ابو وليد البحيرى
2021-06-02, 04:23 PM
تاريخ التشيع في المغرب الإسلامي.. بين الأمس واليوم
مولاي المصطفى البرجاوي
تاريخ تغلغل التشيع إلى أرض بلاد المغرب السني
وأثر المؤسسات والعلماء في وقف زحفه
والرفض أخلعُه وأخلعُ أهلَه هم أغضبوا بالسب كل موحدِ!
بداية الإشكال:
إن الحديث عن هذا الموضوع قد يبدو للبعض ضربًا من الترف الفكري، ونوعًا من المواكبة للتضخيم الإعلامي المتشيع، وإحياء للمقبور. كلا! إن الأحداث الأخيرة التي شغلت الرأي العام الدولي والإسلامي خاصة، في ظل الاستكبار العالمي الذي يقوده الظالم الكوسمولوجي "أمريكا" ضد كل دولة تسعى جاهدة إلى امتلاك ناصية العلم، خاصة مع إيران الشيعية، وما سجلته الحرب الأخيرة التي وقعت بين دولة الكيان الصهيوني ضد حزب الله اللبناني الشيعي.. كل ذلك أوقع المرجفين وضعاف الإيمان من أبناء أمتنا إلى الانغماس في الرفع من قيمة الشيعة الروافض؛ برغم ما تكنه من عداء مستحكم ودفين ضد كل سني وعقيدته الصافية، كما تشهد على ذلك الوقائعُ في البلد المسلم العراق، بل الخطير في الأمر ادعاء البعض أن الشيعة الإيرانيين واللبنانيين هم من يمثلون الإسلام حقًّا! في ظل تعنتهم ضد أقوى تنظيمات إمبريالية على وجه التاريخ: الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل. لكن ردًّا عقليًّا على هذا الطرح نقول: لو كان الأمر حقًّا كما يبدو لبعض أبنائنا؛ فقد انتصرت الهند الصينية (الفيتنام حاليا) على الولايات المتحدة، فهل يعني هذا أن بوذيتهم ديانة صحيحة؟! والذي يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة. من جهة أخرى؛ كيف نفسر العلاقات الحميمية الإيرانية–
الأمريكية بخصوص قضية العراق؟ كيف نفسر مقولة نائب الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد: أَنْ نساهم بمليار في العام في العراق (دعم الميلشيات والعصابات التي تقتل إخواننا السنة وتهجرهم وتثير الفتنة والضغينة ضد كل سني، وتساعد في تأزيم الوضع هناك) أفضلُ لنا من أن نضيع مليارًا في اليوم في حربنا مع الولايات المتحدة....؟! ثم لو افترضنا أن الدولة الشيعية وقفت بالمرصاد لهجمات دول الظلم والإرهاب العالمي، أيكون ذلك ذريعة للانسلاخ عن العقيدة الصافية والانغماس في عقيدة ممجوجة ديدنُها سب الصحابة رضوان الله عنهم، وادعاء العصمة لأئمتهم...؟!
من هنا كان لزامًا علينا تبصيرُ شبابنا المغرَّر بهم إعلاميًّا وثقافيًّا، لردهم إلى صوابهم، وتوضيح خطورة التشيع على عقيدتنا وأمتنا، ومن ثم الانتقال إلى تاريخ تغلغل الفكرة الشيعية إلى بلاد المغرب عبر أكبر محطاتها "الكرونولوجية".. وأثر العلماء ومؤسسات الدولة في كبح جماحه!
- لماذا، إذن؛ فكرة التشيع داخل المجتمع المغرب السني المالكي المذهب، ولماذا في هذا الوقت بالضبط؟
- لماذا لم تجد العقيدة الشيعية القبول في تاريخ المغرب؟
- هل هناك بالفعل تغلغل شيعي في مجتمع المغرب السني أم هي مجرد صيحة في واد ونفخة في رماد؟
- أين يتجلى أثر "النخبة المثقفة" العلمانية وبعض الحركات الإسلامية والإعلام في نشر ثقافة الرافضية؟
- ما أثر العلماء ومؤسسات الدولة الحاكمة في كبح جماح العقيدة الرافضية المخالفة للعقيدة السنية التي يدين بها أغلب المغاربة؟
قبل معالجة موضوعنا يكون من الأَوْلى الوقوف وقفات قصيرة مع عقيدة الشيعة:
* معنى الشيعية:
الشيعة: اسم علم أطلق أولاً على معنى المناصرة والمتابعة، وفي بادئ الأمر لم يختص به أصحاب علي بن أبي طالب دون غيرهم، بل أطلق بمعناه هذا على كل من ناصر وشايع عليًّا ومعاوية –رضي الله عنهما– ودليل ذلك ما جاء في صحيفة التحكيم: هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما.. وأن عليًّا وشيعته رضوا بعبد الله بن قيس، ورضي معاوية وشيعته بعمرو بن العاص.. [مجموعة الوثائق السياسية محمد حميد الله]، وجاء في تاريخ اليعقوبي أن معاوية قال لبسر بن أرطاة حين وجّهه إلى اليمن: امض حتّى تأتي صنعاء؛ فإن لنا بها شيعة.. ثم تميّز به من فضّل إمامة علي بن أبي طالب وبنيه على الخليفة عثمان بن عفان ومن بعده من الأئمة، مع تفضيلهم إمامة أبي بكر الصّدّيق وعمر بن الخطّاب –رضي الله عن الجميع-، وفي وقتها لم يكن الخلاف دينيًّا ولا النزاع قبليًّا، فكان أبناء علي –رضي الله عنهم– يفدون إلى الحكّام ويصلّون خلفهم، ومع ذلك لم تتميّز به طائفة مخصوصة بأصول تخالف بها جماعة المسلمين، إلاّ أنّ المفهوم تطوّر على أيدي بعض المتسترين بالإسلام من أمثال ابن سبأ اليهودي، مؤججِ نار الفتنة بين المسلمين، وأصبح الاعتقاد بالنّص والوصيّة في الإمامة معيارَ التّمييز بين الشيعة وغيرهم من فرق الإسلام، مع القول بعصمة الأئمة وغير ذلك من العقائد الباطلة، فأصبحت الشيعة بذلك مأوى وملجأ لكل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، أو لكل من يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية أو زرادشتية وهندوسية أو غيرها، وهكذا تطورت عقائدهم إلى حد إنكار الكثير من المسلّمات والأسس التي قام عليها الإسلام، ولذلك أطلق عليهم علماءُ السلف روافضَ، تمييزاً لهم عن الشيعة الأوائل، ومن أبرز سمات الشيعة بفرقهم أنهم من أسرع الناس سعيًا إلى الفتن في تاريخ الأمة قديمًا وحديثا..[1]
* تاريخ التشيع في الفكر الإسلامي:
- المرحلة الأولى: كان التشيع عبارة عن حب علي –رضي الله عنه– وأهل البيت بدون انتقاص أحد من إخوانه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- المرحلة الثانية:تطور التشيع إلى الرفض، وهو الغلو في علي –رضي الله عنه– وطائـفة من آل بيته، ثم روجوا لفكرة الوصي بعد النبي، ويظل عبد الله بن سبأ صاحبها؛ عبد الله بن سبأ كان يهوديًّا ثم تظاهر بالإسلام، ووالى على بن أبى طالب -رضي الله تعالى عنه- وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أبي الحسن مثل ذلك. وهو صاحب فكرة أن عليًّا هو وصي النبي -صلى الله عليه وسلم. جاء في كتاب فرق الشيعة للحسن بن موسى النوبختي، وسعد بن عبد الله القمي، وهما من علماء الشيعة في القرن الثالث الهجري: "عبد الله بن سبأ أول من شهر القول بفرض إمامة على رضي الله عنه، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفرهم، فمن هاهنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية"[2].
