مشاهدة النسخة كاملة : مع آهل القرآن فى شهر القرآن يوميا فى رمضان
ابو وليد البحيرى
2021-04-13, 02:27 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
دوي الليالي الرمضانية
(1)
الحمدلله وبعد،،
من الذكريات التي تنتاب خاطري بشكل عشوائي صورة تتراءى لي كثيراً من أحد مساءات رمضان.. فمن المشاهد في ليالي رمضان، وخصوصاً في هذا العِقد الأخير، أن المساجد صارت تتفاوت كثيراً في توقيت صلوات التراويح والتهجد بحسب ما يرتاح له أهل كل حي ويتوافقون عليه.. ولذلك فكثيراً ما تكون في منزلك قد انتهيت من الصلاة بينما تسمع بعض المساجد المجاورة لا زالوا في جوف صلاتهم .. وهذا ما وقع لي ذات ليلةٍتكاد ذكراها تتهدج في نفسي..
كنت في غرفتي الخاصة أعِدّ بعض الأوراق، وأمامي طبق أتت به الوالدة مما تبقى من معجنات الإفطار ودسته فوق مكتبي بلطف حتى أتناوله دون مفاوضات، يارزقني الله وإخواني القراء بر والدينا أحياءً وأمواتاً، وفي ثنايا انهماكي في هذه المهام .. تسرب من خلال النافذة صوت مسجد الشيخ القارئ خالد الشارخ، وهو مسجد تتلبد عليه وفود الشباب والفتيان من الأحياء المجاورة في شرق الرياض.. توقفت عن العمل .. وفتحت النافذة وكانت ليلة عليلة .. وكادت أذني أن تنخلع تجاه مصدر الصوت .. أظنها كانت آيات من سورة المائدة إن لم أكن واهماً .. والله إنني أكاد ألمس السكينة تتطامن فوق كل ذرةٍ حولي.. شعرت أن الهواء ليس كالهواء.. وأن السماء ليست السماء.. هناك شئٌ ما أفلست قواميس الدنيا أن تمدني بعبارة أصف بها ذلك الإحساس..
رباه .. أي شئ يفعله القرآن يا إلهي في النفوس البشرية ..
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
ومما يعبُر في بحر هذه الذكرى أنني أتذكر وأنا صغير أن أحد قريباتي المسنّات كانت إذا عادت من صلاة التراويح اتجهت إلى التلفاز تشاهد نقل صلاة التراويح من المسجد الحرام.. ولا أحصي كم شهدت دمعاتها تتلامع في محاجرها حين تتسمر أمام تلك الصفوف المهيبة المطرقة حول كعبة الله المشرفة والقرآن تتجاوب به منارات الحرم وسواريه..
هذه الأيام التي لا يفصلنا فيها عن رمضان إلا مسيرة ثلاثة أيام، يكثر فيها تبادل التهاني والدعوات، بلغنا الله وإياك رمضان، وفقنا الله وإياك لصيام رمضان وقيامه، أحببت أن أبارك لك قدوم الشهر الكريم، الخ .. حين رأيت بعض هذه التهاني دار في بالي أن أنظر كيف عرض الله لنا (رمضان) ؟ في أي إطار وضع الله (شهر رمضان) ؟ أو بمعنى آخر: ما هي (هوية رمضان) بحسب الصورة التي يقدمها الله لنا؟
حين أخذت أتأمل الآيات القرآنية التي تعرضت لرمضان في القرآن، وجدته جاء في صيغتين، صيغة الشهر الكامل (رمضان)، وجاء في صيغة جزئية أي بعض أيامه فقط، وهي (ليلة القدر).
في الصيغة التي جاء فيها بذكر الشهر الكامل (رمضان) قال الله عنه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة، 185] فعرّفه الله لنا بأنه الظرف الزماني للقرآن.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
وفي الصيغة التي أشير فيها لرمضان بصورة جزئية، وهي أحد لياليه، جاءت في موضعين، مرةً باسم (ليلة القدر) ومرةً باسم (الليلة المباركة)، فأما باسم ليلة القدر فيقول تعالى في مطلع سورة القدر (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر، 1] ، وأما باسم الليلة المباركة فيقول تعالى في مطلع سورة الدخان (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) [الدخان، 3].
وفي كلا الموضعين ذكر الله هذه الليلة عبر علاقتها بالقرآن!
يا لربنا العجب .. في المواضع التي ذكر الله فيها رمضان، بصيغة الشهر الكامل وبصيغة الليالي الجزئية، تم تقديمه في إطار علاقته بالقرآن .. أي إشارة لخصوصية القرآن في رمضان أكثر من ذلك.. استعرض كل شهور السنة الفاضلة.. شهور الحج.. الأشهر الحرم.. لن تجد كثافة في الإشارة للقرآن كما تجده في علاقة القرآن برمضان..
بل ثمة أمر قد يكون أشد لفتاً للانتباه من ذلك، أنه ليس فقط إنزال القرآن اختار الله له رمضان، بل حتى (مراجعة القرآن) مع النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار الله لها رمضان! فكان جبرائيل عليه السلام –وهو أعظم الملائكة لأنه اختص بنقل كلام الله- يعقد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مجالس مسائية في كل ليلة من رمضان لمراجعة القرآن، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس أنه قال (كان جبريل يلقى النبي في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن) [البخاري، 4997]
لماذا اختار الله تحديداً هذا الشهر –أيضاً- لمراجعة القرآن؟ أليس في هذا إلماحاً إلى أن الساعات الرمضانية هي أشرف الأزمان وأليقها بالقرآن؟ هل هناك لفت للانتباه لخصوصية القرآن في رمضان أكثر من هذه الإشارات في اختيار توقيت نزول القرآن، واختيار توقيت مراجعته؟
والحقيقة أن هذه المدارسة إذا أخذ يتخيلها الإنسان تستحوذ عليه المهابة .. من يتصور؟ مجلس ليلي رمضاني لمراجعة القرآن، طرفاه أعظم إنسان (محمد بن عبدالله) وأعظم ملَك (جبرائيل) وموضوع الدرس أعظم الكلام (كلام ملك الملوك) .. يا ألله .. أي هيبة تقبض على النفوس بمجرد تخيل ذلك..
ولذلك فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- نفسه يتأثر كثيراً بهذه المدارسة القرآنية الرمضانية مع جبرائيل، وكان الصحابة يرون أثرها أمامهم على شخصية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حتى كان يقول ابن عباس كما في البخاري (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) [البخاري، 3220].
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
انظر كيف كان جود رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يزداد بمدارسته القرآن مع جبريل، إذا كان هذا رسول الله الذي نزل عليه القرآن ومع ذلك ينتفع بمدارسته، فكيف بالله عليكم ستكون حاجتنا نحن أصحاب القلوب التي أمرضتها الشهوات والشبهات..؟! أي حرمان أوقع فيه بعض المتثيقفة أنفسَهم حين أوهموا أنفسهم أنهم يعرفون القرآن وقرؤوه ولا حاجة لهم إلى إستمرار تلاوته وتدبره ومدارسته، فكل ما في القرآن سبق أن اطلعوا عليه!
أشهر فعالية اجتماعية في شهر رمضان هي طبعاً (صلاة التراويح).. هل سألت نفسك يوماً ماهي الحكمة من صلاة التروايح؟ دعني أكون شفافاً معك فالحقيقة أنه لم يسبق لي أصلاً أن تساءلت هذا السؤال، ولكن كنت مرةً أطالع فتاوى محقق العلوم ابوالعباس ابن تيمية فرأيته يقول رحمه الله (بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمع المسلمون كلام الله) [الفتاوى 23/122]
سبحان من فتح على ذلك العقل الحراني في فهم أسرار الشريعة..
وإذا تأمل المرء النسبة بين رمضان الذي هو وقت الصوم ووقت نزول القرآن، أدرك شيئاً من النسبة بين يوم الاثنين واستحباب صيام النفل فيه، وهو ما أشار له النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم (سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الاثنين قال "ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل علي فيه"). [مسلم، 2804]
فلاحظ بالله عليك هذا الخيط الرفيع بين كون شهر رمضان الذي يجب صومه هو شهر نزول القرآن، ويوم الاثنين الذي يستحب صومه هو يوم نزول القرآن.
هل من المعقول أن تكون هذه التوقيتات الزمنية لا تحمل دلالات شرعية ورسائل تضمينية؟
بل ومن الموافقات التاريخية العجيبة أن أشهر جهاد للسلف في القرآن كان فتنة الإمام الاحمد المعروفة في مسألة القرآن، وهذه الحادثة العقدية القرآنية وقعت في رمضان كما ذكر المؤرخون! قال الذهبي (وفي رمضان كانت محنة الإمام أحمد في القرآن، وضرب بالسياط حتى زال عقله) [النبلاء، 10/292].
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
فسبحان من أنزل القرآن في رمضان، وابتلى أئمة السلف بالجهاد للقرآن في رمضان! وهذا مجرد توافق تاريخي لكن فيه شئ لطيف مما تستطرفه النفوس..
وإذا حاول المرء أن يتأمل في سر العلاقة بين رمضان والقرآن، أو أزمان الصيام والقرآن، فإنه يمكن أن تكون العلاقة أن الصيام يهذب النفس البشرية فتتهيأ لاستقبال القرآن، ففي أيام الصيام تكون النفس هادئة ساكنة بسبب ترك فضول الطعام .. وهذا يعني أن من أعظم ما يعين على تدبر القرآن وفهمه التقلل من الفضول.. مثل فضول الطعام، وفضول الخلطة مع الناس، وفضول النظر، وفضول السماع، وفضول تصفح الانترنت.. فكلما زالت حواجز الفضول تهاوت الحجب بين القلب والقرآن..
وبعض الناس يتساءل ويقول: ماذا أتدبر بالضبط في القرآن؟ والحقيقة أن القرآن فيه حقائق وإشارات كثيرة تحتاج إلى التدبر، ثمة مفاتيح كثيرة لفهم القرآن..
أعظم وجوه ومفاتيح الانتفاع بالقرآن تدبر ما عرضه القرآن من (حقائق العلم بالله) فما في القرآن من تصورات عن الملأ الأعلى هي من أعظم ما يزكي النفوس، وكثيراً من المنتسبين للفكر المعاصر يظن الأهم في القرآن هو التشريعات العملية، وأما باب العلم الإلهي فهو قضية ثانوية، ولا يعرف أن هذا هو المقصود الأجل والأعظم، ولذلك قال الإمام ابن تيمية (فإن الخطاب العلمي في القرآن أشرف من الخطاب العملي قدراً وصفة) [درء التعارض، 5/358].
وأنا شخصياً إذا التقيت بشخصية غربية متميزة في الفكر أو القانون أو غيرها من العلوم أجاهد نفسي مجاهدة على احترام تميزه، لأنني كلما رأيتهم في غاية الجهل بالله سبحانه وتعالى، امتلأت نفسي إزراءً بهم، ما فائدة أن تعرف تفاصيل جزء معين من العلوم وأنت جاهل بأعظم مطلوب للإنسان.. إنه لا يختلف عن سائق مركبة يتقن تفاصيل بعض الطرق الفرعية ويجهل الطرق الرئيسية في المدينة.. فهل مثل هذا يصل؟! أي تخلف وانحطاط معرفي يعيشه هؤلاء الجهلة بالعلم الإلهي.. ويؤلمني القول بأن كثيراً من المنتسبين للفكر العربي المعاصر يجهلون دقائق العلم بالله التي عرضها القرآن.. وأما من تأمل رسالة الإمام أحمد في الرد على الزنادقة، ورسالة الدارمي في النقض على المريسي، فستسحوذ عليه الدهشة من عمق علمهم بالقرآن ومافيه من أسرار المعرفة الإلهية، وشدة استحضار الآيات وربط ما بينها..
ومن وجوه الانتفاع بالقرآن –أيضاً- تدبر أخبار الأنبياء التي ساقها القرآن وكررها في مواضع متعددة، وبدهي أن هذه الأخبار عن الأنبياء ليست قصصاً للتسلية، بل هي (نماذج) يريد القرآن أن يوصل من خلالها رسائل تضمينية، فيتدبر قارئ القرآن ماذا أراد الله بهذه الأخبار؟ مثل التفطن لعبودية الأنبياء وطريقتهم في التعامل مع الله كما قال الإمام ابن تيمية (والقرآن قد أخبر بأدعية الأنبياء، وتوباتهم، واستغفارهم) [الرد على البكري].
وتلاحظ أن الله يثنّي ويعيد قصص القرآن في مواطن متفرقة، وليس هذا تكراراً محضاً، بل في كل موضع يريد الله تعالى أن يوصل رسالةً ما، وأحياناً أخرى يكون في كل موضع إشارة لجزء من الأحداث لايذكره الموضع الآخر، كما قال الإمام ابن تيمية مثلاً (وقد ذكر الله قصة قوم لوط في مواضع من القران في سورة هود والحجر والعنكبوت، وفي كل موضع يذكر نوعاً مما جرى) [الرد على المنطقيين].
والمهم هاهنا أن تدبر أخبار الأنبياء، وأخبار الطغاة، وأخبار الصالحين، في القرآن، ومحاولة تفهم وتحليل الرسالة الضمنية فيها؛ من أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن.
https://i.imgur.com/No02B5h.jpg
ومن أعظم وجوه الانتفاع بالقرآن –أيضاً- أن يضع الإنسان أمامه على طاولة التدبر كل الخطابات الفكرية المعاصرة عن النهضة والحضارة والتقدم والرقي والاصلاح والاستنارة الخ.. ويضع كل القضايا التي يرون أنها هي معيار التقدم والرقي .. ثم يتدبر قارئ القرآن أعمال الإيمان التي عرضها القرآن كمعيار للتقدم والرقي .. تأمل فقط بالله عليك كيف ذكر الله الانقياد والتوكل واليقين والاخلاص والاستغفار والتسبيح والصبر والصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخ في عشرات المواضع .. بل بعض هذه الأعمال بعينها ذكرت في سبعين موضعاً .. ثم قارن حضور هذه القضايا في الخطابات الفكرية لتجده حضوراً شاحباً خجولاً .. أي إفلاس فكري أن تكون الأعمال التي يحبها الله ويثنيّ بها ويجعلها مقياس الرقي والتقدم والتنوير هي في ذيل القائمة لدى الخطابات الفكرية المعاصرة المخالفة لأهل السنة .. يا خيبة الأعمار ..
حين يتدبر قارئ القرآن كيف وصف الله القرآن بأنه هدى وبينات ونور فإنه يستنتج من ذلك مباشرة بأن مراد الله من عباده في القرآن ليس لغزاً .. هل يمكن أن يكون الله تعالى يعظم ويمنح الأولوية لتلك القضايا التي ترددها الخطابات الفكرية ثم يكرر في القرآن غير ذلك؟! هل القرآن يضلل الناس عن مراد الله؟! شرّف الله القرآن عن ذلك، ولذلك كان الامام ابن تيمية يقول (وما قصد به هدى عاماً كالقرآن، الذي أنزله الله بياناً للناس، يذكر فيه من الادلة ما ينتفع به الناس عامة). [الفتاوى، 9/211]
وهذا لا يعني أن الأئمة الربانيين لا يختصهم الله بمزيد فهم للقرآن، وتتكشف لهم دلالات وأسرار لا تنكشف لغيرهم من الناس، فالقلب المعمور بالتقوى يبصر ما لا يبصره من أغطشت عينه النزوات، نسأل الله أن يسبل علينا ستر عفوه، وقد أشار الإمام ابن تيمية لذلك في مواضع كثيرة من كتبه، كقوله (ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلاً لا ينضبط لنا، والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يتفاضلون في فهمه تفاضلاً عظيماً، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات) [درء التعارض].
ومن أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن –أيضاً- أن يستحضر متدبر القرآن أن جمهور قرارات القرآن وأحكامه على الأعيان والأشياء إنما هي (أمثال)، ومعنى كونها أمثال أي (يعتبر بها ما كان من جنسها) بمعنى أن القرآن يقدم في الأصل نماذج لا خصوصيات أعيان، وقد أشار القرآن لذلك كثيراً كقوله تعالى في سورة الحشر (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، وقوله في سورة الروم (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ).
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
فماذا يريد الله في مطاوي هذه الأمثلة القرآنية؟ هذا أفق واسع للتدبر..
لا شك أن تنبيهات القرآن على مركزية (تدبر القرآن) في صحة المنهج والطريق أنها دافع عظيم للتدبر .. لكن ثمة أمراً آخر على الوجه المقابل لهذه القضية .. معنى منذ أن يتأمله الإنسان يرتفع لديه منسوب القلق قطعاً .. وهو أن من أعرض عن تدبر القرآن فإن الله قدر عليه أصلاً ذلك الانصراف لأن الله تعالى سبق في علمه أن هذا الإنسان لا خير فيه، ولو كان في هذا المعرض خير لوفقه الله للتدبر والانتفاع بالقرآن، وقد شرح القرآن هذا المعنى في قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال، 23].
كلما رأى الإنسان نفسه معرضاً عن تدبر القرآن، أومعرضاًَ عن بعض معاني القرآن، ثم تذكر قوله تعالى (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم) يجف ريقه من الهلع لا محالة..
على أية حال .. رمضان على الأبواب .. وهذا موسم القرآن ولكل شئ موسم.. (والقرآن مورد يرده الخلق كلهم، وكل ينال منه على مقدار ما قسم الله له) [درء التعارض].
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-14, 10:44 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
" من مناطق التدبر "
(2)
كثير من الناس يتساءل ويقول: ماذا أتدبر بالضبط في القرآن؟ والحقيقة أن القرآن فيه حقائق وإشارات كثيرة تحتاج إلى التدبر، ثمة مفاتيح كثيرة لفهم القرآن..أعظم وجوه ومفاتيح الانتفاع بالقرآن تدبر ما عرضه القرآن من (حقائق العلم بالله) فما في القرآن من تصورات عن الملأ الأعلى هي من أعظم ما يزكي النفوس، وكثيراً من المنتسبين للفكر المعاصر يظن الأهم في القرآن هو التشريعات العملية، وأما باب العلم الإلهي فهو قضية ثانوية، ولا يعرف أن هذا هو المقصود الأجل والأعظم، ولذلك قال الإمام ابن تيمية: "فإن الخطاب العلمي في القرآن أشرف من الخطاب العملي قدراً وصفة" [درء التعارض، 5/358].
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
وأنا شخصياً إذا التقيت بشخصية غربية متميزة في الفكر أو القانون أو غيرها من العلوم أجاهد نفسي مجاهدة على احترام تميزه، لأنني كلما رأيتهم في غاية الجهل بالله سبحانه وتعالى، امتلأت نفسي إزراءً بهم، ما فائدة أن تعرف تفاصيل جزء معين من العلوم وأنت جاهل بأعظم مطلوب للإنسان.. إنه لا يختلف عن سائق مركبة يتقن تفاصيل بعض الطرق الفرعية ويجهل الطرق الرئيسية في المدينة.. فهل مثل هذا يصل؟! أي تخلف وانحطاط معرفي يعيشه هؤلاء الجهلة بالعلم الإلهي..ويؤلمني القول بأن كثيراً من المنتسبين للفكر العربي المعاصر يجهلون دقائق العلم بالله التي عرضها القرآن.. وأما أئمة السلف الذين ورثنا عنهم علوم الشريعة فقد كانوا في ذروة التبحر في دقائق القرآن، فمن تأمل - مثلاً - رسالة الإمام أحمد في الرد على الزنادقة، أو رسالة الدارمي في النقض على المريسي، فستستحوذ عليه الدهشة من عمق علمهم بالقرآن وما فيه من أسرار المعرفة الإلهية، وشدة استحضار الآيات وربط ما بينها، ليست معرفة آحاد وأفراد الألفاظ فقط، بل معرفة السلف بالقرآن مركبة، فتجدهم يلاحظون منظومة لوازم معاني القرآن، ويستخلصون قي تقريراتهم حصيلة توازنات هذه المعاني القرآنية..ومن وجوه الانتفاع بالقرآن - أيضاً- تدبر أخبار الأنبياء التي ساقها القرآن وكررها في مواضع متعددة وبدهي أن هذه الأخبار عن الأنبياء ليست قصصاً للتسلية ، بل هي (نماذج) يريد القرآن أن يوصل من خلالها رسائل تضمينية، فيتدبر قارئ القرآن ماذا أراد الله بهذه الأخبار؟ مثل التفطن لعبودية الأنبياء وطريقتهم في التعامل مع الله كما قال الإمام ابن تيمية :"والقرآن قد أخبر بأدعية الأنبياء، وتوباتهم، واستغفارهم" [تلخيص الاستغاثة:1/161].
وتلاحظ أن الله يثنّي ويعيد قصص القرآن في مواطن متفرقة، وليس هذا تكراراً محضاً، بل في كل موضع يريد الله تعالى أن يوصل رسالةً ما، وأحياناً أخرى يكون في كل موضع إشارة لجزء من الأحداث لا يذكره الموضع الآخر، كما قال الإمام ابن تيمية مثلاً: "وقد ذكر الله قصة قوم لوط في مواضع من القران في سورة هود والحجر والعنكبوت، وفي كل موضع يذكر نوعاً مما جرى" [الرد على المنطقيين:494].
والمهم هاهنا أن تدبر أخبار الأنبياء، وأخبار الطغاة، وأخبار الصالحين، في القرآن، ومحاولة تفهم وتحليل الرسالة الضمنية فيها؛ من أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
ومن أعظم وجوه الانتفاع بالقرآن - أيضاً - أن يضع الإنسان أمامه على طاولة التدبر كل الخطابات الفكرية المعاصرة عن النهضة والحضارة والتقدم والرقي والإصلاح والاستنارة الخ.. ويضع كل القضايا التي يرون أنها هي معيار التقدم والرقي ..ثم يتدبر قارئ القرآن أعمال الإيمان التي عرضها القرآن كمعيار للتقدم والرقي ..تأمل فقط بالله عليك كيف ذكر الله الانقياد والتوكل واليقين والإخلاص والاستغفار والتسبيح والصبر والصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... الخ في عشرات المواضع ..بل بعض هذه الأعمال بعينها ذكرت في سبعين موضعاً ..ثم قارن حضور هذه القضايا في الخطابات الفكرية لتجده حضوراً شاحباً خجولاً ..أي إفلاس فكري أن تكون الأعمال التي يحبها الله ويثنيّ بها ويجعلها مقياس الرقي والتقدم والتنوير هي في ذيل القائمة لدى الخطابات الفكرية المعاصرة المخالفة لأهل السنة ..يا خيبة الأعمار ..حين يتدبر قارئ القرآن كيف وصف الله القرآن بأنه هدى وبينات ونور فإنه يستنتج من ذلك مباشرة بأن مراد الله من عباده في القرآن ليس لغزاً .. هل يمكن أن يكون الله تعالى يعظم ويمنح الأولوية لتلك القضايا التي ترددها الخطابات الفكرية ثم يكرر في القرآن غير ذلك؟! هل القرآن يضلل الناس عن مراد الله؟! شرّف الله القرآن عن ذلك، ولذلك كان الإمام ابن تيمية يقول : "وما قُصِد به هدى عاماً كالقرآن، الذي أنزله الله بياناً للناس، يذكر فيه من الأدلة ما ينتفع به الناسعامة". [الفتاوى: 9/211] وهذا لا يعني أن الأئمة الربانيين لا يختصهم الله بمزيد فهم للقرآن، وتتكشف لهم دلالات وأسرار لا تنكشف لغيرهم من الناس، فالقلب المعمور بالتقوى يبصر ما لا يبصره من أغطشت عينه النزوات، نسأل الله أن يسبل علينا ستر عفوه، وقد أشار الإمام ابن تيمية لذلك في مواضع كثيرة من كتبه، كقوله :" ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلاً لا ينضبط لنا، والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يتفاضلون في فهمه تفاضلاً عظيماً، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات" [درء التعارض:7/427].
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
ومن أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن - أيضاً - أن يستحضر متدبر القرآن أن جمهور قرارات القرآن وأحكامه على الأعيان والأشياء إنما هي (أمثال)، ومعنى كونها أمثال أي (يعتبر بها ما كان من جنسها) بمعنى أن القرآن يقدم في الأصل نماذج لا خصوصيات أعيان، وقد أشار القرآن لذلك كثيراً كقوله تعالى في سورة الحشر ï´؟وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَï ´¾[الحشر:21]، وقوله في سورة الروم ï´؟وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ï´¾ [الروم:58]. فماذا يريد الله في مطاوي هذه الأمثلة القرآنية؟ هذا أفق واسع للتدبر..لا شك أن تنبيهات القرآن على مركزية (تدبر القرآن) في صحة المنهج والطريق أنها دافع عظيم للتدبر .. لكن ثمة أمراً آخر على الوجه المقابل لهذه القضية .. معنى منذ أن يتأمله الإنسان يرتفع لديه منسوب القلق قطعاً .. وهو أن من أعرض عن تدبر القرآن فإن الله قدر عليه أصلاً ذلك الانصراف لأن الله تعالى سبق في علمه أن هذا الإنسان لا خير فيه، ولو كان في هذا المعرض خير لوفقه الله للتدبر والانتفاع بالقرآن، وقد شرح القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: ï´؟وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: 23].
كلما رأى الإنسان نفسه معرضاً عن تدبر القرآن، أو معرضاً عن بعض معاني القرآن، ثم تذكر قوله تعالى: ï´؟وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْï ´¾ يجف ريقه من الهلع لا محالة..على أية حال .. هذا القرآن ينبوع يتنافس الناس في الارتشاف منه بقدر منازلهم، كما قال الإمام ابن تيمية :"والقرآن مورد يرده الخلق كلهم، وكل ينال منه على مقدار ما قسم الله له" [درء التعارض : 7/427] .
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-15, 04:20 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
" كل المنهج في أم الكتاب "
(3)
حين يقول لك نبي الله إن أعظم سورة في القرآن هي سورة الفاتحة ، كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته [البخاري،4474] .
فهل هذه المنزلة لسورة الفاتحة منزلة اعتباطية ؟ هل الله جل وعلا يختار أن تكون سورة الفاتحة أعظم وحي أوحاه سبحانه وتعالى طوال تاريخ النبوات هكذا دون حيثيات موضوعية أعطت هذه السورة العظيمة مرتبتها الأولوية؟ كم من الوقت منحناه لتدبر هذه السورة العظيمة والتساؤل عن مغزى هذا التعظيم الإلهي لها ؟ حين يتدبر القارئ مضامين هذه السورة فإنه لا يستطيع أن يكف عن نفسه الذهول كيف تاهت التيارات الفكرية المخالفة لأهل السنة في قضايا وجزئيات ومسائل جعلوها أعظم مطالبهم، وزهدوا في مطالب أخرى جاءت هذه السورة العظيمة بتقريرها ، تأمل كيف بدأت هذه السورة بثلاث آيات كلها ثناء على الله ، تعظيمه جل وعلا بربوبيته للعالمين، ثم تعظيمه جل وعلا بكمال رحمته ، ثم تعظيمه جل وعلا بملكه لليوم الآخر .
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
القارئ يحمد الله بربوبيته للعالمين ، ورب العالمين يجيبه فيقول : (حمدني عبدي) ، ثم يواصل القارئ فيثني على الله بكمال رحمته ، ورب العالمين يقول : (أثنى علي عبدي) ، فإذا بلغ القارئ الآية الثالثة فأثنى على الله بملكه لليوم الآخر قال الله: (مجدني عبدي) [صحيح مسلم،904]..كثيراً ما أتساءل هل نحن حين نقرأ الفاتحة ونمر بهذه الآيات نستشعر أن رب الأرض والسماوات يقول لنا ذلك، إنه الله ، يتحدث عنا ونحن نقرأ الفاتحة.. هل تتصور ؟! فبالله عليك تأمل في هذه الآيات الثلاث التي ذكر الله تعالى في الحديث القدسي في صحيح مسلم أنها نصف الفاتحة ، حين قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين).. هذه الآيات الثلاث التي هي نصف الفاتحة، أي أنها نصف أعظم سورة في القرآن ، كلها حمد لله وثناء على الله وتمجيد لله ..بالله عليك تأمل في هذه الآيات الثلاث، ثم انتقل بذهنك وتذكر جدل المذاهب الفكرية المعاصرة حول قضية (ترتيب الأولويات) ..سألتك بالله هل رأيت واحداً منهم يتحدث عن الثناء على الله وتوقير الله وتعظيم الله باعتباره أولوية من أولويات الإصلاح؟ بالله عليك هل رأيت أحداً منهم يتحدث عن عمارة النفوس بتمجيد الباري باعتبارها أولوية من أولويات النهضة والتقدم ؟ حين أتأمل في النصف الأول من الفاتحة وأقارن دعاة أهل السنة بكلام المذاهب الفكرية يدركني الرثاء الحزين لأحوال هذه المذاهب الفكرية، كيف تحيروا في أعظم المطالب، وبعضهم فيه ذكاء واطلاع، ولكن هذه الأمور بابها التوفيق الإلهي، وكم تردت نفوس كثيرة حين تسرب إليها شيء من كبرياء الثقافة وزهو الذكاء.. فإذا تجاوزت هذه الآيات الثلاث وبلغت جوهرة السورة كلها إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.. فتقديم المعمول (إياك) على العامل (نعبد) يفيد الحصر ، فلا يعبد إلا الله ، والعبادة لفظ شامل ، فإذا نطقت بهاته الجملة التي لا تتجاوز كلمتين إِيَّاكَ نَعْبُدُ .. تهاوت أمام ناظريك كل المألوهات من دون الله..تذكرت طوائف تنتسب للقبلة وتستغيث بالحسين، وهذه الآية تقول لا يستغاث بالحسين من دون الله..تذكرت مذاهب تمنح حق التشريع للبرلمان، وهذه الآية تقول لا يملك حق التشريع إلا الله..تذكرت من يطاوع هواه حتى كأنه إلهاً له كما قال تعالى : ï´؟أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُï´¾ [الجاثية : 23]، وهذه الآية تقول لا يؤله إلا الله..تذكرت شخصيات تعبد المنصب والمال، كما قال صلى الله عليه وسلم : (تعس عبد الدينار) . وهذه الآية تقول لا يعبد إلا الله.. تذكرت من يذعن للشيطان حتى كأنه يعبده كما قال تعالى: ï´؟يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَï´¾ [يس :
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
60] وكما قال الله عن الخليل: ï´؟يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَï´¾ [مريم : 44] وهذه الآية تقول لا يذعن إلا لله..تذكرت حالات يلتفت فيها القلب إلى ثناء الناس ومديحهم، وهذه الآية تقول لك لا يراد بالعمل إلا وجه الله..تذكرت نيات عزبت عن الله إلى دنيا تصيبها، وهذه الآية تقول لا ينوى العمل إلا لله وتذكرت وتذكرت وتذكرتوهذه الآية العظيمة تسقط كل مطاع أو متبوع أو مألوه إلا الله إِيَّاكَ نَعْبُدُ .. هي جوهر مشروع الإصلاح، وهي قاعدة النهضة، وهي مختبر الحضارة، وهي معيار التقدم، وهي خطة التنمية.. إِيَّاكَ نَعْبُدُ .. هي قلب سورة الفاتحة، قلب أعظم سورة في كتاب الله، ومع ذلك، كم تاهت عن هذه السورة ، بل عن هاتين الكلمتين فقط أمم من الخلق آية نكررها في اليوم عشرات المرات في كل ركعة من الفرائض والنوافل لماذا ؟ لأنها "منهج حياة".
تأمل فقط في أحد تطبيقات هذه الآية كيف يحكّمها أئمة الدين في تفاصيل المسائل، يقول ابن تيمية : "والمقصود أن صاحب الزيارة الشرعية إذا قال إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ كان صادقاً؛ لأنه لم يعبد إلا الله ولم يستعن إلا به وأما صاحب الزيارة البدعية فإنه عبد غير الله واستعان بغيره، فهذا بعض ما يبين أن "الفاتحة" أم القرآن)[الفتاوى:6/264].
وأما الاستعانة في قوله : وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُï´¾ف هي عبادة مشمولة بقوله : ؟إِيَّاكَ نَعْبُدُ ولكن الله أفردها بالذكر في هذا الموضع من فاتحة الكتاب ليكون تنبيهاً مستمراً يسمعه المؤمن يذكّره بأن المطلوب الأكبر وهو (العبادة) لا يكون إلا بـ(الاستعانة)، وهذا الموضع في تعقيب العبادة بالاستعانة موضع أسهب فيه أئمة التأله والسلوك وفقهاء الطريق إلى الله في تأملاتهم الإيمانية .
ثم تنتقل السورة إلى النصف الثاني الذي ذكره الله في الحديث القدسي السابق، ويبدأ بعد الثناء والتوحيد، حالة الدعاء، فإن الله قال: (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
حسناً ..ما الدعاء الذي اختاره الله لنا بأن ندعو به؟ مطلوبات كثيرة، وهانحن الآن في أعظم سورة، وقد بلغنا الموضع الذي اختار الله أن يكون موضع دعاء، والله سبحانه هو الذي اختار لنا هذا الدعاء.
أتدري ما الذي اختاره الله ؟إنه ( الدعاء بالهداية ) ..لو قيل لشخص : ادع الله كثيراً أن يهديك ، لاستغرب ، وشعر أن هذا أمر ثانوي ، والله تعالى يختار لنا أن يكون دعاء الفاتحة هو سؤال الهداية ! إذا كان الله سبحانه اختار أن يكون دعاء أعظم سورة في القرآن هو " سؤال الهداية " فهذا يعني أن الضلال وشيك خطير مخوف ، وإلا لم يفرد الله سؤال بهذه الخصوصية ، لو كان الضلال أمراً مستبعداً ، أو مما يجب أن لا ننشغل بالخوف منه ، أو يجب أن لا نكون سوداويين ، لما كان الله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين والذي يريد لنا الخير أكثر مما نريده لأنفسنا ؛ يختار أن يكون دعاء الفاتحة هو طلب الهداية .. ولاحظ المقام الذي يدعو فيه المرء بالهداية ؟ إنه ليس مقام معصية .. ولا مقام ضلال .. بل يلح الإنسان على الله في طلب الهداية وهو في أجل لحظات الهداية ! قائم بين يدي الله ويسأله الهداية ! فكيف بالسادر عن الله ؟ فكيف بالغافل اللاهي ؟ ومع ذلك يستعظم أن يسأل الله الهداية ! في المواضع العظيمة ، لا يُختار من الدعاء إلا أعظمه ، وأعظم الدعاء ما خاف الإنسان من ضده.. فإذا كان الله اختار لنا "تكرار طلب الهداية" في قلب أعظم سورة تكلم بها سبحانه وتعالى، دل هذا على أن ضد الهداية وهو الضلال أمرٌ أقرب إلى أحدنا من عمامته التي تحيط برأسه..دل هذا على أننا نسير في حقل ألغام من الانحرافات ..دل هذا على أن هذه الحياة الدنيا محفوفة بكلاليب الباطل تلتقط الناس يمنة ويسرة .. ولذلك اختار أرحم الراحمين لنا أن نسأله الهداية في كل ركعة من صلاتنا..إذا رأيت كيف خص الله الهداية هاهنا بطريقة تثير القلق من الضلال، فقارنها بالبرود الفكري المعاصر تجاه قضية الهداية والضلال ، وتعاملنا معها بمنطق سيبيري جامد، ليس فيه خوف ووجل وحرص على الحق..قال الإمام ابن تيمية : "وإنما فرض عليه من الدعاء الراتب الذي يتكرر بتكرر الصلوات، بل الركعات فرضها ونفلها، هو الدعاء الذي تتضمنه أم القرآن وهو قوله تعالى : ï´؟اهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ، لأن كل عبد فهو مضطر دائماً إلى مقصود هذا الدعاء وهو هداية الصراط المستقيم"[الفتاوى:22/399] .
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
وما إن يتجاوز القارئ لفظ الهداية .. إلا وتبدأ أولى محطات الإشارة إلى "الصراع" ..ذكر الله بعد ذلك مباشرة الإشارة إلى محل الهداية وهو "الصراط" وهذا يعني أنه صراط واحد، وليس متعدداً..هل اكتفى بذلك؟ لا .. بل وصفه بأنه "مستقيم" أيضاً ..فهو صراط لا يحتمل المنعطفات، فمن خرج عن هذا الصراط فقد خرج عن الإسلام.. ومن دخل في هذا الصراط لكن لم يراع استقامته فهو من منحرفي أهل القبلة ..فالصراط وصف للإسلام ..والمستقيم وصف للسير على السنة..فالاستقام ة وصف أضيق من الصراط .
