكرار، ولا من المتشابِه. والله أعلم.
وأَمَّا فضلها وشرفها فعن حُذَيفة يرفعه إلى النبىّ صلَّى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ القوم ليبعث الله عزَّ وجلَّ عليهم العذاب حتماً مقضيَّا فيقرأ صبىّ من صبيانهم فى الكُتَّاب:
الحمد لله ربِّ العالمين، فيسْمَعه الله عزَّ وجلَّ، فيرفع عنهم بذلك العذابَ أَربعين سنة" وروى عن الحسن أَنه قال: أَنزل الله مائة وأَربعة كتب من السَّماء، أَودع علومها أَربعة منها: التَّوراةَ والإِنجيلَ والزَّبورَ والفرقانَ، ثمَّ أَودع علوم القرآن المفصَّل، ثم أَودع علوم المفصَّل فاتحة الكتاب. فمَنْ علِم تفسيرها كان كمن علم تفسير كُتُب الله المنزَّلة.
ومَنْ قرأَها فكأنَّما قرأَ التَّوراة، والإِنجيل، والزَّبور، والفُرقان، وقال جبرئيل عند نزوله بهذه السّورة: يا محمَّد، ما زلت خائفاً على أُمَّتك حتَّى نزلتُ بفاتحة الكتاب؛ فأَمِنت بها عليهم. وقال مجاهد سمعت ابن عبّاس يقول:
أَنَّ إِبليسُ أَربع أَنَّات: حين لُعن، وحين أُهبِط من الجنَّة، وحين بُعِث محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، وحين أُنزلتْ فاتحة الكتاب. وعن أَبى هريرة، عن النبى صلَّى الله عليه وسلم، عن الرَّبِّ تبارك وتعالى، أَنه قال:
"إِذا قال العبد بسم الله الرحمن الرَّحيم يقول الله تعالى: سمَّانى عبدى. وإِذا قال: الحمد لله ربِّ العالمين يقول الله: حمِدنى عبدى. وإِذا قال: الرَّحمن الرَّحيم يقول الله: أَثْنَى علىَّ عبدى. وإِذا قال: مالك يوم الدِّين يقول الله مجَّدنى عبدى. وإِذا قال:
إِيَّاك نعبد وإِيَّاك نستعين يقول الله: هذا بينى وبين عبدى نصفين. وإِذا قال: اهدنا الصِّراط المستقيم إِلى آخر السُّورة يقول الله: هذا لعبدى ولعبدى ما سأل. وَروَى علىّ رضى الله عنه عن النبىِّ صلى الله عليه وسلَّم انَّه قال: يا علىّ مَنْ قرأَ فاتحة الكتاب فكأَنَّما قرأَ التوراة، والإِنجيل، والزَّبور، والفرقان، وكأَنَّما تصدَّق بكل آية قرأَها مِلْءَ الأَرض ذهباً فى سبيل الله، وحرم الله جسده على النار، ولا يدخل الجنَّة بعد الأَنبياء أَحدٌ أَغنى منه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2021-10-14, 08:17 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(12)
من صـــ 133 الى صـــ 141
بصيرة.. فى ألم. ذلك الكتاب
هذه السّورة مَدنيَّة. وهى أَول سورة نزلت بعد هجرة النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم إِلى المدينة.
وعدد آياتها مائتان وست وثمانون آية (فى عدِّ) الكوفيِّين، وسبع (فى عدِّ) البصريِّين، وخمس (فى عدِّ) الْحجاز، وأَربع (فى عدِّ) الشاميِّين. وأَعلى الرّوايات وأَصحُّها العَدّ الكوفىُّ، فإِنَّ إِسناده متَّصل بعلىّ بن أَبى طالب رضى الله عنه.
وعدد كلماته ستَّة آلاف كلمة، ومائة وإِحدى وعشرون كلمة.
وحروفها خمس وعشرون أَلفاً وخَمْسمائة حرف.
وآياتها المختلَف فيها اثنتا عشرة آية: أَلم، {عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، مصلحون، خائفين، و {قَوْلاً مَعْرُوفاً} ، {مَاذَا يُنْفِقُوْن} ، {تَتَّفَكَّرُون } ،خَلق، {ياأولي الألباب} ، {الحي القيوم} ، {مِّنَ الظلمات إِلَى النور} ، {وَلاَ شَهِيد} .
مجموع فواصل آياتها (ق م ل ن د ب ر) ويجمعها (قم لندّبر) . وعلى اللاَّم آية واحدة {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} ، وعلى القاف آية واحدة {وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ} آخر الآية المائتين.
وأَمَّا أَسماؤُها فأَربعة: البقرة، لاشتمالها على قِصَّة البقرة. وفى بعض الروايات عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: السورة التى تذكر فيها البقرة. الثَّانى سورة الكرسىِّ، لاشتمالها على آية الكرسىِّ التى هى أَعظم آيات القرآن. الثالث سَنَام القرآن، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: " إِنَّ لكلِّ شىءٍ سَنَاماً وسَنَام القرآن سورة البقرة". الرَّابع الزَّهراءُ، لقوله: "اقرءُوا الزَّهراوَيْن البقرة وآل عمران".
وعلى الإِجمال مقصود هذه السُّورة مدح مؤمنى أَهل الْكتاب، وذمّ الكفَّار كفَّارِ مكَّة، ومنافقى المدينة، والرّدّ على منكرى النبوّة، وقصة التخليق، والتعليم، وتلقين آدم، وملامة علماءِ الْيهود فى مواضع عدَّة، وقصَّة موسى، واستسقائه، ومواعدته ربّه، ومنَّته على بنى إِسرائيل، وشكواه منهم، وحديث البقرة، وقصة سليمان، وهاروت وماروت،والسحرة، والرّدّ على النَّصارى، وابتلاء إِبراهيم عليه السَّلام، وبناء الكعبة، ووصيَّة يعقوب لأَولاده، وتحويل القبلة، وبيان الصبر على المصيبة، وثوابه، ووجوب السَّعى بين الصفا والمروة، وبيان حُجَّة التَّوحيد، وطلب الحلال، وإِباحة الميتة حال الضرورة، وحكم القِصاص، والأَمر بصيام رمضان، والأَمر باجتناب الحرام، والأَمر بقتال الكفار، والأَمر بالحجِّ والعُمْرة، وتعديد النعم على بنى إِسرائيل وحكم القتال فى الأَشهر الحُرُم؛ والسؤال عن الخمر والْمَيْسِر ومال الأَيتام، والحيض؛ والطلاق؛ والمناكحات، وذكر العِدّة، والمحافظة على الصلوات، وذكر الصَّدقات والنَّفقات، ومُلْك طالوت، وقتل جالوت؛ ومناظرة الخليل عليه السَّلام؛ ونمْرُود، وإِحياء الموتى بدعاءِ إِبراهيم، وحكم الإِخلاص فى النفقة، وتحريم الربا وبيان (الزَّانيات) ، وتخصيص الرّسول صلَّى الله عليه وسلم ليلة المعراج بالإِيمان حيث قال: {ءَامَنَ الرَّسُولُ} إِلى آخر السُّورة.
هذا معظم مقاصد هذه السُّورة الكريمة.
وأَمَّا بيان النَّاسخ والمنسوخ ففى ستّ وعشرين آية {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ} م {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً} ن {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} م {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } ن وقيل:
محكمة {فَاعْفُوْا وَاصْفَحُوْا} م {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} إِلى قوله {حتى يُعْطُواْ الجزية} ن {فَاَيْنَمَا تُوَلُّوْا} م {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} ن {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ} م {إِلاَّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ} ن {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} م أُحلَّت لنا ميتتان ودمان، من السُّنة ناسخها ن {الْحَرُّ بِالْحَرِّ} م {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ن {الوصية لِلْوَالِدَيْنِ } م (آية المواريث) ن {كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ} م {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام} ن {وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} م {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ن {وَلاَ تَعْتَدُوْا} م {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا} ن {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} ن {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام} م {فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم} ن {فَإِنِ انتهوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} م بآية السَّيف ن {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ} م {بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} ن {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} م {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ} ن {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام} م {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } ن {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} م {إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه} ن {وَيَسْأَلُونَك مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو} م {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} ن {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات} م {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} وقوله {وَبُعُولَتُهُن َ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} ن {الطلاق مَرَّتَانِ} م {فَإِنْ طَلَّقَهَا} ن {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ} م {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا} ن {والوالدات يُرْضِعْنَ} م {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً} ن {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول} م {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} ن {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} م آية السَّيف ن {وأشهدوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} م {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً} ن {وَإِن تُبْدُواْ مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} م {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً} وقوله {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر} ن.
المتشابهات:
(الم) تكررت فى ستّ سور فهى من المتشابه لفظاً. وذهب كثير من المفسِّرين فى قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} إِلى أَنَّها هذه الحروف الَّتى فى أَوائل السُّور، فهى من المتشابه لفظاً ومعنًى والموجب لذكره أَوَّلَ البقرة هو بعينه الموجِب لذكره فى أَوائل سائر السُّور.
وزاد فى الأَعراف صاداً لما جاءَ بعده {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} ولهذا قال بعض المفسِّرين: المص: ألم نشرح لك صدرك. وقيل: معناه: المصوِّر. وزاد فى الرعد راء لقوله بعده {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ} .
قوله {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ } وفى يس {وَسَوآءٌ عَلَيْهِمْ} بزيادة واو، لأَن ما فى البقرة جملة هى خبر عن اسم إِنَّ، وما فى يس جملة عُطِفت على جملةٍ.
قولُه {آمَنَّا بالله وباليوم الآخر} ليس فى القرآن غيره [و] تكرار العامل مع حرف العطف لا يكون إِلاَّ للتأكيد، وهذا حكاية كلام المنافقين وهم أَكَّدوا كلامهم، نَفْياً للرِيبة، وإِبعادا للتُّهمة. فكانوا فى ذلك كما قيل: كاد المُرِيب أَن يقول خذونى. فنفى الله عنهم الإِيمان بأَوكد الأَلفاظ، فقال: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِين} ويكثر ذلك مع النفى. وقد جاءَ فى القرآن فى موضعين: فى النّساء {وَلاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} ، وفى التوبة {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} .
قوله {يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ} ليس فى القرآن غيره؛ لأَنَّ العبادة فى الآية التوحيد، والتوحيد فى أَول ما يلزم العبدَ من المعارف. وكان هذا أَول خطاب خاطب اللهُ به الناس، ثم ذكر سائر المعارف، وبنى عليه العبادات فيما بعدها من السُور والآيات.
قوله {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} بزيادة (مِن) هنا، وفى غير هذه السورة بدون (من) لأَن (مِن) للتبعيض، وهذه السورة سَنَام القرآن،وأَوّله بعد الفاتحة، فحسُن دخول (مِن) فيها، ليعلم أَن التحدّى واقع على جميع سور القرآن، من أَوله إِلى آخره، وغيرُها من السور لو دخلها (من) لكان التحدى واقعاً على بعض السور دون بعض. والهاء فى (مثله) يعود إِلى القرآن، وقيل: يعود إِلى محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، أَى فأْتوا بسورة من إِنسان مثلِه. وقيل: إِلى الأَنداد، وليس بشئ. وقيل: مثله التوراة، والهاءُ يعود إِلى القرآن، والمعنى: فأْتوا بسورة من التوراة التى هى مثل القرآن لتعلموا وفاقهما.
قوله {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر} ذكر هذه هاهنا جملة، ثم ذكر فى سائر السور مفصَّلا، فقال فى الأعراف: {إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ الساجدين} وفى الحِجْر {إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} وفى سبحان {إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} وفى الكهف {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن} وفى طه {إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى} وفى ص {إِلاَّ إِبْلِيسَ استكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين} .
قوله {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة وَكُلاَ} بالواو، وفى الأَعراف {فَكُلاَ} بالفاء. اسكن فى الآيتين ليس بأَمر بالسُّكون الذى ضده الحركة، وإِنما الذى فى البقرة سكون بمعنى الإِقامة، فلم يصحّ إِلا بالواو؛لأَن المعْنى: اجمعا بين الإِقامة فيها (والأَكل من ثمارها) ، ولو كان الفاء مكان الواو لوجب تأْخير الأَكل إِلى الفراغ من الإِقامة، لأَن الفاء للتَّعقيب والترتيب، والذى فى الأَعراف من السُّكنى التى معناها اتخاذ الموضع مسكنا؛ لأَنَّ الله تعالى أَخرج إِبليس من الجنة بقوله:
{اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً} . وخاطب آدم فقال {وَيَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} أَى اتَّخذاها لأَنفسكما مسكناً، وكُلاَ من حيث شئتما، وكان الفاء أَولى، لأَن اتّخاذ المسكن لا يستدِعى زمانا ممتدّا، ولا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه، بل يقع الأَكلُ عقِيبه. وزاد فى البقرة {رَغَدَا} لما زاد فى الخبر تعظيما: (وقلنا) بخلاف سورة الأَعراف، فإِن فيها (قال) . وذهب الخطيب إِلى أَن ما فى الأَعراف خطاب لهما قبل الدّخول، وما فى البقرة بعده.
قوله {اهْبِطُوْا} كرّر الأَمر بالهبوط لأَن الأَول {مِنَ الْجَنَّةِ} والثانى من السماءِ.
قوله {فَمَنِ اتَّبَعَ} ؛ وفى طه {فَمَنِ اتبع} ؛ وتبع واتَّبع بمعنى، وإِنما اختار فى طه (اتَّبع) موافقة لقوله {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِى} .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-10-14, 08:21 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(13)
من صـــ 142 الى صـــ 148
قوله {وَلاَ يَقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} قدَّم الشَّفاعة فى هذه الآية، وأَخَّر العَدْل، وقدَّم العدل فى الآية الأُخرى من هذه السورة وأَخر الشفاعة. وإنِما قدم الشفاعة قطعَا لطمع من زعم أَن آباءَهم تشفع لهم، وأَن الأَصنام شفعاؤُهم عند الله، وأَخرها فى الآية الأُخرى لأَنَّ التقدير فى الآيتين معاً لا يقبل منها شفاعة فتنفعها تلك الشفاعة؛ لأَنَّ النفع بعد القبول.
وقدَّم العدل فى الآية الأُخرى ليكون لفظ القبول مقدَّما فيها.
قوله: {يُذَبِّحُونَ} بغير واو هنا على البدل من {يَسُوْمُوْنكم} ومثله فى الأَعراف {يُقَتِّلُونَ} وفى إِبراهيم {وَيُذَبِّحون} بالواو لأَن ما فى هذه السورة والأَعراف من كلام الله تعالى، فلم يرد تعداد المِحَن عليهم، والَّذى فى إِبراهيم من كلام موسى، فعدّد المِحَن عليهم، وكان مأْموراً بذلك فى قوله {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} .
قوله {ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} هاهنا وفى الأعراف، وقال فى آل عمران {ولاكن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} لأَنَّ ما فى السّورتين إِخبار عن قوم فَاتوا وانقرضوا [وما فى آل عمران] حكاية حال.
قوله {وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هاذه القرية فَكُلُواْ} بالفاء، وفى الأَعراف {وَكُلُوْا} بالواو؛ لأَن الدّخول سريع الانقضاء فيعقبه الأَكل، وفى (الأَعراف) {اسْكُنُوا} والمعنى: أَقيموا فيها، وذلك ممتدّ، فذكر بالواو، أَى اجمعوا بين السكنى والأَكل، وزاد فى البقرة {رَغَداً} لأَنه تعالى أَسنده إِلى ذاته بلفظ التعظيم، بخلاف الأَعراف؛ فإِنَّ فيه {وَإِذْ قِيْلَ} وقدّم {ادْخُلُوْا البَابَ سُجَّدًا} فى هذه السّورة وأَخرها فى الأَعراف لأَن السابق فى هذه السورة {ادْخُلُوْا} فبيّن كيفيّة الدّخول، وفى هذه السّورة {خَطَايَاكُمْ} بالإِجماع وفى الأَعراف {خَطِيئَاتِكُمْ} لأَن خطايا صيغة الجمع الكثير، ومغفرتها أَليق فى الآية بإِسناد الفعل إِلى نفسه سبحانه، وقال هنا (وسنزيد) (بواو، وفى الأَعراف سنزيد) بغير واوٍ؛ لأَنَّ اتصالهما فى هذه السّورة أَشدّ؛ لاتّفاق الَّلفظين، واختلفا فى الأعراف؛ لأَنّ اللائِق به (سنزيد) بحذف الواو؛ ليكون استئنافاً للكلام [وفى هذه السورة {الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً} وفى الأَعراف {ظَلَمُوْا مِنْهُم} موافقة لقوله {ومِنْ قَوْمِ مُوْسَى} ولقوله {مِنْهُمُ الصَّالِحُوْنَ ومِنْهُم دُوْنَ ذَلِكَ} ] .
وفى هذه السّورة {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِين ظَلَمُوْا} وفى الأَعراف {فَأَرْسَلْنَا} لأَن لفظ الرّسول والرسالة كثرت فى الأَعراف، فجاءَ ذلك على طِبق ما قبله، وليس كذلك فى سورة البقرة.
قوله {فَانْفَجَرَت} وفى الأَعراف {فَانْبَجَسَتْ} لأَن الانفجار انصباب الماء بكثرة، والانبجاس ظهورُ الماء. وكان فى هذه السورة {وَاشْرَبُوا} فذكر بلفظ بليغ؛ وفى الأَعراف {كُلُوا} وليس فيه {وَاشْرَبُوا} فلم يبالغ فيه.
قوله {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق} فى هذه السّورة؛ وفى آل عمران {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقٍّ} ؛ وفيها وفى النساءِ {وَقَتْلِهِمُ الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ} لأَن ما فى البقرة إِشارة إِلى الحقّ الذى أَذِن الله أَن يُقتل النفسُ فيه وهو قوله {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ} ؛ وكان الأَولى بالذكر؛ لأَنه من الله تعالى؛ وما فى آل عمران والنساءِ نكرة أَى بغير حَقّ فى معتقَدهم ودينهم؛ فكان بالتنكير أَولى.
وجمع {النَّبِيِّينَ} فى البقرة جمع السّلامة لموافقة ما بعده من جمعَى السلامة وهو {الَّذِينَ} {وَالصَّابِئين} . وكذلك فى آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ} و {نَاصِرِين} و {مُعْرِضُون} بخلاف الأَنبياء فى السّورتين.
قوله {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والنصارى والصابئين} وقال فى الحج {والصابئين والنصارى} وقال فى المائدة {والصابئون والنصارى} لأَن النصَّارى مقدَّمون على الصَّابئين فى الرُتْبة؛ لأَنهم أَهل الكتاب؛فقدَّمهم فى البقرة؛ والصَّابئون مقدَّمون على النصارى فى الزمان؛ لأَنهم كانوا قبلهم فقدَّمهم فى الحج، وراعى فى المائدة المعنيين؛ فقدَّمهم فى اللفظ، وأَخرهم فى التقدير؛ لأَن تقديره: والصّابئون كذلك؛ قال الشاعر:
فمن كان أَمسى بالمدينة رَحْلُه ... فإِنى وقَيَّارٌ بها لغرِيب
أَراد: إِنى لغريب بها وقيَّارٌ كذلك. فتأَمّل فيها وفى أَمثالها يظهر لك إِعجاز القرآن.
قوله {أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} وفى آلِ عمران {أَيَّاماً مَّعْدُودَات} لأَنَّ الأَصل فى الجمع إِذا كان واحده مذكَّرا أَن يُقتصَر فى الوصف على التأنيث؛ نحو: سرر مرفوعة وأَكواب موضوعة. وقد يأتى سُرُر مرفوعات (على تقدير ثلاث سرر مرفوعة) وتسع سرر مرفوعات؛ إِلا أَنه ليس بالأَصل. فجاءَ فى البقرة على الأَصل، وفى آل عمران على الفرع.
وقوله: {فِي أَيَّاماً مَّعْدُودَات} أَى فى ساعات أَيام معدودات. وكذلك {فِي أَيَّاماً مَعْلُوْمَاتٍ} .
قوله {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} وفى الجُمُعة {وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ } لأَن دعواهم فى هذه السّورة بالغة قاطعة، وهى كون الجَنَّة لهم بصفة الخلوص، فبالغ فى الردّ عليهم بلَنْ، وهو أَبلغ أَلفاظ النفى، ودعواهم فى الجمعة قاصرة مترددة، وهى زعمهم أَنهم أَولياءُ الله، فاقتصر على (لا) .
قوله {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وفى غيرها {لاَ يَعْقِلُوْنَ} {لاَ يَعْلَمُوْنَ} لأَن هذه نزلت فيمَن نقض العهد من اليهود، ثم قال {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ؛ لأَن اليهود بين ناقض عهد، وجاحد حق، إِلا القليلَ، منهم عبدُ الله بن سَلاَم وأَصحابُه، ولم يأت هذان المعنيان معا فى غير هذه السُّورة.
قوله: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم} وفيها أَيضاً {مِنْ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم} فجعل مكان قوله: (الَّذى) (ما) وزاد (من) ؛ لأَنَّ العلم فى الآية الأُولى عِلْم بالكمال، وليس وراءَه علم؛ لأَنَّ معناه: بعد الذى جاءَك من العلم بالله، وصفاته، وبأَنّ الهدى هدى اللهِ، ومعناه: بأَنَّ دين الله الإِسلام؛ وأَنَّ الْقرآن كلام الله، (وكان) لفظ (الذى) أَليق به من لفظ (ما) لأَنه فى التعريف أَبلغ؛ وفى الوصف أَقعد؛ لأَن (الذى) تعرِّفه صلتُه، فلا ينكَّر قطٌّ، ويتقدَّمه أَسماء الإِشارة؛ نحو قوله {أَمَّنْ هاذا الذي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} {أَمَّنْ هاذا الذي يَرْزُقُكُمْ} فيكتنف (الَّذى) بيانان: الإِشارةُ، والصلة، ويلزمُه الأَلِف واللاَّم، ويثنَّى ويُجمع.
وأَمَّا (ما) فليس له شىء من ذلك؛ لأَنه يتنكَّر مَرّة، ويتعرّف أُخرى، ولا يقع وصفاً لأَسماءِ الإِشارة، ولا يدخله الأَلِف واللام، ولا يثنَّى ولا يجمع. وخُصَّ الثَّانى بـ (ما) لأَنَّ المعنى: من بعد ما جاءَك من الْعلم بأَن قِبلة الله هى الكعبة، وذلك قليل من كثير من الْعلم. وزيدت معه (من) الَّتى لابتداءِ الْغاية؛ لأَن تقديره: من الوقت الذى جاءَك فيه الْعلم بالْقبلة؛ لأَن الْقبلة الأُولى نُسِخت بهذه الآية، وليس الأَوّل موقَّتاً بوقت.
وقال فى سورة الرّعد: {بَعْدَ مَا جَاءَكَ} فعَبَّر بلفظ (ما) ولم يزد (من) لأَن الْعلم هاهنا هو الْحكم الْعربىّ أَى الْقرآن، وكان بعضاً من الأَوّل، ولم يزد فيه (من) لأَنه غير موقَّت. وقريب من معنى الْقبلة ما فى آل عمران {مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم} فلهذا جاءَ بلفظ (ما) وزيد فيه (من) .
قوله: {واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} هذه الآية والَّتى قبلها متكررتان. وإِنما كُرِّرتا لأَن كل واحدة منهما صادفت معصية تقتضى تنبيهاً ووعظاً؛ لأَن كلّ واحدة منهما وقعت فى غير وقت الأُخرى.
قوله {رَبِّ اجعل هاذا بَلَداً آمِناً} وفى إِبراهيم {هاذا البلد آمِناً} لأَن (هذا) إِشارة إِلى المذكور فى قوله {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} قبل بناء الكعبة، وفى إِبراهيم إِشارة إلى البلد بعد البناء. فيكون (بلداً) فى هذه السُّورة المفعول الثانى (و (آمِنا) صفة؛ و (البلد) فى إِبراهيم المفعول الأَول و (آمنا) المفعول الثانى) و (قيل) : لأنَّ النكرة اذا تكرَّرت صارت معرفة.
وقيل: تقديره فى البقرة: هذا البلد (بلدا) آمناً، فحذف اكتفاءً بالإِشارة، فتكون الآيتان سواء.
قوله {وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا} فى هذه السُّورة وفى آل عمران (علينا) لأَنَّ (إِلى) للانتهاء إِلى الشىء من أَىّ جهة كان، والكُتُب منتهِية إِلى الأَنبياء، وإِلى أُمّتهم جميعاً، والخطاب فى هذه السُّورة للأُمَّة، لقوله تعالى: (قولوا) فلم يصحَّ إِلاَّ (إِلى) ؛ و (على) مختصّ بجانب الفَوْق، وهو مختصّ بالأَنبياء؛ لأَنَّ الكتب منزَّلة عليهم، لا شِركة للأُمة فيها. وفى آل عمران (قل) وهو مختصّ بالنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم دون أَمَّته؛ فكان الَّذى يليق به (على) وزاد فى هذه السُّورة (وما أُوتى) وحُذف من آل عمران (لأَنَّ) فى آل عمران قد تقدَّم ذكر الأَنبياء حيث قال {لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} .
قوله {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} كُرِّرت هذه الآية لأَن المراد بالأَول الأَنبياء، وبالثانى أَسلاف اليهود والنَّصارى. قال القَفَّال: الأَول لإِثبات مِلَّة إِبراهيم لهم جميعاً؛ والثانى لنفى اليهوديَّة والنصرانية عنهم.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-10-14, 08:30 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(14)
من صـــ 149 الى صـــ 156
قوله {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ} هذه الآية مكرَّرة ثلاث مرات. قيل: إِنَّ الأَولى لنسخ القبلة (والثانية للسبب، وهو قوله: {وَإِنَّهُ لِلْحَقِّ مِنْ رَبِّكَ} والثالثة للعلَّة، وهو قوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} .
وقيل: الأُولى فى مسجد المدينة، والثانية (خارج المسجد، والثالثة) خارج البلد. وقيل فى الآيات خروجان: خروج إِلى مكان تُرى فيه القبلة، وخروج إِلى مكان لا تُرى، أَىِ الحالتان فيه سواءَ. وقيل: إِنما كُرر لأَن المراد بذلك الحالُ والزمان والمكان. وفى الآية الأَولى [ {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} وليس فيها] {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} [وفى الآية الثانية {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} ] وليس فيها {حَيْثُ مَا كُنْتُمْ} فجمع فى الآية الثالثة بين قوله {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} وبين قوله {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} ليُعلم أَن النبى والمؤْمنين سواء.
قوله {إِلاَّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} ليس فى هذه السورة {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} وفى غيرها {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} لأَن قبله {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَاهُ} فلو أَعاد أَلْبَس.
قوله {لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} خص العقل بالذكر؛ لأَنه به يُتوصَّل إِلى معرفة الآيات. ومثله فى الرعد والنحل والنور والروم.
قوله {مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ} فى هذه السورة وفى المائدة ولقمان (ما وجدنا) لأَن أَلْفيت يتعدى إِلى مفعولين، تقول: أَلفيت زيداً قائماً، ووجدت يتعدى مرة إِلى مفعول واحد: وجدت الضالة؛ ومرة إِلى مفعولين: وجدت زيداً قائماً؛ فهو مشترك. وكان الموضع الأَول باللفظ الأَخصّ أَولى؛ لأَن غيره إّذا وقع موقعه فى الثانى والثالث عُلم أَنه بمعناه.
قوله {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً} وفى المائدة {لاَ يَعْلَمُوْنَ} لأَنَّ العِلم أَبلغ درجةً من العقل، ولهذا يوصف تعالى بالعلم، لا بالعقل؛ وكانت دعواهم فى المائدة أبلغ؛ لقولهم {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِءَابَآء َنَا} فادَّعَوا النهاية بلفظ (حَسْبنا) فنفى ذلك بالعلم وهو النِّهاية، وقال فى البقرة: {بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ} ولم يكن النِّهايةَ، فنفى بما هو دون العلم؛ ليكون كلُّ دعوَى منفيّة بما يلائمها.
قوله {وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} قدَّم (به) فى هذه السورة، وأَخّرها فى المائدة، والأَنعام، والنحل؛ لأَن تقديم الباءِ الأَصلُ؛ فإِنها تجرى مَجْرى الأَلِف والتشديدِ فى التَّعدِّى، وكان كحرف من الفعل، وكان الموضع الأَول أَوْلى بما هو الأَصل؛ ليُعلم ما يقتضيه اللفظُ، ثم قدم فيما سواها ما هو المُسْتنكر، وهو الذبح لغير الله، وتقديمُ ما هو الغرض أَولى. ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل، والحال على ذى الحال، والظرف على العامل فيه؛ إِذا كان (أَكثر فى) الغرض فى الإِخبار.
قوله {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (بالفاءِ وفى السور الثلاث بغير فاء) لأَنه لمّا قال فى الموضع الأَوّل: {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} صريحاً كان النفى فى غيره تضميناً؛ لأَنّ قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} يدلّ على أَنه لا إِثم عليه.
قوله {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، وفى الأَنعام {فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لأَن لفظ الرب تكرر فى الأَنعام (مرات ولأَن فى الأَنعام) قولَه {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جَنَّاتٍ} الآية وفيها ذكر الحُبُوب والثمار وأَتبعها بذكر الحيوان من الضأْن والمَعْز والإِبل والبقر وبها تربية الأَجسام (وكان) ذكر الرب بها أَليق.
قوله {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أولائك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار} الآية هنا على هذا النسق، وفى آل عمران {أولائك لاَ خَلاَقَ لَهُمْ} لأَنَّ المنْكَر فى هذه السّورة أَكثر، فالتوعد فيها أَكثر: وإِن شئت قلت: زاد فى آل عمران {وَلاَ يُنْظَرُ إِلَيْهِمْ} فى مقابلة {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ} .
قوله فى آية الوصيَّة {إِنَّ اللهَ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ} خُصَّ السَّمع بالذكر لما فى الآية من قوله {بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} ؛ ليكون مطابقاً. وقال فى الآية الأُخرى بعدها {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لقوله {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} فهو مطابق معنًى.
قوله {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} (قيد) بقوله (منكم) وكذلك {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} ولم يقيَّد فى قوله {وَمَنْ كَانَ مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ} اكتفى بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ} ؛ لاتَّصاله "به".
قوله {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا} ؛ وقال بعدها: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوْهَا} لأَن (حدود) الأَول نَهْى، وهو قوله: {وَلاَ تُبَاشِرُوْهُنّ َ} وما كان من الحدود نهياً أَمر بترك المقاربة، والحدّ الثَّانى أَمْر وهو بيان عدد الطلاق، بخلاف ما كان عليه العرب: من المراجعة بعد الطلاق من غير عدد، وما كان أَمراً أَمر بترك المجاوزة وهو الاعتداء.
قوله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة} جميع ما فى القرآن من السؤال وقع الجوابُ عنه بغير فاء إِلاَّ فى قوله {وَيَسْأَلُونك عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا} فَإِنَّه بالفاء؛ لأَن الأَجوبة فى الجميع كانت بعد السّؤال؛ وفى طه قبل السّؤال؛ فكأَنه قيل: إِن سُئِلْت عن الجبال فقل.
قوله {وَيَكُونَ الدين للَّهِ} فى هذه السّورة، وفى الأَنفال {كُلَُهُ للهِ} ؛ لأَن القتال فى هذه السُّورة مع أَهل مكَّة، وفى الأَنفال مع جميع الكفار، فقيّده بقوله (كلّه) .
قوله {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} وفى آل عمران {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} الآية وفى التوبة {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} الآية الأُولى للنبى والمؤمنين، والثانى للمؤمنين، والثالث للمجاهدين. قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدنيا والآخرة} وفى آخر السّورة {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} ومثله فى الأَنعام، لأَنّه لمَّا بيّن فى الأوّل مفعول التفكّر وهو قوله {فِي الدنيا والآخرة} حذفه ممّا بعده للعلم. وقيل (فى) متعلقه بقوله {يُبَيِّنُ الله} .
قوله {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات} بفتح التاء والثّانى بضمّها، لأَن الأَول من (نكحت) والثانى مِن (أنكحت) ، وهو يتعدّى إِلى مفعولين والمفعول الأَول فى الآية (المشركين) والثانى محذوف وهو (المؤمنات) أَى لا تُنكحوا المشركين النسّاء المؤمنات حتى يؤمنوا.
قوله {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ} أَجمعوا على تخفيفه إِلاَّ شاذّاً. وما فى غير هذه السورة فرئ بالوجهين، لأَن قبله {فَأَمْسِكُوهن} وقَبْل ذلك (فإِمساك) يقتضى ذلك التخفيف.
قوله {ذلك يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ} وفى الطَّلاق {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ} الكاف فى ذلك لمجرّد الخطاب، لا محلّ له من الإِعراب فجاز الاقتصار على التَّوحيد، وجاز إِجراؤه على عدد المخاطبين. ومثله {عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} . وقيل: حيث جاء مُوَحَّدا فالخطاب للنبىّ صلَّى الله عليه وسلم. وخُصَّ بالتَّوحيد فى هذه الآية لقوله: {مَنْ كَانَ مِنْكُمْ} ، وجُمع فى الطَّلاق لمّا لم يكن بعدُ (منكم) .
قوله {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بالمعروف} وقال فى الأُخرى {مِنْ مَعْرُوْفٍ} ؛ لأَن تقدير الأَوَّل فيما فعلن فى أَنفسهنّ (بأَمر الله وهو المعروف والثانى فيما فعلن فى أَنفسهنّ) من فعل من أَفعالهنَّ معروف، أَى جاز فعله شرعاً.
وقوله {وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم} ثمّ قال {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوْا} فكرّر تأْكيداً. وقيل ليس بتكرار؛ لأَن الأَوّل للجماعة، والثانى للمؤمنين. وقيل: كَرّره تكذيبا لمن زعم أَنَّ ذلك لم يكن بمشيئة الله.
قوله {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} بزيادة (من) موافقة لما بعدها؛ لأَن بعدها ثلاث آيات فيها (مِن) على التوالى؛ وهو قوله: {وَمَا تُنْفِقُوْا مِنْ خَيْرٍ} ثلاث مرات.
قوله {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} (يغفر) مقدَّم هنا، وفى غيرها إِلا فى المائدة؛ فإِنَّ فيها {يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} لأَنها نزلت فى حقِّ السارق والسارقة، وعذابُهما يقع فى الدنيا فقُدّم لفظ العذاب، وفى غيرها قدّم لفظ المغفرة رحمة منه سبحانَه، وترغيباً للعباد فى المسارعة إِلى موجِبات المغفرة، جَعلَنا منهم آمين.
فضل السورة
عن أَبى بُرَيدة عن أَبيه أَنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: "تعلَّموا البقرة؛ فإِن أَخذها بركة، وتركها حسرة، ولن يستطيعها البَطَلة". وقال صلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيطان لا يدخل بيتاً يُقرأُ فيه سورة البقرة" وعن عكرمة قال: أَول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة، مَنْ قَرأَها فى بيته نهاراً لم يدخل بيتَه شيطانٌ ثلاثة أَيّام. ومن قرأَها فى بيته ليلاً لم يدخله شيطان ثلاث ليال.
ورُوى أَنَّ من قرأَها كان له بكلّ حرف أَجرُ مرابِطٍ فى سبيل الله. وعن أَنس قال [كان] الرّجل إِذا قرأَ سورة البقرة جَدّ فينا، أَى عَظُم فى أَعيننا.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2021-10-14, 08:41 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(15)
من صـــ 157 الى صـــ 164
وعن ابن مسعود قال: كنا نعد من يقرأ سورة البقرة من الفحول. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتى على جماعة من شيوخ الصحابة كان يحسن سورة البقرة. وقال صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"يا على من قرأ سورة البقرة لا تنقطع عنه الرحمة ما دام حيا، وجعل الله البركة فى ماله: فإن فى تعلمها ألف بركة، وفى قراءتها عشرة آلاف بركة، ولا يتعاهدها إلا مؤمن من أهل الجنة، وله بكل آية قرأها ثواب شيث بن آدم عليهما السلام. فمن مات من يوم قرأها إلى مائة يوم مات شهيدا".
بصيرة فى الم. الله
من أسمائها سورة آل عمران، والسورة التى يذكر فيها آل عمران، والزهراء.
وعمران المذكور هو عمران والد موسى وهارون عليهما السلام وهو ابن يصهر بن فاهث بن لاوى بن يعقوب. وأما عمران والد مريم فهو ابن ماتان بن أسعراد بن أبى ثور.
وهذه السورة مدنية باتفاق جميع المفسرين. وكذلك كل سورة تشتمل على ذكر أهل الكتاب. وعدد آياتها مئتان بإجماع القراء.
وكلماتها ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانون. وحروفها أربعة عشر ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرون حرفا.
والآيات المختلف فيها سبع: الم، {الإنجيل} الثانى، {أنزل الفرقان} {ورسولا إلى بنى إسراءيل} ، {مما تحبون} ، {مقام إبراهيم} ، والإنجيل الأول فى قوله بعضهم.
مجموع فواصل آياتها (ل ق د اط ن ب م ر) يجمعها قولى: (لقد أطنب مر) والقاف آخر آية واحدة {ذوقوا عذاب الحريق} والهمز آخر ثلاث آيات {لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السمآء} {إنك سميع الدعاء} {كذلك الله يفعل ما يشآء} .
ومضمون السورة مناظرة وفد نجران، إلى نحو ثمانين آية من أولها، وبيان المحكم، والمتشابه، وذم الكفار، ومذمة الدنيا، وشرف العقبى، ومدح الصحابة، وشهادة التوحيد، والرد على أهل الكتاب، وحديث ولادة مريم، وحديث كفالة زكريا، ودعائه، وذكر ولادة عيسى، ومعجزاته، وقصة الحواريين، وخبر المباهلة، والاحتجاج على النصارى، ثم أربعون آية فى ذكر المرتدين، ثم ذكر خيانة علماء يهود، وذكر الكعبة، ووجوب الحج، واختيار هذه الأمة الفضلى، والنهى عن موالاة الكفار، وأهل الكتاب، ومخالفى الملة الإسلامية.
ثم خمس وخمسون آية فى قصة حرب أحد، وفى التخصيص، والشكوى من أهل المركز، وعذر المنهزمين، ومنع الخوض فى باطل المنافقين، (وتقرير قصة الشهداء، وتفصيل غزوة بدر الصغرى، ثم رجع إلى ذكر المنافقين) فى خمس وعشرين آية، والطعن على علماء اليهود، والشكوى منهم فى نقض العهد، وترك بيانهم نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور فى التوراة، ثم دعوات الصحابة، وجدهم فى حضور الغزوات، واغتنامهم درجة الشهادة. وختم السورة بآيات الصبر والمصابرة والرباط.
وأما الناسخ والمنسوخ فى هذه السورة فخمس آيات: {وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} . م بآية السيف ن {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} إلى تمام ثلاث آيات م {إلا الذين تابوا} ن نزلت فى الستة الذين ارتدوا ثم تابوا وأسلموا {اتقوا الله حق تقاته} {وجاهدوا في الله حق جهاده} م {فاتقوا الله ما استطعتم} ن.
وأما المتشابهات فقوله: {إن الله لا يخلف الميعاد} وفى آخرها {إنك لا تخلف الميعاد} فعدل من الخطاب إلى لفظ الغيبة فى أول السورة، واستمر على الخطاب فى آخرها؛ لأن ما فى أول السورة لا يتصل بالكلام الأول، كاتصال ما فى آخر السورة به؛ فإن اتصال قوله {إن الله لا يخلف الميعاد} بقوله {إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه} معنوى، واتصال قوله {إنك لا تخلف الميعاد} بقوله {ربنا وءاتنا ما وعدتنا} لفظى ومعنوى جميعا؛ لتقدم لفظ الوعد. ويجوز أن يكون الأول استئنافا، والآخر من تمام الكلام.
قوله {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله} كان القياس: فأخذناهم لكن لما عدل فى الآية الأولى إلى قوله {إن الله لا يخلف الميعاد} عدل فى هذه الآية أيضا لتكون الآيات على منهج واحد. قوله {شهد الله أنه لا إلاه إلا هو} ثم كرر فى آخر الآية، فقال: {لا إلاه إلا هو} لأن الأول جرى مجرى الشهادة، وأعاده ليجرى الثانى مجرى الحكم بصحة ما شهد به الشهود.
قوله {ويحذركم الله نفسه} كرره مرتين؛ لأنه وعيد عطف عليه وعيد آخر فى الآية الأولى، فإن قوله {وإلى الله المصير} معناه: مصيركم إليه، والعقاب معد له، فاستدركه فى الآية الثانية بوعد وهو قوله {والله رءوف بالعباد} والرأفة أشد من الرحمة.
قيل: ومن رأفته تحذيره.
قوله {قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} قدم فى السورة ذكر الكبر واخر ذكر المرأة، وقال فى سورة مريم {وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا} فقدم ذكر المرأة لأن فى مريم قد تقدم ذكر الكبر فى قوله {وهن العظم مني} ، وتأخر ذكر المرأة فى قوله {وإني خفت الموالي من ورآئي وكانت امرأتي عاقرا} ثم أعاد ذكرهما، فأخر ذكر الكبر ليوافق (عتيا) ما بعده من الآيات وهى (سويا) و (عشيا) و (صبيا) .
قوله {قالت رب أنى يكون لي ولد} وفى مريم {قالت أنى يكون لي غلام} لأن فى هذه السورة تقدم ذكر المسيح وهو ولدها، وفى مريم تقدم ذكر الغلام حيث قال {لأهب لك غلاما زكيا} .
قوله {فأنفخ فيه} وفى المائدة (فيها) قيل: الضمير فى هذه يعود إلى الطير، وقيل إلى الطين، وقيل إلى المهيأ، وقيل إلى الكاف فإنه فى معنى مثل. وفى المائدة يعود إلى الهيئة. وهذا جواب التذكير والتأنيث، لا جواب التخصيص، وإنما الكلام وقع فى التخصيص وهل يجوز أن يكون كل واحد منهما مكان الآخر أم لا.
فالجواب أن يقال: فى هذه السورة إخبار قبل الفعل، فوحده؛ وفى المائدة خطاب من الله له يوم القيامة، وقد سبق من عيسى عليه السلام الفعل مرات والطير صالح للواحد والجمع.
قوله {بإذن الله} ذكره هنا مرتين، وفى المائدة {بإذني} أربع مرات لأن ما فى هذه السورة من كلام عيسى، فما تصور أن يكون من قبل البشر أضافه إلى نفسه، وهو الخلق الذى معناه التقدير، والنفخ الذى هو إخراج الريح من الفم. وما [لا] يتصور أضافه إلى الله وهو قوله {فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص} مما [لا] يكون فى طوق البشر، فإن الأكمه عند بعض المفسرين الأعمش، وعند بعضهم الأعشى، وعند بعضهم من يولد أعمى، وإحياء الموتى من فعل الله فأضافه إليه.
وما فى المائدة من كلام الله سبحانه وتعالى، فأضاف جميع ذلك إلى صنعه إظهارا لعجز البشر، وأن فعل العبد مخلوق الله. وقيل (بإذن الله) يعود إلى الأفعال الثلاثة. وكذلك الثانى يعود إلى الثلاثة الأخرى.
قوله {إن الله ربي وربكم} وكذلك فى مريم و [فى] الزخرف فى هذه القصة {إن الله هو ربي وربكم} بزيادة (هو) قال تاج القراء إذا قلت: زيد قائم فيحتمل أن يكون تقديره: وعمرو قائم.
فإذا قلت زيد هو القائم خصصت القيام به، وهو كذلك فى الآية. وهذا مثاله لأن (هو) يذكر فى هذه المواضع إعلاما بأن المبتدأ مقصور على هذا الخبر (وهذا الخبر) مقصور عليه دون غيره والذى فى آل عمران وقع بعد عشر آيات نزلت فى قصة مريم وعيسى، فاستغنت عن التأكيد بما تقدم من الآيات، والدلالة على أن الله سبحانه وتعالى ربه وخالقه لا أبواه ووالده كما زعمت النصارى.
وكذلك فى سورة مريم وقع بعد عشرين آية من قصتها. وليس كذلك ما فى الزخرف فإنه ابتداء كلام منه فحسن التأكيد بقوله (هو) ليصير المبتدأ مقصورا على الخبر المذكور فى الآية وهو إثبات الربوبية ونفى الأبوة، تعالى الله عند ذلك علوا كبيرا.
قوله {بأنا مسلمون} فى هذه السورة، وفى المائدة {بأننا مسلمون} لأن ما فى المائدة أول كلام الحواريين، فجاء على الأصل، وما فى هذه السورة تكرار كلامهم فجاز فيه التخفيف (لأن التخفيف) فرع والتكرار فرع والفرع بالفرع أولى.
قوله {الحق من ربك فلا تكن} وفى البقرة {فلا تكونن} لأن ما فى هذه السورة جاء على الأصل، ولم يكن فيها ما أوجب إدخال نون التأكيد [فى الكلمة؛ بخلاف سورة البقرة فإن فيها فى أول القصة {فلنولينك قبلة ترضاها} ] بنون التأكيد فأوجب الازدواج إدخال النون فى الكلمة فيصير التقدير: فلنولينك قبلة ترضاها فلا تكونن من الممترين.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2021-10-14, 08:49 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(16)
من صـــ 165 الى صـــ 173
والخطاب فى الآيتين للنبى صلى الله عليه وسلم والمراد (به) غيره.
قوله {قل إن الهدى هدى الله} وفى البقرة {قل إن هدى الله هو الهدى} [الهدى] فى هذه السورة هو الدين، وقد تقدم فى قوله {لمن تبع دينكم} (وهدى الله الإسلام، وكأنه قال بعد قولهم {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} قل إن الدين عند الله الإسلام كما سبق فى أول السورة. والذى فى البقرة معناه القبلة لأن الآية نزلت فى تحويل القبلة، وتقديره أن قبلة الله هى الكعبة.
قوله {من آمن تبغونها عوجا} ليس هاهنا (به) ولا واو العطف وفى الأعراف {من آمن به وتبغونها عوجا} بزيادة (به) وواو العطف لأن القياس من آمن به، كما فى الأعراف؛ لكنها حذفت فى هذه السورة موافقة لقوله {ومن كفر} فإن القياس فيه أيضا (كفر به) وقوله {تبغونها عوجا} هاهنا حال والواو لا يزيد مع الفعل إذا وقع حالا، نحو قوله {ولا تمنن تستكثر} و {دابة الأرض تأكل} وغير ذلك، وفى الأعراف عطف على الحال؛ والحال قوله (توعدون) و (تصدون) عطف عليه؛ وكذلك {تبغونها عوجا} .
قوله: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} هاهنا بإثبات (لكم) وتأخير (به) وحذف (إن الله) وفى الأنفال بحذف (لكم) وتقديم (به) وإثبات (إن الله) لأن البشرى للمخاطبين؛ فبين وقال (لكم) وفى الأنفال قد تقدم لكم فى قوله {فاستجاب لكم} فاكتفى بذلك؛ وقدم (قلوبكم) وأخر (به) إزواجا (بين المخاطبين "فقال إلى بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به" وقدم "به" فى الأنفال إزدواجا) بين الغائبين فقال {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به} وحذف (إن الله) هاهنا؛ لأن ما فى الأنفال قصة بدر؛ وهى سابقة على ما فى هذه السورة، فإنها فى قصة أحد فأخبر هناك أن الله عزيز حكيم، فاستقر الخبر. وجعله فى هذه السورة صفة، لأن الخبر قد سبق.
قوله: {ونعم أجر العاملين} بزيادة الواو لأن الاتصال بما قبلها أكثر من غيرها. وتقديره: ونعم أجر العاملين المغفرة، والجنات، والخلود.