من هنا ظهرت حملة الطعن في الصحابة –رضي الله عنهم– وتكفيرهم (هم يزعمون ردة الصحابة –رضي الله عنهم– إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة، على اختلاف أساطيرهم[3])، مع عقائد أخرى ليست من الإسلام في شيء، كالتقية (وهي أن يتظاهروا لأهل السنة بخلاف ما يبطنون، وهي النفاق بعينه، واعتبروها تسعة أعشار الدين، وقالوا: لا دين لمن لا تقيّة له. ولهم عقائد أخرى باطلة)، والإمامة (يرون أن إمامة الاثني عشر، ركن الإسلام الأعظم، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة، والإمام عندهم يوحى إليه، ويؤيد بالمعجزات، وهو معصوم عصمة مطلقة، بل الغريب ما قرأته مما قاله الخميني الذي يمجده الروافض: إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل[4])، والعصمة (ادعاء العصمة لعلي رضي الله عنه ولأئمتهم)، والرجعة، والباطنية.
- المرحلة الثالثة: تأليه علي بن أبي طالب والأئمة من بعده، والقول بالتناسخ، وغير ذلك من عقائد الكفر والإلحاد المتسترة بالتشيع والتي انتهت بعقائد الباطنية الفاسدة.
* المحطات التاريخية لتغلغل التشيع الرافضي في المغرب الإسلامي: أ- على مستوى مؤسسات الدولة تؤكد أغلب الدراسات التاريخية أن منطقة الغرب الإسلامي، لبعده عن مركز الخلافة الإسلامية، جعله عرضة وملاذًا للفرق الشيعية كالعبيديين (الفاطميين) والباطنيين والعلويين والخوارج الإباضيين والصفريين... لكن لله الحمد والمنة،لم يكتب لها الاستمرار والاستقرار!.
1- دولة الأدارسة:
إن التأريخ للدولة الإدريسية (172-375هـ) الذي كان بالأمس القريب من الأمور الصعبة اقتحامها –نظرا لقلة المادة المصدرية- أصبح الآن ممكنًا نتيجة اكتشاف جملة من الوثائق والمصادر في السنوات الأخيرة مثل: "الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ فاس" لابن زرع الفاسي، و"المقتبس" لابن حيان، و"نصرة المذاهب الزيدية" لإسماعيل بن عباد، وكتاب العبر للعلامة ابن خلدون.. هذا فضلا عن المصادر الجغرافية وكتب الرحلات مثل: "صورة الأرض" لابن حوقل، و"نزهة المشتاق" للإدريسي..
لا يمكن فهم الإطار الدولي المذهبي للدولة الإدريسية دون ربطها بمركز الخلافة الإسلامية (الأموية آنذاك)؛ إذ أدت حركات الخوارج وبني هاشم (آل العباس والعلويين) إلى سقوط الخلافة الأموية سنة132هـ/750م على يد هذه الأخيرة.. لكن استحواذ العباسيين على الخلافة دون العلويين؛ دفع بحفدة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رفع راية العصيان ضد بني عمومتهم.. هكذا أقامت دعوات متتالية ضد العباسيين في الحجاز (محمد النفس الزكية سنة 145هـ) والعراق (إبراهيم أخوه) كما استمال إليه فرقة المعتزلة.. وقد أسفرت هذه التحركات عن قيام دولتين علويتين: الأولى في بلاد الديلم والثانية في المغرب الأقصى[5].
كما أشارت بعض المصادر التاريخية – خاصة ابن زرع - إلى أن هذه الدولة التي حاولت الانفصال عن الخلافة الإسلامية منذ موقعة فخ سنة 169هـ (وهي الموقعة التي كانت بين الحسين بن علي بن الحسن ضد عبد الهادي العباسي)؛ فبعد هزيمة العلويين جاء المولى إدريس إلى المغرب الأقصى فاستقبلته قبيلة أوربة بعد أن مهدت لها دعاة الزيدية الأرضية، فاتخذت من بعض أفكار الشيعة منهجًا لاستقطاب ود الأمازيغ (السكان الأصليين في المغرب) المتطلعين إلى حب الإسلام وخاصة الانتساب لآل البيت النبوي، فكان الأدارسة، أولُ من حكم المغرب من المسلمين، متأثرين بالعلويين (نسبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه)، لكن بعضها الآخر يرد على هذا الطرح، يعتبر أن تشيع الأدارسة يظل تشيعًا سياسيًّا ولا صلة له بما هو عقائدي؛ إذ كان المولى إدريس علويًّا في النسب، خارجًا على سلطة العباسيين، فكيف يعقل أن تكون الدولة الإدريسية شيعية وفي الآن نفسه تعتمد على المذهب المالكي؟
يقول الدكتور سعدون عباس نصر الله: (ومما يثير الاستغراب أن الأدارسة كانوا علويين شيعة، والقضاء في دولتهم على المذهب المالكي)[6].. فقد سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن الرافضة فقال: "لا تكلمهم، ولا ترد عنهم؛ فإنهم يكذبون"، وقال: "الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم اسم". من هنا نقول: أنى لدولة أن تتبنى العقيدة الرافضية وفي نفس الوقت تتخذ مذهب إمام أهل المدينة في العقيدة!
- أما عبد الله العروي؛ فيرى أن مذهبية الدولة الإدريسية تختلف بين روايتين: منها التي تصنفها في باب العقيدة الزيدية – المعتزلية. ثم الرواية التي تؤكد أن إدريس الأول كان سنيًّا. ويضيف قائلا: "والتوفيق بين الرأيين ممكن؛ لأن الكلام هنا على بداية التشيع والاعتزال، لا على ما آل إليه أمرهما في القرن4هـ/10م بعد أن تطعم الاعتزال بالفلسفة، وبعد أن أصبح التشيع فاطميًّا باطنيًّا. كانت آراء إدريس، على الأرجح، آراء زيد بن علي... لا تزيد على إثبات علاقته بالدعوة الزيدية بتركيزه على الظلم الذي لحق آل البيت دون التعرض إلى أي من مسائل العقيدة"[7].