حسناً.. وصف الله محل الهداية وصفاً نظرياً بأنه "صراط مستقيم" ..هل اكتفى بهذا القدر؟ لا ..بل زاد بأن ربطه بتجربة بشرية معروفة فقال تعالى: ï´؟صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْï´¾..ق ارن هذا الربط بأولئك الذين يقولون طريقة الصحابة ومن تبعهم لا تلزمنا! الله تعالى يوضح لنا الصراط بأنه صراط الذين أنعم عليهم، ومن أعظم من يدخل هذا الوصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء يقولون طريقة الصحابة لا تلزمنا ! ثم تختتم هذه السورة برسم أسباب الافتراق الكبرى وآثارها، حيث يقع الصراط المستقيم بين طريقين، طريق المغضوب عليهم، وهم الذين حصلوا العلم وأهملوا العمل ، وطريق الضالين ، وهم الذين اجتهدوا في العمل بلا علم .. وأهل الصراط المستقيم جمعوا العلم والعمل ..
فانظر كيف تصوغ هذه الفاتحة العظيمة حياة المسلم وهو يكررها كل يوم..
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-16, 02:13 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
" الحبل الناظم في كتاب الله "
(4)
هذه ليست ورقة بحثية، ولا مقالة منظمة، ولا حتى خاطرة أدبية، كلا، ليست شيئاً من ذلك كله، وإنما هي (هم نفسي شخصي) قررت أن أبوح به لأحبائي وإخواني، فهذه التي بين يديك هي أشبه بورقة "اعتراف" تطوى في سجلات الحزانى.. هذا الإحباط النفسي الذي يجرفني ليس وليد هذه الأيام، وإنما استولى علي منذ سنوات، لكن نفوذه مازال يتعاظم في داخلي.. صحيح أنني أحياناً كثيرة أنسى في اكتظاظ مهام الحياة اليومية هذه القضية، لكن كلما خيّم الليل، وحانت ساعة الإخلاد إلى الفراش، ووضعت رأسي على الوسادة، وأخذت أسترجع شريط اليوم ينبعث لهيب الألم من جديد.. ويضطرم جمر الإحباط حياً جذعاً..ثمة قضية كبرى وأولوية قصوى يجب أن أقوم بها ومع ذلك لازالت ساعات يومي تتصرم دون تنفيذ هذه المهمة.. لماذا تذهب السنون تلو السنون ولازلت أفشل في التنفيذ ؟ لماذا تكون المهمة أمام عيني في غاية الوضوح ومع ذلك أفلس في القيام بها؟ ويزداد الألم حين أتأمل في كثير من الناس من حولي فلا أرى فيهم إلا بعداً عن هذه القضية، إلا من رحم الله.. مجالس اجتماعية أحضرها تذهب كلها بعيداً عن "الأولوية القصوى"..وأتصفح منتديات إنترنتية وصفحات تواصل اجتماعي (فيسبوك وتويتر) تمتلئ بآلاف التعليقات يومياً.. وكثيرٌ منهم منهمك في أمور بعيدة عن "الأولوية القصوى" إلا من رحم الله..وأطالع كتباً فكرية تقذف بها دور النشر وتفرشها أمامك معارض الكتب وغالبها معصوب العينين عن "الأولوية القصوى"..فإذا أعدت كل مساء استحضار واقعي اليومي، وواقع كثير من الناس من حولي؛ تنفست الحسرات وأخذت أتجرع مرارتها ..وأتساءل: لِم؟ لِم هذا كله؟ متى تنتهي هذه المأساة؟ دعني ألخص لك كل الحكاية..في كل مرةٍ أتأمل فيها القرآن أشعر أنني لازلت بعيداً عن جوهر مراد الله ..مركز القرآن الذي تدور حوله قضاياه لازلت أشعر بالمسافة الكبيرة بيني وبينه يذكر الله في القرآن أموراً كثيرة ..يذكر تعالى ذاته المقدسة بأوصاف الجلال الإلهية، ويذكر الله في القرآن مشاهد القيامة من جنة ونار ومحشر ونحوها، ويذكر أخبار الأنبياء وأخبار الطغاة وأخبار الصالحين وأخبار الأمم ولا سيما بني إسرائيل وتصرفاتهم، ويذكر تشريعات عملية في العبادات والمعاملات... الخ وفي كل هذه القضايا ثمة خيط ناظم يربط كل هذه القضايا .. تتعدد الموضوعات في القرآن لكن هذا الخيط الناظم هو هو .. هذه القضية التي يدور حولها القرآن ويربط كل شيء بها هي "عمارة النفوس بالله" .
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
كنت أتأمل - مثلاً - في أوائل المصحف، في سورة البقرة، كيف حكى الله تعجب الملائكة أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا [البقرة: 30] ثم يربي الله فيهم تعظيم الله ورد العلم إليه ï´؟قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 30].
وكنت أتأمل بعد ذلك في سورة البقرة نفسها كيف يعدد الله نعمه على بني إسرائيل في ست آيات، فيها أنه فضلهم على العالمين، وأنه نجاهم من آل فرعون، وأنه فرق بهم البحر فأغرق آل فرعون، وأنه عفى عنهم بعد اتخاذهم العجل، ثم بعد هذا التعديد العجيب لقائمة النعم يختم بوظيفة ذلك كله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[البقرة: 52] كل هذا السياق يراد به عمارة النفوس بالله بأن تلهج الألسنة والقلوب بتذكره وشكره تعالى..بل يذكر الله تعالى في البقرة - وأعاده في مواضع أخرى أيضاً - كيف اقتلع تعالى جبلاً من الجبال ورفعه حتى صار فوق رؤوس بني إسرائيل، لماذا؟ ليربي فيهم شدة التدين والتعلق بالله، يقول تعالى في البقرة: وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة: 63]. وقال في الأعراف ï´؟وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [الأعراف: 171]..كل هذا لتعمر النفوس بالتشبث بكلام الله تعالى ï´؟خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ .
وكنت أتأمل كيف يصف القرآن حالة القلوب التي غارت ينابيع الإيمان فيها وأمحلت من التعلق بالله، حتى قارنها الله بأكثر الجمادات يبوسة في موازنة لا تخفي الأسى والرثاء.. يقول تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة: 74] ثم يكمل في تلك المقارنة المحرجة وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ حتى الحجارة تلين وتخضع وتتفجر وتتشقق وتهبط.. وما المراد من هذا المثل؟ هو عمارة النفوس بالله وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وكنت أتأمل كيف ابتلى الله العباد بأمور توافق هواهم، وبأمور أخرى تعارضها، فآمن بعض الناس بما يوافق هواه وترك غيره، فلم يقل القرآن إن الله يشكر لهم ما آمنوا به ويتغاضى عما تركوا.. لا .. الله يريد أن تعمر النفوس بالله فتنقاد وتخضع وتنصاع لله في كل شيء.. يقول تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ[البقرة: 85] ثم يقول بعدها بآيات معدودة ï´؟أفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ [البقرة: 87]. لماذا شنع عليهم ربنا جل وعلا؟ لأن المراد شيء آخر ..شيء آخر يختلف كثيراً عما يتصور كثير ممن تضررت عقولهم بالثقافة الغربية المادية ..المراد عمارة النفوس بتعظيم الله والاستسلام المطلق له..وكنت أتأمل كيف يذكر الله النسخ في القرآن، وهو مسألة مشتركة بين أصول الفقه وعلوم القرآن، ثم يختم ذلك ببيان دلالة هذه الظاهرة التشريعية، وهي عمارة النفوس بتعظيم القدرة الإلهية: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌï´¾[البقرة: 106].. يا سبحان الله .. مسألة أصولية بحتة وتربط فيها القلوب بتعظيم الله وقدرة الله وكنت أتأمل كيف ذكر الله مسألة من مسائل شروط الصلاة وهي (استقبال القبلة)، ثم تغييرها من بيت المقدس إلى الكعبة، وبرغم كونها مسألة فقهية بحتة، إلا أن القرآن ينبهنا أن وظيفة هذه الحادثة التاريخية كلها هي "اختبار" النفوس في مدى تعظيمها واستسلامها لله؟ هذا جوهر القضية! ï´؟وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة: 143]..وآيات القصاص تختم بـ"تقوى الله" كما يقول تعالى: ï´؟وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَï´¾[البقرة: 179] وآيات الصيام تلحق أيضاً بالتقوى في قوله تعالى: ï´؟كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] وآيات الوصية تختم كذلك بالتقوى في قوله تعالى: ï´؟إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة: 180] ..ولما ذكر الله مناسك الحج وأعمالها وشعائرها .. ووصل للحظة اختتام هذه المناسك وانقضائها، أعاد الأمر مجدداً لربط النفوس بالله وإحياء حضور الله في القلوب ï´؟فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَï´¾[البقرة: 200] ..واعجباه ..تنقضي المناسك وما يعتري المرء فيها من النصب، لتربط النفوس مجدداً بالله.. برغم أن الحج أصلاً مبناه على ذكر الله بالتلبية والتكبير ونحوها، فالقلب في القرآن من الله .. وإلى الله .. سبحانه وتعالى .. وأخذت أتأمل لما ذكر الله تعالى حكم (الإيلاء) في القرآن ، وذكر الله للرجال خيارين : إما أن يتربصوا أربعة أشهر، أو أن يعزموا الطلاق، وأدركني العجب كيف يختم كل خيار فقهي بأوصاف العظمة الإلهية، يقول تعالى في آيتين متتابعتين: ï´؟لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌï´¾[البقرة: 226-227].. والله شيء عجيب أن تربط النفوس بالله بمثل هذه الكثافة في تفاصيل الأحكام الفقهية.
وكنت أتأمل كيف ذكر الله حالة "الخوف" من الأعداء ونحوها، فلم يسقط الصلاة، بل أمر الله بها حتى في تلك الأحوال الصعبةï´؟حَافِظ ُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًاï´¾[البقرة : 238- 239] حسناً هذا في حال الخوف فماذا سيكون في حال الأمن؟ تكمل الآية ï´؟فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَï´¾[البقرة، 239] .
رجعت مرةً أخرى إلى بداية الآية وأخذت أتأمل المحصلة، وإذا بها في حال الأمن والخوف يجب أن يكون القلب معلقاً بالله.. بالله عليك أعد قراءة الآية متصلة ï´؟فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَï´¾[البقرة: 239].
القرآن يريد النفس البشرية مشدودة الارتباط بالله جل وعلا في جميع الأحوال.. يريد من المسلم أن يكون الله حاضراً في كل سكنة وحركة.
وكنت أتأمل كيف يذكر الله النصر العسكري ليربط النفوس بالله ï´؟وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران: 123].
وحتى حين ذكر الله المعاصي والخطايا إذ يقارفها ابن آدم فإن القرآن يفتح باب ذكر الله أيضاً ï´؟وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران: 135] وذكر الله تبدلات موازين القوى عبر التاريخ، وربط الأمر - أيضاً - بأن المراد اختبار عمق الإيمان والارتباط بالله ï´؟وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَï´¾ [آل عمران: 140].
وقص الله في القرآن قصة قومٍ قاتلوا مع نبيهم .. وحكى القرآن ثباتهم.. ومن ألطف ما في ذلك السياق أنه أخبرنا بمقالتهم التي قالوها في ثنايا معركتهم.. فإذا بها كلها مناجاة وتعلق بالله وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 146-147]..شيء مدهش والله من حال ذلك القوم الذين عرضهم الله في سياق الثناء.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
في قلب المعركة .. وتراهم يستغفرون الله من خطاياهم، ويبتهلون إليه، ويظهرون الافتقار والتقصير وأنهم مسرفون .. يا لتلك القلوب الموصولة بالله..ولما ذكر الله الجهاد شرح وظيفته وأنها اختبار ما في النفوس من تعلق بالله وإيمان به قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [آل عمران: 154].. وقال وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 166] ولما ذكر الله حب النفس البشرية للنصر على الأعداء لفت الانتباه إلى المصدر الرئيسي للنصر ..تأمل بالله عليك كيف يضخ القرآن في النفوس التعلق المستمر بالله إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران: 160] ويقول تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْï´ ¾[محمد، 7]..وكنت أنظر كيف يصوّر القرآن أوضاع الجلوس والقيام والاسترخاء.. وكيف تكون النفس في كل هذه الأحوال لاهجة بذكر الله ï´؟الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران: 191]. يذكر الله وهو واقف ..يذكر الله وهو جالس يذكر الله وهو مضطجع..
أي تعلق بالله .. وأي نفوس معمورة بربها أكثر من هذه الصورة المشرقة.. سألتك بالله وأنت تقرأ هذه الآية ألا تتذكر بعض العبّاد المخبتين من كبار السن الذين لا تكف ألسنتهم عن تسبيح وتحميد وتكبير ..هل ترى الله حكى لنا هذه الصورة عبثاً؟ أم أن الله تعالى يريد منا أن نكون هكذا ..نفوساً مملوءة بربها ومولاها لا تغفل عن استحضار عظمته وتألهه لحظة واحدة..
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-17, 09:55 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
" الشــاردون "
(5)
حالات الانحراف عن التدين حالات تذيب القلب مرارةً وخصوصاً إذا كان المنحرف صديقاً قريباً عشت معه أيام العلم والإيمانوحالات الانحراف بينها تفاوت كبير..فبعضهم مشكلته (علمية) بسبب رهبة عقول ثقافية كبيرة انهزم أمامها .
وبعضهم مشكلته (سلوكية) بسبب ضعفه أمام لذائذ اللهو والترفيه.. وإن كان الأمر دوماً يكون مركباً من هوى وشبهة لكنه يكون أغلب لأحدهما بحسب الحال، فإما تعتريه شبهة تقوده للتمرغ في الشهوات، وإما تغلبه شهوة فيتطلب لها الشبهات والمخارج والحيل.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
وأنا إلى هذه الساعة على كثرة ما تعاملت مع هذه الحالات لا أعرف علاجاً أنفع من (تدبر القرآن) فإن القرآن يجمع نوعي العلاج (الإيماني والعلمي) وهذا لا يكاد يوجد في غير القرآن، فالقرآن له سر عجيب في صناعة الإخبات في النفس البشرية وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ[الحج : 54] وإذا تهيأ المحل بالإيمان لان لقبول الحق والإذعان له كما قال تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًامُتَشَا بِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ[الزمر : 23].
وفي القرآن من بيان العلم والحق في مثل هذه القضايا المنهجية ما لايوجد في غيره، ومفتاح الهداية مقارنة هدي القرآن بسلوكيات التيارات الفكرية.
أعني أنه إذا رأى متدبر القرآن تفريق القرآن بين المعترف بتقصيره حيث جعله قريباً من العفو وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة : 102] وبين تغطية وتبرير التقصير بحيل التأويل الذي جعله الله سببا للمسخ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة : 65] . ومجرد المعصية بالصيد في اليوم المحرم لا تستحق المسخ فقد جرى من بني إسرائيل ما هو أكثر من ذلك ولم يمسخهم الله ، ولكن الاحتيال على النص بالتأويل ضاعف شناعتها عند الله جل وعلا .
وإذا رأى متدبر القرآن - أيضاً - تعظيم القرآن لمرجعية الصحابة في فهم الإسلام، وربطه فهم الإسلام بتجربة بشرية، كقوله تعالى : فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ[البقرة : 137] ، وقوله تعالى : وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ[التوبة : 100] ، وقوله تعالى : ï´؟صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وقوله تعالى : وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [سبأ : 24]، وقوله تعالى : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [البقرة : 75] ، وقوله تعالى : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ هُ مِنْهُمْ [النساء : 83] ففي مثل هذه الآيات البينات يكشف تعالى أن الوحي ليس نصاً مفتوحاً، بل هو مرتبط بالاهتداء بتجربة بشرية سابقة، فيأمرنا صريحا أن نؤمن كما آمن الصحابة، وأن نتبع الصحابة بإحسان، ويأمرنا بكل وضوح أن نرد الأمر إلى أولي العلم الذين يستنبطونه، وهذا كله يبين أن الإسلام ليس فكرة مجردة مفتوحة الدلالات يذهب الناس في تفسيرها كل مذهب .. ويتاح الفهم لكل شخص كما يميل .. بل هناك (نموذج سابق) حاكم للتفسيرات اللاحقة للنص .
وإذا رأى متدبر القرآن - أيضاً - بيان القرآن لتفاهة الدنيا، وكثرة ما ضرب الله لذلك من الأمثال كنهيه نبيه عن الالتفات إلى الدنيا وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طه : 131]. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب : 28 ، 29].فانظر منزلة الدنيا في معيار القرآن.
وإذا رأى متدبر القرآن - أيضاً - ما في القرآن من بيان الله لحقارة الكافر وانحطاطه حيث جعله القرآن في مرتبة الأنعام والدواب والحمير والكلاب والنجاسة والرجس والجهل واللاعقل والعمى والصمم والبَكم والضلال والحيرة.. وغيره من الأوصاف القرآنية المذهلة التي تملأ قلب قارئ القرآن بأقصى ما يمكن من معاني ومرادفات المهانة والحقارة، كقوله تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ [محمد : 12] وقوله: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان : 44] وقوله: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة : 5] . وقوله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ[الأعراف : 176] وقوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [الأنفال : 55] وقوله: كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأنعام : 125]. وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة : 28] وأمثالها كثير .
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وإذا رأى متدبر القرآن - أيضاً- ما في القرآن من عناية شديدة بالتحفظ في العلاقة بين الجنسين، كوضع السواتر بين الجنسين كما في قوله وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب : 53] وحثه المؤمنات على الجلوس في البيت وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب : 33] ونهيه عن تلطف المرأة في العبارة فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب : 32] ونهيه عن أي حركة ينبني عليها إحساس الرجل بشئ من زينة المرأة ï´؟وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور : 31]) ونحو ذلك .
وإذا رأى متدبر القرآن - أيضاً - عظمة تصوير القرآن للعبودية كتصويره المؤمنين في ذكرهم لله على كل الأحوال الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران : 191] وحينما أراد أن يصف الصحابة بأخص صفاتهم قال مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا [الفتح : 29] وكيف وصف الله ليلهم الذي يذهب أغلبه في الصلاة إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ [المزمل : 20].
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
والمراد أنه إذا رأى متدبر القرآن هدي القرآن في هذه القضايا وأمثالها، ثم قارنها بأحوال التيارات الفكرية المعاصرة، ورأى ما في كلام هؤلاء من تأويلات للنصوص لتوافق الذوق الغربي، والإزراء باتباع السلف في فهم الإسلام، وملء القلوب بحب الدنيا، واللهج بتعظيم الكفار، وتهتيك الحواجز بين الجنسين، والارتخاء العبادي الظاهر...الخ. إذا قارن بين القرآن وبين أحوال هؤلاء انفتح له باب معرفة الحق .
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-18, 03:36 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
" تأمل .. كيف انبهروا ! "
(6)
تأمل كيف تنفعل (الجمادات الصماء) بسكينة القرآن لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِï´¾[الحشر : 21] الجبال الرواسي التي يضرب المثل في صلابتها تتصدع وتتشقق من هيبة كلام الله..وتأمل كيف انبهر (نساء المشركين وأطفالهم) بسكينة القرآن، ففي صحيح البخاري : (أن أبا بكر ابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين)[البخاري: 2297].والتقصف هو الازدحام والاكتظاظ ..وتأمل كيف انبهر (صناديد المشركين) بسكينة القرآن، ففي البخاري أن جبير بن مطعم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يفاوضه في أسارى بدر، فلما وصل إلى النبي وإذا بالمسلمين في صلاة المغرب، وكان النبي إمامهم، فسمع جبير قراءة النبي، ووصف كيف خلبت أحاسيسه سكينة القرآن، كما يقول جبير بن مطعم: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
بالطور، فلما بلغ هذه الآية ï´؟أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون َ ï´¾[الطور : 35 - 37] كاد قلبي أن يطير)[البخاري : 4854]. لله در العرب ما أبلغ عباراتهم..هكذا يصور جبير أحاسيسه حين سمع قوارع سورة الطور، حيث يقول: (كاد قلبي أن يطير)، هذا وهو مشرك، وفي لحظة عداوة تستعر إثر إعياء القتال، وقد جاء يريد تسليمه أسرى الحرب، ففي خضم هذه الحالة يبعد أن يتأثر المرء بكلام خصمه، لكن سكينة القرآن هزّته حتى كاد قلبه أن يطير..وتأمل كيف انبهرت تلك المخلوقات الخفية (الجن) بسكينة القرآن، ذلك أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في موضع يقال له (بطن نخلة) وكان يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فهيأ الله له مجموعة من الجن يسمون (جن أهل نصيبين)، فاقتربوا من رسول الله وأصحابه، فلما سمعوا قراءة النبي في الصلاة انبهروا بسكينة القرآن، وأصبحوا يوصون بعضهم بالإنصات، كما يقول تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا[الأحقاف : 29]. وأخبر الله في موضع آخر عن ما استحوذ على هؤلاء الجن من التعجب
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
فقال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًاï´¾[الجن : 1]وتأمل كيف انبهر (صالحوا البشر) بسكينة القرآن، فلم تقتصر آثار الهيبة القرآنية على قلوبهم فقط، بل امتدت إلى الجلود فصارت تتقبّض من آثار القرآن، كما قال تعالى: ï´؟اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْï´¾[الزمر : 23]. وتأمل كيف انبهر (صالحوا أهل الكتاب) بسكينة القرآن، فكانوا إذا سمعوا تالياً للقرآن ابتدرتهم دموعهم يراها الناظر تتلامع في محاجرهم كما صورها القرآن في قوله تعالى: ï´؟وَلَتَجِدَنّ َ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِï´¾[المائدة : 82-83]. وتأمل كيف انبهرت (الملائكة الكرام) بسكينة القرآن، فصارت تتهادى من السماء مقتربةً إلى الأرض حين سمعت أحد قراء الصحابة يتغنى بالقرآن في جوف الليل، كما في صحيح البخاري عن أسيد بن حضير قال: (بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال رسول الله "وتدري ما ذاك؟" قال: لا. قال رسول الله " تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم " ) [البخاري : 5018].وتأمل كيف انبهر (الأنبياء) عليهم أزكى الصلاة والسلام بسكينة الوحي، كما يصور القرآن تأثرهم بكلام الله، وخرورهم إلى الأرض، وبكاءهم؛ كما في قوله تعالى ï´؟أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّاï´¾[مريم : 58].
وأخيراً .. تأمل كيف انبهر أشرف الخلق على الإطلاق، وسيد ولد آدم (محمد) صلى الله عليه وسلم ؛ بسكينة القرآن، ففي البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ علي"، فقلت: أقرأ عليك يا رسول الله وعليك أنزل؟ فقال رسول الله: " إني أشتهي أن أسمعه من غيري"، فقرأت النساء حتى إذا بلغت "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"، قال لي رسول الله: " كف، أو أمسك"، فرأيت عينيه تذرفان)[البخاري : 5055].يا لأسرار القرآن ..ويا لعجائب هذه الهيبة القرآنية التي تتطامن على النفوس فتخبت لكلام الله، وتتسلل الدمعات والمرء يداريها ويتنحنح، ويشعر المسلم فعلاً أن نفسه ترفرف من بعد ما كانت تتثاقل إلى الأرض .. هكذا إذن .. الجمادات الرواسي تتصدع، ونساء المشركين وأطفالهم يتهافتون سراً لسماع القرآن، وصنديد جاء يفاوض في حالة حرب ومع ذلك "كاد قلبه يطير" مع سورة الطور، والجن استنصت بعضهم بعضاً وتعجبوا وولوا إلى قومهم منذرين، والمؤمنون الذين يخشون ربهم ظهر الاقشعرار في جلودهم، والقساوسة الصادقون فاضت عيونهم بالدمع، والملائكة الكرام دنت من السماء تتلألأ تقترب من قارئ في حرّات الحجاز يتغنى في جوف الليل بالبقرة، والأنبياء من لدن آدم إذا سمعوا كلام الله خروا إلى الأرض ساجدين باكين،
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع الآية تصور عرصات القيامة ولحظة الشهادة على الناس استوقف صاحبه ابن مسعود من شدة ما غلبه من البكاء..رباه ..ما أعظم كلامك ..وما أحسن كتابك..كتابٌ هذا منزلته، وهذا أثره؛ هل يليق بنا يا أخي الكريم أن نهمله؟ وهل يليق بنا أن نتصفح يومياً عشرات التعليقات والأخبار والإيميلات والمقالات، ومع ذلك ليس لـ(كتاب الله) نصيبٌ من يومنا؟ فهل كتب الناس أعظم من كتاب الله؟ وهل كلام المخلوقين أعظم من كلام الخالق؟! وهل روايات الساردين أعظم من قصص القرآن؟!! لقد اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار قومه حين وقعوا في صفةٍ بشعة، فواحسرتاه إن شابهنا هؤلاء الكفار في هذه الصفة التي تذمر منها رسول الله، وجأر بالشكوى إلى الله منها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكواه: ï´؟وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان : 30].أي خسارة..وأي حرمان..أن يتجارى الكسل والخمول بالمرء حتى يتدهور في منحدرات (هجر القرآن).. إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حبيبنا الذي نفديه بأنفسنا وأهلينا وما نملك يشتكي إلى ربه الكفار بسبب (هجر القرآن) ..فهل نرضى لأنفسنا أن نخالف مراد حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل نرضى لأنفسنا أن ننزل في المربع الذي يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأين توقير نبينا صلى الله عليه وسلم؟.
أخي الذي أحب له ما أحب لنفسي ..القضية لن تكلفنا الكثير، إنما هي دقائق معدودة من يومنا نجعلها حقاً حصرياً لكتاب الله .. نتقلب بين مواعظه وأحكامه وأخباره، فنتزكى بما يسيل في آياته العظيمة من نبض إيماني، ومعدن أخلاقي، والتزامات حقوقية، ورسالة عالمية إلى الناس كافة .
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-19, 03:52 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
رمضان شهر مدارسة القرآن
د. بدر عبد الحميد هميسه
(7)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
ربط الله تعالى في كتابه الكريم بين صوم رمضان , والقرآن الكريم , فقال : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) [البقرة: 185] ، وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) [القدر:1].وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) [الدخان: 3].
وعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". رواه الطبراني في "الكبير" عن واثلة، وأحمد في "مسنده"، وابن عساكر، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (1509).
فأهل الصيام هم أهل القرآن الذين مدحهم الله تعالى بقوله : " إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور "سورة فاطر، آية 30،29 .
قال رسول صلى الله عليه وسلم : إن لله آهلين قالوا من هم يا رسول الله قال " أهل القرآن وخاصته". ( رواه ابن ماجه وصححه الألباني) .
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
وقال " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم). روضوا على منهج القرآن أنفسكم * * * يمدد لكم ربكم عزا وسلطانا
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:الصِّيام وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ.
أخرجه أحمد 2/174(6626).
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " رواه البخاري و مسلم.
عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ) . (حسن) (صحيح الجامع 2199) .
وعن أبى هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة ، فيقول : يا رب حله ، فيلبس تاج الكرامة . ثم يقول : يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه ، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة ) .(حسن) (صحيح الجامع8030) .
كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض القرآن في رمضان على جبريل عليه السلام، فكان يدارسه القرآن.
عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
أخرجه أحمد 1/230(2042) و"البُخَارِي" 1/4(6) و4/229(3554) .
قال ابن رجب : " كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها".و كان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة " ( الحلية 2/338و لطائف المعارف ص 191
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة ، وفي بقية الشهر في ثلاث" ( لطائف المعارف ص 191 ).
والشافعي رحمه الله قال عنه ربيع بن سليمان : "كان محمد بن أدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ، ما منها شيء إلا في صلاة " قال ابن عبد الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف ، وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن.
قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف. قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن. وكانت عائشة - رضي الله عنها - تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامت .
ولقد كان سلفنا الصالح يتخذون من شهر رمضان فرصة لمدارسة القرآن ومعرفة أخلاقه وأحكامه , ولم يقتصر الأمر على التلاوة فقط , كما يفعل كثير من الناس اليوم .
وينبغي ألا يهجر القرآن طوال وقته؛ لأن الله تعالى ذمّ الذين يجهرونه، قال تعالى: ((وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً))
(الفرقان:17).
* و من هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتماً به طوال العام إلا قليلاً.
* و من هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، و لم يتعقله.
* و من هجرانه أن القارئ يقرأه لكنه لا يطبقه، و لا يعمل بتعاليمه.
و أما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله و خاصته.
منع القرآن بوعـــده ووعيــده * * * مـقـل العيون بليلها لا تهجــع
فهمـوا عن الملك العظيـم كلامـه * * * فهماً تذل له الرقــاب وتخضـع
وقال عمرو بن العاص كل آية في القرآن درجة في الحنة ومصباح في بيوتكم وقال أيضا من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه وقال أبو هريرة إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين وإن البيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله عز وجل ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين.
طوبى لمن حفظ الكتابَ بصدره * * فبدا وضيئاً كالنجوم تألَّقا
الله أكبر ! يا لها من نعمة * * لما يقال " اقرأ ! " فرتل وارتقا
وتمثلَ القرآنَ في أخلاقه * * وفعاله فبه الفؤادُ تعلقا
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
وتلاه في جنح الدجى متدبِّراً * * والدمعُ من بين الجفون ترَقرَقَا
هذي صفاتُ الحافظين كتابه * * حقاً فكن بصفاتهم متخلِّقَاً
يا حافظ القرآن لست بحافظٍ * * حتى تكون لما حفظتَ مُطبِّقَاً
ماذا يفيدُكَ أن تسمَّى حافظاً * * وكتابُ ربك في الفؤاد تمزَّقَا
يا أمتي القرآنُ حبلُ نجاتنا * * فتمسكي بعراهُ كي لا نغرقا
يقول ابن رجب : ( يا من ضيع عمره في غير الطاعة ، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه ، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان ، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟).
فعلينا في شهر القرآن أن نحسن التعامل مع القرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبرا وعملا , وأن نشجع أولادنا على حفظه وتلاوته , وأن نجعل من رمضان فرصة لتكريم حفظة القرآن الكريم , وإعطاء الفرصة للأصوات الندية للقراءة في صلاة القيام والتهجد , حتى يصعد القرآن للخالق ويدعوا لنا , فيقول اللهم احفظهم كما حفظوني , وأكرمهم كما أكرموني , وشرفهم كما شرفوني , وشفعني فيهم يوم القيامة .
أَكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا * * * وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا
قومٌ قد اختـارَ الإلـهُ قلوبَهُـمْ * * * لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا
زُرِعَتْ حُروفُ النورِ بينَ شِفَاهِهِمْ * * * فَتَضَوَّعَتْ مِسْكـاً يَفِيـضُ بَيَانَـا
رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِـمْ * * * لِيَكُونَ نُوراً في الظـلامِ... فَكَانـا
سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا * * * وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا
*يَا رَبِّ أَكْرِمْ مَـنْ يَعيـشُ حَيَاتَـهُ * * * لِكِتَابِـكَ الوَضَّـاءِ لا يَتَـوَانـى
*واجْعِلْ كِتَابَـكَ بَيْنَنَـا نُـوراً لنـ* * * أَصْلِحْ بِهِ مَـا سَـاءَ مِـنْ دُنْيَانـا
اللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته , وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال .
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-20, 03:58 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
هل تلاوة القرآن مخصوصة بنهار رمضان؟
(8)
الحمد لله وبعد،، حين تصلي الفجر في رمضان فإنك تجد بعض الموفقين ينشرون مصاحفهم ويتلون كتاب الله بقدر ما ييسر الله لهم، وهكذا حين تصلي الظهر تجد فئاماً يقرؤون شيئاً من القرآن، وهكذا –أيضاً-بعد صلاة العصر يدوّي المسجد في جمال أخاذ بأصوات الناس متنافسين في ختمات القرآن.
لكن ما إن يخيم مساء رمضان إلا وتجد المصاحف قد طويت، وأصوات القرآن قد انطفأت، حتى ظن كثير من الناس أن فضيلة تلاوة القرآن مخصوصة بـ(نهار رمضان) فقط، بل أعرف بعض الأخيار يجعل التلاوة في ليل رمضان لقضاء ما فاته من ورده بالنهار فقط، فكأنه يجعل ليل رمضان وقت (قضاء التلاوة الفائتة) لا وقت (أداء)! ولا يخطر بباله أن ليالي رمضان "وقت فاضل" لتلاوة القرآن!
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وما تفسير هذه الظاهرة؟ يبدو لي أن هناك ارتباطاً ذهنياً وقع بشكل خاطئ، فنحن نسمع عن فضل تلاوة القرآن في رمضان، وأشهر خصائص رمضان هو الصيام، فارتبط في ذهن البعض أن تلاوة القرآن تكون في نهار رمضان أثناء الصيام فقط!
وهذا الارتباط الذهني ارتباط غير دقيق، فإن ليالي رمضان أشرف من نهاره، والنصوص التي ظهر فيها اختصاص رمضان بالقرآن كان ظرفها الزمني هو ليالي رمضان، لا نهار رمضان، وسأذكر شيئاً من هذه الشواهد.
أخبرنا الله سبحانه بالوقت المحدد الذي نزل فيه القرآن، أي نزل إلى السماء الدنيا ثم نزل على رسول الله منجّما بحسب الوقائع كما في الأثر المشهور عن ابن عباس، وقد جاء هذا الخبر عن الساعات المحددة لنزول القرآن في آيتين من كتاب الله، حيث يقول الله (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر، 1]. ويقول سبحانه (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) [الدخان، 3].
وليلة القدر هي الليلة المباركة وهي من ليالي رمضان، لا من نهاره، وإذا تساءل المتدبر: لماذا اختار الله (ليل) رمضان ظرفاً زمانياً لنزول القرآن، ولم يختر (النهار) ؟ أدرك شرف ليل رمضان، وأن ثمة ارتباطاً بين القرآن وليالي رمضان، وأن ليالي رمضان أليق بالقرآن وأنسب له من النهار، ولذا اختار الله ليل رمضان لنزول القرآن.
ومن أعظم أعمال النبي –صلى الله عليه وسلم- في رمضان كل سنة هو أن يدارس القرآن مع جبريل عليه السلام، فما هو الوقت الذي اختاره الله لهما ليتدارسا القرآن؟
هذا الوقت لمدارسة القرآن بين النبي –صلى الله عليه وسلم- وجبريل لم يكن نهار رمضان، بل كان ليل رمضان، كما روى البخاري عن ابن عباس (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن)[البخاري:3220]
لاحظ هاهنا أن الوقت الذي اختاره الله لهما لمدارسة القرآن هو كل "ليلة رمضانية"، فلم يكن في بعض الأيام بالنهار مثلاً، بل الوقت محدد كل ليلة! (وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن).
ولاحظ أيضاً أن هذا الوقت اختاره الله سبحانه وتعالى، وليس مجرد توافق بين النبي –صلى الله عليه وسلم- وجبريل، ولا يختار الله سبحانه زمناً معيناً إلا طبقاً لحكمته العظيمة سبحانه وتعالى.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
وقد يتساءل البعض: قد يكون هذا الوقت مجرد توافق بين النبي –صلى الله عليه وسلم- وجبريل، وليس توقيفاً إلهياً؟ وهذا احتمال غير دقيق، لأن الله تعالى قال عن الملائكة (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ)[مريم:64] فبيّن تعالى أن وقت تنزّل الملائكة إنما يكون بتوجيه إلهي، كما روى البخاري عن ابن عباس قال:
( قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجبريل: "ألا تزورنا أكثر مما تزورنا؟" ، قال فنزلت "وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا")[البخاري:3218].
والمراد أن هذا الوقت الذي يتدارس فيه جبريل مع النبي –صلى الله عليه وسلم- القرآن كل (ليلة) إنما هو اختيار إلهي للوقت، وهذا يحفز المتدبر لتأمل أسرار الاختيار الإلهي لهذا الوقت، وكون الليل أشرف أوقات اليوم لتدارس القرآن.
وهذه الدلالة العظيمة على شرف الليل للقرآن في حديث مدارسة النبي –صلى الله عليه وسلم- مع جبريل نبّه عليها عدد من أهل العلم، ومنهم عابد المحدثين الإمام ابن رجب حيث يقول:
(وفي حديث ابن عباس "أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً" فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً})[ابن رجب، لطائف المعارف، دار ابن كثير، تحقيق السواس، ص315].
وتلاحظ أن ابن رجب في هذا النص استنبط من كون المدارسة النبوية/الجبرائيلية في ليل رمضان على " استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً" كما يقول رحمه الله.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وقريب من هذا المعنى لكن باستنباط فيه قدر زائد على ما سبق يقول ابن حجر عن هذا الحديث:
(وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره..، ويحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاءً، فيقرأ كل ليلة جزءاً في جزء من الليلة، والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة، ومن راحة بدن، ومن تعاهد أهل)[ابن حجر، فتح الباري:9/45].
واضح أن ابن حجر هاهنا يؤكد معنى أكثر عمومية، وهو أن "ليل رمضان أفضل من نهاره" كما يقول رحمه الله.