قوله {رسولا من أنفسهم} بزيادة الأنفس، وفى غيرها {رسولا منهم} لأن الله سبحانه من على المؤمنين به، فجعله من أنفسهم؛ ليكون موجب المنة أظهر. وكذلك قوله: {لقد جآءكم رسول من أنفسكم} لما وصفه بقوله: {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} جعله من أنفسهم ليكون موجب الإجابة والإيمان به أظهر، وأبين.
قوله {جآءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير} هاهنا بباء واحدة، إلا فى قراءة ابن عامر، وفى فاطر {بالبينات وبالزبر وبالكتاب} بثلاث باءات؛ لأن ما فى هذه السورة وقع فى كلام مبنى على الاختصار، وهو إقامة لفظ الماضى فى الشرط مقام لفظ المستقبل، ولفظ الماضى أخف، وبناء الفعل بالمجهول، فلا يحتاج إلى ذكر الفاعل. وهو قوله: {فإن كذبوك فقد كذب} . [ثم] حذف الباءات ليوافق الأول فى الاختصار بخلاف ما فى فاطر فإن الشرط فيه بلفظ المستقبل والفاعل مذكور مع الفعل وهو قوله: {وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم} ثم ذكر بعده الباءات؛ ليكون كله على نسق واحد.
قوله: {ثم مأواهم جهنم} وفى غيره: {ومأويهم جهنم} لأن ما قبله فى هذه السورة {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل} (أى ذلك متاع فى الدنيا قليل) ، والقليل يدل على تراخ وإن صغر وقل، و (ثم) للتراخى وكان موافقا. والله أعلم.
فضل السورة
عن النبى صلى الله عليه وسلم: "تعلموا البقرة وآل عمران؛ فإنهما الزهراوان، وإنهما يأتيان يوم القيامة فى صورة ملكين، يشفعان لصاحبهما، حتى يدخلاه الجنة" وتقدم فى البقرة (يأتيان كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف، يظلان قارئهما، ويشفعان) ويروى بسند ضعيف: من قرأ سورة آل عمران أعطى بكل آية منها أمانا على جسر جهنم، يزوره فى كل جمعة آدم ونوح وإبراهيم وآل عمران، يغبطونه بمنزلته من الله، وحديث على (رفعه) : من قرأها لا يخرج من الدنيا حتى يرى ربه فى المنام؛ ذكر فى الموضوعات.
بصيرة فى.. يأيها الناس اتقوا ربكم
هذه السورة مدنية بإجماع القراء.
وعدد آياتها مائة وخمس وسبعون، فى عد الكوفى، وست فى عد البصرى، وسبع فى عد الشامى.
وكلماتها ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وأربعون. وحروفها ستة عشر ألفا وثلاثون حرفا.
والآيات المختلف فيها {أن تضلوا السبيل} ، {عذابا أليما} .
مجموع فواصل الآيات (م ل ان) يجمعها قولك (ملنا) فعلى اللام آية واحدة (السبيل) وعلى النون آية واحدة (مهين) وخمس آيات منها على الميم المضمومة، وسائر الآيات على الألف.
واسم السورة سورة النساء الكبرى، واسم سورة الطلاق سورة النساء الصغرى.
وأما ما اشتملت عليه السورة مجملا فبيان خلقة آدم وحواء، والأمر [بصلة] الرحم، والنهى عن أكل مال اليتيم، وما يترتب عليه من عظم الإثم، والعذاب لآكليه، وبيان المناكحات، وعدد النساء، وحكم الصداق، وحفظ المال من السفهاء، وتجربة اليتيم قبل دفع المال إليه، والرفق بالأقارب وقت قسمة الميراث، وحكم ميراث أصحاب الفرائض، وذكر ذوات المحارم، وبيان طول الحرة، وجواز التزوج بالأمة، والاجتناب عن الكبائر، وفضل الرجال على النساء، وبيان الحقوق،
وحكم السكران وقت الصلاة، وآية التيمم، وذم اليهود، وتحريفهم التوراة، ورد الأمانات إلى أهلها، وصفة المنافقين فى امتناعهم عن قبول أوامر القرآن، والأمر بالقتال، ووجوب رد السلام، والنهى عن موالاة المشركين، وتفصيل قتل العمد والخطأ، وفضل الهجرة، ووزر المتأخرين عنها، والإشارة إلى صلاة الخوف حال القتال، والنهى عن حماية الخائنين، وإيقاع الصلح بين الأزواج والزوجات، وإقامة الشهادات، ومدح العدل، وذم المنافقين، وذم اليهود، وذكر قصدهم قتل عيسى عليه السلام، وفضل الراسخين فى العلم، وإظهار فساد اعتقاد النصارى، وافتخار الملائكة والمسيح بمقام العبودية، وذكر ميراث الكلالة،
والإشارة إلى أن الغرض من بيان الأحكام صيانة الخلق من الضلالة، فى قوله {يبين الله لكم أن تضلوا} أى كراهة أن تضلوا. وأما الناسخ والمنسوخ فى هذه السورة ففى أربع وعشرين آية {وإذا حضر القسمة} م {يوصيكم الله في أولادكم} ن {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم} الآية م {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} ن {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} م {قل إصلاح لهم خير}
ن {واللاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم} م (الثيب بالثيب) ن {واللذان يأتيانها منكم} م {الزانية والزاني فاجلدوا} ن {إنما التوبة على الله} بعض الآية م {وليست التوبة للذين يعملون السيئات} ن والآيتان مفسرتان بالعموم والخصوص {لا يحل لكم أن ترثوا النسآء كرها} م والاستثناء فى قوله {إلا ما قد سلف} ن وقيل الآية محكمة {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض مآ آتيتموهن} م والاستثناء فى قوله {إلا أن يأتين بفاحشة} ن {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النسآء} م والاستثناء فى قوله: {إلا ما قد سلف} ن وقيل الآية محكمة {وأن تجمعوا بين الأختين} م والاستثناء منه ن فيما مضى {فما استمتعتم به منهن} م {والذين هم لفروجهم حافظون} وقول النبى صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنى حرمت المتعة" ن {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} م {ليس على الأعمى حرج} ن أراد مؤاكلتهم {والذين عقدت أيمانكم} م {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} ن {فأعرض عنهم وعظهم} م آية السيف
ن {واستغفر لهم الرسول} م {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} ن {خذوا حذركم} م {لينفروا كآفة} ن {فمآ أرسلناك عليهم حفيظا} م آية السيف ن {ستجدون آخرين} م {فاقتلوا المشركين} ن {فإن كان من قوم عدو لكم} م {برآءة من الله} ن {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} م {إن الله لا يغفر أن يشرك به} ن وقوله {والذين لا يدعون} إلى قوله {ومن تاب} ن {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} م {إلا الذين تابوا} ن {فما لكم في المنافقين فئتين} وقوله {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} م آية السيف ن.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2021-12-06, 04:30 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(17)
من صـــ 173 الى صـــ 181
المتشابهات فى هذه السورة:
{والله عليم حليم} ليس غيره أى عليم بالمضارة، حليم عن المضارة.
قوله: {خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} بالواو، وفى براءة (ذلك) بغير واو، لأن الجملة إذا وقعت بعد أجنبية لا تحسن إلا بحرف العطف. وإن كان بالجملة الثانية ما يعود إلى الجملة الأولى حسن إثبات حرف العطف، وحسن الحذف؛ اكتفاء بالعائد. ولفظ (ذلك) فى الآيتين يعود إلى ما قبل الجملة، فحسن الحذف والإثبات فيهما. ولتخصيص هذه السورة بالواو وجهان لم يكونا فى براءة: أحدهما موافقة ما قبلها، وهى جملة مبدوءة بالواو، وذلك قوله {ومن يطع الله} ؛ والثانى موافقة ما بعدها، وهو قوله: (وله) بعد قوله: {خالدا فيها} وفى براءة [أوعد] أعداء الله بغير واو، ولذلك قال (ذلك) بغير واو.
وقوله: {محصنين غير مسافحين} فى أول السورة، وبعدها {محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان} وفى المائدة {محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} لأن ما فى أول السورة وقع فى حق الأحرار المسلمين، فاقتصر على لفظ {غير مسافحين} والثانية فى الجوارى، وما فى المائدة فى الكتابيات فزاد {ولا متخذي أخدان} حرمة للحرائر المسلمات، ولأنهن إلى الصيانة أقرب، ومن الخيانة أبعد، ولأنهن لا يتعاطين ما يتعاطاه الإماء والكتابيات من اتخاذ الأخدان.
قوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} فى هذه السورة وزاد فى المائدة (منه) لأن المذكور فى هذه بعض أحكام الوضوء والتيمم، فحسن الحذف؛ والمذكور فى المائدة جميع أحكامهما، فحسن الإثبات والبيان.
قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} ختم الآية مرة بقوله (فقد افترى) ومرة بقوله (فقد ضل) لأن الأول نزل فى اليهود، وهم الذين افتروا على الله ما ليس فى كتابهم، والثانى نزل فى الكفار، ولم يكن لهم كتاب فكان ضلالهم أشد.
قوله {يا أيهآ الذين أوتوا الكتاب} وفى غيرها (يأهل الكتاب) لأنه سبحانه استخف بهم فى هذه الآية، وبالغ، ثم ختم بالطمس، ورد الوجوه على الأدبار، واللعن، وأنها كلها واقعة بهم.
قوله {درجة} ثم فى الاية الأخرى {درجات} لأن الأولى فى الدنيا والثانية فى الجنة. وقيل: الأولى بالمنزلة، والثانية بالمنزل. وهى درجات. وقيل: الأولى على القاعدين بعذر، والثانية على القاعدين بغير عذر.
قوله: {ومن يشاقق الرسول} بالإظهار هنا وفى الأنفال، وفى الحشر بالإدغام، لأن الثانى من المثلين إذا تحرك بحركة لازمة وجب إدغام الأول فى الثانى؛ ألا ترى أنك تقول اردد بالإظهار، ولا يجوز ارددا وارددوا وازددى، لأنها تحركت بحركة لازمة (والألف واللام فى "الله" لازمتان، فصارت حركة القاف لازمة) و (ليس) الألف واللام فى الرسول كذلك. وأما فى الأنفال فلانضمام (الرسول) إليه فى العطف لم يدغم؛ لأن التقدير فى القاف أن قد اتصل بهما؛ فإن الواو يوجب ذلك.
قوله {كونوا قوامين بالقسط شهدآء لله} ، وفى المائدة: {قوامين لله شهدآء بالقسط} لأن (الله) فى هذه السورة متصل ومتعلق بالشهادة، بدليل قوله: {ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} أى ولو تشهدون عليهم، وفى المائدة متصل ومتعلق بقوامين، والخطاب للولاة بدليل قوله: {ولا يجرمنكم شنئان قوم} الآية.
قوله: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه} وفى الأحزاب {إن تبدوا شيئا} لأن هنا وقع الخير فى مقابلة السوء فى قوله: {لا يحب الله الجهر بالسوء} والمقابلة اقتضت أن يكون بإزاء السوء الخير، وفى الأحزاب بعد (ما فى قلوبهم) فاقتضى العموم، وأعم الأسماء شىء. ثم ختم الآية بقوله: {فإن الله كان بكل شىء عليما} .
قوله: {وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض} وباقى ما فى هذه السورة {ما في السماوات وما في الأرض} لأن الله سبحانه ذكر أهل الأرض فى هذه الآية تبعا لأهل السماوات، ولم يفردهم بالذكر لانضمام المخاطبين إليهم ودخولهم فى زمرتهم وهم كفار عبدة الأوثان، وليسوا المؤمنين ولا من أهل الكتاب لقوله {وإن تكفروا} فليس هذا قياسا مطردا بل علامة.
قوله {ويستفتونك في النسآء} بواو العطف وقال فى آخر السورة {يستفتونك} بغيرواو، لأن الأول لما اتصل بما بعده وهو قوله: {في النسآء} وصله بما قبله بواو العطف والعائد جميعا، والثانى لما انفصل عما بعده اقتصر من الاتصال على العائد وهو ضمير المستفتين و [ليس] فى الآية متصل بقوله: {يستفتونك} لأن ذلك يستدعى: قل الله يفتيكم فيها أى فى الكلالة، والذى يتصل بيستفتونك محذوف، يحتمل أن يكون (فى الكلالة) ، ويحتمل أن يكون فيما بدالهم من الوقائع.
فضل السورة
روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة النساء فكأنما تصدق على كل من ورث ميراثا، وأعطى من الأجر كمن اشترى محررا، وبرئ من الشرك، وكان فى مشيئة الله من الذين يتجاوز عنهم. وعنه صلى الله عليه وسلم من قرأ هذه السورة كان له بعدد كل امرأة خلقها الله قنطارا من الأجر، وبعددهن حسنات ودرجات، وتزوج بكل حرف منها زوجة من الحور العين. ويروى: يا على، من قرأ سورة النساء كتب له مثل ثواب حملة العرش، وله بكل آية قرأها مثل ثواب من يموت فى طريق الجهاد.
هذه الأحاديث ضعيفة جدا وبالموضوعات أشبه والله أعلم.
بصيرة فى.. يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود
اعلم أن هذه السورة مدنية بالإجماع سوى آية واحدة {اليوم أكملت لكم دينكم} فإنها نزلت يوم عرفة فى الموقف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكب على ناقته العضباء، فسقطت الناقة على ركبتيها من ثقل الوحى، وشرف الآية.
عدد آياتها مائة وعشرون فى عد الكوفى، واثنتان وعشرون فى عد الحجاز والشأم، وثلاث وعشرون فى عد البصرى.
وكلماتها ألفان وثمان مائة وأربع، وحروفها أحد عشر ألفا، وتسع مائة وثلاثة وثلاثون حرفا.
المختلف فيها ثلاث: العقود، {ويعفوا عن كثير} ، {فإنكم غالبون} .
وفواصل آياتها (ل م ن د ب ر) يجمعها (لم ندبر) اللام فى ثلاث كلها سبيل.
واسمها سورة المائدة، لاشتمالها على قصة نزول المائدة من السماء، وسورة الأحبار؛ لاشتمالها على ذكرهم فى قوله: {والربانيون والأحبار} وقوله: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} .
وجملة مقاصد السورة المشتملة عليها: الأمر بوفاء العهود، وبيان ما أحله الله تعالى من البهائم، وذكر تحريم المحرمات، وبيان إكمال الدين، وذكر الصيد، والجوارح، وحل طعام أهل الكتاب، وجواز نكاح المحصنات منهن، وتفصيل الغسل، والطهارة، والصلاة، وحكم الشهادات، والبينات وخيانة أهل الكتاب القرآن، ومن أنزل عليه، وذكر المنكرات من مقالات النصارى، وقصة بنى إسرائيل مع العمالقة، وحبس الله تعالى إياهم فى التيه بدعاء بلعام، وحديث قتل قابيل أخاه هابيل، وحكم قطاع الطريق، وحكم السرقة، وحد السراق، وذم أهل الكتاب، وبيان نفاقهم، وتجسسهم وبيان الحكم بينهم، وبيان القصاص فى الجراحات، وغيرها، والنهى عن موالاة اليهود والنصارى، والرد على أهل الردة، وفضل الجهاد، وإثبات ولاية الله ورسوله للمؤمنين، وذم اليهود (فى) قبائح أقوالهم، وذم النصارى بفاسد اعتقادهم، وبيان كمال عداوة الطائفتين للمسلمين، ومدح أهل الكتاب الذين قدموا من الحبشة، وحكم اليمين، وكفارتها، وتحريم الخمر، وتحريم الصيد على المحرم، والنهى عن السؤالات الفاسدة،وحكم شهادات أهل الكتاب، وفصل الخصومات، ومحاورة الأمم رسلهم فى القيامة، وذكر معجزات عيسى، ونزول المائدة، وسؤال الحق تعالى إياه فى القيامة تقريعا للنصارى، وبيان نفع الصدق يوم القيامة للصادقين.
الناسخ والمنسوخ:
فى هذه السورة تسع آيات {لا تحلوا شعآئر الله} م [ {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ن {إنما جزآء الذين يحاربون الله ورسوله} م] {إلا الذين تابوا} ن للعموم {فإن جآءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} م {وأن احكم بينهم} ن للتخيير: وقيل: هى محكمة {ما على الرسول إلا البلاغ} م آية السيف ن {عليكم أنفسكم} م آخر الآية ن جمع فيها الناسخ [والمنسوخ] وهى من نوادر آيات القرآن {شهادة بينكم} فى السفر من الدين م {وأشهدوا ذوي عدل منكم} ن نسخت لشهاداتهم فى السفر والحضر {فإن عثر} م ذوى عدل منكم ن {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة} م شهادة أهل الإسلام ن.
المتشابهات:
قوله {واخشون اليوم} بحذف الياء، وكذلك {واخشون ولا تشتروا} وفى البقرة وغيرها {واخشونى} بإثبات الياء، لأن الإثبات هو الأصل، وحذف و {واخشون اليوم} من الخط لما حذف من اللفظ، وحذف {واخشون} و (لا) موافقة لما قبها.
قوله: {واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور} ثم أعاد فقال: {واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} لأن الأول وقع على النية، وهى ذات الصدور، والثانى على العمل. وعن ابن كثير أن الثانية نزلت فى اليهود، وليس بتكرار.
قوله: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم} وقال فى الفتح {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} وقع ما فى هذه السورة موافقة لفواصل الآى، ونصب ما فى الفتح موافقة للفواصل أيضا، ولأنه مفعول (وعد) ، وفى مفعول (وعد) فى هذه السورة أقوال: أحدها محذوف دل عليه (وعد) ، خلاف ما دل عليه أوعد أى خيرا. وقيل: محذوف، وقوله: {لهم مغفرة} تفسيره. وقيل: {لهم مغفرة} جملة وقعت موقع المفرد، ومحلها نصب، كقول الشاعر:
وجدنا الصالحين لهم جزاء ... وجنات وعينا سلسبيلا
فعطف (جنات) على (لهم جزاء) . وقيل: رفع على الحكاية، لأن الوعد قول؛ وتقديره قال الله: لهم مغفرة. وقيل: تقديره: أن لهم مغفرة، فحذف (أن) فارتفع ما بعده.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-12-06, 04:38 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(18)
من صـــ 181 الى صـــ 188
قوله: {يحرفون الكلم عن مواضعه} وبعده {يحرفون الكلم من بعد مواضعه} لأن الأولى فى أوائل اليهود، والثانية فيمن كانوا فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، أى حرفوها بعد أن وضعها الله مواضعها، وعرفوها وعملوا بها زمانا.
قوله: {ونسوا حظا مما ذكروا به} كرر لأن الأولى [فى اليهود] والثانية فى حق النصارى. والمعنى: لن ينالوا منه نصيبا. وقيل: معناه: تركوا بعض ما أمروا به.
قوله: {يا أهل الكتاب قد جآءكم رسولنا يبين لكم} ثم كررها، فقال: {يا أهل الكتاب} لأن الأولى نزلت فى اليهود حين كتموا (صفات النبى صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم من التوراة، والنصارى حين كتموا) بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم فى الإنجيل، وهو قوله: {يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} ثم كرر فقال: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} فكرر {يا أهل الكتاب قد جآءكم رسولنا يبين لكم} أى شرائعكم فإنكم على ضلال لا يرضاه الله، {على فترة من الرسل} أى على انقطاع منهم ودروس مما جاءوا به.
قوله: {ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشآء} ،ثم كرر فقال: {ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير} لأن الأولى نزلت فى النصارى حين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم، فقال: ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ليس فيهما معه شريك، ولو كان عيسى إلها لاقتضى أن يكون معه شريكا، ثم من يذب عن المسيح وأمه وعمن فى الأرض جميعا إن أراد إهلاكهم، فإنهم مخلوقون له، وإن قدرته شاملة عليهم، وعلى كل ما يريد بهم. والثانية نزلت فى اليهود والنصارى حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه فقال: ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما، والأب لا يملك ابنه ولا يعذبه، وأنتم مصيركم إليه، فيعذب من يشاء منكم، ويغفر لمن يشاء.
قوله: {وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا} وقال فى سورة إبراهيم {وإذ قال موسى لقومه اذكروا} لأن تصريح اسم المخاطب مع حرف الخطاب يدل على تعظيم المخاطب به و [لما] كان ما فى هذه السورة نعما جساما ما عليها من مزيد وهو قوله {جعل فيكم أنبيآء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين} صرح، فقال: يا قوم، ولموافقة ما قبله وما بعده من النداء وهو {ياقوم ادخلوا} {ياموسى إن فيها} {ياموسى إنا} ولم يكن ما فى إبراهيم بهذه المنزلة فاقتصر على حرف الخطاب.
قوله: {ومن لم يحكم بمآ أنزل الله} كرره ثلاث مرات، وختم الأولى بقوله: الكافرون، والثانية بقوله: الظالمون، والثالثة بقوله: الفاسقون، قيل: لأن الأولى نزلت فى حكام المسلمين، والثانية فى اليهود، والثالثة فى النصارى. وقيل: الكافر والظالم والفاسق كلها بمعنى واحد، وهو الكفر، عبر عنه بألفاظ مختلفة؛ لزيادة الفائدة، واجتناب صورة التكرار. وقيل: ومن لم يحكم بما أنزل الله إنكارا له فهو كافر، ومن لم يحكم بالحق جهلا وحكم بضده فهو فاسق، ومن لم يحكم بالحق مع اعتقاده وحكم بضده فهو ظالم، وقيل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمة الله، ظالم فى حكمه، فاسق فى فعله.
قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} كرر لأن النصارى اختلفت أقوالهم، فقالت اليعقوبية: الله تعالى ربما تجلى فى بعض الأزمان فى شخص، فتجلى يومئذ فى شخص عيسى، فظهرت منه المعجزات، وقالت الملكانية الله اسم يجمع أبا وابنا وروح القدس، اختلف بالأقانيم والذات واحدة. فأخبر الله عز وجل أنهم كلهم كفار.
قوله: {لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} ذكر فى هذه السورة هذه الخلال جملة؛ لأنها أول ما ذكرت، ثم فصلت.
فضل السورة
عن ابن عمر أنه قال: نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على راحلته، فلم يستطع أن تحمله، حتى نزل عنها. ويروى بسند ضعيف: من قرأ هذه السورة أعطى من الأجر بعدد كل يهودى ونصرانى فى دار الدنيا عشر حسنات، ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات. وفى رواية: من قرأ هذه السورة أعطى بكل يهودى ونصرانى على وجه الأرض ذرات، بكل ذرة منها حسنة، ودرجات كل درجة منها أوسع من المشرق إلى المغرب سبعمائة ألف ألف؛ ضعيف. ويروى أنه قال: يا على من قرأ سورة المائدة شفع له عيسى، وله من الأجر مثل أجور حواريى عيسى، ويكتب له بكل آية قرأها مثل ثواب عمار بيت المقدس.
بصيرة فى.. الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض
هذه السورة مكية، سوى ست آيات منها: {وما قدروا الله حق قدره} إلى آخر ثلاث آيات {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم} إلى آخر ثلاث آيات. هذه الآيات الست نزلت بالمدينة فى مرتين، وباقى السورة نزلت بمكة دفعة واحدة.
عدد آياتها مائة وخمس وستون آية عند الكوفيين، وست عند البصريين والشأميين، وسبع عند الحجازى.
وعدد كلماتها ثلاثة آلاف واثنتان وخمسون كلمة وعدد حروفها اثنا عشر ألفا ومائتان وأربعون.
والمختلف فيها أربع آيات {الظلمات والنور} {بوكيل} {كن فيكون} {إلى صراط مستقيم} .
فواصل آياتها (ل م ن ظ ر) يجمعها (لم نظر) .
ولهذه السورة اسمان: سورة الأنعام، لما فيه من ذكر الأنعام مكررا {وقالوا هاذه أنعام وحرث} {ومن الأنعام حمولة وفرشا} {وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} ، وسورة الحجة؛ لأنها مقصورة على ذكر حجة النبوة. وأيضا تكررت فيه الحجة {وتلك حجتنآ آتيناهآ إبراهيم} {قل فلله الحجة البالغة} .
مقصود السورة على سبيل الإجمال، ما اشتمل على ذكره: من تخليق السماوات والأرض، وتقدير النور والظلمة، وقضاء آجال الخلق، والرد على منكرى النبوة، وذكر إنكار الكفار فى القيامة، وتمنيهم الرجوع إلى الدنيا، وذكر تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المكذبين، وإلزام الحجة على الكفار، والنهى عن إيذاء الفقراء، واستعجال الكفار بالعذاب، واختصاص الحق تعالى بالعلم المغيب، وقهره، وغلبته على المخلوقات، والنهى عن مجالسة الناقضين ومؤانستهم، وإثبات البعث والقيامة، وولادة الخليل عليه السلام، وعرض الملكوت عليه، واستدلاله، حال خروجه من الغار، ووقوع نظره على الكواكب، والشمس، والقمر، ومناظرة قومه، وشكاية أهل الكتاب، وذكرهم حالة النزع، وفى القيامة، وإظهار برهان التوحيد ببيان البدائع والصنائع،والأمر بالإعراض عن المشركين، والنهى عن سب الأصنام، وعبادها، ومبالغة الكفار فى الطغيان، والنهى عن أكل ذبائح الكفار، ومناظرة الكفار، ومحاورتهم فى القيامة، وبيان شرع عمرو بن لحى فى الأنعام بالحلال والحرام، وتفصيل محرمات الشريعة الإسلامية، ومحكمات آيات القرآن، والأوامر والنواهى من قوله تعالى {قل تعالوا} إلى آخر ثلاث آيات، وظهور أمارات القيامة، وعلاماتها فى الزمن الأخير، وذكر جزاء الإحسان الواحد بعشرة، وشكر الرسول على تبريه من الشرك، والمشركين، ورجوعه إلى الحق فى محياه ومماته، وذكر خلافة الخلائق، وتفاوت درجاتهم، وختم السورة بذكر سرعة عقوبة الله لمستحقيها، ورحمته، ومغفرته لمستوجبيها، بقوله {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} .
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-12-06, 04:45 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(19)
من صـــ 189 الى صـــ 195
الناسخ والمنسوخ
الآيات المنسوخة فى السورة أربع عشرة آية {إني أخاف إن عصيت ربي} م {ليغفر لك الله} ن {قل لست عليكم بوكيل} م آية السيف ن {وإذا رأيت الذين يخوضون} إلى قوله {وما على الذين يتقون} م {فلا تقعدوا معهم} ن {وذر الذين اتخذوا دينهم} م {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} ن {قل الله ثم ذرهم} م آية السيف ن {فمن أبصر فلنفسه} م آية السيف ن {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله} م آية السيف ن {فذرهم وما يفترون} م آية السيف ن {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} م {اليوم أحل لكم الطيبات} ن {اعملوا على مكانتكم} م آية السيف ن {إن الذين فرقوا دينهم} م آية السيف ن.
المتشابهات
قوله: {فقد كذبوا بالحق لما جآءهم فسوف يأتيهم أنباء} وفى الشعراء {فقد كذبوا فسيأتيهم} لأن سورة الأنعام متقدمة فقيد التكذيب بقوله: {بالحق لما جآءهم} ثم قال: {فسوف يأتيهم} على التمام، وذكر فى الشعراء {فقد كذبوا} مطلقا؛ لأن تقييده فى هذه السورة يدل عليه، ثم اقتصر على السين هناك بد (فسوف) ليتفق اللفظان فيه على الاختصار.
قوله {ألم يروا كم أهلكنا} فى بعض المواضع بغير واو؛ كما فى هذه السورة، وفى بعضها بالواو، وفى بعضها بالفاء؛ هذه الكلمة تأتى فى القرآن على وجهين: أحدهما متصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة، فذكره بالألف والواو، ليدل الألف على الاستفهام، والواو على عطف جملة على جملة قبلها، وكذا الفاء، ولكنها أشد اتصالا بما قبلها، والثانى متصل بما الاعتبار فيها بالاستدلال، فاقتصر على الألف دون الواو والفاء، ليجرى مجرى الاستئناف؛ ولا ينقص هذا الأصل قوله {ألم يروا إلى الطير} فى النحل؛ لاتصالها بقوله {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم} وسبيله الاعتبار بالاستدلال، فبنى عليه {ألم يروا إلى الطير} .
قوله {قل سيروا في الأرض [ثم انظروا} فى هذه السورة فحسب. وفى غيرها: {سيروا في الأرض] فانظروا} لأن ثم للتراخى، والفاء للتعقيب، وفى هذه السورة تقدم ذكر القرون فى قوله {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} ثم قال {وأنشأنا من بعدهم قرناءاخرين} فأمروا باستقراء الديار، وتأمل الآثار، وفيها كثرة فيقع ذلك (فى) سير بعد سير، وزمان بعد زمان، فخصت بثم الدالة على التراخى بعد الفعلين، ليعلم أن السير مأمور به على حدة؛ ولم يتقدم فى سائر السور مثلها، فخضت بالفاء الدالة على التعقيب.
قوله {الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} ليس بتكرار لأن الأول فى حق الكفار، (والثانى) فى حق أهل الكتاب.
قوله {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه [لا يفلح الظالمون} وقال فى يونس (فمن) بالفاء، وختم الآية بقوله {إنه] لا يفلح المجرمون} لأن الآيات التى تقدمت فى هذه السورة عطف بعضها على بعض بالواو، وهو قوله {وأوحي إلي هاذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ... وإنني بريء} ثم قال: {ومن أظلم} وختم الآية بقوله: {الظالمون} ليكون آخر الآية [موافقا للأول. وأما فى سورة يونس فالآيات التى تقدمت عطف بعضها على بعض بالفاء وهو قوله: {فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون} ثم قال: فمن أظلم (بالفاء وختم الآية] بقوله: {المجرمون} أيضا موافقة لما قبلها وهو قوله: {كذلك نجزي القوم المجرمين} فوصفهم بأنهم مجرمون، وقال بعده {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم} فختم الآية بقوله: المجرمون ليعلم أن سبيل (هؤلاء سبيل) من تقدمهم.
قوله: {ومنهم من يستمع إليك} وفى يونس {يستمعون} لأن ما فى هذه السورة نزل فى أبى سفيان، والنضر بن الحارث، وعتبة، وشيبة، وأمية، وأبى بن خلف، فلم يكثروا ككثرة قوله (من) فى يونس لأن المراد بهم جميع الكفار، فحمل هاهنا مرة على لفظ (من) فوحد؛لقلتهم، ومرة على المعنى، فجمع؛ لأنهم وإن قلوا جماعة. وجمع ما فى يونس ليوافق اللفظ المعنى. وأما قوله فى يونس: {ومنهم من ينظر إليك} فسيأتى فى موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله: {ولو ترى إذ وقفوا على النار} ثم أعاد فقال: {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} لأنهم أنكروا النار فى القيامة، وأنكروا الجزاء والنكال، فقال فى الأولى: {إذ وقفوا على النار} ، وفى الثانية {على ربهم} أى جزاء ربهم ونكاله فى النار، وختم بقوله: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} .
قوله: {إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين} ليس غيره. وفى غيرها بزيادة (نموت ونحيا) لأن ما فى هذه السورة عند كثير من المفسرين متصل بقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ولم يقولوا ذلك، بخلاف ما فى سائر السور؛ فإنهم قالوا ذلك؛ فحكى الله تعالى عنهم.
قوله: {وما الحياة الدنيآ إلا لعب ولهو} قدم اللعب على اللهو فى موضعين هنا، وكذلك فى القتال، والحديد، وقدم اللهو على اللعب فى الأعراف، والعنكبوت، وإنما قدم اللعب فى الأكثر لأن اللعب زمانه الصبا واللهو زمانه الشباب، وزمان الصبا مقدم على زمان الشباب. يبينه ما ذكر فى الحديد {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب} كلعب الصبيان {ولهو} كلهو الشبان {وزينة} كزينة النسوان {وتفاخر} كتفاخر الإخوان {وتكاثر} كتكاثر السلطان. وقريب من هذا فى تقديم لفظ اللعب على اللهو قوله {وما بينهما لاعبين لو أردنآ أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنآ} وقدم اللهو فى الأعراف لأن ذلك فى القيامة، فذكر على ترتيب ما انقضى، وبدأ بما به الإنسان انتهى من الحالتين. وأما العنكبوت فالمراد بذكرها زمان الدنيا، وأنه سريع الانقضاء، قليل البقاء، وإن الدار الآخرة لهى الحيوان أى الحياة التى لا بداية لها، ولا نهاية لها، فبدأ بذكر اللهو؛ لأنه فى زمان الشباب، وهو أكثر من زمان اللعب، وهو زمان الصبا.
قوله: {أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة} ثم قال: {أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة} وليس لهما ثالث. وقال: فيما بينهما {أرأيتم} وكذلك فى غيرها، ليس لهذه الجملة فى العربية نظير، لأنه جمع بين علامتى خطاب، وهما التاء والكاف، والتاء اسم بالإجماع، والكاف حرف عند البصريين يفيد الخطاب فحسب، والجمع بينهما يدل على أن ذلك تنبيه على شىء، ما عليه من مزيد، وهو ذكر الاستئصال بالهلاك، وليس فيما سواهما ما يدل على ذلك، فاكتفى بخطاب واحد والله أعلم.
قوله {لعلهم يتضرعون} فى هذه السورة، وفى الأعراف: {يضرعون} بالإدغام لأن هاهنا وافق ما بعده وهو قوله: {جاءهم بأسنا تضرعوا} ومستقبل تضرعوا يتضرعون لا غير. قوله: {انظر كيف نصرف الآيات} مكرر؛ لأن التقدير: انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون عنها؛ فلا نعرض عنهم بل نكررها لعلهم يفقهون.
قوله: {قل لا أقول لكم عندي خزآئن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك} فكرر {لكم} وقال فى هود {ولا أقول إني ملك} فلم يكرر {لكم} لأن فى هود تقدم {إني لكم نذير} وعقبه {وما نرى لكم} وبعده {أن أنصح لكم} فلما تكرر {لكم} فى القصة أربع مرات اكتفى بذلك.
قوله: {إن هو إلا ذكرى للعالمين} فى هذه السورة، وفى سورة يوسف: {إن هو إلا ذكر للعالمين} منونا؛ لأن فى هذه السورة تقدم {بعد} {ولكن ذكرى} فكان {الذكرى} أليق بها.
قوله: {يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي} فى هذه السورة؛ وفى آل عمران: {وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي}كذلك فى الروم، ويونس {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} لأن [ما] فى هذه السورة وقعت بين أسماء الفاعلين وهو فالق الحب، فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، واسم الفاعل يشبه الاسم من وجه، فيدخله الألف واللام، والتنوين، والجر (من وجه) وغير ذلك، ويشبه الفعل من وجه، فيعمل عمل الفعل، ولا يثنى و (لا) يجمع إذا عمل، وغير ذلك. ولهذا جاز العطف عليه بالاسم نحو قوله: الصابرين والصادقين، وجاز العطف عليه بالفعل نحو قوله: {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا} ، ونحو قوله: {سوآء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} فلما وقع بينهما ذكر {يخرج الحي من الميت} بلفظ الفعل و {ومخرج الميت من الحي} بلفظ الاسم؛ عملا بالشبهين وأخر لفظ الاسم؛ لأن الواقع بعده اسمان، والمتقدم اسم واحد، بخلاف ما فى آل عمران؛ لأن ما قبله وما بعده أفعال. وكذلك فى يونس والروم قبله وبعده أفعال. فتأمل فيه؛ فإنه من معجزات القرآن.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-12-06, 04:51 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(20)
من صـــ 196 الى صـــ 202
قوله {قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون} ثم قال: {قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون} وقال بعدهما {إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون} لأن من أحاط علما بما فى الآية الأولى صار عالما، لأنه أشرف العلوم، فختم بقوله: يعلمون؛ والآية الثانية مشتملة على ما يستدعى تأملا وتدبرا، والفقه علم يحصل بالتفكر والتدبر، ولهذا لا يوصف به الله سبحانه وتعالى، فختم الآية بقوله: {يفقهون} ومن أقر بما فى الآية الثالثة صار مؤمنا حقا، فختم الآية بقوله {يؤمنون} وقوله {ذلكم لآيات} فى هذه السورة، لظهور الجماعات وظهور الآيات (عم جميع) الخطاب وجمع الآيات.
قوله: {أنشأكم} ، وفى غيرها {خلقكم} لموافقة ما قبلها، وهو {أنشأنا من بعدهم} وما بعدها {وهو الذي أنشأ جنات معروشات} .
قوله: {مشتبها وغير متشابه} ، وفى الآية الأخرى {متشابها وغير متشابه} لأن أكثر ما جاء فى القرآن من هاتين الكلمتين جاء بلفظ التشابه، نحو قوله: {وأتوا به متشابها} {إن البقر تشابه علينا} {تشابهت قلوبهم} {وأخر متشابهات} فجاء {مشتبها وغير متشابه} فى الآية الأولى و {متشابها وغير متشابه} فى الآية الأخرى على تلك القاعدة. ثم كان لقوله "تشابه" معنيان: أحدهما التبس، والثانى تساوى، وما فى البقرة معناه: التبس فحسب، فبين بقوله: {مشتبها} ومعناه: ملتبسا أن ما بعده من باب الالتباس أيضا، لا من باب التساوى والله أعلم.
قوله: {ذلكم الله ربكم لا إلاه إلا هو خالق كل شيء} فى هذه السورة، وفى المؤمن {خالق كل شيء لا إلاه إلا هو} ؛ لأن فيها قبله ذكر الشركاء، والبنين، والبنات، فدفع قول قائله بقوله: لا إله إلا هو، ثم قال {خالق كل شيء} وفى المؤمن قبله ذكر الخلق وهو {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} لا على نفى الشريك، فقدم فى كل سورة ما يقتضيه ما قبله من الآيات.
قوله: {ولو شآء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} وقال فى الآية الأخرى من هذه السورة: {ولو شآء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون} لأن قوله: {ولو شآء ربك} وقع عقيب آيات فيها ذكر الرب مرات وهى {جآءكم بصآئر من ربكم} الآيات ... فختمها بذكر الرب؛ ليوافق {أخراها أولاها} .
قوله: {ولو شآء الله ما فعلوه} وقع بعد قوله {وجعلوا لله مما ذرأ} فختم بما بدأ.
قوله: {إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله} وفى ن: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} بزيادة الباء، ولفظ الماضى؛ لأن إثبات الباء هو الأصل؛ كما فى {ن والقلم} وغيرها من السور؛ لأن المعنى لا يعمل فى المفعول به، فقوى بالباء. وحيث حذفت أضمر فعل يعمل فيما بعده. وخصت هذه السورة بالحذف موافقة لقوله: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} وعدل إلى لفظ المستقبل؛ لأن الباء لما حذفت التبس اللفظ بالإضافة - تعالى الله عن ذلك - فنبه بلفظ المستقبل على قطع الإضافة؛ لأن أكثر ما يستعمل بلفظ (أفعل من) يستعمل مع الماضى؛ أعلم من دب ودرج، وأحسن من قام وقعد، وأفضل من حج واعتمر. فتنبه فإنه من أسرار القرآن.
قوله: {فسوف تعلمون} بالفاء حيث وقع، وفى هود {سوف تعلمون} بغير فاء؛ لأنه تقدم فى هذه السورة وغيرها (قل) فأمرهم أمر وعيد بقوله (اعملوا) أى اعملوا فستجزون، ولم يكن فى هود (قل) فصار استئنافا. وقيل: {سوف تعلمون} فى سورة هود صفة لعامل، أى إنى عامل سوف تعلمون، فحذف الفاء.
قوله {سيقول الذين أشركوا لو شآء الله مآ أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} ، وقال فى النحل: {وقال الذين أشركوا لو شآء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء} فزاد {من دونه} مرتين، وزاد (نحن) لأن لفظ الإشراك يدل على إثبات شريك لا يجوز إثباته، ودل على تحريم أشياء، وتحليل أشياء من دون الله، فلم يحتج إلى لفظ {من دونه} ؛ بخلاف لفظ العبادة؛ فإنها غير مستنكرة، وإنما المستنكرة عبادة شىء مع الله سبحانه وتعالى ولا يدل على تحريم شئ مما دل عليه (أشرك) ، فلم يكن بد (من تقييده بقوله: "من دونه". ولما حذف "من دونه" من الآية مرتين حذف معه (نحن) لتطرد الآية فى حكم التخفيف.
قوله: {نحن نرزقكم وإياهم} وفى سبحان {نحن نرزقهم وإياكم} على الضد؛ لأن التقدير: من إملاق [بكم] نحن نرزقكم وإياهم وفى سبحان: خشية إملاق يقع بهم نحن نرزقهم وإياكم.
قوله: {ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} وفى الثانية {لعلكم تذكرون} وفى الثالثة {لعلكم تتقون} لأن الآية (الأولى) مشتملة على خمسة أشياء، كلها عظام جسام، وكانت الوصية بها من أبلغ الوصايا، فختم الآية بما فى الإنسان من أشرف السجايا (وهو العقل) الذى امتاز به الإنسان عن سائر الحيوان؛ والآية الثانية مشتملة على خمسة أشياء يقبح تعاطيها وارتكابها، وكانت الوصية بها تجرى مجرى الزجر والوعظ، فختم الآية بقوله: {تذكرون} أى تتعظون بمواعظ الله؛ والآية الثالثة مشتملة على ذكر الصراط المستقيم، والتحريض على اتباعه، واجتناب منافيه، فختم الآية بالتقوى التى هى ملاك العمل وخير الزاد.
قوله: {جعلكم خلائف الأرض} فى هذه السورة، وفى يونس والملائكة {جعلناكم خلائف في الأرض} لأن فى هذه العشر الآيات تكرر ذكر المخاطبين مرات، فعرفهم بالإضافة؛ وقد جاء فى السورتين على الأصل، وهو {جاعل في الأرض خليفة} {جعلكم مستخلفين فيه} . قوله: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} وقال فى الأعراف {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} لأن ما فى هذه السورة وقع بعد قوله {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وقوله: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} فقيد قوله: {غفور رحيم} باللام ترجيحا للغفران على العقاب. ووقع ما فى الأعراف بعد قوله: {وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} وقوله: {كونوا قردة خاسئين} فقيد العقاب باللام لما تقدم من الكلام، وقيد المغفرة أيضا بها رحمة منه للعباد؛ لئلا يترجح جانب الخوف على الرجاء. وقدم {سريع العقاب} فى الآيتين مراعاة لفواصل الآى.
فضل السورة
عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نزلت على سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك، لهم زجل بالتسبيح، والتحميد فمن قرأ سورة الأنعام صلى عليه أولئك السبعون ألف ملك، بعدد كل آية من الأنعام، يوما وليلة، وخلق الله من كل حرف ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ ثلاث مرات من أول سورة الأنعام إلى قوله: {ونعلم ما تكسبون} وكل الله به أربعين ألف ملك، يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة، ونزل ملك من السماء السابعة، ومعه مرزبة من حديد، فإذا أراد الشيطان أن يوسوس ويوحى فى قلبه شيئا ضربه بها ضربة كانت بينه وبينه سبعون حجابا، فإذا كان يوم القيامة يقول الرب تبارك وتعالى: عش فى ظلى وكل من ثمار جنتى، واشرب من ماء الكوثر، واغتسل من ماء السلسبيل، وأنت عبدى، وأنا ربك". وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ هذه السورة كان له نور من جميع الأنعام التى خلقها الله فى الدنيا ذرا بعدد كل ذر ألف حسنة ومائة ألف درجة" ويروى أن هذه السورة معها من كل سماء ألف ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتهليل، فمن قرأها تستغفر له تلك الليلة. وعن جعفر الصادق أنه قال:من قرأ هذه السورة كان من الآمنين يوم القيامة. وإن فيها اسم الله [فى] تسعين موضعا. فمن قرأها يغفر له سبعين مرة. وعن النبى صلى الله عليه وسلم: "يا على من قرأ سورة الأنعام كتب اسمه فى ديوان الشهداء، ويأخذ ثواب الشهداء، وله بكل آية قرأها مثل ثواب الراضين بما قسم الله لهم". وقال كعب الخير فتحت التوراة بقوله (الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض) وختمت بقوله {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} .
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2021-12-06, 05:08 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(21)
من صـــ 203 الى صـــ 209
بصيرة فى.. ألمص
هذه السورة نزلت بمكة إجماعا.
وعدد آياتها مائتان وست آيات فى عد قراء كوفة والحجاز، وخمس فى عد الشام والبصرة.
وكلماتها ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمس وعشرون كلمة. وحروفها أربعة عشر ألفا وثلاثمائة وعشرة أحرف.
والآيات المختلف فيها خمس: المص {بدأكم تعودون} {مخلصين له الدين} {ضعفا من النار} على بنى إسرائيل.
مجموع فواصل آياته (م ن د ل) على الدال منها آية واحدة: المص، وعلى اللام واحدة: آخرها إسرائيل.
ولهذه السورة ثلاثة أسماء: سورة الأعراف، لاشتمالها على ذكر الأعراف فى {ونادى أصحاب الأعراف} وهى سور بين الجنة والنار. الثانى سورة الميقات؛ لاشتمالها على ذكر ميقات موسى فى قوله: {ولما جآء موسى لميقاتنا} . الثالث سورة الميثاق؛ لاشتمالها على حديث الميثاق فى قوله: {ألست بربكم قالوا بلى} وأشهرها الأعراف.
مقصود السورة على سبيل الإجمال: تسلية النبى صلى الله عليه وسلم فى تكذيب الكفار إياه (و) ذكر وزن الأعمال يوم القيامة، وذكر خلق آدم، وإباء إبليس من السجدة لآدم، ووسوسته لهما لأكل الشجرة، وتحذير بنى آدم من قبول وسوسته، والأمر باتخاذ الزينة، وستر العورة فى وقت الصلاة، والرد على المكذبين، وتحريم الفواحش ظاهرا وباطنا، وبيان مذلة الكفار فى النار، ومناظرة بعضهم بعضا، ويأسهم من دخول الجنة، وذكر المنادى بين الجنة والنار، ونداء أصحاب الأعراف لكلا الفريقين وتمنيهم الرجوع إلى الدنيا، وحجة التوحيد، والبرهان على ذات الله تعالى وصفاته، وقصة نوح والطوفان، وذكر هود وهلاك عاد، وحديث صالح وقهر ثمود، وخبر لوط وقومه، وخبر شعيب وأهل مدين، وتخويف الآمنين من مكر الله، وتفصيل أحوال موسى (وفرعون والسحرة، واستغاثة بنى إسرائيل، وذكر الآيات المفصلات، وحديث خلافة هارون، وميقات موسى) ، وقصة عجل السامرى فى غيبة موسى و (رجوع موسى) إلى قومه، ومخاطبته لأخيه هارون، وذكر النبى الأمى العربى صلى الله عليه وسلم، والإشارة إلى ذكر الأسباط، وقصة أصحاب السبت، وأهل أيلة، وذم علماء أهل الكتاب، وحديث الميثاق ومعاهدة الله تعالى الذرية وطرد بلعام بسبب ميله إلى الدنيا، [و] نصيب جهنم من الجن والإنس، وتخويف العباد بقرب يوم القيامة، وإخفاء علمه على العالمين، وحديث صحبة آدم وحواء فى أول الحال، وذم الأصنام وعبادها وأمر الرسول بمكارم الأخلاق، وأمر الخلائق بالإنصات والاستماع لقراءة القرآن، وخطبة الخطباء يوم الجمعة، والإخبار عن خضوع الملائكة فى الملكوت، وانقيادهم بحضرة الجلال فى قوله: {يسبحونه وله يسجدون} .
