المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكليات والجزئيات، والمقاصد العامة والأدلة الفرعية.. لا تتعارض الا من خطإ المجتهد!!



أبو الفداء
2008-08-15, 11:21 PM
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
أما بعد
فكثيرا ما تقرأ في كلام أهل الأصول المتأخرين الكلام عن إشكال محدث بين ما يسمونه بفقه المقاصد، وما يسمونه بفقه النصوص، أو "ظاهر النصوص"! وهذا الإشكال في الحقيقة لا يقع إلا عند من قصر تصوره عن شمولية هذا الدين المحكم المتين، وساء تصوره إما لبعض الجزئيات وأدلتها، وإما للكليات التي تدخل تلك الفروع أو المسائل الفرعية تحتها!
صحيح أن القواعد العامة المتفق عليها قد تعين على فهم وتوجيه كثير من النصوص، إلا أن هذا محكوم في الأخير بفهم السلف لتلك القواعد ولتلك النصوص نفسها.. وهو الفهم الذي منه - بالأساس - يكون تخريج القواعد العامة والكليات، وإلا فلو أزلنا قيد فهم السلف لوقع اختلاف وتخبط شديد لا أول له ولا آخر! يضع كل متفقه لنفسه قواعد وشروط يوجه عليها النصوص، فلا تراه إلا يحرف الكلم عن مواضعه ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وفي الحقيقة فإنه يجب أن يكون جليا في تصور الباحث المدقق أنه في النهاية مجتهد، وأن المجتهد الباحث عن حكم الله في مسألة من المسائل، لا يرجع إلى الكليات العامة لاستنباط الحكم الا إذا عدم النصوص والتخريجات الفقهية على المسألة بعينها في كلام من سلف من أئمة الدين! وحينئذ يكون سبيله القياس والتفريع على الأصول العامة على نحو ما هو مبسوط في كتب الأصوليين.
ولكن العجيب والذي لا نرى له تسمية إلا أن نعده من مقابلة النص بالاجتهاد، أنك ترى بعض الفقهاء المتأخرين يتوسعون في قواعد المصلحة المرسلة واتباع ما أسموه بالمقاصد وكذا، حتى يردوا باعتمادهم على تلك القواعد العامة، كثيرا من النصوص الخاصة التي طالما حكم بها أهل العلم والفقه في المسائل الفرعية كل مسألة بعينها! وأعجب من ذلك كلام بعضهم فيما يكون عليه العمل إذا ما وقع "تعارض" بين أقوال الفقهاء باتباع النص في مسألة فرعية وبين ما اجتمع عند أهل الأصول من قواعد عامة ومقاصد متفق عليها! فبعضهم تراه يرجح مذهبا في مسألة من المسائل ربما يخالف به إجماع الأمة ولا يبالي، بحجة أن أقوال السلف في تلك المسألة قد خالفت أو بالأحرى "أغفلت" مقاصد قد انتبه هو إليها وغفلوا هم عنها!!
وهذا وأيم الله من أعجب العجب!
هذه المقاصد من أين استقرأتموها أصلا يا أصحاب الأصول ان لم يكن من فهم السلف وأحكام السلف رضي الله عنهم في جملة كبيرة من المسائل الفقهية، بناءً على جملة كبيرة من النصوص في الكتاب والسنة والإجماعات المتواترة؟؟ وإن خرجت مسألة رأيتم حكم المتقدمين فيها - وأقوالهم التي نقلت إلينا هي إجماع على بطلان ما يخالفها في ذات الأمر، وهذه مسألة ليس ههنا باب البسط فيها - خارجا عن تصوركم للمقصد أو المصلحة الشرعية فأين يكون الخلل؟؟ إن قلنا أنه وقع فيهم إذ غاب عنهم ذلك القول الذي أحدثتموه، فقد اتهمهم أئمة المسلمين جميعا في جميع ما تقدم من العصور قبلكم بالضلالة وهذا ممتنع ويهدم قوله تعالى ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ)) الآية، وقوله عليه السلام "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن" (لا ما رآه المجتهد الواحد منهم، والفرق دقيق) وغيرها من أدلة حجية الإجماع، وامتناع وقوعه في أي زمان من الأزمنة على ضلالة! فلا يبقى إلا أن يكون الفساد في تصور هذا الباحث المتأخر الذي غره الشيطان وسول له سوء عمله!