وفي رسالة مطبوعة للإمام ابن باز –تغمده الله برحمته- بعنوان (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) تحدث فيها عن فوائد حديث ابن عباس في المدارسة النبوية/الجبرائيلية فكان مما ذكره:
(وفيه فائدة أخرى: وهي أن المدارسة في الليل أفضل من النهار، لأن هذه المدارسة كانت في الليل، ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهارا)[ابن باز، الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح،ص13]
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
ومن الشواهد على شرف ليل رمضان ومناسبته للقرآن أن أهل العلم ذكروا أن من غايات تشريع التراويح كما يقول الإمام ابن تيمية (وأما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة المسلمين، بل من أجل مقصود التراويح قراءة القرآن فيها ليسمع المسلمون كلام الله)[ابن تيمية، الفتاوى:23/122].
فإذا لاحظ المتأمل أن صلاة التراويح من مقاصدها سماع المسلمين للقرآن، واستحضر أن صلاة التراويح صلاة ليلية أصلاً؛ استبان له تزامن جديد بين ليل رمضان والقرآن.
وربما يتساءل البعض: وهل هناك وقت في الليل لتلاوة القرآن؟ والحقيقة أن هناك أوقاتاً كثيرةً، منها التقدم للمسجد مبكراً في صلوات الفريضة الليلية وتلاوة القرآن لتحقيق هذا الفضل وهو تلاوة القرآن في ليالي رمضان.
ومنها: الوقت الذي يلي تناول وجبة العشاء وحتى إقامة صلاة العشاء، فإنه وقت مهدور عند كثير من الناس، أو يصرفه البعض في مشاهدة المسلسلات المشينة التي تقدح في روحانية الشهر، فلو تقدم إلى المسجد وصرف هذا الوقت في تلاوة القرآن لحقق مكتسبات عظيمة من أهمها استثمار شرف الليالي القرآنية بتلاوة القرآن فيها.
ومن أهم الأوقات لحظات الأسحار، إما قبل وجبة السحور أو بعدها، وللقرآن في الأسحار هيبة وسكون لا يوصف..
ولا يفوت القارئ الكريم أن المقصود من هذه المقالة ليس التزهيد في تلاوة القرآن في نهار رمضان، معاذ الله، ولكن التنبيه إلى وقت شريف للقرآن وهو ليالي رمضان يفوتنا استثماره إلا من وفّق الله، فالهدف أن نزيد تلاوتنا في الليل والنهار، وليس المقصود أن نستبدل زمناً بآخر.
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-21, 03:47 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
رمضان والقرآن
عادل باناعمة
(9)
تنزل كريم
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
في ليلة السابع عشر من رمضان و النبي صلى الله عليه وسلم في الأربعين من عمره أذن الله عز وجل للنور أن يتنزل ، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له : اقرأ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم } فرجع بها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده )) [ البخاري 3 ]
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم .
وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء ، و تنزل الوحي بالنور و الضياء ، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء .
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
و من قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولا آخر ، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وكان ذلك في ليلة القدر … { إنا أنزلناه في ليلة القدر } { إنا أنزلنا في ليلة مباركة } ، قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة [ النسائي و الحاكم ] ، وقال ابن جرير : نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على ما أراد الله إنزاله إليه .
إنها تلك " الليلة الموعودة التي سجلها الوجود كله في فرح و غبطة و ابتهال ، ليلة الاتصال بين الأرض و الملأ الأعلى … ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته و في دلالته و في آثاره في حياة البشرية جميعا ، العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري ... والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد ترف و تنير بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود نور الله المشرق في قرآنه { إنا أنزلناه في ليلة القدر } ، و نور الملائكة و الروح و هم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض و الملأ الأعلى { تنزل الملائكة و الروح فيها } و نور الفجــر الذي تعرضهالنصوص متناسقا مع نور الوحي و نور الملائكة … { سلام هي حتى مطلع الفجر } "
و أي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن ؟ نعمة لا يسعها حمد البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا } .
وهكذا إذن ، شهد شهر رمضان هذا النزول الفريد لكتاب الله ، و من يومذاك ارتبط القرآن بشهر رمضان { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان }
ومن يوم ذاك أصبح شهر رمضان هو شهر القرآن .
إكثار و اجتهاد
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة [ البخاري 6 مسلم 2308 ].
قال الإمام ابن رجب : دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك ، و عرض القرآن على من هو أحفظ له … و فيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان ، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة و أنه عارضه في عام وفاته مرتـــين [ البخاري 3624 و مسلم 2450 ] [ لطائف المعارف 354،355 ].
قال رحمه الله : و في حديث ابن عباس أن المدارسة بينه و بين جبريل كانت ليلا يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل و يجتمع فيه الهم ، و يتواطأ فيه القلب و اللسان على التدبر كما قال تعـالى { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا } [ لطائف المعارف 355 ]
وقد كان للسلف رحمهم الله اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره .
كان الزهري إذا دخل رمضان يقول : إنما هو قراءة القرآن و إطعام الطعام .
قال ابن الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم .
قال عبد الرزاق : كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن .
وقال سفيان : كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه .[ انظر اللطائف359،360 ]
وكانت لهم مجاهدات من كثرة الختمات رواها الأئمة الثقات الأثبات رحمهم الله .
كان الأسود يختم القرآن في رمضان كل ليلتين ، وكان قتادة إذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة ، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة ، وقال ربيع بن سليمان : كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة ، وروى ابن أبي داود بسند صحيح أن مجاهدا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب و العشاء ، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل ، وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب و العشاء في كل ليلة من رمضان ، قال مالك : و لقد أخبرني من كان يصلي إلى جنب عمر بن حسين في رمضان قال : كنت أسمعه يستفتح القرآن في كل ليلة . [ البيهقي في الشعب] قال النووي : وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان ، و تميم الداري ، و سعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة [ التبيان 48 ][وانظر اللطائف 358-360 و صلاح الأمة 3/5-85 ]
قال القاسم عن أبيه الحافظ ابن عساكر : كان مواظبا على صلاة الجماعة و تلاوة القرآن ، يختم كل جمعة و يختم في رمضان كل يوم [ سير أعلام النبلاء20/562 ]
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
تساؤلات
فإن قلت أي أفضل ؟ أن يكثر الإنسان التلاوة أم يقللها مع التدبر و التفكر ؟ قلت لك : اسمع ما قاله النووي .
قال النووي رحمه الله : و الاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الهم و تدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر و استخراج المعاني و كذا من كان له شغل بالعلم و غيره من مهمات الدين و مصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه ، و من لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ، و لا يقرؤه هذرمة . [ نقله عه ابن حجر في الفتح 9/97 ]
و أما حديث ابن عمرو قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث * [أبو داود 1394و الترمذي 2949وقال حديث حسن صحيح ]فقد أجاب عنه الأئمة رضي الله عنهم .
قال ابن رجب : إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداوة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان ، خصوصا في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان و المكان ، و هو قول أحمد و إسحاق و غيرهما من الأئمة و عليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره [ لطائف المعارف 360 ]
وقال ابن حجر تعليقا على هذا الحديث :وثبت عن كثير من السلف أنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك … وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم ، كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب و عرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق … وقال النووي : أكثر العلماء أنه لا تقدير في ذلك و إنما هو بحسب النشاط و القوة فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال و الأشخاص . و الله أعلم . [ الفتح 9/97 ]
يتبع
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-22, 03:35 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
رمضان والقرآن
عادل باناعمة
(10)
تساؤلات
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
و إن قال قائل بعض هذا الذي ذكر لا يقبله عقل و لا يقره منطق ، فإنني أقول له ما قاله الإمام اللكنوي رحمه الله . قال : فإن قلت بعض المجاهدات مما لا يعقل وقوعها قلت : وقوع مثل هذا و إن استبعد من العوام فلا يستبعد من أهل الله تعالى ، فإهم أعطوا من ربهم قوة وصلوا بها إلى هذه الصفات ، و لا ينكر هذا إلا من ينكر صدور الكرامات و خوارق العادات .
وإن الذاكرين لهذه المناقب ليسوا ممن لا يعتمد عليه أو ممن لا يكون حجة في النقل بل هم أئمة الإسلام و عمد الأنام … كأبي نعيم و ابن كثير و السمعاني و ابن حجر المكي و ابن حجر العسقلاني و السيوطي و النووي و الذهبي و من يحذو حذوهم [ إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة 101 ]
وقد سبق أن ذكرت كلمة الإمام ابن رجب التي قرر فيها أن مثل هذا الاجتهاد سائغ في الأزمنة المفضلة و الأماكن المفضلة و أما طوال العام فالأولى للمؤمن ألا يختمه في أقل من ثلاث و إن لم يكن ذلك ممنوعا ، قال الذهبي رحمه الله : و لو تلا و رتل في أسبوع و لا زم ذلك لكان عملا فاضلا ، فالدين يسر ، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الرابتة و الضحى و تحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة و القول عند النوم و اليقظة و دبر المكتوبة والسحر ، مع النظر في العلم النافع و الاشتغال به مخلصا لله مع الأمر بالمعروف و رشاد الجاهل و تفهيمه و زجر الفاسق ونحو ذلك … لشغل عظيم جسيم و لمقام أصحاب اليمين و أولياء الله المتقين ، فإن سائر ذلك مطلوب فمتى تشاغل العبد بختمة في كل يوم فقد خالف الحنيفية السمحة و لم ينهض بأكثر ما ذكرناه [ السير 3/84-86 ]
(4-5) صور أخرى
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
وفي رمضان يجتمع الصوم و القرآن ، وهذه صورة أخرى من صور ارتباط رمضان بالقرآن ، فتدرك المؤمن الصادق شفاعتان ، يشفع له القرآن لقيامه ، و يشفع له الصيام لصيامه ، قال صلى الله عليه وسلم : (( الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، و يقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان )) [ أحمد ] و عند ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول : أنا الذي أسهرت ليلك و أظمأت نهارك )) .
" واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه جهاد بالنهار على الصيام و جهاد بالليل على القيام فمن جمع بين هذين الجهادين و وفيى بحقوقهما و صبر عليهما وقي أجره بغير حساب " [ لطائف المعارف 360 ]
و من صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة التراويح ، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن ، وكأنها شرعت ليسمع الناس كتاب الله مجودا مرتلا ، و لذلك استحب للإمام أن يختم فيها ختمة كاملة .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره [ لطائف المعارف 356 ] ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال أتيت النبي صلى اللهم عليه وسلم في ليلة من رمضان فقام يصلي فلما كبر قال الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها ثم ركع يقول سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال رب اغفر لي مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقام فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة [ أحمد ، باقي مسند الأنصار ، رقم 22309]
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وكان عمر قد أمر أبي بن كعب و تميما الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام و ما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر ، و في رواية أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها [ لطائف المعارف 356 ] وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال و بعضهم في كل سبع منهم قتادة و بعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي [ لطائف المعارف 358 ]
كل هذا التطويل و القيام من أجل تلاوة القرآن و تعطير ليالي شهر القرآن بآيات القرآن .
(5-5) مسارات ثلاثة
وإذا كان هذا شأن القرآن في رمضان فما أجدر العبد المؤمن أن يقبل عليه ، و يديم النظر فيه ، و إني أقترح على الأخ المؤمن الصادق أن يجعل له مع القرآن في هذا الشهر ثلاثة مسارات : المسار الأول : مسار الإكثار من التلاوة و تكرار الختمات ، فيجعل الإنسان لنفسه جدولا ينضبط به ، بحيث يتمكن من ختم القرآن مرات عديدة ينال خيراتها و ينعم ببركاتها .المسار الثاني : مسار التأمل و التدبر ، فيستفتح الإنسان في هذا الشهر الكريم ختمة طويلة المدى يأخذ منها في اليوم صفحة أو نحوها مع مراجعة تفسيرها وتأمل معانيها ، و التبصر في دلالاتها و استخراج أوامرها و نواهيها ثم العزم على تطبيق ذلك و محاسبة النفس عليه ، و لا مانع أن تطول مدة هذه الختمة إلى سنة أو نحوها شريطة أن ينتظم القارئ فيها و يكثر التأمل و يأخذ نفسه بالعمل ، و لعل في هذا بعض من معنى قول الصحابي الجليل : كنا نتعلم العشر آيات فلا نجاوزهن حتى نعلم ما فيهن من العلم و العمل .المسار الثالث : مسار الحفظ و المراجعة ، فيجعل لنفسه مقدارا يوميا من الحفظ و مثله من المراجعة ، و إن كان قد حفظ و نسي فهي فرصة عظمى لتثبيت الحفظ و استرجاع ما ذهب ، و لست بحاجة إلى التذكير بجلالة منزلة الحافظ لكتاب الله و رفيع مكانته ، و حسبه أنه قد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى له .
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
أخي الكريم … هاقد عرفت من فضل القرآن ما قد عرفت ، و علمت من ارتباط هذا الشهر الكريم بالقرآن العظيم ما قد علمت ، فلم يبق إلا أن تشمر عن ساعد الجد ، و تأخذ نفسك بالعزم ، و تدرع الصبر ، و تكون مع القرآن كما قال القائل :
أسرى مع القرآن في أفق فذ تبارك ذلك الأفق
وسرى به في رحلة عجب من واحة الإيمان تنطلق
وارتاد منه عوالما ملئت سحرا به الأرواح تنعتق
يامن يريد العيش في دعة نبع السعادة منه ينبثق
" عباد الله هذا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، و في بقيته للعابدين مستمتع ، و هذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم و يسمع ، و هو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع ، و مع هذا فلا قلب يخشع و لاعين تدمع ولا صيام يصان عن الحرام فينفع ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع .[ لطائف المعارف 364ا/365 ]
فهل للنفس إقبال ؟ و هل للقلب اشتياق ؟ و هل نملأ شهر القرآن بتلاوة القرآن ؟
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-23, 03:02 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
إمكانيات فهم القرآن
(11)
الحمد لله وبعد،،
أخبرنا الله في كتابه بأن هذا القرآن كتاب هداية للناس، كما قال تعالى (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ)[البقرة:185].
لكن هل هذا كل شيء؟ يعني هل يتفاوت الناس في فهم القرآن بحسب المعايير المادية المحسوسة فقط: الاستعدادات العقلية، المعرفة المسبقة باللغة، الخ؟ أم أن الناس يمكن أن يتفاوتوا –أيضاً- في فهم القرآن بحسب (المؤهلات الإيمانية)؟
الحقيقة أنه جاءت إشارات في كتاب الله تؤكد أن المؤمن التقي ينكشف له من معاني القرآن ما لا ينكشف لغيره، كما قال تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)[البقرة:2]..
فبالله عليك قارن بين قوله عن القرآن في أواخر البقرة (هدى للناس) وقوله عن القرآن في أول البقرة (هدى للمتقين) يستبين لك أن هداية القرآن على مراتب، وأن هداية القرآن العامة تكون للناس جميعاً، ولكن يتشرف أهل التقوى بهداية خاصة، فيها قدر زائد من العلم والمعرفة..
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن المعاصي حجاب يحول بين القلب ودقائق القرآن .. فأي حرمان تسببت فيه خطايانا ..
غُمّت علينا معاني القرآن الخاصة بسبب غيوم الذنوب.. وهل وراء ذلك من شؤم؟!
أَقرأُ القرآن .. وتمر بي الآية .. وأتأملها.. وأشعر أن فيها معانٍ خاصة كلّ بصري أن يراها بسبب ما اقترفته الجوارح .. فيصيبني من الحسرة والألم ما الله به عليم ..
أَقرأُ الآية .. وأعلم أنه قد تصفحتها عيون الأتقياء قبلنا في عصور مضت، وتنعمت بمعانٍ، وتجلت لها معارف، وتفتحت لها تصورات.. لأنها قلوب تستحق.. فتزداد حسرتي.. وأردد (هدى للمتقين)..
وأتذكر قصص السلف التي رويت في تراجمهم، وما ذكر عن تهجدهم بالأسحار، وقيام بعضهم الليل كله بآية يرددها من كتاب الله، وجاء هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي ذر عند النسائي أيضاً..
أتذكر هذه المشاهد من قيام بعض السلف ليلة كاملة بآية واحدة وأقول في نفسي: يا ترى كم هي المعاني التي فتحت لهذا المتهجد في قيام الليل حتى أصبحت قراءة الآية لا تزيده إلا شغفاً بإعادتها!
أتخيله وهو يتلوا، ثم يعيدها مرةً أخرى، وكأنما لم يرتوِ منها بعد، فيعيد تلاوتها ويغوص عقله في معانيها.. وتنسكب عليه من معاني الآية ما يحجب عن القلوب المنهكة بخطاياها..
أتخيل هذا المتهجد وهو يغص بعبراته، وتضطرب لحيته، في زاوية قصية قد اضطجع الليل على جوانبها.. لا تسمع فيها إلا صوت آية واحدة، لا تنتهي حتى تعود مرةً أخرى ..
الآية واحدة والمواجيد أصناف..
بل إن الله تعالى جعل في نفس كل مسلم برهاناً على هذه المسألة، وعلى سبيل المثال: تجد المسلم حين يقرأ القرآن وهو في صفاء الصوم، أو خلوة الاعتكاف: ينفتح له من المعاني والتأثر والاهتداء، ما لا ينفتح له وهو يصلي بلا خشوع –مثلاً- ويهذّ قصار السور بهذرمة المستعجلين!
بل إن الآية الواحدة ذاتها تقرؤها مرة فتطير بها في أفلاك الإيمان، وتتمنى أن تجد أحداً تحدثه عن معانيها بانبهار.. وتستغرب كيف فاتت على الناس هذه الآية؟! ثم تقرؤها في حالٍ أخرى ولا تسترعي منك أي انتباه!
الآية واحدة .. لكن القلب استيقظ مرة .. وتغشّاه النعاس أخرى!
فإذا كانت النفس الواحدة يتفاوت فهمها بحسب أحوال زكائها، فكيف بالنفوس المتعددة المتباينة في مدارج السلوك إلى الله؟!
القلوب الحية تجري في مضمار المعاني القرآنية .. والقلوب المكبلة بالخطايا ما زالت تزحف في الخطوط الأولى!
ويظن بعض المنتسبين للثقافة الليبرالية ممن يقحم نفسه في تفسير النصوص الشرعية أن قدرته على فهم النصوص تساوي أو تزيد على (أهل التقوى) .. ولا يستطيع عقله المصنّع خارجياً أن يستوعب أن أئمة الدين الذين لهم (لسان صدق عام) في الأمة؛ قد منحهم الله قدراً زائداً في فهم القرآن والاهتداء به..
ويدفعهم إلى هذا التصور محركات مختلفة، منها تشربهم التام للمعايير المادية الحسية، وجهلهم بالمعايير الإيمانية الغيبية ..
وأحياناً يكون هذا الأمر مدفوعاً بما يمكن تسميته (الغرور الثقافي) فهو يشعر أن اعترافه بأن (أهل التقوى) يتمتعون بقدر زائد في فهم القرآن أن هذا يقدح في كبريائه المعرفي، ويخلق تراتبية إيمانية في نطاق العلم ترتطم بأوهام المساواة الأرضية..
مثل هؤلاء يحتاجون أن يتدبروا قول الله (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى)[فصلت:44] فانظر كيف أن القرآن واحد، والأثر في الاهتداء به متفاوت، فهو لأهل الإيمان (هدى وشفاء) وهو لمسلوبي الإيمان (وقر وعمى)!
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
ومثل هؤلاء يحتاجون أن يتدبروا قول الله (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)[الإسراء:82] فالقرآن لأهل الإيمان (شفاء ورحمة) ولمن ظلموا أنفسهم (خسارة).
وكما أن أهل الإيمان يتفاوتون في إيمانهم، فالهدى والشفاء والرحمة يتفاوت بحسب ما في القلوب من الإيمان.
وكما أن مسلوبي الإيمان يتفاوتون في فجورهم، فالوقر والعمى والخسارة تتفاوت بحسب ما في القلوب من الفجور.
وإذا تأملت ظاهرة العلم في كتاب الله، وبشكل أدق مصادر وينابيع العلم؛ وجدت إشارات القرآن لما يؤكد هذا المعنى، فالقرآن في مواضع كثيرة يوضح أن (العلم) ليس بفضل المتعلم، وإنما بفضل الله، تأمل قول الله مثلاً (وَيُعلمكم اللَّهُ)[البقرة:282] وقول الله (تُعَلمونهن مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ)[المائدة:4] وقول الله (كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)[البقرة:239]، ولاحظ فيها نسبة الأمر إلى معلم آدم ومفهم سليمان سبحانه..
بل لاحظ كيف يشير بالفعل المبني للمجهول (أوتوا) إلى المصدر الخارجي للعلم (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)[العنكبوت:49] وقول الله (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)[النحل:27] واستعمال التعبير (أوتوا) إذا أتى ذكر العلم جاء في مواضع متعددة في كتاب الله.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
هذه الظاهرة التي نبّه عليها القرآن، ودلّت عليها وقائع الأحوال؛ يمكن استثمار دلالاتها في عدة نطاقات، فمن ذلك:
أن المرء إذا مرت به حالٌ إيمانية وشعر بزكاء نفسه وصفاء إيمانه فلينتهز الفرصة وينشر مصحفه ويقرأ كتاب الله ويتدبره، ويتمعن في مضامينه ودلالاته وهداياته، ويستجلي ما وراء الدلالات المباشرة، فكما أن الطالب يختار أصفى الأوقات للمذاكرة، فكذلك المؤمن يختار أزكى لحظاته للتدبر، بل وليدوّن في مثل هذه الحال سوانح المعاني التي تمر به..
ومن ذلك أن المحب للعلم والمعرفة الشرعية يضع نصب عينيه أن منزلته في تحقيق العلوم الشرعية وحسن الاستدلال من النصوص مربوط بتقواه لله، وأنه كلما ازداد تقوى وورعاً فإن الله يفتح عليه في تحرير المسائل الشرعية والاستدلال عليها.
ومن ذلك أن طالب العلم يراعي في اختيار الشيخ الذي يدرس عليه، أو يعتني بترجيحاته؛ ديانة الشيخ وتقواه ونسكه وورعه، فإن الشيخ التقي العابد يوفق للحق، كما قيل لإمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله: من نسأل بعدك؟ فقال (سلوا عبد الوهاب الوراق، مثله يوفق لإصابه الحق)[بحر الدم لابن عبد الهادي، 103]
فرشح الإمام أحمدُ عبدَ الوهاب الوراق برغم أنه أقل علماً من بعض أقرانه بسبب أنه أكثر صلاحاً وتقوى منهم، حتى أن الإمام أحمد قال مرة (من يقوى على ما يقوى عليه عبد الوهاب)..
وفي هذه المسائل تفاصيل إضافية أخرى تستحق أن تبسط في غير هذا الموضع، كمسألة مصدرية (الإلهام) في مبحث مصادر المعرفة، ومسألة (القلب المعمور بالتقوى إذا تكافأت عنده الأدلة أو انعدمت، فرجح بمجرد رأيه؛ فهو ترجيح شرعي في حقه) ونحو هذه المسائل.
والمراد فقط الإشارة إلى دور (الإيمان) في (العلم)، وأن الإيمان ليس مطلباً مستقلاً عن العلم لا صلة له به، وأن وسائل العلم ليست محصورة في الوسائل والبرامج الحسية المادية.
ولذلك كله قال الله عن القرآن تارة (هُدًى لِلنَّاسِ) وقال عنه تارة (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)
، فالأولى هداية قرآنية عامة يشترك فيها الناس، والثانية هداية قرآنية خاصة يختص بها أهل التقوى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-04-24, 04:01 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
رمضان شهر القرآن
أحمد بلوافي
(12)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
بسم الله الرحمن الرحيم
خص الله جل ذكره شهر رمضان بفضائل عديدة وخصائل كثيرة تجعل منه محطة هامة، ومعلماً بارزاً في سنة المسلم، مما يجعله ينتظر قدومه، بل يسأل الله أن يبلغه ذلك، بكل شغف ويستعد له قبل مقدمه بمدة كما كان يفعل أسلافنا - رحمهم الله - رحمة واسعة. وما ذلك إلا لاغتنام النفحات الربانية والتخفيضات الموسمية التي ترافق حلول هذا الضيف العزيز.
ففي هذا الشهر تُصفَّد الشياطين، وتفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وفيه ليلة خير من ألف شهر، وغيرها من الأمور التي وردت في ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث وهدي. ولاشك أن أعظم تلك النعم وأجلها على الإطلاق هي اختيار الله لليلة المباركة من بين لياليه لإنزال القرآن الكريم. القرآن كتاب الهداية والنور والخير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، من عمل بمقتضى أوامره ونواهيه حقق الفوز والنجاة في هذه الدار ويوم يقوم الناس لرب الأرباب، ومن ولاه ظهرياً خسر الدنيا والآخرة ونكص على عقبيه وعاش حياة ضنكاً وسار في هذه الدنيا من غير نور ولا هدى ولا كتاب منير. فوكل إلى شهواته وأهوائه وما يوحيه إليه شياطين الإنس والجن فيعيش منكوس الفطرة لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً إلا ما أشرب من هواه.
يقول - سبحانه وتعالى- في معرض حديثه عن الصيام في سورة البقرة: [شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان]، ويقول جل ثناؤه في سورة القدر: [إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر]، ويقول في مطلع سورة الدخان: [إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم].
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم علينا أن نستشعر هذه المنة العظيمة، والنعمة الجليلة التي خص الله بـها هذا الشهر من بين سائر الشهور، ألا وهي نعمة إنزال القرآن الكريم، ويكون استشعار تلك النعمة بتأدية ما أوجبه الله علينا حيال هذا القرآن وهو فهمه وتدبره وتلاوته والعمل بمقتضى أحكامه: [قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون]، وقال - تعالى -: [إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة، وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور]، ويقول عز من قائل: [اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون][الأعراف: 2].
إن استعراض هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان والعودة إلى الأحاديث الصحيحة التي حفظت عنه نجد أنه كان يخص رمضان بأعمال ويكثر من بعضها أكثر من غيره من الشهور، يقول ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في زاد المعاد[1]:
"… [وكان من هديه في هذا الشهر] الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل - عليه السلام - يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر، والاعتكاف، وكان يخص رمضان بما لا يخص غيره به من الشهور…" ا.هـ.
وهكذا يتضح من هديه - عليه السلام - في رمضان أنه كان يكثر فيه من تلاوة القرآن. وهنا بيت القصيد، كما يقولون، وهو أننا إذا أردنا أن نـقتدي بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأن نستشعر نعمة إنزال القرآن في هذا الشهر علينا أن نكثر من التلاوة فيه. والتلاوة على ضربين [2]آ؛ تلاوة حكمية وهي تصديق أخباره وتنفيذ أحكامه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، والنوع الثاني: تلاوة لفظية، وهي قراءته. وكلا الأمرين مطالب المسلم بإتيانه وخاصة الأمر الأول، ولكن الشارع رغبه في الأمر الثاني وحضه على ذلك، ولاشك أنه من دون التلاوة اللفظية المتكررة بتدبر وإمعان فإنه يصعب تحقيق النوع الأول والله أعلم.
وفي ما يلي نذكر بعض النصوص التي جاءت مرغبة المسلم بتلاوة القرآن وأن الله أعد له الأجر والثواب العظيم عند قيامه بذلك [3]:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، رواه البخاري في صحيحه، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.
وقال أيضاً: "أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عز وجل - خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل"، رواه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
وقال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار"، رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها: لا أقوال]ألم[حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"، رواه الترمذي والدارمي وغيرهما، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"، رواه مسلم في صحيحه عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه -.
وقال أيضاً: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين يعملون به، تقدمه[4] سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما"، رواه مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان رضي الله عنه.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "تعاهدوا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده، له أشد تفلتاً[5] من الإبل في عقلها"، رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يرفع بـهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"، رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وقال أيضاً: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، طمعها طيب، ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطمعها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر، ولا ريح لها" رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق[6] ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منـزلتك عند آخر آية تقرؤها"، رواه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، وهو حديث صحيح.
فلنجتهد في كثرة قراءة القرآن المبارك لا سيما في هذا الشهر الذي أنزل فيه فإن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة. كان جبريل يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في رمضان كل سنة مرة فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين تأكيداً وتثبيتاً، وكان السلف الصالح - رضي الله عنهم - يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها، كان الزهري - رحمه الله - إذا دخل رمضان يقول: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام. وكان مالك - رحمه الله - إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن من المصحف. وكان قتادة - رحمه الله - يختم القرآن في كل سبع ليال دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة. وكان إبراهيم النخعي - رحمه الله - يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال، وفي العشر الأواخر في كل ليلتين. وكان الأسود - رحمه الله - يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر[7].
وإذا كان ذلك حال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قراءة القرآن وكذلك السلف، فإن حالهم مع التأثر بكتاب الله أشد، لأنـهم أدركوا أن القراءة لوحدها، دون تحقيق الأمر المرجو منها قد تكون وزراً على صاحبها، كما أن قلوبـهم النقية ونفوسهم الزكية كانت تتعامل بكل رقة وإخبات مع كتاب الله - عز وجل -.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقرأ علي القرآن، قلت: يا رسول الله أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية]فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً"، قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان"[8]. وهكذا كان حال الصحابة ومن سار على نـهجهم، والأخبار في ذلك لا يتسع لها المقام، فمن أراد التعرف على ذلك فعليه العودة إلى مظانه، وحسبنا في ذلك كمعيار لمدى تفاعلنا مع القرآن قول المولى - جل وعلا -: [لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله].
يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -[9]: "وهذا النوع [التلاوة الحكمية] هو الغاية الكبرى من إنزال القرآن كما قال - تعالى -: [كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب]، ولهذا درج السلف الصالح - رضي الله عنهم - على ذلك يتعلمون القرآن، ويصدقون به، ويطبقون أحكامه تطبيقاً إيجابياً عن عقيدة راسخة، قال أبو عبد الرحمن السٌّلميٌّ - رحمه الله -: حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن، عثمان ابن عفان وعبد الله مسعود، وغيرهما، أنـهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً، وهذا النوع من التلاوة هو الذي عليه مدار السعادة والشقاوة، قال الله - تعالى -: ]فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى، وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى]".
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
ومن الأمور المعينة على تحقيق الغاية من تلاوة القرآن ما يلي:
إخلاص النية لله - عز وجل - في ذلك.
القراءة بقلب حاضر، متدبر ومتفهم لما يتلو.
عدم التلاوة في الأماكن المستقذرة أو في مكان لا ينصت فيه لقراءة القرآن.
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم مع الطهارة.
تحسين الصوت بالقرآن وترتيله ترتيلاً جيداً، بحيث يراعي أحكام التلاوة ويسجد إذا مر بالسجدة وغير ذلك مما هو مبين في كتب التجويد.
إن أقل ما نفعله في هذا الشهر الكريم هو أن نعود أنفسنا على الإكثار من تلاوة القرآن، والالتصاق به، وذلك حتى يتسنى لنا عرض حالنا وأعمالنا على هذا النبع الصافي والصراط المستقيم والمحجة البيضاء، وحتى لا يشملنا قول الباري - جل وعلا -: [وقال الرسول: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً]، وحتى يكون فوق ذلك هذا القرآن شافعاً لنا لا شاهداً علينا.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، ووفقنا إلى إنزاله المكانة التي تقربنا به إليك، اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
----------------------------------------
[1] المجلد الثالث، ص [30-32].
[2] مجالس شهر رمضان، الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، ص21.
[3] مقتبس من مقدمة الشيخ عبد القادر الأرناووط لتفسير بن كثير، طبعة دار الفيحاء ودار السلام.
[4] أي تتقدمه.
[5] عند البخاري: أشد تقصياً، والمعنى واحد.
[6] أي في درجة الجنة بقدر ما حفظته من آي القرآن وعملت به.
[7] مجالس شهر رمضان، ص 24.
[8] متفق عليه.
[9] مجالس شهر رمضان، ص54-55.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-04-25, 04:00 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
جوابات القرآن
(13)
-كلما عظم شأن الرسالة عظم شأن ناقلها، فأي رسالة أعظم من أن يكون المتكلم بها رب العالمين، ونزل بها من السماء سيد الملائكة، واستقبلها على الأرض قلب سيد البشر: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَىظ° قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء:192-194]
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
ولذلك فإن كل من نقل هذه الرسالة القرآنية وبثها في الناس فقد تشرف بارتباطه بهذه السلسله، ألا ترى النبي في الصحيح يقول (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). -إذا كان الله نهى نبيه عن مقاطعة القرآن بالقرآن، فكيف بمن يقاطع القرآن بأمر الدنيا،
(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىظ° إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [طه:114] -تختلف طرائق الدعاة في تذكير الناس، فبعضهم يستعمل القصص والأمثال، وبعضهم بذكر الأهوال، وبعضهم بالأصوات الزاجرة، وأشرف من ذلك كله إيقاظ القلوب بالقرآن، ألا ترى الله يقول عن نبيه
(قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) [الأنبياء: 45] -ما قرأت هذه الآية إلا شعرت بالخجل من جنس بني آدم، كيف عبر عن غيرنا بالعموم وعبر عنا بالجزء :
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِوَكَثِي رٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ غڑ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج: 18] -حين يكون مع المبدأ شئ من حظ النفس يُقبِل الكثيرون، وحين يكون مع المبدأ شئ من الكلفة يكثر التعلل والتنصل، ألا ترى الله تعالى يقول
(لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَظ°كِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ) [التوبة:42] وهذا مايفسر للمراقب: لماذا في وقت نفوذ الدعوات ينتسب لها الرسالي والنفعي، وفي فترات الضعف يتساقط النفعيون؟! -إذا عمر القلب بإرادة وجه الله والدار الآخرة استكثر أدنى تقدير يبديه من حوله تجاهه، فتراه ممتناً لأبسط اهتمام تبذله زوجته له، وخجولاً من أقل توقير يبديه أقرانه تجاهه، ألا ترى الله يقول عن هذا الصنف
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لانُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاشُكُورًا) [الإنسان: 9]
وإذا شحن القلب بحظوظ النفس استقل كل حشمة يحيطه من حوله بها، ويتطلب فيمن حوله أن لاتنقطع إشادتهم وتنويههم بما قام به، لذا تراه دائم التذمر والنقمة ولمز من حوله بجحد فضائله، وينسى أنه يعمل العمل لنفع نفسه أصلاً، ألا ترى الله يقول عن هذا الصنف (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاتَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ) [الحجرات: 17] -لو فتشت في خفايا كثير من النفوس لوجدت تصورات مطمورة بأن هذه الأمم الغربية قوة لاتقهر، بل لقد صرح بذلك كثير من "أهل الأهواء الفكرية" فرددوا في كتاباتهم مصطلح "المعجزة الغربية" بما يحمله من إيحاءات الاستسلام وتأبيد الهزيمة .. ولأن العليم الخبير سبحانه يعلم مايتسرب إلى النفوس من هذه التصورات فقد نبه سبحانه لذلك مسبقاً فقال
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ) [النور: 57] -في سورة النور ذكر الله ثمان آيات متصلة كلها في تعظيم "الانقياد للوحي" (الآيات 47-54) ، ثم أعقبها بآية عن "الاستخلاف والتمكين" (55) ، فكأن هذا –والله أعلم- إشارة إلى أن التمكين ثمرة الانقياد.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
-يكثر في كتابات أهل الأهواء الفكرية أنهم حين يستعرضون أصحاب المكتشفات العلمية أو الأعمال الإنسانية أن يجزموا بأن هذه الشخصيات في الجنة حتى وإن لم يؤمنوا بنبوة محمد، وتراهم يقولون "كيف يكون هؤلاء في النار وقد نفعوا البشرية جمعاء؟!" ، فلست أدري كيف يتجرأ هؤلاء على تحدي حكم الله الذي اشترط الإيمان بنبوة محمد
(وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) [التوبة:54] -مروجوا الشهوات لايقتصر ضررهم على أنفسهم كما يتصور البعض، بل يورطون أقوامهم معهم إذا أتاحوا الفرصة لهم، ألا ترى الله يقول
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم:28] -مارأيت أحداً من المجادلين في دين الله بلامخزون علمي إلا وأدهشني كيف يلوي عنقه استكباراً إذا واجهته الأدلة التي تحرج جدله، وقد أشار القرآن لهذه العلاقة فقال:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِير، ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الحج: 8-9] -لايحصل العلم بلقاء عابر، وإنما بملازمة ومتابعة العلماء، ألا ترى موسى يقول للخضر
(قَالَ لَهُ مُوسَىظ° هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىظ° أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف:66] -أي بشاعة للتقصير في بر الوالدين أكثر من كون الله جعله جريمة "جبروت" فقال عن عيسى
(وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) وقال عن يحي (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) [مريم: 32، 14]
والله أعلم،،
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-04-26, 04:32 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
فضل ختمة القرآن وأحكامها
خالد بن سعود البليهد
(14)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن ختم القرآن من الأعمال الجليلة التي يثاب عليها العبد وينال بها الدرجات العلى، فيستحب للمسلم أن يختم القرآن مرة بعد مرة ويواظب على ذلك، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» (رواه الترمذي؛ برقم: [2910]).