المتشابهات:
قوله: {ما منعك} هنا، وفى ص {ياإبليس ما منعك} وفى الحجر {قال ياإبليس مالك} بزيادة {ياإبليس} فى السورتين؛ لأن خطابه قرب من ذكره فى هذه السورة وهو قوله: {إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك} فحسن حذف النداء والمنادى، ولم يقرب فى ص قربه منه فى هذه السورة؛ لأن فى ص {إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} بزيادة {استكبر} فزاد حرف النداء والمنادى، فقال: {ياإبليس ما منعك} وكذلك فى الحجر فإن فيها {إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين} بزيادة (أبى) فزاد حرف النداء والمنادى فقال {ياإبليس مالك} .
قوله: {ألا تسجد} وفى ص {أن تسجد} وفى الحجر {ألا تكون} فزاد فى هذه السورة (لا) . وللمفسرين فى (لا) أقوال: قال بعضهم: (لا) صلة كما فى قوله: {لئلا يعلم} . وقال بعضهم: الممنوع من الشىء مضطر إلى خلاف ما منع منه. وقال بعضهم: معناه: من قال لك: لا تسجد. وقد ذكر فى مطولات مبسوطة. والذى يليق بهذا الموضع ذكر السبب الذى خص هذه السورة بزيادة (لا) دون السورتين. قال تاج القراء: لما حذف منها (يا إبليس) واقتصر على الخطاب جمع بين لفظ المنع ولفظ (لا) زيادة فى النفى، وإعلاما أن المخاطب به إبليس؛ خلافا للسورتين؛ فإنه صرح فيهما باسمه. وإن شئت قلت: جمع فى هذه السورة بين ما فى ص والحجر، فقال: ما منعك أن تسجد، مالك ألا تسجد، وحذف (مالك) لدلالة (الحال ودلالة) السورتين عليه، فبقى: ما منعك ألا تسجد. وهذه لطيفة فاحفظها.
قوله: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} ، وفى ص مثله. وقال فى الحجر: {لم أكن لأسجد لبشر} فجاء على لفظ آخر، لأن السؤال فى الأعراف وص: ما منعك، فلما اتفق السؤال اتفق الجواب، وهو قوله: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} ، ولما زاد فى الحجر لفظ الكون فى السؤال وهو قوله {مالك ألا تكون مع الساجدين} زاد فى الجواب أيضا لفظ الكون فقال: {لم أكن لأسجد لبشر} .
قوله: {أنظرني إلى يوم يبعثون} وفى الحجر وفى ص {رب فأنظرنى} لأنه سبحانه لما اقتصر فى السؤال على الخطاب دون صريح الاسم فى هذه السورة، اقتصر فى الجواب أيضا على الخطاب، دون ذكر المنادى. وأما زيادة الفاء فى السورتين دون هذه السورة فلأن داعية الفاء ما تضمنه النداء من أدعو أو أنادى؛ نحو قوله: {ربنا فاغفر لنا} أى أدعوك، وكذلك داعية الواو فى قوله: {ربنا وآتنا} فحذف المنادى، فلما حذفه انحذفت الفاء.
قوله: {إنك من المنظرين} هنا، وفى السورتين (فإنك) ؛ لأن الجواب يبنى على السؤال، ولما خلا السؤال فى هذه السورة عن الفاء خلا الجواب عنه، ولما ثبت الفاء فى السؤال فى السورتين ثبتت فى الجواب، والجواب فى السور الثلاث إجابة، وليس باستجابة.
قوله: {فبمآ أغويتني} فى هذه السورة وفى ص {فبعزتك لأغوينهم} ، وفى الحجر: {رب بمآ أغويتني} لأن ما فى هذه السورة موافق لما قبله فى الاقتصار على الخطاب دون النداء، وما فى الحجر موافق لما قبله من مطابقة النداء، وزاد فى هذه السورة الفاء التى هى للعطف ليكون الثانى مربوطا بالأول، ولم يدخل فى الحجر، فاكتفى بمطابقة النداء (لامتناع النداء) منه؛ لأنه ليس بالذى يستدعيه النداء؛ فإن ذلك يقع مع السؤال والطلب، وهذا قسم عند أكثرهم بدليل ما فى ص، وخبر عند بعضهم. والذى فى ص على قياس ما فى الأعراف دون الحجر؛ لأن موافقتهما أكثر على ما سبق، فقال: {فبعزتك} وهو قسم عند الجميع، ومعنى {بما أغويتني} يئول إلى معنى {فبعزتك} والله أعلم. وهذا الفصل فى هذه السورة برهان لامع. وسأل الخطيب نفسه عن هذه المسائل، فأجاب عنها، وقال: إن اقتصاص ما مضى إذا لم يقصد به أداء الألفاظ بعينها، كان اتفاقها واختلافها سواء إذا أدى المعنى المقصود، وهذا جواب حسن إن رضيت به كفيت مؤنة السهر إلى السحر.
قوله: {قال اخرج منها مذءوما مدحورا} ليس فى القرآن غيره؛ لأنه سبحانه لما بالغ فى الحكاية عنه بقوله: {لأقعدن لهم} الآية بالغ فى ذمه فقال: اخرج منها مذءوما مدحورا، والذأم أشد الذم.
قوله: (فكلا) سبق فى البقرة. قوله: {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم} بالفاء [حيث] وقع إلا فى يونس، فإنه جملة عطفت على جملة بينهما اتصال وتعقيب، وكان الموضع لائقا بالفاء، وما فى يونس يأتى فى موضعه.
قوله: {وهم بالآخرة كافرون} ما فى هذه السورة جاء على القياس، وتقديره: وهم كافرون بالآخرة، فقدم (بالآخرة) تصحيحا لفواصل الآية، وفى هود لما تقدم {هاؤلاء الذين كذبوا على ربهم} ثم قال: {ألا لعنة الله على الظالمين} ولم يقل (عليهم) والقياس ذلك التبس أنهم هم أم غيرهم، فكرر وقال: {وهم بالآخرة هم كافرون} ليعلم أنهم هم المذكورون لا غيرهم، وليس (هم) هنا للتأكيد كما زعم بعضهم؛ لأن ذلك يزاد مع الألف واللام، ملفوظا أومقدرا.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-07, 11:33 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(22)
من صـــ 210 الى صـــ 216
قوله: {وهو الذي يرسل الرياح} هنا، وفى الروم بلفظ المستقبل وفى الفرقان وفاطر بلفظ الماضى، لأن ما قبلها فى هذه السورة ذكر الخوف والطمع، وهو قوله: {وادعوه خوفا وطمعا} وهما يكونان فى المستقبل لا غير، فكان (يرسل) بلفظ المستقبل أشبه بما قبله، وفى الروم قبله {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره} فجاء بلفظ المستقبل ليوافق ما قبله.
وأما فى الفرقان فإن قبله {كيف مد الظل} الآية (وبعد الآية) (وهو الذى جعل لكم [ومرج وخلق] وكان الماضى أليق به. وفى فاطر مبنى على أول السورة {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا} وهما بمعنى الماضى، فبنى على ذلك (أرسل) بلفظ الماضى؛ ليكون الكل على مقتضى اللفظ الذى خص به.
قوله: {لقد أرسلنا نوحا} هنا بغير واو، وفى هود والمؤمنين (ولقد) بالواو؛ لأنه لم يتقدم فى هذه السورة ذكر رسول فيكون هذا عطفا عليه، بل هو استئناف كلام.
وفى هود تقدم ذكر الرسل مرات، وفى المؤمنين تقدم ذكر نوح ضمنا؛ لقوله {وعلى الفلك تحملون} ؛ لأنه أول من صنع الفلك، فعطف فى السورتين بالواو.
قوله: {أرسلنا نوحا إلى قومه فقال} بالفاء هنا، وكذا فى المؤمنين فى قصة نوح، وفى هود فى قصة نوح، {إني لكم} بغير فاء، وفى هذه السورة فى قصة عاد بغير فاء؛ لأن إصبات الفاء هو الأصل، وتقديره أرسلنا نوحا فجاء فقال، فكان فى هذه السورة والمؤمنين على ما يوجبه اللفظ. وأما فى هود فالتقدير: فقال إنى فأضمر ذلك قال، فأضمر معه الفاء. وهذا كما قلنا فى قوله: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم} أى فقال لهم: أكفرتم، فأضمر القول والفاء معا وأما فى قصة عاد فالتقدير: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا فقال، فأضمر أرسلنا، وأضمر الفاء؛ لأن الفاء لفظ (أرسلنا) .
قوله: {قال الملأ} بغير واو فى قصة نوح وهود فى هذه السورة، وفى هود والمؤمنين (فقال) بالفاء، لأن ما فى هذه السورة فى القصتين لا يليق بالجواب وهو قولهم لنوح {إنا لنراك في ظلال مبين} وقولهم لهود {إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين} بخلاف السورتين، فإنهم أجابوا فيهما بما زعموا أنه جواب.
قوله: {أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم} فى قصة نوح وقال فى قصة هود {وأنا لكم ناصح أمين} لأن ما فى هذه الآية {أبلغكم} بلفظ المستقبل، فعطف عليه {وأنصح لكم} كما فى الآية الأخرى {لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم} فعطف الماضى (على الماضى) ، فكن فى قصة هود قابل باسم الفاعل قولهم له {وإنا لنظنك من الكاذبين} ليقابل الاسم بالاسم.
قوله: {أبلغكم} فى قصة نوح وهود بلفظ المستقبل وفى قصة صالح وشعيب {أبلغتكم} بلفظ الماضى، لأن [ما] فى قصة نوح وهود وقع فى ابتداء الرسالة، و [ما] فى قصة صالح وشعيب وقع فى آخر الرسالة، ودنو العذاب.
قوله: {رسالات ربي} فى القصص إلا فى قصة صالح؛ فإن فيها (رسالة) على الواحدة لأنه سبحانه حكى عنهم بعد الإيمان بالله والتقوى أشياء أمروا بها إلا فى قصة صالح؛ فإن فيها ذكر الناقة فقط، فصار كأنه رسالة واحدة. وقوله: {برسالاتي وبكلامي} مختلف فيهما.
قوله: {فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنآ} وفى يونس {فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك} لأن أنجينا ونجينا للتعدى، لكن التشديد يدل على الكثرة والمبالغة، وكان فى يونس {ومن معه} ولفظ (من) يقع على أكثر مما يقع عليه (الذين) لأن (من) يصلح للواحد والاثنين، والجماعة، والمذكر، والمؤنث، بخلاف الذين فإنه لجمع المذكر فحسب، وكان التشديد مع (من) أليق.
قوله: {ولا تمسوها بسواء فيأخذكم عذاب أليم} وفى هود، {ولا تمسوها بسواء فيأخذكم عذاب قريب} وفى الشعراء {ولا تمسوها بسواء فيأخذكم عذاب يوم عظيم} لأن فى هذه السورة بالغ فى الوعظ، فبالغ فى الوعيد، فقال: {عذاب أليم} ، وفى هود لما اتصل بقوله {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} وصفه بالقرب فقال: {عذاب قريب} وزاد فية الشعراء ذكر اليوم لأن قبله: {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} والتقدير: لها شرب يوم معلوم، فختم الآية بذكر اليوم، فقال: عذاب يوم عظيم.
قوله: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم} على الواحدة وقال: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} حيث ذكر الرجفة وهى الزلزلة وحد الدار، وحيث ذكر الصيحة جمع؛ لأن الصيحة كانت من السماء، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة، فاتصل كل واحد بما هو لائق به.
قوله: {ما نزل الله بها من سلطان} وفى غيره {أنزل} لأن أفعل كما ذكرنا آنفا للتعدى، وفعل للتعدى والتكثير، فذكر فى الموضع الأول بلفظ المبالغة؛ ليجرى مجرى ذكر الجملة والتفصيل، أو ذكر الجنس والنوع، فيكون الأول كالجنس، وما سواه كالنوع.
قوله: {وتنحتون الجبال بيوتا} فى هذه السورة، وفى غيرها {من الجبال} لأن [ما] فى هذه السورة تقدمه {من سهولها قصورا} فاكتفى بذلك.
قوله: {وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} وفى غيرها {فسآء مطر المنذرين} لأن ما فى هذه وافق ما بعده وهو قوله {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} .
قوله: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة} بالاستفهام، وهو استفهام تقريع وتوبيخ وإنكار، وقال بعده: {أئنكم لتأتون} فزاد مع الاستفهام (إن) لأن التقريع والتوبيخ والإنكار فى الثانى أكثر.
ومثله فى النمل: {أتأتون} وبعده أئنكم وخالف فى العنكبوت فقال: {إنكم لتأتون الفاحشة} {أئنكم لتأتون الرجال} فجمع بين أئن وأئن وذلك لموافقة آخر القصة، فإن فى الآخر {إنا منجوك} و {إنا منزلون} فتأمل فيه؛ فإنه صعب المستخرج.
قوله: {بل أنتم قوم مسرفون} هنا بلفظ الاسم، وفى النمل {قوم تجهلون} بلفظ الفعل. أو لأن كل إسراف جهل وكل جهل إسراف، ثم ختم الآية بلفظ الاسم؛ موافقة لرءوس الآيات المتقدمة، وكلها أسماء:للعالمين، الناصحين، المرسلين، جاثمين، كافرون، مؤمنون، مفسدون. وفى النمل وافق ما قبلها من الآيات، وكلها أفعال: تبصرون، يتقون، يعملون.
قوله: {وما كان جواب قومه} بالواو فى هذه السورة. وفى سائر السور (فما) بالفاء؛ لأن ما قبله اسم، والفاء للتعقيب، والتعقيب يكون مع الأفعال. فقال فى النمل {تجهلون فما كان} وكذلك فى العنكبوت {وتأتون في ناديكم المنكر فما كان} وفى هذه السورة {مسرفون وما كان} .
قوله: {أخرجوهم من قريتكم} فى هذه السورة وفى النمل {أخرجوا آل لوط} ما فى هذه السورة كناية فسرها ما فى السورة التى بعدها، وهى النمل ويقال: نزلت النمل أولا، فصرح فى الأولى، وكنى فى الثانية.
قوله: {كانت من الغابرين} (هاهنا، وفى النمل: {قدرناها من الغابرين} أى كانت فى علم الله من الغابرين) .
قوله: {بما كذبوا من قبل} هنا وفى يونس {بما كذبوا به} لأن أول القصة هنا {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا} وفى الآية {ولاكن كذبوا} وليس بعدها الباء، فختم القصة بمثل ما بدأ به، فقال: كذبوا من قبل. وكذلك فى يونس وافق ما قبله وهو {كذبوه} {فنجيناه} ثم {كذبوا بآياتنا} فختم بمثل ذلك، فقال: {بما كذبوا به} . وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما فى حق العقلاء من التكذيب فبغير الباء؛ نحو قوله: كذبوا رسلى، وكذبوه، وغيره؛ وما فى حق غيرهم بالباء؛ نحو كذبوا بآياتنا وغيرها. وعند المحققين تقديره: فكذبوا رسلنا برد آياتنا، حيث وقع.
قوله: {كذلك يطبع الله} ، وفى يونس {نطبع} بالنون؛ لأن فى هذه السورة قد تقدم ذكر الله سبحانه بالتصريح، والكناية، فجمع بينهما فقال: {ونطبع على قلوبهم} بالنون، وختم الآية بالتصريح فقال: {كذلك يطبع الله} وأما فى يونس فمبنى على ما قبله: من قوله: {فنجيناه} {وجعلناهم} {ثم بعثنا} بلفظ الجمع، فختم بمثله، فقال: {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} .
قوله: {قال الملأ من قوم فرعون إن هاذا لساحر عليم} وفى الشعراء {قال للملإ حوله} ؛ لأن التقدير فى هذه الآية: قال الملأ من قوم فرعون وفرعون بعضهم لبعض، فحذف (فرعون) لاشتمال الملأ من قوم فرعون على اسمه؛ كما قال:
{وأغرقنا آل فرعون} أى آل فرعون وفرعون، فحذف (فرعون) ، لأن آل فرعون اشتمل على اسمه. فالقائل هو فرعون نفسه بدليل الجواب، وهو (أرجه) بلفظ التوحيد، والملأ هم المقول لهم؛ إذ ليس فى الآية مخاطبون بقوله: {يخرجكم من أرضكم} غيرهم. فتأمل فيه فإنه برهان للقرآن شاف.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-07, 11:44 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(23)
من صـــ 217 الى صـــ 223
قوله: {يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} وفى الشعراء {من أرضكم بسحره} لأن الآية (الأولى فى هذه السورة بنيت على الاقتصار [وليس] كذلك الآية) الثانية، ولأن لفظ الساحر يدل على السحر.
قوله: {وأرسل} ، وفى الشعراء: {وابعث} لأن الإرسال يفيد معنى البعث، ويتضمن نوعا من العلو؛ لأنه يكون من فوق؛ فخصت هذه السورة به، لما التبس؛ ليعلم أن المخاطب به فرعون دون غيره.
قوله: {بكل ساحر عليم} وفى الشعراء بكل {سحار} لأنه راعى ما قبله فى هذه السورة وهو قوله: {إن هاذا لساحر عليم} وراعى فى الشعراء الإمام فإن فيه (بكل سحار بالألف) وقرئ فى هذه السورة {بكل سحار} أيضا طلبا للمبالغة وموافقة لما فى الشعراء.
قوله: {وجاء السحرة فرعون قالوا} وفى الشعراء {فلما جاء السحرة قالوا لفرعون} لأن القياس فى هذه السورة وجاء السحرة فرعون وقالوا، أو فقالوا، لا بد من ذلك؛ لكن أضمر فيه (فلما) فحسن حذف الواو.
وخص هذه السورة بإضمار (فلما) لأن ما فى هذه السورة وقع على الاختصار والاقتصار على ما سبق. وأما تقديم فرعون وتأخيره فى الشعراء لأن التقدير فيهما: فلما جاء السحرة فرعون قالوا لفرعون، فأظهر الأول فى هذه السورة لأنها الأولى، وأظهر الثانى فى الشعراء؛ لأنها الثانية.
قوله: {قال نعم وإنكم لمن المقربين} وفى الشعراء {إذا لمن المقربين} (إذا) فى هذه السورة مضمرة مقدرة؛ لأن (إذا) جزاء، ومعناه: إن غلبتم قربتكم، ورفعت منزلتكم. وخص هذه السورة بالإضمار اختصارا.
قوله: {إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين} وفى طه {وإما أن نكون أول من ألقى} راعى فى السورتين أواخر الآى. ومثله {فألقي السحرة ساجدين} فى السورتين، وفى طه {سجدا} وفى (السورتين) أيضا {ءامنا برب العالمين} وليس فى طه {رب العالمين} وفى السورتين {رب موسى وهارون} وفى طه {رب هارون وموسى} (وفى هذه السورة: {فسوف تعلمون لأقطعن} [وفى الشعراء: {فلسوف تعلمون لأقطعن} ] وفى طه {فلأقطعن} وفى السورتين [ {ولأصلبنكم أجمعين} ، وفى طه] : {ولأصلبنكم في جذوع النخل} . وهذا كله لمراعاة فواصل الآى؛ لأنها مرعية يبتنى عليها مسائل كثيرة.
قوله: {ءامنتم به} (وفى السورتين: آمنتم) له) لأن هنا يعود إلى رب العالمين وهو المؤمن (به) سبحانه وفى السورتين يعود إلى موسى؛ لقوله {إنه لكبيركم} وقيل آمنتم به وآمنتم له واحد.
قوله: {قال فرعون} (وفى السورتين: قال آمنتم، لأن هذه السورة مقدمة على السورتين فصرح فى الأولى، وكنى فى الأخريين، وهو القياس: وقال الإمام: لأن [ما] هنا بعد عن ذكر فرعون فصرح وقرب فى السورتين ذكره فكنى.
قوله: {ثم لأصلبنكم} وفى السورتين {ولأصلبنكم} ؛ لأن (ثم) يدل على أن الصلب يقع بعد التقطيع، وإذا دل فى الأولى علم فى غيرها، ولأن الواو يصلح لما يصلح له (ثم) .
قوله: {إنا إلى ربنا منقلبون} وفى الشعراء {لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون} بزيادة (لا ضير) لأن هذه السورة اختصرت فيها القصة، وأشبعت فى الشعراء، وذكر فيها أول أحوال موسى مع فرعون، إلى آخرها، فبدأ بقوله: {ألم نربك فينا وليدا} وختم بقوله ثم {أغرقنا الآخرين} فلهذا وقع زوائد لم تقع فى الأعراف وطه، فتأمل تعرف إعجاز التنزيل.
قوله {يسومونكم سواء العذاب يقتلون} بغير واو على البدل. وقد سبق.
قوله: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شآء الله} هنا وفى يونس: {قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شآء الله} لأن أكثر ما جاء فى القرآن من لفظ الضر والنفع معا جاء بتقديم لفظ الضر؛ لأن العابد يعبد معبوده خوفا من عقابه أولا، ثم طمعا فى ثوابه ثانيا. يقويه قوله: {يدعون ربهم خوفا وطمعا} ، وحيث تقدم النفع تقدم لسابقة لفظ تضمن نفعا. وذلك فى ثمانية مواضع: ثلاثة منها بلفظ الاسم، وهى هاهنا والرعد وسبأ.
وخمسة بلفظ الفعل وهى فى الأنعام {ما لا ينفعنا ولا يضرنا} وفى آخر يونس {ما لا ينفعك ولا يضرك} وفى الأنبياء {ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم} وفى الفرقان {ما لا ينفعهم ولا يضرهم} وفى الشعراء {أو ينفعونكم أو يضرون} أما فى هذه السورة فقد تقدمه {من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل} فقدم الهداية على الضلالة.
وبعد ذلك {لاستكثرت من الخير وما مسني السواء} فقدم الخير على السوء، فكذلك قدم النفع على الضر وفى الرعد {طوعا وكرها} فقدم الطوع وفى سبأ {يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر} فقدم البسط. وفى يونس قدم الضر على الأصل ولموافقته ما قبلها {لا يضرهم ولا ينفعهم} وفيها {وإذا مس الإنسان الضر} فتكرر فى الآية ثلاث مرات.
وكذلك ما جاء بلفظ الفعل فلسابقة معنى يتضمن فعلا. أما سورة الأنعام ففيها {ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} ، ثم وصلها بقوله: {قل أندعوا من دون الله مالا ينفعنا ولا يضرنا} وفى يونس تقدمه قوله:
{ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} ثم قال: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك} وفى الأنبياء تقدمه قول الكفار لإبراهيم فى المجادلة {لقد علمت ما هاؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم} وفى الفرقان تقدمه قوله: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} وعد نعما جمة فى الآيات ثم قال: {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم} تأمل؛ فإنه برهان ساطع للقرآن.
فضل السورة
ثم يرو سوى هذه الأخبار الضعيفة (من قرأ سورة الأعراف جعل الله بينه وبين إبليس سترا يحرس منه، ويكون ممن يزوره فى الجنة آدم. وله بكل يهودى ونصرانى درجة فى الجنة) وعنه صلى الله عليه وسلم: يا على من قرأ سورة الأعراف قام من قبره وعليه ثمانون حلة، وبيده براءة من النار، وجواز على الصراط، وله بكل آية قرأها ثواب من بر والديه، وحسن خلقه. وعن جعفر الصادق رضى الله عنه: من قرأ سورة الأعراف فى كل شهر كان يوم القيامة من الآمنين. ومن قرأها فى كل جمعة لا يحاسب معه يوم القيامة، وإنها تشهد لكل من قرأها.
بصيرة فى.. يسألونك عن الأنفال
اعلم أن هذه السورة مدنية بالإجماع وعدد آياتها سبع وسبعون عند الشاميين، وخمس عند الكوفيين، وست عند الحجازيين، والبصريين. وعدد كلماتها ألف ومائة وخمس وتسعون كلمة. وحروفها خمسة آلاف ومائتان وثمانون.
الآيات المختلف فيها ثلاث {يغلبون} ، {بنصره وبالمؤمنين} ، {أمرا كان مفعولا} .
فواصل آياته (ن د م ق ط ر ب) يجمعها ندم قطرب، أو نطق مدبر. على الدال منها آية واحدة {عبيد} . وعلى القاف آية واحدة {حريق} وعلى الباء أربع آيات آخرها {عقاب} .
ولهذه السورة اسمان: سورة الأنفال؛ لكونها مفتتحة بها، ومكررة فيها، وسورة بدر، لأن معظمها فى ذكر حرب بدر، وما جرى فيها.
مقصود السورة مجملا: قطع الأطماع الفاسدة من الغنيمة التى هى حق الله ولرسوله، ومدح الخائفين الخاشعين وقت سماع القرآن، وبعث المؤمنين حقا، والإشارة إلى ابتداء حرب بدر، وإمداد الله تعالى صحابة نبيه بالملائكة المقربين، والنهى عن الفرار من صف الكفار، وأمر المؤمنين بإجابة الله ورسوله، والتحذير عن الفتنة، والنهى عن خيانة الله ورسوله، وذكر مكر كفار مكة فى حق النبى صلى الله عليه وسلم، وتجاسر قوم منهم باستعجال العذاب، وذكر إضاعة نفقاتهم فى الضلال والباطل، وبيان قسم الغنائم، وتلاقى عساكر الإسلام وعساكر المشركين، ووصية الله المؤمنين بالثبات فى صف القتال، وغرور إبليس طائفة من الكفار، وذم المنافقين فى خذلانهم لأهل الإيمان، ونكال ناقضى العهد ليعتبر بهم آخرون، وتهيئة عذر المقاتلة والمحاربة، والميل إلى الصلح عند استدعائهم الصلح، والمن على المؤمنين بتأليف قلوبهم، وبيان عدد عسكر الإسلام، وعسكر الشرك، وحكم أسرى بدر، ونصرة المعاهدين لأهل الاسلام، وتخصيص الأقارب، وذوى الأرحام بالميراث فى قوله {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} إلى آخر السورة.
الناسخ والمنسوخ:
الآيات المنسوخة فى السورة ست {يسألونك عن الأنفال} م {ما غنمتم} ن {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} م {وما لهم ألا يعذبهم الله} ن {قل للذين كفروا إن ينتهوا} م {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} ن {وإن جنحوا للسلم} م {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} ن {إن يكن منكم عشرون صابرون} م {الآن خفف الله عنكم} ن {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء} م {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} ن.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-07, 11:50 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(24)
من صـــ 224 الى صـــ 230
المتشابهات:
قوله: {وما جعله الله إلا بشرى} وقوله: {ومن يشاقق} وقوله: {ويكون الدين كله لله} قد سبق.
قوله: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم} ثم قال بعد آية {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم} أجاب عن هذا بعض أهل النظر وقال: ذكر فى الآية الأولى عقوبته إياهم عند الموت؛ كما فعله بآل فرعون ومن قبلهم من الكفار، وذكر فى الثانية ما يفعله بهم بعد موتهم. قال الخطيب: الجواب عندى: أن الأول إخبار عن عذاب لم يمكن الله أحدا من فعله، وهو ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند نزع أرواحهم، والثانى إخبار عن عذاب مكن الناس من فعل مثله، وهو الإهلاك والإغراق.
قال تاج القراء: وله وجهان [آخران] محتملان. أحدهما: كدأب آل فرعون فيما فعلوا، والثانى: كدأب فرعون فيما فعل بهم. فهم فاعلون فى الأول، ومفعولون فى الثانى. والوجه الآخر: أن المراد بالأول كفرهم بالله، وبالثانى تكذيبهم بالأنبياء؛ لأن تقدير الآية: كذبوا الرسل بردهم آيات الله. وله وجه آخر. وهو أن يجعل الضمير فى (كفروا) لكفار قريش على تقدير: كفروا بآيات ربهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم، وكذلك الثانى: كذبوا بآيات ربهم كدأب آل فرعون.
قوله: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} هنا بتقديم أموالهم وأنفسهم وفى براءة بتقديم {في سبيل الله} لأن فى هذه السورة تقدم ذكر المال والفداء والغنيمة فى قوله: {تريدون عرض الدنيا} و {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيمآ أخذتم} أى من الفداء، {فكلوا مما غنمتم} فقدم ذكر المال، وفى براءة تقدم ذكر الجهاد، وهو قوله: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} وقوله: {كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله} فقدم ذكر الجهاد، وذكر هذه الآى فى هذه السورة ثلاث مرات. فأورد فى الأولى {بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله} وحذف من الثانية {بأموالهم وأنفسهم} اكتفاء بما فى الأولى، وحذف من الثالثة {بأموالهم وأنفسهم} وزاد {في سبيل الله} اكتفاء بما فى الآيتين.
فضل السورة
يروى بسند ساقط أنه قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الأنفال وترا فأنا شفيع له، وشاهد يوم القيام أنه برىء من النفاق، وأعطى من الأجر بعدد كل منافق فى دار الدنيا عشر حسنات، ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان العرش وحملته يصلون عليه أيام حياته فى الدنيا" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا على، من قرأ سورة الأنفال أعطاه الله مثل ثواب الصائم القائم.
بصيرة فى.. براءة من الله ورسوله
هذه السورة مدنية بالاتفاق. وعدد آياتها مائة وتسع وعشرون عند الكوفيين، وثلاثون عند الباقين. عدد كلماتها ألفان وأربعمائة وسبع وتسعون كلمة. وحروفها عشرة آلاف وسبعمائة وسبع وثمانون حرفا.
والآيات المختلف فيها ثلاث {برياء من المشركين} {عاد وثمود} {عذابا أليما} .
مجموع فواصل آياته (ل م ن ر ب) يجمها (لم نرب) على اللام منها آية واحدة {إلا قليل} وعلى الباء آية {وأن الله علام الغيوب} وكل آية منها آخرها راء فما قبل الراء ياء.
ولهذه السورة ثمانية أسماء: الأول براءة؛ لافتتاحها بها، الثانى سورة التوبة؛ لكثرة ذكر التوبة فيها {ثم تاب عليهم ليتوبوا} {لقد تاب الله على النبى} الثالث الفاضحة؛ لأن المنافقين افتضحوا عند نزولها. الرابع المبعثرة؛ لأنها تبعثر عن أسرار المنافقين. وهذان الاسمان رويا عن ابن عباس. الخامس المقشقشة؛ لأنها تبرىء المؤمن، فتنظفه من النفاق وهذا عن ابن عمر. السادس البحوث؛ لأنها تبحث عن نفاق المنافقين. وهذا عن أبى أيوب الأنصارى. السابع سورة العذاب؛ لما فيها من انعقاد الكفار بالعذاب مرة بعد أخرى {سنعذبهم مرتين} الثامن الحافرة؛ لأنها تحفر قلوب أهل النفاق بمثل قوله: {إلا أن تقطع قلوبهم} ، {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم} .
مقصود السورة إجمالا: وسم قلوب الكفار بالبراءة، ورد العهد عليهم، وأمان مستمع القرآن، وقهر أئمة الكفر وقتلهم، ومنع الأجانب من عمارة المسجد الحرام، وتخصيصها بأهل الإسلام، والنهى عن موالاة الكفار، والإشارة إلى وقعة حرب حنين ومنع المشركين من دخول الكعبة، والحرم، وحضور الموسم، والأمر بقتل كفرة أهل الكتاب وضرب الجزية عليهم، وتقبيح قول اليهود والنصارى فى حق عزير وعيسى عليهما السلام، وتأكيد رسالة الرسول الصادق المحق، وعيب أحبار اليهود فى أكلهم الأموال بالباطل، وعذاب مانعى الزكاة، وتخصيص الأشهر الحرم من أشهر السنة، وتقديم الكفار شهر المحرم، وتأخيرهم إياه، والأمر بغزوة تبوك، وشكاية المتخلفين عن الغزو، وخروج النبى صلى الله عليه وسلم مع الصديق رضى الله عنه من مكة إلى الغار بجبل ثور، واحتراز المنافقين من غزوة تبوك، وترصدهم وانتظارهم نكبة المسلمين، ورد نفقاتهم عليهم، وقسم الصدقات على المستحقين، واستهزاء المنافقين بالنبى صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، وموافقة المؤمنين بعضهم بعضا، ونيلهم الرضوان الأكثر بسبب موافقتهم، وتكذيب الحق للمنافقين فى إيمانهم، ونهى النبى عن الاستغفار لأحيائهم، وعن الصلاة على أمواتهم، وعيب المقصرين على اعتذارهم بالأعذار الباطلة، وذم الأعراب فى صلابتهم، وتمسكهم بالدين الباطل، ومدح بعضهم بصلابتهم فى دين الحق، وذكر السابقين من المهاجرين والأنصار، وذكر المعترفين بتقصيرهم، وقبول الصدقات من الفقراء، ودعائهم على ذلك، وقبول توبة التائبين، وذكر بناء مسجد ضرار للغرض الفاسد، وبناء مسجد قباء على الطاعة والتقوى، ومبايعة الحق تعالى عبيده باشتراء أنفسهم وأموالهم، ومعاوضتهم عن ذلك بالجنة، ونهى إبراهيم الخليل من استغفار المشركين، وقبول توبة المتخلفين المخلص من غزوة تبوك، وأمر ناس بطلب العلم والفقه فى الدين، وفضيحة المنافقين، وفتنتهم فى كل وقت، ورأفة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورحمته لأمته وأمر الله نبيه بالتوكل عليه فى جميع أحواله بقوله: {فإن تولوا فقل حسبي الله لا إلاه إلا هو عليه توكلت} الآية.
الناسخ والمنسوخ:
الآيات المنسوخة ثمان آيات {فسيحوا في الأرض} م {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} ن {يكنزون الذهب والفضة} م (آية الزكاة) ن {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} وقوله: {انفروا خفافا وثقالا} م {وما كان المؤمنون لينفروا} ن {عفا الله عنك لم أذنت لهم} م {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم} ن {استغفر لهم} م {سوآء عليهم أستغفرت لهم} ن {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} إلى تمام الآيتين م {ومن الأعراب من يؤمن بالله} ن.
المتشابهات:
قوله: {واعلموا أنكم غير معجزي الله} وبعده {واعلموا أنكم غير معجزي الله} ليس بتكرار؛ لأن الأول للمكان، والثانى للزمان. وتقدم ذكرهما فى قوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} .
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-07, 11:57 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(25)
من صـــ 231 الى صـــ 237
قوله: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} وبعده {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} ليس بتكرار؛ لأن الأول فى المشركين، والثانى فى اليهود، فيمن حمل قوله: {اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا} على التوراة. وقيل: هما فى الكفار وجزاء الأول تخلية سبيلهم، وجزاء الثانى إثبات الأخوة لهم ومعنى {بآيات الله} القرآن.
قوله: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله} ثم ذكر بعده {كيف} واقتصر عليه، فذهب بعضهم إلى أنه تكرار للتأكيد، واكتفى بذكر (كيف) عن الجملة بعد؛ لدلالة الأولى عليه. وقيل تقديره: كيف لا تقتلونهم، (ولا) يكون من التكرار فى شىء.
قوله: {لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} وقوله: {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} الأول للكفار والثانى لليهود. وقيل: ذكر الأول، وجعله جزاء للشرط، ثم أعاد ذلك؛ تقبيحا لهم، فقال: ساء ما يعملون لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة. فلا يكون تكرار محضا.
قوله: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} إنما قدم {في سبيل الله} لموافقة قوله قبله {وجاهدوا في سبيل الله} وقد سبق ذكره فى الأنفال. وقد جاء بعده فى موضعين {بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} ليعلم أن الأصل ذلك، وإنما قدم هنا لموافقة ما قبله فحسب.
قوله: {كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون} بزيادة باء، وبعده {كفروا بالله ورسوله} و {كفروا بالله ورسوله} بغير باء فيهما؛ لأن الكلام فى الآية الأولى إيجاب بعد نفى، وهو الغاية فى باب التأكيد، وهو قوله: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله} فأكد المعطوف أيضا بالباء؛ ليكون الكل فى التأكيد على منهاج واحد، وليس كذلك الآيتان بعده؛ فإنهما خلتا من التأكيد.
قوله: {فلا تعجبك أموالهم} بالفاء، وقال فى الآية الأخرى: {ولا تعجبك} بالواو؛ لأن الفاء يتضمن معنى (الجزاء، والفعل الذى قبله مستقبل يتضمن معنى) الشرط، وهو قوله: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا} اى إن يكن منهم ما ذكر فجزاؤهم. وكان الفاء هاهنا أحسن موقعا من الواو [و] التى بعدها قبلها {كفروا بالله ورسوله وماتوا} بلفظ الماضى وبمعناه، والماضى لا يتضمن معنى الشرط، ولا يقع من الميت فعل، (وكان) الواو أحسن.
قوله: {ولا أولادهم} بزيادة (لا) وقال: فى الأخرى {وأولادهم} بغير (لا) لأنه لما أكد الكلام الأول بالإيجاب بعد النفى وهو الغاية، وعلق الثانى بالأول تعليق الجزاء بالشرط، اقتضى الكلام الثانى من التوكيد ما اقتضاه الأول، فأكد معنى النهى بتكرار (لا) فى المعطوف.
قوله: {إنما يريد الله ليعذبهم} ، وقال: فى الأخرى: {أن يعذبهم} لأن (أن) فى هذه الآية مقدرة، وهى الناصبة للفعل، وصار اللام هاهنا زيادة كزيادة الباء، و (لا) فى الآية. وجواب آخر: وهو أن المفعول فى هذه الآية محذوف، أى يريد الله أن يزيد فى نعمائهم بالأموال والأولاد؛ ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا. والآية الأخرى إخبار عن قوم ماتوا على الكفر فتعلق الإرادة بما هم فيه، وهو العذاب.
قوله: {في الحياة الدنيا} وفى الآية الأخرى {في الدنيا} لأن (الدنيا) صفة للحياة فى الآيتين فأثبت الموصوف (والصفة فى الأولى، وحذف الموصوف) فى الثانية اكتفاء بذكره فى الأولى، وليست الآيتان مكررتين؛ لأن الأولى فى قوم، والثانية فى آخرين، وقيل: الأولى فى المنافقين والثانية فى اليهود.
قوله: {يريدون أن يطفئوا نور الله} وفى الصف {ليطفئوا نور الله} هذه الآية تشبه قوله: {يريد الله أن يعذبهم} و {ليعذبهم} حذف اللام من الآية الأولى، لأن مرادهم إطفاء نور الله بأفواههم، وهو المفعول به، والتقدير: ذلك قولهم بأفواههم، ومرادهم إطفاء نور الله بأفواههم.
والمراد الذى هو المفعول به فى الصف مضمر تقديره: ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب [يريدون ذلك] ليطفئوا نور الله فاللام لام العلة. وذهب بعض النحاة إلى أن الفعل محمول على المصدر.
أى إرادتهم لإطفاء نور الله.
قوله: {ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} هذه الكلمات تقع على وجهين: أحدهما: ذلك الفوز بغير (هو) . وهو فى القرآن فى ستة مواضع: فى براءة موضعان، وفى النساء، والمائدة، والصف، والتغابن؛ وما فى النساء (وذلك) بزيادة واو. والثانى ذلك هو الفوز بزيادة (هو) وذلك فى القرآن فى ستة مواضع أيضا: فى براءة موضعان، وفى يونس، والمؤمن، والدخان، والحديد، وما فى براءة أحدهما بزيادة الواو. وهو قوله: {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} وكذلك ما فى المؤمن بزيادة واو. والجملة إذا جاءت بعد جملة من غير تراخ بنزول جاءت مربوطة بما قبلها إما بواو العطف وإما بكناية تعود من الثانية إلى الأولى، وإما بإشارة فيها إليها.
وربما يجمع بين اثنين منها، والثلاثة؛ للدلالة على مبالغة فيها. ففى السورة {خالدا فيها ذلك} و {خالدين فيها ذلك} وفيها أيضا {ورضوان من الله أكبر ذلك هو} فجمع بين اثنين. وبعدهما {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو} فجمع بين الثلاثة، تنبيها على أن الاستبشار من الله يتضمن رضوانه، والرضوان يتضمن الخلود فى الجنان قال تاج القراء:
ويحتمل أن ذلك لما تقدمه من قوله: {وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن} فيكون كل واحد منهما فى مقابلة (واحد، وكذلك فى المؤمن تقدمه "فاغفر وقهم وأدخلهم"، فوقعت فى مقابلة) الثلاثة.
قوله: {وطبع على قلوبهم} ثم قال بعد: {وطبع الله على قلوبهم} لأن قوله: (وطبع) محمول على رأس الآية، وهو قوله: {وإذا أنزلت سورة} فبنى مجهول على مجهول، والثانى محمول، على ما تقدم من ذكر الله تعالى مرات (وكان) اللائق: وطبع الله، ثم ختم كل آية بما يليق بها، فقال فى الأولى: لا يفقهون، وفى الثانية: لا يعلمون، لأن العلم فوق الفقه، والفعل المسند إلى الله فوق المسند إلى المجهول.
قوله: {وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون} ، وقال فى الأخرى: {وسيرى الله عملكم ورسوله وستردون} لأن الأولى فى المنافقين، ولا يطلع على ضمائرهم إلا الله تعالى، ثم رسوله بإطلاع الله إياه عليها؛كقوله: {قد نبأنا الله من أخباركم} والثانية فى المؤمنين، وطاعات المؤمنين وعباداتهم ظاهرة لله ولرسوله وللمؤمنين. وختم آية المنافقين بقوله: {ثم تردون} فقطعه عن الأول؛ لأنه وعيد. وختم آية المؤمنين بقوله: {وستردون} لأنه وعد، فبناه على قوله {فسيرى الله} .
قوله: {إلا كتب لهم به عمل صالح} وفى الأخرى {إلا كتب لهم ليجزيهم الله} [لأن الآية الأولى] مشتملة على ما هو من عملهم، وهو قوله: {ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا} ، وعلى ما ليس من عملهم، وهو الظمأ والنصب والمخمصة، والله سبحانه بفضله أجرى ذلك مجرى عملهم فى الثواب، فقال: {إلا كتب لهم به عمل صالح} أى جزاء عمل صالح، والثانية مشتملة على ما هو من عملهم، وهو إنفاق المال فى طاعته، وتحمل المشاق فى قطع المسافات، فكتب لهم بعينه. لذلك ختم الآية بقوله: {ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} لكون الكل من عملهم فوعدهم حسن الجزاء عليه وختم (الآية) بقوله: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} حين ألحق ما ليس من عملهم بما هو من عملهم، ثم جازاهم على الكل أحسن الجزاء.
فضل السورة
عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ما نزل على القرآن إلا آية آية، وحرفا حرفا، خلا سورة براءة، وقل هو الله أحد؛ فإنهما أنزلتا ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة، كل يقول استوصوا بنسبة الله خيرا" وقال: من قرأ سورة الأنفال وبراءة شهدا له يوم القيام بالبراءة من الشرك والنفاق، وأعطى بعدد كل منافق ومنافقة منازل فى الجنة، ويكتب له مثل تسبيح العرش وحملته إلى يوم القيامة. وعنه: يا على من قرأ سورة التوبة يقبل الله توبته؛ كما يقبل من آدم وداود، واستجاب دعاءه، كما استجاب لزكريا. وله بكل آية قرأها مثل ثواب زكريا. الحديثان ضعيفان جدا.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-07, 12:04 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(26)
من صـــ 238 الى صـــ 244
بصيرة فى.. الر. تلك آيات الكتاب
اعلم أن هذه السورة مكية، بالاتفاق. عدد آياتها مائة وعشر آيات عند الشاميين، وتسع عند الباقين. وعدد كلماتها ألف وأربعمائة وتسع وتسعون كلمة. وحروفها سبعة آلاف وخمس وستون.
والآيات المختلف فيها أربعة: {مخلصين له الدين} {وشفآء لما في الصدور} و {من الشاكرين} .
ومجموع فواصلها (ملن) على اللام منها آية واحدة {ومآ أنا عليكم بوكيل} وكل آية على الميم قبل الميم ياء.
وسميت سورة يونس لما فى آخرها من ذكر كشف العذاب عن قوم يونس ببركة الإيمان عند اليأس فى قوله: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعهآ إيمانها إلا قوم يونس} .
مقصود السورة: إثبات النبوة، وبيان فساد اعتقاد الكفار فى حق النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن، وذكر جزائهم على ذلك فى الدار الآخرة،وتقدير منازل الشمس والقمر لمصالح الخلق، وذم القانعين بالدنيا الفانية عن النعيم الباقى، ومدح أهل الإيمان فى طلب الجنان؛ واستعجال الكفار بالعذاب، وامتحان الحق تعالى خلقه باستخلافهم فى الأرض، وذكر (عدم تعقل) الكفار كلام الله، ونسبته إلى الافتراء والاختلاف، والإشارة إلى إبطال الأصنام وعبادها، وبيان المنة على العباد بالنجاة من الهلاك فى البر والبحر، وتمثيل الدنيا بنزول المطر، وظهور ألوان النبات والأزهار، ودعوة الخلق إلى دار السلام، وبيان ذل الكفار فى القيامة، ومشاهدة الخلق فى العقبى ما قدموه من طاعة ومعصية، وبيان أن الحق واحد، وما سواه باطل، وإثبات البعث والقيامة بالبرهان، والحجة الواضحة، وبيان فائدة نزول القرآن، والأمر بإظهار السرور والفرح بالصلاة والقرآن، وتمييز أهل الولاية من أهل الجناية، وتسلية النبى صلى الله عليه وسلم بذكر شىء من قصة موسى، وواقعة بنى إسرائيل مع قوم فرعون، وذكر طمس أموال القبطيين، ونجاة الإسرائيليين من البحر، وهلاك أعدائهم من الفرعونيين، ونجاة قوم يونس بإخلاص الإيمان فى قوت اليأس، وتأكيد نبوة النبى صلى الله عليه وسلم، وأمره بالصبر على جفاء المشركين وأذاهم، فى قوله: {حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} .
الناسخ والمنسوخ
المنسوخ فى هذه السورة خمس آيات {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} م {ليغفر لك الله} ن {قل فانتظروا} م آية السيف ن {من اهتدى} إلى قوله: {وكيل} م آية السيف ن {فقل لي عملي} م آية السيف ن {واتبع ما يوحى إليك واصبر} م آية السيف ن.
المتشابهات
قوله: {إليه مرجعكم [جميعا] } وفى هود {إلى الله مرجعكم} لأن ما فى هذه السورة خطاب للمؤمنين والكافرين جميعا؛ يدل عليه قوله: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا} الآية. وكذلك ما فى المائدة {مرجعكم جميعا} ؛ لأنه خطاب للمؤمنين والكافرين بدليل قوله: {فيه تختلفون} وما فى هود خطاب للكفار؛ يدل عليه قوله: {وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} .
قوله: {وإذا مس الإنسان الضر} بالألف واللام؛ لأنه إشارة إلى ما تقدم من الشر فى قوله: {ولو يعجل الله للناس الشر} فإن الضر والشر واحد. وجاء الضر فى هذه السورة بالألف واللام، وبالإضافة وبالتنوين.
قوله: {وما كانوا ليؤمنوا} بالواو؛ لأنه معطوف على قوله: {ظلموا} من قوله: {لما ظلموا وجآءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا} وفى غيرها بالفاء للتعقيب.
قوله: {فمن أظلم} بالفاء؛ لموافقة ما قبلها. وقد سبق فى الأنعام. قوله: {ما لا يضرهم ولا ينفعهم} سبق فى الأعراف.
قوله: {فيما فيه يختلفون} وفى غيرها: {فيما هم فيه} بزيادة (هم) لأن هنا تقدم (فاختلفوا) ، فاكتفى به عن إعادة الضمير؛ وفى الآية {بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} بزياة (لا) وتكرار (فى) لأن تكرار (لا) مع النفى كثير حسن، فلما كرر (لا) كرر (فى) تحسينا للفظ. ومثله فى سبأ فى موضعين، والملائكة.