ومهما يكن الأمر واختلافات الروايات: هل ثبت أن دولة الأدارسة شيعية رافضية: مبغضة للصحابة، مبغضة لنساء النبي صلى الله عليه و سلم، تقول بإمامة 12 فرد من أهل البيت, تقول بإمامة الثاني عشر وهو الغائب مند سنة 260 هجرية ومن أنكره كان كافرًا مخلدًا في النار حسب عقائدهم, تقول بزواج المتعة, وتقول بالبداء وهو إثبات الجهل لله، تعالى سبحانه عن ذلك علوًّا كبيرًا، تقول بالتقية، تقول بتحريف القرآن...؟!!! فليثبتوا ذلك إن كان لهم دليل! وإن كانت الكتب والمواقع الشيعية تحاول إثبات أن هذه الدولة الإدريسية؛ دولة شيعية، باعتبار أن المولى إدريس من آل البيت النبوي؛ فذاك خرم في الإثبات والمحاجّة؛ فأهل السنة ولله الحمد يكنون الاحترام والإجلال لهم.. فالحق يعرف بالأدلة كما تعرف الشهور بالأهلة!
إن كون المولى إدريس علويًّا في النسب، خارجًا على سلطة العباسيين، ليس دليلا كافيًا لينسب إليه أنه شيعي رافضي، فالتشيع لم يكن بالنسبة إليه وإلى الكثير من الشيعة الأُول، إلا قضية سياسية، وانتماء لعسكر المطالبين بحق آل البيت في الخلافة، ومناهضة للتسلط الذي بدأ ينشأ في رحاب الملك العباسي، فحب آل البيت ونصرتهم ومؤازرتهم وادعاء أحقيتهم بالخلافة هي عناصر التشيع في تلك المرحلة، وقصاراه تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما، وليس أكثر من ذلك.
والحق أن المولى إدريس لم يكن شيعيًّا إلا بالانتماء السياسي، وبكونه من المطالبين بأحقية أهل البيت في خلافة المسلمين، ولهذا لم ينشر في المغرب إلا الدعوة السنية النقية، حتى أسماه بعض المغاربة بالفاتح الثاني للمغرب[8].
أما العلامة الدكتور فريد الأنصاري - عجل الله شفاءه - فيقول: "أما بالنسبة للدولة الإدريسية فلا أحد من أهل العلم ذكر أنها كانت شيعية، بل هي سنية، نعم المولى إدريس الأكبر من آل البيت لكنه من سنة آل البيت، تمامًا كما هو الشأن في كثير من أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من غير الأدارسة"[9].
2- الدولة العبيدية: وأكبر تَجَلٍّ للنظام الشيعي في المغرب كان خلال الحكم العبيدي، وهؤلاء العبيديون الذين نسبوا أنفسهم إلى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وتسموا بالفاطميين، هم من الشيعة الإسماعيلية. تشكلت معالمها الفكرية والعسكرية في المغرب الإسلامي على يد رجل اسمه ميمون القدّاح، وكان ظهوره في سنة ست وسبعين ومائتين من التاريخ للهجرة النبوية، فنصب للمسلمين الحبائل وبغى لهم الغوائل ولبس الحق بالباطل {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10]، وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيرًا، ولكل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلا، وزخرف الأقوال وضرب المثال، وجعل لآي القرآن شكلا يوازيه ومثلا يضاهيه. وكان الملعون عارفًا بالنجوم معطلا لجميع العلوم {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]. فجعل أصل دعوته التي دعاها وأساس بِنْيَتِه التي بناها الدعاء إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتج بكتاب الله ومعرفة مثله وممثليه والاختصاص لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالتقديم والإمامة والطعن على جميع الصحابة بالسب والأذى، وكان داعيًا من دعاة الإسماعيلية؛ وهي طائفة تجعل الإمامة في إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي قسيم الفرقة الموسوية (نسبة إلى موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر) وسُمّيت بالإسماعيلية نسبة لإسماعيل، وتُسمى بأسماء مختلفة مثل السبعية (لقولهم بالأئمة السبعة من علي إلى إسماعيل بن الحسن بن علي بن أبي طالب). وتسمى كذلك بالباطنية لعدة أسباب مجتمعة، منها: باطنية عقيدتهم ووجوب كتمانها، وقولهم: إنّ للشريعة ظاهرا وباطنا، وهما مختلفان في الحقيقة، ولقولهم: إنّ حق تفسير النصوص الشرعية هو للإمام المستور (إسماعيل بن جعفر)، وهي كلها تفسيرات لمعنى واحد.
وميمون القداح هذا أيضًا ادعى نسبته لمحمد بن إسماعيل (ابن إمام الإسماعيلية) وأنه من أحفاده، فهو ينتهي نسبه -فيما زعم- إلى فاطمة رضي الله عنها، ولذلك يُطلقون على أنفسهم لقب الفاطميين، ولعوامل مساعدة، منها عامل الجهل عند بعض طوائف المغرب استطاع تكوين دولته في المغرب وبسط سلطانه في شمال إفريقية بعد انحلال دولة الأغالبة (297هـ/909م) ثم خلفه في الحكم ابنه عُبيد الله[10] الملقب بالمهدي (ولذلك سُميت دولته بالعُبيدية؛ لأنّ كثيرًا من المؤرخين ينفون نسبتهم لآل البيت، ومن هؤلاء المؤرخين ابن عذاري، وابن تغري بردي، وابن خلكان، والسيوطي، وبعضهم يؤيد النسبة كابن الأثير، وابن خلدون، والمقريزي).
فعلا - كما يجمع أغلب المؤرخين - استطاع عبيد الله أن يكمل تشكيل الدولة العبيدية فكرًا وتنظيمًا وسلطانًا، حتى إنه أرسل جيوشه سنة 302هـ/ 914م إلى الإسكندرية، وبعدها بعامين اكتسح الدلتا المصرية. ولوجود المذهب المالكي وسلطانه على عامة أهل المغرب لم يستقر له الحكم هناك، فاتضح له أن المغرب لن يكون مكانا لاستقرار دولته. وقد أصيب فقهاء المذهب المالكي على يد العبيديين وأعوانهم بشتى صنوف الضغط والقمع والترهيب؛ من سجن وقتل وتعذيب وتهديد... فثبتوا وتحملوا، حتى ذهب العبيديون، وبقي المذهب المالكي[11] قويًّا راسخًا[12].
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/154): "وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد؛ لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه، وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضا". وأضاف رحمه الله في المنتقى (ص: 23): "والرافضة يقرون بالكذب؛ حيث يقولون، ديننا التقية، وهذا هو النفاق، ثم يزعمون أنهم هم المؤمنون، ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق، فهم كما قيل: رمتني بدائها وانسلت".
