المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النوال... (79) (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)



صالح بن سليمان الراجحي
2021-08-13, 09:08 AM
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (79)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) في سورة (الحج) و(لقمان) و(فاطر) و(الحديد)
وقال في سورة (آل عمران): (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)

في الآية قولان كلاهما حق.
لكن المعنى الأعظم والمتبادر والمشاهد على الدوام لكل أحد هو دخول ظلمة الليل في ضياء النهار عند غروب الشمس, ودخول ضياء النهار في ظلام الليل عند الصبح.
ومما يثير العجب إغفال بعض المفسرين تماماً لهذا المعنى مع أنه هو الأقوى والأعظم.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالآية على قولين:
القول الأول: أن المراد يدخل ما ينقص من ساعات الليل في ساعات النهار، ويدخل ما ينقص من ساعات النهار في ساعات الليل، فما نقص من طول هذا زاد في طول هذا (اقتصر على هذا القول ابن جرير*, والبغوي*, وابن كثير*) (ورجحه الشنقيطي*)
(واقتصر عليه ابن عطية* لكنه ذكر القولين عند تفسير آية آل عمران)

القول الثاني: أن المراد دخول ظلمة الليل في ضياء النهار عند غروب الشمس, ودخول ضياء النهار في ظلام الليل عند الصبح.

قال الزمخشري: "تحصيل ظلمة هذا في مكان ضياء ذاك بغيبوبة الشمس. وضياء ذاك في مكان ظلمة هذا بطلوعها" (اقتصر على هذا القول الماتريدي* لكن ذكر القول الأول عند تفسير آية فاطر فقط, وقال عند تفسير آية آل عمران: "أن يدخل بعض هذا في هذا، وهذا في هذا").

(واقتصر عليه ابن عاشور*, وذكر القولين عند تفسير آية آل عمران فقط)
(وذكر القولين الزمخشري*, واقتصر على هذا الثاني عند تفسير آية آل عمران)
(وذكر القولين الرازي* ومال إلى الأول عند تفسير آية آل عمران)
(وذكر القولين أيضاً القرطبي*)

(وكلا القولين حق)
لكن المعنى المذكور في القول الثاني هو الأعظم, وهو المتبادر, وهو المشاهد على الدوام لكل أحد, وهو الذي يذكر الله تعالى به عباده في آيات كثيرة في القرآن.
كقوله تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)
وقوله: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل)
وقوله: (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) والعجيب أن هذه الآية ذكرت خمس مرات كعدد آيات (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ)

وقوله: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) وقد فسر قتادة هذه الآية بقوله تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)
وتضعيف ابن جرير وابن كثير لقول قتادة واهن, فالقول قول قتادة.
ومما يثير العجب إغفال بعض المفسرين تماماً لهذا المعنى الذي هو أقوى وأعظم كما سبق.

قال الماتريدي: "إيلاج الشيء: إنما هو إدخاله فيه على إبقاء المدخل فيه, هذا هو المعروف"

وقال ابن عاشور عند تفسير آية (الحج): "واستعارة الإيلاج لذلك استعارة بديعة لأن تقلص ظلمة الليل يحصل تدريجاً، وكذلك تقلص ضوء النهار يحصل تدريجاً، فأشبه ذلك إيلاج شيء في شيء إذ يبدو داخلاً فيه شيئاً فشيئاً".

وقيل عند تفسير آية "فاطر":
"وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل قد يعني ذينك المشهدين الرائعين. مشهد دخول الليل في النهار، والضياء يغيب قليلاً قليلاً، والظلام يدخل قليلاً قليلاً حتى يكون الغروب وما يليه من العتمة البطيئة الدبيب. ومشهد دخول النهار في الليل حينما يتنفس الصبح، وينتشر الضياء رويداً رويداً، ويتلاشى الظلام رويداً رويداً، حتى تشرق الشمس ويعم الضياء.. كذلك قد يعني طول الليل وهو يأكل من النهار وكأنما يدخل فيه. وطول النهار وهو يأكل من الليل وكأنما يدخل فيه.. وقد يعنيهما معاً بتعبير واحد. وكلها مشاهد تطوف بالقلب في سكون، وتغمره بشعور من الروعة والتقوى وهو يرى يد الله تمد هذا الخط، وتطوي ذاك الخط، وتشد هذا الخيط وترخي ذاك الخيط. في نظام دقيق مطرد لا يتخلف مرة ولا يضطرب. ولا يختل يوماً أو عاماً على توالي القرون..".

وقال عند تفسير آية (لقمان): "ومشهد دخول الليل في النهار ودخول النهار في الليل، وتناقصهما وامتدادهما عند اختلاف الفصول مشهد عجيب حقاً، ولكن طول الألفة والتكرار يفقد أكثر الناس الحساسية تجاهه فلا يلحظون هذه العجيبة، التي تتكرر بانتظام دقيق، لا يتخلف مرة ولا يضطرب ولا تنحرف تلك الدورة الدائبة التي لا تكل ولا تحيد.. والله وحده هو القادر على إنشاء هذا النظام وحفظه ولا يحتاج إدراك هذه الحقيقة إلى أكثر من رؤية تلك الدورة الدائبة التي لا تكل ولا تحيد".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/