فالواقع أنه لا يعقل أن تتعارض قاعدة كلية أو مقصد عام من مقاصد الدين - من الستة أو من غيرها - مع حكم جزئي أجمع عليه السلف، أو ألا يكون في جملة أقوال السلف في إحدى المسائل الخلافية ما يتمشى مع قاعدة كلية عامة من المقاصد العامة، إلا أن يكون سبب ذلك فساد في اجتهاد المجتهد ونظره، وتخريجه للعلة والمقصد الشرعي في تلك المسألة الفرعية!
ومن هنا تكون مراجعتنا لكلام أصحاب المقاصد من باب إلزامهم بإعادة ضبط فهمهم للمسائل على فهم السلف رضي الله عنهم والانتهاء عن الزعم بأن هناك تعارضا بين بعض أحكام الفروع وبين بعض المقاصد الشرعية العامة!!
وحتى لا يكون الكلام تنظيرا عاريا عن ضرب المثال، إليك ببعض الأمثلة.
يقول بعض هؤلاء العصرانيين والعقلانيين، أن حد الردة - مثلا - يخالف قاعدة منع الاكراه في الدين! ونقول لهؤلاء بل أنتم من فسد تصوره عن توجيه حد الردة في مقصده الشرعي الصحيح!! فقاعدة منع الإكراه في الدين هذه متوجهة - بموجب النصوص - إلى الكافر الأصلي من أهل الكتاب الذي يصر على البقاء على دينه مع دفع الجزية عند فتح بلده! أما غير الكتابي، فالمجوسي مختلف فيه هل يلحق بالكتابي أم لا كما هو معلوم والراجح أنه يلحق لأنه على شبهة كتاب، بينما الملحد أو الوثني أو غير أهل الكتاب فمن مقاصد الشريعة في حقهم ألا يبقى لهم ولا لملتهم وجود في الأرض مع تمكن دولة الإسلام من السيادة والسلطان عليها! ولهذا كان الحكم أنه عند فتح بلادهم فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام! فهل هذا يعارض مقصد عدم الإكراه في الدين؟؟ كلا! وانما يدخل في مقصد آخر أعلى وأسمى وأشمل وهو تطهير الأرض من دنس الوثنيين والملحدين! وهما لا يتعارضان! فإذا أمكن للمجتهد أن يجد وجها للحكمة من ذلك، فإنه سيجد أنه داخل في قاعدة حفظ الدين للمسلمين ولا ريب، وكذا إقامة الحجة على أهل الكتاب، وإقامة العدالة على أمم البغي والكفر وتطهير الأرض من ملل الوثنيين والملاحدة وغير ذلك من مقاصد كلها تنتظم في مقصد كون هذه الرسالة ((رحمة للعالمين)).
أما حد الردة فلا دخل له بهذه الفئات التي تدخل مسائلها في دراسة قاعدة الإكراه والتخيير وإقامة الحجة وكذا.. لا يدخل تحت تلك القاعدة الكلية أصلا! وإنما هو داخل في قاعدة أو مقصد حفظ الدين للمسلمين ولأمة المسلمين بالأساس! كيف هذا؟ ذلك أن المجتهد الفطن إن تأمل فإنه سيدرك لا محالة مدى شر وضرر وخطورة إعلان أحد المسلمين ردته في الأمة وبقائه فيها حيا ينشر فتنته وحقده وسموم قلبه في الناس من حوله!! بل وسيرى أن الكفار لن يتركوه حتى يزينوا له الانضمام إليهم وتبوُؤ منبر من منابر صد الناس عن دين الله وإفساد الدعوة! فهو شر ولا شك من الكافر الأصلي إن لم يتب ويرجع (حال استتباته لمدة ثلاثة أيام كما هو منصوص)!