فعلا! انتقلوا إلى مصر وكان آخر حكامهم في مصر العاضد, وكان زوال دولتهم على يد القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي قضى عليهم وأراح المسلمين من شرورهم[13]. وههنا لا بد من لفتة صغيرة، وهي أنه بسبب ما فعله صلاح الدين -رحمه الله- بعد توفيق من الله، تم القضاء على الدولة الشيعية في مصر, فإن الشيعة دائمًا يحاربون صلاح الدين، ومن ذلك مؤرخهم المعاصر محسن الأمين في كتابه (الوطن الإسلامي والسلاجقة).
3- الدولة الموحدية: وتجلت العقيدة الشيعية الباطنية في المغرب أيضا خلال فترة الحكم "الموحدي"، فابن تومرت[14]، كما أنه مؤسس الدولة وكان قد ادعى لنفسه المهدوية وقال إنه "المهدي المنتظر" كما ادعى أيضًا لنفسه العصمة، يقول في كتابه (أعز ما يطلب): "هذا باب في العلم، وهو وجوب اعتقاد الإمامة على الكافة، وهي ركن من أركان الدين، وعمدة من عمدة الشريعة. ولا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان إلى أن تقوم الساعة...
لا يكون الإمام إلا معصومًا ليهدم الباطل.. وأن الإيمان بالمهدي واجب: وأن من شك فيه كافر..."[15] هذه هي الأفكار التي دعا إليها ابن تومرت وتبناها وجعلها أساسًا لقيام دولته!
لكن علماء السنة في المغرب لم يبقوا مكتوفي الأيدي؛ بل تصدوا لأفكار ابن تومرت، خاصة القاضي عياض -رحمه الله- الذي رفض التعاون معه؛ لأن حكمه لا ينسجم مع العقيدة الإسلامية التي تمثلها عقيدة أهل السنة والجماعة، ولا تأخذ بالمذهب المالكي المعتمد في المغرب، ولذلك فإن القاضي عياض رفض أن تخضع مدينة سبتة -التي هي تحت حكمه- لحكم الموحدين، وقاد حركة المقاومة ضد جيش الموحدين، واستطاعت مدينة سبتة أن تثبت أمام الموحدين..
وفي التاريخ، إذن؛ عبرٌ وعظات، وكثيرٌ من الناس لا يعرفون من شأن هؤلاء الشيعة الروافض إلا نزرًا قليلا. فهم أخطر من اليهود وعباد الصليب، إذ هم مندسون في الإسلام والإسلام بريء من عقيدتهم؛ وما أروعَ ما قال بعض السلف: والله ما أخشى على الإسلام من أعدائه، ولكن أخشى عليه من أدعيائه!.
ثم إن نظرة وجيزة إلى كتاب الخطط للمقريزي تبين لك أن الأمراء – وهذا ما ظهر مع الدولة العبيدية والدولة الموحدية مع المهدي ابن تومرت- الذين أرادوا تثبيت ملكهم، ركزوا على تثبيت هذه المناهج الباطلة والاشتغال بهذه البدع؛ لأن في ذلك تشتيتًا للجهود والأذهان[16]، وإشغالا لها بما لا يمكن أن تتنبه معه لعظائم وبلايا الحكام.
* الطقوس الشيعية في المغرب: 1- زيارة الأضرحة وتقديسها والاستغاثة بها:
من غرائب الشيعة تقديس القبور؛ مما جعل عامة الشيعة يعملون على الاعتناء بالقبر أو الضريح حتى وصل بهم الأمر إلى تشريع شعائر مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان. فتقديس القبور والأضرحة مفهوم لم يعرفه الإسلام، بل جاءت نصوصه الثابتة بالنهي الصريح عن كل ذريعة تفضي إلى ذلك المفهوم الذي يمثل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك؛ فمن الأقوال القاطعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا يدع مجالاً لتوهم نسخ أو تخصيص أو تقييد ما جاء عنه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا عليّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) [حديث صحيح أخرجه أحمد 2/367 وأبو داود 2042 وابن خزيمة 48 وغيرهم]، وعنه: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وهو حديث صحيح [أخرجه أحمد في المسند 7352 موصولا ومالك في الموطأ 172 مرسلا وأخرجه البزار (مجمع الزوائد 2/28) موصولا. والحديث له طرق].
لكن الأمر لم يبق حبيسَ الثقافة الرافضية، بل تخطاها إلى بعض المناطق من العالم الإسلامي على حين غفلة من أهلها، وانتشرت هذه البدعة المنكرة في أرجاء العالم الإسلامي – إلا من رحم ربي- ولعل المغرب أحد الدول التي مسها هذا الفيروس، إذ توجد بها أضرحة - أو كما تسمى أيضًا في المغرب قبور الأولياء أو الشرفاء أو الصالحين- لا تعد ولا تحصى، يرتادها الجهال للتقرب بها إلى الله، بل تقام فيها الطقوس التعبدية والولائم وطلب العلاج من الأولياء وتيسير الزواج، وهلم جرا من الهموم التي لا يمكن أن تنفرج إلى بالالتجاء إلى الله وحده. ومن أمثلة هذه الأضرحة في المغرب: قبر سيدي محمد بن عيسى المعروف باسم الشيخ الكامل في ضريحه بمدينة مكناس، وضريح سيدي علي الحمدوش، ومولاي بوشعيب الرداد بنواحي دكالة، ومولاي إبراهيم بمراكش (سيدي مسعود بن حسين) بدكالة وأبو العباس السبتي، المعروف (بسيدي بلعباس)، (وسيدي بنعاشر)، و(مولاي بوعزة) و(سيدي بوعبيد الشرقي)، و(مولاي عبد السلام بنمشيش)، و(مولاي بوسلهام)، و(عيشة البحرية)، و(لالة محلة)....
أيها الشيعة، وأيها الساعون في خطى الشيعة: عن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسولُ الله: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوّيته)، ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن (يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه)، وفي زيادة صحيحة لأبي داود: (أو أن يكتب عليه).. ولعن (المتخذين عليها [أي القبور] المساجد والسُرج).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله (كان - صلى الله عليه وسلم - إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته، وشرعها لهم، وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية". (رواه مسلم). ثم أنكر الإمام ابن القيم رحمه الله على الذين يزورون القبور ويسألون الأموات الحوائج، أو يتوسلون بهم في قضائها، أو يدعون الله عند قبورهم، فقال: (وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول ويفعل عند زيارتها، من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت، من الدعاء والترحم، والاستغفار. فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به، والإقسام على الله به، وسؤاله الحوائج والاستعانة به، والتوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم، وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعو الميت، أو يدعو به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تبين له الفرقُ بين الأمرين، وبالله التوفيق). [زاد المعاد: 1/526].