قوله {فلمآ أنجاهم} بالألف؛ لأنه وقع فى مقابلة {أنجينا} .
قوله: {فأتوا بسورة مثله} وفى هود: {بعشر سور مثله} لأن ما فى هذه السورة تقديره: بسورة مثل سورة يونس. فالمضاف محذوف فى السورتين، وما فى هود إشارة إلى ما تقدمها: من أول الفاتحة إلى سورة هود، وهو عشر سور.
قوله: {وادعوا من استطعتم} هنا، وكذلك فى هود، وفى البقرة {شهدآءكم} ؛ لأنه لما زاد فى هود {وادعوا} زاد فى المدعوين. ولهذا قال فى سبحان: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن} لأنه مقترن بقوله: {بمثل هاذا القرآن} والمراد به كله.
قوله: {ومنهم من يستمعون إليك} بلفظ الجمع وبعده: {ومنهم من ينظر إليك} بلفظ المفرد؛ لأن المستمع إلى القرآن كالمستمع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، بخلاف النظر (وكان) فى المستمعين كثرة فجمع ليطابق اللفظ المعنى، ووحد (ينظر) حملا على اللفظ إذ لم يكثر كثرتهم.
قوله: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا} فى هذه الآية فحسب؛ لأن قبله قوله: {ويوم نحشرهم جميعا} وقوله: {إليه مرجعكم جميعا} يدلان على ذلك فاكتفى به.
قوله: {لكل أمة أجل إذا جآء أجلهم فلا يستأخرون ساعة} فى هذه السورة فقط؛ لأن التقدير فيها: لكل أمة أجل، فلا يستأخرون إذا جاء أجلهم. فكان هذا فيمن قتل ببدر والمعنى: لم يستأخروا.
قوله: {ألا إن لله ما في السماوات والأرض} ذكر بلفظ ما لأن معنى ما هاهنا المال، فذكر بلفظ ما دون من ولم يكرر ما اكتفاء بقوله قبله {ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض} .
قوله: {ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض} ذكر بلفظ (من) وكرر؛ لأن هذه الآية نزلت فى قوم آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل فيهم {ولا يحزنك قولهم} فاقتضى لفظ من وكرر؛ لأن المراد: من فى الأرض هاهنا لكونهم فيها؛ لكن قدم ذكر (من فى السماوات) تعظيما ثم عطف (من فى الأرض) على ذلك.
قوله: {ما في السماوات وما في الأرض} ذكر بلفظ (ما) فكرر؛ لأن بعض الكفار قالوا: اتخذ الله ولدا، فقال سبحانه: له ما فى السماوات وما فى الأرض، أى اتخاذ الولد إنما يكون لدفع أذى، أو جذب منفعة، والله مالك ما فى السماوات وما فى الأرض. (وكان) الموضع (موضع [ما وموضع] التكرار؛ للتأكيد والتخصيص.
قوله: {ولاكن أكثرهم لا يشكرون} . ومثله فى النمل. وفى البقرة ويوسف والمؤمن: {ولاكن أكثر الناس لا يشكرون} . لأن فى هذه السورة تقدم {ولاكن أكثرهم لا يعلمون} فوافق قوله: {ولاكن أكثرهم لا يشكرون} وكذلك فى النمل تقدم {بل أكثرهم لا يعلمون} فوافقه. وفى غيرهما جاء بلفظ التصريح. وفيها أيضا قوله: {في الأرض ولا في السمآء} فقدم الأرض؛ لكون المخاطبين فيها. ومثله فى آل عمران، وإبراهيم، وطه، والعنكبوت. وفيها {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} بناء على قوله: {ومنهم من يستمعون إليك} ومثله فى الروم: {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} فحسب.
قوله: {قالوا اتخذ الله ولدا} بغير واو؛ لأنه اكتفى بالعائد عن الواو والعاطف. ومثله فى البقرة على قراءة ابن عامر: {قالوا اتخد الله ولدا} .
قوله: {فنجيناه} سبق. ومثله فى الأنبياء والشعراء.
قوله: {كذبوا} سبق.
وقوله: {ونطبع على} قد سبق.
قوله: {من فرعون وملئهم} هنا فحسب بالجمع. وفى غيرها (وملإيه)لأن الضمير فى هذه السورة يعود إلى الذرية. وقيل: يعود إلى القوم. وفى غيرها يعود إلى فرعون.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-24, 01:06 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(27)
من صـــ 245 الى صـــ 251
قوله: {وأمرت أن أكون من المؤمنين} ، وفى النمل: {من المسلمين} ؛ لأن قبله فى هذه السورة {ننج المؤمنين} فوافقه، وفى النمل أيضا وافق ما قبله، وهو قوله: {فهم مسلمون} وقد تقدم فى يونس {وأمرت أن أكون من المسلمين} .
فضل السورة
فيه حديث أبى المتفق على ضعفه: من قرأ سورة يونس أعطى من الأجر عشر حسنات، بعدد من صدق بيونس، وكذب به، وبعدد من غرق مع فرعون. وعن جعفر الصادق: من قرأ سورة يونس كان يوم القيامة من المقربين: وحديث على يا على من قرأ سورة يونس أعطاه الله من الثواب مثل ثواب حمزة، وله بكل آية قرأها مثل ثواب خضر. ضعيف.
بصيرة فى.. الر. كتاب أحكمت
هذه السورة مكية بالإجماع. وعدد آياتها مائة واثتنان وعشرون عند الشاميين، وإحدى وعشرون عند المكيين والبصريين، وثلاث وعشرون عند الكوفيين. وكلماتها ألف وتسعمائة وإحدى عشرة كلمة. وحروفها سبعة آلاف وستمائة وخمس.
والآيات المختلف فيها سبع {برياء مما تشركون} ، {في قوم لوط} ، {من سجيل} ؛ {منضود} ، {إنا عاملون} ، {إن كنتم مؤمنين} ، {مختلفين} .
مجموع فواصلها (ق ص د ت ل ن ظ م ط ب ر ز د) يجمعها قولك (قصدت لنظم طبر زد) .
وسميت سورة هود لاشتمالها على قصة هود - عليه السلام - وتفاصيلها.
المقصود الإجمالى من السورة: بيان حقيقة القرآن، واطلاع الحق سبحانه على سرائر الخلق وضمائرهم، وضمانه تعالى لأرزاق الحيوانات، والإشارة إلى تخليق العرش، وابتداء حاله، وتفاوت أحوال الكفار، وأقوالهم وتحدى النبى صلى الله عليه وسلم العرب بالإتيان بمثل القرآن، وذم طلاب الدنيا المعرضين عن العقبى، ولعن الظالمين، وطردهم، وقصة أهل الكفر والإيمان، وتفصيل قصة نوح، وذكر الطوفان، وحديث هود، وإهلاك عاد، وقصة صالح، وثمود، وبشارة الملائكة لإبراهيم وسارة بإسحاق، وحديث لوط، وإهلاك قومه، وذكر شعيب، ومناظرة قومه إياه، والإشارة إلى قصة موسى وفرعون، وبيان أن فرعون يكون مقدم قومه إلى جهنم، وذكر جميع [أحوال] القيامة، وتفضيل الفريقين والطريقين، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، والتجنب من أهل الظلم والضلال، والمحافظة على الصلوات الخمس، والطهارة، وذكر الرحمة فى اختلاف الأمة، وبيان القصص، وأنباء الرسل. لتثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم، والأمر بالتوكل على الله فى كل حال.
الناسخ والمنسوخ:
المنسوخ فى هذه السورة ثلاث آيات {من كان يريد الحياة الدنيا} م
{من كان يريد العاجلة} ن {اعملوا على مكانتكم} م آية السيف ن {وانتظروا إنا منتظرون} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله: {فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا} بحذف النون، والجمع، وفى القصص {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم} عدت هذه الآية من المتشابه فى فصلين: أحدهما حذف النون من (فإلم) فى هذه السورة وإثباتها فى غيرها. وهذا من فصل الخط. وذكر فى موضعه. والثانى جمع الخطاب هاهنا، وتوحيده فى القصص؛ لأن ما فى هذه السورة خطاب للكفار، والفعل لمن استطعتم، وما فى القصص خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، والفعل للكفار.
قوله: {وهم بالآخرة هم كافرون} سبق.
قوله: {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} ، وفى النحل: {هم الخاسرون} ؛ لأن هؤلاء صدوا عن سبيل الله، وصدوا غيرهم، فضلوا وأضلوا؛ فهم الأخسرون يضاعف لهم العذاب، وفى النحل صدوا، فهم الخاسرون. قال الإمام: لأن ما قبلها فى هذه السورة، (يبصرون، يفترون) لا يعتمدان على ألف بينهما، وفى النحل (الكافرون والغافلون) فللموافقة بين الفواصل جاء فى هذه السورة: الأخسرون وفى النحل: الخاسرون.
قوله: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال} بالفاء وبعده: {فقال الملأ} بالفاء وهو القياس. وقد سبق.
قوله: {وآتاني رحمة من عنده} وبعده {وآتاني منه رحمة} وبعدهما {ورزقني منه رزقا حسنا} ؛ لأن (عنده) وإن كان ظرفا فهو اسم فذكر فى الأولى بالصريح، والثانية والثالثة بالكناية؛ لتقدم ذكره. فلما كنى عنه قدم؛ لأن الكناية يتقدم عليها الاسم الظاهر نحو ضرب زيد عمرا فإن كنيت عن عمرو قدمته؛ نحو عمرو ضربه زيد. وكذلك زيد أعطانى درهما من ماله، فإن كنيت عن المال قلت: المال زيد أعطانى منه درهما. قال الإمام: لما وقع {آتاني رحمة} فى جواب كلام فيه ثلاثة أفعال كلها متعد إلى مفعولين ليس بينهما حائل بجار ومجرور وهو قوله: {ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك} و {نظنكم كاذبين} أجرى الجواب مجراه، فجمع بين المفعولين من غير حائل. وأما الثانى فقد وقع فى جواب كلام قد حيل بينهما بجار ومجرور، وهو قوله: {قد كنت فينا مرجوا} ؛ لأن خبر كان بمنزلة المفعول، لذلك حيل فى الجواب بين المفعولين بالجار والمجرور.
قوله: {لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله} فى قصة نوح، وفى غيرها {أجرا إن أجري} لأن فى قصة نوح وقع بعدها (خزائن) ولفظ المال للخزائن أليق.
قوله: {ولا أقول إني ملك} وفى الأنعام: {ولا أقول لكم إني ملك} ؛ لأن [ما] فى الأنعام آخر الكلام [بدأ] فيه بالخطاب، وختم به، وليس [ما] فى هذه السورة آخر الكلام، بل آخره {تزدري أعينكم} فبدأ بالخطاب وختم به فى السورتين.
قوله: {ولا تضرونه شيئا} وفى التوبة) {ولا تضروه شيئا} ذكر هذا فى المتشابه، وليس منه؛ لأن قوله: {ولا تضرونه شيئا} عطف على قوله: {ويستخلف ربي} ، فهو مرفوع، وفى التوبة معطوف على {يعذبكم ويستبدل} وهما مجزومان، فهو مجزوم.
قوله: {ولما جآء أمرنا نجينا هودا} فى قصة هود وشعيب بالواو،وفى قصة صالح ولوط: (فلما) بالفاء؛ لأن العذاب فى قصة هود وشعيب تأخر عن وقت الوعيد؛ فإن فى قصة هود: {فإن تولوا فقد أبلغتكم مآ أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم} وفى قصة شعيب {سوف تعلمون} والتخويف قارنه التسويف، فجاء بالواو والمهلة، وفى قصة صالح ولوط وقع العذاب عقيب الوعيد؛ فإن قصة صالح {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} ، وفى قصة لوط: {أليس الصبح بقريب} فجاء بالفاء للتعجيل والتعقيب.
قوله: {وأتبعوا في هاذه الدنيا لعنة} وفى قصة موسى: {في هاذه لعنة} ؛ لأنه لما ذكر فى الآية الأولى الصفة والموصوف اقتصر فى الثانية على الموصوف؛ للعلم به والاكتفاء بما فيه.
قوله {إن ربي قريب مجيب} وبعده {إن ربي رحيم ودود} ؛ لموافقة الفواصل. ومثله {لحليم أواه منيب} ، وفى التوبة {لأواه حليم} للروى فى السورتين.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-24, 01:13 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(28)
من صـــ 252 الى صـــ 258
قوله: {وإننا لفي شك مما تدعونآ إليه مريب} [وفى إبراهيم {إنا لفي شك مما تدعوننآ إليه مريب} ] ؛ لأن فى هذه السورة جاء على الأصل (وتدعونا) خطاب مفرد، وفى إبراهيم لما وقع بعده (تدعوننا) بنونين، لأنه خطاب جمع، حذف النون استثقالا للجمع بين النونات، ولأن فى سورة إبراهيم اقترن بضمير قد غير ما قبله بحذف الحركة، وهو الضمير المرفوع فى قوله: (كفرنا) ، فغير ما قبله فى (إنا) بحذف النون، وفى هود اقترن ضمير لم يغير ما قبله، وهو الضمير المنصوب، والضمير المجرور فى قوله: {فينا مرجوا قبل هاذا أتنهانآ أن نعبد ما يعبد آباؤنا} فصح كما صح.
قوله: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} ثم قال {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} التذكير والتأنيث حسنان، لكن التذكير أخف فى الأولى. وفى الأخرى وافق ما بعدها وهو {كما بعدت ثمود} قال: الإمام: لما جاءت فى قصة شعيب مرة الرجفة، ومرة الظلة، ومرة الصيحة، ازداد التأنيث حسنا.
قوله: {في ديارهم} فى موضعين فى هذه السورة فحسب، لأنه اتصل بالصيحة، وكانت من السماء، فازدادت على الرجفة؛ لأنها الزلزلة، وهى تختص بجزء من الأرض فجمعت مع الصيحة، وأفردت مع الرجفة.
قوله: {إن ثمودا} بالتنوين ذكر فى المتشابه. وثمود من الثمد، وهو الماء القليل، جعل اسم قبيلة، فهو منصرف من وجه، وممنوع من وجه، فصرفوه فى حالة النصب؛ لأنه أخف أحوال الاسم، ومنعوه فى حالة الرفع؛ لأنه أثقل أحوال الاسم، وجاز الوجهان فى الجر؛ لأنه واسطة بين الخفة والثقل.
قوله: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم} وفى القصص: {مهلك القرى} ؛ لأن الله سبحانه وتعالى نفى الظلم عن نفسه بأبلغ لفظ يستعمل فى النفى؛ لأن هذه اللام لام الجحود، ولا يظهر بعدها (أن) ولا يقع بعدها المصدر، ويختص بكان، ولم يكن، ومعناه: ما فعلت فيما مضى، ولا أفعل فى الحال، ولا أفعل فى المستقبل، (وكان) الغاية فى النفى، وفى القصص لم يكن صريح ظلم، فاكتفى بذكر اسم الفاعل، وهو لأحد الأزمنة غير معين، ثم نفاه.
قوله: {فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد} استثنى فى هذه السورة من الأهل قوله: {إلا امرأتك} ولم يستثن فى الحجر اكتفاء بما قبله، وهو قوله: {إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته} فهذا الاستثناء الذى انفردت به سورة الحجر قام مقام الاستثناء من قوله: {فأسر بأهلك بقطع من الليل} وزاد فى الحجر {واتبع أدبارهم} ؛ لأنه إذا ساقهم وكان من ورائهم علم بنجاتهم ولا يخفى عليه حالهم.
فضل السورة
يذكر فيه حديثان ساقطا الإسناد: حديث أبى: من قرأ سورة هود أعطى من الأجر بعدد من صدق نوحا، وهودا، وصالحا، ولوطا، وشعيبا، وموسى، وهارون، وبعدد من كذبهم، ويعطيه بعددهم ألف ألف مدينة فيها من الفوز والنعيم ما يعجز عن ذكره الملائكة ولا يعلم إلا الرب الغفور الودود الشكور، وحديث على: يا على من قرأ سورة هود يخرج من الدنيا كما يخرج يحيى بن زكريا طاهرا مطهرا، وكان فى الجنة رفيق يحيى، وله بكل آية قرأها ثواب أم يحيى.
بصيرة فى.. الر. تلك آيات الكتاب المبين
هذه السورة مكية بالاتفاق. وعدد آياتها مائة وإحدى عشرة، بلا خلاف. وكلماتها ألف وسبعمائة وست وسبعون. وحروفها سبعة آلاف ومائة وست وستون. وما فيها آية مختلف فيها.
مجموع فواصل آياتها يجمعها قولك (لم نر) . منها آية واحدة على اللام: {قال الله على ما نقول وكيل} . وما لها اسم سوى سورة يوسف؛ لاشتمالها على قصته.
مقصود السورة إجمالا: عرض العجائب التى تتضمنها: من حديث يوسف ويعقوب، والوقائع التى فى هذه القصة: من تعبير الرؤيا، وحسد الإخوة، وحيلهم فى التفريق بينه وبين أبيه، وتفصيل الصبر الجميل من جهة يعقوب، وبشارة مالك بن دعر بوجدان يوسف، وبيع الإخوة أخاهم بثمن بخس، وعرضه على البيع والشراء، بسوق مصر، ورغبة زليخا وعزيز مصر فى شراه، ونظر زليخا إلى يوسف، واحتراز يوسف منها، وحديث رؤية البرهان، وشهادة الشاهد، وتعيير النسوة زليخا، وتحيرهن فى حسن يوسف، وجماله، وحبسه فى السجن، ودخول الساقى والطباخ إليه، وسؤالهما إياه، ودعوته إياه إلى التوحيد، ونجاة الساقى، وهلاك الطباخ، ووصية يوسف للساقى بأن يذكره عند ربه، وحديث رؤيا مالك بن الريان، وعجز العابرين عن عبارته، وتذكر الساقى يوسف، وتعبيره لرؤياه فى السجن، وطلب مالك يوسف، وإخراجه من السجن، وتسليم مقاليد الخزائن إليه، ومقدم إخوته لطلب الميرة، وعهد يعقوب مع أولاده، ووصيتهم فى كيفية الدخول إلى مصر، وقاعدة تعريف يوسف نفسه لبنيامين، وقضائه حاجة الإخوة، وتغييبه الصاع فى أحمالهم، وتوقيف بنيامين بعلة السرقة، واستدعائهم منه توقيف غيره من الإخوة مكانه، ورده الإخوة إلى أبيهم، وشكوى يعقوب من جور الهجران، وألم الفراق، وإرسال يعقوب إياهم فى طلب يوسف، وأخيه، وتضرع الإخوة بين يدى يوسف، وإظهار يوسف لهم ما فعلوه معه من الإساءة وعفوه عنهم، وإرساله بقميصه صحبتهم إلى يعقوب، وتوجه يعقوب من كنعان إلى مصر، وحوالة يوسف ذنب إخوته على مكايد الشيطان، وشكره لله تعالى على ما خوله من الملك، ودعائه وسؤاله حسن الخاتمة، وجميل العاقبة، وطلب السعادة، والشهادة، وتعيير الكفار على الإعراض من الحجة، والإشارة إلى أن قصة يوسف عبرة للعالمين فى قوله: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} إلى آخر السورة.
وهذه السورة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
المتشابهات: قوله: {إن ربك عليم حكيم} ليس فى القرآن غيره أى عليم: علمك تأويل الأحاديث، حكيم: اجتباك للرسالة.
قوله: {قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل} فى موضعين، وليس بتكرار؛ لأنه ذكر الأول حين نعى إليه يوسف، والثانى حين رفع إليه ما جرى على بنيامين.
قوله: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} ومثلها فى القصص. وزاد فيها (واستوى) ؛ لأن يوسف عليه السلام أوحى إليه وهو فى البئر، وموسى عليه السلام أوحى إليه بعد أربعين سنة. وقوله (واستوى) إشارة إلى تلك الزيادة. ومثله {وبلغ أربعين سنة} بعد قوله: {حتى إذا بلغ أشده} .
قوله: {معاذ الله} هنا فى موضعين، وليس بتكرار؛ لأن الأول ذكره حين دعته إلى المواقعة، والثانى حين دعى إلى تغيير حكم السرقة.
قوله: {قلن حاش لله} فى موضعين: أحدهما فى حضرة يوسف، حين نفين عنه البشرية بزعمهن، والثانى بظهر الغيب حين نفين عنه السوء.
قوله: {إنا نراك من المحسنين} (فى موضعين) ليس بتكرار؛ لأن الأول من كلام من صاحبى السجن ليوسف، والثانى من كلام إخوته له.
قوله: {ياصاحبي السجن} فى موضعين: الأول ذكره يوسف حين عدل عن جوابهما إلى دعائهما إلى الإيمان. والثانى حين عاد إلى تعبير (رؤياهما) ؛ تنبيها على أن الكلام الأول قد تم.
قوله: {لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون} كرر (لعلى) مراعاة لفواصل الآى. ولو جاء على مقتضى الكلام لقال: لعلى أرجع إلى الناس فيعلموا، بحذف النون على الجواب. ومثله فى هذه السورة سواء قوله: {لعلهم يعرفونهآ إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون} أى لعلهم يعرفونها فيرجعوا.
قوله: {ولما جهزهم بجهازهم} فى موضعين: الأول حكاية عن تجهيزه إياهم أول ما دخلوا عليه. والثانى حين أرادوا الانصراف من عنده فى المرة الثانية. وذكر الأول بالواو؛ لأنه أول قصصهم معه، والثانى بالفاء، عطفا على {ولما دخلوا} وتعقيبا له.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-24, 01:21 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(29)
من صـــ 259 الى صـــ 265
قوله: (تالله) فى ثلاثة مواضع: الأول يمين منهم أنهم ليسوا سارقين، وأن أهل مصر بذلك عالمون، والثانى يمين منهم أنك لو واظبت على هذا الحزن والجزع تصير حرضا، أو تكون من الهالكين، والثالث يمين منهم أن الله فضله عليهم، وأنهم كانوا خاطئين.
قوله: {ومآ أرسلنا من قبلك} وفى الأنبياء {ومآ أرسلنا قبلك} بغير (من) لأن (قبل) اسم للزمان السابق على ما أضيف إليه، و (من) يفيد استيعاب الطرفين، وما فى هذه السورة للاستيعاب. وقد يقع (قبل) على بعض ما تقدم؛ كما فى الأنبياء، وهو قوله: {مآ آمنت قبلهم من قرية} ثم وقع عقبه {ومآ أرسلنا قبلك} فحذف (من) لأنه هو بعينه.
قوله: {أفلم يسيروا في الأرض} بالفاء. وفى الروم والملائكة بالواو؛ لأن الفاء يدل على الاتصال والعطف، والواو يدل على العطف المجرد. وفى هذه السورة قد اتصلت بالأول؛ كقوله تعالى: {ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا} حال من كذبهم وما نزل بهم، وليس كذلك فى الروم والملائكة.
قوله: {ولدار الآخرة خير} بالإضافة، وفى الأعراف {والدار الآخرة خير} على الصفة؛ لأن هنا تقدم ذكر الساعة، فصار التقدير: ولدار الساعة الآخرة، فحذف الموصوف، وفى الأعراف تقدم قوله: {عرض هاذا الأدنى} أى المنزل الأدنى، فجعله وصفا للمنزل، والدار الدنيا والدار الآخرة بمعناه، فأجرى مجراه. تأمل فى السورة فإن فيها برهان أحسن القصص.
فضل السورة
لم يرد فيه سوى أحاديث واهية. منها حديث أبى: علموا أرقاءكم سورة يوسف؛ فإنه أيما مسلم تلاها وعلمها أهله، وما ملكت يمينه، هون الله عليه سكرات الموت، وأعطاه القوة ألا يحسد مسلما، وكان له بكل رقيق فى الدنيا مائة ألف ألف حسنة، ومثلها درجة، ويكون فى جوار يوسف فى الجنة. ثم قال: تعلموها وعلموها أولادكم؛ فإنه من قرأها كان له من الأجر كأجر من اجتنب الفواحش، وأجر من غض بصره عن النظر إلى الحرام. وقال: يا على من قرأ سورة يوسف تقبل الله حسناته، واستجاب دعاءه، وقضى حوائجه وله بكل آية قرأها ثواب الفقراء.
بصيرة فى.. المر. تلك آيات الكتاب والذى أنزل اليك
السورة مكية. وعدد آياتها سبع وأربعون عند الشاميين، وثلاث عند الكوفيين، وأربع عند الحجازيين، وخمس عند البصريين. وكلماتها ثمان مائة وخمس وستون. وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وستة أحرف.
والآيات المختلف فيها خمس: (جديد، النور، البصير، وسوء الحساب، من كل باب) .
وفواصل آياتها يجمعها قولك (نقر دعبل) منها على العين آية واحدة {إلا متاع} وما على النون فقبل النون واو، وسائر الآيات التى على الباء فقبلها ألف؛ نحو مآب، متاب، سوى (القلوب) ؛ فقبلها واو.
وتسمى سورة الرعد؛ لقوله فيها: {يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} .
مقصود السورة: بيان حجة التوحيد فى تخليق السماوات والأرض، واستخراج الأنهار والأشجار والثمار، وتهديد الكفار، ووعيدهم، وذكر تخليق الأولاد فى أرحام الأمهات، على تباين الدرجات، ومع النقصان والزيادات، فى الأيام والساعات، واطلاع الحق تعالى على بواطن الأسرار، وضمائر الأخيار والأشرار، وذكر السحاب، والرعد، والبرق، والصواعق، والانتظار. والرد على عبادة الأصنام، وقصة نزول القرآن من السماء، والوفاء بالعهد، ونقض الميثاق، ودخول الملائكة بالتسليم على أهل الجنان، وأنس أهل الإيمان، بذكر الرحمة، وبيان تأثير القرآن، فى الآثار والأعيان، وكون عاقبة أهل الإيمان إلى الجنان، ومقر مرجع الكفار إلى النيران، والمحو والإثبات فى اللوح بحسب مشيئة الديان، وتقدير الحق فى أطراف الأرض بالزيادة والنقصان، وتقرير نبوة المصطفى بنزول الكتاب، وبيان القرآن فى قوله: {ويقول الذين كفروا لست مرسلا} إلى آخر السورة.
الناسخ والمنسوخ:
فى السورة آيتان {فإنما عليك البلاغ} م آية السيف ن {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} م {إن الله لا يغفر أن يشرك به} ن وقيل: هى محكمة.
المتشابهات:
قوله: {كل يجري لأجل مسمى} ، وفى لقمان: {إلى أجل} لا ثانى له، لأنك تقول فى الزمان: جرى ليوم كذا، وإلى يوم كذا، والأكثر اللام؛ كما فى هذه السورة، وسورة الملائكة. وكذلك فى يس {تجري لمستقر لها} ؛ لأنه بمنزلة التاريخ؛ تقول: كتبت لثلاث بقين من الشهر، وآتيك لخمس تبقى من الشهر. وأما فى لقمان فوافق ما قبلها، وهو قوله: {ومن يسلم وجهه إلى الله} ، والقياس: لله؛ كما فى قوله: {أسلمت وجهي لله} لكنه حمل على المعنى، أى يقصد بطاعته إلى الله، كذلك: يجرى إلى أجل مسمى، أى يجرى إلى وقته المسمى له.
قوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} وبعدها {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} ؛ لأن بالتفكر فى الآيات يعقل ما جعلت الآيات دليلا له؛ فهو الأول المؤدى إلى الثانى.
قوله: {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه} هاهنا موضعان. وزعموا أنه لا ثالث لهما. ليس هذا بتكرار محض؛ لأن المراد بالأول آية مما اقترحوا؛ نحو ما فى قوله: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض} الآيات وبالثانى آية ما، لأنهم لم يهتدوا إلى أن القرآن آية فوق كل آية، وأنكروا سائر آياته صلى الله عليه وسلم.
قوله: {ولله يسجد من في السماوات والأرض} وفى النحل {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دآبة والملائكة} وفى الحج {أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم} ؛ لأن فى هذه السورة تقدم آية السجدة ذكر العلويات: من البرق والسحاب والصواعق، ثم ذكر الملائكة وتسبيحهم، وذكر بأخرة الأصنام والكفار، فبدأ فى آية السجدة بذكر من فى السماوات لذلك، وذكر الأرض تبعا، ولم يذكر من فيها؛ استخفافا بالكفار والأصنام. وأما فى الحج فقد تقدم ذكر المؤمنين وسائر الأديان، فقدم ذكر من فى السماوات؛ تعظيما لهم ولها، وذكر من فى الأرض؛ لأنهم هم الذين تقدم ذكرهم. وأما فى النحل فقد تقدم ذكر ما خلق الله على العموم،ولم يكن فيه ذكر الملائكة، ولا الإنس تصريحا، فنصت الآية ما فى السماوات وما فى الأرض؛ فقال فى كل آية ما ناسبها.
قوله: {نفعا ولا ضرا} قد سبق.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-24, 01:39 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(30)
من صـــ 266 الى صـــ 272
قوله: {كذلك يضرب الله} ليس بتكرار؛ لأن التقدير: كذلك يضرب الله للحق والباطل الأمثال، فلما اعترض بينهما (فأما) و (أما) وطال الكلام أعاد، فقال: {كذلك يضرب الله الأمثال} .
قوله: {له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} وفى المائدة {ليفتدوا به} ؛ لأن (لو) وجوابها يتصلان بالماضى، فقال: فى هذه السورة {لافتدوا به} وجوابه فى المائدة {ما تقبل منهم} وهو بلفط الماضى، وقوله: {ليفتدوا به} علة، وليس بجواب.
قوله: {مآ أمر الله به أن يوصل} فى موضعين: هذا ليس بتكرار؛ لأن الأول متصل بقوله: (يصلون) وعطف عليه (ويخشون) ، والثانى متصل بقوله: (يقطعون) وعطف عليه (يفسدون) .
قوله: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} ومثله فى المؤمنين ليس بتكرار. قال ابن عباس: عيروا رسول الله صلى الله عليه وسلم باشتغاله بالنكاح والتكثر منه فأنزل الله تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} فكان المراد من الآية قوله: {وجعلنا لهم أزواجا وذرية} بخلاف ما فى المؤمنين؛ فإن المراد منه: لست ببدع من الرسل {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} .
قوله: {وإن ما نرينك} مقطوع، وفى سائر القرآن: (وإما) موصول. وهو من الهجاء: (إن) و (ما) وذكر فى موضعين.
فضل السورة
يذكر فيه من الأحاديث الساقطة حديث أبى: من قرأ سورة الرعد أعطى من الأجر عشر حسنات، بوزن كل سحاب مضى، وكل سحاب يكون، إلى يوم القيامة، ودرجات فى جنات عدن، وكان يوم القيامة فى أولاده، وذريته، وأهل بيته من المسلمين. وعن جعفر الصادق: من قرأها لم تصبه صاعقة أبدا، ودخل الجنة بلا حساب، وحديث على: يا على من قرأ سورة الرعد كتب له بكل قطرة تمطر فى تلك السنة ثمانون حسنة، وأربع وثمانون درجة، وله بكل آية قرأها مثل ثواب من يموت فى طلب العلم.
بصيرة فى.. الر. كتاب أنزلناه اليك
السورة مكية إجماعا، غير آية واحدة: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} الآية. وعدد آياتها خمس وخمسون عند الشاميين، واثنتان عند الكوفيين، وأربع عند الحجازيين، وواحدة عند البصريين، وكلماتها ثمانمائة وإحدى وثلاثون. وحروفها ستة آلاف وأربعمائة وأربع وثلاثون.
والآيات المختلف فيها سبع: {إلى النور} ، وعاد، وثمود، {بخلق جديد} ، {وفرعها في السمآء} {الليل والنهار} {عما يعمل الظالمون} .
مجموع فواصل آياتها (آدم نظر، صب ذل) .
وتسمى سورة إبراهيم؛ لتضمنها قصة إسكانه ولده إسماعيل بواد غير ذى زرع، وشكره لله تعالى على ما أنعم عليه من الولدين: إسماعيل وإسحاق.
مقصود السورة: بيان حقيقة الإيمان، وبرهان النبوة، وأن الله تعالى أرسل كل رسول بلغة قومه، وذكر الامتنان على بنى إسرائيل بنجاتهم من فرعون، وأن القيام بشكر النعم يوجب المزيد، وكفرانها يوجب الزوال، وذكر معاملة القرون الماضية مع الأنبياء، والرسل الغابرين، وأمر الأنبياء بالتوكل على الله عند تهديد الكفار إياهم، وبيان مذلة الكفار فى العذاب، والعقوبة، وبطلان أعمالهم، وكمال إذلالهم فى القيامة، وبيان جزعهم من العقوبة، وإلزام الحجة عليهم، وإحال إبليس اللائمة عليهم، وبيان سلامة أهل الجنة، وكرامتهم، وتشبيه الإيمان (والتوحيد بالشجرة الطيبة وهى النخلة وتمثيل الكفر بالشجرة الخبيثة وهى الحنطة وتثبيت أهل الإيمان) على كلمة الصواب عند سؤال منكر ونكير، والشكوى من الكفار بكفران النعمة، وأمر المؤمنين بإقامة الصلوات، والعبادات، وذكر المنة على المؤمنين بالنعم السابغات، ودعائه إبراهيم بتأمين الحرم المكى، وتسليمه إسماعيل إلى كرم الحق تعالى. ولطفه وشكره لله على إعطائه الولد، والتهديد العظيم للظالمين بمذلتهم فى القيامة، وذكر أن الكفار قرناء الشياطين فى العذاب، والإشارة إلى أن القرآن أبلغ وعظ، وذكرى للعقلاء فى قوله: {هاذا بلاغ للناس} إلى آخر السورة.
والسورة خالية عن المنسوخ فى قول. وعند بعضهم {إن الإنسان لظلوم كفار} م {إن الله غفور حليم} م.
المتشابهات:
قوله: {فليتوكل المؤمنون} وبعده {فليتوكل المتوكلون} لأن الإيمان سابق على التوكل.
قوله: {مما كسبوا على شيء} والقياس على شىء مما كسبوا كما فى البقرة لأن على (من صلة القدرة، ولأن (مما كسبوا) صف لشىء. وإنما قدم فى هذه السورة لأن) الكسب هو المقصود بالذكر، وأن المثل ضرب للعمل، يدل عليه قوله: {أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء} .
قوله: {وأنزل من السمآء مآء} وفى النمل: {وأنزل لكم من السمآء} بزيادة (لكم) ؛ لأن (لكم) فى هذه السورة مذكور فى آخر الآية، فاكتفى بذكره، ولم يكن فى النمل فى آخرها، فذكر فى أولها. وليس قوله: {ما كان لكم} يكفى من ذكره؛ لأنه نفى لا يفيد معنى الأول.
قوله: {في الأرض ولا في السمآء} قدم الأرض؛ لأنها خلقت قبل السماء؛ ولأن هذا الداعى فى الأرض. وقدمت الأرض فى خمسة مواضع: هنا، وفى آل عمران، ويونس، وطه، والعنكبوت.
قوله: {وليذكر أولوا الألباب} (خص أولى الألباب) بالذكر لأن المراد فى الآية التذكر، والتدبر، والتفكر فى القرآن، وانما يتأتى ذلك منهم، مثله فى البقرة {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} يريد فهم معانى القرآن، ثم ختم الآية بقوله: {وما يذكر إلا أولوا الألباب} ومثلها فى آل عمران {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات} وذكر فيه المحكمات والمتشابهات، وختمها بقوله: {وما يذكر إلا أولوا الألباب} ، ولا رابع لها فى القرآن.
فضل السورة
ذكروا فيه أحاديث ضعيفة واهية. منها: من قرأ سورة إبراهيم أعطى من الأجر عشر حسنات، بعدد كل من عبد الأصنام، وعدد من لم يعبدها، وفى لفظ: أعطى بعدد من عبد الأصنام مدينة فى الجنة، لو نزل بها مثل يأجوج ومأجوج لوسعتهم ما شاءوا من اللباس، والخدم، والمأكول، وسائر النعم، وحرم عليهم سرابيل القطران، ولا تغشى النار وجهه، وكان مع إبراهيم فى قباب الجنان، وأعطى بعدد أولاد إبراهيم حسنات ودرجات، وحديث على: يا على من قرأ سورة إبراهيم كان فى الجنة رفيق إبراهيم، وله مثل ثواب إبراهيم، وله بكل آية قرأها مثل ثواب إسحاق بن إبراهيم.
بصيرة فى.. ألر. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين
السورة مكية إجماعا. وعدد آياتها تسع وتسعون بلا خلاف. وكلماتها ستمائة وأربع وخمسون. وحروفها ألفان وسبعمائة وستون.
ومجموع فواصل آياتها (ملن) على اللام منها آيتان: {حجارة من سجيل} ، {فاصفح الصفح الجميل} .
وتسمى سورة الحجر؛ لاشتمالها على قصتهم، وقوله: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} .
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-24, 01:47 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(31)
من صـــ 273 الى صـــ 278
مقصود السورة إجمالا: بيان حقيقة القرآن، وحفظ الحق وبرهان النبوة وحفظ الحق كتابه العزيز من التغيير والتبديل، وتزيين السماوات بمواكب الكواكب وحفظهما برجوم النجوم من استراق الشياطين السمع، وتقديره تعالى الماء والسحاب من خزائن بره، ولطفه، وعلمه تعالى بأحوال المتقدمين فى الطاعة والمتأخرين عنها، وبيان الحكمة فى تخليق آدم، وأمر الملائكة المقربين بسجوده، وتعيير إبليس، وملامته على تأبيه واستكباره وجحوده، واستحقاقه اللعنة من الله بعصيانه وطغيانه، وجراءته بالمناظرة لخالقه ومعبوده، وبيان قسم الدركات (على أهل اللذات) والضلالات، وذكر المستوجبى الجنة من المؤمنين، وإخبار الله تعالى عباده بالرحمة والغفران، وتهديدهم بالعذاب والعقاب، والإشارة إلى ذكر أضياف الخليل عليه السلام، والنهى عن القنوط من الرحمة، وذكر آل لوط، وسكرتهم فى طريق العماية والضلالة، وتسلية النبى صلى الله عليه وسلم عن جفاء الكفار، وبذىء أقوالهم، والمن عليه صلى الله عليه وسلم بنزول السبع المثانى، ومشون القرآن العظيم، والشكوى عن الطاعنين فى القرآن، وذكر القسم بوقوع السؤال فى القيامة، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإظهار الدعوة، والمن عليه بإهلاك أعداء دينه، ووصيته بالعبادة إلى يوم الحق واليقين فى قوله: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ أربع آيات {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} م آية السيف ن {وأعرض عن المشركين} م آية السيف ن {فاصفح الصفح الجميل} م
آية السيف ن {لا تمدن عينيك} آية السيف ن.
المتشابهات
قوله: {لو ما تأتينا} وفى غيرها: (لولا) ؛ لأن (لولا) يأتى على وجهين: أحدهما امتناع الشىء لوجود غيره؛ وهو الأكثر. والثانى بمعنى (هلا) وهو التحضيض. ويختص بالفعل، و (لوما) بمعناه. وخصت هذه السورة بلوما؛ موافقة لقوله: (ربما) فإنها أيضا مما خصت به هذه السورة.
قوله: {وإذ قال ربك للملآئكة إني خالق بشرا} ، وفى البقرة: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل} ولا ثالث لهما؛ لأن (جعل) إذا كان بمعنى (خلق) يستعمل فى الشىء يتجدد ويتكرر؛ كقوله: {خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} ، لأنهما يتجددان زمانا بعد زمان. وكذلك الخليفة يدل لفظه على أن بعضهم يخلف بعضا إلى يوم القيامة. وخصت هذه السورة بقوله: {إني خالق بشرا من صلصال} إذ ليس فى لفظ البشر ما يدل على التجدد والتكرار، فجاء فى كل واحدة من السورتين ما اقتضاه ما بعدهما من الألفاظ.
قوله: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} فى هذه السورة، وفى ص؛ لأنه لما بالغ فى السورتين فى الأمر بالسجود وهو قوله: {فقعوا له ساجدين} فى السورتين بالغ فى الامتثال فيهما فقال: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} ليقع الموافقة بين أولاها وأخراها. وتمام قصة آدم وإبليس سبق.
قوله هنا لإبليس: {اللعنة} وقال فى ص {لعنتي} لأن الكلام فى هذه السورة جرى على الجنس فى أول القصة فى قوله: {ولقد خلقنا الإنسان} {والجآن خلقناه} {فسجد الملائكة كلهم} لذلك قال: {اللعنة} وفى ص تقدم {لما خلقت بيدي} فختم بقوله {لعنتي} .
قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} وزاد فى هذه السورة {إخوانا} لأنها نزلت فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سواها عام فى المؤمنين.
قوله فى قصة إبراهيم: {فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون} لأن هذه السورة متأخرة، فاكتفى بما فى هود؛ لأن التقدير: فقالوا: سلاما، قال: سلام، فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، فلما رأى أيديهم لاتصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة، قال: إنا منكم وجلون. فحذف للدلالة عليه.
قوله: {وأمطرنا عليهم} وفى غيرها {وأمطرنا عليها} قال بعض المفسرين: (عليهم) أى على أهلها، وقال بعضهم: على من شذ من القرية منهم. وقال تاج القراء: ليس فى القولين ما يوجب تخصيص هذه السورة بقوله: (عليهم) بل هو يعود إلى أول القصة، وهو {إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين} ثم قال: {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} قال: وهذه لطيفة فاحفظها.
قوله: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} بالجمع وبعدها {لآية للمؤمنين} على التوحيد. قال الإمام: الأولى إشارة إلى ما تقدم من قصة لوط [وضيف إبراهيم، وتعرض قوم لوط لهم] طمعا فيهم، وقلب القرية على من فيها، وإمطار الحجارة عليها، وعلى من غاب منهم. فختم بقوله: {لآيات للمتوسمين} أى لمن يتدبر السمة، وهى ما وسم الله به قوم لوط وغيرهم، قال: والثانية تعود إلى القرية: {وإنها لبسبيل مقيم} وهى واحدة، فوحد الآية. وقيل: ما جاء فى القرآن من الآيات فلجمع الدلائل، وما جاء من الآية فلوحدانية المدلول عليه. فلما ذكر عقبه المؤمنين، وهم مقرون بوحدانية الله تعالى، وحد الآية. وليس لها نظير إلا فى العنكبوت، وهو قوله تعالى {خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين} فوحد بعد ذكر الجمع لما ذكرت والله أعلم.
فضل السورة:
ذكروا أحاديث واهية. منها: من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين، والأنصار، والمستهزئين، بمحمد صلى الله عليه وسلم. وعن جعفر أنه قال: من قرأ سورة الحجر لا يصيبه عطش يوم القيامة. ومن قرأها فى ركعتى كل جمعة لم يصبه فقر أبدا، ولا جنون، ولا بلوى. وحديث على: يا على من قرأ سورة الحجر لا ينصب له ميزان، ولا ينشر له ديوان، وقيل له: ادخل الجنة بغير حساب. وله بكل آية قرأها مثل ثواب أصحاب البلاء.
بصيرة فى.. أتى أمر الله
هذه السورة مكية، إلا قوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا} إلى آخر السورة. وقيل: أربعون آية منها مكية، والباقى مدنى. والأول أولى. عدد آياتها مائة وثمانية وعشرون. وكلماتها ألفان وثمانمائة وأربعون. وحروفها سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة أحرف.
ومجموع فواصل آياتها (نمر) منها اثنتان على الراء آخراهما {قدير} وسميت سورة النحل لما فيها من عجائب ذكر النحل.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-01-24, 01:54 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(32)
من صـــ 279 الى صـــ 285
معظم ما اشتملت عليه السورة: تخويف العباد بمجئ القيامة، وإقامة حجة الوحدانية، وذكر ما فى الأنعام من المنافع والنعم، وما فى المراكب من التجمل والزينة، وذكر المسيم والنبات والشجر، وتسخير الشمس والقمر، وتثبيت الأرض والجبال والحجر، وهداية الكواكب فى السفر والحضر، والنعم الزائدة عن (العد والإحصاء) ، والإنكار على أهل الإنكار، وجزاء مكر المكار، ولعنة الملائكة على الأشرار، عند الاحتضار، وسلامهم فى ذلك الوقت على الأبرار والأخيار، وبيان أحوال الأنبياء والمرسلين مع الأمم الماضين، وذكر الهجرة والمهاجرين، وذكر التوحيد، وتعريف المنعم، ونعمه السابغات، ومذمة المشركات بوأد البنات، وبيان الأسماء والصفات، والمنة على الخلائق بإنزال الرحمات، وعدها من الإنعام فى باب الأنعام والحيوانات، وبيان فوائد النحل، وذكر ما اشتمل عليه:
من عجيب الحالات، وتفضيل الخلق فى باب الأرزاق والأقوات، وبيان حال المؤمن والكافر، وتسخير الطيور فى الجو صافات، والمنة بالمساكن والصحارى والبريات، وشكاية المتكبرين، وذكر ما أعد لهم من العقوبات، والأمر بالعدل والإحسان، والنهى عن نقض العهد والخيانات، وأن الحياة الطيبة فى ضمن الطاعات، وتعلم الاستعاذة بالله فى حال تلاوة الآيات المحكمات، ورد سلطان الشيطان من المؤمنين والمؤمنات، وتبديل الآيات بالآيات، لمصالح المسلمين والمسلمات، والرخصة بالتكلم بكلمة الكفر عند الإكراه والضرورات، وبيان التحريم والتحليل فى بعض الحالات، وذكر إبراهيم الخليل وما منح من الدرجات، وذكر السبت والدعاء إلى سبيل الله بالحكمة والعظات الحسنات، والأمر بالتسوية فى المكافآت بالعقوبات، والأمر بالصبر على البليات، ووعد المتقين والمحسنين بأعظم المثوبات، بقوله: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} .
الناسخ والمنسوخ فى هذه السورة ثلاث آيات منسوخة م {تتخذون منه سكرا} م {إنما حرم ربي الفواحش} ن {فإنما عليك البلاغ} م آية السيف ن {وجادلهم بالتي هي أحسن} م آية السيف ن.
المتشابهات:
فيها فى موضعين {إن في ذلك لآيات} بالجمع. وفى خمسة مواضع: {إن في ذلك لآية} على الوحدة. أما الجمع فلموافقة قوله: {مسخرات} فى الآيتين؛ لتقع المطابقة فى اللفظ والمعنى. وأما التوحيد فلتوحيد المدلول عليه.
من الخمس قوله: {إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} وليس له نظير. وخص بالذكر لاتصاله بقوله: {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه} ؛ فإن اختلاف ألوان الشىء وتغير أحواله يدل على صانع حكيم لا يشبهها ولا تشبهه، فمن تأمل فيها اذكر.
ومن الخمس: {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} فى موضعين، وليس لهما نظير. وخصتا بالفكر؛ لأن الأولى متصلة بقوله: {ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} وأكثرها للأكل، وبه قوام البدن، فيستدعى تفكيرا وتأملا، ليعرف به المنعم عليه فيشكره. والثانية متصلة بذكر النحل، وفيها أعجوبة: من انقيادها لأميرها، واتخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق منا، ثم تتبعها الزهر والطلى من الأشجار، ثم خروج ذلك من بطونها لعابا أو ونيما، فاقتضى ذلك فكرا بليغا، فختم فى الآيتين بالتفكر.