وتلاوة القرآن فيها فضائل حسنة ومزايا عظيمة كما ورد في النصوص، من شفاعة في الآخرة وكثرة الحسنات، ورفعة الدرجات، وزيادة اليقين، وانشراح الصدر، وشفاء من الأسقام، واطمئنان الروح، وجلاء الهموم والأحزان في الدنيا، وبصيرة في الدين، وفرقان في المشتبهات، ورفعة في الدنيا، وغير ذلك من الشمائل التي لا يحصيها القلم ولا يحدها الوصف.
وفي الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ» (صحيح البخاري؛ برقم: [5427]، صحيح مسلم؛ برقم: [797]).
أما مدة ختم القرآن فلم يرد حدٌّ مؤقتٌ في السنة في أكثرها، وإن كان ورد ذم في السنة وعن السلف هجر القرآن وإطالة المدة في ختمها، وقد حدها بعضهم بالأربعين لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المدة لعبد الله بن عمرو لختم القرآن لما أخرج أبو داود عن عبد الله بن عمرو: "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يُقرأ القرآن؟ قال: «فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا»، ثُمَّ قَالَ: «فِي شَهْرٍ» (سنن أبي داود؛ برقم: [1395]). وعنه في رواية البخاري قال له: «اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ» قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، حَتَّى قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ» (صحيح البخاري؛ برقم: [5054]).
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وقد كره بعض الفقهاء تجاوز هذه المدة من غير ختم القرآن، والصحيح أنه لا يكره ذلك لأن هذه الأحاديث خرجت مخرج الأفضلية والاستحباب، ولذلك اختلفت الروايات في تحديد المدة، والمقصود أنه ينبغي للمؤمن أن يتعاهد القرآن، ويكون كثير المدارسة له، ولا يهجره ويكون بعيد العهد به، ولذلك روى أبو داود عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون في شهرين ختمة واحدة.
أما أقل المدة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ختمه بأقل من ثلاث ليال لحديث عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ" (مسند الدارمي؛ برقم: [3530])، وفي سنن أبي داود: «لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» (سنن أبي داود؛ برقم: [1390])، وهذا النهي على سبيل الكراهة.
واختلف أهل العلم هل هذا النهي عام في جميع الأحوال أم خاص؟ وذهب كثير من فقهاء السلف وعبادهم إلى حمل هذا النهي على معنى خاص كالمداومة على ذلك، أو في أيام السنة التي لا مزية فيها، أما في الأزمان الفاضلة كشهر رمضان وغيره فلا حرج على المسلم في ختم القرآن بأقل من ثلاث، لأن الأفضل في الزمان الفاضل والمكان الفاضل الإكثار من العبادة مع إقبال النفس وانشراحها لعمل الخيرات، وقالوا إن المقصود من النهي عدم عقل القرآن وفقه معانيه أو خشية السآمة والملل في العبادة، والذي يظهر أن هذا المسلك وجيه يتحقق فيه مصالح كثيرة.
قال ابن رجب في اللطائف: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة شرفها الله لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان، وهذا قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة".
قال إبراهيم النخعي: "كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين"، وكان قتادة يختم القرآن في سبع، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة، وعن مجاهد أنه كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلة، وعن مجاهد قال: "كان علي الأزدي يختم القرآن في رمضان كل ليلة"، وقال الربيع بن سليمان: "كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمة"، وقال القاسم ابن الحافظ ابن عساكر: "كان أبي مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم".
والحاصل أن الأفضل للإنسان أن يختم في كل سبع كما كان كثير من الصحابة يسبع، واختاره كثير من أهل العلم، فإن لم يتيسر له ففي عشر، وإن رغب في الخير في الأوقات الفاضلة فختم بأقل من ثلاث من غير مفسدة فلا حرج عليه.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم في كل سبع ولا يصح.
والصحيح أنه ليس هناك وقت محدد في الشرع لوقت الختمة في ساعة من الليل أو النهار أو ليلة معينة في الأسبوع كليلة الجمعة، فيفعل العبد ما هو أيسر له، وأجمع لقلبه، وأشرح للعبادة، وأفرغ لوقته، فلا فضل في وقت معين، وما ورد من آثار بعض الصحابة والتابعين لا يدل على التحديد في هذا الباب، لأن هذا اجتهاد منهم ليس عليه دليل من الشرع والأمر في ذلك واسع.
وكذلك جميع ما روي من استغفار ستين ألف ملك عند ختمة القرآن، أو استغفار عدد معين عند ختمة القرآن أول الليل فمنكر لا يصح منه شيء في هذا الباب، كحديث: "إذا ختم العبد القرآن صلى عليه عند ختمه ستون ألف ملك"، وحديث: "من ختم القرآن أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، ومن ختمه آخر النهار صلت عليه الملائكة حتى يصبح". فلا يجوز للمسلم أن يعتقد للختمة ثوابًا خاصًّا لم ترد في الشرع، وإن كان فيها فضل عظيم، وموطن دعاء وتعرض لعطايا الرب لأنه ختام عمل صالح تلاوة أشرف كلام.
وينبغي للمسلم أن يجعل له ورد من القرآن من ليل أو نهار، سواء كان ذلك داخل صلاة النفل أو خارجها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا» (صحيح مسلم؛ برقم: [791])، وقد كان الصحابة يواظبون على قراءة حزب معين كل ليلة، وآثارهم كثيرة في هذا الباب، ولم يرد في الشرع قدر محدد من السور أو الآيات يقرؤها كل ليلة أو يوم، ومن حدد شيئا في هذا فقد أخطأ، وما يُروى في هذا الباب لا يصح منه شيء، وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل لم تكن مؤقتة في القدر، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة البقرة، ثم افتتح النساء، ثم افتتح آل عمران.
وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الحزب ولم يقيده بقدر فقال: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ» (صحيح مسلم؛ برقم:[747])، والصحابة رضي الله عنهم كانت تختلف مسالكهم في هذا الباب، فمنهم من كان يختم في ليلة، ومنهم في ثلاث، ومنهم في سبع، ومنهم في عشر، ومنهم في شهر، ومنهم في شهرين.
ولكن لا بأس للإنسان أن يحدد ورده من باب التنظيم والاجتهاد في الختم، وإن نشط في بعض الليالي طول القراءة، وإن كسل قصرها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، والأمر في ذلك واسع، لكن لا يُشرع له أن يعتقد أفضلية لقدر معين من الآيات وينسب ذلك للسنة.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
واستحب بعض الفقهاء لمن ختم القرآن أن يقرأ الفاتحة وأول البقرة إلى قوله: {أُولَـظ°ئِكَ عَلَىظ° هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ غ– وَأُولَـظ°ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5]، ويجعل ذلك ختام قراءته لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "أن رجلًا قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: «الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ». قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: «الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ» (رواه الترمذي واستغربه؛ برقم: [2948])، لكن هذا الخبر لا يصح فلا يُعمل به، فعلى هذا لا يستحب ذلك على الصحيح والعمل على تركه.
وإذا ختم القرآن استحب الفقهاء أن يدعو بعد ذلك، ويجمع أهله على ذلك إن تيسر، لأن الدعاء يُرجى قبوله بعد الفراغ من العمل الصالح، ولأنه ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنه كان إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم" (رواه الدارمي؛ برقم: [3517])، وعن مجاهد قال: "كانوا يجتمعون عند ختم القرآن يقولون: إن الرحمة تنزل عند القرآن"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه كان يجعل رجلًا يراقب رجلًا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس رضي الله عنهما فيشهد ذلك" (رواه الدارمي).
ولا يُشرع الاجتماع عند الختمة وصنع الطعام لذلك وتوزيعه قصد الثواب للحي أو الميت يوم الخميس أو غيره، بل ذلك من البدع والمحدثات التي ليس لها أصل في الشرع بهذه الكيفية.
ولا يُسن تخصيص الصوم ليوم الختمة أو عبادة أخرى، واعتقاد أن ذلك له مزية في الشرع.
أما الدعاء لختم القرآن في صلاة القيام في رمضان قبل الركوع فقد استحبه طائفة من الفقهاء، وهو عمل أهل مكة اشتُهر عنهم، وأخذ به الإمام أحمد ومتأخرو المذاهب الثلاثة، ويغلب على الظن أنهم تلقوا ذلك عن الصحابة، والذي يظهر أنه لا بأس بعمله لمناسبة المحل بعد ختم القرآن، ولأنه يجوز الدعاء في الصلاة كدعاء الوتر وهذا من جنسه، ولأنه يُشرع للمصلي السؤال والاستعاذة عند ذكر ما يقتضي ذلك من الآيات كما ثبت في السنة، ولأن أبا بكر رضي الله عنه لما أنابه النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة لمرضه، ثم دخل في الصلاة فتأخر أبو بكر وتقدم النبي رفع يديه ودعا وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على جواز الدعاء العارض أثناء الصلاة لأنه ذكر مشروع من جنس أذكار الصلاة، ولأن الصحابة رضي الله عنهم توسعوا في دعاء القنوت، وزادوا عليه فأدخلوا فيها الصلاة وغيره، مما يدل على أن الأمر واسع في هذا الباب.
والحاصل أن الإمام إذا كان يرى مشروعية ذلك، ويقتدي بقول عالم، فينبغي متابعته وعدم مخالفته أو الإنكار عليه كما كان كثير من أئمة السلف من الفقهاء والمحدثين لا ينكرون هذه المسائل، ويرون أن الخلاف سائغ لا يقتضي الإنكار والتدابر وترك الاجتماع على القيام لأجل ذلك، وهو أدب وفقه يَعزُب عن بعض الصالحين اليوم.
والصحيح أنه ليس هناك دعاء خاص لختمة القرآن ينبغي التزامه في جميع الأحوال لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه شيء مؤقت، وما يُنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية من دعاء الختمة مطعون فيه أنكره العلماء.
فيدعو الإنسان بما تيسر له من الدعاء، ويختار الأدعية الجامعة والمناسبة لفضل القرآن ومنزلته، والثناء على الله المتكلِّم به، ونحو ذلك، والأمر في هذا الباب واسع، لكن لا ينبغي له التزام ألفاظ وعبارات معينة في دعاء الختمة، واعتقاد نسبتها إلى الشرع والمحافظة عليها كالأذكار الشرعية الراتبة.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
وقد كان الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم يُكثرون من ختم القرآن آناء الليل وأطراف النهار، ولهم في ذلك أحوال عجيبة وإن كانوا في هذا الباب على مراتب، منهم المقل ومنهم المستكثر، لكن يجمعهم العناية بتلاوة القرآن، وامتلاء صدورهم بتعظيم القرآن وعلو منزلته، حتى كان الفقيه الناسك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يترك صوم النفل لأنه يشغله عن تلاوة القرآن، وهذا من الفقه الدقيق الذي لا يُوفق إليه إلا من أوتي الحكمة ورُزق البصيرة في الدين.
وما عليه السلف الصالح من التنسك والاجتهاد مخالف لما عليه كثير من الناس في هذا الزمن من هجر القرآن وجفائه، والاعتياض عنه بالصحف والمجلات والروايات، حتى صار يأتي على الرجل سنون كثيرة وهو لم يختم القرآن ولا مرة، وكثير من الناس لا يختم إلا في رمضان والله المستعان.
ولا يليق بالمنتسبين للعلم والدعوة أن يزهدوا في تلاوة القرآن وختمه ويقصروا في هذا الباب العظيم الذي يُعد نورًا وهداية وزكاة وفرقانًا لطريقهم وسبيلهم، ولا يُقبل لهم عذر في هذا التفريط، ومن كان زاهدًا في القرآن والسنة كان أمره في سفال ودعوته في ريبة.
ويُستحب للإمام أن يعتني بختم القرآن في صلاة التراويح في رمضان، ويحرص على ذلك إن تيسر له، لأن رمضان شهر القرآن وقد ثبت في البخاري عن أبو هريرة أن جبريل "كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ" (صحيح البخاري؛ برقم: [4998])، فينبغي أن يُسمعهم جميع القرآن، يحرك قلوبهم ويبصرهم في الشرع لا سيما وإن كثيرًا من الناس هاجرٌ لكتاب الله مقصرٌ في معرفة أحكام التلاوة، لا يعرف القرآن إلا في هذا الشهر والله المستعان.
ويُشترط لصحة الختمة اتصال القراءة في الحكم، بأن يقصد القارئ حال قراءته الختمة، وبناء قراءته على القراءة السابقة سواء كانت القراءة داخل الصلاة أو خارجها، أو من المصحف أو عن ظهر قلب، أما إذا قرأ سورة منفردة، أو كررها للرقية أو التدبر أو تعلم التجويد أو الحفظ فلا تدخل قراءته هذه في الختمة، ولا تُعتبر منها كمن كرر سورة الإخلاص لنيل ثوابها الخاص، أو قرأ سورة الكهف يوم الجمعة ونحو ذلك.
ويجوز أن تكون له ختمتان في الليل والنهار لأن باب التطوع واسع، لكن الأولى أن لا يشرع في ختمة إلا بعد الفراغ من الختمة الأولى.
ويُستحب للمسلم الحرص على الختمة في الأزمان الفاضلة والأماكن الفاضلة، واغتنام مواسم الخيرات بذلك، لأن العمل يتفاضل، وتلاوة القرآن من أَجَلّ الأعمال، وقد كان السلف يحرصون على ذلك إذا نزلوا مكة والمدينة.
والتحقيق أن ما يسمى بالختمة الجماعية بأن: يجتمع قوم كل واحد يقرأ جزءًا من القرآن في نفس الوقت أو متعاقبين إلى أن ينهوا القرآن ليس ذلك داخلًا في حُكم الختمة الواردة في الشرع، لأن التلاوة عبادة متصلة الأجزاء، يُشترط أن تصدر من مكلف معين لا من أكثر من واحد كالأذان والإقامة وغيرها من العبادات القولية، فلا يُشرع هذا العمل لأنه مخالف للسنة إلا إذا كان على سبيل التعليم والمذاكرة لا قصد ثواب الختمة.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-27, 03:33 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
كيف تقضي نهارك في رمضان؟ قرآنك
عصام حسنين
(15)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ومن ذكر الله تعالى تلاوة القرآن، كلام الله تعالى، فهو أفضل الذكر وأشرفه، قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23].
- وهو كلام الله تعالى، ووصفه الله تعالى بصفات جليلة عظيمة، وحقـًا هو كذلك؛ لأنه كلام الله جلَّ وعلا.
وصفه الله تعالى بأنه نور وبرهان، وموعظة، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، وروح تحيا به النف?س، وكفاية لمن اكتفى به، وأحسن الحديث، وتقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله، وحبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، وإمام يقود إلى حياة السعادة والجنة.
- والقرآن سبب من أسباب محبة الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأ فِي الْمُصْحَفِ» [رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي، وحسنه الألباني].
- وشفيع لأصحابه يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ» [رواه مسلم].
- وبركة للمكان الذي يُتلى فيه، وحياة له، وعصمة من الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» [رواه مسلم].
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
- وسبب عظيم للحسنات، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلكَنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرفٌ» [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
- وهو حجة للعبد يوم القيامة يحاجج عن صاحبه الذي عمل به؛ قال صلى الله عليه وسلم: «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ» [رواه مسلم].
- وظلة له من حر الشمس التي تدنو فوق الرؤوس مقدار ميل يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْن ِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» [رواه مسلم].
قال أهل اللغة: "الغمامة والغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة، وغيرهما"، قال العلماء: "المراد أن ثوابها يأتي كغمامتين، والفِرقان: قطيعان وجماعتان" [انتهى م? شرح مسلم للنووي 6/90].
و"«الصواف»: المصطفة المتضامة، و«البطلة»: السحرة، و«الزهروان»: المنيران، ومعنى «لا يستطيعها البطلة»: لا يمكنهم حفظها، وقيل: لا تستطيع النفوذ في قارئها، والله أعلم" [تفسير ابن كثير1/34].
- هذا القرآن العظيم أنزله الله تعالى في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك مفرقـًا على مدار ثلاث وعشرين سنة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
وكان جبريل عليه السلام يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» [متفق عليه].
وهذا يدل على وظيفة عظيمة للمؤمن في شهر رمضان، وهي: تلاوة كتاب الله تعالى، خاصة بالليل، وأن يغتنم فيه الختمات؛ لأنه زمان شريف تضاعف فيه الحسنات.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
ولقد ورد عن سلفنا رضي الله عنهم في اغتنامهم تلاوة القرآن في شهر رمضان الأعاجيب:
- كان مجاهد رحمه الله تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما يختم ختمة فيما بين المغرب والعشاء في رمضان، وكانوا يؤخرون العشاء إلى أن يمضي ربع الليل!
- وكان الشافعي رحمه الله يختم في رمضان ستين ختمة، ما منها شيء إلا في صلاة!
- وكان أبو حنيفة رحمه الله يختم كل يوم ختمة!
- وكان الأسود وكان من العلماء العباد رحمه الله يختم في رمضان في كل ليلتين، وكان يختم في غير رمضان في كل ست ليال!
- وكان الزهري، ومالك، والثوري، وابن الأعرابي رحمهم الله إذا جاء رمضان فروا من مجالس الحديث والعلم إلى مجالس القرآن.
- وكان قتادة رحمه الله يختم في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة!
- وهل هذا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ» [رواه أبو داود، وصححه الألباني]؟
قال ابن رجب رحمه الله: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة: كشهر رمضان خصوصًا في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتنامًا للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، ويدل عليه عمل غيرهم كما سبق ذكره" [انتهى من لطائف المعارف].
وقد وردت آثار عن السلف في فضل ختمة القرآن؛ من ذلك ما رواه الدارمي وقال: حسن عن سعد رضي الله عنه قال: "إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلت عليه الملائكة حتى يمسي".
وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين عن قتادة التابعي الجليل الإمام صاحب أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان أنس رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا".
- وروي بأسانيد صحيحة عن الحكم بن عتيبة التابعي الجليل الإمام قال: "أرسل إليَّ مجاهد وعبادة بن أبي لبابة فقالا: إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء يستجاب عند ختم القرآن"، وفي بعض رواياته الصحيحة: "وأنه كان يقال: إن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن".
وروي بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: "كانوا يجتمعون عند ختم القرآن يقولون: تنزل الرحمة".
- ويستحب حضور مجلس الختم لمن يقرأ، ولمن لا يحسن القراءة؛ لما رواه الديلمي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه كان يجعل رجلاً يراقب رجلاً يقرأ القرآن فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس رضي الله عنهما فيشهد ذلك".
- وينبغي أن يُلح في الدعاء، وأن يدعو بالأمور المهمة، والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم ذلك وكله في أمور الآخرة، وأمور المسلمين" [انتهى بتصرف من الأذكار للنووي ص 108-109].
وتلاوة كتاب الله تعالى هي قراءته واتباع أحكامه، فالتلاوة لغة هي: الاتباع، فتدخل فيها القراءة؛ لأن القارئ متبع للنص كما يدخل فيها اتباع الأحكام.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
وعلى هذا فهي على نوعين:
الأول: تلاوة حكمية، بتصديق أخباره واتباع أحكامه، وفعلاً للمأمورات وتركًا للمنهيات، وهذا هو الغاية الكبرى من إنزال القرآن كما قال الله تعالى كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ[ص: 29].
وعلى هذا درج السلف؛ كانوا يتعلمون القرآن ويصدقون به، ويطبقون أحكامه تطبيقـًا إيجابيًا عن عقيدة راسخة.
قال أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله: "حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا".
وهذا النوع من التلاوة عليه مدار السعادة في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى . وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 123-127].
والثاني: تلاوته.. وقد بيناه، وبينا فضله، واجتهاد السلف فيه.
فاقتدوا رحمكم الله بهؤلاء الأخيار، واتبعوا طريقهم تلحقوا بالبررة والأطهار، واغتنموا ساعات الليل والنهار بما يقربكم إلى العزيز الجبار، فإن الأعمار تـُطوى سريعًا، والأوقات تمضي جميعًا، وكأنها ساعة من نهار [انتهى بتصرف من مجالس شهر رمضان لابن عثيمين رحمه الله، ص3، وص63].
فالله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين.. آمين.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-28, 04:13 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
حال السَّلف الصالح مع القرآن في شهر رمضان
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
(16)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
الحمد لله الذي علَّم القرآن، خلَق الإنسان، علَّمه البيان، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، أعلمِ الخلق بالله ودينه وشرعه، وأنصحهم للناس وأنفعهم، وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات، ومَن تبعَهم إلى يوم الحشر والجزاء.
أمَّا بعد، أيُّها الإخوة النُّبلاء ــ سدَّدكم الله وقوَّاكم على طاعته ــ:
فإنَّ مِن أعظم ساعات المسلم هي تلك الساعات التي يَقضيها مع كتاب ربِّه القرآن، فيتلوا، ويتدبَّر، ويتعلَّم الأحكام، ويأخذ العِظَة والعِبرة.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
فأكثِروا مِن الإقبال على القرآن في هذا الشَّهر الطيِّب الْمُطيَّب رمضان، والزَّمَن الفاضل الجليل، وحُثُّوا أهليكم رجالًا ونساءً، صغارًا وكِبارًا، على تلاوته والإكثار مِنه، واجعلوا بيوتكم ومراكبكم عامرةً بِه، فإنَّ أجْر العمل يُضاعف بسبب شرَف الزَّمان الذي عُمِل فيه.
وقد كان نبيِّكم صلى الله عليه وسلم يُقبِل على القرآن في هذا الشهر إقبالًا خاصًّا، فكان يَتدارسه مع جبريل ــ عليه السلام ــ كلَّ ليلة، إذ قال عبد الله بن عباس ــ رضي الله عنهما ــ: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ )).
رواه البخاري (6) واللفظ له، ومسلم (2308).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «لطائف المعارف» (ص:242-243):
دلَّ الحديثُ على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعَرْضِ القرآن على مَن هو أحفظ مِنه.
وفيه دليلٌ على استحباب الإكثار مِن تلاوة القرآن في شهر رمضان.اهـ
وقال الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه «فضائل القرآن» (ص:37):
ولهذا يُستحبُّ إكثار تلاوة القرآن فى شهر رمضان، لأنَّه ابتدئ بنزوله، ولهذا كان جبريل يُعارِض بِه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كلِّ سَنَة في شهر رمضان، ولَمَّا كانت السَّنة التي تُوفي فيها عارضه بِه مرتين تأكيدًا وتثبيتًا.اهـ
ولقد كان لِسلفِكم الصالح ــ رحمهم الله ــ مع القرآن في هذا الشهر الجليل شأنًا عظيمًا، وحالاً عَجَبًا، فقد كانوا يُقبِلون عليه إقبالًا كبيرًا، ويهتمُّون بِه اهتمامًا متزايدًا، ويتزوَّدُون مِن قراءته كثيرًا.
فقد صحَّ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي ثَلَاثٍ )).
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
رواه أبو عُبيد (234)، والفِريابي (132)، في كتابيهما «فضائل القرآن»، وسعيد بن منصور في «سُننه» (150 ــ قِسمُ التفسير).
وصحَّ عن إبراهيم النَّخعي التابعي ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانَ الْأَسْوَدُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ )).
رواه أبو عُبيد (235)، والفِريابي (141)، في كتابيهما «فضائل القرآن»، وسعيد بن منصور في «سُننه» (151 ــ قِسمُ التفسير).
وأخرج عبد الرزاق في «مصنَّفه» (5955)، عن الثوري، عن مُغيرة، عن عِمران، عن إبراهيم النَّخعي التابعي ــ رحمه الله ــ: (( أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ، فَإِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ قَرَأَهُ فِي لَيْلَتَيْنِ، وَاغْتَسَلَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ )).
وكان الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ يَقرأ في كلِّ يومٍ وليلة مِن رمضان خَتمةً واحدة.
وكان الإمام الشافعي ــ رحمه الله ــ يَختِمه في كلِّ يومٍ وليلة مِن شهر رمضان مرتين.
وكيف لا يكون هذا هو حال السَّلف الصالح ــ رحمهم الله ــ مع القرآن العزيز، ورمضان هو شهر نُزوله، وشهر مدارسة جبريل ــ عليه السلام ــ له مع سيِّد الناس صلى الله عليه وسلم، وزمَنه أفضل الأزمان، والحسنات فيه مُضاعفة متزايدة.
وقد صحَّ عن عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَيُكَفَّرُ بِهِ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: ï´؟ الم ï´¾ وَلَكِنْ أَقُولُ: أَلِفٌ عَشْرٌ، وَلَامٌ عَشْرٌ، وَمِيمٌ عَشْرٌ )).
رواه ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» (29932)، وأحمد في «الزُّهد» (1825)، وأبو عُبيد (21)، والفِريابي (57)، في كتابيهما «فضائل القرآن».
وثبت عن عبد الله بن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا رَجَعَ مِنْ سُوقِهِ أَوْ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَيَكُونَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ )).
رواه ابن المبارك في «الزُّهد» ( 807).
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
وحتى لا يُشكِل على البعض خَتْمُ كثيرٍ مِن السَّلف الصالح ــ رحمهم الله ــ للقرآن في أقلِّ مِن ثلاث.
فقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «لطائف المعارف» (ص:246) في دَفعِه وتوجيهه بعد أنْ سَاق جملةً مِن الآثار الواردة عن السَّلف في خَتم القرآن مرَّات كثيرة في شهر رمضان:
وإنّما وَرَدَ النَّهي عن قراءة القرآن في أقلِّ مَن ثلاث على المُداومة على ذلك.
فأمَّا في الأوقات المُفضَّلة كشهر رمضان، خصوصًا الليالي التي يُطلَب فيها ليلة القدْر، أو في الأماكن المُفضَّلة كمكَّة لِمَن دخلها مِن غير أهلها، فيُستحبُّ الإكثار فيها مِن تلاوة القرآن اغتنامًا للزمان والمكان، وهو قول أحمد، وإسحاق، وغيرهما مِن الأئمة، وعليه يَدُلُّ عمل غيرهم كما سَبق ذِكره.اهـ
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-04-29, 04:17 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
سطـوة القـرآن
(17)
من أعجب أسرار القرآن وأكثرها لفتاً للانتباه تلك السطوة الغريبة التي تخضع لها النفوس عند سماعه (سطوة القرآن) ظاهرة حارت فيها العقول حين يسري صوت القارئ في الغرفة يغشى المكان سكينة ملموسة تهبط على أرجاء ما حولك تشعر أن ثمة توتراً يغادر المكان كأن الجمادات من حولك أطبقت على الصمتكأن الحركة توقفت
هناك شيء ما تشعر به لكنك لا تستطيع أن تعبر عنه..حين تكون في غرفتك - مثلاً - ويصدح صوت القارئ من جهازك المحمول، أوحين تكون في سيارتك في لحظات انتظار ويتحول صوت الإذاعة إلى عرض آيات مسجلة من الحرم الشريف .. تشعر أن سكوناً غريباً يتهادى رويداً رويداً فيما حولك..كأنما كنت في مصنع يرتطم دوي عجلاته ومحركاته ثم توقف كل شيء مرة واحدة..كأنما توقف التيار الكهربائي عن هذا المصنع مرة واحدة فخيم الصمت وخفتت الأنوار وساد الهدوء المكان..هذه ظاهرة ملموسة يصنعها (القرآن العظيم) في النفوس تحدث عنها الكثير من الناس بلغة مليئة بالحيرة والعجب..يخاطبك أحياناً شاب مراهق يتذمر من والده أو أمه ..فتحاول أن تصوغ له عبارات تربوية جذابة لتقنعه بضرورة احترامهما مهما فعلا له ..وتلاحظ أن هذا المراهق يزداد مناقشة ومجادلة لك ..فإذا استعضت عن ذلك كله وقلت له كلمة واحدة فقط: يا أخي الكريم يقول تعالى ï´؟وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًاï´¾ [الإسراء:24] رأيت موقف هذا الفتى يختلف كلياً..شاهدت هذا بأم عيني ومن شدة انفعالي بالموقف نسيت هذا الفتى ومشكلته ..وعدت أفكر في هذه السطوة المدهشة للقرآن..كيف صمت هذا الشاب وأطرق لمجرد سماع قوله تعالى ï´؟وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًاï´¾ ..حتى نغمات صوته تغيرت ..يا ألله كيف هزته هذه الآية هزاً ..حين قدمت للمجتمع الغربي أول مرة قبل ثلاث سنوات للدراسة؛ اعتنيت عناية بالغة بتتبع قصص وأخبار (حديثي العهد بالإسلام) ..كنت أحاول أن أستكشف سؤالاً واحداً فقط : ما هو أكثر مؤثر يدفع الإنسان الغربي لاعتناق الإسلام؟ (حتى يمكن الاستفادة منه في دعوة البقية)
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
, كنت أتوقع أنني يمكن أن أصل إلى (نظرية معقدة) حول الموضوع، أو تفاصيل دقيقة حول هذه القضية لا يعرفها كثير من الناس، وقرأت لأجل ذلك الكثير من التجارب الذاتية لشخصيات غربية أسلمت، وشاهدت الكثير من المقاطع المسجلة يروي فيها غربيون قصة إسلامهم، وكم كنت مأخوذاً بأكثر عامل تردد في قصصهم، ألا وهو أنهم (سمعوا القرآن وشعروا بشعور غريب استحوذ عليهم) هذا السيناريو يتكرر تقريباً في أكثر قصص الذين أسلموا، وهم لا يعرفون اللغة العربية أصلاً! إنها سطوة القرآن.. والله يقول ï´؟لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِï´¾ [الحشر : 21] هذا تأثر الجمادات فكيف بالبشر؟!ومن أعجب أخبار سطوة القرآن قصة شهيرة رواها البخاري في صحيحه وقد وقعت قبل الهجرة النبوية وذلك حين اشتد أذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب، فحينذاك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة، فخرج أبو بكر يريد الهجرة للحبشة فلقيه مالك بن الحارث (ابن الدغنّة) وهو سيد قبيلة القارَة، وهي قبيلة لها حلف مع قريش، وتعهد أن يجير أبا بكر ويحميه لكي يعبد ربه في مكة، يقول الراويhttp://forum.ashefaa.com/images/smilies/frown.gifفطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين).
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
[البخاري: 2297] هذه الكلمة (فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم) من العبارات التي تطرق ذهني كثيراً حين أسمع تالياً للقرآن يأخذ الناس بتلابيبهم ..ومعنى يتقصّف أي يزدحمون ويكتظون حوله مأخوذين بجمال القرآن..فانظر كيف كان أبو بكر لا يحتمل نفسه إذا قرأ القرآن فتغلبه دموعه ..وانظر لعوائل قريش كيف لم يستطع عتاة وصناديد الكفار الحيلولة بينهم وبين الهرب لسماع القرآن..ومن أكثر الأمور إدهاشاً أن الله - جل وعلا - عرض هذه الظاهرة البشرية أمام القرآن على أنها دليل وحجة، فالله سبحانه وتعالى نبهنا إلى أن نلاحظ سطوة القرآن في النفوس باعتبارها من أعظم أدلة هذا القرآن ومن ينابيع اليقين بهذا الكتاب العظيم، ولم يشر القرآن إلى مجرد تأثر يسير، بل يصل الأمر إلى الخرور إلى الأرض ..هل هناك انفعال وتأثر وجداني أشد من السقوط إلى الأرض؟تأمل معي هذا المشهد المدهش الذي يرويه ربنا جل وعلا عن سطوة القرآن في النفوس : ï´؟قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًاï´¾ [الإسراء:107] , بالله عليك أعد قراءة هذه الآية وأنت تتخيل هذا المشهد الذي ترسم هذه الآية تفاصيله: قوم ممن أوتو حظاً من العلم حين يتلى عليهم شيء من آيات القرآن لا يملكون أنفسهم فيخرون إلى الأرض ساجدين لله تأثراً وإخباتاً ..يا ألله ما أعظم هذا القرآن..بل تأمل في أحوال قوم خير ممن سبق أن ذكرهم الله في الآية السابقة ..استمع إلى انفعال وتأثر قوم آخرين بآيات الوحي، يقول تعالى : ï´؟أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّاï´¾ [مريم:57] هذه الآية تصور جنس الأنبياء ..ليس رجلاً صالحاً فقط ولا قوم ممن أوتوا العلم ولا نبيّاً واحداً أو نبيين بل تصور الآية (جنس الأنبياء) وليست الآية تخبر عن مجرد أدب عند سماع الوحي وتأثر يسير بهبل الآية تصور الأنبياء كيف يخرون إلى الأرض يبكونالأنبياء جنس الأنبياء .. يخرون للأرض يبكون حين يسمعون الوحي
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
..ماذا صنع في نفوسهم هذا الوحي العجيب؟وقوم آخرون في عصر الرسالة ذكر الله خبرهم في معرض المدح والتثمين الضمني في صورة أخاذة مبهرة يقول تعالى: ï´؟وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِï´¾ [ المائدة:83] أي شخص يقرأ الآية السابقة يعلم أن هذا الذي فاض في عيونهم من الدموع حين سمعوا القرآن أنه شيء فاق قدرتهم على الاحتمال ..هذا السر الذي في القرآن هو الذي استثار تلك الدمعات التي أراقوها من عيونهم حين سمعوا كلام الله ..لماذا تساقطت دمعاتهم؟ إنها أسرار القرآن..هذه الظاهرة البشرية التي تعتري بني الإنسان حين يسمعون القرآن ليست مجرد استنتاج علمي أو ملاحظات نفسانية..بل هي شيء أخبرنا الله أنه أودعه في هذا القرآن ..ليس تأثير القرآن في النفوس والقلوب فقط ..بل - أيضاً - تأثيره الخارجي على الجوارح ..الجوارح ذاتها تهتز وتضطرب حين سماع القرآن..قشعريرة عجيبة تسري في أوصال الإنسان حين يسمع القرآن ..يقول تعالى: ï´؟اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِï´¾ [الزمر : 23] لاحظ كيف يرسم القرآن مراحل التأثر ، تقشعر الجلود، ثم تلين، إنها لحظة الصدمة بالآيات التي يعقبها الاستسلام الإيماني، بل والاستعداد المفتوح للانقياد لمضامين الآيات..ولذلك مهما استعملت من (المحسّنات الخطابية) في أساليب مخاطبة الناس وإقناعهم فلا يمكن أن تصل لمستوى أن يقشعر الجلد في رهبة المواجهة الأولى بالآيات، ثم يلين الجلد والقلب لربه ومولاه، فيستسلم وينقاد بخضوع غير مشروط .. هذا شيء يراه المرء في تصرفات الناس أمامه..جرب مثلاً أن تقول لشخص يستفتيك: هذه معاملة بنكية ربوية محرمة بالإجماع، وفي موقف آخر: قدم بآيات القرآن في تحريم الربا، ثم اذكر الحكم الشرعي، وسترى فارق الاستجابة بين الموقفين؛ بسبب ما تصنعه الآيات القرآنية من ترويض النفوس والقلوب لخالقها ومولاها، تماماً كما قال تعالى ï´؟تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِï´¾..وفي مقابل ذلك كله .. حين ترى بعض أهل الأهواء يسمع آيات القرآن ولا يتأثر بها، ولا يخضع لمضامينها، ولا ينفعل وجدانه بها، بل ربما استمتع بالكتب الفكرية والحوارات الفكرية وتلذذ بها وقضى فيها غالب عمره، وهو هاجر لكتاب الله يمر به الشهر والشهران والثلاثة وهو لم يجلس مع كتاب ربه يتأمله ويتدبره ويبحث عن مراد الله من عباده، إذا رأيت ذلك كله؛ فاحمد الله يا أخي الكريم على
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
العافية، وتذكر قول الله سبحانه ï´؟فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِï´¾ [الزمر: 22] وحين يوفقك ربك فيكون لك حزب يومي من كتاب الله (كما كان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزاب يومية من القرآن) فحين تنهي تلاوة وردك اليومي فاحذر يا أخي الكريم أن تشعر بأي إدلال على الله أنك تقرأ القرآن، بل بمجرد أن تنتهي فاحمل نفسك على مقام إيماني آخر؛ وهو استشعار منة الله وفضله عليك أن أكرمك بهذه السويعة مع كتاب الله، فلولا فضل الله عليك لكانت تلك الدقائق ذهبت في الفضول كما ذهب غيرها، إذا التفتت النفس لذاتها بعد العمل الصالح نقص مسيرها إلى الله، فإذا التفتت إلى الله لتشكره على إعانته على العبادة ارتفعت في مدارج العبودية إلى ربها ومولاها، وقد نبهنا الله على ذلك بقوله تعالى ï´؟وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًاï´¾ [النور: 21] وقول الله ï´؟وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُï´¾ [الأعراف : 43] ,فتزكية النفوس فضل ورحمة من الله يتفضل بها على عبده، فهو بعد العبادة يحتاج إلى عبادة أخرى وهي الشكر والحمد، وبصورة أدق فالمرء يحتاج لعبادة قبل العبادة، وعبادة بعد العبادة، فهو يحتاج لعبادة الاستعانة قبل العبادة، ويحتاج لعبادة الشكر بعد العبادة..وكثير من الناس إذا عزم على العبادة يجعل غاية عزمه التخطيط والتصميم الجازم ..وينسى أن كل هذه وسائل ثانوية ..وإنما الوسيلة الحقيقية هي (الاستعانة) ..ولذلك وبرغم أن الاستعانة في ذاتها عبادة إلا أن الله أفردها بالذكر بعد العبادة فقال ï´؟إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُï´¾ [الفاتحة :5] , وهذه الاستعانة بالله عامة في كل شيء، في الشعائر، وفي المشروعات الإصلاحية، وفي مقاومة الانحرافات الشرعية، وفي الخطاب الدعوي، فمن استعان بالله ولجأ إليه فتح الله له أبواب توفيقه بألطف الأسباب التي لا يتصورها.. على أية حال، لا يمكن أن يفوت القارئ ملاحظة هذه الانفعالات التي يحدثها القرآن في النفوس، والتي هي (سطوة القرآن) فعلاً، والسطوة أصل معناها كما يقول ابن فارس (أصل يدل على القهر والعلو)، فالقرآن له قهر وعلو ملموس على النفوس، وهذا المعنى نظير وصف الله للقرآن بالإزهاق ï´؟وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُï´¾[الإسراء : 81]، ونظير وصف الله للقرآن بالدمغ ï´؟بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ ï´¾[الأنبياء : 18]، ونظير وصف الله لقرآن بتصديع الكائنات ï´؟لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِï´¾[الحشر : 21] ونظير تشبيه الله للقرآن بالبرق ï´؟يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْï´ ¾[البقرة : 20] كما نبّه على هذا التشبيه ابن عباس رضي الله عنه. ولصحة هذا المعنى فإنك تجد في كتب الآثار أوصافاً للقرآن تدور حول أثره في النفوس، كعبارة (زواجر القرآن) وعبارة (قوارع القرآن)، ونحوها مما هو متداول في كتب الآثار.