فلما جاء صاحب المقاصد بفهم فاسد للمقاصد، ثم راح يطعن في النصوص دلالتها التي أجمعت عليها الأمة في شأن حد الردة، وخرج بعد عصره لرأسه الفاسد بأن حد الردة يخالف قاعدة أو أصلا من أصول الدين، قلنا له بل أنت من فسد فهمك للقواعد الكلية في الشرع وللمقاصد العامة! ففي الأمر مقصد رفيع لو أدركته لتغير نظرك! فمن مقاصد هذا الدين العظيم، هذه الشرعة الخاتمة، أن يكون فيها ما يضمن لها الحفظ والبقاء في الأرض إلى قيام الساعة، ومن ذلك مقصد صيانة الدين للمسلمين في أرض ربهم، في أمة ذات منعة وبأس وشوكة، يتحقق فيها استعلاء دين الحق وأهله والعلو على كلمة الكافرين والظهور على الدين كله والانتشار في الأرض والهيمنة عليها وإذلال الكفار وردعهم وتخويفهم وغير ذلك من مقاصد فرعية غفل عنها كثير من أهل التنظير والتقعيد المتأخرين، فراحوا يتصورون عللا باطلة ويوجهون المسائل في غير مقاصدها! هذا المقصد هو بعينه ما جُعل الجهاد من أجله ذروة سنام الإسلام، وجُعل الموت في سبيل الله جل علا أعظم القربات!
- مثال آخر، سفر المرأة مع غير ذي محرم، فبعض المفتين يفتون بجواز أن يكون في الصحبة الآمنة لأنه تجاوز النظر في النصوص وقال بأن المقصد هو الأمن على النفس (حفظ النفس)، فما دام متحققا فلا فرق بين أن يوجد المحرم في تلك الصحبة أو لا يوجد! وأقول هذا نظر قاصر منهم، إن وجهوا الحكم على هذا التوجيه التقعيدي الكلي، والا فالناظر في النصوص يجد أن هناك أحوال قد يباح فيها سفر المرأة مع الصحبة الآمنة. ذلك أن قولهم بأن القصد هو أمن النفس فقط ليس بمسلم لهم! فقد يدخل فيه حفظ الدين كذلك وحفظ المال والذرية وغير ذلك من المقاصد التي لا تقوم بسفر المرأة مع صحبة آمنة تخلو من وجود ذي محرم لها معها! فبأي حق يرد الفقيه كلام أئمة الفقه في موارد الأدلة ويعطل الأقوال المستنبطة منها، لظن عقلي عنده مبناه علة قد تصح وقد لا تصح توجيها للنص ومقصده؟؟؟ لو أحسنت تدبر النصوص وكلام الفقهاء في أحكامها المأخوذة منها فلن تجد تعارضا بين ما اتفق عليه من القواعد والمقاصد العامة للفقه وبين أقول السلف في تلك المسألة ولا في غيرها من المسائل، ولكن مآل القضية في النهاية إلى موقفك أنت من فهم السلف وأين تضع عقلك وظنك أنت بالنسبة إلى ذلك كله!!
- مثال آخر: إخراج زكاة الفطر بالقيمة أم من غالب قوت البلد.. الذي يقول بإعمال قاعدة اتباع المقاصد - أو بالأحرى فهمه هو للمقاصد، وما أقصره من فهم! - تراه يقول أن الأولى في زماننا هذا هو إخراج القيمة، لأن الغاية تحقيق النفع والمصلحة للمسكين قبل عيد الفطر! وهذا كلام يعوزه كثير من النظر والتأمل! وإن كان هذا القول: القول بإخراج القيمة في زكاة الفطر قد قال به بعض السلف كما هو معلوم وفيه نص عن معاذ رضي الله عنه، إلا أن النظر في هذا النص هل هو حجة تعارض بها أدلة القول المخالف أم لا، هذه قضية ليس مناط النظر فيها مذهب هؤلاء الذين قالوا نرجح وفقا للمقاصد والمصلحة التي حكمنا لها بتقعيداتنا المقاصدية!!