قوله: {وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله} ، وفى الملائكة: {وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا} ، ما فى هذه السورة جاء على القياس؛ فإن (الفلك) المفعول الأول لترى، و (مواخر) المفعول الثانى، و (فيه) ظرف، وحقه التأخر. والواو فى (ولتبتغوا) للعطف على لام العلة فى قوله: {لتأكلوا منه} . وأما فى الملائكة فقدم (فيه) موافقة لما قبله، وهو قوله: {لتأكلوا منه لحما طريا} فقدم الجار والمجرور، على الفعل والفاعل، ولم يزد الواو على (لتبتغوا) لأن اللام فى (لتبتغوا) هنا لام العلة، وليس يعطف على شىء قبله. ثم إن قوله: {وترى الفلك مواخر فيه} و {فيه مواخر} اعتراض فى السورتين يجرى مجرى المثل، ولهذا وحد الخطاب،وهو قوله: (وترى) وقبله وبعده جمع، وهو قوله: (لتأكلوا) و (تستخرجوا) و (لتبتغوا) . وفى الملائكة: (تأكلون) و (تستخرجون) ، (لتبتغوا) ومثله فى القرآن كثير، منه {كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا} وكذلك {تراهم ركعا سجدا} ، {وترى الملائكة حآفين من حول العرش} وأمثاله. أى لو حضرت أيها المخاطب لرأيته فى هذه الصفة؛ كما تقول: أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، فتأمل فإن فيه دقيقة.
قوله: {وإذا قيل لهم ماذآ أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} وبعده: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} إنما رفع الأول؛ لأنهم أنكروا إنزال القرآن، فعدلوا عن الجواب، فقالوا: أساطير الأولين. والثانى من كلام المتقين، وهم مقرون بالوحى والإنزال، فقالوا: خيرا، أى أنزل خيرا، فيكون الجواب مطابقا، و (خيرا) نصب بأنزل. وإن شئت جعلت (خيرا) مفعول القول، أى: قالوا خيرا ولم يقولوا شرا كما قالت الكفار. وإن شئت جعلت (خيرا) صفة مصدر محذوف، أى قالوا قولا خيرا. وقد ذكرت مسألة (ماذا) فى مواضعه.
قوله: {فلبئس مثوى المتكبرين} ليس فى القرآن نظيره للعطف بالفاء على التعقيب فى قوله: {فادخلوا أبواب جهنم} واللام للتأكيد تجرى مجرى القسم موافقة لقوله: {ولنعم دار المتقين} وليس له نظير، وبينهما: {ولدار الآخرة خير} .
قوله: {فأصابهم سيئات ما عملوا} هنا وفى الجاثية، وفى غيرهما {ما كسبوا} ؛ لأن العمل أعم من الكسب، ولهذا قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} وخصت هذه السورة (بالعمل) لموافقة ما قبله: {ما كنا نعمل من سواء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون} ولموافقة ما بعده وهو قوله: {وتوفى كل نفس ما عملت} ومثله: {ووفيت كل نفس ما عملت} فى الزمر. وليس لها نظير.
قوله: {لو شآء الله ما عبدنا من دونه من شيء} قد سبق.
قوله: {ولله يسجد ما في السماوات} قد سبق.
قوله: {ليكفروا بمآ آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون} ومثله فى الروم و (فى) العنكبوت: {وليتمتعوا فسوف يعلمون} باللام والياء. أما التاء فى السورتين فبإضمار القول أى قل لهم: تمتعوا، كما فى قوله: {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} وكذلك: {قل تمتع بكفرك} .
وخصصت هذه السورة بالخطاب لقوله: {إذا فريق منكم} وألحق ما فى الروم به. وأما [ما] فى العنكبوت فعلى القياس، عطف على اللام قبله، وهى للغائب.
قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دآبة} وفى الملائكة: {بما كسبوا ما ترك على ظهرها} الهاء فى هذه السورة كناية عن الأرض، ولم يتقدم ذكرها. والعرب تجوز ذلك فى كلمات منها الأرض، تقول: فلان أفضل من عليها، ومنها السماء، تقول: فلان أكرم من تحتها، ومنها الغداة (تقول) : إنها اليوم لباردة. ومنها الأصابع تقول: والذى شقهن خمسا من واحدة، يعنى الأصابع من اليد. وإنما جوزوا ذلك لحصولها بين يدى متكلم وسامع. ولما كان كناية عن غير مذكور لم يزد معه الظهر لئلا يلتبس بالدابة؛ لأن الظهر أكثر ما يستعمل فى الدابة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" وأما فى الملائكة فقد تقدم ذكر الأرض فى قوله:
{أولم يسيروا في الأرض} وبعدها: {ولا في الأرض} فكان كناية عن مذكور سابق، فذكر الظهر حيث لا يلتبس. قال الخطيب: إنما قال فى النحل: {بظلمهم} ولم يقل (على ظهرها) احترازا عن الجمع بين الظاءين؛ لأنها تثقل فى الكلام، وليست لأمة من الأمم سوى العرب. قال: ولم يجئ فى هذه السورة إلا فى سبعة أحرف؛ نحو الظلم والنظر والظل وظل وجهه والظفر والعظم والوعظ، فلم يجمع بينهما فى جملتين معقودتين عقد كلام واحد، وهو لو وجوابه.
قوله: {فأحيا به الأرض بعد موتهآ} وفى العنكبوت: {من بعد موتهآ} وكذلك حذف (من) من قوله: {لكي لا يعلم بعد علم شيئا} وفى الحج {من بعد علم شيئا} فحذف (من) فى قوله: {بعد موتهآ} موافقة لقوله: {بعد علم شيئا} وحذف (من) فى قوله: {بعد علم شيئا} لأنه أجمل الكلام فى هذه السورة، فقال: {والله خلقكم ثم يتوفاكم} وفصله فى الحج فقال: {فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة} إلى قوله: {ومنكم من يتوفى} فاقتضى الإجمال الحذف، والتفصيل الإثبات. فجاء فى كل سورة ما اقتضاه الحال.
قوله: {نسقيكم مما في بطونه} وفى المؤمنين {في بطونها} لأن فى هذه السورة يعود إلى البعض وهو الإناث لأن اللبن لا يكون للكل. فصار تقدير الآية: وإن لكم فى بعض الأنعام، بخلاف ما فى المؤمنين، فإنه لما عطف ما يعود على الكل ولا يقتصر على البعض - وهو قوله: {ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها} لم يحتمل أن يكون المراد البعض، فأنث حملا على الأنعام، وما قيل: إن (الأنعام) هاهنا بمعنى النعم لأن الألف واللام يلحق الآحاد بالجمع والجمع بالآحاد حسن؛ إلا أن الكلام وقع فى التخصيص. والوجه ما ذكرت. والله أعلم.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-02-06, 12:29 AM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(33)
من صـــ 286 الى صـــ 292
قوله: {وبنعمت الله هم يكفرون} وفى العنكبوت {يكفرون} بغير (هم) لأن فى هذه السورة اتصل (الخطاب) {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات} ثم عاد إلى الغيبة فقال:
{أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون} فلا بد من تقييده بهم لئلا يلتبس الغيبة بالخطاب والتاء بالباء. وما فى العنكبوت اتصل بآيات استمرت على الغيبة فلم يحتج إلى تقييده بالضمير.
قوله: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} كرر إن، وكذلك فى الآية الأخرى {ثم إن ربك} لأن الكلام لما طال بصلته أعاد إن واسمها وثم، وذكر الخبر.
ومثله {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} أعاد (أن) لما طال الكلام.
قوله: {ولا تك في ضيق مما} وفى النمل: {ولا تكن} بإثبات النون. هذه الكلمة كثر دورها فى الكلام فحذف النون فيها تخفيفا من غير قياس بل تشبها بحروف العلة. ويأتى ذلك فى القرآن فى بضعة عشر موضعا تسعة منها بالتاء، وثمانية بالياء، وموضعان بالنون، وموضع بالهمزة.
وخصت هذه السورة بالحذف دون النمل موافقة لما قبلها وهو قوله: {ولم يك من المشركين} والثانى أن هذه الآية نزلت تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم حين قتل حمزة ومثل به فقال عليه السلام: لأفعلن بهم ولأصنعن، فأنزل الله تعالى: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} فبالغ فى الحذف ليكون ذلك مبالغة فى التسلى، وجاء فى النمل على القياس، ولأن الحزن هنا دون الحزن هناك.
فضل السورة
روى المفسرون فى فضل السورة أحاديث ساقطة. منها حديث أبى الواهى: من قرأ سورة النحل لم يحاسبه الله بالنعم التى أنعم عليه فى دار الدنيا، وأعطى من الأجر كالذى مات فأحسن الوصية. وعن جعفر أن من قرأ هذه السورة فى كل شهر كفى عنه سبعون نوعا من البلاء، أهونها الجذام والبرص، وكان مسكنه فى جنة عدن وسط الجنان، وحديث على: يا على من قرأ سورة النحل فكأنما نصر موسى وهارون على فرعون، وله بكل آية قرأها مثل ثواب أم موسى.
بصيرة فى.. سبحان الذى أسرى بعبده
السورة مكية بالاتفاق. وآياتها مائة وخمس عشرة آية عند الكوفيين وعشر عند الباقين. وكلماتها ألف وخمسمائة وثلاث وستون. وحروفها ستة آلاف وأربعمائة وستون. والمختلف فيها آية واحدة {للأذقان سجدا} .
فواصل آياتها ألف إلا الآية الأولى، فإنها راء. ولهذه السورة اسمان: سورة سبحان، لافتتحاها بها، وسورة بنى إسرائيل لقوله: فيها {وقضينآ إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين} .
مقصود السورة ومعظم ما اشتملت عليه: تنزيه الحق تعالى، ومعراج النبى صلى الله عليه وسلم، والإسراء إلى المسجد الأقصى، وشكر نوح عليه السلام، وفساد حال بنى إسرائيل، ومكافأة الإحسان والإساءة، وتقويم القرآن الخلائق، وتخليق الليل والنهار، وبيان الحكمة فى سير الشمس والقمر ودورهما، وملازمة البخت المرء، وقراءة الكتب فى القيامة،وبيان الحكمة فى إرسال الرسل، والشكوى من القرون الماضية، وذكر طلب الدنيا والآخرة، وتفضيل بعض الخلق على بعض، وجعل بر الوالدين والتوحيد فى قرن واحد، والإحسان إلى الأقارب، والأمر بترك الإسراف، وذم البخل، والنهى عن قتل الأولاد، وعن الزناء، وقتل النفس ظلما، وأكل مال اليتيم، وعن التكبر، وكراهية جميع ذلك، والسؤال عن المقول والمسموع، والرد على المشركين، وتسبيح الموجودات، وتعيير الكفار بطعنهم فى القرآن، ودعوة الحق الخلق، وإجابتهم له تعالى، وتفضيل بعض الأنبياء على بعض، وتقرب المقربين إلى حضرة الجلال،
وإهلاك القرى قبيل القيامة، وفتنة الناس برؤيا النبى صلى الله عليه وسلم، وإباء إبليس من السجدة لآدم، وتسليط الله إياه على الخلق، وتعديد النعم على العباد، وإكرام بنى آدم، وبيان أن كل أحد يدعى فى القيامة بكتابه، ودينه، وإمامه، وقصد المشركين إلى ضلال الرسول صلى الله عليه وسلم وإذلاله، والأمر بإقامة الصلوات الخمس فى أوقاتها، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقيام الليل، ووعده بالمقام المحمود، وتخصيصه بمدخل صدق، ومخرج صدق، ونزول القرآن بالشفاء، والرحمة، والشكاية من إعراض العبيد، وبيان أن كل أحد يصدر منه ما يليق به،
والإشارة إلى جواب مسألة الروح، وعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن، واقتراحات المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفصيل حالهم فى عقوبات الآخرة، وبيان معجزات موسى، ومناظرة فرعون إياه، وبيان الحكمة فى تفرقة القرآن، وآداب نزوله، وآداب الدعاء وقراءة القرآن، وتنزيه الحق تعالى عن الشريك والولد فى {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} إلى قوله: {وكبره تكبيرا} .
الناسخ والمنسوخ:
فى هذه السورة آيتان منسوختان {وقضى ربك} إلى قوله: {ربياني صغيرا} الدعاء للميت م فى حق المشركين {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} ن {ربكم أعلم بكم} إلى قوله: {ومآ أرسلناك عليهم وكيلا} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله: {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} وخصت سورة الكهف {أجرا حسنا} ؛ لأن الأجر فى السورتين الجنة، والكبير والحسن من أوصافها؛ لكن خصت هذه السورة بالكبير بفواصل الآى قبلها وبعدها، وهى (حصيرا) و (أليما) و (عجولا) وجلها وقع قبل آخرها مدة. وكذلك فى سورة الكهف جاء على ما يقتضيه الآيات قبلها، وبعدها وهى (عوجا) وكذا (أبدا) وجلها ما قبل آخرها متحرك. وأما رفع (يبشر) فى سبحان ونصبها فى الكهف فليس من المتشابه.
قوله: {لا تجعل مع الله إلاها آخر فتقعد مذموما مخذولا} وقوله: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} وقوله: {ولا تجعل مع الله إلاها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا} فيها بعض التشابه، ويشبه التكرار وليس بتكرار؛ لأن الأولى فى الدنيا، والثانية فى العقبى، والخطاب فيهما للنبى صلى الله عليه وسلم، والمراد به غيره، كما فى قوله: {إما يبلغن عندك الكبر} وقيل: القول مضمر، أى قل لكل واحد منهم: لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا فى الدنيا وتلقى فى جهنم ملوما مدحورا فى الأخرى. وأما الثانية فخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وهو المراد به. وذلك أن امرأة بعثت صبيا لها إليه مرة بعد أخرى، سألته قميصا، ولم يكن عليه ولا له صلى الله عليه وسلم قميص غيره، فنزعه ودفعه إليه، فدخل وقت الصلاة،
فلم يخرج حياء، فدخل عليه أصحابه فرأوه على تلك الصفة، فلاموه على ذلك، فأنزل الله تعالى {فتقعد ملوما} يلومك الناس {محسورا} مكشوفا. هذا هو الأظهر من تفسيره والله أعلم.
قوله: {ولقد صرفنا في هاذا القرآن "ليذكروا} ، وفى آخر السورة {ولقد صرفنا للناس في هاذا القرآن" من كل مثل} فزاد، (للناس) وقدمه على القرآن، وقال: فى الكهف {ولقد صرفنا في هاذا القرآن للناس} إنما لم يذكر فى أول سبحان (للناس) لتقدم ذكرهم فى السورة، وذكرهم فى (الكهف) إذ لم يجر ذكرهم، وذكر الناس فى آخر سبحان، وإن جرى ذكرهم؛ لأن ذكر الإنس والجن جرى معا، فذكر (للناس) كراهة الالتباس، وقدمه على {في هاذا القرآن} كما قدمه فى قوله: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هاذا القرآن لا يأتون بمثله} ثم قال: {ولقد صرفنا للناس في هاذا القرآن} وأما فى الكهف فقدم {في هاذا القرآن} لأن ذكره أجل الغرض.
وذلك أن اليهود سألته عن قصة أصحاب الكهف، وقصة ذى القرنين، فأوحى الله إليه فى القرآن؛ وكان تقديمه فى هذا الموضع أجدر، والعناية بذكره أحرى وأخلق.
قوله: {وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا} ثم أعادها فى آخر السورة بعينها، من غير زيادة ولا نقصان؛ لأن هذا ليس بتكرار؛ فإن الأول من كلامهم فى الدنيا، حين جادلوا الرسول،وأنكروا البعث، والثانى من كلام الله حين جازاهم على كفرهم، وقولهم ذلك وإنكارهم البعث، فقال {مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزآؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا} .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-06, 12:30 AM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(34)
من صـــ 293 الى صـــ 299
قوله {ذلك جزآؤهم بأنهم كفروا} وفى الكهف {ذلك جزآؤهم جهنم بما كفروا} اقتصر هنا على الإشارة؛ لتقدم ذكر جهنم (ولم يقتصر عليها [فى الكهف] وإن تقدم ذكر جهنم) بل جمع بين الإشارة والعبارة؛ لما اقترن بقوله: (جنات) فقال:
{ذلك جزآؤهم جهنم بما كفروا} الآية ثم قال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس} ليكون الوعد والوعيد كلاهما ظاهرين.
قوله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه} وفى سبأ {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله} لأنه يعود إلى الرب، وقد تقدم ذكره فى الآية الأولى، وهو قوله: {وربك أعلم} وفى سبأ لو ذكر بالكناية لكان يعود إلى الله، كما صرح، فعاد إليه، وبينه وبين ذكره سبحانه صريحا أربع عشرة آية، فلما طال الفصل صرح.
قوله: {أرأيتك هاذا الذي} وفى غيرها {أرأيت} لأن ترادف الخطاب يدل على أن المخاطب به أمر عظيم. وهكذا هو فى السورة؛ لأنه - لعنه الله - ضمن احتناك ذرية آدم عن آخرهم إلا قليلا. ومثل هذا {أرءيتكم} فى الأنعام فى موضعين وقد سبق.
قوله: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى} وفى الكهف زيادة {ويستغفروا ربهم} ؛ لأن ما فى هذا السورة معناه: [ما منعهم] عن الإيمان بمحمد إلا قولهم: أبعث الله بشرا رسولا، هلا بعث ملكا. وجهلوا أن التجانس يورث التوانس، والتغاير يورث التنافر. وما فى الكهف معناه: ما منعهم عن الإيمان والاستغفار إلا إتيان سنة الأولين. قال الزجاج: إلا طلب سنة الأولين (وهو قولهم: {إن كان هاذا هو الحق} فزاد: ويستغفروا ربهم، لاتصاله بقوله: سنة الأولين) وهم قوم نوح، وصالح، وشعيب، كلهم أمروا بالاستغفار.
فنوح بقوله: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا} وهود يقول: {وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} وصالح يقول: {فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب} وشعيب يقول: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود} فلما خوفهم سنة الأولين أجرى المخاطبين مجراهم.
قوله: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم} [وكذا جاء فى الرعد] وفى العنكبوت: {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا} كما فى الفتح {وكفى بالله شهيدا} {وكفى بالله نصيرا} {وكفى بالله حسيبا} فجاء فى الرعد وفى سبحان على الأصل. وفى العنكبوت أخر {شهيدا} لما وصفه بقوله تعالى: {يعلم ما في السماوات والأرض} فطال.
قوله: {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر} وفى الأحقاف {بقادر} وفى (يس) {بقادر} ؛ لأن ما فى هذه السورة خبر أن، وما فى يس خبر ليس، فدخل الباء الخبر، وكان القياس ألا يدخل فى حم؛ لكنه شابه (ليس) بترادف النفى، وهو قوله: {أولم يروا} {ولم يعي} وفى هذه السورة نفى واحد. وأكثر أحكام المتشابه ثبت من وجهين؛ قياسا على باب مالا ينصرف وغيره.
قوله: {إني لأظنك ياموسى مسحورا} قابل موسى كل كلمة من فرعون بكلمة من نفسه، فقال: {وإني لأظنك يافرعون مثبورا} .
فضل السورة
لم يرد فيه سوى أحاديث ظاهرة الضعف، منها: من قرأ هذه السورة كان له قنطار ومائتا أوقية، كل أوقية أثقل من السماوات والأرض، وله بوزن ذلك درجة فى الجنة، وكان له كأجر من آمن بالله، وزاحم يعقوب فى فتنه، وحشر يوم القيامة مع الساجدين، ويمر على جسر جهنم كالبرق الخاطف. وعن جعفر: إن من قرأ هذه السورة كل ليلة جمعة لا يموت حتى يدرك درجة الأبدال. وقال على: من قرأ سبحان لم يخرج من الدنيا حتى يأكل من ثمار الجنة، ويشرب من أنهارها، ويغرس له بكل آية نخلة فى الجنة.
بصيرة فى.. الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب
السورة مكية بالاتفاق. وعدد آياتها مائة وعشر عند الكوفيين، وست عند الشاميين، وخمس عند الحجازيين، وإحدى عشرة عند البصريين. وكلماتها ألف وخمسمائة وتسع وسبعون. وحروفها ستة آلاف وثلثمائة وست.
المختلف فيها إحدى عشرة آية {وزدناهم هدى} {إلا قليل} {ذلك غدا} {زرعا} {من كل شيء سببا} {هاذه أبدا} {عندها قوما} {فأتبع سببا} ذريته (فى) موضع {الأخسرين أعمالا} .
فواصل آياتها على الألف. وسميت سورة الكهف؛ لاشتمالها على قصة أصحاب أهل الكهف بتفصيلها.
مقصود السورة مجملا: بيان نزول القرآن على سنن السداد، وتسلية النبى صلى الله عليه وسلم فى تأخر الكفار عن الإيمان، وبيان عجائب حديث الكهف، وأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالصبر على الفقراء، وتهديد الكفار بالعذاب، والبلاء، ووعد المؤمنين بحسن الثواب، وتمثيل حال المؤمن والكافر بحال الأخوين الإسرائيليين، وتمثيل الدنيا بماء السماء ونبات الأرض، وبيان أن الباقى من الدنيا طاعة الله فقط، وذكر أحوال القيامة، وقراءة الكتب، وعرض الخلق على الحق، وإباء إبليس من السجود، وذل الكافر ساعة دخولهم النار، وجدال أهل الباطل مع المحقين الأبرار، والتخويف بإهلاك الأمم الماضية وإذلالهم، وحديث موسى ويوشع وخضر، وعجائب أحوالهم، وقصة ذى القرنين، وإتيانه إلى المشرقين والمغربين، وبنيانه لسد يأجوج ومأجوج، وما يتفق لهم آخر الزمان من الخروج، وذكر رحمة أهل القيامة، وضياع عمل الكفر، وثمرات مساعى المؤمنين الأبرار، وبيان أن كلمات القرآن بحور علم: لا نهاية لها، ولا غاية لأمدها، والأمر بالإخلاص فى العمل الصالح أبدا، فى قوله: {فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} .
الناسخ والمنسوخ:
أكثر المفسرين على أن السورة خالية من الناسخ والمنسوخ. وقال قتادة:فيه آية م {فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر} ن {وما تشآءون إلا أن يشآء الله} .
المتشابهات:
قوله: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم} بغير واو {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} بزيادة واو. وفى هذا الواو أقوال أحدها أن الأول والثانى وصفان لما قبلهما، أى هم ثلاثة رابعهم كلبهم. وكذلك الثانى أى هم خمسة سادسهم كلبهم. والثالث عطف على ما قبله، أى هم سبعة، ثم عطف عليهم {وثامنهم كلبهم} . وقيل: كل واحد من الثلاثة جملة، وقعت بعدها جملة فيها عائد يعود منها إليها. فأنت فى إلحاق واو العطف وحذفها بالخيار. وليس فى هذين القولين ما يوجب تخصيص الثالث بالواو. وقال بعض النحويين: السبعة نهاية العدد، ولهذا كثر ذكرها فى القرآن والأخبار، والثمانية تجرى مجرى استئناف كلام. ومن هاهنا لقبه جماعة من المفسرين بواو الثمانية. واستدلوا بقوله سبحانه: {التائبون} الآية وبقوله: {مسلمات}الآية وبقوله: {وفتحت أبوابها} ولكل واحدة من هذه الآيات وجوه ذكرت فى مباسيط التفسير.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-06, 12:31 AM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(35)
من صـــ 300 الى صـــ 306
وقيل: إن الله تعالى حكى القولين الأولين، ولم يرتضهما، وحكى القول الثالث فارتضاه. وهو قوله: {ويقولون سبعة} ثم استأنف فقال: {وثامنهم كلبهم} . ولهذا قال: عقيب الأول والثانى {رجما بالغيب} ولم يقل فى الثالث.
فإن قيل: وقد قال فى الثالث: {قل ربي أعلم بعدتهم} فالجواب تقديره: قل ربى أعلم بعدتهم وقد أخبركم أنهم سبعة وثامنهم كلبهم؛ بدليل قوله تعالى: {ما يعلمهم إلا قليل} . ولهذا قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل. فعد أسماءهم. وقال بعضهم الواو فى قوله: {ويقولون سبعة} يعود الى الله تعالى، فذكر بلفظ الجمع؛ كقوله إنا وأمثاله. هذا على سبيل الاختصار.
قوله: {ولئن رددت إلى ربي} وفى حم: {ولئن رجعت إلى ربي} لأن الرد عن شىء يتضمن كراهة المردود، ولما كان [ما فى الكهف تقديره: ولئن رددت عن جنتى التى أظن أنها لا تبيد أبدا إلى ربى، كان لفظ الرد الذى يتضمن الكراهة أولى، وليس فى حم ما يدل على كراهة، فذكر بلفظ الرجع ليأتى لكل مكان ما يليق به.
قوله: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها} [وفى السجدة {ثم أعرض عنها} ] لأن الفاء للتعقيب وثم للتراخى. وما فى هذه السورة فى الأحياء من الكفار، أى ذكروا فأعرضوا عقيب ما ذكروا، ونسوا ذنوبهم، و [هم] بعد متوقع منهم أن يؤمنوا. وما فى السجدة فى الأموات من الكفار؛ بدليل قوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم} أى ذكروا مرة بعد أخرى، وزمانا بعد زمان [بآيات ربهم] ثم أعرضوا عنها بالموت، فلم يؤمنوا، وانقطع رجاء إيمانهم.
قوله: {نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر} والآية الثالثة {واتخذ سبيله في البحر} لأن الفاء للتعقيب والعطف، فكان اتخاذ الحوت السبيل عقيب النسيان، فذكر بالفاء [و] فى الآية الأخرى لما حيل بينهما بقوله: {ومآ أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} زال معنى التعقيب وبقى العطف المجرد، وحرفه الواو.
قوله: {لقد جئت شيئا إمرا} وبعده {لقد جئت شيئا نكرا} لأن الإمر: العجب، والعجب يستعمل فى الخير والشر، بخلاف النكر؛ لأن النكر ما ينكره العقل، فهو شر، وخرق السفينة لم يكن معه غرق، فكان أسهل من قتل الغلام وإهلاكه، فصار لكل واحد معنى يخصه.
قوله: {ألم أقل إنك} وبعده {ألم أقل لك إنك} لأن الإنكار فى الثانية أكثر. وقيل: أكد التقرير الثانى بقوله (لك) كما تقول لمن توبخه:لك أقول، وإياك أعنى: وقيل: بين فى الثانى المقول له، لما لم يبين فى الأول.
قوله فى الأول: {فأردت} ، وفى الثانى: {فأردنا} وفى الثالث: {فأراد ربك} ؛ لأن الأول فى الظاهر إفساد، فأسنده إلى نفسه، والثالث إنعام محض، فأسنده إلى الله عز وجل. وقيل: لأن القتل كان منه، وإزهاق الروح كان من الله عز وجل.
قوله: {ما لم تستطع} جاء فى الأول على الأصل، وفى الثانى {تسطع} على التخفيف؛ لأنه الفرع.
قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} اختار التخفيف فى الأول؛ لأن مفعوله حرف وفعل وفاعل ومفعول، فاختير فيه الحذف. والثانى مفعوله اسم واحد، وهو قوله (نقبا) وقرأ حمزة بالتشديد، وأدغم التاء فى الطاء. وقرئ فى الشواذ: فما أسطاعوا بفتح الهمزة.
ووزنه أسفعلوا ومثله أهراق ووزنه أهفعل، ومثلها استخذ فلان أرضا، أى أخذ، ووزنه اسفعل وقيل: استعل، من وجهين. وقيل: السين بدل من التاء، ووزنه افتعل.
فضل السورة
لم يذكر فيها سوى أحاديث واهية، وحديث صحيح. أما الحديث الصحيح فقوله صلى الله عليه وسلم "من حفظ عشر آيات من أول الكهف عصم من الدجال" وفى لفظ: من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم يضره فتنة الدجال، ومن قرأها كلها دخل الجنة. والأحاديث الواهية، منها: ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملكم حتى نزلت، ملأ عظمها بين السماء والأرض. قالوا: بلى يا رسول الله قال: هى سورة أصحاب الكهف. من قرأها يوم الجمعة غفر له إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ولياليها مثل ذلك، وأعطى نورا يبلغ السماء، ووقى فتنة الدجال. وعن جعفر: من قرأ هذه السورة فى كل ليلة جمعة لم يمت إلا شهيدا وبعث مع الشهداء، ووقف يوم القيامة معهم، ولا يصيبه آفة الدجال. وروى أن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أشركه الله فى ثواب أصحاب الكهف؛ لأنهم وجدوا الولاية يوم الجمعة، وأحياهم يوم الجمعة، واستجاب دعاءهم يوم الجمعة، والساعة تقوم يوم الجمعة، وقال: يا على من قرأ سورة الكهف فكأنما عبد الله عشرة آلاف سنة، وكأنما تصدق بكل آية قرأها بألف دينار.
بصيرة فى.. كهيعص
السورة مكية إجماعا. وعدد آياتها تسع وتسعون. وكلماتها ألف ومائة واثتنان وتسعون. وحروفها ثلاثة آلاف وثمانمائة واثنان.
والآيات المختلف فيها ستة: (ع ص) {في الكتاب إبراهيم} {الرحمان مدا} .
مجموع فواصل آياتها (مدن) الآية الأولى على الدال (صاد) . وما قبل ألف كل آية آخرها على الألف حروف زيد.
ولهذه السورة اسمان: سورة كهيعص؛ لافتتاحها بها، وسورة مريم، لاشتمالها على قصتها مفصلة.
مقصود السورة ومعظم المراد منها على سبيل الإجمال: وعد الله العباد بالكفاية والهداية، وإجابة دعاء زكريا، والمنة عليه بولد: يحيى، وإعطائه علم الكتاب، وذكر عجائب ولادة عيسى وأمه والخبر عن أحوال القيامة، ونصيحة إبراهيم لآزر (ومناظرة آزر له) والإشارة إلى قربة موسى، وذكر صدق وعد إسماعيل، وبيان رفعة درجة إدريس، والشكوى من الولد الخلف، وحكاية أهل الجنة، وذل الكفار فى القيامة، ومرور الخلق على عقبة الصراط، وابتلاء بعضهم بالعذاب، والرد على الكفار فى افتخارهم بالمال، وذل الأصنام، وعبادها فى القيامة، وبيان حال أهل الجنة والنار، وصعوبة قول الكفار فى جرأتهم على إثبات الولد والشريك للواحد القهار، والمنة على الرسول بتيسير القرآن على لسانه، وتهديد الكفار بعقوبة القرون الماضية، فى قوله: {هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا} .
الناسخ والمنسوخ:
أربع آيات منها منسوخة: م {فليمدد له الرحمان مدا} ن آية السيف م {فلا تعجل عليهم} ن آية السيف، م {وأنذرهم يوم الحسرة} ن آية السيف، م {فخلف من بعدهم خلف} ، والاستثناء فى قوله: {إلا من تاب} ن.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-06, 12:32 AM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(36)
من صـــ 307 الى صـــ 313
المتشابهات:
قوله: {ولم يكن جبارا عصيا} وبعده {ولم يجعلني جبارا شقيا}لأن الأول فى حق يحيى. وجاء فى الحديث: ما من أحد من بنى آدم إلا أذنب أوهم بذنب إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام، فنفى عنه العصيان؛ والثانى فى حق عيسى عليه السلام فنفى عنه الشقاوة، وأثبت له السعادة، والأنبياء عندنا معصومون عن الكبائر دون الصغائر.
قوله: {وسلام عليه يوم ولد} فى قصة يحيى {والسلام علي} فى قصة عيسى، فنكر فى الأول، وعرف فى الثانى؛ لأن الأول من الله تعالى، والقليل منه كثير كقول القائل:
قليل منك يكفينى ولكن ... قليلك لا يقال له قليل
ولهذا قرأ الحسن {اهدنا صراطا مستقيما} أى نحن راضون منك بالقليل، ومثل هذا فى الشعر كثير، قال:
وإنى لأرضى منك يا هند بالذى ... لو أبصره الواشى لقرت بلابله
بلا، وبأن لا أستطيع، وبالمنى، ... وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله
والثانى من عيسى، والألف واللام لاستغراق الجنس، ولو أدخل عليه السبعة والعشرين والفروع المستحسنة والمستقبحة، لم يبلغ عشر معشار سلام الله. ويجوز أن يكون ذلك بوحى من الله عز وجل، فيقرب من سلام يحيى. وقيل: إنما أدخل الألف واللام لأن النكرة إذا تكررت تعرفت. وقيل: نكرة الجنس ومعرفته سواء: تقول: لا أشرب ماء، ولا أشرب الماء، فهما سواء.
قوله {فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا} وفى حم {للذين ظلموا} ؛ لأن الكفر أبلغ من الظلم، وقصة عيسى فى هذه السورة مشروحة، وفيها ذكر نسبتهم إياه إلى الله تعالى، حين قال: {ما كان لله أن يتخذ من ولد} ، فذكر بلفظ الكفر، وقصة فى الزخرف مجملة، فوصفهم بلفظ دونه وهو الظلم.
قوله: {وعمل صالحا} وفى الفرقان: {وعمل عملا صالحا} لأن ما فى هذه السورة أوجز فى ذكر المعاصى، فأوجز فى التوبة، وأطال (هناك فأطال) والله أعلم.
فضل السورة
فيه أحاديث ضعيفة، منها: من قرأ سورة مريم أعطى من الأجر عشر حسنات، بعدد من صدق بزكريا، ويحيى، ومريم، وموسى، وعيسى وهارون، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، عشر حسنات، وبعدد من دعا لله ولدا، وبعدد من لم يدع له ولدا، ويعطى بعددهم حسنات ودرجات، كل درجة منها كما بين السماء والأرض ألف ألف مرة ويزوج بعددها فى الفردوس، وحشر يوم القيامة مع المتقين فى أول زمرة السابقين.
وعن جعفر أن من قرأ هذه السورة لا يموت ولا يخرج من الدنيا حتى [لا] يصيب الفتنة فى نفسه، وماله، وولده، وكان فى الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم، وأعطى من الأجر كملك سليمان بن داود. وقال: يا على من قرأ كاف ها يا ع ص أعطاه الله من الثواب مثل ثواب أيوب ومريم، وله بكل آية قرأها ثواب شهيد من شهداء بدر.
بصيرة فى.. طه
السورة مكية إجماعا. وعدد آياتها مائة وأربعون عند الشاميين، وخمس وثلاثون، عند الكوفيين، وأربع عند الحجازيين، وثنتان عند البصريين. وكلماتها ألف وثلاثمائة وإحدى وأربعون. وحروفها خمسة آلاف ومائتان واثنان وأربعون حرفا.
والآيات المختلف فيها إحدى وعشرون آية: طه {ما غشيهم} {رأيتهم ضلوا} درثه موضع {نسبحك كثيرا} {ونذكرك كثيرا} {محبة مني} فتونا، لنفسى {ولا تحزن} {أهل مدين} {معنا بني إسرائيل} ولقد {أوحينآ إلى موسى} أسفا {إلاه موسى} {وعدا حسنا} {إليهم قولا} {السامري} فنسى، صفصفا {مني هدى} {زهرة الحياة الدنيا} .
فواصل آياتها (يوما) وعلى الميم {ما غشيهم} وعلى الواو {ضلوا} .
وللسورة اسمان: طه لافتتاح السورة، وسورة موسى؛ لاشتمالها على قصته مفصلة.
مقصود السورة ومعظم ما اشتملت عليه: تيسير الأمر على الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر الاستواء، وعلم الله تعالى بالقريب والبعيد، وذكر حضور موسى عليه السلام بالوادى المقدس، وإظهار عجائب عصاه واليد البيضاء، وسؤال شرح الصدر وتيسير الأمر، وإلقاء التابوت فى البحر، وإثبات محبة موسى فى القلوب، واصطفاء الله تعالى موسى، واختصاصه بالرسالة إلى فرعون، وما جرى بينهما من المكالمة، والموعد يوم الزينة، وحيل فرعون وسحرته بالحبال والعصى، (وإيمان السحرة) وتعذيب فرعون لهم، والمنة على بنى إسرائيل بنجاتهم من الغرق، وتعجيل موسى، والمجىء إلى الطور، ومكر السامرى فى صنعة العجل، وإضلال القوم، وتعيير موسى على هارون بسبب ضلالتهم، وحديث القيامة، وحال الكفار فى عقوبتهم، ونسف الجبال، وانقياد المتكبرين فى ربقة طاعة الله الحى القيوم، وآداب قراءة القرآن.
وسؤال زيادة العلم والبيان، وتعيير آدم بسبب النسيان، وتنبيهه على الوسوسة ومكر الشيطان، وبيان عقوبة نسيان القرآن، ونهى النبى عن النظر إلى أحوال الكفار، وأهل الطغيان، والالتفات إلى ما خولوا: من الأموال، والولدان، وإلزام الحجة على المنكرين بإرسال الرسل بالبرهان، وتنبيهه الكفار على انتظار أمر الله فى قوله {قل كل متربص} إلى آخر السورة.
الناسخ والمنسوخ:
المنسوخ فيها ثلاث آيات م {ولا تعجل بالقرآن} ن {سنقرئك فلا تنسى} م {فاصبر على ما يقولون} ن آية السيف م {قل كل متربص} ن آية السيف.
المتشابهات:
قوله: {وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} ، وفى النمل: {إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} وفى القصص {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون} هذه الآيات تشتمل على ذكر رؤية موسى النار، وأمره أهله بالمكث، وإخباره إياهم أنه آنس نارا، وإطماعهم أن يأتيهم بنار يصطلون بها، أو خبر يهتدون به إلى الطريق التى ضلوا عنها، لكنه نقص فى النمل ذكر رؤية النار، وأمره بالمكث؛ اكتفاء بما تقدم. وزاد فى القصص قضاء موسى الأجل المضروب، وسيره بأهله إلى مصر؛ لأن الشىء قد يجمل ثم يفصل، وقد يفصل ثم يجمل.
وفى طه فصل، وأجمل فى النمل، ثم فصل فى القصص، وبالغ فيه. وقوله فى طه: {أو أجد على النار هدى} أى من يخبرنى بالطريق فيهدينى إليها. وإنما أخر ذكر الخبر فيها (وقدمه فيهما) مراعاة لفواصل الآى فى السور جميعا. وكرر (لعلى) فى القصص لفظا، وفيهما معنى؛ لأن (أو) فى قوله {أو أجد على النار هدى} نائب عن (لعلى) و (سئاتيكم) يتضمن معنى (لعلى) وفى القصص {أو جذوة من النار} وفى النمل {بشهاب قبس} وفى طه {بقبس} ؛ لأن الجذوة من النار [خشبة] فى رأسها قبس به شهاب، فهى فى السور الثلاث عبارة عن معنى واحد.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-06, 12:32 AM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(37)
من صـــ 314 الى صـــ 320
قوله: {فلما أتاها} هنا، وفى النمل: {فلما جاءها} ، وفى القصص {أتاها} لأن أتى وجاء بمعنى واحد، لكن لكثرة دور الإتيان هنا نحو (فأتياه) ، (فلنأتينك) (ثم أتى) (ثم ائتوا) (حيث أتى) [جاء (أتاها) ] ، ولفظ (جاء) فى النمل أكثر؛ نحو {فلما جآءهم} {وجئتك من سبأ} {فلما جآء سليمان} وألحق القصص بطه، لقرب ما بينهما.
قوله: {فرجعناك إلى أمك} وفى القصص {فرددناه} لأن الرجع إلى الشىء والرد إليه بمعنى، والرد عن الشىء يقتضى كراهة المردود، وكان لفظ الرجع ألطف، فخص طه به، وخص القصص بقوله: {فرددناه} ؛ تصديقا لقوله: {إنا رادوه إليك} .
قوله: {وسلك لكم فيها سبلا} ، وفى الزخرف: {وجعل} لأن لفظ السلوك مع السبيل أكثر استعمالا، فخص به طه، وخص الزخرف بجعل ازدواجا للكلام، وموافقة لما قبلها وما بعدها.
قوله: {إلى فرعون} وفى الشعراء: {أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا} ، وفى القصص: {فذانك برهانان من ربك إلى فرعون} ؛ لأن طه هى السابقة، وفرعون هو الأصل، والمبعوث إليه، وقومه تبع له، وهم كالمذكورين معه، وفى الشعراء {قوم فرعون} أى قوم فرعون وفرعون، فاكتفى بذكره فى الإضافة عن ذكره مفردا. ومثله {أغرقنا آل فرعون} أى آل فرعون وفرعون، وفى القصص {إلى فرعون وملإيه} فجمع بين الاثنين، فصار كذكر الجملة بعد التفصيل.
قوله: {واحلل عقدة من لساني} صرح بالعقدة هنا؛ لأنها السابقة، وفى الشعراء: {ولا ينطلق لساني} فكنى عن العقدة بما يقرب من الصريح، وفى القصص {وأخي هارون هو أفصح مني لسانا} فكنى عن العقدة كناية مبهمة؛ لأن الأول يدل على ذلك.
قوله فى الشعراء: {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون} وليس له فى طه ذكر؛ لأن قوله: {ويسر لي أمري} مشتمل على ذلك وغيره؛ لأن الله عز وجل إذا يسر له أمره لم يخف القتل.
قوله: {واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي} صرح بالوزير؛ لأنه الأول فى الذكر، وكنى عنه فى الشعراء حيث قال: {فأرسل إلى هارون} أى ليأتينى، فيكون لى وزيرا. وفى القصص: {أرسله معي ردءا} أى اجعله لى وزيرا، فكنى عنه بقوله {ردءا} لبيان الأول.
قوله: {فقولا إنا رسولا ربك} وبعده {إنا رسول رب العالمين} ؛لأن الرسول سمى به، فحيث وحده حمل على المصدر، وحيث ثنى حمل على الاسم. ويجوز أن يقال: حيث وحد حمل على الرسالة؛ لأنهما أرسلا لشىء واحد، وحيث ثنى حمل على الشخصين. وأكثر ما فيه من المتشابه سبق.
قوله: {أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون} بالفاء من غير (من) ، وفى السجدة بالواو، وبعده (من) ؛ لأن الفاء للتعقيب والاتصال بالأول، فطال الكلام، فحسن حذف (من) ، والواو يدل على الاستئناف وإتيان (من) غير مستثقل وقد سبق الفرق بين إثباته وحذفه.
فضل السورة
روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يقرأ أهل الجنة من القرآن إلا طه ويس. وقال: من قرأ سورة طه أعطى يوم القيامة ثواب المهاجرين. وفى حديث على: يا على من قرأ سورة طه أعطاه الله من الثواب مثل ثواب موسى وهارون، وله بكل آية قرأها فرحة يوم يخرج من قبره.
بصيرة فى.. اقترب للناس حسابهم
السورة مكية بالاتفاق. وآياتها مائة واثنتا عشرة عند الكوفيين، وإحدى عشرة عند الباقين. وكلماتها ألف ومائة وثمانية وستون. وحروفها أربعة آلاف وثمانمائة وسبعون، المختلف فيها آية واحدة: {ولا يضركم} .
مجموع فواصل آياتها (م ن) وسميت سورة الأنبياء لاشتمالها على قصصهم على إبراهيم، واسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وسليمان، وداود وأيوب، وإسماعيل، وصالح، ويونس، وزكريا، ويحيى، وعيسى.
مقصود السورة:
ما اشتملت عليه مجملا: من التنبيه على الحساب فى القيامة، وقرب زمانها، ووصف الكفار بالغفلة، وإثبات النبوة، واستيلاء أهل الحق على أهل الضلالة، وحجة الوحدانية، والإخبار عن الملائكة وطاعتهم، وتخليق الله السماوات والأرض بكمال قدرته، وسير الكواكب ودور الفلك، والإخبار عن موت الخلائق وفنائهم، وكلاء الله تعالى وحفظه العبد من الآفات، وذكر ميزان العدل فى القيامة، وذكر إبراهيم بالرشد والهداية، وإنكاره على الأصنام وعبادها، وسلامة إبراهيم من نار نمرود وإيقادها،
ونجاة لوط من قومه أولى العدوان، ونجاة نوح ومتابعته من الطوفان، وحكم داود، وفهم سليمان، وذكر تسخير الشيطان، وتضرع أيوب، ودعاء يونس، وسؤال زكريا، وصلاح مريم، وهلاك قرى أفرطوا فى الطغيان، وفتح سد يأجوج ومأجوج فى آخر الزمان وذل الكفار والأوثان، فى دخول النيران، وعز أهل الطاعة والإيمان، من الأزل إلى الأبد فى جميع الأزمان، على علالى الجنان، وطى السماوات فى ساعة القيامة، وذكر الأمم الماضية، والمنزلة من الكتب فى سالف الأزمان، وإرسال المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرأفة والرحمة والإحسان، وتبليغ الرسالة على حكم السوية من غير نقصان ورجحان، وطلب حكم الله تعالى على وفق الحق، والحكمة فى قوله {رب احكم بالحق وربنا الرحمان} .
الناسخ والمنسوخ:
فى هذه السورة آيتان م {إنكم وما تعبدون من دون الله} إلى تمام الآيتين ن {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} .
المتشابهات:
قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} وفى الشعراء {من ذكر من الرحمان محدث} خصت هذه السورة بقوله {من ربهم} بالإضافة، لأن (الرحمن) لم يأت مضافا، ولموافقة ما بعده، وهو قوله: {قل ربي يعلم} وخصت الشعراء بقوله {من الرحمان} ليكون كل سورة مخصوصة بوصف من أوصافه، وليس فى أوصاف الله تعالى اسم أشبه باسم الله من الرحمن؛ لأنهما اسمان ممنوعان أن يسمى بهما غير الله عز وجل، ولموافقة ما بعده، وهو قوله: {العزيز الرحيم} ؛ لأن الرحمن والرحيم من مصدر واحد.
قوله: {ومآ أرسلنا قبلك إلا رجالا} وبعده {ومآ أرسلنا من قبلك من رسول} ، (قبلك) و (من قبلك) كلاهما لاستيعاب الزمان المتقدم، إلا أن (من) إذا دخل دل على الحصر بين الحدين، وضبطه بذكر الطرفين. ولم يأت {ومآ أرسلنا قبلك} إلا هذه - وخصت بالحذف؛ لأن قبلها {مآ آمنت قبلهم من قرية} فبناه عليه لأنه هو؛ وآخر فى الفرقان {ومآ أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم} وزاد فى الثانى {من قبلك من رسول} على الأصل للحصر.
قوله: {كل نفس ذآئقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} وفى العنكبوت: {ثم إلينا ترجعون} ؛ لأن ثم للتراخى، والرجوع هو الرجوع إلى الجنة أو النار، وذلك فى القيامة، فخصت سورة العنكبوت به. وخصت هذه السورة بالواو لما حيل بين الكلامين بقوله: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا} وإنما ذكرا لتقدم ذكرهما، فقام مقام التراخى، وناب الواو منابه، والله أعلم.
قوله: {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا} وفى الفرقان {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا} لأنه ليس فى الآية التى تقدمتها ذكر الكفار؛ فصرح باسمهم، وفى الفرقان قد سبق ذكر الكفار، فخص الإظهار بهذه السورة، والكناية بتلك.