والسطوة بمعنى العقوبة فعلٌ لائق بالله كما جاء في بعض الآثار عند ابن حبان وغيره (إن الله إذا أنزل سطوته)، ويكثر في كتب التفسير بالمأثور كالطبري وابن كثير ونحوهم قوله (يحذرهم الله سطوته).
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم أحي قلوبنا بكتابك، اللهم اجعلنا ممن إذا استمع للقرآن اقشعر جلده ثم لان جلده وقلبه لكلامك، اللهم اجعلنا ممن إذا سمع ما أنزل إلى رسولك تفيض عيوننا بالدمع، اللهم اجعلنا ممن إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً، اللهم إنا نعوذ بك ونلتجئ إليك ونعتصم بجنابك أن لا تجعلنا من القاسية قلوبهم من ذكر الله.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-04-30, 03:47 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
قراءة القرآن في رمضان
محمود مصطفى الحاج
(18)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
في رمضانَ يُقبل كثيرٌ من الناس على كتاب الله تعالى: قراءة، وحفظًا، وأحيانًا تفسيرًا وتدبُّرًا؛ وما ذاك إلا لأن رمضان مَوسم للخيرات، تتنوَّع فيه الطاعات، ويَنشَط فيه العباد بعد أن سُلسِلت الشياطين، وفتحت أبواب الجِنان، وغُلِّقت أبواب النيران.
والارتباط بين شهر رمضان والقرآن العظيم ارتباطٌ مُحكَم وثيق؛ ففي أيَّامه المباركة ولياليه الجليلة نزل الروحُ الأمين بالقرآن العظيم؛ ليكونَ هدًى للناس وفرقانًا، قال تعالى: ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ï´¾ [البقرة: 185].
وفي رمضان كان جبريلُ يُدارس رسولَ الله القرآنَ؛ فالحديث عن القرآنِ في رمضان له مناسبتُه، وله خصوصيته، لا سيما مع إقبال الناس عليه.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
إن القرآن شفاءٌ ورحمةٌ، وطمأنينة وأمان، وشفاء من الحيرة والقلق، والحزن والنَّكد والوسوسة؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ï´¾ [فاطر: 29، 30].
ويأخذنا الحديث عن بدايات نزول القرآن على خير البشرِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ففي ليلة السابع عشر من رمضان، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم في الأربعين من عمره، أَذِن الله عز وجل للنور أن يتنزَّل، فإذا جبريل عليه السلام آخذٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اقرأ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنا بقارئٍ، قال: فأخذني فغطَّني، حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني فقال: اقرَأْ! قلت: ما أنا بقارئ! فأخذني، فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ! فقلت: ما أنا بقارئٍ! فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: ï´؟ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ï´¾ [العلق: 1 - 3]، فرجع بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يرجفُ فؤادُه!))؛ البخاري.
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم، على النبيِّ الرؤوف الرحيم، في شهر رمضان العظيم.
وهكذا شهدت أيامُه المباركة اتصالَ الأرض بالسماء، وتنزل الوحي بالنور والضياء، فأشرقت الأرضُ بنور ربِّها وانقشعت ظلماتُ الجاهليَّة الجَهْلاء.
ولقد ورد في الحديث بأن شهرَ رمضان هو الشهر الذي كانت الكتبُ الإلهيَّة تتنزَّل فيه على الأنبياء، ففي المسندِ للإمام أحمد، والمعجم الكبير للطبراني؛ من حديث واثلةَ بن الأسقعِ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُنزِلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التَّوراة لستٍّ مضَيْنَ من رمضان، والإنجيل لثلاثَ عشرةَ خلَتْ من رمضان، وأنزل الفرقان لأربعٍ وعشرين خلَت من رمضان))؛ مسند أحمد (28/ 191).
أولًا: وجه الارتباط بين شهر رمضان والقرآن العظيم:
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
في رمضان يجتمع الصوم والقرآنُ، وهذه صورة أخرى من صور ارتباط رمضان بالقرآن، فتدركُ المؤمنَ الصادقَ شفاعتان؛ يشفع له القرآن لقيامِه، ويشفع له الصيام لصيامه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الصيامُ والقرآن يشفعان للعبد يومَ القيامة، يقول الصيام: أَيْ ربِّ، منعتُه الطعام والشهوات بالنهار؛ فشَفِّعني فيه، ويقول القرآنُ: ربِّ، منعتُه النومَ بالليل؛ فشَفِّعني فيه؛ فيشفعان))؛ أحمد.
وعند ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجيءُ القرآن يومَ القيامة كالرجلِ الشاحب، يقول: أنا الذي أسهرتُ ليلَك، وأظمَأْتُ نهارك)).
"واعلم أن المؤمنَ يجتمعُ له في شهر رمضان جِهادان لنفسِه: جهادٌ بالنهار على الصيام، وجهادٌ بالليل على القيام، فمن جمع بينَ هذَيْنِ الجهادَيْنِ، ووفَّى بحقوقهما، وصبر عليهما، وُفِّي أجرَه بغير حساب"؛ لطائف المعارف: 360.
ومن صور اختصاص شهر رمضانَ بالقرآن الكريم صلاةُ التراويح، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءةُ القرآن، وكأنها شُرعت ليسمع الناس كتابَ الله مجوَّدًا مرتَّلًا؛ ولذلك استُحبَّ للإمام أن يختم فيها ختمة كاملة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءةَ في قيام رمضان بالليل أكثرَ من غيره؛ لطائف المعارف: 356.
ومما يؤيِّد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال: "أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ليلة من رمضان، فقام يصلي، فلما كبَّر قال: الله أكبر ذو الملكوت والجبروتِ والكبرياءِ والعَظَمة، ثم قرأ البقرةَ، ثم النساء، ثم آل عمران، لا يمرُّ بآية تخويفٍ إلا وقف عندها، ثم ركع، يقول: سبحان ربي العظيم، مثل ما كان قائمًا، ثم رفع رأسه فقال: سمع اللهُ لمن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمد، مثل ما كان قائمًا، ثم سجد يقول: سبحان ربي الأعلى، مثل: ما كان قائمًا، ثم رفع رأسَه فقال: ربِّ اغفر لي، مثل ما كان قائمًا، ثم سجَد يقول: سبحان ربي الأعلى، مثل ما كان قائمًا، ثم رفع رأسَه فقام، فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة"؛ أحمد، باقي مسند الأنصار، رقم 22309.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpghttps://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
وكان عمرُ قد أمر أُبَيَّ بنَ كعب وتميمًا الداريَّ أن يقوما بالناس في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتَيْنِ في ركعة، حتى كانوا يعتمدون على العصيِّ من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجرِ، وفي روايةٍ: أنهم كانوا يربطون الحبالَ بين السواري، ثم يتعلَّقون بها؛ لطائف المعارف: 356.
وكان بعضُ السلف يختمُ في قيام رمضان في كل ثلاثِ ليالٍ، وبعضهم في كلِّ سبعٍ؛ منهم قتادةُ، وبعضهم في كل عشر؛ منهم أبو رجاء العطاردي؛ لطائف المعارف: 358.
كل هذا التطويل والقيام من أجل تلاوة القرآن، وتعطيرِ ليالي شهر القرآن بآيات القرآن.
ثانيًا: آداب قراءة القرآن الكريم:
1- يجب على القارئ الإخلاصُ.
2- مراعاةُ الأدب مع القرآن، فينبغي أن يستحضرَ في نفسه أنه يناجي الله تعالى.
3- يقرأ على حال مَن يرى اللهَ سبحانه، فإنه إن لم يكن يراه، فإن الله تعالى يراه.
4- ينبغي إذا أرادَ القراءة أن ينظِّف فاه بالسِّواك وغيره، والاختيارُ في السواك أن يكون بعودٍ من أراكٍ، ويجوز بسائرِ العيدان.
5- يستحبُّ أن يقرأ وهو على طهارةٍ، فإن قرأ مُحدِثًا جاز، ولا يقال: ارتكب مكروهًا، بل هو تارك للأفضل.
6- ويستحبُّ أن تكون القراءة في مكان نظيفٍ مختار؛ ولهذا استحبَّ جماعة من العلماء القراءةَ في المسجد؛ لكونه جامعًا للنظافة وشرف البقعة.
7- يستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقبلَ القبلة، ويجلس متخشعًا بسكينة ووقار، مطرقًا رأسه، ويكون جلوسُه وحدَه في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلِّمه، فهذا هو الأكمل.
8- فإن أراد الشروع في القراءة، استعاذ، فقال: أعوذُ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو يزيد: من هَمْزِه ونَفْخِه ونفثه.
9- وينبغي أن يحافظ على قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول كلِّ سورة، سوى سورة براءة؛ فإن أكثر العلماء قالوا: إنها آية؛ حيث كُتِبت في المصحف.
10- فإذا شرع في القراءةِ، فليكن شأنُه الخشوعَ والتدبر عند القراءة.
11- استحباب ترديد الآية للتدبر.
12- البكاءُ حالَ القراءة حالُ العارفين، وشعار عباد الله الصالحين، وهو مستحبٌّ مع القراءة وعندها.
13- ينبغي أن يرتِّل قراءته، قال تعالى: ï´؟ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ï´¾ [المزمل: 4]؛ لأن ذلك أقربُ إلى التوقير والاحترام، وأشد تأثيرًا في القلب، وقد نُهِي عن الإفراط في الإسراع.
14- ويستحبُّ إذا مرَّ بآية عذاب أن يستعيذَ بالله من الشر ومن العذاب، أو يقول: اللهم إني أسألك العافية، أو أسألك المعافاةَ من كل مكروه، وإذا مرَّ بآية تنزيهٍ لله تعالى نزَّه، فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلَّت عظمة ربنا.
15- احترام القرآن وتعظيمه وتوقيرُه، والحذر من أمور قد يتساهلُ فيها بعض الغافلين؛ مثل: (اجتناب الضحك والمِزاح، وجوب ترك الحديث أثناء قراءة القرآن واستماعه، الحذر من النظر إلى ما يلهي ويبدِّد الذهن)... وغير ذلك.
16- يستحبُّ إذا قرأ سورةً أن يقرأ بعدها التي تليها، وإذا بدأ من وسط سورة، أو وقف على غير آخرِها أن يراعيَ ارتباط الكلام.
17- قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب؛ لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة، فتجتمع القراءة والنظر.
18- عدم ترقيق الصوت بالقراءة؛ كترقيقِ النساء أصواتهن.
19- الإمساك عن القراءة عند التثاؤب حتى يزولَ.
20- عدم قطع القراءة بالحديث مع الناس إلا لضرورة؛ كردِّ السلام، ونحو ذلك.
يتبع
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-05-01, 04:40 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
قراءة القرآن في رمضان
محمود مصطفى الحاج
(19)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
ثالثًا: وهنا يحضرنا سؤال مهم: لماذا نقرأُ القرآن؟ وما هي النيَّات التي علينا استحضارُها عند قراءة القرآن؟
الجواب يأتي على النحو التالي:
1- أَقْرأُ القرآن؛ لأنه شفاء:
قال تعالى: ï´؟ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ï´¾ [الإسراء: 82].
2- أَقْرأُ القرآن؛ لأن الله تعالى يُفرِّج به الهم، ويُذْهِب به الغموم:
أخرج الإمام أحمد، وابن حبَّان بسند صحيحٍ صحَّحه الألباني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهم إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيت به نفسك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك - أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي؛ إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرحًا))، فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلَّمُها؟ فقال: ((بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمها)).
3- أَقْرأُ القرآن؛ لأنه سبب لنزول السكينة وغشيان الرحمة:
فقد أخرج الإمام مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت اللهِ يَتلون كتابَ الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلَتْ عليهم السكينة، وغَشِيتهم الرحمةُ، وحفَّتهم الملائكة، وذكرَهم الله فيمَن عنده)).
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
4- أَقْرأُ القرآنَ؛ حتى يكون نورًا لي في الدنيا، وذخرًا لي في الآخرة:
فقد أخرج ابن حبَّان بسندٍ حسن عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ اللهِ، أوصِني، قال: ((عليك بتقوى اللهِ؛ فإنه رأسُ الأمر كلِّه))، قلت: يا رسولَ الله، زِدْني، قال: ((عليك بتلاوة القرآن؛ فإنه نورٌ لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء)).
5- أَقْرأُ القرآن؛ حتى يُزاد لي في الإيمان:
فمَن أراد زيادة الإيمان يومًا بعد يوم، فعليه بكتاب الله؛ فقد قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ï´¾ [الأنفال: 2]، وقال تعالى: ï´؟ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ï´¾ [التوبة: 124].
6- أَقْرأُ القرآن؛ حتى لا أُكْتَب من الغافلين:
فقد أخرج الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قرأ عشرَ آيات في ليلة، لم يُكتب من الغافلين، ومن قرأ مائةَ آية، كُتِبَ من القانتين)).
7- أَقْرأُ القرآنَ؛ حتى أتحصَّل على جبال من الحسنات:
فقد أخرج الترمذي عن عبدِالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنةُ بعشرِ أمثالها، لا أقولُ: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
8- أَقْرأُ القرآن؛ لأنه خيرٌ من الدنيا وما فيها:
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
إذا فرح أهل الدنيا بدنياهم، وأهل المناصب بمناصبهم، وأهل الأموال بأموالهم، فجدير أن يفرح حامل القرآن بكلام الله الذي لا توازيه الدنيا بكل ما فيها من متاع زائل.
9- أَقْرأُ القرآن؛ حتى يفتح عليَّ أبواب الخير الكثيرة:
فقد أخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قرأ ï´؟ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ï´¾ [الكافرون: 1]، عدَلت له رُبعَ القرآن، ومَن قرأ ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1]، عدَلت له ثلثَ القرآن)).
10- أَقْرأُ القرآن؛ حتى يُحِبَّني الله عز وجل، وأكونَ من أهله:
فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1]، فلما رجعوا ذُكِر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سَلُوه لأيِّ شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفةُ الرحمن؛ فأنا أحبُّ أن أَقْرأَ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخبِروه أن اللهَ يُحبُّه)).
11- أَقْرأُ وأتعلَّم القرآن؛ حتى أكون من خير الناس:
فقد أخرج البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمَه)).
12- أَقْرأُ القرآنَ، وأحافظ على قراءته؛ حتى لا أردَّ إلى أرذلِ العمر:
فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما: "مَن قرأ القرآن، لم يُردَّ إلى أرْذَلِ العمر".
13- أَقْرأُ القرآن وأَحفظُه؛ حتى أُحفظَ من فتنة الدجَّال:
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن حَفِظ عشرَ آيات من أول سورة الكهف، عُصِمَ من الدجال)).
14- أَقْرأُ القرآن؛ حتى أكون سببًا في رحمة والديَّ:
فقد أخرج الحاكم عن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قرأ القرآن وتعلَّمه، وعمِل به، أُلْبِس والداه يوم القيامة تاجًا من نور، ضوءُه مثل ضوء الشمس، ويُكسى والداه حُلَّتَينِ لا تقوم لهما الدنيا، فيقولان: بما كُسِينا هذا؟ فيقال: بأخذِ ولدِكما القرآنَ)).
15- أَقْرأُ القرآن؛ حتى أُحفَظ من الزيغ والضلال:
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
فقد أخرج الحاكم والترمذي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجَّة الوداع، فقال: ((إن الشيطان قد يَئِس أن يُعْبَد في أرضكم، ولكن يرضى أن يُطاع فيما سوى ذلك ممَّا تحقرون من أعمالكم؛ فاحذروا، إني تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به فلن تضلوا أبدًا: كتابَ الله، وسنةَ نبيِّه)).
16- أَقْرأُ القرآن؛ حتى أنجوَ من فتنة القبر:
فقد أخرج ابن مردَوَيْه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((سورةُ تبارك هي المانعة من عذاب القبر)).
17- أَقْرأُ القرآن وأحفظُه؛ حتى أنجو من عذاب النار:
فقد أخرج البيهقي عن عصمةَ بنِ مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو جُمِع القرآن في إهابٍ، ما أحرقَه اللهُ بالنار)).
18- أَقْرأُ القرآن وأحافظُ على قراءته؛ حتى يشفعَ لي يوم القيامة:
أخرج ابن حبان عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((القرآن شافعٌ مُشفَّعٌ، وماحلٌ مُصَدَّقٌ، مَن جعله أمامَه، قاده إلى الجنة، ومَن جعله خلفَ ظهرِه، ساقه إلى النار)).
• ماحلٌ: ساعٍ، وقيل: خَصمٌ مُجادل.
19- أَقْرأُ القرآن وأحفظُه؛ حتى يكون سبيلًا لدخول الجنة إن شاء الله تعالى:
أخرج الطبرانيُّ في "الأوسط" عن أنس رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آيةً خاصمت عن صاحبِها حتى أدخلَتْه الجنةَ؛ وهي تبارك)).
20- أَقْرأُ القرآن وأحفظه؛ حتى أرتقيَ في أعلى الدرجات في الجنة؛ بل يرتقي الإنسانُ في الجنة بقَدْرِ حفظه للقرآن:
فقد أخرج أبو داودَ والترمذيُّ عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرَأْ وارقَ ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا، فإن منزلتَك عند آخرِ آية تقرأُ بها)).
21- أَقْرأُ القرآنَ؛ حتى أكون في أعلى الجنات مع السَّفَرة الكرام:
فحينَ يفتخر أهلُ الدنيا بانتسابِهم إلى العظماء والوُجهاء والأغنياء، فإن حافظَ القرآن يفتخرُ بأنه سيكون مع السَّفَرة الكرام البرَرَة الذين اختارهم الله عز وجل، وشرَّفَهم بأن تكون بأيديهم الصُّحف المطهرة، كما قال ربُّ العالمين في كتابه الكريم: ï´؟ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ï´¾ [عبس: 13 - 15].
رابعًا: ثلاثة مسارات لقراءة القرآن في رمضان:
وإذا كان هذا شأنَ القرآن في رمضان، فما أجدر العبد المؤمن أن يُقبِل عليه، ويديم النظر فيه، وإني أقترح على الأخ المؤمن الصادق أن يجعلَ له مع القرآن في هذا الشهر ثلاثة مسارات:
المسار الأول: مسار الإكثارِ من التلاوة، وتَكْرار الخَتَمات، فيجعلُ الإنسان لنفسه جدولًا ينضبط به، بحيث يتمكَّن من ختم القرآن مرَّات عديدة ينال خيراتها، وينعمُ ببركاتِها.
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
المسار الثاني: مسارُ التأمُّل والتدبُّر، فيستفتحُ الإنسان في هذا الشهر الكريم ختمةً طويلة المدى، يأخذ منها في اليوم صفحة أو نحوها، مع مراجعة تفسيرها، وتأمل معانيها، والتبصُّر في دلالاتها، واستخراج أوامرِها ونواهيها، ثم العزمُ على تطبيق ذلك، ومحاسبة النفسِ عليه، ولا مانعَ أن تطول مدةُ هذه الختمة إلى سنةٍ أو نحوها، شريطةَ أن ينتظم القارئ فيها، ويكثر التأمُّل، ويأخذ نفسَه بالعمل، ولعلَّ في هذا بعضًا من معنى قولِ الصحابيِّ الجليلِ: كنا نتعلَّم عشر آيات، فلا نجاوزهن حتى نعلمَ ما فيهن من العلم والعملِ.
المسار الثالث: مسارُ الحفظ والمراجعة، فيجعلُ لنفسه مقدارًا يوميًّا من الحفظ ومثله من المراجعة، وإن كان قد حفظ ونَسِي، فهي فرصة عظمى لتثبيت الحفظ، واسترجاع ما ذهَب، ولستَ بحاجةٍ إلى التذكير بجلالة منزلة الحافظِ لكتاب الله ورفيع مكانته، وحسبُه أنه قد استدرَجَ النبوَّة بين جنبَيْه، إلا أنه لا يوحى إليه.
خامسًا: من الأخطاء في رمضان: قراءة القرآن بلا تدبُّر:
فتجدُ أحدهم يقرأُ القرآن في رمضان، ويكثرُ من قراءتِه، والغرض من ذلك هو أن يختم القرآنَ أكثر من ختمة، وهذا خيرٌ كبير، وأجرُه عظيم، ولكن تجد أن البعض يختمُ أكثرَ من ختمة، ولا يتدبر في آية من آيات المصحف، وهذا خطأ كبير مخالف لقول رب العالمين: ï´؟ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ï´¾ [ص: 29].
يقول الإمام القرطبيُّ رحمه الله: قال العلماء:
يجب على القارئ إحضارُ قلبه، والتفكُّر عند قراءتِه؛ لأنه يقرأُ خطابَ الله الذي خاطب به عبادَه، فمَن قرأ ولم يتفكَّر فيه - وهو من أهل أن يدركَه بالتذكر والتفكر - كان كمن لم يقرأه، ولم يَصِل إلى غرض القراءةِ من قراءتِه، فإن القرآن يشتمل على آيات مختلفةِ الحقوق، فإذا ترك التفكُّر والتدبر فيما يقرؤه استوت الآيات كلُّها عنده، فلم يَرْعَ لواحدة منها حقَّها، فثبت أن التفكر شرطٌ في القراءة، يتوصَّل به إلى إدراك أغراضه ومعانيه، وما يحتوى عليه من عجائبه؛ (التذكار في أفضل الأذكار ص: 195).
ويقول الحافظ جلال الدين السيوطي في كتاب "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 106): "وتُسنُّ القراءة بالتدبر والتفهُّم، فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب... وصفة ذلك أن يشغلَ قلبَه بالتفكر في معنى ما يلفظُه به، فيعرف معنى كلِّ آية، ويتأمل الأوامرَ والنواهي، ويعتقد قَبول ذلك، فإن كان قصَّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرَّ بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذابٍ أشفق وتعوَّذ، أو تنزيهٍ نزَّه وعظَّم، أو دعاءٍ تضرَّع وطلب" اهـ.
ويقول محمد بن كعب القرظي رحمه الله:
"مَن بلغَه القرآن فكأنما كلَّمه الله، وإذا قدَّر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله، بل يقرؤه كما يقرأ العبدُ كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمَّله، ويعمل بمقتضاه"؛ (إحياء علوم الدين: 1 /516).
وذكر الغزالي رحمه الله عن بعض العلماء أنه قال:
"هذا القرآن رسائلُ أتَتْنا من قِبل ربنا عز وجل بعهوده، نتدبَّرها في الصلوات، ونقف عليها في الخلوات، وننفِّذها في الطاعات والسنن المتَّبَعات"؛ (نفس المصدر).
https://i.imgur.com/No02B5h.jpg
سادسًا: حال السلف مع القرآن في رمضان:
البعض منا حين يقرأُ أو يسمع القرآنَ فلا يجد لذَّة، ويزداد الأمر خطورةً وسوءًا عندما نجد هذا أيضًا في شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن، فهناك مَن لا يفتحُ المصحفَ فيه، وإذا أطال الإمامُ في الصلاة يضيقُ صدرُه، ويصيبُه الضَّجَر والقلق، ويقيم الدنيا ولا يُقعِدُها، وهذا هو حالُنا، ولا يخفى على أحدٍ.
أما حال السلف مع القرآن في رمضان، فكان لهم شأن آخر؛ فها هو الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضانُ ترك قراءةَ الحديث ومجالس العلم، وأقبل على قراءةِ القرآن في المصحف.
وكان الزهريُّ رحمه الله إذا دخل رمضانَ يقول: إنما هو تلاوةُ القرآن، وإطعامُ الطعامِ.
وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان يتركُ جميع العبادات، ويُقبِل على قراءة القرآن.
وكان قتادة رحمه الله يختمُ القرآن في كلِّ سبعِ ليالٍ دائمًا، وفي رمضان في كلِّ ثلاث، وفى العشر الأخيرة منه في كلِّ ليلة.
وكان الشافعيُّ رحمه الله يختمُ القرآنَ في شهر رمضان ستين ختمةً.
وصدق والله عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث قال: "لو طهُرت قلوبُكم، ما شَبِعت من كلام ربِّكم".
• وهكذا كان حال السلف مع القرآن في رمضانَ وفي غيره، أما نحن فقد هجَر البعض منَّا القرآن، فلا وقتَ لسماعِه، ولا قراءتِه، ولا حفظه، وإذا قرأناه أو سمعناه لم نتدبَّره ونفهمه، وإذا فهمناه أو تدبَّرناه لم نعمَلْ به، بل اكتفينا أن نقرَأَه على الأموات، ونزيِّن به الجدران، وصدق فينا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ï´؟ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ï´¾ [الفرقان: 30].
الخلاصة:
ونحن في شهر رمضان الكريم ينبغي علينا أن نعتنيَ بالقرآن، وأن نقبل على قراءتِه، والمقصود هو الاجتهادُ بذلك عن بقية الشهور، وإلا فالواجبُ أن نعتني بالقرآن طَوَال العام، ولكن يسنُّ في رمضان أن نجتهد في قراءة القرآن؛ ولهذا كان جبريل يدارس النبيَّ صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وفي السَّنة التي تُوفِّي فيها النبي صلى الله عليه وسلم دارَسَه مرتين، وهذا حال السلف الصالح في رمضان فكانوا يوقفون الدروسَ العلمية في رمضان، ويُقبلون على قراءة القرآن.
لذا؛ فاحرصوا على تدبُّر القرآن وفهمه وحفظه، واحذروا هجره بتَرْك قراءته وتدبره، فهو سبب للحياة السعيدة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ï´؟ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [المائدة: 15، 16].
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-05-02, 11:14 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
من فضائل القرآن في رمضان
عبدالرحمن بن أحمد بن رجب ( ابن رجب الحنبلي )
(20)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
وَدَلَّ الحديث[1] أيضًا على استحبابِ دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعَرْض القرآن على مَن هو أحفظ له، وفيه دليلٌ على استحبابِ الإكثار مِن تلاوة القرآن في شهر رمضان.
وفي حديثِ فاطمة - رضي الله عنها - عن أبيها - صلى الله عليه وسلم - أنه أخْبَرَهَا أنَّ جبريل - عليه السلام - كان يعارضُه القرآن كل عام مَرَّة، وأنه عارَضَه في سنة وفاتِه مَرَّتين.
وفي حديثِ ابن عباس: أنَّ المُدَارَسة بينه وبين جبريل - عليهما الصلاة السلام - كانتْ ليلاً، فدَلَّ على استحباب الإكثار منَ التلاوة في رمضان ليلاً، فإنَّ اللَّيل تنقطع فيه الشَّواغل وتجتمع فيه الهِمم، وَيَتَوَاطأ فيه القلب واللسان على التَّدَبُّر، كما قال - تعالى -: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً}[2].
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
وشهر رمضان له خصوصيَّة بالقرآن، كما قال - تعالى -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ}[3]، وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إنه أُنْزِل جملةً واحدة منَ اللوح المحفوظ، إلى بيت العِزَّة في ليلة القدر، ويشهد لذلك قوله - تعالى -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[4]، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}[5]، وقد سَبَق عن عبيد بن عمير أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -: بدئ بالوحي ونزول القرآن عليه في شهر رمضان.
وفي "المسند" عن وَاثِلة بن الأسقع، عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التَّوراة لستٍّ مضينَ من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خَلَت من رمضان)).
وكان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يُطيل القراءة في قيام رمضان باللَّيل، أكثر من غيره.
وقد صَلَّى معه حُذَيفة ليلة في رمضان، قال: فقرأ بـ"البقرة"، ثمَّ "النِّساء"، ثم "آل عمران"، لا يمرُّ بآيةِ تخويفٍ إلاَّ وقف وسَأَل، قال: فما صَلَّى الرَّكعتينِ حتى جاءَه بلال فآذنه بالصَّلاة؛ خرجه الإمام أحمد؛ وخَرَّجه النَّسائي، وعنده: أنه ما صلى إلاَّ أربع ركعات[6].
وكان عمر قد أَمَر أُبَي بن كعب، وَتَمِيمًا الدَّاري، أن يقوما بالنَّاس في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتينِ في ركعة، حتى كانوا يعتمدونَ على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلاَّ عند الفجر[7]. وفي رواية: أنَّهم كانوا يربطونَ الحبال بين السواري، ثمَّ يَتَعَلَّقُون بها.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
ورُويَ أنَّ عمر جمع ثلاثة قُرَّاء، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأَ بالناس ثلاثين، وأوسطهم بخمس وعشرين، وأبطأهم بعشرينَ.
ثم كان في زمن التابعين يَقْرَؤُون بـ"البقرة" في قيام رمضان في ثماني ركعاتٍ، فإن قرأ بها في اثنتي عشرة ركعة، رأوا أنه قد خَفَّف.
قال ابن منصور: سُئِل إسحاق بن راهويه: كم يقرأ في شهر رمضان؟ فلم يرخص في دون عشر آيات، فقيلَ له: إنهم لا يرضون، فقال: لا رضوا، فلا تؤمنهم إذا لم يرضوا بعشر آيات من (البقرة)؛ يعني في كل ركعة.
وكذلك كَرِه مالك أن يقرأ دون عشر آيات.
وسُئِل الإمام أحمد عَمَّا رُوي عن عمر؛ كما تقدم ذكره في السَّريع القراءة، والبطيء، فقال: في هذا مَشَقَّة على الناس، ولا سِيَّما في هذه اللَّيالي القصار، وإنَّما الأمر على ما يحتمله النَّاس.
وقال أحمد لِبَعْض أصحابه، وكان يُصَلِّي بهم في رمضان: هؤلاءِ قومٌ ضُعَفاء، اقرأ خمسًا، ستًّا، سبعًا، قال: فقرأت، فَخَتَمْتُ ليلة سبع وعشرين.
وَقَد رَوَى الحَسَن: أنَّ الذي أَمَره عمر أن يُصَلِّي بالناس، كان يقرأ خمس آيات، ست آيات، وكلام الإمام أحمد يدل على أنَّه يُرَاعى في القراءة حال المَأْمومينَ، فلا يشقّ عليهم.
وقاله أيضًا غيره منَ الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، وغيرهم.
وقد روي عن أبي ذر: أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قام بهم ليلة ثلاث وعشرين، إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له: لو نَفَّلْتَنَا بَقِيَّة ليلتنا، فقال: ((إنَّ الرَّجل إذا صَلَّى مع الإمام حتى ينصرفَ، كُتِبَ له بقيَّة ليلته))؛ خرجه أهل "السُّنن"، وحسنه الترمذي.
وهذا يدل على أنَّ قيام ثلث الليل يكتب به قيام ليلة؛ لكن مع الإمام.
وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث، ويُصَلِّي مع الإمام حتى ينصرفَ، ولا ينصرفُ حتى ينصرفَ الإمام.
وقال بعض السَّلَف: مَن قام نصف الليل، فقد قامَ اللَّيل.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
وفي "سُنَن أبي داود"، عن عبدالله بن عمرو عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن قام بعشر آيات لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافلين، ومَن قام بمائة آية كُتِبَ منَ القانتين، ومَن قام بألف آية كتب منَ المقنطرين))؛ يعني: أن يكتبَ له قنطار منَ الأجر.
ويُرْوَى من حديث تميم وأنس مرفوعًا: "مَن قرأ بمائة آية في ليلة، كتب له قيام ليلة"، وفي إسنادهما ضَعف، وروي حديثُ تميم موقوفًا عليه، وهو أصح.
وعن ابن مسعود قال: مَن قرأ في ليلة خمسين آية لَمْ يكتبْ مِنَ الغافلينَ، ومَن قَرَأَ مائة آية كُتِب منَ القانتينَ، ومَن قرأ ثلاثمائة آية كتب له قنطار، ومن أراد أن يزيدَ في القراءة ويطيل - وكان يُصَلِّي لنفسه - فليطول ما شاء؛ كما قاله النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك مَن صَلَّى بِجَماعة يرضون بِصَلاته.
وكان بعضُ السَّلَف يختم في قيام رمضان في كُلِّ ثلاث ليال، وبعضهم في كلِّ سبع، منهم قتادة، وبعضهم في كلِّ عشرة، منهم أبو رجاء العطاردي.
وكان السَّلَف يَتْلُون القرآن في شهر رمضان في الصلاة، وغيرها، كان الأسود يقرأ القرآنَ في كلِّ لَيْلَتينِ في رمضان، وكان النَّخَعِي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصَّة، وفي بقيَّة الشهر في ثلاث.
وكان قتادة يَخْتِم في كل سَبْع دائمًا، وفي رمضان في كلِّ ثلاث، وفي العَشْر الأواخر كل ليلة.
وكان للشَّافعي في رمضان سِتُّون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه، وكان قتادة يَدْرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزُّهْرِي إذا دَخَل رمضان قال: فإنَّما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطَّعام.
قال ابن عبدالحكم: كان مالك إذا دَخَل رمضان يفِرُّ مِن قراءة الحديث، ومُجَالَسة أهل العلم، وأقبل على تِلاوة القرآن منَ المُصْحف.
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
وقال عبدالرَّزَّاق: كان سُفْيان الثَّوْري إذا دَخَل رمضان، تَرَك جميع العِبادة، وأقْبل على قراءة القرآن.
وكانت عائشة - رضي الله عنها - تَقْرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طَلَعتِ الشَّمس نامَتْ.
وقال سفيان: كان زُبَيْد اليَامِي[8] إذا حَضَر رمضان، أحضر المَصَاحف، وجَمَع إليه أصحابه.
وإنَّما وَرَد النَّهيُ عن قِرَاءة القرآن في أقل مِن ثلاث على المُدَاوَمة على ذلك؛ فأمَّا في الأوقات المُفَضَّلة؛ كشهر رمضان، خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكنِ المُفَضَّلة؛ كمكة لِمَن دخلها من غير أهلها، فيُسْتَحَبُّ الإكثار فيها مِن تلاوة القرآن؛ اغتنامًا للزَّمان والمكان، وهو قولُ أحمد، وإسحاق، وغيرهما منَ الأئمَّة، وعليه؛ يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره.
واعلم أنَّ المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جِهَادان لنفسه: جهاد بالنَّهار على الصيام، وجهاد باللَّيل على القيام، فمَن جمع بين هذين الجهادين، وَوَفَّى بحقوقهما، وصَبَرَ عليهما، وُفِّي أجره بغير حساب.