يتبع
مولاي المصطفى البرجاوي
تاريخ تغلغل التشيع إلى أرض بلاد المغرب السني
وأثر المؤسسات والعلماء في وقف زحفه
والرفض أخلعُه وأخلعُ أهلَه هم أغضبوا بالسب كل موحدِ!
بداية الإشكال:
إن الحديث عن هذا الموضوع قد يبدو للبعض ضربًا من الترف الفكري، ونوعًا من المواكبة للتضخيم الإعلامي المتشيع، وإحياء للمقبور. كلا! إن الأحداث الأخيرة التي شغلت الرأي العام الدولي والإسلامي خاصة، في ظل الاستكبار العالمي الذي يقوده الظالم الكوسمولوجي "أمريكا" ضد كل دولة تسعى جاهدة إلى امتلاك ناصية العلم، خاصة مع إيران الشيعية، وما سجلته الحرب الأخيرة التي وقعت بين دولة الكيان الصهيوني ضد حزب الله اللبناني الشيعي.. كل ذلك أوقع المرجفين وضعاف الإيمان من أبناء أمتنا إلى الانغماس في الرفع من قيمة الشيعة الروافض؛ برغم ما تكنه من عداء مستحكم ودفين ضد كل سني وعقيدته الصافية، كما تشهد على ذلك الوقائعُ في البلد المسلم العراق، بل الخطير في الأمر ادعاء البعض أن الشيعة الإيرانيين واللبنانيين هم من يمثلون الإسلام حقًّا! في ظل تعنتهم ضد أقوى تنظيمات إمبريالية على وجه التاريخ: الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل. لكن ردًّا عقليًّا على هذا الطرح نقول: لو كان الأمر حقًّا كما يبدو لبعض أبنائنا؛ فقد انتصرت الهند الصينية (الفيتنام حاليا) على الولايات المتحدة، فهل يعني هذا أن بوذيتهم ديانة صحيحة؟! والذي يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة. من جهة أخرى؛ كيف نفسر العلاقات الحميمية الإيرانية–
الأمريكية بخصوص قضية العراق؟ كيف نفسر مقولة نائب الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد: أَنْ نساهم بمليار في العام في العراق (دعم الميلشيات والعصابات التي تقتل إخواننا السنة وتهجرهم وتثير الفتنة والضغينة ضد كل سني، وتساعد في تأزيم الوضع هناك) أفضلُ لنا من أن نضيع مليارًا في اليوم في حربنا مع الولايات المتحدة....؟! ثم لو افترضنا أن الدولة الشيعية وقفت بالمرصاد لهجمات دول الظلم والإرهاب العالمي، أيكون ذلك ذريعة للانسلاخ عن العقيدة الصافية والانغماس في عقيدة ممجوجة ديدنُها سب الصحابة رضوان الله عنهم، وادعاء العصمة لأئمتهم...؟!
من هنا كان لزامًا علينا تبصيرُ شبابنا المغرَّر بهم إعلاميًّا وثقافيًّا، لردهم إلى صوابهم، وتوضيح خطورة التشيع على عقيدتنا وأمتنا، ومن ثم الانتقال إلى تاريخ تغلغل الفكرة الشيعية إلى بلاد المغرب عبر أكبر محطاتها "الكرونولوجية".. وأثر العلماء ومؤسسات الدولة في كبح جماحه!
- لماذا، إذن؛ فكرة التشيع داخل المجتمع المغرب السني المالكي المذهب، ولماذا في هذا الوقت بالضبط؟
- لماذا لم تجد العقيدة الشيعية القبول في تاريخ المغرب؟
- هل هناك بالفعل تغلغل شيعي في مجتمع المغرب السني أم هي مجرد صيحة في واد ونفخة في رماد؟
- أين يتجلى أثر "النخبة المثقفة" العلمانية وبعض الحركات الإسلامية والإعلام في نشر ثقافة الرافضية؟
- ما أثر العلماء ومؤسسات الدولة الحاكمة في كبح جماح العقيدة الرافضية المخالفة للعقيدة السنية التي يدين بها أغلب المغاربة؟
قبل معالجة موضوعنا يكون من الأَوْلى الوقوف وقفات قصيرة مع عقيدة الشيعة:
* معنى الشيعية:
الشيعة: اسم علم أطلق أولاً على معنى المناصرة والمتابعة، وفي بادئ الأمر لم يختص به أصحاب علي بن أبي طالب دون غيرهم، بل أطلق بمعناه هذا على كل من ناصر وشايع عليًّا ومعاوية –رضي الله عنهما– ودليل ذلك ما جاء في صحيفة التحكيم: هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما.. وأن عليًّا وشيعته رضوا بعبد الله بن قيس، ورضي معاوية وشيعته بعمرو بن العاص.. [مجموعة الوثائق السياسية محمد حميد الله]، وجاء في تاريخ اليعقوبي أن معاوية قال لبسر بن أرطاة حين وجّهه إلى اليمن: امض حتّى تأتي صنعاء؛ فإن لنا بها شيعة.. ثم تميّز به من فضّل إمامة علي بن أبي طالب وبنيه على الخليفة عثمان بن عفان ومن بعده من الأئمة، مع تفضيلهم إمامة أبي بكر الصّدّيق وعمر بن الخطّاب –رضي الله عن الجميع-، وفي وقتها لم يكن الخلاف دينيًّا ولا النزاع قبليًّا، فكان أبناء علي –رضي الله عنهم– يفدون إلى الحكّام ويصلّون خلفهم، ومع ذلك لم تتميّز به طائفة مخصوصة بأصول تخالف بها جماعة المسلمين، إلاّ أنّ المفهوم تطوّر على أيدي بعض المتسترين بالإسلام من أمثال ابن سبأ اليهودي، مؤججِ نار الفتنة بين المسلمين، وأصبح الاعتقاد بالنّص والوصيّة في الإمامة معيارَ التّمييز بين الشيعة وغيرهم من فرق الإسلام، مع القول بعصمة الأئمة وغير ذلك من العقائد الباطلة، فأصبحت الشيعة بذلك مأوى وملجأ لكل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، أو لكل من يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية أو زرادشتية وهندوسية أو غيرها، وهكذا تطورت عقائدهم إلى حد إنكار الكثير من المسلّمات والأسس التي قام عليها الإسلام، ولذلك أطلق عليهم علماءُ السلف روافضَ، تمييزاً لهم عن الشيعة الأوائل، ومن أبرز سمات الشيعة بفرقهم أنهم من أسرع الناس سعيًا إلى الفتن في تاريخ الأمة قديمًا وحديثا..[1]
* تاريخ التشيع في الفكر الإسلامي:
- المرحلة الأولى: كان التشيع عبارة عن حب علي –رضي الله عنه– وأهل البيت بدون انتقاص أحد من إخوانه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- المرحلة الثانية:تطور التشيع إلى الرفض، وهو الغلو في علي –رضي الله عنه– وطائـفة من آل بيته، ثم روجوا لفكرة الوصي بعد النبي، ويظل عبد الله بن سبأ صاحبها؛ عبد الله بن سبأ كان يهوديًّا ثم تظاهر بالإسلام، ووالى على بن أبى طالب -رضي الله تعالى عنه- وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أبي الحسن مثل ذلك. وهو صاحب فكرة أن عليًّا هو وصي النبي -صلى الله عليه وسلم. جاء في كتاب فرق الشيعة للحسن بن موسى النوبختي، وسعد بن عبد الله القمي، وهما من علماء الشيعة في القرن الثالث الهجري: "عبد الله بن سبأ أول من شهر القول بفرض إمامة على رضي الله عنه، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفرهم، فمن هاهنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية"[2].