قوله: {ما هاذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنآ} وفى الشعراء {قالوا بل وجدنآ} ؛ لأن قوله: {وجدنآ آبآءنا} جواب لقوله: {ما هاذه التماثيل} وفى الشعراء أجابوا عن قوله {ما تعبدون} بقولهم {قالوا نعبد أصناما} ثم قال لهم {هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون} فأتى بصورة الاستفهام ومعناه النفى {قالوا بل وجدنآ} (أى قالوا لا بل وجدنا) عليه آباءنا، لأن السؤال فى الآية يقتضى فى جوابهم أن ينفوا ما نفاه السائل، فأضربوا عنه إضراب من ينفى الأول، ويثبت الثانى، فقالوا: بل وجدنا. فخصت السورة به.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-18, 02:52 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(38)
من صـــ 321 الى صـــ 327
قوله: {وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين} ، وفى الصافات {الأسفلين} ؛ لأن فى هذه السورة كادهم إبراهيم؛ لقوله: {لأكيدن أصنامكم} وهم كادوا ابراهيم لقوله: {وأرادوا به كيدا} فجرت بينهم مكايدة، فغلبهم إبراهيم؛ لأنه كسر أصنامهم، ولم يغلبوه؛ لأنهم (لم يبلغوا من إحراقه مرادهم) فكانوا هم الأخسرين. وفى الصافات {قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم} ، فأججوا نارا عظيمة، وبنوا بنيانا عاليا، ورفعوه إليه، ورموه [منه] إلى أسفل، فرفعه الله، وجعلهم فى الدنيا سافلين، وردهم فى العقبى أسفل سافلين. فخصت الصافات بالأسفلين.
قوله: {فنجيناه} بالفاء سبق فى يونس. ومثله فى الشعراء {فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين} .
قوله: {وأيوب إذ نادى ربه} ختم القصة بقوله {رحمة من عندنا} وقال فى ص {رحمة منا} لأنه بالغ (فى التضرع) بقوله {وأنت أرحم الراحمين} فبالغ سبحانه فى الإجابة، وقال {رحمة من عندنا} لأن (عند) حيث جاء دل على أن الله سبحانه تولى ذلك من غير واسطة. وفى ص لما بدأ القصة بقوله {واذكر عبدنا} ختم بقوله (منا) ليكون آخر الآية ملتئما بالأول.
قوله: {فاعبدون وتقطعوا} وفى المؤمنين {فاتقون فتقطعوا} لأن الخطاب فى هذه السورة للكفار، فأمرهم بالعبادة التى هى التوحيد، ثم قال: {وتقطعوا} بالواو؛ لأن التقطع قد كان منهم قبل هذا القول لهم. ومن جعله خطابا للمؤمنين، فمعناه: دوموا على الطاعة. وفى المؤمنين الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بدليل قوله قبله {ياأيها الرسل كلوا من الطيبات} والأنبياء والمؤمنون مأمورون بالتقوى، ثم قال {فتقطعوا أمرهم} أى ظهر منهم التقطع بعد هذا القول، والمراد أمتهم.
قوله: {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها} وفى التحريم (فيه) ؛ لأن المقصود هنا ذكرها وما آل إليه أمرها، حتى ظهر فيها ابنها، وصارت هى وابنها آية. وذلك لا يكون إلا بالنفخ فى جملتها، وبحملها، والاستمرار على ذلك إلى يوم ولادتها. فلهذا خصت بالتأنيث. وما فى التحريم مقصور على ذكر إحصانها، وتصديقها بكلمات ربها، وكان النفخ أصاب فرجها، وهو مذكر، والمراد به فرج الجيب أو غيره، فخصت بالتذكير.
فضل السورة
روى فيه أحاديث ساقطة ضعيفة. منها: من قرأ سورة اقترب للناس حسابهم حاسبه الله حسابا يسيرا، وصافحه، وسلم عليه كل نبى ذكر اسمه فى القرآن. وفى حديث على: يا على من قرأ هذه السورة فكأنما عبد الله على رضاه.
بصيرة فى.. يأيها الناس اتقوا ربكم
السورة مكية بالاتفاق، سوى ست آيات منها، فهى مدنية: {هاذان خصمان} إلى قوله: {صراط الحميد} . وعدد آياتها ثمان وسبعون فى عد الكوفيين، وسبع للمدنيين، وخمس للبصريين، وأربع للشاميين. وكلماتها ألفان ومائتان وإحدى وتسعون كلمة. وحروفها خمسة آلاف وخمسة وسبعون.
والآيات المختلف فيها خمس: الحميم، الجلود، وعاد وثمود، {وقوم لوط} ، {سماكم المسلمين} . مجموع فواصل آياتها (انتظم زبرجد قط) على الهمزة منها {إن الله يفعل ما يشآء} .
سميت: سورة الحج؛ لاشتمالها على مناسك الحج، وتعظيم الشعائر، وتأذين إبراهيم للناس بالحج.
مقصود السورة على طريق الإجمال: الوصية بالتقوى، والطاعة، وبيان هول الساعة، وزلزلة القيامة، (والحجة) على إثبات الحشر والنشر،وجدال أهل الباطل مع أهل الحق، والشكاية من أهل النفاق بعد الثبات، وعيب الأوثان وعبادتها، وذكر نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإقامة البرهان والحجة، وخصومة المؤمن والكافر فى دين التوحيد، وتأذين إبراهيم على المسلم بالحج، وتعظيم الحرمات والشعائر، وتفضيل القرآن فى الموسم، والمنة على العباد بدفع فساد أهل الفساد، وحديث البئر المعطلة، وذكر نسيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهوه حال تلاوة القرآن، وأنواع الحجة على إثبات القيامة، وعجز الأصنام وعبادها، واختيار الرسول من الملائكة والإنس، وأمر المؤمنين بأنواع العبادة والإحسان، والمنة عليهم باسم المسلمين، والاعتصام بحفظ الله وحياطته فى قوله {واعتصموا بالله هو مولاكم} إلى قوله {ونعم النصير} .
الناسخ والمنسوخ:
المنسوخ فيها آيتان: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} م {سنقرئك فلا تنسى} ن {الله يحكم بينكم} م آية السيف ن. والناسخ فى هذه السورة {أذن للذين يقاتلون} .
المتشابهات:
قوله: {يوم ترونها} وبعده {وترى الناس سكارى} محمول على: أيها المخاطب كما سبق فى قوله {وترى الفلك} .
قوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} [فى هذه السورة، وفى لقمان: {ولا كتاب منير} ] لأن ما فى هذه السورة وافق ما قبلها [من الآيات، وهى: نذير، القبور، وكذلك فى لقمان وافق ما قبلها] وما بعدها وهى الحمير والسعير والأمور.
قوله: {من بعد علم} بزيادة (من) لقوله {من تراب ثم من نطفة} الآيه وقد سبق فى النحل.
قوله: {ذلك بما قدمت يداك} وفى غيرها {أيديكم} لأن هذه الآية نزلت فى نضر بن الحارث وقيل [فى] أبى جهل [فوحده، وفى غيرها] نزلت فى الجماعة الذين تقدم ذكرهم.
قوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا "والصابئين والنصارى"} (قدم الصابئين لتقدم زمانهم. وقد سبق فى البقرة.
قوله: {يسجد له من في السماوات} سبق فى الرعد.
قوله: {كلمآ أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها} وفى السجدة {منهآ أعيدوا فيها} لأن المراد بالغم [الكرب] والأخذ بالنفس حتى لا يجد صاحبه متنفسا، وما قبله من الآيات يقتضى ذلك، وهو {قطعت لهم ثياب من نار} إلى قوله {من حديد} فمن كان فى ثياب من نار فوق رأسه جهنم يذوب من حره أحشاء بطنه، حتى يذوب ظاهر جلده، وعليه موكلون يضربونه بمقامع من حديد، كيف يجد سرورا ومتنفسا من تلك الكرب التى عليه وليس فى السجدة من هذا ذكر، وإنما قبلها {فمأواهم النار كلمآ أرادوا أن يخرجوا منهآ أعيدوا فيها} .
قوله: {وذوقوا} ، وفى السجدة: {وقيل لهم ذوقوا} القول ها هنا مضمر. وخص بالإضمار لطول الكلام بوصف العذاب. وخصت سورة السجدة بالإظهار، موافقة للقول قبله فى مواضع منها {أم يقولون افتراه} {وقالوا أءذا ضللنا} ، و {قل يتوفاكم} و {حق القول} وليس فى الحج منه شىء. قوله: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} مكررة. وموجب التكرار قوله: {هاذان خصمان} ، لأنه لما ذكر أحد الخصمين وهو {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} لم يكن بد من ذكر الخصم الآخر فقال: {إن الله يدخل الذين آمنوا} .
قوله: {وطهر بيتي للطآئفين والقآئمين} وفى البقرة {والعاكفين} وحقه أن يذكر هناك لأن ذكر العاكف هاهنا سبق فى قوله {سوآء العاكف فيه والباد} ومعنى {والقآئمين والركع السجود} المصلون. وقيل:(القائمين) بمعنى المقيمين. وهم العاكفون [لكن] لما تقدم ذكرهم عبر عنهم بعبارة أخرى.
قوله: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} كرر؛ لأن الأول متصل بكلام إبراهيم وهو اعتراض ثم أعاده مع قوله {والبدن جعلناها لكم} .
قوله: {فكأين من قرية أهلكناها} وبعده {وكأين من قرية أمليت لها} خص الأول بذكر الإهلاك؛ لاتصاله بقوله: {فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم} أى أهلكتهم، والثانى بالإملاء؛ لأن قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} دل على أنه لم يأتهم فى الوقت، فحسن ذكر الإملاء.
قوله: {وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} هنا وفى لقمان {من دونه الباطل} لأن هنا وقع بين عشر آيات كل آية مؤكدة مرة أو مرتين، ولهذا أيضا زيد فى هذه السورة اللام فى قوله: {وإن الله لهو الغني الحميد} وفى لقمان: {إن الله هو الغني الحميد} إذ لم يكن سورة لقمان بهذه الصفة. وإن شئت قلت: لما تقدم فى هذه السورة ذكر الله سبحانه وتعالى وذكر الشيطان أكدهما؛ فإنه خبر [وقع] بين خبرين. ولم يتقدم فى لقمان ذكر الشيطان، فأكد ذكر الله، وأهمل ذكر الشيطان. وهذه دقيقة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-18, 03:01 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(39)
من صـــ 328 الى صـــ 334
فضل السورة
ذكر المفسرون فيه أحاديث واهية. منها: من قرأ من سورة الحج أعطى من الأجر كحجة حجها، وعمرة اعتمرها، بعدد من حج واعتمر، من مضى منهم ومن بقى، ويكتب له بعدد كل واحد منهم حجة وعمرة وله بكل آية قرأها مثل ثواب من حج عن أبويه.
بصيرة فى.. قد أفلح المؤمنون
السورة مكية إجماعا. وعدد آياتها مائة وثمانية عشر عند الكوفيين، وتسعة عشر عند الباقين. وكلماتها ألف ومائتان وأربعون. وحروفها أربعة آلاف وثمانمائة وواحد. المختلف فيها {وأخاه هارون} .
مجموع فواصل آياتها (من) . وسميت سورة المؤمنين لافتتاحها بفلاح المؤمنين.
مقصود السورة ومعظم ما اشتملت عليه: الفتوى بفلاح المؤمنين، والدلالة على أخلاق أهل الإسلام، وذكر العجائب فى تخليق الأولاد فى الأرحام، والإشارة إلى الموت والبعث، ومنة الحق على الخلق بإنبات الأشجار، وإظهار الأنهار، وذكر المراكب، والإشارة إلى هلاك قوم نوح، ومذمة الكفار، وأهل الإنكار، وذكر عيسى ومريم، وإيوائهما إلى ربوة ذات قرار، وإمهال الكفار فى المعاصى، والمخالفات، وبيان حال المؤمنين فى العبادات، والطاعات، وبيان حجة التوحيد وبرهان النبوات، وذل الكفار بعد الممات، وعجزهم فى جهنم حال العقوبات، ومكافأتهم فى العقبى على حسب المعاملات، فى الدنيا فى جميع الحالات، وتهديد أهل اللهو،واللغو، والغفلات، وأمر الرسول بدعاء الأمة، وسؤال المغفرة لهم والرحمات، فى قوله: {رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين} .
الناسخ والمنسوخ:
المنسوخ فيها آيتان {فذرهم في غمرتهم} م آية السيف ن {ادفع بالتي هي أحسن} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله: {لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون} (فواكه) بالجمع و (منها) بالواو، وفى الزخرف {فاكهة} على التوحيد {منها تأكلون} بغير واو. راعى فى السورتين لفظ الجنة. وكانت فى هذه (جنات) بالجمع فقال: (فواكه) بالجمع، وفى الزخرف: {وتلك الجنة} بلفظ التوحيد، وإن كانت هذه جنة الخلد لكن راعى اللفظ فقال {فيها فاكهة} وقال فى هذه السورة {ومنها تأكلون} بزيادة الواو؛ لأن تقدير الآية: منا تدخرون، ومنها تأكلون، ومنها تبيعون، وليست كذلك فاكهة الجنة، فإنها للأكل فقط. فذلك قال: {منها تأكلون} ووافق هذه السورة ما بعدها أيضا، وهو قوله: {ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون} فهذا للقرآن معجزة وبرهان.
قوله: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه} وبعده {وقال الملأ من قومه الذين كفروا} فقدم (من قومه) فى الآية الأخرى، وأخر فى الأولى؛ لأن صلة (الذين) فى الأولى اقتصرت على الفعل وضمير الفاعل، ثم ذكر بعده الجار والمجرور ثم ذكر المفعول وهو المقول، وليس كذلك فى الأخرى، فإن صلة الموصول طالت بذكر الفاعل والمفعول والعطف عليه مرة بعد أخرى، فقدم الجار والمجرور؛ لأن تأخيره يلتبس، وتوسيطه ركيك، فخص بالتقدم.
قوله: {ولو شآء الله لأنزل ملائكة} (وفى حم السجدة: ( {ولو شآء ربك لأنزل ملائكة} ) لأن فى هذه السورة تقدم ذكر الله، وليس فيه ذكر الرب، وفى السجدة تقدم ذكر (رب العالمين) سابقا على ذكر لفظ الله، فصرح فى هذه السورة بذكر الله، وهناك بذكر الرب؛ لإضافته إلى العالمين وهم من جملتهم، فقالوا إما اعتقادا وإما استهزاء: لو شاء ربنا لأنزل ملائكة، فأضافوا الرب إليهم.
قوله: {واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} ، وفى سبأ {إني بما تعملون بصير} كلاهما من وصف الله سبحانه. وخص كل سورة بما وافق فواصل الآى.
قوله: {فبعدا للقوم الظالمين} بالألف واللام، وبعده: {لقوم لا يؤمنون} ؛ لأن الأول لقوم صالح، فعرفهم بدليل قوله: {فأخذتهم الصيحة} ، والثانى نكرة، وقبله {قرونا آخرين} وكانوا منكرين، ولم يكن معهم قرينة عرفوا بها، فخصوا بالنكرة.
قوله: {لقد وعدنا نحن وآبآؤنا هاذا من قبل} ، وفى النمل {لقد وعدنا هاذا نحن وآبآؤنا من قبل} لأن ما فى [هذه] السورة على القياس؛ فإن الضمير المرفوع المتصل لا يجوز العطف عليه، حتى يؤكد بالضمير المنفصل، فأكد (وعدنا نحن) ثم عطف عليه (آباؤنا) ، ثم ذكر المفعول، وهو (هذا) وقدم فى النمل المفعول موافقة لقوله (ترابا) لأن القياس فيه أيضا: كنا نحن وآباؤنا ترابا (فقدم "ترابا") ليسد مسد نحن وكانا متوافقين.
قوله: {سيقولون لله} ، وبعده: {سيقولون لله} وبعده: {سيقولون لله} الأول جواب لقوله {قل لمن الأرض ومن فيهآ} جواب مطابق لفظا ومعنى لأنه قال فى السؤال: (قل لمن) فقال فى الجواب: (لله) وأما الثانى والثالث فالمطابقة فيهما فى المعنى؛ لأن القائل إذا قال لك: من مالك هذا الغلام؟ فلك أن تقول: زيد، فيكون مطابقا لفظا ومعنى. ولك أن تقول لزيد، فيكون مطابقا للمعنى. ولهذا قرأ أبو عمرو الثانى والثالث: (الله) (الله) ؛ مراعاة للمطابقة.
قوله {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} وقبله: {قد كانت آياتي تتلى عليكم} ليس بتكرار؛ لأن الأول فى الدنيا عند نزول العذاب وهو الجدب عند بعضهم، ويوم بدر عند البعض، والثانى فى القيامة، وهم فى الجحيم؛ بدليل قوله: {ربنآ أخرجنا منها} .
فضل السورة
يذكر فيه من الأحاديث الواهية حديث أبى: من قرأ سورة المؤمنين بشرته الملائكة بالروح، والريحان، وما تقر به عينه عند نزول ملك الموت، ويروى: أن أول هذه السورة وآخرها من كنوز العرش من علم بثمان آيات من أولها، واتعظ بأربع آيات من آخرها؛ فقد نجا، وأفلح، وحديث على: يا على من قرأها تقبل الله منه صلاته، وصيامه، وأفلح؛ وحديث على: يا على من قرأها تقبل الله منه صلاته، وصيامه، وجعله فى الجنة رفيق إسماعيل، وله بكل آية قرأها مثل ثواب إسماعيل.
بصيرة فى.. سورة أنزلناها
السورة مدنية بالاتفاق. عدد آياتها أربع وستون فى العراقى والشامى، واثنتان فى الحجازى. كلماتها ألف وثلثمائة وستة عشر. وحروفها خمسة آلاف وستمائة وثمانون. المختلف فيها آيتان: {بالغدو والآصال} و {يذهب بالأبصار} .
مجموع فواصل آياتها (لم نرب) على اللام آية واحدة {بالغدو والآصال} وعلى الباء آيتان {بغير حساب} و {سريع الحساب} سميت سورة النور، لكثرة ذكر النور فيها (الله نور.. مثل نوره.. نور على نور يهدى الله لنوره.. ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-18, 03:12 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(40)
من صـــ 335 الى صـــ 344
مقصود السورة ومعظم ما اشتملت عليه:
بيان فرائض مختلفة، وآداب حد الزانى والزانية، والنهى عن قذف المحصنات، وحكم القذف، واللعان، وقصة إفك الصديقة، وشكاية المنافقين، وخوضهم فيه، وحكاية حال المخلصين فى حفظ اللسان، وبيان عظمة عقوبة البهتان، وذم إشاعة الفاحشة، والنهى عن متابعة الشيطان، والمنة بتزكية الأحوال على أهل الإيمان، والشفاعة لمسطح إلى الصديق، فى ابتداء الفضل والإحسان، ومدح عائشة بأنها حصان رزان، وبيان أن الطيبات للطيبين، ولعن الخائضين فى حديث الإفك، والنهى عن دخول البيوت بغير إذن وإيذان، والأمر بحفظ الفروج، وغض الأبصار، والأمر بالتوبة لجميع أهل الإيمان، وبيان النكاح وشرائطه، وكراهة الإكراه على الزنا، وتشبيه المعرفة بالسراج والقنديل، وشجرة الزيتون، وتمثيل أعمال الكفار، وأحوالهم، وذكر الطيور، وتسبيحهم، وأورادهم، وإظهار عجائب صنع الله فى إرسال المطر، وتفصيل أصناف الحيوان، وانقياد أمر الله تعالى بالتواضع والإذعان، وخلافة الصديق، وصلابة الإخوان، وبيان استئذان الصبيان، والعبدان، ورفع الحرج عن العميان، والزمنى، والعرجان، والأمر بحرمة سيد الإنس والجان، وتهديد المنافقين، وتحذيرهم من العصيان، وختم السورة بأن لله الملك والملكوت بقوله {ألا إن لله ما في السماوات والأرض} إلى قوله {عليم} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ ست آيات {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} م {إلا الذين تابوا} ن {والزانية لا ينكحهآ} م {وأنكحوا الأيامى} ن. وقيل: محكمة {والذين يرمون} م {والخامسة أن} ن {وقل للمؤمنات يغضضن} العموم فيه م {والقواعد من النسآء} ن الخصوص {عليه ما حمل} م آية السيف ن {ليستأذنكم} م {وإذا بلغ الأطفال} ن.
المتشابهات:
قوله تعالى {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم}محذوف الجواب، تقديره: لفضحكم. وهو متصل ببيان حكم الزانيين، وحكم القاذف وحكم اللعان. وجواب لولا محذوفا أحسن منه ملفوظا به. وهو المكان الذى يكون الإنسان فيه أفصح ما يكون (إذا سكت) .
وقوله بعده: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم} فحذف الجواب أيضا. وتقديره: لعجل لكم العذاب. وهو متصل بقصتها رضى الله عنها، وعن أبيها. وقيل دل عليه قوله {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في مآ أفضتم فيه عذاب عظيم} وقيل: دل عليه قوله: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا} وفى خلال هذه الآيات {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون} {لولا جآءوا عليه بأربعة شهدآء} {ولولا إذ سمعتموه قلتم} وليس هو الدال على امتناع الشىء لوجود غيره، بل هو للتحضيض؛ قال الشاعر:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بنى ضوطرى لولا الكمى المقنعا
وهو فى البيت للتحضيض. والتحضيض يختص بالفعل، والفعل فى البيت مقدر، تقديره: هلا تعدون الكمى، أو هلا تعقرون الكمى.
قوله: {ولقد أنزلنآ إليكم آيات} ، وبعده: {لقد أنزلنآ آيات} ؛لأن اتصال الأول بما قبله أشد: فإن قوله: (وموعظة) محمول ومصروف إلى قوله: {وليستعفف} ، وإلى قوله: {فكاتبوهم} ، {ولا تكرهوا} فاقتضى الواو؛ ليعلم أنه عطف على الأول، واقتضى بيانه بقوله: (إليكم) ليعلم أن المخاطبين بالآية الثانية هم المخاطبون بالآية الأولى. وأما الثانية فاستئناف كلام، فخص بالحذف.
قوله: {وعد الله الذين آمنوا منكم} إنما زاد (منكم) ؛ لأنهم المهاجرون. وقيل: عام، و (من) للتبيين.
قوله: {وإذا بلغ الأطفال} ختم [الآية] بقوله: {كذلك يبين الله لكم آياته} وقبلها وبعدها {لكم الآيات} ؛ لأن الذى قبلها والذى بعدها يشتمل على علامات يمكن الوقوف عليها.
وهى فى الأولى {ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشآء} وفى الأخرى {من بيوتكم أو بيوت آبآئكم أو بيوت أمهاتكم} الآية فعد فيها آيات كلها معلومة، فختم الآيتين بقوله {لكم الآيات} . ومثله {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات} يعنى حد الزانين وحد القاذفين، فختم بالآيات. وأما بلوغ الأطفال فلم يذكر له علامات يمكن الوقوف عليها، بل تفرد سبحانه بعلم ذلك، فخصها بالإضافة إلى نفسه، وختم كل آية بما اقتضاها أولها.
فضل السورة
فيه حديث أبى المستضعف "من قرأ سورة النور أعطى من الأجر عشر حسنات، بعدد كل مؤمن فيما مضى، وفيما بقى" وحديث: "لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن الغزل وسورة النور" وحديث على: "يا على من قرأ سورة النور نور الله قلبه، وقبره، وبيض وجهه، وأعطاه كتابه بيمينه وله بكل آية قرأها مثل ثواب من مات مبطونا".
بصيرة فى.. تبارك الذى نزل الفرقان
السورة مكية بالاتفاق. وعدد آياتها سبع وسبعون. وكلماتها ثمانمائة واثنتان وسبعون. وحروفها ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاث وثلاثون. مجموع فواصل آياتها (لا) على اللام منها آية واحدة: {ضلوا السبيل} سميت سورة الفرقان لأن فى فاتحتها ذكر الفرقان فى قوله {نزل الفرقان على عبده} .
مقصود السورة ومعظم ما اشتملت عليه: المنة بإنزال القرآن، ومنشور رسالة سيد ولد عدنان، وتنزيه الحق تعالى من الولد، والشريك، وذم الأوثان، والشكاية من المشركين بطعنهم فى المرسلين، بأكل الطعام فى أخس مكان، واستدعائهم محالات المعجزات من الأنبياء كل أوان، وذل المشركين فى العذاب والهوان، وعز المؤمنين فى ثوابهم بفراديس الجنان، وخطاب الحق مع الملائكة فى القيامة تهديدا لأهل الكفر والطغيان، وبشارة الملائكة للمجرمين بالعقوبة فى النيران، وبطلان أعمال الكفار يوم ينصب الميزان، والإخبار بمقر المؤمنين فى درجات الجنان، وانشقاق السماوات بحكم الهول وسياسة العبدان، والإخبار عن ندامة الظالمين يوم الهيبة ونطق الأركان، وذكر الترتيب والترتيل فى نزول القرآن، وحكاية حال القرون الماضية، وتمثيل الكفار بالأنعام، أخس الحيوان، وتفضيل الأنعام عليهم فى كل شان، وعجائب صنع الله فى ضمن الظل والشمس وتخليق الليل، والنهار، والآفات، والأزمان، والمنة بإنزال الأمطار، وإنبات الأشجار فى كل مكان، وذكر الحجة فى المياه المختلفة فى البحار، وذكر النسب، والصهر، فى نوع الإنسان، وعجائب الكواكب، والبروج، ودور الفلك، وسير الشمس، والقمر، وتفصيل صفات العباد، وخواصهم بالتواضع، وحكم قيام الليل، والاستعاذة من النيران، وذكر الإقتار، والاقتصاد فى النفقة، والاحتراز من الشرك والزنى وقتل النفس بالظلم والعدوان، والإقبال على التوبة، والإعراض عن اللغو، والزور، والوعد بالغرف للصابرين على عبادة الرحمن، وبيان أن الحكمة فى تخليق الخلق التضرع والدعاء والابتهال إلى الله الكريم المنان، بقوله: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعآؤكم} الآية.
المتشابهات:
قوله: (تبارك) هذه لفظة لا تستعمل إلا لله تعالى. ولا تستعمل إلا بلفظ الماضى. وجاء فى هذه السورة فى ثلاثة مواضع {تبارك الذي نزل الفرقان} {تبارك الذي إن شآء جعل لك} {تبارك الذي جعل في السمآء بروجا} ؛ تعظيما لذكر الله. وخصت هذه المواضع بالذكر؛ لأن ما بعدها عظائم: الأول ذكر الفرقان، وهو القرآن المشتمل على معانى جميع كتاب أنزله الله، والثانى ذكر النبى الذى خاطبه الله بقوله: (لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات) . والثالث ذكر البروج والسيارات، والشمس والقمر، والليل والنهار، ولولاها ما وجد فى الأرض حيوان، ولا نبات. ومثلها {فتبارك الله رب العالمين} {فتبارك الله أحسن الخالقين} {تبارك الذي بيده الملك} .
قوله: {من دونه} هنا، وفى مريم، ويس: {من دون الله} ؛ لأن فى هذه السورة وافق ما قبله، وفى السورتين لوجاء (من دونه) لخالف ما قبله؛ لأن ما قبله فى السورتين بلفظ الجمع؛ تعظيما. فصرح.
قوله: {ضرا ولا نفعا} قدم الضر؛ موافقة لما قبله وما بعده. فما قبله نفى وإثبات، وما بعده موت وحياة. وقد سبق.
قوله: {ما لا ينفعهم ولا يضرهم} قدم النفع؛ موافقة لقوله تعالى: {هاذا عذب فرات وهاذا ملح أجاج} .
قوله: {الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمان} ومثله فى السجدة يجوز أن يكون (الذى) فى السورتين مبتدأ (الرحمن) خبره فى الفرقان، و {وما لكم من دونه} خبره فى السجدة، وجاز غير ذلك.
فضل السورة
فيه الأحاديث الضعيفة التى منها حديث أبى: من قرأ سورة الفرقان بعث يوم القيامة وهو يؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من فى القبور، ودخل الجنة بغير حساب. ومن قرأ هذه السورة يبعث يوم القيامة آمنا من هولها، ويدخل الجنة بغير نصب، وحديث على: يا على من قرأ {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} . فكأنما قرأ كل كتاب نزل من السماء، وكأنما عبد الله بكل آية قرأها سنة.
بصيرة فى.. طسم. تلك الشعراء
السورة مكية، إلا آية واحدة: {والشعرآء يتبعهم الغاوون} إلى آخره. عدد آياتها مائتان وسبع وعشرون فى عد الكوفى والشامى. وست فى عد الباقين. كلماتها ألف ومائتان وسبع وسبعون. وحروفها خمسة آلاف وخمسمائة وثنتان وأربعون: الآيات المختلف فيها أربع طسم {فلسوف تعلمون} {أين ما كنتم تعبدون} {وما تنزلت به الشياطين} .
مجموع فواصل آياتها (ملن) على اللام أربع، آخرهن إسرائيل وسميت سورة الشعراء لاختتامها بذكر هم فى قوله: {والشعرآء يتبعهم الغاوون} .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-18, 03:19 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(41)
من صـــ 345 الى صـــ 351
مقصود السورة وجل ما اشتملت عليه:
ذكر القسم ببيان آيات القرآن، وتسلية الرسول عن تأخر المنكرين عن الإيمان، وذكر موسى وهارون، ومناظرة فرعون الملعون، وذكر السحرة، ومكرهم فى الابتداء، وإيمانهم وانقيادهم فى الانتهاء، وسفر موسى ببنى إسرائيل من مصر، وطلب فرعون إياهم، وانفلاق البحر، وإغراق القبط، وذكر الجبل، وذكر المناجاة، ودعاء إبراهيم الخليل، وذكر استغاثة الكفار من عذاب النيران،وقصة نوح، وذكر الطوفان، وتعدى عاد، وذكر هود، وذكر عقوبة ثمود، وذكر قوم لوط، وخبثهم، وقصة شعيب، وهلاك أصحاب الأيكة، لعبثهم، وتنزيل جبريل على النبى بالقرآن العربى، وتفصيل حال الأمم السالفة الكثيرة، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإنذار العشيرة، وتواضعه للمؤمنين، وأخلاقه اللينة، وبيان غواية شعراء الجاهلية، وأن العذاب منقلب الذين يظلمون فى قوله {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} .
الناسخ والمنسوخ:
المنسوخ فى هذه السورة آية واحدة: {والشعرآء يتبعهم الغاوون} العموم م {إلا الذين آمنوا} ن الخصوص.
المتشابهات:
قوله: {وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث} سبق فى الأنبياء. {فسيأتيهم} سبق فى الأنعام، وكذا {ألم يروا} وما تعلق بقصة موسى وفرعون سبق فى الأعراف.
قوله: {إن في ذلك لآية} مذكور فى ثمانية مواضع: أولها فى محمد صلى الله عليه وسلم، وإن لم يتقدم ذكره صريحا، فقد تقدم كناية ووضوحا، والثانية فى قصة موسى، ثم إبراهيم، ثم نوح، ثم هود، ثم صالح، ثم لوط، ثم شعيب.
قوله {ألا تتقون} إلى قوله: {العالمين} مذكور فى خمسة مواضع: فى قصة نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب عليهم السلام. ثم كرر {فاتقوا الله وأطيعون} فى قصة نوح، وهود، وصالح فصار ثمانية مواضع. وليس فى ذكر النبى صلى الله عليه وسلم {وما أسألكم عليه من أجر} ؛ لذكرها فى مواضع. وليس فى قصة موسى؛ (لأنه رباه فرعون حيث قال: {ألم نربك فينا وليدا} ولا فى قصة إبراهيم، لأن أباه فى المخاطبين حيث يقول: {إذ قال لأبيه وقومه} وهو رباه، فاستحيا موسى) وإبراهيم أن يقولا: ما أسألكم عليه من أجر، وإن كانا منزهين من طلب الأجر.
قوله: فى قصة إبراهيم: {ما تعبدون} وفى الصافات {ماذا تعبدون} لأن (ما) لمجرد الاستفهام، فأجابوا فقالوا: {نعبد أصناما} و (ماذا) فيه مبالغة، وقد تضمن فى الصافات معنى التوبيخ، فلما وبخهم ولم يجيبوا،زاد فى التوبيخ فقال: {أإفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين} فجاء فى كل سورة ما اقتضاه ما قبله وما بعده.
قوله: {الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين} زاد (هو) فى الإطعام، والشفاء؛ لأنهما مما يدعى الإنسان، فيقال: زيد يطعم، وعمرو يداوى. فأكد؛ إعلاما لأن ذلك منه سبحانه وتعالى لا من غيره. وأما الخلق والموت، والحياة، فلا يدعيها مدع، فأطلق.
قوله فى قصة صالح: {مآ أنت} بغير واو، وفى قصة شعيب: {ومآ أنت} لأنه فى قصة صالح بدل من الأول، وفى الثانية عطف، وخصت الأولى بالبدل؛ لأن صالحا قلل فى الخطاب، (فقللوا فى الجواب) وأكثر شعيب فى الخطاب، فأكثروا فى الجواب.
فضل السورة
فيه حديث أبى الواهى: من قرأ سورة الشعراء كان من له الأجر عشر حسنات، بعدد من صدق بنوح، وكذب به، وهود، وشعيب، وصالح، وابراهيم، وبعدد من كذب بعيسى، وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم، وحديث على: يا على من قرأ هذه السورة كان موته موت الشهداء، وله بكل آية قرأها مثل ثواب امرأة فرعون آسية.
بصيرة فى.. طس. تلك آيات القرآن
السورة مكية بالاتفاق، عدد آياتها خمس وتسعون فى عد الحجاز، وأربع فى عد الشام، والبصرة، وثلاث فى عد الكوفة، كلماتها ألف ومائة وتسع وأربعون. وحروفها أربعة آلاف وسبعمائة وتسع وتسعون. والآيات المختلف فيها {وأولو بأس شديد} ، {من قواريرا} ، مجموع فواصل آياتها (من) وسميت سورة النمل؛ لاشتمالها على مناظرة النمل سليمان فى قوله: {قالت نملة ياأيها النمل ادخلوا} .
مقصود السورة ومعظم ما تضمنته: بيان شرف القرآن، وما منه نصيب أهل الإيمان، والشكاية من مكر أهل الشرك والعصيان، وإشارة إلى ذكر الوادى المقدس وموسى بن عمران، وذكر خبر داود وسليمان، وفضل الله تعالى عليهما بتعليمهما منطق الطير وسائر الحيوان، وقصة النمل، وذكر الهدهد وخبر بلقيس، ورسالة الهدهد إليها من سليمان، ومشاورتها أركان الدولة، وبيان أثر الملوك إذا نزلوا فى مكان، وإهداء بلقيس إلى سليمان، وتهديده لها، ودعوة آصف لإحضار تخت بلقيس فى أسرع زمان، وتغيير حال العرش لتجربتها وإسلامها على يدى سليمان، وحديث صالح ومكر قومه فى حقه، وطرف من حديث قوم لوط أولى الطغيان، والبرهان فى الحدائق، والأشجار، والبحار، والأنهار، وإجابة الحق دعاء أهل التضرع، والابتهال إلى الرحمن، وهداية الله الخلق فى ظلمات البر، والبحر، واطلاع الحق تعالى على أسرار الغيب، وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم فى إعراض المنكرين من قبول القرآن، وقبول الإيمان، وخروج الدابة، وظهور علامة القيامة، والإخبار عن حال الجبال فى ذلك اليوم، وبيان جزاء المجرمين، وإعراض الرسول عن المشركين، وإقباله على القرآن الكريم، وأمر الله له بالحمد على إظهار الحجة، أعنى القرآن فى قوله {وقل الحمدلله سيريكمءاياته} .
الناسخ والمنسوخ:
فى هذه السورة آية واحدة م {وأن أتلو القرآن} ن آية السيف.
المتشابهات:
قوله: {فلما جآءها نودي} ، وفى القصص وطه {فلمآ أتاها} الآية، قال فى هذه السورة {سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس} فكرر (ءاتيكم) فاستثقل الجمع بينهما وبين {فلمآ أتاها} فعدل إلى قوله: {فلما جآءها} بعد أن كانا بمعنى واحد. وأما فى السورتين فلم يكن {إلا سآتيكم} {فلمآ أتاها} .
قوله: {وألق عصاك} وفى القصص {وأن ألق عصاك} ؛ لأن فى هذه السورة {نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ياموسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك} فحيل بينهما بهذه الجملة فاستغنى عن إعادة (أن) ، وفى القصص: {أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك} فلم يكن بينهما جملة أخرى عطف بها على الأول، فحسن إدخال (أن) .
قوله: {لا تخف} ، وفى القصص: {أقبل ولا تخف} خصت هذه السورة بقوله: {لا تخف} لأنه بنى على ذكر الخوف كلام يليق به، وهو قوله: {إني لا يخاف لدي المرسلون} ، وفى القصص اقتصر على قوله: {لا تخف} ، ولم يبن عليه كلام، فزيد قبله {أقبل} ؛ ليكون فى مقابلة {مدبرا} أى أقبل آمنا غير مدبر، ولا تخف، فخصت هذه السورة به.
قوله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضآء من غير سواء} ، وفى القصص: {اسلك يدك في جيبك} خصت هذه السورة بـ (أدخل) ؛ لأنه أبلغ من قوله: {اسلك يدك} ، لأن (اسلك) يأتى لازما، ومتعديا، وأدخل متعد لا غير، وكان فى هذه السورة {في تسع آيات} أى مع تسع آيات مرسلا إلى فرعون. وخصت القصص بقوله {اسلك} موافقة لقوله {اضمم} ثم قال: {فذانك برهانان من ربك} (وكان) دون الأول فخص بالأدون من اللفظين.
قوله {إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين} ، وفى القصص: {إلى فرعون وملإيه} ؛ لأن الملأ أشراف القوم، وكانوا فى هذه السورة موصوفين بما وصفهم الله به من قولهم {فلما جآءتهم آياتنا مبصرة قالوا هاذا سحر مبين وجحدوا بها} الآية فلم يسمهم ملأ، بل سماهم قوما. وفى القصص لم يكونوا موصوفين بتلك الصفات، فسماهم ملأ وعقبه {وقال فرعون ياأيها الملأ ما علمت لكم من إلاه غيري} . وما يتعلق بقصة موسى سوى هذه الكلمات قد سبق.
قوله: {وأنجينا الذين آمنوا} وفى حم {ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} ونجينا وأنجينا بمعنى واحد. وخصت هذه السورة بأنجينا؛ موافقة لما بعده وهو: {فأنجيناه وأهله} وبعده: {وأمطرنا} ، {وأنزلنا} كله على لفظ أفعل. وخص حم بنجينا؛ موافقة لما قبله: [وزينا] وبعده {وقيضنا لهم} وكله على لفظ فعل.
قوله: {وأنزل لكم} سبق.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-18, 03:26 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(42)
من صـــ 352 الى صـــ 358
قوله: {أإلاه مع الله} فى خمس آيات، وختم الأولى بقوله: {بل هم قوم يعدلون} ثم قال: {بل أكثرهم لا يعلمون} ثم قال: {قليلا ما تذكرون} ثم قال {تعالى الله عما يشركون} ثم {هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} أى عدلوا وأول الذنوب العدول عن الحق، ثم لم يعلموا ولو علموا لما عدلوا ثم لم يذكروا فيعلموا بالنظر والاستدلال، فأشركوا من غير حجة وبرهان. قل لهم يا محمد: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
قوله: {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات} وفى الزمر: {فصعق} : خصت هذه السورة بقوله {فزع} موافقة لقوله: {وهم من فزع يومئذ ميتون} ، وخصت الزمر بقوله: {فصعق} موافقة لقوله {إنهم ميتون} ؛ لأن معناه: مات.
فضل السورة
رويت أحاديث ضعيفة منها حديث أبى: من قرأ طس كان له من الأجر عشر حسنات. بعدد من صدق سليمان، وكذب به، وهود، وشعيب، وإبراهيم، ويخرج من قبره وهو ينادى: لا إله إلا الله؛ وحديث على: يا على من قرأ طس النمل أعطاه الله بكل سجدة يسجد بها المؤمنون ثواب المؤمنين كلهم، وله بكل آية ثواب المتوكلين.
بصيرة فى.. طسم. القصص
السورة مكية بالاتفاق. عدد آياتها ثمان وثمانون وكلماتها ألف وأربعمائة وواحدة. وحروفها خمسة آلاف وثمانمائة الآيات المختلف [فيها] اثنتان: طسم، يسقون. فواصل آياتها (لم تر) وسميت سورة القصص؛ لاشتمالها عليها فى قوله: {وقص عليه القصص} أى قص موسى على شعيب.
مقصود السورة: بيان ظلم فرعون بنى إسرائيل، وولادة موسى، ومحبة آسية له، ورد موسى على أمه، وحديث القبطى، والإسرائيلى، وهجرة موسى من مصر إلى مدين، وسقيه لبنات شعيب، واستئجار شعيب موسى، وخروج موسى من مدين، وظهور آثار النبوة، واليد البيضاء، وقلب العصا، وإمداد الله تعالى له بأخيه هارون، وحيلة هامان فى معارضة موسى، وإخبار الله تعالى عما جرى فى الطور، ومدح مؤمنى أهل الكتاب، وقصة إهلاك القرون الماضية، ومناظرة المشركين يوم القيامة، واختيار الله تعالى ما شاء، وإقامة البرهان على وجود الحق إياه بالقهر، ووعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى مكة،وبيان أن كل ما دون الحق فهو فى عرضة الفناء والزوال، وأن زمام الحكم بيده (تعالى) فى قوله {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} .
الناسخ والمنسوخ:
المنسوخ فيها آية واحدة. {لنآ أعمالنا ولكم أعمالكم} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله {ولما بلغ أشده واستوى آتيناه} أى كمل أربعين سنة. وقيل: كمل عقله. وقيل: خرجت لحيته. وفى يوسف {بلغ أشده} فحسب؛ لأنه أوحى إليه فى صباه. قوله: {وجآء رجل من أقصى المدينة} ، وفى يس: {وجآء من أقصى المدينة رجل} قيل: اسمه خربيل مؤمن من آل فرعون، وهو النجار. وقيل شمعون وقيل: حبيب. وفى يس هو هو. قوله: {من أقصى المدينة} يحتمل ثلاثة أوجه. أحدها أن يكون (من أقصى المدينة) صفة لرجل، والثانى أن يكون صلى لجاء.
والثالث أن يكون صلى ليسعى. والأظهر فى هذه السورة أن يكون وصفا، وفى يس أن يكون صلة. وخصت هذه السورة بالتقديم؛ لقوله تعالى قبله: {فوجد فيها رجلان يقتتلان} ثم قال: {وجآء رجل} وخصت سورة يس بقوله {وجآء من أقصى المدينة} لما جاء بالتفسير أنه كان يعبد الله فى جبل، فلما سمع خبر الرسل سعى مستعجلا. قوله {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} [وفى الصافات: {من الصابرين} ، لأن ما هنا من كلام شعيب، والمعنى: ستجدنى من الصالحين] فى حسن العشرة، والوفاء بالعهد، وفى الصافات من كلام إسماعيل حين قال له أبوه {أني أذبحك فانظر ماذا ترى} فأجاب {ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شآء الله من الصابرين} أى على الذبح.
قوله: {ربي أعلم بمن جآء} وبعده: {من جآء} بغير باء. الأول هو الوجه؛ لأن (أعلم) هذا فيه معنى الفعل، ومعنى الفعل لا يعمل فى المفعول به، فزيد بعده باء؛ تقوية للعمل. وخص الأول بالأصل، ثم حذف من الآخر الباء؛ اكتفاء بدلالة الأول عليه. ومحله نصب بفعل آخر، أى يعلم من جاء بالهدى. ولم يقتض تغييرا، كما قلنا فى الأنعام؛ لأن دلالة الأول قام مقام التغيير. وخص الثانى؛ لأنه فرع.
قوله: {لعلي أطلع إلى إلاه موسى} وفى المؤمن {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إلاه موسى} ، لأن قوله {أطلع إلى إلاه موسى} فى هذه السورة خبر لعل، وفى المؤمن عطف على خبر {أبلغ الأسباب} وجعل قوله {أبلغ الأسباب} خبر لعل، ثم أبدل منه {أسباب السماوات} وانما زاد ليقع فى مقابلة قوله {أو أن يظهر في الأرض الفساد} ، لأنه زعم أنه إله الأرض، فقال: {ما علمت لكم من إلاه غيري} أى فى الأرض؛ ألا ترى أنه قال: {فأطلع إلى إلاه موسى} فجاء فى كل سورة على ما اقتضاه ما قبله.
قوله: {وإني لأظنه من الكاذبين} وفى المؤمن {كاذبا} لأن التقدير فى هذه السورة: وإنى لأظنه كاذبا من الكاذبين، فزيد {من الكاذبين} لرءوس الآى، ثم أضمر (كاذبا) ؛ لدلالة (الكاذبين) عليه. وفى المؤمن جاء على الأصل، ولم يكن فيه موجب تغيير.
قوله: {ومآ أوتيتم من شيء} بالواو، وفى الشورى {فمآ أوتيتم من} بالفاء؛ لأنه لم يتعلق فى هذه السورة بما قبله أشد تعلق، فاقتصر على الواو؛ لعطف جملة على جملة، وتعلق فى الشورى بما قبلها أشد تعلق؛ لأنه عقب ما لهم من المخافة بما أوتوه من الأمنة، والفاء حرف التعقيب.
قوله: {وزينتها} ، وفى الشورى {فمتاع الحياة الدنيا} فحسب؛ لأن فى هذه السورة ذكر جميع ما بسط من الرزق، وأعراض الدنيا،كلها مستوعبة بهذين اللفظين. فالمتاع: ما لا غنى عنه فى الحياة: من المأكول، والمشروب، والملبوس، والمسكن، والمنكوح. والزينة: ما يتجمل به الإنسان، وقد يستغنى عنه؛ كالثياب الفاخر، والمراكب الفارهة، والدور المجصصة، والأطعمة الملبقة. وأما فى الشورى فلم يقصد الاستيعاب، بل ما هو مطلوبهم فى تلك الحالة: من النجاة، والأمن فى الحياة، فلم يحتج إلى ذكر الزينة.
قوله {إن جعل الله عليكم الليل سرمدا} وبعده {إن جعل الله عليكم النهار سرمدا} قدم الليل على النهار لأن ذهاب الليل بطلوع الشمس أكثر فائدة من ذهاب النهار بدخول الليل، ثم ختم الآية الأولى بقوله: {أفلا تسمعون} بناء على الليل، وختم الأخرى بقوله: {أفلا تبصرون} بناء على النهار، والنهار مبصر، وآية النهار مبصرة.
قوله: {ويكأن} {ويكأنه} ليس بتكرار؛ لأن كل واحد منهما متصل بغير ما اتصل به الآخر. قال ابن عباس: وى صلة. وإليه ذهب سيبويه، فقال: وى: كلمة يستعملها النادم بإظهار ندامته. وهى مفصولة من (كأنه) . وقال الأخفش: أصله ويك (وأن) بعده منصوب بإضمار العلم، أى أعلم أن الله ... . وقال بعضهم أصله: ويلك.
وفيه ضعف. وقال الضحاك: الياء والكاف صلة، وتقديره وأن الله. وهذا كلام مزيف.
فضل السورة
رويت الأحاديث التى لا تذكر إلا تنبيها على وهنها. منها حديث أبي: من قرأ طسم القصص لم يبق ملك فى السماوات والأرض إلا يشهد له يوم القيامة أنه كان صادقا أن كل شىء هالك إلا وجهه، والحديث الآخر: من قرأ سورة القصص كان له من الأجر بعدد من صدق موسى وكذبه عشر حسنات، وحديث على: يا على من قرأ طسم القصص أعطاه الله من الثواب مثل ثواب يعقوب، وله بكل آية قرأها مدينة عند الله.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-18, 03:34 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(43)
من صـــ 359 الى صـــ 365
بصيرة فى.. ألم. أحسب الناس
السورة مكية إجماعا. عدد آياتها تسع وستون، بالاتفاق. وكلماتها تسعمائة وثمانون. وحروفها أربعة آلاف ومائة وخمس وتسعون. المختلف فيها ثلاث: الم {وتقطعون السبيل} {مخلصين له الدين} . فواصل آياتها (نمر) . فواصل آياتها (نمر) . على الراء آية واحدة (قدير) سميت سورة العنكبوت؛ لتكرر ذكره فيه {كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} .