يتبع
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-05-03, 04:21 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
من فضائل القرآن في رمضان
عبدالرحمن بن أحمد بن رجب ( ابن رجب الحنبلي )
(21)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
قال كعب: يُنادي يوم القيامة منادٍ: إنَّ كلَّ حارث يعطى بحرثه ويزاد، غير أن أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب، ويشفعان له أيضًا عند الله - عَزَّ وَجَلَّ - كما في "المسند"، عن عبدالله بن عمرو، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصِّيام والقُرآن، يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: ربِّ مَنَعْته الطَّعام والشراب بالنهار، ويقول القرآن: منعته النَّوم باللَّيل، فَشَفّعني فيه، فيشفعان)).
فالصِّيام يشفع لِمَن منعه الطَّعام والشَّهَوات المُحَرَّمة كلها، سواء كان تحريمها يختص بالصِّيام، كشَهوة الطعام، والشَّراب، والنِّكاح، ومقدماتها، أو لا يختص به، كشهوة فضول الكلام المُحَرَّم، والسَّماع المحرم، والنَّظَر المُحَرَّم، والكَسْب المُحَرَّم، فإذا منعه الصيام مِن هذه المحرمات كلها، فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: ياربِّ، منعته شهواته، فشَفِّعني فيه، فهَذا لِمَن حفظ صيامه، ومنعه من شهواته، فأمَّا مَن ضَيَّع صيامَه، ولم يمنعه عمَّا حَرَّمَهُ الله عليه، فإنه جديرٌ أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضَيَّعَكَ الله كما ضَيَّعْتَنِي، كما وَرَد مثل ذلك في الصَّلاة.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
قال بعض السَّلَف: إذا احتضر المؤمن يُقال لِلْملك: شم رأسه، قال: أجد في رأسه القرآن، فيقال: شم قلبه، فيقول: أجد في قلبه الصيام، فيقال: شم قدميه، فيقول: أجد في قدميه القيام، فيقال: حفظ نفسه، حفظه الله - عز وجل.
وكذلك القرآن إنَّما يشفع لِمَن منعه منَ النَّوم بالليل، فإن مَن قَرَأ القرآن وقام به، فقد قام بحقِّه؛ فيشفع له.
وقد ذكر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فقال: ((ذاك لا يتوسد القرآن))؛ يعني لا ينام عنه، فيصير له كالوسادة.
وخرج الإمام أحمد، من حديث بُرَيْدة مرفوعًا: "إنَّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة، حتى ينشق عنه قبره، كالرجل الشاحب، فيقول: هل تعرفني؟ أنا صاحبكَ الذي أظمأتُكَ في الهَوَاجِر، وأسهرتُ ليلكَ، وكل تاجِرٍ من رواء تجارته، فيُعْطَى المُلْك بِيَمِينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوَقار، ثم يقال له: اقْرأ، واصعد، في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هَذًّا كان، أو ترتيلاً".
وفي حديث عُبادة بن الصامت، الطويل: أنَّ القرآن يأتي صاحبه في القبر، فيقول له: أنا الذي كنت أسهر ليلكَ، وأظمئ نهارك، وأمنعك شهوتك، وسمعك وبصرك، فستجدني منَ الأَخِلاَّء خليل صدق، ثم يصعد فيسأل الله له فِرَاشًا ودثارًا، فيُؤْمَر له بفراشٍ منَ الجَنَّة، وقنديل منَ الجنَّة، وياسمين منَ الجنَّة، ثم يدفع القرآن في قبلة القبر، فيوسع عليه ما شاء الله مِن ذلك".
قال ابن مسعود: ينبغِي لقارئ القرآن أن يُعْرَف بِلَيْلِه إذا الناس ينامون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبِوَرَعه إذا الناس يخلطون، وبِصَمْته إذا الناس يخوضون، وبِخُشوعه إذا الناس يَخْتالون، وبِحُزنه إذا الناس يفرحون.
قال محمد بن كعب[9]: كنا نعرف قارئ القرآن بِصُفرة لونه، يشير إلى سَهَره، وطول تَهَجُّده.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
قال وهيب بن الورد[10]: قيل لرجل: ألا تنام؟ قال: إنَّ عجائب القرآن أطرن نَوْمي، وصحب رجل رجلاً شهرين، فلم يره نائمًا، فقال: مالي لا أراك نائمًا؟ قال: إنَّ عجائب القرآن أطرن نومي، ما أخرج من أعجوبة إلاَّ وقَعْتُ في أخرى.
قال أحمد ابن أبي الحواري[11]: إنِّي لأقرأ القرآن، وأنظر في آية فيحير عقلي بها، وأعجب من حُفَّاظ القرآن، كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء منَ الدنيا، وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتَلَذَّذوا به، واستحلوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم فرحًا بما قد رزقوا[12].
أنشد ذو النون المصري:
مَنَعَ القُرَانُ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ مُقْلَ العُيُونِ بِلَيْلِهَا لاَ تَهْجَعُ
فَهِمُوا عَنِ المَلِكِ العَظِيمِ كَلاَمَهُ فَهْمًا تَذِلُّ لَهُ الرِّقَابُ وَتَخْضَعُ
فأمَّا مَن كان معه منَ القرآن فنامَ بالليل، ولم يعملْ به بالنهار، فإنَّه ينتصب القرآن خصمًا له، يطالبه بحقوقه التي ضَيَّعَها.
وخرج الإمام أحمد من حديث سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامِه رجلاً مستلقيًا على قفاه، ورجل قائمٌ بيده فهر[13] أو صخرة، فيشدخ به رأسه، فيتدهده[14] الحجر، فإذا ذهبَ ليأخذه عاد رأسه كما كان، فيصنع به مثل ذلك، فسأل عنه، فقيل له: هذا رجل آتاه الله القرآن، فنامَ عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار، فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة؛ وقد خرجه البخاري بغير هذا اللفظ.
وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يمثل القرآن يوم القيامة رجلاً، فيؤتى بالرجل قد حمله، فخالف أمره، فيمثل له خصمًا، فيقول: يا ربِّ حملته إياي، فبئس حامل تعدى حدودي، وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي، فلا يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله، وحفظ أمره، فيمثل خصمًا دونه، فيقول: يا رب حملته إياي، فخير حامل، حفظ حدودي، وعمل بفرائضي، واجتنب مَعصيتي، واتبع طاعتي، فلا يزال يقذف له بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق، ويعقد عليه تاج الملك، ويسقيه كأس الخمر)).
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
يا مَن ضَيَّع عمره في غير الطاعة، يا مَن فَرَّط في شهره؛ بل في دهره وأضاعه، يا مَن بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، يا مَن جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة.
وَيْلٌ لِمَنْ شُفَعَاؤُهُ خُصَمَاؤُهُ وَالصُّورُ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ يُنْفَخُ
رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حَظّه من قيامه السَّهر، كل قيام لا يَنْه عن الفَحْشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلاَّ بُعْدًا، وكل صيام لا يُصان عن قول الزُّور والعمل به، لا يورث صاحبه إلاَّ مَقْتًا وردى، يا قوم أين آثار الصيام، أين أنوار القيام.
إِنْ كُنْتَ تَنُوحُ يَا حَمامَ البَانِ لِلْبَيْنِ أَيْنَ شَوَاهِدُ الأَحْزَانِ
أَجْفَانُكَ لِلدُّمُوعِ أَمْ أَجْفَانِي لاَ تُقْبَلُ دَعْوى بِلا بُرْهَانِ
هذا - عبادَ الله - شهر رمضان، الذي أُنْزل فيه القرآن، وفيه بقيته للعبادين مستمتع، وهذا كتاب الله يُتْلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يَتَصَدَّع، ومع هذا فلا قَلْب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يُصان عنِ الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى لصاحبه أن يشفع، قلوب خَلَت منَ التقوى فهيَ خراب بلقع[15]، وتراكمتْ عليها ظلمة الذنوب، فهي لا تبصر ولا تسمع.
كم تتلى علينا آيات القرآن، وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان، وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، ولا الشاب منا ينتهي عنِ الصبوة، ولا الشيخ منَّا يَنْزَجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم، إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله وجلت قلوبهم، وجلتها جلوة؛ وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أفما لنا فيهم أسوة؟ كم بيننا وبين أهل الصفا؟ بيننا أبعد مما بيننا، وبين الصفا والمروة[16]، كلما حسنت منَّا الأقوال، ساءت منا الأعمال، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله.
https://i.imgur.com/No02B5h.jpg
يَا نَفْسُ فَازَ الصَّالِحُونَ بِالتُّقَى وَأَبْصَرُوا الحَقَّ وَقَلْبِي قَدْ عَمِ
يَا حُسْنَهُمْ وَاللَّيْلُ قَدْ جَنَّهُمُ وَنُورُهُمْ يَفُوقُ نُورَ الأَنْجُمِ
تَرَنَّمُوا بِالذِّكْرِ فِي لَيْلِهِمُ فَعَيْشُهُمْ قَدْ طَابَ بِالتَّرَنُّمِ
قُلُوبُهُمْ بِالذِّكْرِ قَدْ تَفَرَّغَتْ دُمُوعُهُمْ كَلُؤْلُوءٍ مُنْتَظِمِ
أَسْحَارُهُمْ بِهِمْ لَهُمْ قَدْ أَشْرَقَتْ وَخلعُ الغُفْرَانِ خَيْر القَسَمِ
وَيْحَكِ يَا نَفْسُ أَلاَ تَيَقّظ يَنْفَعُ قَبْلَ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي
مَضَى الزَّمانُ فِي تَوَانٍ وَهَوًى فَاسْتَدْرِكِي مَا قَدْ بَقِي وَاغْتَنِمِي
[1] يقصد حيث الصَّحيحينِ عن ابن عباس - رضيَ الله عنهما - قال: "كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أجود ما يكون في رمضان، حين يَلْقاه جبريل، فيُدَارسه القرآن - فَلَرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود منَ الرِّيح المرسلة".
[2] سورة المزمل الآية 6.
[3] سورة القدر الآية 1.
[4] سورة البقرة الآية 185.
[5] سورة الدخان الآية 3.
[6] يُلاحَظُ أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَدَّمَ "النِّساء" على "آل عمران"، وهذا أحق بالاتِّباع منَ الذين أَوْجَبُوا متابعة القراءة في الصلاة، حسب تَرْتيب المُصْحَف.
[7] إذا كان الإمام في التَّراويح بعهد عمر، يقرأ في الرَّكعة مائتي آية، ويطيل القِيَام والركوع والسجود، فكَيف تكون التَّراويح أكثر من ثماني ركعات؟! وانظر رسالة "صلاة التَّراويح"، طبع المكتب الإسلامي.
[8] هو أبو عبدالرحمن، زبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب اليامي الكُوفي، ثقة ثَبْت عابِد، روى له الجماعة، توفِّي سنة 122 هـ.
[9] هو أبو حمزة القرظي التابعي المدني، من أهل العِلْم والرِّواية، قالوا عنه: ما كان أحدٌ أعلم بتأويل القرآن منه، وكان يقص في المسجد، فوقع عليهم السّقف، ومات سنة 118.
[10] هو عبدالوهاب بن الورد المخزومي بالولاء، أبو أمية، تابعي، متعبد، معروف بالحكمة والأدب، كان الإمام سفيان الثوري يسميه: الطيب، عاش وتوفي في مكة سنة 153هـ، وصغر اسمه وعرف بـ"مهيب".
[11] هو أحمد بن عبدالله بن ميمون بن أبي الحواري، التغلبي، منَ الزُّهاد، وكان ثقة في الحديث، مات سنة 146هـ.
[12] ولو شهد ما نعهده من أكثر القُرَّاء الآن، مِن اهتمام بالإلحان، وجعل القرآن مزامير وغناء، وأخذ الأجور على التلاوة، وارتكاب المخالفات!! فماذا يقول؟!
[13] الفهر: الحجر الذي يملئ الكف، ويكون رقيقًا.
[15] البلقع: المكان المقفر الخالي من كل خير.
[16] الصفا والمروة في مكة، وهو يقول هذا في دمشق للدلالة على بعد المسافة.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-05-04, 04:15 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
عرضُ القرآن في ليالي رمضان
الشيخ محمد صفوت نور الدين
(22)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
عن ابن عباس[1] - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود من الريح المرسلة؛ رواه البخاري ومسلم.
في الحديث الشريف: أن الرفقة الصالحة في الزمان الفاضل، عند هدوء شواغل الدنيا، وطيب الزاد (بمائدة القرآن الكريم: يطيب الخلق، وتعلو الهمة، وتهون أعراض الدنيا.
فالحديث حثَّ المسلم أن يتخذ الأيام الفاضلة كرمضان وذي الحجة، ليصحب فيها أهل الفضل على الزاد الطيب في العلم النافع من القرآن والسنة، فيقوى العبد في جهاد أعداء الإسلام، ولذا كان شهر رمضان شهر الانتصارات الباهرة للمسلمين على مر العصور، وكذلك هو شهر الجود، والعطاء، والألفة، والإخاء، والمحبة، وزوال البغضاء، وشهر العبادة والطاعة.
قال النووي: من فوائد الحديث: الحثُّ على الجود في كلِّ وقت، والزيادة في رمضان عند الاجتماع بأهل الصلاح، ومنه: زيارة الصلحاء وأهل الخير، وتكرار ذلك، إذا كان المزور لا يكرهه، ومنها: استحباب الاستكثار من قراءة القرآن في رمضان، وكونها أفضل من سائر الأذكار.
قال ابن حجر: وفيه إشارة أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، فكان يعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفِّي فيه، عارضه به مرتين.
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
وفيه: أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة.
وفيه: استحباب تكثير العبادة في آخر العمر.
وفيه: مذاكرة الفاضل بالعلم، وإن كان لا يخفى عليه.
وفيه: فضل الليل في رمضان عن النهار في التلاوة، لأن الليل يخلو من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية.
من صور جود النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم:
قال جابر: "ما سُئل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا قطُّ، فقال: لا"؛ متفق عليه.
وعن أنس: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يُسأل شيئًا على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل، فأمر له بشاءٍ[2] كثير بين جبلين مِن شاء الصدقة، قال: فرجع إلى قومه، فقال يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ رواه مسلم.
وعن أنس: أن رجلاً سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطاه غنمًا بين جبلين، فأتى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً، ما يخاف الفاقة، فإن كان الرجل ليجيء إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يريد إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها؛ رواه أحمد.
فكان في عطائه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتألَّف القلوب في الإسلام، كما فعل يوم حنين، حيث قسم الإبل الكثيرة، والشاء، والذهب، والفضة في المؤلفة، ولم يعط الأنصار وجمهور المهاجرين شيئًا، بل أنفقه فيمن كان يحب أن يتألَّفهم على الإسلام، وترك أولئك لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، ثم قال لمن سأل من الأنصار: ((أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحوزونه إلى رحالكم؟))، قالوا: رضينا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال أنس: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس، وأشجع الناس.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
وكيف لا يكون كذلك، وهو رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المحمول على أكمل الصفات، الواثق بما في يدي الله - عزَّ وجلَّ - الذي أنزل في كتابه العزيز: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10]، وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] ولقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لبلال: ((أنفق بلالُ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلاَّ وملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا))، وقال لعائشة: ((لا توعي فيوعي الله عليك، ولا توكي فيوكي الله عليك)).
قال ابن الأثير: أي: لا تجمعي وتشحي بالنفقة، فيشح عليك وتُجازَيْ بتضييق في رزقك، ولا توكي؛ أي: لا تدخري وتشدي ما عندك، وتمنعي ما في يدك، فتنقطع مادة الرزق عنك.
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يقول الله - تعالى -: ابن آدم، أَنفق أُنفق عليك))، فكيف لا يكون أكرم الناس وأشجعهم، وهو المتوكل الذي لا أعظم من توكله، الواثق برزق الله ونصره، المستعين بربه في جميع أمره؟! ولقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - ملجأ الفقراء والأرامل والأيتام والضعفاء والمساكين.
دوافع الشح ودوافع الجود:
الإيمان بالقضاء والقدر، وأن الله قدر العطاء تقديرًا، وأن الله - سبحانه - لا يترك عبدًا بغير رزق ساعة من نهار أو ليل - يزيل عن العبد شحه ويظهر جوده، وإيمان العبد بأنه لا ينفق نفقة إلا وجدها عند الله يوم القيامة؛ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، ذلك يُزيل شحَّه ويزيد جوده.
وإيمان العبد بأهوال يوم القيامة، وأن الله - سبحانه - يدفعها بالصالحات من الأعمال: ((عبدي استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: كيف أطعمك وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: استطعمك عبدي فلان، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي))، فإذا علم العبد أن النفقة في رمضان يضاعف فيها الأجر، ويزاد فيها الثواب، سارع بالإنفاق في سبيل الله في رمضان، كل ذلك يدفع الشح ويظهر الجود.
فإذا صح اعتقاد العبد في ربِّه، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، زال شُحُّه، وظهر جوده.
فإذا حسنت رفقته أعين على ذكره في ليله ونهاره، عند ذلك تهون الدنيا عليه، ويؤثر الحياة الباقية على الفانية، فيزداد جوده وعطاؤه[3].
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
ولذا فإن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخل رمضان، ورافق جبريل، ورتَّل القرآن، كان في عطائه كالريح المرسلة، وفى التشبيه لعطاء الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالريح المرسلة - أى: بالخير - من المناسبة البديعة، ولذا، فإن الله - سبحانه - يقول في سورة الروم: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ * اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 46-50].
وهكذا يذكرنا الله بأنه أرسل الرياح، وأرسل الرسل، وجعل في كلٍّ حياة، وجعل في الرياح بشرى، والرسل جاؤوا مبشرين، والماء الذي تسوقه الرياح يحيي موات الأرض، والرسل يحيون موات القلوب، وينصر الله المؤمنين، فإذا جاء رمضان شهر القرآن، جمع للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وللمؤمنين من بعده بين العطاءين: القرآن عطاء الهداية، والصدقة والإنفاق عطاء المال، فيحيي به الله موات القلوب، وموات الأبدان، ويؤلف القلوب على الإسلام.
يقول ابن حجر: يعني: أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع، وبجوده كما تعمُّ الريح المرسلة جميع ما تهبُّ عليه.
عرض القرآن:
في حديث فاطمة - عليها السلام -: أسرَّ إلىَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كلَّ سنة، وأنه عارضني العامَ مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي.
وفى حديث أبى هريرة: كان يعرض على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشرًا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه.
ومن ذلك نفهم أن الله قد أحكم كتابه إحكامًا، فلم تنته حياة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى عارضه بالقرآن ودارسه القرآن، فكان القرآن بسوره، وفواصله، وترتيبه، وتلاوته، كله وحي من عند الله – سبحانه - نصًّا، وتلاوةً، وترتيبًا، وقد حضر العرض الأخير زيد بن ثابت، وقيل: إن ابن مسعود حضرها كذلك، فلله الحمد نزَّل القرآن، وحفظه، فحفظ به الأمة، فدين في عنق الأمة مدارسة القرآن، وأن تكون أكثر المدارسة له في شهر رمضان.
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
[1]راوي الحديث هو عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبوه العباس بن عبد المطلب، هو العم الذي عاش على الإسلام بعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعبدالله بن عباس حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير، وكنيته أبو العباس، ولد بشعب بني هاشم، قبل الهجرة بثلاث سنوات، صحب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نحوًا من ثلاثين شهرًا، وحدَّث عنه أحاديث كثيرة، وعن عمر، وعلي، ومعاذ، والعباس، وعبدالرحمن بن عوف، وأبى سفيان، وأبى ذر، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وخلق كثيرين من الصحابة، وقرأ القرآن على أُبي وزيد، وقرأ عليه مجاهد، وسعيد بن جبير، وطائفة من أهل القرآن، وروى عنه ابنه علي، وابن أخيه عبدالله، ومواليه: عكرمة، ومقسم، وكريب، وطاوس، وسواهم كثير، وكان وسيمًا، جميلاً، مديد القامة، مهيبًا، كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال، هاجر مع أبيه سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فقد صحَّ عنه أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء، قال ابن عباس: مسح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأسي ودعا لي بالحكمة، مات رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وابن عباس له ثلاث عشرة سنة، غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي السرح، وروى عنه من أهل مصر خمس عشرة نفسًا، ودعا له النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم علِّمه التأويل وفقِّهه في الدين))، ومناقبة كثيرة وعلمه غزير، فليراجع في مواضعه من كتب الرجال.
[2] الشاء: الغنم جمع شاة.
[3] هذا هو الدواء لكل من شكا من نفسه شحًّا أوشكا انصرافًا وإعراضًا.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-05-05, 04:21 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
حال السلف مع القرآن في رمضان
الشيخ المحدث عبد الكريم الخضير حفظه الله
(23)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال -جلا وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} ماذا يرجون؟ {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}[(29) سورة فاطر]يرجون تجارة لا يسطو عليها لص ولا سارق، ولا يخاف عليها من كساد، إنما هي رابحة لن تبور {لِيوفيهم أُجُورَهُمْ}[(30) سورة فاطر] تجارة رابحة -أيها الإخوان- لو حسبنا القرآن الكريم الذي جاء الترغيب في قراءته، وأن لكل حرفٍ عشر حسنات، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) والقرآن على الخلاف بين أهل العلم في المراد بالحرف، هل المراد به حرف المبنى، أو حرف المعنى، فالأكثر على أن المراد به حرف المبنى، وذلك اللائق بفضل الله -جل وعلا-، وعلى هذا فالقرآن بالحسابات العادية التجارية، الحرف بعشر حسنات، وهو أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، حرف المبنى، إذاً الختمة الواحدة كفيلة بتحصيل ثلاثة ملايين حسنة، هذا على أقل تقدير، والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، حتى جاء في المسند أن الله -جل وعلا- يضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة، مليوني حسنة، والحديث فيه مقال، لا يسلم من ضعف؛ لكن فضل الله لا يحد.
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
وعلى القول الثاني: وهو أن المراد بالحرف حرف المعنى، يكون عدد حروف القرآن حروف المعاني، يعني كلمات القرآن، تزيد على سبعين ألف يعني الربع، على هذا تكون الختمة الواحدة فيها سبعمائة ألف حرف، شيخ الإسلام ابن تيمية يرجح القول الثاني؛ لكن ثقتنا بفضل الله -جل وعلا- أعظم من ثقتنا بعلم شيخ الإسلام -رحمه الله-، فالمرجح أن المراد بالحرف حرف المبنى، وهذا هو اللائق بفضل الله -جل وعلا- وكرمه، فإذا قلنا: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}[(29) سورة فاطر]أقل ما يقال في الختمة الواحدة: ثلاثة ملايين حسنة.
وجاء الحث على قراءة القرآن، وتعلم القرآن، وتعليم القرآن، وتدبر القرآن، وفهم القرآن، والعمل بالقرآن، النصوص في ذلك كثيرة جداً، ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) ((لا حسد إلا في اثنتين)) (لا حسد) يعني لا غبطة ((إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به)) يعني يتعلمه ويعلمه، تعلم هذا الكتاب العظيم، ولذا يغبط كثيرٌ من الناس من إذا تخرج واصل الدراسة، وهذا مع النية الصالحة لا شك أنه مغبوط، يصرف وقته فيما ينفعه؛ لكن الحسد الحقيقي والغبطة الحقيقية إنما تكون في هذين الأمرين، ولذا قال في الحديث الصحيح: ((لا حسد إلا في اثنتين)) وجاء في الحديث الصحيح: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) تعلم القرآن، وتعليم القرآن، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أهل القرآن هم العاملون به، العالمون به، المعلمون له" حتى قال: "ولو لم يحفظوه" يعني بعض الناس يصل إلى حد قارب من اليأس من حفظ القرآن؛ لأنه فرط في أول الأمر، ثم كثرت مشاغله، فعليه أن يعنى بكتاب الله، قراءة وإقراءً وتدبراً، التدبر له شأن عظيم، وإن كان تحصيل أجر الحروف يحصل ولو لم يتدبر
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
الإنسان، ولو قرأ القرآن هذاً، يحصل أجر الحروف؛ لكن القراءة على الوجه المأمور به أفضل عند جمهور أهل العلم، وإن قلت الحروف، قراءة الهذّ تحصل أجر الحروف، والدليل على ذلك ما في مسند الدارمي بإسناد حسن: ((يقال لقاري القرآن: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذّاً كان أو ترتيلاً)) فدل على أن قراءة الهذّ شرعية، إلا أنها دون قراءة الترتيل المأمور به {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[(4) سورة المزمل]، وجاء الأمر بتدبر القرآن، والحث عليه في أربع آيات: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}[(82) سورة النساء]، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[(24) سورة محمد]، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[(29) سورة ص].
المقصود أن التدبر أجره قدرٌ زائد على مجرد أجر تحصل الحروف، والقراءة على الوجه المأمور به، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "تورث من العلم والعمل واليقين والطمأنينة والإيمان ما لا يدركه إلا من فعله" فلا شك أن القراءة بالتدبر والترتيل عند عامة أهل العلم أفضل من قراءة الهذّ، ولو كانت أقل في عدد الحروف؛ لأنه وإن كانت قراءة الهذّ محصلة لأجر الحروف، إلا أن كون العمل يأتي على مراد الله -جل وعلا- يفوق ما جاء مما رتب عليه الأجر الكبير أضعاف مضاعفة.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
ألا ترى أن الذي أصاب السنة أفضل بمراحل ممن له الأجر مرتين: ((والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه له أجران)) له أجر القراءة، وأجر المشقة، ((والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة)) فلا يستوي أجر عُدَّ وحسب على ما عند الله -جل وعلا- مما يوافق مراده -عز وجل-، هذا من جهة فإذا افترضنا أن شخصاً قال: أريد أن أجيد في ساعة، هل أقرأ في هذه الساعة خمسة أجزاء أو أقرأ جزئين؟ نقول له: إن كنت تريد مجرد أجر الحروف فاقرأ الخمسة، وهو مرجحٌ عند الإمام الشافعي، وإن كنت تريد ما هو أعظم من ذلك لتحقق الهدف الذي من أجله أنزل القرآن فاقرأ جزئين، وأجرك أعظم عند جمهور أهل العلم.
ونحن مقبلون على شهرٍ عظيم مبارك، هو شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[(185) سورة البقرة]هو شهر القرآن عند أهل العلم، ولذا إذا دخل رمضان أقبل كثيرٌ من السلف على كتاب الله -عز وجل-، وتركوا أعمالهم، وارتباطاتهم الخاصة والعامة؛ لينكبوا على كتاب الله -جل وعلا-.
وذكر في سيرهم شيءٌ هو في عداد كثيرٍ من طلاب العلم مع الأسف الشديد ضربٌ من الخيال، أو من الأساطير، حتى كان بعضهم يختم القرآن في يوم، وبعضهم مرة في النهار، ومرة في الليل، وهذا ثابت عن بعض الصحابة، وهو كثيرٌ في التابعين ومن بعدهم.
قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) يعني لو قرأ القرآن في أقل من سبع زاد وخالف، وجاء في الحديث الذي في السنن وهو صحيح: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) هذه النصوص أولاً حديث عبد الله بن عمرو جاء ليعالج مشكلة، وهي أن عبد الله بن عمرو كان مندفعاً؛ ليفرغ نفسه للعبادة ليقوم الليل فلا ينام، ويصوم النهار فلا يفطر، ويقرأ القرآن في كل لحظةٍ من لحظاته، فمثل هذا المندفع يعالج بالتخفيف، ولذا جاء العرض عليه بأن يقرأ القرآن في كل شهرٍ مرة، في كل شهرٍ مرتين، ثم قيل له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) فمثل هذا علاج لبعض المندفعين، يبدأ بالأخف الأخف؛ لكن لو جاء شخص مفرط معرض إذا قيل له: اقرأ القرآن في كل يوم وعسى أن يقرأه في كل شهر، فمثل هذا يورد له من أعمال السلف ما ثبت عنهم عله أن يندفع لقراءة القرآن، عله أن تشحذ الهمة لقراءة كتاب الله -عز وجل-.
أما حديث: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) فهو محمول عند أهل العلم على من كان ديدنه ذلك، أما من استغل المواسم الزمانية والمكانية فلا يدخل في هذا، على أن ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو يحمله أهل العلم على أنه للرفق به، وما جاء بالرفق بالشخص فإنه لا يدل على ظاهره من الأمر، بل يحمل على حاله وحال من يشبهه كمن ذكره من المندفعين.
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
القرآن هو كلام الله الذي لا يشبع منه طالب العلم، وفيه الأعاجيب، لا تنقضي عجائبه، عجباً لهذا الكلام الذي يردد في كل يومٍ عند بعض الناس، وفي كل ثلاث وفي كل سبع عند كثير، ويقرأه الإنسان في كل وقت ولا يمله، بينما لو ردد كلام البشر مرتين أو ثلاث لن يطيق أكثر من ذلك، فالقرآن كما ذكرنا كلام الله -جل وعلا-، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فعلينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا- في كل وقت، وقراءة القرآن في سبع لا تكلف شيئاً، من جلس بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس في كل يوم قرأ القرآن بسبع ولم يحتاج إلى المزيد على ذلك.
من المتقدمين من يقرأ -معروف عند أهل العلم- من يقرأ قراءة الهذّ لتحصيل الحروف ويكثر من ذلك ويجعل له ختمة تدبر، يفيد منها في قلبه وفي علمه وفي عمله.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى
فالعلم تحت تدبر القرآنِ
لكن لو خصص الإنسان ساعة بعد صلاة الصبح ونصف ساعة بعد صلاة العصر، وهذا الوقت لا يعيقه عن شيءٍ من أمور دينه ودنياه، كفيلٌ أن يقرأ القرآن بسبع بالتدبر المناسب، لو زاد نص ساعة زاد الأمر تدبراً وتفكراً وإفادةً.
وعلى طالب العلم أن يقرأ ما يعينه على فهم كلام الله -جل وعلا-، من كلام أهل العلم الموثوقين حول القرآن، من التفاسير المختصرة، ويغني من ذلك تفسير الشيخ ابن سعدي أو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، أما من يريد أن يقرأ ويفيد من جميع أنواع علوم القرآن، ويمكنه أن يستنبط من القرآن فعليه بالمطولات، والتفاسير الموثوقة موجودة، ولله الحمد.
المقصود أن طالب العلم يعجب من حاله إذا زهد بكتاب الله، مع الأسف الشديد أن بعضهم لا يفتح القرآن إلا في رمضان، أو إن تيسر له أن يحضر إلى الصلاة قبل الإقامة بخمس أو عشر دقائق فتح القرآن، بل الأعجب من ذلك من يتعجب ممن يقرأ القرآن، يأتي طالب ينتسب إلى العلم لبعض المشايخ ويقول له: إنه يريد أن يقرأ عليه كتاب في العلم في الحديث أو في الفقه أو في العقيدة أو في غيرها من التخصصات الشرعية التي تعينه في سيره إلى الله والدار الآخرة، ثم يجد الشيخ يقرأ القرآن في المسجد، فيعتذر
https://i.imgur.com/No02B5h.jpg
الشيخ بأنه مشغول، فيتعجب الطالب كيف يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن؟ هذا كلام له دلالته، دلالة خطيرة، كأن بعض طلاب العلم ليس في قاموسهم وفي ترتيبهم نصيب من كتاب الله -عز وجل-، وهذه سمعت ما هو بكلام افتراضي، هذا كلام مسموع، وملاحظ ومشاهد، نعم الإقبال على الحفظ موجود، والحفظة فيهم كثرة -ولله الحمد- أكثر من ذي قبل، كما جاء في الحديث الصحيح: ((يكثر العلم ويقل العمل)) ولذا نجد آثار ذلك ظاهرة من وجود الجفاء عند كثيرٍ ممن يطلب العلم لا سيما ممن لم يتمكن العلم إلى قلبه، ولذا تجد نصيب الكبير منهم في القيل والقال، أخطأ فلان، زل فلان، أفتى فلان، قال فلان، وهل جعلك الله حكماً بين العباد؟! مثل هذا في الغالب أنه لا يفلح، وفي الغالب أن يحرم بركة العلم والعمل، كما نص على ذلك ابن عبد البر وغيره.
فالمقصود أن على طالب العلم أن يلزم خاصة نفسه، وأن يحرص على ما ينفعه من كسب الحسنات ودرء وترك السيئات، ويحافظ على ما اكتسبه، ولا يأتي مفلساً يوم القيامة، يأتي بأعمالٍ أمثال الجبال، ثم يفرقها بين فلان وعلان، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسرق مال هذا، وقذف هذا، ثم يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته إلى آخره في الحديث المعروف في حديث المفلس.
مع الأسف أنه يوجد في صفوف طلاب العلم من هذه صفته، فاكهتهم الأعراض، لا سيما أعراض أهل العلم، هم يفترضون في أهل العلم العصمة، ولا عصمة لأحد، كلٌ يخطئ، وكلٌ يؤخذ من قوله ويرد، إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم، وما عدا ذلك يخطئ، إذا كنت بالفعل مشفق على صاحبك الذي أخطأ امنحه النصيحة، اكتب له، قابله، ناقشه إلى غير ذلك، وإلا فالتعريض فيه لا يغني عن التصريح لا سيما إذا خشي الضرر من انتشار هذه الفتوى التي هي خلاف الصواب، فلا مانع أن يقال: من غير تسمية، بعض الناس يفتي بكذا، والمرجح عند أهل العلم كذا، حتى لا ينسب إلى نفسه شيء وهو ما زال صغيراً، والله المستعان، ولا أريد أن أطيل عليكم، وكلكم يعرف مثل هذا الكلام؛ لكن الشيخ -حفظه الله- طلب هذه الكلمة المختصرة عن كتاب الله، وإلا كلكم يعرف مثل هذا الكلام، والله المستعان
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
رجوة رحمة الله
2021-05-05, 01:07 PM
جزاكم الله كل خير
ابو وليد البحيرى
2021-05-06, 04:12 AM
آمين وإياكم
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال
ابو وليد البحيرى
2021-05-06, 04:14 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
كيف نحب القرآن ونتدبره؟
د. بن يحيى الطاهر ناعوس
(24)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
الحياة الحقَّة: هي تلك التي منبعها الإيمان الصادق، الذي أُسِّس على معالم واضحة، و لَبِنات مادتها الأساسية التزكية الإيمانية المحروسة مِن الزَّلَل، البعيدة عن الغبن النفسي الذي مصدره البعد عن الله تعالى؛ ولهذا فإنَّ الحياة في ظلال القرآن نعمة، نعمة لا يعرفها إلا مَن ذاقها، نعمة ترفع العُمر وتباركه وتزكيه.
حُبُّ القرآن الكريم غاية إيمانية:
لِنغرس في نفوسنا حُبَّ القرآن الكريم، ونسأل الله التوفيق، لا بدَّ لنا مِن وسائل تُعِينُنا في ذلك، وكيف تكون حياة الإنسان إذا وفَّقه الله أن يَغرسَ القرآن الكريم في قلبه؟ والله إنها حياة طيبة ولحظة سعيدة، فمِن هنا سنحاول في هذا المقال توضيحَ بعضِ الوسائل التي تعيننا على غرسه في أعماقنا؛ لنشعر بالسعادة والطمأنينة.
أسرار قيام الليل:
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
لكي تكُون نفوسُنا مُهيَّئة لاستقبال حُبِّ القرآن الكريم بكل طواعية وراحة، واستعدادٍ نفسي وروحي، نبدأ بقيام الليل، ففيه جلاء للنفوس، وصَقْلٌ للقلوب حتى تطهر مِن الشوائب الزائدة والملتزقة بها، وفي هذا قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ï´¾ [المزمل:1-7].
عن جُبير بن مُطعم رضي الله عنه قال: ((كُنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالجحفة، فخرج علينا، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن القرآن جاء مِن عندِ الله؟)) قلنا: نعم، قال: ((فأبشِروا، فإن هذا القرآن طرفه بيدِ اللهِ وطرفه بأيديكم، فتمسَّكوا به ولا تهلكوا بعده أبدًا))؛ "المعجم الكبير" (2/ 126)، جاء سعد بن هشام بن عامر إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن قيام النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: (( أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ))،[1] فقيام الليل على هذا عامل أساسٌ في تحسين العلاقة بين الإنسان والقرآن الكريم، إنه لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا رِفعة ولا بركة ولا طهارة، ولا تناسُق مع سُنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع إلى كتاب الله تعالى تدبُّرًا، وحُبًّا، وقراءة، وتطبيقًا.
https://i.imgur.com/No02B5h.jpg
والرجوع إلى كتاب الله له صورة واحدة، وطريق واحد، واحد لا سواه، إنه العودة بالحياة كلِّها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم، إنه تحكيم هذا الكتاب وحدَه في حياتها، والتحاكم إليه وحدَه في شؤونها، وإلا فهو الفساد في الأرض، والشقاوة للناس، والارتكاس في الحمأة، والجاهلية التي تَعبد الهوى مِن دُون الله؛ ï´؟ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ï´¾ [القصص:50]"[2].