من هنا ظهرت حملة الطعن في الصحابة –رضي الله عنهم– وتكفيرهم (هم يزعمون ردة الصحابة –رضي الله عنهم– إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة، على اختلاف أساطيرهم[3])، مع عقائد أخرى ليست من الإسلام في شيء، كالتقية (وهي أن يتظاهروا لأهل السنة بخلاف ما يبطنون، وهي النفاق بعينه، واعتبروها تسعة أعشار الدين، وقالوا: لا دين لمن لا تقيّة له. ولهم عقائد أخرى باطلة)، والإمامة (يرون أن إمامة الاثني عشر، ركن الإسلام الأعظم، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة، والإمام عندهم يوحى إليه، ويؤيد بالمعجزات، وهو معصوم عصمة مطلقة، بل الغريب ما قرأته مما قاله الخميني الذي يمجده الروافض: إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل[4])، والعصمة (ادعاء العصمة لعلي رضي الله عنه ولأئمتهم)، والرجعة، والباطنية.
- المرحلة الثالثة: تأليه علي بن أبي طالب والأئمة من بعده، والقول بالتناسخ، وغير ذلك من عقائد الكفر والإلحاد المتسترة بالتشيع والتي انتهت بعقائد الباطنية الفاسدة.
* المحطات التاريخية لتغلغل التشيع الرافضي في المغرب الإسلامي: أ- على مستوى مؤسسات الدولة تؤكد أغلب الدراسات التاريخية أن منطقة الغرب الإسلامي، لبعده عن مركز الخلافة الإسلامية، جعله عرضة وملاذًا للفرق الشيعية كالعبيديين (الفاطميين) والباطنيين والعلويين والخوارج الإباضيين والصفريين... لكن لله الحمد والمنة،لم يكتب لها الاستمرار والاستقرار!.
1- دولة الأدارسة:
إن التأريخ للدولة الإدريسية (172-375هـ) الذي كان بالأمس القريب من الأمور الصعبة اقتحامها –نظرا لقلة المادة المصدرية- أصبح الآن ممكنًا نتيجة اكتشاف جملة من الوثائق والمصادر في السنوات الأخيرة مثل: "الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ فاس" لابن زرع الفاسي، و"المقتبس" لابن حيان، و"نصرة المذاهب الزيدية" لإسماعيل بن عباد، وكتاب العبر للعلامة ابن خلدون.. هذا فضلا عن المصادر الجغرافية وكتب الرحلات مثل: "صورة الأرض" لابن حوقل، و"نزهة المشتاق" للإدريسي..
لا يمكن فهم الإطار الدولي المذهبي للدولة الإدريسية دون ربطها بمركز الخلافة الإسلامية (الأموية آنذاك)؛ إذ أدت حركات الخوارج وبني هاشم (آل العباس والعلويين) إلى سقوط الخلافة الأموية سنة132هـ/750م على يد هذه الأخيرة.. لكن استحواذ العباسيين على الخلافة دون العلويين؛ دفع بحفدة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رفع راية العصيان ضد بني عمومتهم.. هكذا أقامت دعوات متتالية ضد العباسيين في الحجاز (محمد النفس الزكية سنة 145هـ) والعراق (إبراهيم أخوه) كما استمال إليه فرقة المعتزلة.. وقد أسفرت هذه التحركات عن قيام دولتين علويتين: الأولى في بلاد الديلم والثانية في المغرب الأقصى[5].
كما أشارت بعض المصادر التاريخية – خاصة ابن زرع - إلى أن هذه الدولة التي حاولت الانفصال عن الخلافة الإسلامية منذ موقعة فخ سنة 169هـ (وهي الموقعة التي كانت بين الحسين بن علي بن الحسن ضد عبد الهادي العباسي)؛ فبعد هزيمة العلويين جاء المولى إدريس إلى المغرب الأقصى فاستقبلته قبيلة أوربة بعد أن مهدت لها دعاة الزيدية الأرضية، فاتخذت من بعض أفكار الشيعة منهجًا لاستقطاب ود الأمازيغ (السكان الأصليين في المغرب) المتطلعين إلى حب الإسلام وخاصة الانتساب لآل البيت النبوي، فكان الأدارسة، أولُ من حكم المغرب من المسلمين، متأثرين بالعلويين (نسبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه)، لكن بعضها الآخر يرد على هذا الطرح، يعتبر أن تشيع الأدارسة يظل تشيعًا سياسيًّا ولا صلة له بما هو عقائدي؛ إذ كان المولى إدريس علويًّا في النسب، خارجًا على سلطة العباسيين، فكيف يعقل أن تكون الدولة الإدريسية شيعية وفي الآن نفسه تعتمد على المذهب المالكي؟
يقول الدكتور سعدون عباس نصر الله: (ومما يثير الاستغراب أن الأدارسة كانوا علويين شيعة، والقضاء في دولتهم على المذهب المالكي)[6].. فقد سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن الرافضة فقال: "لا تكلمهم، ولا ترد عنهم؛ فإنهم يكذبون"، وقال: "الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم اسم". من هنا نقول: أنى لدولة أن تتبنى العقيدة الرافضية وفي نفس الوقت تتخذ مذهب إمام أهل المدينة في العقيدة!
- أما عبد الله العروي؛ فيرى أن مذهبية الدولة الإدريسية تختلف بين روايتين: منها التي تصنفها في باب العقيدة الزيدية – المعتزلية. ثم الرواية التي تؤكد أن إدريس الأول كان سنيًّا. ويضيف قائلا: "والتوفيق بين الرأيين ممكن؛ لأن الكلام هنا على بداية التشيع والاعتزال، لا على ما آل إليه أمرهما في القرن4هـ/10م بعد أن تطعم الاعتزال بالفلسفة، وبعد أن أصبح التشيع فاطميًّا باطنيًّا. كانت آراء إدريس، على الأرجح، آراء زيد بن علي... لا تزيد على إثبات علاقته بالدعوة الزيدية بتركيزه على الظلم الذي لحق آل البيت دون التعرض إلى أي من مسائل العقيدة"[7].