معظم مقصود السورة: توبيخ أهل الدعوى، وترغيب أهل التقوى، والوصية ببر الوالدين للأبرار، والشكاية من المنافقين فى جرأتهم على حمل الأوزار، والإشارة إلى بلوى نوح والخليل، لتسلية الحبيب، وهجرة ابراهيم من بين قومهم إلى مكان غريب، ووعظ لوط قومه باختيار الخبث، وعدم اتعاظهم، وإهلاك الله إياهم، والإشارة إلى حديث شعيب، وتعيير عباد الأصنام، وتوبيخهم، وتمثيل الصنم ببيت العنكبوت، وإقامة حجج التوحيد، ونهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر،وأدب الجدال مع المنكرين، والمبتدعين، وبيان الحكمة فى كون رسولنا صلى الله عليه وسلم أميا، والخبر من استعجال الكفار العذاب وأن كل نفس بالضرورة ميت ووعد المؤمنين بالثواب، وضمان الحق رزق كل دابة، وبيان أن الدنيا دار فناء وممات، وأن العقبى دار بقاء وحياة، وبيان حرمة الحرم وأمنه، والإخبار بأن الجهاد بثمن الهداية، وأن عناية الله مع أهل الإحسان، فى قوله: {والذين جاهدوا فينا} إلى آخر السورة.
الناسخ والمنسوخ:
المنسوخ فيها آية واحدة {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} م {قاتلوا الذين لا يؤمنون} ن.
المتشابهات:
قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} ، وفى لقمان: {ووصينا الإنسان بوالديه} وفى الأحقاف {بوالديه حسنا} الجمهور على أن الآيات الثلاث نزلت فى سعد بن مالك (وهو سعد بن أبى وقاص) وأنها فى سورة لقمان اعتراض بين كلام لقمان لابنه. ولم يذكر فى لقمان (حسنا) ؛ لأن قوله بعده {اشكر لي ولوالديك} قام مقامه، ولم يذكر فى هذه السورة (حمله) ولا (وضعه) ، موافقة لما قبله من الاختصار، وهو قوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون} ، فإنه ذكر فيها جميع ما يقع بالمؤمنين بأوجز كلام، وأحسن نظام، ثم قال بعده: {ووصينا الإنسان} أى ألزمناه {حسنا} فى حقهما، وقياما بأمرهما، وإعراضا عنهما، وخلافا لقولهما إن أمراه بالشرك بالله. وذكر فى لقمان والأحقاف حاله فى حمله ووضعه.
قوله {وإن جاهداك لتشرك بي} ، وفى لقمان: {على أن تشرك} ؛ لأن ما فى هذه السورة وافق ما قبله لفظا، وهو قوله {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} - وفى لقمان محمول على المعنى؛ لأن التقدير: وإن حملاك على أن تشرك.
قوله: {يعذب من يشآء ويرحم من يشآء} بتقديم العذاب على الرحمة فى هذه السورة فحسب؛ لأن إبراهيم خاطب به نمرود وأصحابه، فإن العذاب وقع بهم فى الدنيا.
قوله: {ومآ أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السمآء} ، وفى الشورى {ومآ أنتم بمعجزين في الأرض} ؛ لأن (ما) فى هذه السورة خطاب لنمرود حين صعد الجو موهما أنه يحاول السماء، فقال له ولقومه: {ومآ أنتم بمعجزين في الأرض} أى من فى الأرض: من الجن، والإنس، ولا من فى السماء: من الملائكة، فكيف تعجزون الله! وقيل: ما أنتم بفائتين عليه، ولو هربتم فى الأرض، أو صعدتم فى السماء (فقال: {ومآ أنتم بمعجزين في الأرض ولا فى السمآء} لو كنتم فيها. وما فى الشورى خطاب للمؤمنين، وقوله: {ومآ أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} يدل عليه. وقد جاء {وما هم بمعجزين} فى قوله {والذين ظلموا من هاؤلاء} من غير ذكر الأرض ولا السماء.
قوله: {فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} وقال بعده: {خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين} فجمع الأولى، ووحد الثانية؛ لأن الأولى إشارة إلى إثبات النبوة، وفى النبيين (صلوات الله وسلامه عليهم) كثرة، والثانى إشارة إلى التوحيد وهو - سبحانه - واحد لا شريك له.
قوله: {إنكم} جمع بين استفهامين فى هذه السورة. وقد سبق فى الأعراف.
قوله: {ولمآ أن جآءت رسلنا لوطا} ، وفى هود. {ولما جآءت}بغير (أن) ؛ لأن (لما) يقتضى جوابا، وإذا اتصل به (أن) دل على أن الجواب وقع فى الحال من غير تراخ؛ كما فى هذه السورة، وهو قوله: {سياء بهم وضاق بهم ذرعا} ومثله فى يوسف {فلمآ أن جآء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا} وفى هود اتصل به كلام بعد كلام، إلى قوله: {قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} فلما طال لم يحسن دخول أن.
قوله: {وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال} هو عطف على قوله: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث} .
قوله: {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا} أخره فى هذه السورة لما وصف. وقد سبق.
قوله: {الله يبسط الرزق لمن يشآء من عباده ويقدر له} وفى القصص {يبسط الرزق لمن يشآء من عباده ويقدر} وفى الرعد والشورى: {لمن يشآء ويقدر} لأن ما فى هذه السورة اتصل بقوله: {وكأين من دآبة لا تحمل رزقها} الآية، وفيها عموم، فصار تقديره، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده أحيانا، ويقدر له أحيانا؛ لأن الضمير يعود إلى (من) وقيل: يقدر له البسط من التقدير. وفى القصص تقديره: يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لمن يشاء. وكل واحد منهما غير الآخر، بخلاف الأولى. وفى السورتين يحتمل الوجهين فأطلق.
قوله: {من بعد موتها} وفى البقرة والجاثية: {بعد موتها} لأن فى هذه السورة وافق ما قبله وهو {من قبله} فإنهما يتوافقان وفيه شىء آخر وهو أن ما فى هذه السورة سؤال وتقرير، والتقرير يحتاج إلى التحقيق فوق غيره، فقيد الظرف بمن، فجمع بين طرفيه؛ كما سبق. قوله: {لهو ولعب} [سبق. قوله] : {فسوف تعلمون} سبق. قوله: {نعم أجر العاملين} بغير واو لاتصاله بالأول أشد اتصال. وتقديره: ذلك نعم أجر العاملين.
فضل السورة
عن أبى رفعه: من قرأ العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات، بعدد كل المؤمنين، والمنافقين، وحديث على: يا على من قرأها كتب له بكل يهودى ونصرانى مائة حسنة، ورفع له مائة درجة، وله بكل آية قرأها ثواب الذين فتحوا بيت المقدس.
بصيرة فى.. ألم. غلبت الروم
السورة مكية إجماعا. عدد آياتها خمس وستون عند المكيين، وستون عند الباقين وكلماتها ثمانمائة وسبع وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وثلاثون، والآيات المختلف فيها أربع: ألم {غلبت الروم} {في بضع سنين} ، {يقسم المجرمون} فواصل آياتها نمر، على الراء آيتان {قدير} فى موضعين. وسميت سورة الروم لما فيها من ذكر غلبة الروم.
معظم مقصود السورة: غلبة الروم على فارس، وعيب الكفار فى إقبالهم على الدنيا، وأخبار القرون الماضية، وذكر قيامة الساعة، وآيات التوحيد، والحجج المترادفة الدالة على الذات والصفات، وبيان بعث القيامة، وتمثيل حال المؤمنين والكافرين، وتقرير المؤمنين على الإيمان، والأمر بالمعروف، والإحسان إلى ذوى القربى، ووعد الثواب على أداء الزكاة، والإخبار عن ظهور الفساد فى البر والبحر، وعن آثار القيامة، وذكر عجائب الصنع فى السحاب والأمطار، وظهور آثار الرحمة فى الربيع، وإصرار الكفار على الكفر، وتخليق الله الخلق مع الضعف والعجز، وإحياء الخلق بعد الموت، والحشر والنشر، وتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسكينه عن جفاء المشركين وأذاهم فى قوله: {ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-18, 03:40 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(44)
من صـــ 366 الى صـــ 372
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة: {فاصبر إن وعد الله حق} م آية السيف ن) .
المتشابهات:
قوله: {أولم يسيروا في الأرض} ، وفى فاطر وأول المؤمن بالواو، وفى غيرهن بالفاء، لأن ما قبلها فى هذه السورة {أولم يتفكروا} وكذلك ما بعدها (وأثاروا) بالواو، فوافق ما قبلها، وما بعدها، وفى فاطر أيضا وافق ما قبله وما بعده، فإن قبله {ولن تجد لسنت الله تحويلا} ، وبعدها {وما كان الله} ، وكذلك أول المؤمن [قبله] {والذين يدعون من دونه} وأما آخر المؤمن فوافق ما قبله وما بعده، وكان بالفاء، وهو قوله: {فأي آيات الله تنكرون} ، وبعده {فمآ أغنى عنهم} .
قوله: {كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة} {من قبلهم} متصل بكون آخر مضمر وقوله: {كانوا أشد منهم قوة} :إخبار عما كانوا عليه قبل الإهلاك، وخصت هذه السورة بهذا النسق لما يتصل به من الآيات بعده وكله إخبار عما كانوا عليه وهو {وأثاروا الأرض وعمروها} وفى فاطر: {كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا} بزيادة الواو، لأن التقدير: فينظروا كيف أهلكوا وكانوا أشد منهم قوة. وخصت [هذه] السورة به لقوله: {وما كان الله ليعجزه من شيء} الآية. وفى المؤمن {كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة} فأظهر (كان) العامل فى (من قبلهم) وزاد (هم) لأن فى هذه السورة وقعت فى أوائل قصة نوح، وهى تتم فى ثلاثين آية، فكان اللائق به البسط، وفى آخر المؤمن {كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم} فلم يبسط القول؛ لأن أول السورة يدل عليه.
قوله: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا} ، وختم الآية بقوله {يتفكرون} ؛ لأن الفكر يؤدى إلى الوقوف على المعانى التى خلقت لها: من التوانس، (والتجانس) ، وسكون كل واحد منهما إلى الآخر.
قوله: {ومن آياته خلق السماوات والأرض} ، وختم بقوله {للعالمين} لأن الكل تظلهم السماء، وتقلهم الأرض، فكل واحد منفرد بلطيفة فى صورته يمتاز بها عن غيره؛ حتى لا ترى اثنين فى ألف يتشابه صورتاهما ويلتبس كلاهما؛ وكذلك ينفرد كل واحد بدقيقة فى صورته، يتميز بها من بين الأنام، فلا ترى اثنين يشتبهان. وهذا يشترك فى معرفته الناس جميعا. فلهذا قال {لآيات للعالمين} . ومن حمل اختلاف الألسن على اللغات، واختلاف الألوان على السواد والبياض، والشقرة، والسمرة، فالاشتراك فى معرفتها أيضا ظاهر. ومن قرأ {للعالمين} بالكسر فقد أحسن، لأن بالعلم يمكن الوصول إلى معرفة ما سبق ذكره.
قوله: {ومن آياته منامكم بالليل والنهار} وختم بقوله {يسمعون} فإن من سمع أن النوم من صنع الله الحكيم لا يقدر أحد على اجتلابه إذا امتنع، ولا على دفعه إذا ورد، تيقن أن له صانعا مدبرا. قال الإمام: معنى (يسمعون) هاهنا: يستجيبون إلى ما يدعوهم إليه الكتاب. وختم الآية الرابعة بقوله {يعقلون} لأن العقل ملاك الأمر فى هذه الأبواب، وهو المؤدى إلى العلم، فختم بذكره.
قوله: {ومن آياته يريكم} أى أنه يريكم. وقيل: تقديره: ويريكم من آياته البرق. وقيل: أن يريكم، فلما حذف (أن) سكن الياء وقيل: {ومن آياته} كلام كاف؛ كما تقول: منها كذا، ومنها كذا ومنها ... . وتسكت، تريد بذلك الكثرة.
قوله: {أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشآء} وفى الزمر {أولم يعلموا} لأن بسط الرزق مما يشاهد ويرى، فجاء فى هذه السورة على ما يقتضيه اللفظ والمعنى. وفى الزمر اتصل بقوله {أوتيته على علم} وبعده: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} (فحسن "أو لم يعلموا".
قوله: {ولتجري الفلك بأمره} ، وفى الجاثية: {فيه بأمره} ، لأن فى هذه السورة تقدم ذكر الرياح، وهو قوله: {أن يرسل الرياح مبشرات} بالمطر، وإذاقة الرحمة، ولتجرى الفلك بالرياح بأمر الله تعالى. ولم يتقدم ذكر البحر. وفى الجاثية تقدم ذكر البحر، وهو قوله: {الله الذي سخر لكم البحر} فكنى عنه، فقال: {لتجري الفلك فيه بأمره} .
* * *
(فضل السورة. فيه الأحاديث الساقطة. عن أبى من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح الله فى السماء والأرض، وأدرك ما ضيع فى يومه وليلته) وحديث على: يا على من قرأ غلبت الروم كان كمن أعتق بعدد أهل الروم، وله بكل آية قرأها مثل ثواب الذين عمروا بيت المقدس.
بصيرة فى.. الم. لقمان
السورة مكية، سوى آيتين: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام} إلى آخر الآيتين. عدد آياتها ثلاث وثلاثون عند الحجازيين، وأربع عند الباقين. وكلماتها خمسمائة وثمان وأربعون. وحروفها ألفان ومائة وعشر. المختلف فيها آيتان: الم {مخلصين له الدين} . فواصل آياتها (ظن مرد) و (مد نظر) على الدال منها آية واحدة: {غني حميد} ، وعلى الظاء آية: {عذاب غليظ} . سميت سورة لقمان لاشتمالها على قصته.
معظم مقصود السورة: بشارة المؤمنين بنزول القرآن، والأمر بإقامة الصلاة، وأداء الزكاة، والشكاية من قوم اشتغلوا بلهو الحديث، والشكاية من المشركين فى الإعراض عن الحق، وإقامة الحجة عليهم، والمنة على لقمان بما أعطى من الحكمة، والوصية ببر الوالدين، ووصية لقمان لأولاده، والمنة بإسباغ النعمة، وإلزام الحجة على أهل الضلالة، وبيان أن كلمات القرآن بحور المعانى، والحجة على حقية البعث، والشكاية من المشركين بإقبالهم على الحق فى وقت المحنة، وإعراضهم عنه فى وقت النعمة، وتخويف الخلق بصعوبة القيامة وهولها، وبيان أن خمسة علوم مما يختص به الرب الواحد تعالى فى قوله: {إن الله عنده علم الساعة} إلى آخرها.
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة {ومن كفر فلا يحزنك كفره} م آية السيف ن.
المتشابهات التى فى سورة لقمان (المتقدم تفسيرها بصفحتين قبل) .
قوله: {كأن لم يسمعها كأن في أذنيه [وقرا} وفى الجاثية {كأن لم يسمعها فبشره} زاد فى هذه السورة {كأن في أذنيه وقرا} ] : جل المفسرين على أن الآيتين نزلتا فى النضر بن الحارث. وذلك أنه ذهب إلى فارس، فاشترى كتاب كليلة ودمنة، وأخبار رستم وإسفنديار، وأحاديث الأكاسرة، فجعل يرويها ويحدث بها قريشا، ويقول: إن محمدا يحدثكم بحديث عاد، وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار، ويستملحون حديثه، ويتركون استماع القرآن [فأنزل الله هذه الآيات، وبالغ فى ذمه؛ لتركه استماع القرآن] فقال: {كأن في أذنيه وقرا} أى صمما، لا يقرع مسامعه صوت. ولم يبالغ فى الجاثية هذه المبالغة؛ لما ذكر بعده {وإذا علم من آياتنا شيئا} لأن ذلك العلم لا يحصل إلا بالسماع، أو ما يقوم مقامه: من خط وغيره.
قوله: {يجري إلى أجل مسمى} وفى الزمر {لأجل} قد سبق شطر من هذا. ونزيد بيانا أن (إلى) متصل بآخر الكلام، ودال على الانتهاء، واللام متصلة بأول الكلام، ودالة على الصلة.
فضل السورة:
فيه الأحاديث الضعيفة التى منها حديث أبى: من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة، وأعطى من الحسنات بعدد من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وحديث على: يا على من قرأ لقمان كان آمنا من شدة يوم القيامة، ومن هول الصراط.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-02-28, 10:54 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(45)
من صـــ 373 الى صـــ 379
بصيرة فى.. ألم. تنزيل
السورة مكية بالاتفاق، سوى ثلاث آيات، فإنها مدنية {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} إلى آخر الآيات الثلاثة. عدد آياتها تسع وعشرون عند البصريين، وثلاثون عند الباقين. كلماتها ثلاثمائة وثلاثون. وحروفها ألف وخمسمائة وتسع وتسعون. المختلف فيها آيتان (الم) {خلق جديد} فواصل آياتها (ملن) على الميم اثنان: الم و {العزيز الرحيم} وعلى اللام آية {هدى لبني إسرائيل} ولها ثلاثة أسماء: سورة السجدة، لاشتمالها على سجدة التلاوة، الثانى سجدة لقمان؛ للتميز عن حم السجدة الثالث المضاجع: لقوله {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} .
مقصود السورة: تنزيل القرآن، وإنذار سيد الرسل، وتخليق السماء والأرض، وخلق الخلائق، وتخصيص الإنسان من بينهم، وتسليط ملك الموت على قبض الأرواح، وتشوير العاصين فى القيامة، وملء جهنم من أهل الإنكار، والضلالة، وإسقاط خواص العباد فى أجواف الليالى
للعبادة، وإخبارهم بما ادخر لهم فى العقبى: من أنواع الكرامة، والتفريق بين الفاسقين والصادقين فى الجزاء، والثواب، فى يوم المآب، وتسلية النبى صلى الله عليه وسلم بتقرير أحوال الأنبياء الماضين، وتقرير حجة المنكرين للوحدانية، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن مكافأة أهل الكفر، وأمره بانتظار النصر، بقوله: {فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة: {فأعرض عنهم} م (آية السيف ن) .
المتشابهات:
قوله: {في يوم كان مقداره ألف سنة} ، وفى سأل سائل {خمسين ألف سنة} موضع بيانه التفسير. والغريب فيه ما روى عن عكرمة فى جماعة: أن اليوم فى المعارج عبارة عن أول أيام الدنيا إلى انقضائها، وأنها خمسون ألف سنة، لا يدرى أحد كم مضى وكم بقى إلا الله عز وجل. ومن الغريب أن هذه عبارة عن الشدة، واستطالة أهلها إياها؛ كالعادة فى استطالة أيام الشدة والحزن، واستقصار أيام الراحة والسرور، حتى قال القائل: سنة الوصل سنة [و] سنة الهجر سنة. وخصت هذه السورة بقوله: ألف سنة، لما قبله، وهو قوله: {فى ستة أيام} وتلك الأيام من جنس ذلك اليوم وخصت سورة المعارج بقوله {خمسين ألف سنة} لأن فيها ذكر القيامة وأهوالها، فكان هو اللائق بها.
قوله {ثم أعرض عنها} (ثم) هاهنا يدل على أنه ذكر مرات، ثم تأخر (و) أعرض عنا. والفاء على الإعراض عقيب التذكير.
قوله: {عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} ، وفى سبأ {التي كنتم بها} لأن النار وقعت فى هذه السورة موقع الكناية، لتقدم ذكرها، والكنايات لا توصف، فوصف العذاب، وفى سبأ لم يتقدم ذكر النار، فحسن وصف النار.
قوله: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون} بزيادة (من) سبق فى طه.
قوله: {إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون} ليس غيره؛ لأنه لما ذكر القرون والمساكن بالجمع حسن جمع الآيات، ولما تقدم ذكر الكتاب - وهو مسموع - حسن لفظ السماع فختم الآية به.
فضل السورة
فيه حديث أبى الساقط سنده: من قرأ سورة {الاما تنزيل} أعطى من الأجر كمن أحيا ليلة القدر، وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ {الاما تنزيل} السجدة، و {تبارك الذي بيده الملك} ويقول: هما يفضلان كل سورة فى القرآن بسبعين حسنة، ومن قرأها كتب له سبعون حسنة ومحى عنه سبعون سيئة ورفع له سبعون درجة؛ وحديث على من قرأ {الاما تنزيل} ضحك الله إليه يوم القيامة، وقضى له كل حاجة له عند الله وأعطاه إياه بكل آية قرأها غرفة فى الجنة.
بصيرة فى.. يأيها النبى اتق الله
السورة مدنية بالاتفاق. آياتها ثلاث وسبعون. كلماتها ألف ومائتان وثمانون. حروفها خمسة آلاف وسبعمائة وست وتسعون، فواصل آياتها (لا) على اللام منها آية واحدة {يهدي السبيل} . سميت سورة الأحزاب، لاشتمالها على قصة حرب الأحزاب فى قوله {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} .
معظم مقصود السورة الذى اشتملت عليه: الأمر بالتقوى، وأنه ليس فى صدر واحد قلبان، وأن المتبنى ليس بمنزلة الابن، وأن النبى صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بمكان الوالد، وأزواجه الطاهرات بمكان الأمهات، وأخذ الميثاق على الأنبياء، والسؤال عن صدق الصادقين، وذكر حرب الأحزاب، والشكاية من المنافقين، وذم المعرضين، ووفاء الرجال بالعهد، ورد الكفار بغيظهم، وتخيير أمهات المؤمنين، ووعظهن، ونصحهن، وبيان شرف أهل البيت الطاهرين ووعد المسلمين والمسلمات بالأجور الوافرات، وحديث تزويج زيد وزينب ورفع الحرج عن النبى صلى الله عليه وسلم، وختم الأنبياء به عليه السلام، والأمر بالذكر الكثير،والصلوات والتسليمات على المؤمنين، والمخاطبات الشريفة لسيدنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وبيان النكاح، والطلاق، والعدة، وخصائص النبى صلى الله عليه وسلم فى باب النكاح، وتخييره فى القسم بين الأزواج والحجر عليه فى تبديلهن، ونهى الصحابة عن دخول حجرة النبى صلى الله عليه وسلم بغير إذن منه، وضرب الحجاب، ونهى المؤمنين عن تزوج أزواجه بعده، والموافقة مع الملائكة فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وتهديد المؤذين للنبى وللمؤمنين، وتعليم آداب النساء فى خروجهن من البيوت، وتهديد المنافقين فى إيقاع الأراجيف، وذل الكفار فى النار، والنهى عن إيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأمر بالقول السديد وبيان عرض الأمانة (على السماوات والأرض) وعذاب المنافقين، وتوبة المؤمنين فى قوله {إنا عرضنا الأمانة} إلى آخر السورة.
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آيتان م {ودع أذاهم} ن آية السيف م {لا يحل لك النسآء من بعد} ن {إنآ أحللنا لك أزواجك} .
المتشابهات
ذهب بعض القراء إلى أنه ليس فى هذه السورة متشابه. وأورد بعضهم فيها كلمات، وليس فيها كثير تشابه؛ بل قد تلتبس على الحافظ القليل البضاعة.
فأوردناها؛ إذ لم يخل من فائدة. وذكرنا مع بعضها علامة يستعين بها المبتدىء فى تلاوته.
منها قوله: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} وبعده {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} ليس فيها تشابه؛ لأن الأول من لفظ السؤال، وصلته {عن صدقهم} وبعده {وأعد للكافرين} ، والثانى من لفظ الجزاء، وفاعله الله، وصلته {بصدقهم} بالباء، وبعده {ويعذب المنافقين} .
ومنها قوله: {ياأيها الذين آمنوا اذكروا "نعمة الله عليكم"} وبعده {ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} فيقال للمبتدىء: إن الذى يأتى بعد العذاب الأليم نعمة من الله على المؤمنين، وما يأتى قبل قوله {هو الذي يصلي عليكم} {اذكروا الله ذكرا كثيرا} شكرا على أن أنزلكم منزلة نبيه فى صلاته وصلاة ملائكته عليه حيث يقول: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} .
ومنها قوله: {ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك} ليس من المتشابه لأن الأول فى التخيير والثانى فى الحجاب.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2022-02-28, 10:55 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(46)
من صـــ 380 الى صـــ 386
ومنها قوله: {سنة الله في الذين خلوا من قبل} [فى موضعين] وفى الفتح {سنة الله التي قد خلت} التقدير فى الآيات: سن التى قد خلت فى الذين خلوا (فذكر فى كل سورة الطرف الذى هو أعم، واكتفى به عن الطرف الآخر، والمراد بما فى أول هذه السورة النكاح نزلت حين عيروا رسول الله بنكاح زينب) فأنزل الله {سنة الله في الذين خلوا من قبل} أى النكاح سنة فى النبيين على العموم. وكانت لداود تسع وتسعون، فضم إليها التى خطبها أوريا، وولدت سليمان.
والمراد بما فى آخر هذه السورة القتل؛ نزلت فى المنافقين والشاكين الذين فى قلوبهم مرض، والمرجفين فى المدينة، على العموم. وما فى سورة الفتح يريد به نصرة الله لأنبيائه. والعموم فى النصرة أبلغ منه فى النكاح والقتل. ومثله فى حم {سنة الله التي قد خلت فى عباده} فإن المراد بها عدم الانتفاع بالإيمان عند البأس فلهذا قال: {قد خلت} .
ومنها قوله: {إن الله كان لطيفا خبيرا} {وكان الله على كل شيء رقيبا} {وكان الله قويا عزيزا} {وكان الله عليما حكيما} . وهذا من باب الإعراب، وإنما نصب لدخول كان على الجملة: فتفردت السورة، وحسن دخول (كان) عليها، مراعاة لفواصل الآى والله أعلم.
فضل السورة
فيه الأحاديث الموضوعة التى نذكرها للتنبيه عليها: من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله وما ملكت يمينه أعطى الأمان من عذاب القبر، وحديث على: يا على من قرأ سورة الأحزاب قال الله لملائكته: اشهدوا أن هذا قد أعتقته من النار، وكان يوم القيامة تحت ظل جناح جبرائيل، وله بكل آية قرأها مثل ثواب البار بوالديه.
بصيرة فى.. الحمد لله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض
السورة مكية بالاتفاق. عدد آياتها خمس وخمسون فى عد الشام، وأربع فى عد الباقى. وكلماتها ثمانمائة وثمانون. وحروفها أربعة آلاف وخمسمائة واثنا عشر. المختلف فيها آية واحدة: {عن يمين وشمال} فواصل آياتها (ظن لمدبر) سميت سورة سبأ، لاشتمالها على قصة سبأ {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية} .
مقصود السورة: بيان حجة التوحيد، وبرهان نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعجزات داود، وسليمان، ووفاتهما، وهلاك سبأ، وشؤم الكفران، وعدم الشكر، وإلزام الحجة على عباد الأصنام، ومناظرة مادة الضلالة، وسفلتهم، ومعاملة الأمم الماضية مع النبيين، ووعد المنفقين والمصدقين بالإخلاف، والرجوع بإلزام الحجة على منكرى النبوة، وتمنى الكفار فى وقت الوفاة الرجوع إلى الدنيا فى قوله: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} إلى آخره.
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة: م {قل لا تسألون عمآ أجرمنا} ن آية السيف.
المتشابهات:
قوله: {مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} مرتين، بتقديم السماوات؛ بخلاف يونس؛ فإن فيها {مثقال ذرة في الأرض ولا في السمآء} ؛ لأن فى هذه السورة تقدم ذكر السماوات فى أول السورة {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} وقد سبق فى يونس.
قوله: {أفلم يروا} بالفاء ليس غيره. زيد الحرف؛ لأن الاعتبار فيها بالمشاهدة على ما ذكرنا، وخصت بالفاء لشدة اتصالها بالأول، لأن الضمير يعود إلى الذين قسموا الكلام فى النبى صلى الله عليه وسلم، وقالوا: محمد إما عاقل كاذب، وإما مجنون هاذ، وهو قولهم: {أفترى على الله كذبا أم به جنة} فقال الله: بل تركتم القسم الثالث، وهو إما صحيح العقل صادق.
قوله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله} وفى سبحان: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه} ، لأن فى هذه السورة اتصلت بآية ليس فيها لفظ الله، فكان التصريح أحسن، وفى سبحان اتصل بآيتين فيهما (بضعة عشر) مرة ذكر الله صريحا وكناية، (وكانت) الكناية أولى. وقد سبق.
قوله: {إن في ذلك لآية لكل عبد منيب} ، وبعده، {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} بالجمع؛ لأن المراد بالأول: لآية على إحياء الموتى فخصت بالتوحيد، وفى قصة سبأ جمع؛ لأنهم صاروا اعتبارا يضرب بهم المثل: تفرقوا أيدى سبا: فرقوا كل مفرق، ومزقوا كل ممزق، فوقع بعضهم إلى الشأم، وبعضهم إلى يثرب، وبعضهم إلى عمان، فختم بالجمع، وخصت به لكثرتهم، وكثرة مه يعتبر بهن، فقال {لآيات لكل صبار} على المحنة {شكور} على النعمة، أى المؤمنين.
قوله {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر} وبعده: {لمن يشآء من عباده ويقدر له} سبق. وخص هذه السورة بذكر الرب لأنه تكرر فيها مرات كثيرة. منها {بلدة طيبة ورب غفور} {ربنا باعد} {يجمع بيننا ربنا} {موقوفون عند ربهم} ولم يذكر مع الأول {من عباده} ؛ لأن المراد بهم الكفار. وذكر مع الثانى؛ لأنهم المؤمنون. وزاد (له) وقد سبق بيانه.
قوله: {ومآ أرسلنا في قرية من نذير} ولم يقل: من قبلك، ولا قبلك. خصت السورة به، لأنه فى هذه السورة إخبار مجرد وفى غيرها إخبار للنبى صلى الله عليه وسلم، وتسلية له، فقال: {قبلك} .
قوله {ولا نسأل عما تعملون} ، وفى غيرها {عما كنتم تعملون} ؛ لأن قوله {أجرمنا} بلفظ الماضى، أى قبل هذا، ولم يقل: نجرم فيقع فى مقابلة (تعملون) ؛ لأن من شرط الإيمان وصف المؤمن أن يعزم ألا يجرم. وقوله: {تعملون} خطاب للكفار، وكانوا مصرين على الكفر فى الماضى من الزمان والمستقبل، فاستغنت به الآية عن قوله {كنتم} .
قوله: {عذاب النار التي} قد سبق.
فضل السورة
فيه حديث ساقط: من قرأ سورة سبأ فكأنما كانت له الدنيا بحذافيرها فقدمها بين يديه، وله بكل حرف قرأه مثل ثواب إدريس.
بصيرة فى.. الحمد لله فاطر السماوات
السورة مكية إجماعا. عدد آياتها خمس وأربعون عند الأكثرين، وعند الشاميين ست. وكلماتها سبعمائة وسبعون. وحروفها ثلاثة آلاف ومائة وثلاثة وثلاثون. المختلف فيها سبع آيات؛ {الذين كفروا لهم عذاب شديد} جديد، النور، البصير {من في القبور} ، {أن تزولا} تبديلا. فواصل آياتها (زاد من بز) لها اسمان: سورة فاطر (لما فى أولها فاطر) السماوات وسورة الملائكة؛ لقوله: {جاعل الملائكة} .
معظم مقصود السورة: بيان تخليق الملائكة، وفتح أبواب الرحمة، وتذكير النعمة، والتحذير من الجن، وعداوتهم، وتسلية الرسول (وإنشاء السحاب، وإثارته، وحوالة العزة إلى الله، وصعود كلمة الشهادة وتحويل الإنسان) من حال إلى حال، وذكر عجائب البحر، واستخراج الحلية منه، وتخليق الليل، والنهار، وعجز الأصنام عن الربوبية، وصفة الخلائق بالفقر والفاقة،
واحتياج الخلق فى القيامة، وإقامة البرهان، والحجة، وفضل القرآن، وشرف التلاوة، وأصناف الخلق فى ميراث القرآن، ودخول الجنة من أهل الإيمان، وخلود النار لأهل الكفر والطغيان، وأن عاقبة الكفر الخسران، والمنة على العباد بحفظ السماء والأرض عن تخلخل الأركان، وأن العقوبة عاقبة المكر، والإخبار بأنه لو عدل ربنا فى الخلق لم يسلم من عذابه أحد من الإنس والجان.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2022-02-28, 10:56 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(47)
من صـــ 387 الى صـــ 393
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة: {إن أنت إلا نذير} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله: {والله الذي أرسل الرياح} بلفظ الماضى؛ موافقة لأول السورة {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل} لأنهما للماضى لا غير وقد سبق قوله: {وترى الفلك فيه مواخر} بتقديم (فيه) موافقة لتقدم {ومن كل تأكلون} وقد سبق.
قوله: {جآءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب} بزيادة الباءات قد سبق.
قوله: {مختلف ألوانها} وبعده {ألوانها} ثم {ألوانه} لأن الأول يعود إلى ثمرات، والثاني يعود إلى الجبال؛ وقيل إلى حمر، والثالث يعود إلى بعض الدال عليه (من) ؛ لأنه ذكر (من) ولم يفسره كما فسره فى قوله {ومن الجبال جدد بيض وحمر} فاختص الثالث بالتذكير.
قوله: {إن الله بعباده لخبير بصير} بالتصريح وبزيادة اللام، وفى الشورى {إنه بعباده خبير بصير} ، لأن الآية المتقدمة فى هذه السورة لم يكن فيها ذكر الله فصرح باسمه سبحانه وتعالى، وفى الشورى متصل بقوله: {ولو بسط الله} فخص بالكناية، ودخل اللام فى الخبر موافقة لقوله {إن ربنا لغفور شكور} .
قوله: {جعلكم خلائف في الأرض} على الأصل قد سبق.
{أولم يسيروا في} سبق.
{على ظهرها} سبق.
قوله: {فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا} كرر، وقال فى الفتح: {ولن تجد لسنة الله تبديلا} وقال فى سبحان {ولا تجد لسنتنا تحويلا} التبديل تغيير الشئ عما كان عليه قبل مع بقاء مادة الأصل؛ كقوله تعالى: {بدلناهم جلودا غيرها} ، وكذلك {تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} ؛ والتحويل: نقل الشىء من مكان إلى مكان آخر، وسنة الله لا تبديل ولا تحول، فخص هذا الموضع بالجمع بين الوصفين لما وصف الكفار بوصفين، وذكر لهم عرضين، وهو قوله، {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا} وقوله: {استكبارا في الأرض ومكر السيىء} وقيل: هما بدلان من قوله: {نفورا} فكما ثنى الأول والثانى ثنى الثالث؛ ليكون الكلام كله على غرار واحد. وقال فى الفتح {ولن تجد لسنة الله تبديلا} فاقتصر على مرة واحدة لما لم يكن (التكرار موجبا) وخص سورة سبحان بقوله: {تحويلا} لأن قريشا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت نبيا لذهبت إلى الشأم؛ فإنها أرض المبعث والمحشر، فهم النبى صلى الله عليه وسلم بالذهاب إليها، فهيأ أسباب الرحيل والتحويل، فنزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآيات، وهى: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها} وختم الآيات بقوله {تحويلا} تطبيقا للمعنى.
فضل السورة
فيه أحاديث ضعيفة، منها: من قرأ سورة الملائكة دعته يوم القيامة ثمانية أبواب الجنة: أن ادخل من أى باب شئت. وروى: من قرأ سورة الملائكة كتب له بكل آية قرأها بكل ملك فى السماوات والأرض عشر حسنات، ورفع له عشر درجات. وله بكل آية قرأها فص من ياقوتة حمراء.
بصيرة فى.. يس. والقرآن الحكيم
السورة مكية بالإجماع. عدد آياتها ثمانون وثلاث آيات عند الكوفيين واثنتان عند الباقين. وكلماتها سبعمائة وتسع وعشرون. وحروفها ثلاثة آلاف. المختلف فيها آية واحدة. يس. مجموع فواصل آياتها (من) وللسورة اسمان: سورة يس؛ لافتتاحها، وسورة حبيب النجار؛ لاشتمالها على قصته.
معظم مقصود السورة: تأكيد أمر القرآن، والرسالة، وإلزام الحجة على أهل الضلالة، وضرب المثل فى أهل أنطاكية، وذكر حبيب النجار، وبيان البراهين المختلفة فى إحياء الأرض الميتة، وإبداء الليل، والنهار، وسير الكواكب، ودور الأفلاك، وجرى الجوارى المنشآت فى البحار، وذلة الكفار عند الموت، وحيرتهم ساعة البعث، وسعد المؤمنين المطيعين، وشغلهم فى الجنة، وميز المؤمن من الكافر فى القيامة، وشهادة الجوارح على أهل المعاصى بمعاصيهم، والمنة على الرسول صلى الله عليه وسلم بصيانته من الشعر ونظمه، وإقامة البرهان على البعث، ونفاذ أمر الحق فى كن فيكون، وكمال ملك ذى الجلال على كل حال فى قوله: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} .
بصيرة فى.. يس. والقرآن الحكيم
السورة مكية بالإجماع. عدد آياتها ثمانون وثلاث آيات عند الكوفيين واثنتان عند الباقين. وكلماتها سبعمائة وتسع وعشرون. وحروفها ثلاثة آلاف. المختلف فيها آية واحدة. يس. مجموع فواصل آياتها (من) وللسورة اسمان: سورة يس؛ لافتتاحها، وسورة حبيب النجار؛ لاشتمالها على قصته.
معظم مقصود السورة: تأكيد أمر القرآن، والرسالة، وإلزام الحجة على أهل الضلالة، وضرب المثل فى أهل أنطاكية، وذكر حبيب النجار، وبيان البراهين المختلفة فى إحياء الأرض الميتة، وإبداء الليل، والنهار، وسير الكواكب، ودور الأفلاك، وجرى الجوارى المنشآت فى البحار، وذلة الكفار عند الموت، وحيرتهم ساعة البعث، وسعد المؤمنين المطيعين، وشغلهم فى الجنة، وميز المؤمن من الكافر فى القيامة، وشهادة الجوارح على أهل المعاصى بمعاصيهم، والمنة على الرسول صلى الله عليه وسلم بصيانته من الشعر ونظمه، وإقامة البرهان على البعث، ونفاذ أمر الحق فى كن فيكون، وكمال ملك ذى الجلال على كل حال فى قوله: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} .
السورة خالية من الناسخ والمنسوخ.
المتشابهات:
قوله: {وجآء من أقصى المدينة رجل يسعى} سبق.
قوله: {إن كانت إلا صيحة واحدة} مرتين ليس بتكرار؛ لأن الأولى هى النفخة التى يموت بها الخلق، والثانية التى يحيا بها الخلق.
قوله: {واتخذوا من دون الله آلهة} ، وكذلك فى مريم. ولم يقل: {من دونه} ؛ كما فى الفرقان، بل صرح كيلا يؤدى إلى مخالفة الضمير قبله؛ فإنه فى السورتين بلفظ الجمع تعظيما. وقد سبق فى الفرقان.
قوله: {فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون} وفى ويونس {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا} تشابها فى الوقف على (قولهم) فى السورتين، لأن الوقف عليه لازم، (وإن) فيهما مكسور بالابتداء بالحكاية، ومحكى القول محذوف ولا يجوز الوصل؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم منزه من أن يخاطب بذلك.
قوله: {وصدق المرسلون} ، وفى الصافات: {وصدق المرسلين} ذكر فى المتشابه، وما يتعلق بالإعراب لا يعد من المتشابه.
فضل السورة
روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ يس فى ليله أصبح مغفورا مغفورا [له] " وروى أيضا: من دخل المقابر فقرأ يس خفف عنهم يومئذ، وكان به بعدد من فيها حسنات، وفتحت له أبواب الجنة. وفى لفظ: من قرأ يس يريد بها الله غفر الله له، وأعطى من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتى عشرة مرة. وأيما مريض قرئ عنده سورة يس نزل عليه بعدد كل حرف عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا، فيصلون ويستغفرون له، ويشهدون قبضه وغسله، ويشيعون جنازته، ويصلون عليه ويشهدون دفنه. وأيما مريض قرأ سورة يس وهو فى سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان خازن الجنان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه، فيموت وهو ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء، حتى يدخل الجنة، وهو ريان. وفى حديث على: يا على من قرأ يس فتحت له أبواب الجنة، فيدخل من أيها شاء بغير حساب، وكتب له بكل آية قرأها عشرة آلاف حسنة.
بصيرة فى.. والصافات صفا
السورة مكية بالاتفاق. عدد آياتها مائة وثمانون وآية عند البصريين، وآيتان عند الباقين. وكلماتها ثمانمائة واثنتان وستون. وحروفها ثلاثة آلاف وثمانمائة وست وعشرون. المختلف فيها: آيتان {وما كانوا يعبدون} {وإن كانوا ليقولون} مجموع فواصلها (قدم بنا) سميت (والصافات) لافتتاحها بها.
معظم مقصود السورة: الإخبار عن صف الملائكة والمصلين للعبادة، ودلائل الوحدانية، ورجم الشياطين، وذل الظالمين، وعز المطيعين فى الجنان، وقهر المجرمين فى النيران، ومعجزة نوح، وحديث إبراهيم، وفداء إسماعيل فى جزاء الانقياد، وبشارة إبراهيم بإسحاق، والمنة على موسى وهارون بإيتاء الكتاب، وحكاية الناس فى حال الدعوة، وهلاك قوم لوط وحبس يونس فى بطن الحوت، وبيان فساد عقيدة المشركين فى إثبات النسبة، ودرجات الملائكة فى مقام العبادة، وما منح الله الأنبياء من النصرة والتأييد، وتنزيه حضرة الجلال عن الضد والنديد فى قوله: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} إلى آخره.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-02-28, 10:56 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(48)
من صـــ 394 الى صـــ 400
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة: {فتول عنهم حتى حين} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله تعالى: {أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون} ، وبعده: {أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون} لأن الأول حكاية كلام الكافرين، وهم ينكرون البعث، والثانى قول أحد القرينين لصاحبه عند وقوع الحساب والجزاء، وحصوله فيه: كان لى قرين ينكر الجزاء وما نحن فيه فهل أنتم تطلعوننى عليه، فاطلع فرآه فى سواء الجحيم. قال: تالله إن كدت لتردين. قيل: كانا أخوين، وقيل: كانا شريكين، وقيل: هما بطروس الكافر، ويهوذا المسلم. وقيل: القرين هو إبليس.
قوله: {وأقبل بعضهم على بعض يتسآءلون} وبعده {فأقبل} بالفاء. وكذلك فى {ن والقلم} لأن الأول لعطف جملة على جملة فحسب، والثانى لعطف جملة على جملة بينهما مناسبة والتئام؛ لأنه حكى أحوال أهل الجنة ومذاكرتهم فيها ما كان يجرى فى الدنيا بينهم وبين أصدقائهم، وهو قوله: {وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون فأقبل بعضهم على بعض يتسآءلون} أى يتذاكرون، وكذلك فى {ن والقلم} هو من كلام أصحاب الجنة بصنعاء، لما رأوها كالصريم ندموا على ما كان منهم، وجعلوا يقولون: {سبحان ربنا إنا كنا ظالمين} ، بعد أن ذكرهم التسبيح أوسطهم، ثم قال: {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أى على تركهم الاستثناء ومخافتتهم أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين.
قوله: {إنا كذلك نفعل بالمجرمين} وفى المرسلات: {كذلك نفعل بالمجرمين} ؛ لأن فى هذه السورة حيل بين الضمير وبين (كذلك) بقوله: {فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون} فأعاد، وفى المرسلات متصل بالأول، وهو قوله: {ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين} فلم يحتج إلى إعادة الضمير.
قوله: {إذا قيل لهم لا إلاه إلا الله} وفى القتال {فاعلم أنه لا إلاه إلا الله} بزيادة (أنه) وليس لهما فى القرآن ثالث؛ لأن ما فى هذه وقع بعد القول فحكى، وفى القتال وقع بعد العلم فزيد قبله (أنه) ليصير مفعول العلم، ثم يتصل به ما بعده.
قوله: {وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين} وبعده {سلام على إبراهيم} ثم {سلام على موسى وهارون} وكذلك {سلام على إل ياسين} فيمن جعله لغة فى إلياس، ولم يقل فى قصة لوط ولا يونس ولا إلياس: سلام؛ لأنه لما قال: {وإن لوطا لمن المرسلين} ، {وإن يونس لمن المرسلين} ، وكذلك؛ {وإن إلياس لمن المرسلين} فقد قال: سلام على كل واحد منهم؛ لقوله آخر السورة {وسلام على المرسلين} .
قوله: {إنا كذلك نجزي المحسنين} وفى قصة إبراهيم: {كذلك نجزي المحسنين} ، ولم يقل: (إنا) ، لأنه تقدم فى قصته {إنا كذلك نجزي المحسنين} وقد بقى من قصته شىء، وفى سائرها وقع بعد الفراغ. ولم يقل فى قصتى لوط ويونس: {إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين} ؛ لأنه لما اقتصر من التسليم على ما سبق ذكر اكتفى بذلك.
قوله: {بغلام حليم} وفى الذاريات {عليم} وكذلك فى الحجر، لأن التقدير: بغلام حليم فى صباه، عليم فى كبره، وخصت هذه السورة. بحليم؛ لأنه - عليه السلام - حلم فانقاد وأطاع، وقال: {ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شآء الله من الصابرين} والأظهر أن الحليم إسماعيل،والعليم إسحاق؛ لقوله: {فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها} قال مجاهد: الحليم والعليم إسماعيل. وقيل: هما فى السورتين إسحاق. وهذا عند من زعم أن الذبيح إسحاق.
قوله: {وأبصرهم فسوف يبصرون} ثم قال: {وأبصر فسوف يبصرون} كرر وحذف الضمير من الثانى؛ لأنه لما نزل {وأبصرهم} قالوا: متى هذا الذى توعدنا به؟ فأنزل الله {أفبعذابنا يستعجلون} ثم كرر تأكيدا. وقيل: الأولى فى الدنيا، والثانية فى العقبى. والتقدير: أبصر ما ينالهم، وسوف يبصرون ذلك. وقيل: أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون معاينة.
وقيل: أبصر ما ضيعوا من أمرنا فسوف يبصرون ما (يحل بهم) وحذف الضمير من الثانى اكتفاء بالأول. وقيل: التقدير: ترى اليوم (عيرهم إلى ذل) وترى بعد اليوم ما تحتقر ما شاهدتهم فيه من عذاب الدنيا. وذكر فى المتشابه: {فقال ألا تأكلون} بالفاء، وفى الذاريات {قال ألا تأكلون} بغير فاء؛ لأن ما فى هذه السورة (جملة اتصلت) بخمس جمل كلها مبدوءة بالفاء على التوالى، وهى: {فما ظنكم} الآيات، والخطاب للأوثان تقريعا لمن زعم أنها تأكل وتشرب، وفى الذاريات متصل بمضمر تقديره: فقربه إليهم، فلم يأكلوا فلما رآهم لا يأكلون، {قال ألا تأكلون} والخطاب للملائكة. فجاء فى كل موضع بما يلائمه.
فضل السورة
فيه أحاديث غير مقبولة. منها حديث أبى: من قرأ (والصافات) أعطى من الأجر عشر حسنات، بعدد كل جنى، وشيطان، وتباعدت منه مردة الشياطين، وبرئ من الشرك، وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنا بالمرسلين، وحديث على: يا على من قرأ (والصافات) لا يصيبه يوم القيامة جوع، ولا عطش، ولا يفزع إذا فزع الناس، وله بكل آية قرأها ثواب الضارب بسيفين فى سبيل الله.