ومِن هنا نجدُ في سيرة السلف صفحات نيِّرة ومُشرقة، صنعتها صِلَتُهم القوية بكتاب الله تعالى؛ تدبُّرًا وتلاوةً وقراءةً متأنِّيةً واعيةً، ترمي إلى الكشف عن الرسائل التي يتضمنها النص الشريف في سياقاته المتعددة والمتنوعة، والمزهرة بالخير والبركة والنماء لكل البشرية، وفي هذا يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليلِه إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مُفطرون، وبحزنه إذا الناس فرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا مَحزونًا حليمًا حكيمًا سكيتًا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيًا ولا غافلًا، ولا سخَّابًا ولا صيَّاحًا ولا حديدًا"؛ وصايا غالية ثمينة ذهبية.
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
مناجاة الله في الصلاة، والقرب الروحي الذي يُحسُّه المؤمنُ وتحسُّه المؤمنة، وهو بين يدي الله فيه مِن الحلاوة والطلاوة الخير الكثير، ولهذا لا بدَّ لنا مِن كثرة الدعاء، والصدق فيه، وفي هذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه مبيِّنًا أسرارَ قيام الليل، والصلاة بصفة عامَّة: "ما دمتَ في صلاة فأنتَ تَقرع باب الملِك، ومَن يقرع باب الملِك يُفتح له".
عبد الله بن مسعود و حب القرآن الكريم:
نجح ابن مسعود رضي الله عنه، بتوفيق من الله، وتبيين من قِبل النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، في حُبِّ القرآن الكريم؛ ولهذا كان أول مَن جهر بالقرآن بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة، إذ اجتمع يومًا أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالوا: والله ما سمعَتْ قريشٌ مثْل هذا القرآن يُجهر لها به قط، فمَن رجل يُسْمِعُهُمُوهُ ؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلًا له عشيرته يمنعونه من القوم إنْ أرادوه، قال: دعوني، فإنَّ الله سيمنعني، فغدا ابنُ مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريشٌ في أنديتِها، فقام عند المقام، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم رافعًا صوته: ï´؟ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ï´¾ [الرحمن:1- 2]، ثم استقبلَهم يقرؤها، فتأمَّلوه قائلين: ما يقول ابن أمِّ عبد؟ إنه ليتلو بعضَ ما جاء به محمد، فقاموا إليه وجعلوا يَضرِبون وجهَه، وهو ماضٍ في قراءته حتى بلغ منها ما شاء الله أن يَبلغَ، ثم عاد إلى أصحابه مُصابًا في وجهه وجسده، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداءُ اللهِ أهونَ عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينَّهم بمثلها غدًا، قالوا: حسْبُك، فقد أسمعتَهم ما يكرهون[3].
تدبُّر القرآن طريق النجاح:
تدبُّر القرآن الكريم فهمه، والنظر فيه بروية وتفكر؛ ï´؟ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ï´¾ [المؤمنون:68]؛ أي: ألَم يَتَفَهَّمُوا ما خُوطِبُوا به في القُرْآنِ؟ وقول الله تعالى: ï´؟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ï´¾ [محمد:24]، وقال تعالى: ï´؟ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ï´¾ [ص:29].
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
ولو رُزِقَ العبدُ منَّا حسْن التدبُّر في القرآن الكريم، عن طريق الترتيل المتكرر، وحسْن القراءة وخاصَّة في الأوقات الفاضلة، وأعْظمها أثناء الصلاة، سيعيش حياته متنعِّمًا بالقرآن الكريم طَوال عُمره، ينشُر الخير أينما حلَّ أو ارتحل.
ولا يستطيع العبدُ منَّا الوقوفَ على جميع معاني القرآن الكريم، إنما هي فتوحاتٌ ربانيَّة يَهبها اللهُ لمن صدقتْ نيَّتُه، وحسُن إيمانه، وألحَّ في الطلب، وفي هذا يَقول سهل بن عبد الله التُسْتَري: "لو أُعطي العبدُ بكل حرف مِن القرآن ألفَ فهم، لم يبلغ نهاية ما أَودَع اللهُ في آية مِن كتابه؛ لأنه كلام الله، وكلامه صفته، وكما أنه ليس لله نهاية، فكذلك لا نهاية لفهم كلامه، وإنما يَفهم كلٌ بمقدار ما يَفتح اللهُ على قلبه، وكلام الله غير مخلوق، ولا يبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة" ا. هـ[4].
ويؤكِّد ما قلنا سلفًا قول ثابت البناني: "كابدتُ القرآنَ عشرين سَنة، ثم تنعَّمتُ به عشرين سَنة".
و بهذا يصِل المؤمنُ الصادق إلى نتيجة عجيبة وجميلة، ذكرها القرآنُ الكريم في عدة مواطن، منها: قول الله تعالى: ï´؟ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُم ْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ï´¾ [النساء: 175]، وفي هذا بِشارة طيبة لكلِّ مَن سار على درب بِشر بن عبَّاد رضي الله عنه، نموذج المحبِّ المتدبِّر.
لنعش في ختام الأمر مع هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه، وهو في اتصال عجيب مع القرآن الكريم؛ لندرك عظمة وقيمة حُبِّ القرآن الكريم وتدبُّره، وفي هذا يقول أصحاب السيَر: "بعد أن فرغ رسولُ الله والمسلمون مِن غزوة ذات الرقاع، نزلوا مكانًا يَبيتون فيه، واختار الرسولُ للحراسة نفرًا مِن الصحابة يَتناوبُونها، وكان منهم: عمَّار بن ياسر وعبَّاد بن بشر في نوبة واحدة، ورأى عبَّاد صاحبَه عمارًا مُجهَدًا، فطلب منه أن ينامَ أوَّل الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذَ صاحبُه مِن الراحة حظًّا يمكِّنه مِن استئناف الحراسة بعد أن يَصحو، ورأى عباد أن المكان مِن حوله آمن، فلمَ لا يملأ وقتَه إذًا بالصلاة، فيذهب بمثوبتها مع مثوبة الحراسة؟! وقام يُصلِّي، وإذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سورًا من القرآن، احترم عضدَه سهمٌ، فنزعه واستمر في صلاته.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
ثم رماه المهاجم في ظلام الليل بسهم ثانٍ نزعه وأنهى تلاوته، ثم ركع، وسجد، وكانت قواه قد بدَّدها الإعياء والألم، فمدَّ يمينَه وهو ساجد إلى صاحبه النائم جواره، وظلَّ يهزُّه حتى استيقظ، ثم قام مِن سجوده، وتلا التَّشهد، وأتمَّ صلاته، وصحا عمَّار على كلماته المتهدِّجة المتعبة تقول له: قم للحراسة مكاني؛ فقد أُصبتُ، ووثب عمار مُحدِثًا ضجَّة وهرولة أخافت المتسللين، ففرُّوا ثم التفَتَ إلى عبَّاد، وقال له: سبحان الله، هلَّا أيقظتني أوّل ما رُميتَ! فأجابه عبَّاد: كنتُ أتلو في صلاتي آيات من القرآن ملأتْ نفسي روعة فلم أُحِبَّ أن أقطعها، ووالله، لولا أن أضيِّعَ ثغرًا أمرني الرسول بحفظه، لآثرتُ الموتَ على أن أقطعَ تلك الآيات التي كنتُ أتلوها".
زاوية الختام:
في هذه الكلمة القصيرة أوجِّه رسالة إلى قلبك، أيها القارئ الكريم، عنوانها الحبُّ، وطابعها الإخلاص، وغلافها الإيمان الصادق، وموزعها الصلة الروحية التي تجمعنا بتوفيق مِن الله، وتاريخها مبعث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبدايتها الفاتحة، وخاتمتها سورة الناس، وعطرها الريحان، وبيتها الجَنَّة، وأمنيتُنا رضا الرحمن، وشفاعة المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم.
[1] صحيح مسلم (4/ 104).
[3] روى هذه القصة الزبير بن العوام رضي الله عنه، كما وردتْ في كتب السيَر.
[4] مقدمة تفسير البسيط للواحدي (رسالة دكتوراه): 1-34.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-05-07, 04:13 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
على قارعة التدبر
(25)
1- مناصحة ذاتية:
الله الله يا نفسُ بتدبر القرآن...
الله الله أن يكون لكِ ورد يومي من التدبر لا يفوتك مهما كانت الأعباء...
يا نفسُ ألا ترين كثيرًا من الصالحين وكيف يتحدثون عما يرونه من فرق مبهر في حياتهم، وفرقًا عظيمًا في فهمهم وصحة نظرهم واستقرار تفكيرهم ببركة هذا القرآن...
ألا ترين كثيرًا من الصالحين كيف يبثون شجواهم عما يجدونه في أنفسهم بعد تلاوة القرآن... يتحدثون عن شيء يحسون به كأنما يلمسونه من قوة الإرادة في فعل الخيرات والتأبي على المعاصي... وراحة النفس في صراعات المناهج والأفكار واحترابات التيارات...
بل تأملي يا نفسُ كيف تشرّف النبي ذاته بالقرآن!
تأملي كيف كانت حال النبي قبل القرآن، وحال النبي بعد القرآن، كما قال تعالى: {وَكَذَظ°لِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا غڑ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى من الآية:52]، وقوله تعالى: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـظ°ذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف من الآية:3].
فانظر بالله عليك كيف تأثرت حال النبي بعد إنزال القرآن عليه، بل انظر ما هو أعجب من ذلك وهو حال النبي بعد الرسالة إذا راجع ودارس القرآن مع جبريل كيف يكون أجود بالخير من الريح المرسلة كما في البخاري، هذا وهو رسول الله الذي كمل يقينه وإيمانه، ومع ذلك يتأثر بالقرآن فيزداد نشاطه في الخير، فكيف بنفوسنا الضعيفة المحتاجة إلى دوام العلاقة مع هذا القرآن...
بل انظر كيف جعل خاصية الرسول تلاوة هذا القرآن فقال: {رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً} [البينة:2].
وانظر إلى ذلك التصوير الشجي لحال أهل الإيمان في ليلهم كيف يسهرون مع القرآن {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران من الآية:113].
أترى أن الله جل وعلا ينوع ويعدد التوجيهات لتعميق العلاقة مع القرآن عبثًا؟
فتارةً يحثنا صراحة على التدبر {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد من الآية:24]...
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
وتارةً يحثنا على الإنصات إليه{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف من الآية:ظ¢ظ*ظ¤]...
وتارةً يأمرنا بالتفنن في الأداء الصوتي الذي يخلب الألباب لتقترب من معاني هذا القرآن {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل من الآية:4]...
وتارةً يأمرنا بالتهيئة النفسية قبل قراءته بالاستعاذة من الشيطان لكي تصفو نفوسنا لاستقبال مضامينه {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]...
وتارةً يغرس في نفوسنا استبشاع البعد عن القرآن {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـظ°ذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]...
وتارات أخرى ينبهنا على فضله، وتيسيره للذكر فهل من مدكر، وعظيم المنة به، الخ كل ذلك ليرسخ علاقتنا بالقرآن...
أيا نفسُ... هل ترين ذلك كله كان اتفاقًا ومصادفة لا تحمل وراءها الدلالات الخطيرة؟!
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
2- مع القلوب الصخرية:
الحديث عن قسوة القلب حديث ذو شجون، ومن رزايا هذا الزمن أن صرنا لا نستحي من المناصحة عن قسوة القلب بينما قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة... لكن دعنا يا أخي ندردش دردشة المحبوسين يتشاجون لبعضهم كيف يهربون من معتقلات خطاياهم...
يا أخي والله لقد قرأت كثيرًا كثيرًا في كتب الرقائق والإيمانيات والمواعظ، وجربت كثيرًا من الوسائل التي ذكروها، وأصدقك القول أنني رأيتها محدودة الجدوى، لا أنكر أن فيها فائدة، لكن ليست الفائدة الفعلية التي كنت أتوقعها، ووجدت العلاج الحقيقي الفعال الناجع المذهل في دواء واحد فقط، دواء واحد لا غير، وكلما استعملته رأيت الشفاء في نفسي، وكلما ابتعدت عنه عادت لي أسقامي، هذا العلاج هو بكل اختصار (تدبر القرآن).
دع عنك كلما يذكره صيادلة الإيمان، ودع عنك كل عقاقير الرقائق التي يصفونها، واستعمل (تدبر القرآن) وسترى في نفسك وإيمانك وقوتك على الطاعات وتأبيك على المعاصي وراحة نفسك في صراعات المناهج والأفكار شيئًا لا ينقضي منه العجب.
كل تقصير يقع فيه الانسان، سواء كان تقصيرًا علميًا بالتأويل والتحريف للشريعة، أو كان تقصيرًا سلوكيًا بالرضوخ لدواعي الشهوة، فإنه فرع عن قسوة القلب.
وهل تعلم كيف تحدث قسوة القلب؟
قسوة القلب ناشئة عن البعد عن الوحي، ألا ترى الله تعالى يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ غ– وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]...
أرأيت يا أخي؟ إنه طول الأمد...!
لما طال بهم الأمد قست قلوبهم... ولو جددوا العهد مع الوحي لحيت قلوبهم...
فإذا قسا القلب تجرأ الانسان على الميل بالشريعة مع هواه... وإذا قسا القلب تهاون الانسان في الطاعات واستثقلها... واذا قسا القلب عظمت الدنيا في عين المرء فأقبل عليها وأهمل حمل رسالة الاسلام للناس... وإذا قسا القلب ضعفت الغيرة والحمية لدين الله...
وما العلاج إذًا؟
العلاج لما يحيك في هذه الصدور هو مداواتها بتدبر القرآن... بالله عليك تأمل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ} [يونس:57]... هكذا تقدم الآية المعنى بكل وضوح {وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}...
ولكن ما الذي في الصدور؟!
في الصدور شهوات تتشوف... وفي الصدور شبهات تنبح... وفي الصدور حجبٌ غليظة... وفي الصدور طبقات مطمورة من الرين {كَلَّا غ– بَلْ غœ رَانَ عَلَىظ° قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]...
وهذه الدوامات التي في الصدور دواؤها كما قال الله {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس من الآية:57]...
فإذا شفيت الصدور وجدت خفة نفس في الطاعات... وإذا شفيت الصدور انقادت للنصوص بكل سلاسة ونفرت من التأويل والتحريف... وإذا شفيت الصدور تعلقت بالآخرة واستهانت بحطام الدنيا... وإذا شفيت الصدور امتلأت بحمل هم إظهار الهدى ودين الحق على الدين كله...
وأعجب من ذلك أنه إذا شفيت الصدور استقزمت الأهداف الصغيرة... تلك الاهداف التي تستعظمها النفوس الوضيعة... الولع بالشهرة... وحب الظهور... وشغف الرياسة والجاه في عيون الناس... وشهوة غلبة الأقران...
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
النفوس التي شفاها هذا القرآن... ترى كل ذلك حطام إعلامي ظاهره لذيذ فإذا جرب الانسان بعضه اكتشف سخافته... وأنه لا يستحق لحظة من العناء فضلًا عن اللهاث سنوات... فضلًا عن تقبل أن يقوم المرء بتحريف الوحي ليقال فلان الوسطي الراقي الوطني التنموي الحضاري النهضوي التقدمي.. الخ من عصائب الأهواء التي تعشي العيون عن رؤية الحقائق...
هل تظن يا أخي أن تحريف معاني الشريعة لا صلة له بقسوة القلب؟! أفلا تقرأ معي يا أخي قوله تعالى {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً غ– يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [المائدة من الآية:13]...
على أية حال... دعنا نعيد قراءة آية الشفاء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ} [يونس:57]
يا الله... هل قال الله {شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}... نعم إنه شفاء لما في الصدور... هكذا بكل وضوح...
هذا القرآن يا أخي له سحر عجيب في إحياء القلب وتحريك النفوس وعمارتها بالشوق لباريها جل وعلا... وسر ذلك أن هذا القرآن له سطوة خفية مذهلة في صناعة الاخبات والخضوع في النفس البشرية كما يقول تعالى {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج من الآية:54]..
فإذا أخبتت النفوس... وانفعلت بالتأثر الإيماني... انحلت قيود الجوارح... ولهج اللسان بالذكر... وخفقت الأطراف بالركوع والسجود والسعي لدين الله... كما يصور الحق تبارك وتعالى ذلك بقوله {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىظ° ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:23] لاحظ كيف تقشعر... ثم تلين... إنها الرهبة التي تليها الاستجابة... وذلك هو سحر القرآن...
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
3- وبدأ الانحراف يسبل إزاره:
أولًا وقبل كل شيء... أسأل الله أن يثبتنا وإياك على دينه.
حالات الانحراف عن التدين كثرت هذه الأيام... وبينها تفاوت كبير... فبعضهم مشكلته (علمية) بسبب رهبة عقول ثقافية كبيرة انهزم أمامها... وبعضهم مشكلته (سلوكية) بسبب ضعفه أمام لذائذ اللهو والترفيه... وإن كان الأمر دومًا يكون مركبًا من هوى وشبهة لكنه يكون أغلب لأحدهما بحسب الحال.
وأنا إلى هذه الساعة على كثرة ما تعاملت مع هذه الحالات لا أعرف علاجًا أنفع من (تدبر القرآن) فإن القرآن يجمع نوعي العلاج (الإيماني والعلمي) وهذا لا يكاد يوجد في غير القرآن، فالقرآن له سر عجيب في صناعة الإخبات في النفس البشرية {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج من الآية:54]... وإذا تهيأ المحل بالإيمان لان لقبول الحق والإذعان له كما قال تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىظ° ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:23].
وفي القرآن من بيان العلم والحق في مثل هذه القضايا المنهجية ما لا يوجد في غيره، ومفتاح الهداية مقارنة هدي القرآن بسلوكيات التيارات الفكرية.
أعني أنه إذا رأى متدبر القرآن تفريق القرآن بين المعترف بتقصيره حيث جعله قريبًا من العفو {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة من الآية:102]، وبين تغطية وتبرير التقصير بحيل التأويل الذي جعله الله سببا للمسخ {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65]، ومجرد المعصية بالصيد في اليوم المحرم لا تستحق المسخ فقد جرى من بني اسرائيل ما هو أكثر من ذلك ولم يمسخهم الله، ولكن الاحتيال على النص بالتأويل ضاعف شناعتها عند الله جل وعلا.
https://i.imgur.com/No02B5h.jpg
وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- تعظيم القرآن لمرجعية الصحابة في فهم الاسلام، وربطه فهم الإسلام بتجربة بشرية، كقوله تعالى {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ} [البقرة من الآية:137]، وقوله تعالى {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} [التوبة من الآية:100]، وقوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة من الآيتين: 6-7]وقوله تعالى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىظ° هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبإ من الآية:24]، وقوله تعالى: {أَفَتطمعون أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ} [البقرة من الآية:75]، وقوله تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىظ° أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ} [النساء من الآية:83]، ففي مثل هذه الآيات البينات يكشف تعالى أن الوحي ليس نصًا مفتوحًا، بل هو مرتبط بالاهتداء بتجربة بشرية سابقة، فيأمرنا صريحا أن نؤمن كما آمن الصحابة، وأن نتبع الصحابة بإحسان، ويأمرنا بكل وضوح أن نرد الأمر إلى أولي العلم الذين يستنبطونه، وهذا كله يبين أن الإسلام ليس فكرة مجردة يذهب الناس في تفسيرها كل مذهب... ويتاح الفهم لكل شخص كما يميل... بل هناك تجربة بشرية حاكمة للتفسيرات.
وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- بيان القرآن لتفاهة الدنيا، وكثرة ما ضرب الله لذلك من الأمثال كنهيه نبيه عن الالتفات إلى الدنيا {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىظ° مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه من الآية:131]، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب من الآية:28].
وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- ما في القرآن من بيان الله لحقارة الكافر وانحطاطه حيث جعله القرآن في مرتبة الأنعام والدواب والحمير والكلاب والنجاسة والرجس والجهل واللاعقل والعمى والصمم والبَكم والضلال والحيرة الخ من الأوصاف القرآنية المذهلة التي تملأ قلب قارئ القرآن بأقصى ما يمكن من معاني ومرادفات المهانة والحقارة، كقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} [محمد من الآية:12]، وقوله {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال من الآية:55] وقوله {كَذَظ°لِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام من الآية:125] وأمثالها كثير.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- ما في القرآن من عناية شديدة بالتحفظ في العلاقة بين الجنسين، كوضع السواتر بين الجنسين كما في قوله {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب من الآية:53]، وحثه المؤمنات على الجلوس في البيت {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب من الآية:33]، ونهيه عن تلطف المرأة في العبارة {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب من الآية:32]، ونهيه عن أي حركة ينبني عليها إحساس الرجل بشيء من زينة المرأة {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور من الآية:31] ونحو ذلك.
وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- عظمة تصوير القرآن للعبودية كتصويره المؤمنين في ذكرهم لله على كل الأحوال{الَّذين يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىظ° جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ} [آل عمران من الآية:191]، وحينما أراد أن يصف الصحابة بأخص صفاتهم قال {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ غڑ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ غ– تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح من الآية:29]، وكيف وصف الله ليلهم الذي يذهب أغلبه في الصلاة {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىظ° مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل من الآية:20].
والمراد أنه إذا رأى متدبر القرآن هدي القرآن في هذه القضايا وأمثالها، ثم قارنها بأحوال التيارات الفكرية المعاصرة، ورأى ما في كلام هؤلاء من تأويلات للنصوص لتوافق الذوق الغربي، والإزراء باتباع السلف في فهم الإسلام، وملأ القلوب بحب الدنيا، ولهج بتعظيم الكفار، وتكسير للحواجز بين الجنسين، وتهتك عبادي ظاهر، الخ. إذا قارن بين القرآن وبين أحوال هؤلاء انفتح له باب معرفة الحق.
4- من مفاتيح التدبر:
الحقيقة أنني رأيت كثيرًا من المتخصصين في التفسير كتبوا رسائل رائعة في التدبر، ووسائله، ولست متعمقًا في هذا الموضوع للأسف، لكن دعونا ندردش في الموضوع دردشة المقصرين يتذاكرون كيف يخرجون من شؤم تقصيرهم.
وجهة نظري أنه أولًا: وقبل كل شيء يجب على الانسان أن يتضرع إلى الله ويدعوه ويلح عليه أن يجعله من أهل القرآن، وأن يفتح عليه في فهم كتابه، والعمل به، وأن يجعله ممن قال عنهم {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة من الآية:121]، فإن الإنسان لا يفتح عليه في العبودية بمجرد الجهود الشخصية والتخطيط للإنجاز، وإنما فتوحات العبودية من بركات اللجأ إلى الله، وكل أبواب الخير من العلم والديانة إنما هي من باب الاستعانة ولذلك أعقب الله العبادة في سورة الفاتحة التي هي أعظم سورة في القرآن والتي أمرنا الله أن نكررها عشرات المرات يوميًا (وهذا يعني أن مضامينها موضوعة بعناية وليست اتفاقًا)، في هذه السورة العظيمة أعقب الله العبادة بالاستعانة، فالاستعانة بوابة العبادة.
وثانيًا: يجب وضع ورد يومي للتدبر كما كان الصحابة لهم أوراد وكان جمهورهم يحزبه على سبعة ايام كما تعرف، وأن لا يُغلب الانسان على ورده من التدبر مهما كانت الظروف، والورد اليومي من القرآن كما سمعت أحد الصالحين يقول: في اليوم الأول كالجبل وفي الثاني كنصف الجبل وفي الثالث كلا جبل وفي اليوم الرابع مثل الغذاء الذي تتألم لفقده.
وثالثًا: أن يكون الأصل هو التدبر الشخصي، والتفسير معين، لا العكس كما يفعل البعض، وخصوصًا لمن لديهم خلفية شرعية عامة تؤهلهم لفهم جماهير الآيات، والقرآن كما قسمه ابن عباس أربع مراتب: "التفسير على أربعة أوجه: تفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير تعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله"... فأنت إذا استحضرت تقسيم ابن عباس العبقري عرفت أنه ليس كل القرآن يحتاج لتفسير.
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
فيقرأ الانسان في المصاحف المهمشة بالتفاسير، وأجودها وأدقها (كما علمت من كثير من المتخصصين في التفسير) هو التفسير الميسر الصادر عن مجمع الملك فهد، فقد توافر على تصميمه كوكبة محترفة من المتخصصين في التفسير، وهو زبدة رائعة لكتب التفسير، فإذا أشكلت اللفظة أو المعنى الاجمالي راجع الهامش، لكنه يحاول هو أن يستكشف الدلالات العظيمة في هذا القرآن العظيم، فإذا لم يكن متأكدًا من سلامة استنباطه راجع كتب التفسير الموسعة.
وهذا الإمام العلامة أضخم مرجعية فقهية سنية معاصرة ابن عثيمين رحمه الله حين سئل عن طريقة طلب العلم وأولى العلوم بالعناية والاهتمام قال: "نقول: ابدأ بالتفسير قبل كل شيء، لكن هذا لا يعني ألا تقرأ غيره، لكن ركِّز أولًا على علم التفسير...، فعليك بالتفسير، احرص عليه ما استطعت، وطريقة ذلك: أن تفكر أنت أولًا في معنى الآية، قبل أن تراجع الكتب، فإذا تقرر عندك شيء فارجع إلى الكتب، وذلك لأجل أن تمرن نفسك على معرفة معاني كتاب الله بنفسك، ثم إن الإنسان قد يفتح الله عليه من المعاني ما لا يجده في كتب التفسير، خصوصًا إذا ترعرع في العلم وبلغ مرتبة فيه فإنه قد يفتح له من خزائن هذا القرآن الكريم ما لم يجده في غيره" (الباب المفتوح، ل:[86]).
فانظر إلى هذا الفقيه الامام كيف يوصي طلابه بأن يقرأوا الآيات ويستنبطوا منها ثم يراجعوا كتب التفسير، بل وكان يطبق ذلك عمليًا فيعطيهم آيات ويطلب منهم أن يسهروا في الاستنباط منها ويأتون بها غدًا (انظر قصصًا طريفة ذكرها حول هذا الموضوع الأخ مازن الغامدي رحمه الله في قصته مع الشيخ، وهي أهم سيرة ذاتية كتبت عن الداخل الشرعي السعودي).
ثم بعد ذلك يقرأ الانسان في مطولات التفسير قراءة مستقلة، وأعذبها وألذها تفسير الإمام فقيه الأخلاق والفروع ابن سعدي عليه رحمة الله، ومع ذلك فلا بد للإنسان أن يطالع آثار السلف في تفاسير الأثر حتى لا يصادم فهمهم دون وعي، وإذا سئل ابن عثيمين عن التفاسير فإنه كان يذكر ثلاثة دومًا ويمدحها ويثني عليها (ابن كثير، السعدي، الجلالين) فالشيخ كان يحب الدقة اللغوية للجلالين رحمه الله.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
ورابعًا: من أجمل الأمور أن يضع الإنسان لأهل بيته برنامجًا في التفسير فيقرءون ويتبارون في الاستنباط ثم يراجعون التفسيرات المختصرة، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىظ° فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب من الآية:34]، فالنبي كان يتلو على نسائه القرآن. وهذا له أثر لا يتصوره الكثيرون في تحبيب الأهل في القرآن والاقبال على الاستنباط منه، بل وستجد أهلك يصبحون دائمي التساؤل حول بعض استنباطاتهم للقرآن وهدايات آياته، وأهم من ذلك كله ستجد في أهلك قوة على الطاعة ونظرة مختلفة للدنيا وزخرفها، فهذا القرآن عجيب في تصحيح المفاهيم وتزكية النظرات والتصورات.
وخامسًا: لا أعلم درسًا شرعيًا في كل علوم الاسلام أسسه النبي وأصّله نظريا بنفسه إلا تدارس القرآن، فكل دروس الشريعة نوع من الاجتهاد في تنظيم العلم إلا تدارس القرآن فهو منصوص كما قال النبي في (صحيح مسلم):«ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»، هذا هو أعظم الدروس الشرعية التي يحبها الله، ولذلك ما أجمل أن يضع الاخوان لبعضهم برنامجًا أسبوعياً يحضّر كل منهم من تفسير معين ثم يتدارسون معانيه، هذا البرنامج دينامو إيماني ومنهجي في غاية التأثير.
والطرق كثيرة، والموضوع متشعب، والمتخصصون أبدعوا فيه، والمقصر يخجل من مناصحة الآخرين، ولكنه التذاكر والباحث في موضوع والله لم نقدره قدره بعد وما عرفنا اثره.
ولقد تأملت سيرة الصحابة في سير أعلام النبلاء وبعض طبقات ابن سعد وبعض حلية أبي نعيم فهالني والله ما رأيت من اقبالهم وتكثيف جهودهم في القرآن. وعلمت حينها ما الذي منح أولئك تلك المزية، بل انظر في أبي العباس ابن تيمية الذي كتب في التفسير رسائل كثيرة، كتفسير آيات أشكلت، وتفسير سورة الاخلاص، وجمع مطولات في تفسير السلف نسقًا على الآيات (أكثرها مفقود) وجلس سنة يفسر سورة نوح، ومع ذلك حين اعتقل المرة الأخيرة في قلعة دمشق وسحبت منه الكتب والاقلام اقبل على القرآن وقال: "قد فتح الله علي في هذه المرة من معاني القرآن ومن أصول العلم بأشياء كان كثير من العلماء يتمنونها وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن"، هذا ابو العباس يندم على تضييع أكثر أوقاته في غير معاني القرآن، برغم أنه من أئمة التفسير أصلًا! فماذا نقول نحن المقصرين مع كتاب الله؟!
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم اجعل القرآن أنيسنا في ليلنا ونهارنا، اللهم شفع سورة تبارك فينا في قبورنا، اللهم اجعل البقرة وآل عمران غيايتان تحاجان لنا يوم القيامة، اللهم أحبنا بحبنا لسورة قل هو الله أحد، اللهم آمين، اللهم آمين
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-05-08, 05:01 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
كيف نتدبر القرآن ؟
عبد المحسن بن محمد الاحمد
(26)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأصلي وأسلم على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحابته أفضل الصلاة وأتمّ التسليم أما بعد : أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتولى هذا اللقاء كله بأنفاسه ولحظاته وكلماته وطرفاته ونياتنا فيه وأن لا يجعل لبشر مخلوق ضعيف فقير فيه حظ ولا نصيب..
قلنا أننا سنأخذ بالتدبر من بداية تأصيله إلى بإذن الله أن نجيب على كل الأسئلة المتعلقة بالتدبر ،عوائق التدبر ،كيف أتدبر؟ ماهي الخطوات العملية للتدبر ؟ ما معنى التدبر؟ كيف أعرف أني تدبرت بعدما أطبق هذه كيف أعرف إني نجحت في التدبر أو لا ، وكم نسبة نجاحي في تطبيق الشروط ؟ وكم نسبة النتاج والنتيجة والمكاسب التي حصلتها .
الجن ؟ أحبتي تحتاج لدراسة تحليلية جداً ، ما ذكرهم الله سبحانه في سورة كاملة إلا يريد للقلوب أن تتحرك لإجل هذا الله سبحانه وتعالى يقول : ï´؟وَكَذلِكَ أَنزَلناهُ قُرآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفنا فيهِ مِنَ الوَعيدِ لَعَلَّهُمï´¾يق صد به أنت يا يحصل عنده ارتفاع أو يحصل عنده على أقل الحد الأدنى ، ما الذي يفترض أن يحصل بعد ما أقرأ هذا التصريف وهؤلاء ماذا سيحصل لهم في الآخرة وفي الدنيا ماذا كانوا يفعلون؟ هذه التصريفات في القرآن من كل مثل (لَعَلَّهُم ) ماذا؟ (لَعَلَّهُم يَتَّقونَ) يعني يتغير..
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
دخل المسجد وسمع الآيات وخرج ، سرعته إلى المعصية بعد سماع القرآن ينبغي تكون أقل ، وسرعته للطاعة ينبغي تكون أسرع (لَعَلَّهُم يَتَّقونَ )و إذا ما اتقى؟قرأ صفحة وما اتقى؟ ما غيّر مثل الجن؟
طيب أقل شيء ماذا؟ (أَو يُحدِثُ لَهُم ذِكرًاï´¾ قليلاً ، لكن صفر مصيبة إنك تقرأ وتخرج (مَاذَا قَالَ آنِفَا) هذه مشكلة..لأجل ذلك الله سبحانه وتعالى قال (وإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة ) وقرأها النبي عليه الصلاة والسلام ضربت الأمواج في قلوب الصحابة ليس كلهم قال الله (فَمِنْهُمْ مَن يَقُول) ذهب القرآن ضرب في قلبه ، زلزل الداخل وأفرز أشياء جعلته يتذكر فلما تذكر لابد أن يتكلم ï´؟ فَمِنهُم مَن يَقولُ أَيُّكُم زادَتهُ هذِهِï´¾ الذي سمعناه شحن تعبي سيارك ترى البنزين ذهب ، طيب هذا (أَيُّكُم زادَتهُ هَذِهِ إيمانًا ) من الذي الآن زاد الشحن عنده يودّ يفعل أي شيء يقربه إلى الله سبحانه وتعالى يودّ يبعد عن أي شيء لكن الفرق بين الحالتين إنه سمع ، طيب قال ï´؟ أَيُّكُم زادَتهُ هذِهِ إيمانًاï´¾ كلهم زادتهم إيماناً؟
لا ï´؟ فَأَمَّا الَّذينَ آمَنواï´¾ سبحان الله كيف آمنوا وزادتهم إيمانا ً؟
يعني القرآن يُحدث إيماناً ولا يزيد الإيمان الموجود أصلاً؟
ولا يثبت الإيمان هذه سنجيب عليها في الحلقات إن شاء الله
علاقة القرآن بالإيمان هل هو يصلح لواحد ليس بمؤمن ولا لابد أن يكون عنده إيمان لإجل يزيده ، ولا عنده إيمان وزائد ويحتاج له ثبات ينقص كل هذه سنجيب عليها إن شاء الله في ثنايا هذه الحلقات ..
لكن الله يقول إن هذا الأمر بيغير (لَعَلَّهُم يَتَّقونَ أَو يُحدِثُ لَهُم ذِكرًاï´¾
قاعدة من القواعد القرآنية إذا جاءت الآية دخلت قلبك اتحداك تصمت ، اتحداك لا تتكلم عنها ، اتحداك لا تعبر عن الذي دخل قلبك .
من الذي قال هذا الكلام ؟ الله سبحانه وتعالى يؤصل لنا هذه القضية في القرآن خذها قاعدة حبيبي الغالي قبل لا ندخل في الدراسة التحليلية في الجن ولماذا استفادوا ؟ أنا أريد أعلم كيف أصل للمرحلة الذين وصلولها هم ، والله يا جماعة ترى كل مرة اسأل نفسي كلما مررت عند الآيات هذه أقول يا جماعة ما بنا؟ المشكلة بنا أو المشكلة في القرآن ؟ لا مستحيل .
قُل هُوَ نَبَأٌ عَظيمٌغ*أَنتُم عَنهُ مُعرِضونَ سماع مرة واحدة ،كل هذه القرارات وقرارات مصيرية يعني غيروا عقيدة ، مستيقظين (وَلِيَتذكر أُولُو الأَلباب) قال الله (فَبَشِّر عِبادِ*الذين يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُم أُولُو الأَلبابِ) كتاب الأذكياء ..
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
هناك ثلاث عناصر قبل لا نختم هذه ، فيه ثلاث عناصر دائماً ابحث عنها العنصر الأول موجود لا محالة يعني أصلاً سقط بحسابه عنك الثلث ، سقط ركز على باقي الثلثين ، الأول : هو إنزال الكتاب من الله عز وجل هذا حصل ، الثلث الثاني : وصول القرآن للقلب إذا وصل القرآن للقلب فيه الثلث الثالث الأخير اتحداك تصمت ، اتحداك تسمع آية وتصل لقلبك يمكن تصل إذنك يمكن تصل عقلك وتحفظها أي مكان في الجزء العلوي عادي لكن تصل قلبك وتصمت ؟ اتحداك
قال الله ï´؟وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ العالَمينَ*نزل بِهِ الرّوحُ الأَمينُ هذا الأول ، الثاني عَلى قَلبِكَ
لما وصل قلبه يقدر يصمت النبي عليه الصلاة والسلام؟ لا أحد يقدر يصمت فماذا حصل ؟
ï´؟لِتَكونَ مِنَ المُنذِرينَï´¾ (وَأَنذِر بِهِ) أصبح ينذر بالقرآن طيب واحد هذه الثلاثية للنبي صلى الله عليه وسلم ؟
لا لأي مؤمن مستيقظ ، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أولوا الألباب (المصغ*كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ) هذه الأولى صحيح؟
(فَلا يَكُن) أين؟ ركز كم تحفظ ، ركز كم تقرأ ، ركز كم يتحرك لسانك؟ لا ، ركز كم من هذه الصفحات وصل قلبك (فَلا يَكُن في صَدرِكَ) ركز هنا – في القلب- دائما ًهذا أكثر مكان نحن غافلين عنه وهذا أكثر مكان انتبه له النبي صلى الله عليه وسلم "ربيع قلبي" "آت نفسي تقواها" التقوى أين؟ هنا في القلب (فَإِنَّها لا تَعمَى الأَبصارُ وَلكِن تَعمَى القُلوبُ الَّتي فِي الصُّدورِ) لإجل تركز ، الثانية أين؟ (فَلَا يَكُن فِي صَدرِكَ ) يا رب افتح الصدور يا رب العالمين واشرحها واجعل القرآن ربيعها (فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ) هذه الثانية ، أين الثالث؟ (لِتُنْذِرِ به) العلامة إذا دخل قلبك اتحداك تصمت ( لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ) وكيف أحصل عليها؟ (اتّبعوا) حسناً هل الجن وصل القرآن لقلوبهم؟ ولا لا ، ما الدليل؟ الله يقول لما وصل القرآن لقلوبهم لم يقدروا يصمتون أصلاً لكن تعال الآن الدراسة التحليلية كيف وصل لقلوبهم؟..