ومهما يكن الأمر واختلافات الروايات: هل ثبت أن دولة الأدارسة شيعية رافضية: مبغضة للصحابة، مبغضة لنساء النبي صلى الله عليه و سلم، تقول بإمامة 12 فرد من أهل البيت, تقول بإمامة الثاني عشر وهو الغائب مند سنة 260 هجرية ومن أنكره كان كافرًا مخلدًا في النار حسب عقائدهم, تقول بزواج المتعة, وتقول بالبداء وهو إثبات الجهل لله، تعالى سبحانه عن ذلك علوًّا كبيرًا، تقول بالتقية، تقول بتحريف القرآن...؟!!! فليثبتوا ذلك إن كان لهم دليل! وإن كانت الكتب والمواقع الشيعية تحاول إثبات أن هذه الدولة الإدريسية؛ دولة شيعية، باعتبار أن المولى إدريس من آل البيت النبوي؛ فذاك خرم في الإثبات والمحاجّة؛ فأهل السنة ولله الحمد يكنون الاحترام والإجلال لهم.. فالحق يعرف بالأدلة كما تعرف الشهور بالأهلة!
إن كون المولى إدريس علويًّا في النسب، خارجًا على سلطة العباسيين، ليس دليلا كافيًا لينسب إليه أنه شيعي رافضي، فالتشيع لم يكن بالنسبة إليه وإلى الكثير من الشيعة الأُول، إلا قضية سياسية، وانتماء لعسكر المطالبين بحق آل البيت في الخلافة، ومناهضة للتسلط الذي بدأ ينشأ في رحاب الملك العباسي، فحب آل البيت ونصرتهم ومؤازرتهم وادعاء أحقيتهم بالخلافة هي عناصر التشيع في تلك المرحلة، وقصاراه تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما، وليس أكثر من ذلك.
والحق أن المولى إدريس لم يكن شيعيًّا إلا بالانتماء السياسي، وبكونه من المطالبين بأحقية أهل البيت في خلافة المسلمين، ولهذا لم ينشر في المغرب إلا الدعوة السنية النقية، حتى أسماه بعض المغاربة بالفاتح الثاني للمغرب[8].
أما العلامة الدكتور فريد الأنصاري - عجل الله شفاءه - فيقول: "أما بالنسبة للدولة الإدريسية فلا أحد من أهل العلم ذكر أنها كانت شيعية، بل هي سنية، نعم المولى إدريس الأكبر من آل البيت لكنه من سنة آل البيت، تمامًا كما هو الشأن في كثير من أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من غير الأدارسة"[9].
2- الدولة العبيدية: وأكبر تَجَلٍّ للنظام الشيعي في المغرب كان خلال الحكم العبيدي، وهؤلاء العبيديون الذين نسبوا أنفسهم إلى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وتسموا بالفاطميين، هم من الشيعة الإسماعيلية. تشكلت معالمها الفكرية والعسكرية في المغرب الإسلامي على يد رجل اسمه ميمون القدّاح، وكان ظهوره في سنة ست وسبعين ومائتين من التاريخ للهجرة النبوية، فنصب للمسلمين الحبائل وبغى لهم الغوائل ولبس الحق بالباطل {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10]، وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيرًا، ولكل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلا، وزخرف الأقوال وضرب المثال، وجعل لآي القرآن شكلا يوازيه ومثلا يضاهيه. وكان الملعون عارفًا بالنجوم معطلا لجميع العلوم {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]. فجعل أصل دعوته التي دعاها وأساس بِنْيَتِه التي بناها الدعاء إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتج بكتاب الله ومعرفة مثله وممثليه والاختصاص لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالتقديم والإمامة والطعن على جميع الصحابة بالسب والأذى، وكان داعيًا من دعاة الإسماعيلية؛ وهي طائفة تجعل الإمامة في إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي قسيم الفرقة الموسوية (نسبة إلى موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر) وسُمّيت بالإسماعيلية نسبة لإسماعيل، وتُسمى بأسماء مختلفة مثل السبعية (لقولهم بالأئمة السبعة من علي إلى إسماعيل بن الحسن بن علي بن أبي طالب). وتسمى كذلك بالباطنية لعدة أسباب مجتمعة، منها: باطنية عقيدتهم ووجوب كتمانها، وقولهم: إنّ للشريعة ظاهرا وباطنا، وهما مختلفان في الحقيقة، ولقولهم: إنّ حق تفسير النصوص الشرعية هو للإمام المستور (إسماعيل بن جعفر)، وهي كلها تفسيرات لمعنى واحد.
وميمون القداح هذا أيضًا ادعى نسبته لمحمد بن إسماعيل (ابن إمام الإسماعيلية) وأنه من أحفاده، فهو ينتهي نسبه -فيما زعم- إلى فاطمة رضي الله عنها، ولذلك يُطلقون على أنفسهم لقب الفاطميين، ولعوامل مساعدة، منها عامل الجهل عند بعض طوائف المغرب استطاع تكوين دولته في المغرب وبسط سلطانه في شمال إفريقية بعد انحلال دولة الأغالبة (297هـ/909م) ثم خلفه في الحكم ابنه عُبيد الله[10] الملقب بالمهدي (ولذلك سُميت دولته بالعُبيدية؛ لأنّ كثيرًا من المؤرخين ينفون نسبتهم لآل البيت، ومن هؤلاء المؤرخين ابن عذاري، وابن تغري بردي، وابن خلكان، والسيوطي، وبعضهم يؤيد النسبة كابن الأثير، وابن خلدون، والمقريزي).
فعلا - كما يجمع أغلب المؤرخين - استطاع عبيد الله أن يكمل تشكيل الدولة العبيدية فكرًا وتنظيمًا وسلطانًا، حتى إنه أرسل جيوشه سنة 302هـ/ 914م إلى الإسكندرية، وبعدها بعامين اكتسح الدلتا المصرية. ولوجود المذهب المالكي وسلطانه على عامة أهل المغرب لم يستقر له الحكم هناك، فاتضح له أن المغرب لن يكون مكانا لاستقرار دولته. وقد أصيب فقهاء المذهب المالكي على يد العبيديين وأعوانهم بشتى صنوف الضغط والقمع والترهيب؛ من سجن وقتل وتعذيب وتهديد... فثبتوا وتحملوا، حتى ذهب العبيديون، وبقي المذهب المالكي[11] قويًّا راسخًا[12].
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/154): "وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد؛ لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه، وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضا". وأضاف رحمه الله في المنتقى (ص: 23): "والرافضة يقرون بالكذب؛ حيث يقولون، ديننا التقية، وهذا هو النفاق، ثم يزعمون أنهم هم المؤمنون، ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق، فهم كما قيل: رمتني بدائها وانسلت".