فأولا ما هي قيمة ذلك الصاع الذي أمر النبي بإخراجه؟؟ لو حسبتها بعملة اليوم لوجدتها تتراوح ما بين الست إلى السبع جنيهات مصرية بحسب نوع الطعام الذي يخرج المتصدق صدقته منه! فإن علم أنه في زمان الصحابة كان من الممكن أن يشتري المسلم بثمن هذا الصاع وقيمته قميصا جديدا - مثلا - ليستقبل به يوم العيد، فبالله عليك ما الذي يمكنه أن يشتريه بهذه القيمة اليوم؟؟؟ وأيهما أنفع للمسلم المحتاج في زماننا هذا، أن يأخذ تلك القيمة المتواضعة أم أن يأخذ الصاع نفسه ليأكل منه هو وعياله؟؟
فالذين يقصرون نظرهم في المقاصد فقط دون تتبع للأدلة ولعمل الصحابة والسلف وكلام الفقهاء في ذلك، يتصورون أن لهم في نظرهم في المقاصد ما يغنيهم عن الترجيح بين النصوص والخوض في خلاف الفقهاء في مدلولاتها! وهذا هو قمة الظلم لأنفسهم وللذين سبقوهم! فلو استقام فهمك لنصوص المسألة، فإن فهمك للعلة والمقصد في تلك المسألة سيستقيم تبعا لذلك ولا شك، وليس العكس!!
- مثال آخر: مسألة الرؤية والحساب الفلكي في هلال رمضان! يقول أصحاب التنطع بالمقاصد أن المقصد من تقييد دخول رمضان برؤية العين وشاهد العين للهلال هو تحقيق العلم بدخول الشهر بواسطة القرينة الحسية أيا كانت تلكم القرينة!! فبما أنهم فيما مضى لم يكن عندهم أقمار صناعية، فما كان أمامهم إلا النظر بالعين المجردة، فكانوا عرضة لما يعتريه ذلك النظر من أخطاء ومن اختلاف للرؤى بين القرى والبلاد وغير ذلك! وهذا كلام فساد! وهذا المقصد الذي زعموه ليس بمسلم لهم، فالله قال ((لروؤيته)) ولم يقل "لمولده"! والنبي عليه السلام لما قال نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب والشهر عندنا هكذا وهكذا، لم يكن يتكلم عن حال أمته في زمانه فقط صلى الله عليه وسلم، والقائل بذلك يُجَهِّله عليه السلام ويُجَهِّل الوحي من حيث لا يدري! بل يمكن أن يقال أنه عليه السلام كان يقصد أن الذين يريدون تكلف أمور لا تتحقق للأمة في كل الأحوال من الحساب الفلكي وكذا للتحقق من دخول الشهر، هؤلاء يشقون عليها ويتكلفون أمرا قد شرع الله لهم ما هو أيسر وأخف منه، وألزمهم به مهما تطورت بهم العلوم والأقمار الصناعية!! فلماذا لا يكون مقصد الشرع في ذلك فضلا عن غاية التعبد المحض: التيسير على المسلمين مهما كان حالهم من العلم والجهل في أي زمان ومكان كانوا؟؟؟! التوجيه على هذا المقصد أظهر وأوجه ولا شك من الذين قالوا قولا طعنوا به في الشرع والوحي من حيث لا يشعرون، فزعموا أن المقصد هو التحقق من مولد الهلال أيا كان الأسلوب والطريقة، ولأن الأمة كانت جاهلة لا تجد إلا رؤية العين للضرورة، فقد زال عنها ذلك بوجود القمر الصناعي!! لو صح كلامهم هذا ومقصدهم هذا الذي تصوروه وظنوه لما خرجت النصوص التي يقرر فيها النبي أننا أمة لا تقرأ ولا تكتب على هذا النحو الذي خرجت عليه، بل لنص عليه السلام في كلامه على أن هذا هو ما يسعنا الآن، ولأجاز - من باب أولى - لأهل الحساب حسابهم (*)!! فليكن ديننا بناء المقاصد على جملة فهم النصوص وليس العكس يا معاشر "القاصديين"!!!