بصيرة فى.. ص. والقرآن
السورة مكية إجماعا. وآياتها ثمان وثمانون فى عد الكوفة، وست فى عد الحجاز، والشأم، والبصر، وخمس فى عد أيوب بن المتوكل وحده. وكلماتها سبعمائة واثنتان وثلاثون. وحروفها ثلاثة آلاف وسبع وستون. المختلف فيها ثلاث: الذكر، وغواص، {والحق أقول} مجموع فواصل آياتها (صد قطرب من لج) ولها اسمان سورة صاد؛ لافتتاحها بها، وسورة داود؛ لاشتمالها على مقصد قصته فى قوله: {واذكر عبدنا داوود ذا الأيد} .
معظم مقصود السورة: بيان تعجب الكفار من نبوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم، ووصف المنكرين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاختلاق والإفتراء، واختصاص الحق تعالى بملك الأرض والسماء، وظهور أحوال يوم القضاء، وعجائب حديث داود وأوريا وقصة سليمان فى حديث الملك، على سبيل المنة والعطاء، وذكر أيوب فى الشفاء، والابتلاء، وتخصيص إبراهيم وأولاده من الأنبياء، وحكاية أحوال ساكنى جنة المأوى، وعجز حال الأشقياء فى سقر ولظى، وواقعة إبليس مع آدم وحواء وتهديد الكفار على تكذيبهم للنبى المجتبى فى قوله: {إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آيتان: {إن يوحى إلي} م آية السيف ن {ولتعلمن نبأه} م آية السيف ن.
ومن المتشابهات: قوله تعالى: {وعجبوا أن جآءهم منذر منهم وقال الكافرون} بالواو، وفى ق: (فقال) بالفاء؛ لأن اتصاله بما قبله فى هذه السورة معنوى، وهو أنهم عجبوا من مجئ المنذر وقالوا: هذا المنذر ساحر كذاب، واتصاله فى ق معنوى ولفظى؛ وهو أنهم عجبوا، فقالوا: هذا شئ عجيب. فراعى المطابقة بالعجز والصدر، وختم بما بدأ به، وهو النهاية فى البلاغة.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-02-28, 10:58 PM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(49)
من صـــ 401 الى صـــ 407
قوله: {أأنزل عليه الذكر من بيننا} وفى القمر {أألقي} لأن ما فى هذه السورة حكاية عن كفار قريش يجيبون محمدا - صلى الله عليه وسلم - حين قرأ عليهم {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} فقالوا: أأنزل عليه الذكر. ومثله {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} و {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} هو كثير. وما فى القمر حكاية عن قوم صالح. وكان يأتى الأنبياء يومئذ صحف مكتوبة، وألواح مسطورة؛ كما جاء إبراهيم وموسى. فلهذا قالوا: {أألقي عليه الذكر} مع أن لفظ الإلقاء يستعمل لما يستعمل له الإنزال.
قوله: {ومثلهم معهم رحمة منا} ، وفى الأنبياء: {من عندنا} ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - ميز أيوب بحسن صبره على بلائه، من بين أنبيائه، فحيث قال لهم: من عندنا قال له: منا، وحيث لم يقل لهم: من عندنا قال له: من عندنا [فخصت هذه السورة بقوله: منا لما تقدم فى حقهم (من عندنا) ] فى مواضع. وخصت سورة الأنبياء بقوله: (من عندنا) لتفرده بذلك.
قوله {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد} وفى ق: {كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس} إلى قوله: {فحق وعيد} قال الإمام: سورة ص بنيت فواصلها على ردف أواخرها [بالألف؛ وسورة ق على ردف أواخرها] بالياء والواو. فقال فى هذه السورة: الأوتاد،الأحزاب ، عقاب، وجاء بإزاء ذلك فى ق: ثمود، وعيد، ومثله فى الصافات: {قاصرات الطرف عين} وفى ص {قاصرات الطرف أتراب} فالقصد إلى التوفيق بين الألفاظ مع وضوح المعانى.
قوله فى قصة آدم: {إني خالق بشرا من طين} قد سبق.
فضل السورة
فيه حديث أبى الواهى: من قرأ سورة ص كان له بوزن كل جبل سخره الله لداود عشر حسنات، وعصم أن يصر على ذنب صغير أو كبير، وحديث على مثله: يا على من قرأ (ص والقرآن) . فكأنما قرأ التوراة، وله بكل آية قرأها ثواب الأسخياء.
بصيرة فى.. تنزيل الكتاب من الله
السورة مكية، إلا ثلاث آيات: {قل ياعبادي الذين أسرفوا} إلى قوله: {وأنتم تشعرون} . عدد آياتها خمس وسبعون فى عد الكوفى، وثلاث فى عد الشامى، والباقين. وكلماتها ألف ومائة وسبعون. وحروفها أربعة آلاف وسبعمائة وثمان. والآيات المختلف فيها سبع: {في ما هم فيه يختلفون} ، {مخلصا له الدين} ، الثانى {مخلصا له ديني} ، و {من هاد} الثانى، {فسوف تعلمون} ، أربعهن {فبشر عباد} ، {من تحتها الأنهار} . مجموع فواصل آياتها (من ولى يدر) وللسورة اسمان: سورة الزمر؛ لقوله: {إلى الجنة زمرا} وسورة الغرف؛ لقوله: {لهم غرف من فوقها غرف} قال وهب: من أراد أن يعرف قضاء الله فى خلقه فليقرأ سورة الغرف.
معظم مقصود السورة: بيان تنزيل القرآن، والإخلاص فى الدين، والإيمان، وباطل عذر الكفار فى عبادة الأوثان، وتنزيه الحق تعالى عن الولد بكلمة {سبحانه} ، وعجائب صنع الله فى الكواكب والأفلاك بلا عمد وأركان، والمنة على العباد بإنزال الإنعام من السماء فى كل أوان، وحفظ الأولاد فى أرحام الأمهات بلا أنصار وأعوان، وجزاء الخلق على الشكر والكفران، وذكر شرف المتهجدين فى الدياجر بعبادة الرحمن، وبيان أجر الصابرين وذل أصحاب الخسران، وبشارة المؤمنين فى استماع القرآن بإحسان، وإضافة غرف الجنان لأهل الإخلاص والعرفان، وشرح صدر المؤمنين بنور التوحيد والإيمان، وبيان أحوال آيات الفرقان، وعجائب القرآن، وتمثيل أحوال أهل الكفر وأهل الإيمان، والخطاب مع المصطفى بالموت والفناء وتحلل الأبدان، وبشارة أهل الصدق بحسن الجزاء والغفران، والوعد بالكفاية والكلاءة للعبدان، وبيان العجز عن العون، والنصرة للأصنام والأوثان، وعجائب الصنع فى الرؤيا، والنوم وماله من غريب الشان، ونفرة الكفار من سماع ذكر الواحد الفرد الديان، والبشارة بالرحمة لأهل الإيمان، وإظهار الحسرة والندامة يوم القيامة من أهل العصيان، وتأسفهم فى تقصيرهم فى الطاعة زمان الإمكان، وإضافة الملك إلى قبضة قدرة الرحمن، ونفخ الصور على سبيل الهيبة، والسياسة، وإشراق العرصات بنور العدل، وعظمة السلطان، وسوق الكفار بالذل والخزى إلى دار العقوبة والهوان، وتفريح المؤمنين بالسلام عليهم فى دار الكرامة، وغرف الجنان، وحكم الحق بين الخلق بالعدل، وختمه بالفضل والإحسان، فى قوله: {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ خمس آيات: {إن الله يحكم} م {فاعبدوا ما شئتم} م {ومن يضلل الله فما له من هاد} م {اعملوا على مكانتكم} م {فمن اهتدى فلنفسه} م آية السيف ن قل {إني أخاف} م {ليغفر لك الله} ن.
المتشابهات:
قوله: {إنآ أنزلنآ إليك الكتاب بالحق} وفى هذه السورة أيضا {إنآ أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق} الفرق بين {أنزلنآ إليك الكتاب} و {أنزلنا عليك} قد سبق فى البقرة. ويزيده وضوحا أن كل موضع خاطب (فيه) النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب ففيه تكليف، وإذا خاطبه بقوله: إنا أنزلنا عليك ففيه تخفيف. اعتبر بما فى هذه السورة. فالذى فى أول السورة (إليك) فكلفه الإخلاص فى العبادة. والذى فى آخرها (عليك) فختم الآية بقوله {ومآ أنت عليهم بوكيل} أى لست بمسئول عنهم، فخفف عنه ذلك.
قوله: {إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين} زاد مع الثانى لاما؛ لأن المفعول من الثانى محذوف، تقديره: وأمرت أن أعبد الله لأن أكون، فاكتفى بالأول.
قوله: {قل الله أعبد مخلصا له ديني} بالإضافة، والأول {مخلصا له الدين} ، لأن قوله: {الله أعبد} إخبار عن المتكلم؛ فاقتضى الإضافة إلى المتكلم، وقوله: {أمرت أن أعبد الله} ليس بإخبار عن المتكلم، وإنما الإخبار (أمرت) ، وما بعده فضلة ومفعول.
قوله: {ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} وفى النحل {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} وكان حقه أن يذكر هناك. خصت هذه السورة بـ (الذى) ليوافق ما قبله. وهو {أسوأ الذي} ، وقبله {والذي جآء بالصدق} . وخصت النحل بـ (ما) للموافقة أيضا. وهو {إنما عند الله هو خير لكم} و {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} فتلاءم اللفظان فى السورتين.
قوله: {وبدا لهم سيئات ما كسبوا} وفى الجاثية {ما عملوا}علته مثل علة الآية الأولى؛ لأن {ما كسبوا} فى هذه السورة وقع بين ألفاظ كسب، وهو قوله: {ذوقوا ما كنتم تكسبون} وفى الجاثية وقع بين ألفاظ العمل وهو: {ما كنتم تعملون} {عملوا الصالحات} وبعده {سيئات ما عملوا} فخصت كل سورة بما اقتضاه طرفاه.
قوله: {ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما} وفى الحديد {ثم يكون حطاما} ؛ لأن الفعل الواقع قبل قوله {ثم يهيج} فى هذه السورة مسند إلى الله تعالى، وهو قوله: {ثم يخرج به زرعا} فكذلك الفعل بعده: {ثم يجعله} . وأما الفعل قبله فى الحديد فمسند إلى النبات وهو {أعجب الكفار نباته} فكذلك ما بعده وهو {ثم يكون} ليوافق فى السورتين ما قبل وما بعد.
قوله {فتحت أبوابها} وبعده {وفتحت} بالواو للحال، أى جاءوها وقد فتحت أبوابها. وقيل: الواو فى {وقال لهم خزنتها} زيادة، وهو الجواب، وقيل: الواو واو الثمانية. وقد سبق فى الكهف.
قوله: {فمن اهتدى فلنفسه} ، وفى غيرها: {فإنما يهتدي لنفسه} ؛ لأن هذه السورة متأخرة عن تلك السورة؛ فاكتفى بذكره فيها.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2022-04-03, 12:08 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(50)
من صـــ 408 الى صـــ 414
فضل السورة:
عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بنى إسرائيل والزمر، وحديث أبى الواهى: من قرأ سورة الزمر لم يقطع الله رجاءه يوم القيامة، وأعطى ثواب الخائفين الذين خافوه، وحديث على: يا على من قرأ سورة الزمر اشتاقت إليه الجنة، وله بكل آية قرأها مثل ثواب المجاهدين.
بصيرة فى.. حم. المؤمن
السورة مكية بالاتفاق. عدد آياتها خمس وثمانون فى عد الكوفة والشام، وأربع فى الحجاز، واثنتان فى البصرة. وكلماتها ألف ومائة وتسع وتسعون. وحروفها أربعة آلاف وتسعمائة وستون. الآيات المختلف فيها تسع: حم، كاظمين، التلاق، بارزون، {بني إسرائيل} ، {في الحميم} {والبصير} {يسحبون} {كنتم تشركون} مجموع فواصل آياتها (من علق وتر) .
ولها ثلاثة أسماء: سورة المؤمن؛ لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون - أعنى خربيل - فى قوله: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون} ، وسورة الطول؛ لقوله: {ذي الطول} . والثالث حم الأولى؛ لأنها أولى ذوات حم.
معظم مقصود السورة: المنة على الخلق بالغفران، وقبول التوبة، وخطبة التوحيد على جلال الحق، وتقلب الكفار بالكسب والتجارة، وبيان وظيفة حملة العرش، وتضرع الكفار فى قعر الجحيم، وإظهار أنوار العدل فى القيامة، وذكر إهلاك القرون الماضية، وإنكار فرعون على موسى وهارون، ومناظرة خربيل لقوم فرعون نائبا عن موسى، وعرض أرواح الكفار على العقوبة، ووعد النصر للرسل، وإقامة أنواع الحجة والبرهان على أهل الكفر والضلال، والوعد بإجابة دعاء المؤمنين، وإظهار أنواع العجائب من صنع الله، وعجز المشركين فى العذاب، وأن الإيمان عند اليأس غير نافع، والحكم بخسران الكافرين والمبطلين فى قوله: {وخسر هنالك الكافرون} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آيتان {إن وعد الله حق} فى موضعين م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله: {أولم يسيروا في الأرض} ، وبعده: {أفلم يسيروا} ما يتعلق بذكرهما سبق.
قوله: {ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم} ، وفى التغابن: {بأنه كانت} لأن هاء الكناية إنما زيدت لامتناع (أن) عن الدخول على (كان) فخصت هذه السورة بكناية المتقدم ذكرهم؛ موافقة لقوله: {كانوا هم أشد منهم قوة} وخصت سورة التغابن بضمير الأمر والشأن توصلا إلى (كان) .
قوله: {فلما جآءهم بالحق} فى هذه السورة فحسب، لأن الفعل لموسى، وفى سائر القرآن الفعل للحق.
قوله: {إن الساعة لآتية} وفى طه {آتية} لأن اللام إنما يزاد لتأكيد الخبر، وتأكيد الخبر إنما يحتاج إليه إذا كان المخبر به شاكا فى الخبر، والمخاطبون فى هذه السورة هم الكفار، فأكد. وكذلك أكد {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} (وافق ما قبله) فى هذه السورة باللام:
قوله {ولاكن أكثر الناس لا يشكرون} ، وفى يونس {ولاكن أكثرهم لا يشكرون} - وقد سبق -، لأنه وافق ما قبله فى هذه السورة: {ولاكن أكثر الناس لا يعلمون} ، وبعده: {ولاكن أكثر الناس لا يؤمنون} ثم قال: {ولاكن أكثر الناس لا يشكرون} .
قوله فى الآية الأولى {لا يعلمون} أى لا يعلمون أن خلق الأصغر أسهل من خلق الأكبر، ثم قال: {لا يؤمنون} أى لا يؤمنون بالبعث ثم قال: {لا يشكرون} أى لا يشكرون الله على فضله. فختم كل آية بما اقتضاه.
قوله {خالق كل شيء لا إلاه إلا هو} سبق.
قوله: {الحمد لله رب العالمين} مدح نفسه سبحانه، وختم ثلاث آيات على التوالى بقوله {رب العالمين} وليس له فى القرآن نظير.
قوله: {وخسر هنالك المبطلون} وختم السورة بقوله {وخسر هنالك الكافرون} ؛ لأن الأول متصل بقوله: {قضى بالحق} ونقيض الحق الباطل، والثانى متصل بإيمان غير مجد، ونقيض الإيمان الكفر.
فضل السورة
فيه حديث أبى الساقط: الحواميم ديباج القرآن. وقال: الحواميم سبع، وأبواب (جهنم سبعة) : جهنم، والحطمة، ولظى، والسعير، وسقر، والهاوية، والجحيم. فيجىء كل حاميم منهن يوم القيامة على باب من هذه الأبواب، فيقول: لا أدخل الباب من كان مؤمنا بى ويقرؤنى، وعن النبى صلى الله عليه وسلم: إن لكل شىء ثمرة، وثمرة القرآن ذوات حاميم، هى روضات محصنات، متجاورات. فمن أحب أن يرتع فى رياض الجنة فليقرأ الحواميم. وقال ابن عباس: لكل شىء لباب، ولباب القرآن الحواميم؛ وقال: ابن سيرين: رأى أحد فى المنام سبع جوار حسان فى مكان واحد، لم ير أحسن منهن فقال لهن: لمن أنتن؟ قلن: لمن قرأ آل حاميم. وقال: من قرأ حم المؤمن لم يبق روح نبى، ولا صديق، ولا شهيد، ولا مؤمن، إلا صلوا عليه، واستغفروا له، وحديث على: يا على من قرأ الحواميم السبع بعض إثر بعض، من قرأ هذه السورة لا يصف الواصفون من أهل السماء والأرض ماله عند الله من الثواب، وله بكل سورة قرأها من الحواميم مثل ثواب ابن آدم الشهيد، وله بكل آية قرأها مثل ثواب الأنصار.
بصيرة فى.. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم
السورة مكية بالاتفاق. عدد آياتها أربع وخمسون فى عد الكوفة، وثلاث فى عد الحجاز، واثنتان فى عد البصرة، والشأم. وكلماتها سبعمائة وست وتسعون. وحروفها ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون. المختلف فيها آيتان: حم {عاد وثمود} مجموع فواصل آياتها (ظن طب حرم صد) وللسورة اسمان: حم السجدة، لاشتمالها على السجدة، وسورة المصابيح؛ لقوله: {زينا السمآء الدنيا بمصابيح وحفظا} .
معظم مقصود السورة: بيان شرف القرآن، وإعراض الكفار من قبوله، وكيفية تخليق الأرض والسماء، والإشارة إلى إهلاك عاد وثمود، وشهادة الجوارح على العاصين فى القيامة، وعجز الكفار فى سجن جهنم، وبشارة المؤمنين بالخلود فى الجنان، وشرف المؤذنين بالأذان، والاحتراز من نزغات الشيطان، والحجة والبرهان على وحدانية الرحمن، وبيان شرف القرآن، والنفع والضر، والإساءة، والإحسان، وجزع الكفار عند الابتلاء والامتحان، وإظهار الآيات الدالة على الذات والصفات الحسان، وإحاطة علم الله بكل شىء من الإسرار والإعلان، بقوله: {ألا إنه بكل شيء محيط} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آية واحدة {ادفع بالتي هي أحسن} م آية السيف ن.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-04-03, 12:15 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(51)
من صـــ 415 الى صـــ 421
المتشابهات:
قوله تعالى: {في أربعة أيام} أى مع اليومين اللذين تقدما فى قوله: {خلق الأرض في يومين} كيلا يزيد العدد على ستة أيام، فيتطرق إليه كلام المعترض. وإنما جمع بينهما ولم يذكر اليومين على الانفراد بعدهما؛ لدقيقة لا يهتدى إليها إلا كل فطن خريت وهى أن قوله: {خلق الأرض في يومين} صلة {الذي} و {وتجعلون له أندادا} عطف على {لتكفرون} و {وجعل فيها رواسي} عطف على قوله: {خلق الأرض} وهذا ممتنع فى الإعراب لا يجوز فى الكلام، وهو فى الشعر من أقبح الضرورات، لا يجوز أن يقال: جاءنى الذى يكتب وجلس ويقرأ: لأنه لا يحال بين صلة الموصول وما يعطف عليه بأجنبى من الصلة؛ فإذا امتنع هذا لم يكن بد من إضمار فعل يصح الكلام به ومعه، فيضمر {خلق الأرض} بعد قوله {ذلك رب العالمين} فيصير التقدير: ذلك رب العالمين، خلق الأرض وجعل فيها رواسى من فوقها، وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها، فى أربعة أيام؛ ليقع هذا كله فى أربعة أيام. فسقط الاعتراض والسؤال. وفيه معجزة وبرهان.
قوله: {حتى إذا ما جآءوها شهد عليهم} ، وفى الزخرف وغيره {حتى إذا ما جآءوها} بغير (ما) ؛ لأن (حتى) هاهنا التى تجرى مجرى واو العطف فى نحو قولك: أكلت السمكة حتى رأسها أى ورأسها. وتقدير الآية: فهم يوزعون، وإذا ما جاءوها و (ما) هى التى تزاد مع الشرط، نحو أينما، وحيثما. وحتى فى غيرها من السوره للغاية.
قوله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} ومثله فى الأعراف، لكنه ختم بقوله {سميع عليم} ؛ الآية فى هذه السورة متصلة بقوله: {وما يلقاهآ إلا ذو حظ عظيم} وكان مؤكدا بالتكرار، وبالنفى والإثبات، فبالغ فى قوله: {إنه هو السميع العليم} بزيادة (هو) وبالألف واللام، ولم يكن فى الأعراف هذا النوع من الاتصال، فأتى على القياس: المخبر عنه معرفة، والخبر نكرة.
قوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم} وفى عسق بزيادة قوله: {إلى أجل مسمى} وزاد فيها أيضا: {بغيا بينهم} ؛ لأن المعنى: تفرق قول اليهود فى التوراة، وتفرق قول الكافرين فى القرآن، ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير العذاب إلى يوم الجزاء، لقضى بينهم بإنزال العذاب عليهم، وخصت عسق بزيادة قوله تعالى: {إلى أجل مسمى}لأنه ذكر البداية فى أول الآية وهو {وما تفرقوا إلا من بعد ما جآءهم العلم} وهو مبدأ كفرهم، فحسن ذكر النهاية التى أمهلوا إليها؛ ليكون محدودا من الطرفين.
قوله: {وإن مسه الشر [فيئوس قنوط} وبعده: {وإذا مسه الشر] فذو دعآء عريض} لا منافاة بينهما؛ لأن معناه: قنوط من الصنم، دعاء لله. وقيل: يئوس قنوط بالقلب دعاء باللسان. وقيل: الأول فى قوم والثانى فى آخرين. وقيل الدعاء مذكور فى الآيتين، وهو {لا يسأم الإنسان من دعآء الخير} فى الأول، و {ذو دعآء عريض} فى الثانى.
قوله: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضرآء مسته} [بزيادة من] وفى هود: {ولئن أذقناه نعمآء بعد ضرآء مسته} ، لأن فى هذه السورة بين جهة الرحمة، وبالكلام حاجة إلى ذكرها وحذف فى هود؛ اكتفاء بما قبله، وهو قوله: {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} ، وزاد فى هذه السورة (من) لأنه لما حد الرحمة والجهة الواقعة منها، حد الطرف الذى بعدها فتشاكلا فى التحقيق. وفى هود لما أهمل الأول أهمل الثانى.
قوله: {أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به} وفى الأحقاف {وكفرتم به} بالواو؛ لأن معناه فى هذه السورة: كان عاقبة أمركم بعد الإمهال للنظر والتدبر الكفر، فحسن دخول ثم، وفى الأحقاف عطف عليه {وشهد شاهد} ؛ فلم يكن عاقبة أمرهم. (وكان) من مواضع الواو.
فضل السورة:
فيه حديث أبى المردود: من قرأ هذه السورة أعطاه الله بكل حرف عشر حسنات.
بصيرة فى.. حم. عسق
السورة مكية إجماعا. عدد آياتها ثلاث وخمسون فى الكوفى، وخمسون فى الباقين. كلماتها ثمانمائة وست وستون. وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمان وثمانون. المختلف فيها من الآى ثلاث: حم عسق، كالأعلام مجموع فواصل آياتها (زرلصب قدم) ولها اسمان: عسق؛ لافتتاحها بها، وسورة الشورى؛ لقوله {وأمرهم شورى بينهم} .
معظم مقصود السورة: بيان حجة التوحيد، وتقرير نبوة الرسول، وتأكيد شريعة الإسلام، والتهديد بظهور آثار القيامة، وبيان ثواب العاملين دنيا وأخرى، وذل الظالمين فى عرصات القيامة، واستدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأمة محبة أهل البيت العترة الطاهرة، ووعد التائبين بالقبول، وبيان الحكمة فى تقدير الأرزاق وقسمتها، والإخبار عن شؤم الآثام والذنوب، والمدح والثناء على العافين من الناس ذنوب المجرمين، وذل الكفار فى مقام الحساب، والمنة على الخلق بما منحوا: من الأولاد وبيان كيفية نزول الوحى على الأنبياء، والمنة على الرسول بعطية الإيمان، والقرآن، وبيان أن مرجع الأمور إلى الله الديان فى قوله: {إلى الله تصير الأمور} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ ثمان آيات: {ويستغفرون لمن في الأرض} م {ويستغفرون للذين آمنوا} ن {الله حفيظ عليهم} م آية السيف ن {واستقم كمآ أمرت} م {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} ن {من كان يريد حرث الآخرة} م {يريد العاجلة} ن {إلا المودة في القربى} م {ما سألتكم من أجر فهو لكم} ن وقيل: محكمة {أصابهم البغي} وقوله: {ولمن انتصر} م {ولمن صبر} ن {فإن أعرضوا} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله تعالى: {إن ذلك لمن عزم الأمور} وفى لقمان: {من عزم الأمور} ؛ لأن الصبر على وجهين: صبر على مكروه ينال الإنسان ظلما؛كمن قتل بعض أعزته، وصبر على مكروه ليس بظلم؛ كمن مات بعض أعزته. فالصبر على الأول أشد، والعزم عليه أوكد. وكان ما فى هذه السورة من الجنس الأول؛ لقوله: {ولمن صبر وغفر} فأكد الخبر باللام. وما فى لقمان من الجنس الثانى فلم يؤكده.
قوله: {ومن يضلل الله فما له من ولي} وبعده: {ومن يضلل الله فما له من سبيل} ليس بتكرار؛ لأن المعنى: ليس له من هاد ولا ملجأ.
قوله: {علي حكيم} ليس له نظير. والمعنى: تعالى عن أن يكلم شفاها، حكيم فى تقسيم وجوه التكليم.
قوله: {لعل الساعة قريب} وفى الأحزاب {تكون قريبا} زيد معه (تكون) مراعاة للفواصل. وقد سبق.
فضل السورة
فيه حديث ضعيف جدا: من قرأ حم عسق كان ممن يصلى عليه الملائكة، ويستغفرون له، ويسترحمون له.
بصيرة فى.. حم. والكتاب المبين. انا جعلناه
السورة مكية إجماعا. عدد آياتها [ثمان وثمانون] عند الشاميين، وتسع عند الباقين. وكلماتها ثمانمائة وثلاث وثلاثون. وحروفها ثلاثة آلاف وأربعمائة. الآيات المختلف فيها اثنتان: حم، مهين. مجموع فواصل آياتها (ملن) تسمى سورة الزخرف؛ لقوله {عليها يتكئون وزخرفا} .
معظم مقصود السورة: بيان إثبات القرآن فى اللوح المحفوظ، وإثبات الحجة والبرهان على وجود الصانع، والرد على عباد الأصنام الذين قالوا: الملائكة بنات الله، والمنة على الخليل - صلى الله عليه وسلم - بإبقاء كلمة التوحيد فى عقبه، وبيان قسمة الأرزاق، والإخبار عن حسرة الكفار، وندامتهم يوم القيامة، ومناظرة فرعون، وموسى ومجادلة المؤمنين مع ابن الزبعرى بحديث عيسى، وبيان شرف الموحدين فى القيامة وعجز الكفار فى جهنم، وإثبات إلهية الحق فى السماء والأرض، وأمر الرسول بالإعراض عن مكافأة الكفار فى قوله: {فاصفح عنهم وقل سلام} .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-04-03, 12:23 PM
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/41.jpg
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(52)
من صـــ 422 الى صـــ 428
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آيتان {فذرهم يخوضوا} وقوله: {فاصفح عنهم} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله تعالى: {ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون} ، وفى الجاثية: {إن هم إلا يظنون} ، لأن [ما] فى هذه السورة متصل بقوله: {وجعلوا الملائكة} [الآية] والمعنى أنهم قالوا: الملائكة بنات الله، وإن الله قد شاء منا عبادتنا إياهم. وهذا جهل منهم وكذب. فقال - سبحانه -: ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون أى يكذبون. وفى الجاثية خلطوا الصدق بالكذب؛ فإن قولهم: نموت ونحيا صدق؛ فإن المعنى: يموت السلف ويحيا الخلف، وهو كذلك إلى أن تقوم الساعة. وكذبوا فى إنكارهم البعث، وقولهم: ما يهلكنا إلا الدهر. ولهذا قال: {إن هم إلا يظنون} أى هم شاكون فيما يقولون.
قوله: {وإنا على آثارهم مهتدون} ، وبعده: {مقتدون} خص الأول بالاهتداء؛ لأنه كلام العرب فى محاجتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وادعائهم أن آباءهم كانوا مهتدين فنحن مهتدون. ولهذا قال عقيبه: {قال أولو جئتكم بأهدى} . والثانى حكاية عمن كان قبلهم من الكفار،وادعوا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء، فاقتضت كل آية ما ختمت به.
قوله: {وإنآ إلى ربنا لمنقلبون} وفى الشعراء: {إنآ إلى ربنا لمنقلبون} ، لأن ما فى هذه السورة عام لمن ركب سفينة أو دابة. وقيل: معناه {إلى ربنا لمنقلبون} على مركب آخر، وهو الجنازة، فحسن إدخال اللام على الخبر للعموم. وما فى الشعراء كلام السحرة حين آمنوا ولم يكن فيه عموم.
فضل السورة
فيه حديث ضعيف: من قرأ الزخرف كان ممن يقال لهم يوم القيامة: يا عبادى لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، وادخلوا الجنة بغير حساب.
بصيرة فى.. حم. والكتاب المبين. انا أنزلناه
السورة مكية إجماعا. آياتها تسع وخمسون فى عد الكوفة، وسبع فى عد البصرة، وست للباقين. كلماتها ثلاثمائة وست وأربعون. وحروفها ألف وأربعمائة وأحد وثلاثون. المختلف فيها من الآى أربع: حم، {إن هاؤلاء ليقولون} ، {إن شجرة الزقوم} ، {في البطون} . فواصل آياتها كلها (من) سميت سورة الدخان لقوله فيها: {يوم تأتي السمآء بدخان مبين} .
معظم مقصود السورة: نزول القرآن فى ليلة القدر، وآيات التوحيد، والشكاية من الكفار، وحديث موسى وبنى إسرائيل وفرعون، والرد على منكرى البعث، وذل الكفار فى العقوبة، وعز المؤمنين فى الجنة، والمنة على الرسول بتيسير القرآن على لسانه فى قوله: {فإنما يسرناه بلسانك} .
(الناسخ والمنسوخ:
فيها آية منسوخة: {فارتقب إنهم مرتقبون} م آية السيف ن) .
المتشابهات:
قوله: {إن هي إلا موتتنا الأولى} مرفوع. وفى الصافات منصوب. ذكر فى المتشابه، وليس منه؛ لأن ما فى هذه السورة مبتدأ وخبر، وما فى الصافات استثناء.
قوله: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} أى على علم منا. ولم يقل فى الجاثية: {وفضلناهم} على علم لأنه ذكر فيه: {وأضله الله على علم} .
قوله: {وما خلقنا السماوات والأرض} بالجمع؛ لموافقة أول السورة: {رب السماوات والأرض} .
فضل السورة
عن النبى صلى الله عليه وسلم: من قرأ حم التى يذكر فيها الدخان فى ليلة الجمعة أصبح مغفورا له.
بصيرة فى.. حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم
السورة مكية بالإجماع. آياتها سبع وثلاثون فى الكوفة، وست فى الباقين. كلماتها أربعمائة وثمانون. وحروفها ألفان ومائة وتسعون. مجموع فواصل آياتها (من) ولها اسمان: سورة الجاثية؛ لقوله {وترى كل أمة جاثية} ، وسورة الشريعة؛ لقوله {ثم جعلناك على شريعة من الأمر} .
معظم مقصود السورة: بيان حجة التوحيد، والشكاية من الكفار والمتكبرين، وبيان النفع، والضر والإساءة، والإحسان، وبيان شريعة الإسلام والإيمان، وتهديد العصاة والخائنين من أهل الإيمان، وذم متابعى الهوى، وذل الناس فى المحشر، ونسخ كتب الأعمال من اللوح المحفوظ، وتأبيد الكفار فى النار، وتحميد الرب المتعال بأوجز لفظ، وأفصح مقال، فى قوله: {فلله الحمد رب السماوت ورب الأرض} إلى آخر السورة.
المنسوخ فيها آية واحدة: {قل للذين آمنوا يغفروا} م آية السيف ن.
المتشابهات:
{وآتيناهم بينات من الأمر} نزلت فى اليهود. وقد سبق.
قوله: {نموت ونحيا} سبق. وقيل: فيه تقديم وتأخير، أى نحيا ونموت. وقيل: يحيا بعض، ويموت بعض. وقيل: هذا كلام من يقول بالتناسخ.
قوله: {ولتجزى كل نفس بما كسبت} بالباء موافقة لقوله: {ليجزي قوما بما كانوا يكسبون} .
قوله: {سيئات ما عملوا} لتقدم {كنتم تعملون} و {وعملوا الصالحات} قوله: {ذلك هو الفوز المبين} تعظيما لإدخال الله المؤمنين فى رحمته.
فضل السورة
فيه حديث ضعيف: من قرأ سورة الجاثية كان له بكل حرف عشر حسنات، ومحو عشر سيئات، ورفع عشر درجات.
بصيرة فى.. حم. الأحقاف
السورة مكية بالاتفاق. آياتها خمس وثلاثون فى الكوفيين، وأربع فى الباقين.. كلماتها ثلاثمائة وأربع وأربعون. وحروفها ألفان وخمسمائة وخمس وتسعون. المختلف فيها آية واحدة: حم. فواصل آياتها (من) سميت سورة الأحقاف، لقوله فيها: {إذ أنذر قومه بالأحقاف} .
معظم مقصود السورة: إلزام الحجة على عبادة الأصنام، الإخبار عن تناقض كلام المتكبرين، وبيان نبوة سيد المرسلين، وتأكيد ذلك بحديث موسى، والوصية بتعظيم الوالدين، وتهديد المتنعمين، والمترفهين، والإشادة بإهلاك عاد العادين، والإشارة إلى الدعوة، وإسلام الجنيين، وإتيان يوم القيامة فجأة، واستقلال لبث اللابثين فى قوله: {كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آيتان {ومآ أدري ما يفعل بي} م {ليغفر لك الله} ن {كما صبر أولوا العزم من الرسل} م آية السيف ن.
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/08/43.jpg
ابو وليد البحيرى
2022-04-12, 01:25 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(53)
من صـــ 429 الى صـــ 435
ما فى هذه السورة من المتشابه سبق وذكر [فى المتشابه] {أوليآء أولائك} [أى] لم يجتمع فى القرآن همزتان مضمومتان غيرهما.
فضل السورة
فيه حديث أبى المردود صحة: من قرأ الأحقاف أعطى من الأجر بعدد كل رجل فى الدنيا عشر حسنات، ومحى عنه عشر سيئات.
بصيرة فى.. الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله
السورة مدنية بالاتفاق. وآياتها أربعون فى البصرة، وثمان فى الكوفة وتسع وثلاثون عند الباقين. وكلماتها خمسمائة وتسع وثلاثون. وحروفها ألفان وثلثمائة وتسع وأربعون. المختلف فيها آيتان: أوزارها، للشاربين. فواصل آياتها (ما) ولها اسمان: سورة محمد؛ لقوله فيها: {نزل على محمد} ، وسورة القتال؛ لقوله {وذكر فيها القتال} .
معظم مقصود السورة: الشكاية من الكفار فى إعراضهم عن الحق، وذكر آداب الحرب والأسرى وحكمهم، والأمر بالنصرة والإيمان، وابتلاء الكفار فى العذاب، وذكر أنهار الجنة: من ماء، ولبن، وخمر، وعسل، وذكر طعام الكفار وشرابهم، وظهور علامة القيامة، وتخصيص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأمره بالخوض فى بحر التوحيد، والشكاية من المنافقين، وتفصيل ذميمات خصالهم، وأمر المؤمنين بالطاعة والإحسان، وذم البخلاء فى الإنفاق، وبيان استغناء الحق تعالى، وفقر الخلق فى قوله: {والله الغني وأنتم الفقرآء} .
فيها من المنسوخ آية واحدة: {فإما منا بعد} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله: {لولا نزلت سورة فإذآ أنزلت سورة} نزل وأنزل كلاهما متعد. وقيل: نزل للتعدى والمبالغة، وأنزل للتعدى. وقيل: نزل دفعة مجموعا وأنزل متفرقا، وخص الأولى بنزلت؛ لأنه من كلام المؤمنين، وذكر بلفظ المبالغة، وكانوا يأنسون لنزول الوحى، ويستوحشون لإبطائه. والثانى من كلام الله تعالى، ولأن فى أول السورة {نزل على محمد} وبعده: {أنزل الله} وكذلك فى هذه الآية قال: {نزلت} ثم {أنزلت} .
قوله: {من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم} نزلت فى اليهود، وبعده: {من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا} نزلت فى قوم ارتدوا. وليس بتكرار.
فضل السورة
فيه حديث أبى الضعيف: من قرأ سورة محمد كان حقا على الله أن يسقيه من أنهار الجنة، وحديث على: يا على من قرأ هذه السورة وجبت له شفاعتى، وشفع فى مائة ألف بيت، وله بكل آية قرأها مثل ثواب خديجة.
بصيرة فى.. انا فتحنا لك فتحا مبينا
السورة مدنية إجماعا. آياتها تسع وعشرون. وكلماتها خمسمائة وستون. وحروفها ألفان وأربعمائة وثمان وثلاثون. وفواصل آياتها على الألف. وسميت سورة الفتح؛ لقوله: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} .
معظم مقصود السورة؛ وعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالفتح والغفران، وإنزال السكينة على أهل الإيمان، وإيعاد المنافقين بعذاب الجحيم، ووعد المؤمنين بنعيم الجنان، والثناء على سيد المرسلين، وذكر العهد، وبيعة الرضوان، وذكر ما للمنافقين من الخذلان، وبيان عذر المعذورين، والمنة على الصحابة بعدم الظفر عليهم من أهل مكة ذوى الطغيان، وصدق رؤيا سيد المرسلين على حقية الرسالة، وشهادة الملك الديان، وتمثيل حال النبى والصحابة بالزرع والزراع فى البهجة والنضارة وحسن الشان.
والسورة خالية عن المنسوخ.
المتشابهات:
قوله: {ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما} وبعد: {عزيزا حكيما} لأن الأول متصل بإنزال السكينة، وازدياد إيمان المؤمنين،(وكان) الموضع علم وحكمة. وقد تقدم ما اقتضاه الفتح عند قوله: {وينصرك الله} وأما الثانى والثالث الذى بعد فمتصلان بالعذاب والغضب وسلب الأموال والغنائم (وكان الموضع) موضع عز وغلبة وحكمة.
قوله: {قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا} ، وفى المائدة: {فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح} زاد فى هذه السورة (لكم) لأن ما فى هذه السورة نزلت فى قوم بأعيانهم وهم المخلفون، وما فى المائدة عام لقوله: {أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا} .
قوله: {كذلكم قال الله} بلفظ الجميع، وليس له نظير. وهو خطاب للمضمرين فى قوله {لن تتبعونا} .
فضل السورة
عن ابن عباس: لما نزلت هذه السورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أنزل على سورة هى أحب إلى من الدنيا وما فيها. وفيه حديث أبى الساقط: من قرأ سورة الفتح فكأنما كان مع من بايع رسول الله تحت الشجرة، وحديث على: يا على من قرأها دعته ثمانية أبواب الجنة، كل باب يقول: إلى إلى يا ولى الله، وله بكل آية قرأها مثل ثواب من يموت غريبا فى طاعة الله.
بصيرة فى.. أيها الذين آمنوا لا تقدموا
السورة مدنية. وآياتها ثمان عشرة. وكلماتها ثلاثمائة وثلاث وأربعون. وحروفها ألف وأربعمائة وأربع وسبعون. مجموع فواصل آياتها (من) سميت سورة الحجرات لقوله فيها؛ {ينادونك من ورآء الحجرات} .
معظم مقصود السورة: محافظة أمر الحق تعالى، ومراعاة حرمة الأكابر، والتؤدة فى الأمور، والاجتناب عن التهور، والكون فى إغاثة المظلوم، والاحتراز عن السخرية بالخلق، والحذر عن التجسس والغيبة، وترك الفخر بالأحساب والأنساب، والتحاشى عن المنة على الله بالطاعة، وإحالة علم الغيب إلى الله - تعالى - فى قوله: {إن الله يعلم غيب السماوات والأرض} .
السورة محكمة خالية عن الناسخ والمنسوخ:
المتشابهات:
قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا} مذكور فى السورة خمس مرات، والمخاطبون المؤمنون، والمخاطب به أمر ونهى، وذكر فى السادس {ياأيها الناس} فعم المؤمنين والكافرين، والمخاطب به قوله {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} لأن الناس كلهم فى ذلك شرع سواء.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
ابو وليد البحيرى
2022-04-12, 01:26 AM
https://upload.rewity.com/uploads/155122161529683.gif
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
(54)
من صـــ 436 الى صـــ 442
فضل السورة
فيه حديث أبى الضعيف جدا: من قرأ سورة الحجرات أعطى من الأجر عشر حسنات، بعدد من أطاع الله وعصاه، وحديث على: يا على من قرأها كان فى الجنة رفيق سليمان بن داود، وله بكل آية قرأها مثل ثواب المحسنين إلى عيالهم.
بصيرة فى.. ق. والقرآن المجيد
السورة مكية بالاتفاق. وآياتها خمس وأربعون. وكلماتها ثلاثمائة وخمس وسبعون. وحروفها ألف وأربعمائة وأربع وسبعون. مجموع فواصل آياتها (صر جد ظب) سميت بقاف، لافتتاحها بها.
مقصود السورة: إثبات النبوة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وبيان حجة التوحيد، والإخبار عن إهلاك القرون الماضية، وعلم الحق تعالى بضمائر الخلق وسرائرهم، وذكر الملائكة الموكلين على الخلق، المشرفين على أقوالهم، وذكر بعث القيامة، وذل العاصين يومئذ، ومناظرة المنكرين بعضهم بعضا فى ذلك اليوم، وتغيظ الجحيم على أهله، وتشرف الجنة بأهلها، والخبر عن تخليق السماء والأرض، وذكر نداء إسرافيل بنفخة الصور، ووعظ الرسول صلى الله عليه وسلم الخلق بالقرآن المجيد فى قوله: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آيتان {فاصبر على ما يقولون} {ومآ أنت عليهم بجبار} م آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله: {فقال الكافرون} بالفاء سبق.
قوله: {وقال قرينه} وبعده: {قال قرينه} لأن الأول (خطاب الإنسان) من قرينه ومتصل بكلامه، والثانى استئناف خطاب الله سبحانه من غير اتصاله بالمخاطب الأول وهو قوله: {ربنا مآ أطغيته} ، وكذلك الجواب بغير واو، وهو قوله: {لا تختصموا لدي} وكذلك {ما يبدل القول لدي} فجاء الكل على نسق واحد.
قوله: {قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} وفى طه ( {وقبل غروبها} لأن فى هذه السورة راعى الفواصل، وفى طه) راعى القياس، لأن الغروب للشمس، كما أن الطلوع لها.
فضل السورة
فيه الحديث الضعيف: من قرأ سورة ق هون الله عليه تارات الموت وسكراته، وحديث على: يا على من قرأها بشره ملك الموت بالجنة وجعل الله منكرا ونكيرا عليه رحيما، ورفع الله له بكل آية قرأها درجة فى الجنة.
بصيرة فى.. والذاريات
السورة مكية، عدد آياتها ستون. وكلماتها ثلثمائة وستون. وحروفها ألف ومائتان وسبع وثمانون. مجموع فواصل آياتها (قفاك معن) سميت بالذاريات لمفتتحها.
معظم مقصود السورة: ذكر القسم بحقية البعث والقيامة، والإشارة إلى عذاب أهل الضلالة، وثواب أرباب الهداية، وحجة الوحدانية، وكرامة إبراهيم فى باب الضيافة، وفى إسحاق له بالبشارة، ولقوم لوط بالهلاكة، ولفرعون وأهله من الملامة، ولعاد وثمود وقوم نوح من الدمار والخسارة، وخلق السماء والأرض للنفع والإفادة، وزوجية المخلوقات؛ لأجل الدلالة، وتكذيب المشركين لما فيه للرسول - صلى الله عليه وسلم - من التسلية، وتخليق الخلق لأجل العبادة، وتعجيل المنكرين بالعذاب والعقوبة فى قوله: {فلا تستعجلون} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها من المنسوخ آيتان {فتول عنهم} م {وذكر فإن الذكرى} ن {وفي أموالهم حق} م (آية الزكاة) ن.
المتشابهات:
قوله تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون آخذين} وفى الطور {في جنات ونعيم فاكهين} ليس بتكرار؛ لأن ما فى هذه السورة متصل بذكر ما به يصل الإنسان إليها، وهو قوله {إنهم كانوا قبل ذلك محسنين} ، وفى الطور متصل بما ينال الإنسان فيها إذا وصل إليها، وهو قوله: {ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا} الآيات.
قوله: {إني لكم منه نذير مبين} وبعده: {إني لكم منه نذير مبين} ليس بتكرار؛ لأن كل واحد منهما متعلق بغير ما يتعلق به الآخر. فالأول متعلق بترك الطاعة إلى المعصية، والثانى متعلق بالشرك بالله تعالى.
فضل السورة
فيه من الأحاديث الضعيفة حديث أبى: من قرأ (والذاريات) أعطى من الأجر عشر حسنات، بعدد كل ريح هبت، وجرت فى الدنيا، وحديث على: يا على من قرأ (والذاريات) رضى الله عنه ويشم ريح الجنة من مسيرة خمسمائة عام، وله بكل آية قرأها مثل ثواب فاطمة.
بصيرة فى.. والطور
السورة مكية بالاتفاق آياتها تسع وأربعون فى عد الكوفة والشأم، وثمان فى البصرة، وسبع فى الحجاز. كلماتها ثلاثمائة واثنتا عشرة. وحروفها ألف وخمسمائة. الآيات المختلف فيها اثنتان: (والطور) دعا.
مجموع فواصل آياتها (من رعا) سميت سورة الطور، لمفتتحها.
معظم مقصود السورة: القسم بعذاب الكفار، والإخبار عن ذلهم فى العقوبة، ومنازلهم من النار، وطرب أهل الجنة بثواب الله الكريم الغفار، وإلزام الحجة على الكفرة الفجار، وبشارتهم قبل عقوبة العقبى بعذابهم فى هذه الدار، ووصية سيد رسل الأبرار بالعبادة والاصطبار، فى قوله: {ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم} .
الناسخ والمنسوخ:
فيها آية واحدة: {واصبر لحكم ربك} آية السيف ن.
المتشابهات:
قوله تعالى: {أم يقولون شاعر} أعاد (أم) خمسة عشر مرة، وكلها إلزامات ليس للمخاطبين بها عنها جواب.
قوله: {ويطوف عليهم} بالواو، وعطف على قوله: {وأمددناهم} ، وكذلك: {وأقبل} بالواو، وفى الواقعة: {يطوف} بغير واو فيحتمل أن يكون حالا، أو يكون خبرا بعد خبر. وفى الإنسان {ويطوف} عطف على (ويطاف) .
قوله: {واصبر} بالواو سبق.
فضل السورة
فيه من الضعيف حديث أبى: من قرأ (والطور) كان حقا على الله عز وجل أن يؤمنه من عذابه، وأن ينعمه فى جنته، وحديث على: يا على من قرأها كتب الله له ما دام حيا كل يوم اثنى عشر ألف حسنة، ورفع له بكل آية قرأها اثنى عشر ألف درجة.
https://upload.rewity.com/uploads/155122161532454.gif
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.