فعلا! انتقلوا إلى مصر وكان آخر حكامهم في مصر العاضد, وكان زوال دولتهم على يد القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي قضى عليهم وأراح المسلمين من شرورهم[13]. وههنا لا بد من لفتة صغيرة، وهي أنه بسبب ما فعله صلاح الدين -رحمه الله- بعد توفيق من الله، تم القضاء على الدولة الشيعية في مصر, فإن الشيعة دائمًا يحاربون صلاح الدين، ومن ذلك مؤرخهم المعاصر محسن الأمين في كتابه (الوطن الإسلامي والسلاجقة).
3- الدولة الموحدية: وتجلت العقيدة الشيعية الباطنية في المغرب أيضا خلال فترة الحكم "الموحدي"، فابن تومرت[14]، كما أنه مؤسس الدولة وكان قد ادعى لنفسه المهدوية وقال إنه "المهدي المنتظر" كما ادعى أيضًا لنفسه العصمة، يقول في كتابه (أعز ما يطلب): "هذا باب في العلم، وهو وجوب اعتقاد الإمامة على الكافة، وهي ركن من أركان الدين، وعمدة من عمدة الشريعة. ولا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان إلى أن تقوم الساعة...
لا يكون الإمام إلا معصومًا ليهدم الباطل.. وأن الإيمان بالمهدي واجب: وأن من شك فيه كافر..."[15] هذه هي الأفكار التي دعا إليها ابن تومرت وتبناها وجعلها أساسًا لقيام دولته!
لكن علماء السنة في المغرب لم يبقوا مكتوفي الأيدي؛ بل تصدوا لأفكار ابن تومرت، خاصة القاضي عياض -رحمه الله- الذي رفض التعاون معه؛ لأن حكمه لا ينسجم مع العقيدة الإسلامية التي تمثلها عقيدة أهل السنة والجماعة، ولا تأخذ بالمذهب المالكي المعتمد في المغرب، ولذلك فإن القاضي عياض رفض أن تخضع مدينة سبتة -التي هي تحت حكمه- لحكم الموحدين، وقاد حركة المقاومة ضد جيش الموحدين، واستطاعت مدينة سبتة أن تثبت أمام الموحدين..
وفي التاريخ، إذن؛ عبرٌ وعظات، وكثيرٌ من الناس لا يعرفون من شأن هؤلاء الشيعة الروافض إلا نزرًا قليلا. فهم أخطر من اليهود وعباد الصليب، إذ هم مندسون في الإسلام والإسلام بريء من عقيدتهم؛ وما أروعَ ما قال بعض السلف: والله ما أخشى على الإسلام من أعدائه، ولكن أخشى عليه من أدعيائه!.
ثم إن نظرة وجيزة إلى كتاب الخطط للمقريزي تبين لك أن الأمراء – وهذا ما ظهر مع الدولة العبيدية والدولة الموحدية مع المهدي ابن تومرت- الذين أرادوا تثبيت ملكهم، ركزوا على تثبيت هذه المناهج الباطلة والاشتغال بهذه البدع؛ لأن في ذلك تشتيتًا للجهود والأذهان[16]، وإشغالا لها بما لا يمكن أن تتنبه معه لعظائم وبلايا الحكام.
* الطقوس الشيعية في المغرب: 1- زيارة الأضرحة وتقديسها والاستغاثة بها:
من غرائب الشيعة تقديس القبور؛ مما جعل عامة الشيعة يعملون على الاعتناء بالقبر أو الضريح حتى وصل بهم الأمر إلى تشريع شعائر مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان. فتقديس القبور والأضرحة مفهوم لم يعرفه الإسلام، بل جاءت نصوصه الثابتة بالنهي الصريح عن كل ذريعة تفضي إلى ذلك المفهوم الذي يمثل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك؛ فمن الأقوال القاطعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا يدع مجالاً لتوهم نسخ أو تخصيص أو تقييد ما جاء عنه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا عليّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) [حديث صحيح أخرجه أحمد 2/367 وأبو داود 2042 وابن خزيمة 48 وغيرهم]، وعنه: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وهو حديث صحيح [أخرجه أحمد في المسند 7352 موصولا ومالك في الموطأ 172 مرسلا وأخرجه البزار (مجمع الزوائد 2/28) موصولا. والحديث له طرق].
لكن الأمر لم يبق حبيسَ الثقافة الرافضية، بل تخطاها إلى بعض المناطق من العالم الإسلامي على حين غفلة من أهلها، وانتشرت هذه البدعة المنكرة في أرجاء العالم الإسلامي – إلا من رحم ربي- ولعل المغرب أحد الدول التي مسها هذا الفيروس، إذ توجد بها أضرحة - أو كما تسمى أيضًا في المغرب قبور الأولياء أو الشرفاء أو الصالحين- لا تعد ولا تحصى، يرتادها الجهال للتقرب بها إلى الله، بل تقام فيها الطقوس التعبدية والولائم وطلب العلاج من الأولياء وتيسير الزواج، وهلم جرا من الهموم التي لا يمكن أن تنفرج إلى بالالتجاء إلى الله وحده. ومن أمثلة هذه الأضرحة في المغرب: قبر سيدي محمد بن عيسى المعروف باسم الشيخ الكامل في ضريحه بمدينة مكناس، وضريح سيدي علي الحمدوش، ومولاي بوشعيب الرداد بنواحي دكالة، ومولاي إبراهيم بمراكش (سيدي مسعود بن حسين) بدكالة وأبو العباس السبتي، المعروف (بسيدي بلعباس)، (وسيدي بنعاشر)، و(مولاي بوعزة) و(سيدي بوعبيد الشرقي)، و(مولاي عبد السلام بنمشيش)، و(مولاي بوسلهام)، و(عيشة البحرية)، و(لالة محلة)....
أيها الشيعة، وأيها الساعون في خطى الشيعة: عن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسولُ الله: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوّيته)، ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن (يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه)، وفي زيادة صحيحة لأبي داود: (أو أن يكتب عليه).. ولعن (المتخذين عليها [أي القبور] المساجد والسُرج).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله (كان - صلى الله عليه وسلم - إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته، وشرعها لهم، وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية". (رواه مسلم). ثم أنكر الإمام ابن القيم رحمه الله على الذين يزورون القبور ويسألون الأموات الحوائج، أو يتوسلون بهم في قضائها، أو يدعون الله عند قبورهم، فقال: (وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول ويفعل عند زيارتها، من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت، من الدعاء والترحم، والاستغفار. فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به، والإقسام على الله به، وسؤاله الحوائج والاستعانة به، والتوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم، وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعو الميت، أو يدعو به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تبين له الفرقُ بين الأمرين، وبالله التوفيق). [زاد المعاد: 1/526].
يتبع