- مثال آخر: الخلاف في الحجاب هل يدخل فيه ستر الوجه والكفين أم لا يدخل؟ قد يقول بعض أصحاب هذا المذهب المقاصدي أن مقصد الشرع التخفيف على المرأة والتيسير عليها، وليس في وجهها ولا كفيها ما يفتتن الناس به - عادة - فيدل ذلك على أن الصواب أن الوجه والكفين لا يدخلان في العورة ولا يجب سترهما! وقد يرد عليه مقاصدي آخر ويقول كلا، بل المقصد والمراد من الحجاب ولا شك هو أمن الفتنة والفتنة لا تؤمن إلا مع ستر جميع بدن المرأة، فوجهها قد يكون فيه من الفتنة ما فيه! وهناك قول ثالث قد يخرج به أحدهم ويقول بل الضابط أن يستر الوجه عند عدم أمن الفتنة ويشكف عند خلاف ذلك، وهذه مسألة ضابطها نسبي يختلف من امرأة الى أخرى ومن بلد إلى بلد وهكذا..
كل هذا الكلام كما هو واضح، لا يحسم أبدا مادة النزاع في المسألة، فمع اتفاقنا جميعا على استحباب ستر سائر بدن المرأة وعلى أنه هو الأولى والأفضل إلا أن الخلاف بين الوجوب والاستحباب، لا يمكن حسمه بالمقاصد المطنونة على هذا النحو، ولا محيص فيه من النظر في النصوص وفقهها! وما مثل هذا الذي ذكرته آنفا إلا كلام من يفقد النصوص والنظر فيها، ولا يوصل منه إلى ترجيح علمي أبدا!! فالذي يتأمل النصوص ويجمعها إلى بعضها البعض، ويخرج بقول يرتضيه في الوجوب أو الاستحباب، فإنك ستجد عنده من العلل العقلية التي خرج بها من فهم النصوص، ما يجعل له وجهته في توجيه الحكم إلى بعض تلك المقاصد دون بعض - بل وربما إليها كلها مجتمعة، إن فتح الله عليه في ذلك ومكنه منه! فيكون كلامه حينئذ معضدا بتلك الظنون العقلية من بعد ما استدل له بالنصوص ودلالاتها وفقهها..

وأكتفي بهذه الأمثلة راجيا من الله أن يكون المراد قد اتضح..
فالذين يقولون أن الآخذين بالنصوص لا ينظرون في المقاصد في فقههم لمجرد أن القوم ربما لم يسطروا في كتبهم توجيه كل حكم حكموا به وكل مسألة خرجوا بأحكامها إلى قاعدة كلية عامة أو مقصد شرعي عام، هؤلاء إنما يظلمون سائر فقهاء الأمة من المتقدمين ويقولون قولا بورا، يكفي التأمل فيه لإبطاله!
فلا يجعلن الباحث نصوص الدين تابعة لعقله واستحسانه ويقول ما رآه عقلي حسنا فلابد أن يكون الصواب في النصوص التي توافقه بل وفي فهمي أنا الذي يوافقه لتلك النصوص! بل وجه نفسك وفقهك بفهم السلف للنصوص واعلم أنك إن من الله عليك وفتح عليك في ذلك فستخرج حتما في كل مسألة بما الله به عليم من المقاصد والفوائد والحكم والعلل التي ندين الله بأن السلف ما كانوا يغفلونها في مجملها ولكنهم ما وجدوا بعد إخراج الأحكام من الترجيح بين النصوص على مذهب السلف ما يعوزهم إلى تقرير ما خرجوا به من توجيهات لتلك النصوص على القواعد والمقاصد والأصول التي فصلها من جاء من بعدهم..
والخلاصة: إلى كل من اغتر بمذهب المعتزلة في التحسين والتقبيح العقلي وظن أن في اتباع الظنون والمقاصد المظنونة ما يغنيه عن فهم السلف وتخريجهم على النصوص، أقول اتق الله في نفسك، ولا تظلم عقلك ولا تظلم سلفك الصالح رضي الله عنهم، واجعل عقلك تابعا للنص وفهم السلف ولا تجعل النص تابعا لظنونك ونظرياتك، يهديك الله ويلهمك الى سواء الصراط..
هذا والله أعلى وأعلم
والله الموفق الى كل خير..
والحمد لله رب العالمين.
----------------
(*) = الحساب الفلكي كان موجودا عند الفلكيين في سائر الأمم من قديم الأزمان، وقد كان موجودا عند العرب من الجاهلية، ومع ذلك لم يأمر النبي عليه السلام بمراجعة الفلكيين، فتأمل.