لإجل هذا الله عز وجل علمنا قال سبحانه وتعالى نحن نريد نعرف القرآن كيف وصل لقلوب الجن ماذا فعلوا ؟ مالذي فعله الجن حتى يفتح الله قلوبهم ؟ يعني نحن عند الله أحسن منهم قبل إسلامهم صحيح أم لا أحبتي؟ ومع ذلك هم سمعوه مرة واحدة وتغيرت كل قرارات حياتهم ،كانت النقطة فاصلة حياتهم قسموها إلى ثلاثة أقسام: قسم قبل سماع القرآن وقسم وهم يسمعون وقسم بعد السماع كل شيء بعد السماع تغير ..
ما الدليل قالوا (سَمِعنا قُرآنًا عَجَبًاغ*يَهدي إِلَى الرُّشدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَن نُشرِكَ بِرَبِّنا أَحَدًا) كل قرارات المستقبل سنغيرها ، صفحة سوداء قلبناها بيضاء..
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
غيروا كل حياتهم بعد نقطة التحول ومحطة التحول هي سماع القرآن لكن لماذا مرة واحدة سمعوه وغيروا
كل شيء ونحن سمعنا مرات ،ويمكن لو أقول لأحدهم أكتب ورقه بينك وبين نفسك قرار قررته بعد مرة سمعت فيه القرآن أو قرأت فيه القرآن قررت تتغير .
ما الذي فعله الجن لإجل يفتح الله قلوبهم للقرآن ؟!
الإنصات الله عزوجل أعطانا شروط في القرآن حقق الشروط تأخذ الوعود(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ غ—)
ماهي الشروط التي فعلوها الجن وأعطاهم الله الوعد يقول الله تعالى ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )وأنت منشغل هذه لم تفعلها الجن لإجل هذا تغيرت حياتهم ، صار عندهم
شيء لم يكن عندنا (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا )ما الوعد لهذه الشروط (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
إذا رحمك الله فتح قلبك وإذا أنفتح قلبك للقرآن لاتسأل ما أثر الآيات على قلبك و هل الجن
طبقوها نأخذها تدريجياً ؟!
( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن( "كل حرف له طعم بالقرآن لحاله هكذا يهز قلبك
(يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن(هذا حقق خمسين بالمئة من الشروط.
(فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا) حسناً أنت جالس تسمع يقول لايكفي الكلام هذا يحتاج إلى تركيز
فوق التركيز مليء هذا الكلام مليء هديات مليان أنوار مليء حياة و روح ، قال الله تعالى ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ) ماهذا الأدب أمام هذا الكلام العظيم ، أحبتي في الحديث الصحيح
حديث النواس بن سمعان يقول : قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أراد الله أن يتكلم بالوحي ـ
أي يقول آية من الآيات التي نسمعها الآن قال أخذت السماوات السبع رعداً قامت ترجف أو قال
رجفه شديدة قامت السماوات تهتز لم يتكلم الله عزوجل بالوحي لكن الآن أستعداد للكلام الذي
يقوله الله عزوجل قال أخذت السماوات السبع رعداً شديداً أو رجفة شديدة قال فتكلم بالوحي
فخّر كل الملائكة من ضمنهم حملة العرش ، في الطبراني والأوسط حديث صحيح قال :
"قال النبي عليه الصلاه والسلام (حملة العرش مابين شحمه أذن أحدهم إلى عاتقه مسيره سبع مائة سنة
يخفق فيها الطير يتحرك الطير من كتفه ونموت جميعاً ويأتي أجيال بعدنا وبعدها سبع مائة سنة
وللتو يصل إلى أذنه يخرّ فكيف أدبنا مع القرآن ؟
ثم يتكلم الله بالوحي فيكون أول من يرفع جبريل عليه السلام فيسمع الآيات فتأتي الملائكة لجبريل
فيقولوا "ماذا قال ربنآ ؟قال الحق وهو العلي الكبير "
دائماً في القرآن العلي الكبير، العلي العظيم لصفة الله عزوجل كل خلق الله كل مادون الله كلما أرتفع
في السماء كلما صغر إلا الله غير خلقه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ غ–)"مع علوه هو عظيم وكبير جل في علاه
الشآهد أن هولاء أدب عندهم شديد (لَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىظ° قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ)
طبقوا شروط الإستماع والإنصات وجاءتهم الرحمة وفتح الله قلوبهم فتدبروا القرآن بعد ذلك حققوا
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
شروط أخرى وصارعندهم وعود أخرى ،القرآن جاء يضمن لك خمس أمور، خمس وعود بشرط واحد
خمس وعود يضمنها لك القرآن بل يضمنها لك من قال وتكلم بالقرآن عزوجل أصدق القائلين إذا
طبقت شرط واحد، الشاهد ما الشرط الواحد والوعود الخمسة ؟!
إذا حققت الشرط الوحيد أسأل الله أن يجعلنآ وأحبابنا ممن يختصهم الله برحمته فيعينهم على تحقيق
هذا الشرط.
الشرط الأول : أنك لا تخاف ، في حياتك لا تخاف ، لو تزلزل الدنيا حولك أنت بداخلك آمن ومن عظمة القرآن أنه ركز على قضية قوية جداً ، المصيبة وأثرها ، إذا فهمتها سترى حياتك تغيرت أنت الذي يهزك في السابق ، سوف لا يهزك الآن !
سأذكر مثال ما معنى المصيبة وأثر المصيبة ؟
لو أقف اثنان هناك ولبست أحدهم سترة ضد الرصاص، والآخر ليست لديه سترة، وطلبت من كل
واحد منكم أن يطلق على صاحب السترة عشر طلقات، والذي ليست له سترة أطلق عليه طلقة،
وأطلق على صاحب السترة في صدره -مكان القلب-، أما الذي بدون سترة فأطلق عليه في أي مكان،
في كتفه في رجله،لكن طلقة واحدة، أي أن كل عشر طلقات تقابلها طلقة واحدة،
المصيبة الأكبر -الرصاص- تكون في حق من؟
الذي بدون سترة، إذاً هذا يصاب فالناس يرحمونه، لكن أثر الطلقة عليه يضحك يشرب ماء،لذلك
نرى الناس عندنا في المستشفى يصلهم خبر بوفاة ابنهم فيقولون: الحمدلله رب العالمين،لن يقدم
موتي مرضٌ ولن تؤخره صحةٌ، والآخر على النقيض تمامًا،إذاً توجد مصيبة ويوجد أثر للمصيبة،
إذا حقق هذا الشرط كان له واقٍ بضمان الله، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْطَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا..."،تهون به : شيء داخلي يصد هذه المصائب فتهون وتسقط،
فإذا دخل القرآن قلبك رحل عنه الخوف ونسفت كل مخاوفك، بل بالعكس : كلما أخافوك كلما
زاد إيمانك، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، تريد أن تخيفه، لكنه زاد إيمانًا (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) .
قال البخاري في الأدب المفرد :قال النبي صلى الله عليه وسلم قلها ثلاثاً "الله أعز من خلقه جميعًا، الله أعز مما أخاف
وأحذر أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو ، الممسك السموات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان ،وجنوده وأتباعه وأشياعه ، من الجن والأنس ، اللهم كن لي جاراً من شرهم ، جل ثناؤك وعز جارك ، وتبارك اسمك ، ولا إله غيرك "
ما دام هو أعز من كل المخلوقات الممسك السماوات السبع أن تقع على الأرض إلا بإذنه،
ألا يستطيع أن يدفع الجيش والدولة عني؟
https://i.imgur.com/No02B5h.jpg
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَك َ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) إذا لم يقنعك هذا الكلام..
ماذا قال الله بعده؟ (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) أما من استفاد من الكلام وعلم أن الله -عز وجل- أعز من خلقه جميعًا، قال : (وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ)
ولما مر موسى - عليه السلام - على السحرة والتفت عليهم وقال كلمة، قال : (قَالَ لَهُمْ مُوسَىظ° وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىظ°) ما معنى
يسحتكم؟ لم يقل يطحنكم لأن الطحن قد يبقى معه الأثر، أما السحت فلا يبقى معه شيء .
الشاهد أن العزيز سبحانه إذا أراد أن يطمئن قلبك جعل المخاوف تزيدك إيمانًا، هناك وعودٌ أخذها الجن والشرط واحد، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)الوعد الأول : أنك لا تخاف ، يؤمنك الله، أنت أنت
لكنك لا تخاف، الوعدالثاني : أنك لا تحزن، الوعد الثالث : أنك لا تحتار، الوعد الرابع : أنك لاتشقى مهما تغيرت الظروف، الوعد الخامس : أنك تعيش في سلام وعقلك في سلام ، وقد ذاق الجن بعضها
وتكلموا فيه قالوا : (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىظ° آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا)
(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ) ينتفضون منه، (يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ)والله كنا نزيدهم رهقاً
( فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)،لإجل هذا الجن من القناعات التي تغيرت، ونحن قلنا لِيدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب، تتغير قناعاتهم صحيح !
قالوا(وَأَنَّهُ تَعَالَىظ°)، لما لم يقولوا ربنا تعالى مثل ما نقول نحن؟ لا القرآن هزّ أركانهم هزّ، ما تجرؤوا حتى يقولون قرآن عادي، قالوا: (قُرْآنًا عَجَبًا)، ولا قدرا يقولون ربنا هكذا عادي قالوا http://forum.ashefaa.com/images/smilies/frown.gifوَأَنَّهُ تَعَالَىظ° جَد ربِّنَا)فوق،( مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَأَنَّهُ كَانَ يَقُول) كبيرُنا؟ لا لم يبقى كبيرنا هو كان أهم واحد
وأكبر شيء قبل أسمع القرآن، الآن القرآن أتى رتب الأوراق، قال هذا الكبير ينزل في الأسفل
والله الذي كنتم ناسيينه يصعد في الأعلى(وَأنه كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا)
فالقرآن هو الذي يُرتّبُ أوراق حياتك .
استودع الله كل مؤمنٍ ومُؤمنة من أذى كلّ ذي شر مِن الإنسِ والجن، وأسأل الله في هذه الليلة أن يفرج همّ كل مهموم، وأن يُعيد كل مأسورٍ لأهله، وأن ينصرَ الإسلامَ وأهلهِ، وأن لا يُبقي فينا صدور ولايرانا أو مَن سمعنا أو قرأ لنا أُمنيةً هي لله رضاً ولنا فيها صلاح، إلا كتب قضائها قبل أن ننفضّ مِن مجلِسنا هذا، إن ربّي على ذلكَ قدير، وإنّهُ بالإجابةِ جدير سبحانه، والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
ابو وليد البحيرى
2021-05-09, 05:06 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
الإكثار من تلاوة القرآن وختمه في رمضان
محمد بن موسى الشريف
(27)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يتنافس الناس في رمضان في كثرة تلاوة القرآن وتعدد مرات ختمه، وهذا أمر حسن يثابون عليه إن شاء الله، لكن هل هو الأفضل في حقهم؟ وهل هو ما ينبغي عليهم أن يصنعوه في هذا الشهر الكريم؟
فأقول وبالله التوفيق: إنه في شهر رمضان الكريم يستحب الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، وهكذا كان السلف يصنعون، فقد كانت أحوالهم في قراءة القرآن الكريم عجيبة طوال السنة، ليس في رمضان فقط لكنهم إذا جاء رمضان يكثرون من التلاوة كثرة مضاعفة، فقد كانت عادة أكثر الصحابة -رضي الله عنهم- ختم القرآن كل أسبوع مرة، وبعضهم كل ثلاث ليال. وكانوا إذا جاء رمضان يقومون بالقرآن عامة ليلهم إلا قليلاً.
وعلى ذلك جرى التابعون -رحمهم الله- تعالى والسلف الصالح من بعدهم، فهذا الأسود بن يزيد صاحب عبدالله بن مسعود يختم القرآن كل ست ليال، فإذا جاء رمضان ختم كل ليلتين، وكان قتادة المفسر التابعي يختم كل سبع ليال، فإذا جاء رمضان ختم كل ثلاث، فإذا جاء العشر الأواخر ختم كل ليلة، وهذا أبو بكر ابن عياش قد ختم القرآن ثماني عشرة ألف ختمة طيلة
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
حياته، وهو رقم يُتعجب منه ويُخضع له، وصح عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه ختم القرآن في رمضان ستين مرة، وكان الإمام ابن عساكر يحاول اللحاق بالشافعي في صنيعه هذا حتى أنه كان يعتكف في المنارة البيضاء في مسجد دمشق طيلة رمضان لكنه لم يستطع إلا أن يختمه 59 مرة! -رحمهم الله- تعالى- ما أعظم هممهم.
وكان الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة، وكان يسهل على السلف كثرة الختم في رمضان لتفرغهم له وعدم انشغالهم بغيره، وكان منهم الإمام مالك إذا دخل رمضان لم يقبل إلا على القرآن وترك دروسه الحديثية وغير ذلك.
فإن قال قائل: ألم يَنه النبي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث ليال، كما صح في واقعة عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- حيث طلب منه أن يختم القرآن في أقل من ثلاث فأبى عليه النبي.
فإن قيل ذلك، فإنه يقال رداً على هذا: إن السلف العظام، ومنهم الإمام الشافعي وغيره ممن كانوا يكثرون الختم في رمضان، قد عرفوا هذا الحديث الشريف وحفظوه، لكنهم أرادوا استغلال الزمان واغتنام أجر تلاوة أكبر قدر ممكن من الختمات القرآنية. وذلك جائز إن لم يكن على سبيل المداومة طيلة الحياة، فإن داوم إنسان على الختم في أقل من ثلاث يُنهى عن هذا ويساق له هذا الحديث، أما إن تفرغ مدة من الزمان شريفة مباركة في رمضان لينهل من حوض القرآن ويكثر ختمه فلا
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
يُنهى عن هذا ولا يعترض عليه معترض، ألم يقرأ عثمان القرآن في ركعة عند الكعبة، كما وردت بذلك الأخبار عنه، وكذلك قرأه الإمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى- في ركعة، وممن صنع ذلك سعيد بن جبير والقاضي أبو أحمد العسال الأصبهاني وجمع من السلف، وكل ذلك جائز بل مستحب إن لم يكن على سبيل المداومة إذ المداومة على قراءة القرآن في ثلاث ليال أو أكثر هي الحال المطلوبة المثلى.
لكن ينبغي أن نعلم شيئاً مهماً نحقق به التوازن المطلوب، ألا وهو أن المرء في هذا الزمان قد يخفى عليه كثير من معاني القرآن وأحكامه، فمثل هذا لو تفرغ في هذا الشهر المبارك للتفهم والتدبر والتطبيق كان خيراً له من كثير من القراءة وموالاة الختم بلا فهم ولا تدبر ولا تطبيق، بل أجزم أن قراءة القرآن مرة واحدة أو نصفه أو ثلثه أو أقل طيلة رمضان بشرط التفهم والتدبر والتطبيق خير من قراءة ثلاثين ختمة يردد حروفها ولا يفقه حدودها ولا يدري معانيها، وهل ابتلينا بما ابتلينا به من
https://i.imgur.com/No02B5h.jpg
غلبة الفكر الغربي والثقافة الغربية على بلادنا، ومن الهجمة الصليبية اليهودية العسكرية على أرضنا وانتقاصها وانتهاكها، ومن وقوع عدد من بلدان الإسلام فريسة لهؤلاء الوحوش، ومن فساد أكثر الأنظمة الإسلامية سياسياً وإدارياً، وضعفها اقتصادياً وعسكرياً، هل ابتلينا بكل ذلك إلا لأنا وضعنا كتاب الله وراء ظهورنا ودَبر آذاننا، وأعرضنا عن تفهمه وتدبره ومن ثم تطبيقه؟!
لذلك إذا جاء رمضان وجب على العباد أن يكرعوا وينهلوا من حياض القرآن، وأن يقبلوا على تفهمه وتدبره، وألا يتهاونوا في تطبيقه، عسى الله -تعالى- أن يرفعنا من وكستنا، وأن يقيل عثرتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-05-10, 04:39 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
حال السلف مع القرآن في رمضان
أحمد عرفة
(28)
https://yallabook.com/blog/admincp/userfiles/%D9%81%D8%A7%D9%86%D9%88%D8%B3 %20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9 %86%20%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9 %20%D8%B3%D9%88%D9%82%20%D9%85 %D8%B5%D8%B17.JPG
هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويُسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً يتصدع...
التصنيفات: ملفات شهر رمضان والعشر الأواخر -
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
أيها الأخوة الأحباب: شرف الله عز وجل شهر رمضان المبارك بنزول القرآن الكريم فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، فما أحوجنا إلى أن نعود إلى القرآن في شهر رمضان، فلا عز لنا ولا كرامة ولا رفعة في الدنيا والآخرة إلا من خلال التمسك بالقرآن الكريم حفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً كي نسعد في الدنيا والآخرة، ونسود العالم بأسره كما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح رضي الله عنهم تحققت لهم السيادة والعزة والكرامة عندما أخذوا القرآن الكريم منهج حياة، من هذا المنطلق أكتب هذه المقالة المتواضعة حول السلف الصالح رضي الله عنهم مع القرآن الكريم في رمضان شهر القرآن: قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185]
https://i.imgur.com/IEsSc0u.jpg
والقرآن هو كتاب هذه الأمة الخالد، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، فأنشأها هذه النشأة، وبدلها من خوفها أمناً، ومكن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة، ولم تكن من قبل شيئاً، وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء، فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان». وعن ابن عباس، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة"، قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كان ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6]، وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنه أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في ليلة القدر، ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1]، وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدخان:3].
انظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن الكريم في رمضان: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان قال: فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل، فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة"، وقد روي عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له: لو نفلتنا بقية ليلتنا؟ فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته»، وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل ونصفه يكتب به قيام ليلة لكن مع الإمام، وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث ويصلي مع الإمام حتى ينصرف، ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
وقال بعض السلف: "من قام نصف الليل فقد قام الليل"، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين».
حال السلف مع القرآن في رمضان:
وانظر كيف كان حال السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم مع القرآن الكريم إذا دخل رمضان: كان قتادة رضي الله عنه: يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: "فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام"، وقال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامت، وقال سفيان: "كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه".
علو الهمة عند السلف في تلاوة القرآن وختمه أكثر من مرة بصور عجيبة:
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها"، كان الأسود بن يزيد: يقرأ في كل ليلتين في رمضان، وكان إبراهيم النخعي: يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث، وكان قتادة: يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه، ثم قال الإمام ابن رجب رحمه الله بعد ذكر هذه الآثار: وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أوفي الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره، وعن محمد بن مسعر قال: "كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن"، وعن ابن وهب: "قيل لأخت مالك: ما كان شغل مالك في بيته؟ قالت: المصحف، والتلاوة"، وقال عمرو بن علي: "كان يحيى بن سعيد القطان يختم القرآن كل يوم وليلة يدعو لألف إنسان، ثم يخرج بعد العصر فيحدث الناس". وقال البغوي: أخبرت عن جدي أحمد بن منيع رحمه الله أنه قال: "أنا من نحو أربعين سنة أختم في كل ثلاث"، وعن مسبح بن سعيد قال: "كان محمد بن إسماعيل يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة"، وقال سليمان بن يسار رحمه الله: "قام عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد العشاء فقرأ القرآن كله في ركعة لم يصل قبلها ولا بعدها". وعن ابن سيرين: أن تميماً الداري كان يقرأ القرآن في ركعة،وعن الحارث بن يزيد: أن سليم بن عتر كان يقرأ القرآن في كل ليلة ثلاث مرات، وقال ابن شوذب: "كان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف نظراً، ويقوم به الليل".
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
الإمام حمزة بن حبيب الزيات، القيم بكتاب الله، العابد الخاشع، القانت لله يقول: :"نظرت في المصحف حتى خشيت أن يذهب بصري"، قال يحيى اليماني: "لما حضرت الوفاة أبا بكر بن عياش بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة". وثابت البناني قال عنه شعبة: "كان ثابت يقرأ القرآن في يوم وليلة، ويصوم الدهر"، وقال أسد بن الفرات: "كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين قال: فنزل بي حين جئت إليه عن ختمة، رغبة في إحياء العلم"، الإمام أبو حنيفة رحمه الله: كان يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، وفي رمضان في كل يوم مرتين، مرة في النهار ومرة في الليل، أبو العباس بن عطاء: له في كل يوم ختمة، وفي شهر رمضان كل يوم وليلة ثلاث ختمات، الحافظ بن عساكر: كان يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم. وكان كثير النوافل والأذكار، ويحاسب نفسه على كل لحظة تذهب في غير طاعة، الإمام البخاري رحمه الله: كان يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة، أما إمام أهل السنة أحمد بن حنبل فقد قال عنه جعفر ابن أب هاشم: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: ختمت القرآن في يوم، فعددت موضع الصبر، فإذا هو نيف وتسعون". وقال الإمام علي بن المديني شيخ البخاري: "حفر شبر الحافي قبره، وختم فيه القرآن وكان ورده ثلث القرآن".
شيخ الإسلام الحافظ الناقد أبو بكر بن محمد بن محمد تقي الدين البلاطنسي: كان يختم في رمضان في كل ليلة ختمتين، وأكب في آخر عمره على التلاوة فكان لا يأتيه الطلبة لقراءة الدرس إلا وجدوه يقرأ القرآن، والشيخ الفاضل محمد بن علاء شمس الدين البابلي القاهري الشافعي: كان كثير العبادة يواظب على قراءة القرآن سراً وجهراً، وكان راتبه في كل يوم وليلة نصف القرآن ويختم يوم الجمعة ختمة كاملة، وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن، محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي أبو عبد الله الحلفاوي التونسي نزيل غرناطة يعرف بابن المؤذن: كان صاحب مقامات وكرامات، حسن الصلاة جداً، وكان يختم في رمضان مائة ختمة، وعقد الإمام النووي رحمه الله في كتابه القيم: (التبيان في آداب حملة القرآن) فصلاً في موقف السلف مع القرآن الكريم جاء فيه: "ينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة وعن بعضهم في كل شهر ختمة، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال وعن الأكثرين في كل سبع ليال، وعن بعضهم في كل ست، وعن بعضهم في كل خمس، وعن بعضهم في كل أربع، وعن كثيرين في كل ثلاث، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، ومنهم من كان يختم ثلاثاً وختم بعضهم ثمان ختمات أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار، فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون، ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه، وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات، وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
وانظر إلى هذا الخبر العجيب بعضهم ختم ثماني مرات في اليوم والليلة، قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب رضي الله عنه يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة، وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زادان من عباد التابعين رضي الله عنه أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وروى أبو داود بإسناده الصحيح: أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء، وعن منصور قال: "كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضانط، وعن إبراهيم بن سعد قال: "كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن"، ثم يقول الإمام النووي رحمه الله: "وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم، فمن المتقدمين عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم ختمة في كل ركعة في الكعبة، وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة: فكثيرون. نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله"، ثم يقول الإمام النووي رحمه الله بعد ذكر هذه الآثار: "والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة".
قال كعب: "ينادي يوم القيامة مناد بأن كل حارث يعطى بحرثه، ويزاد غير أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب، ويشفعان له أيضا عند الله عز وجل"، كما في المسند عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقيام يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار، ويقول بالقرآن: منعته النوم بالنهار فشفعني فيه فيشفعان»، قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أو لا يختص به كشهوة فضول الكلام المحرم، والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته، فأما من ضيّع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضيّعك الله كما ضيّعتني"، كما ورد مثل ذلك في الصلاة، وقال بعض السلف: "إذا احتضر المؤمن يقال للملك: شمّ رأسه، قال: أجد في رأسه القرآن، فيقال شمّ قلبه، فيقول: أجد في قلبه الصيام، فيقال: شمّ قدميه فيقول: أجد في قدميه القيام، فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عز وجل".
وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون"، وقال محمد بن كعب: "كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة لونه يشير إلى سهره وطول تهجده"، وقال وهيب بن الورد: "قيل لرجل ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي"، وقال أحمد بن الحواري: "إني لأقرأ القرآن وانظر في آية فيحير عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحاً بما رزقوا"، وأنشد ذو النون المصريّ:
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
منع القرآن بوعده ووعيده *** مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك الكريم كلامه *** فهماً تذل له الرقاب وتخضع
يا إخوتاه: هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويُسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع، وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أفمالنا فيهم أسوة؟ ما بيننا وبين حال الصفا أبعد مما بين الصفا والمروة، كلما حسنت منا الأقوال ساءت الأعمال.
يا نفس فاز الصالحون بالتقى *** وأبصروا الحق وقلبي قد عمي
يا حسنهم والليل قد جنهم *** ونورهم يفوق نور الأنجم
ترنموا بالذكر في ليلهم *** فعيشهم قد طاب بالترنم
قلوبهم للذكر قد تفرغت *** دموعهم كلؤلؤ منتظم
أسحارهم بهم لهم قد أشرقت *** وخلع الغفران خير القسم
ويحك يا نفس ألا تيقظ *** ينفع قبل أن تزل قدمي
مضى الزمان في ثوان وهوى *** فاستدركي ما قد بقى واغتنمي
فما أحوجنا أيها الأخوة الأحباب لاغتنام هذا الشهر الكريم في القرآن الكريم قراءة وحفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً حتى نسعد في الدنيا والآخرة وفقنا الله تعالى وإياكم لما يحبه ويرضاه وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه ولى ذلك والقادر عليه، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
ابو وليد البحيرى
2021-05-11, 09:45 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
هجر القرآن بعد رمضان
محمود إسماعيل شل
(29)
https://i.imgur.com/qLatIUgm.jpg
بسم الله الرحمن الرحيم
فضل القرآن عظيم .. فهو كتاب حياة ومنهج وجود للإنسان، وهو يقدم للمسلم كل ما يحتاج في الدنيا والآخرة، ويجيب عن كل ما يخطر بباله من تساؤلات.. إنه أب حنون، وأم رؤوم ينزل على القلوب المؤمنة بردًا وسلامًا، ويمسح بيده الحانية عليها، فيزيل كل ما يعلق بها من أمراض وآلام، فهل يُعقل أن يغفل المسلم عن هذا الخير ولا يجعل لنفسه وِردًا ولو صغيرًا - من القرآن، وقد صدق الحق - جل وعلا -آ؛ إذ يقول:
"… فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلٌّ وَلا يَشقَى * وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَنِي أَعمَى وَقَد كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَومَ تُنسَى" - طـه.
إن كثيرًا من المسلمين يضعون المصاحف في علب جميلة مزخرفة ومزركشة.. وكأن القرآن جزء من الديكور والزينة!! والقرآن لم يُجعل لهذا، بل أنزله الله - تعالى -للتدبر والتأمل والفهم والتطبيق.
وقد روى البيهقي في شعبه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن وذكر الموت.
https://i.imgur.com/mcQ9sQs.jpg
ومما يؤكد أهمية القرآن في حياة كل مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أن من الدعاء أن يقول العبد: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي وغمي..
وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمر في الحديث المتفق عليه أن يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، كما كان ابن مسعود، وعثمان، وزيد - رضي الله عنهم - يختمون في كل أسبوع مرة.
والقرآن الكريم.. فيه نبأ من قبلنا، وخبر من بعدنا، وحكم ما بيننا، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبَّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم. لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء ولا يملٌّه الأتقياء، ولا يبلى على كثرة الرد والتكرار، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، المتمسكون به ناجون فائزون، والمعرضون عنه هلكى خاسرون، ولم تملك الجن حين سمعته إلا أن قالت:
"إِنَّا سَمِعنَا قُرآنًا عَجَبًا * يَهدِي إِلَى الرٌّشدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا" سورة الجن. وقال الله - تعالى -: "وَإِذ صَرَفنَا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَستَمِعُونَ القُرآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوا إِلَى قَومِهِم مُنذِرِين…"، الآيات من سورة الأحقاف.
أنواع هجر القرآن
وبعض الناس يظنون أن هجر القرآن محصور في هجر القراءة فحسب، ولكن الصواب أن أنواع الهجر كثيرة، فهناك هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، وهناك هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به، والثالث هجر تحكيمه والتحاكم إليه، في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته اللفظية، أو أنه يحكي ماضيًا أو أشياء صعبة التحقق، والعدول عنه إلى غيره من شر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة عن الآخرين.
وهناك هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد الله منه، وكل هذا داخل في قول الله - تعالى -: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورًا" الفرقان.
https://i.imgur.com/JqDiIoC.jpg
ومن هجر القرآن كذلك وجود حرج في الصدر منه، وهجر القرآن داء وبيل ومرض خطيرآ؛ لأنه هجر لمصدر النور والهداية والسداد والرشاد، وإن في القرآن خيرًا لا يحصى ومن ذلك أنه:
كتاب هدى: "الـم * ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِين" البقرة
كتاب رحمة: "الـم * تِلكَ آياتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ * هُدًى وَرَحمَةً لِلمُحسِنِين" لقمان
كتاب شفاء: "وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِين" الإسراء
كتاب طمأنينة: "أَلا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنٌّ القُلُوب" الرعد.
كتاب الحياة الحقيقة: "يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم" الأنفال.
كتاب السرور والفرح: "قُل بِفضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُون" يونس.
كتاب خير عام: "وَقِيلَ لِلَّذِينَ آمَنُوا مَاذَا أَنزَلَ رَبٌّكُم قَالُوا خَيرًا" النحل.
كتاب حق: "يَا أَيٌّهَا النَّاسُ قَد جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالحَقِّ مِن رَبِّكُم فَآمِنُوا خَيرًا لَكُم" النساء.
ويقول الشاعر عمر عسل:
عشـقتك يا كتـاب الله حـتى *** كأنـي لا أري حبًّـا سواكا
إذا حـط الظلام على دروبي *** بلا خوف أسير على سناكا
وإن ضلَّت خُطاي طريق حق *** أرى نور الحقيقة في هواكا
نزلت على الأمين لنا سلامًـا *** فهل تبعث جماعتنا خطاكا؟!
آداب قراءة القرآن
1- التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه، سُئلت السيدة عائشة عن أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: (كان خلقه القرآن).
2- أن يحل حلاله ويحرم حرامه.
https://i.imgur.com/RqsJXhwm.jpg
3- قراءته على أكمل الحالات من طهارة، واستقبال قبلة، والجلوس في أدب ووقار.
4- ترتيله وعدم الإسراع في القراءةآ؛ لقول الله - تعالى -: (وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتِيلاً) (لا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِه)
5- التزام الخشوع والبكاء أو التباكي عند قراءته كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه ابن ماجه (ابكُوا فإن لم تبكوا فتباكوا)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - (زَيِّنوا القرآن بأصواتكم) رواه النسائي.
6- تحسين الصوت بالقرآن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (زينوا القرآن بأصواتكم) رواه النسائي.
7- الإسرار بالتلاوة إن خشي الرياء، أو كان يشوِّش على مُصَلٍّ,، والجهر بالقراءة إن كان في ذلك فائدة مقصودة تحمِل الناس على قراءته والتفكر في معانيه، وتعظيمه، واستحضار القلب عن تلاوته.
إن تلاوة القرآن قيمة عظيمة فحافظ عليها، لكن القيمة الحقيقة أن تشهد وتتغير الجوارح بما قرأت.
تذكر دائمًا أنك في مرحلة اختبار قاسٍ, تحتاج لجهد وإرادة، وهذا الاختبار يتكون من سؤال واحد: هل يصبح القرآن حجة لك أم عليك؟ فكِّر جيدًا في السؤال، ثم أجب عليه في حدود الواقع العملي وفي زمن مدته عمرك الذي قدَّره الله لك.
اسأل الله الفائدة لي ولكم......
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)
رجوة رحمة الله
2021-05-11, 11:14 PM
رضي الله عنكم وجعلها في ميزان حسناتكم
ابو وليد البحيرى
2021-05-12, 11:29 AM
آمين
ولكم بمثل وزيادة
تقبل الله منا ومنكم
ابو وليد البحيرى
2021-05-12, 11:30 AM
https://i.imgur.com/UhmzX6H.gif
هجر القرآن العظيم
محمد القاضي
(30)
https://i.imgur.com/Xl3f97hm.jpg
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ونحن نستشعر روحانيات الشهر الكريم الذي داعبت فيه أسماعنا آيات الذكر الحكيم وتصدعت قلوبنا بالتدبر؛ فقد تجدد فيها الأمل والشوق إلى العمل الصالح، فيجب علينا أن نستصحب هذه الحالة الإيمانية في بقية العام ببقاء التواصل مع القران الكريم.
فالقرآن فضله عظيم .. فهو منهج حياة، وهو يقدم للمسلم كل ما يحتاج إليه في الدنيا والآخرة، ويجيب عن كل ما يخطر بباله من تساؤلات .. وينزل على القلوب المؤمنة بردًا وسلامًا، فيزيل كل ما يعلق بها مِن أمراض وآلام، فهل يعقل أن يغفل المسلم عن هذا الخير ولا يجعل لنفسه وِردًا ولو صغيرا مِن القرآن، وقد روى البيهقي في شعبه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول الله؛ وما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن وذكر الموت».
إن كثيرًا مِن المسلمين لا يعرف القرآن إلا في رمضان، وبعد انتهاء الشهر يضعون المصاحف في علب جميلة مزخرفة ومزركشة .. وكأن القرآن جزء مِن الديكور والزينة والقرآن .. لم يجعل القرآن لهذا، بل أنزله الله تعالى للتدبر والتأمل والفهم والتطبيق.
https://i.imgur.com/wpLXiAzm.jpg
ومما يؤكد أهمية القرآن في حياة كل مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي», فكيف يكون القرآن ربيع القلوب ونور الأبصار وجلاء الأحزان وهو مهجور؟!
وقد كانت مكانة القرآن في قلوب السلف عظيمة جدًّا, فمِن مظاهر ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعت قول الله تعالى ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواï´¾ فأرعها سمعك، فإنها خير يأمر به، أو شر ينهى عنه». (تفسير القرآن العظيم 1/91)، ولما نزلت آية الحجاب بادر نساء الصحابة للالتزام بها، ولما قال الله تعالى: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ،إِن َّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَï´¾ (المائدة: 90-91)، قال عمر رضي الله عنه: «انتهينا انتهينا». (رواه الترمذي والنسائي)، ولما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع». (رواه مسلم)، فلبث المسلمون زمانًا يجدون ريحها في طرق المدينة لكثرة ما أهرقوا منها.
https://i.imgur.com/LacNXHjm.jpg
فانظر إلى سرعة استجابتهم لما به حياتهم، وكذا في تحويل القبلة مِن بيت المقدس إلى البيت الحرام، كيف تلقوا الأمر بالقبول؟ وما كان تحويل القبلة إلا امتحانًا لهم، امتحانًا ليعرف الحي من الميت، قال سبحانه: ï´؟وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهï´¾ (البقرة: 143)، فنجحوا في ذلك الامتحان، فمِن حديث البراء «كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال: أخواله- مِن الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأن أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت». وقد كان السلف ينشئون أطفالهم على حفظ القرآن، ثم يحفظونهم الكتب الستة (أي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة). وبعد أن يتموا ذلك يقومون بتحفيظهم مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم، وبذلك يشب الطفل المسلم على وعي بكتاب ربه وسنة نبيه صلوات ربي وسلامه عليه. وهكذا حقق الإسلام تقدمه وتفرده، وازدهرت حضارة الإسلام على جميع الحضارات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وتفوقت عليها؛ وذلك بحفظ كتابها والعمل بمقتضاه.
ثم خلف مِن بعد ذلك خلوف استهانوا بمكانة القرآن واتخذوه مهجورًا، وبعض الناس يظنون أن هجر القرآن محصور في هجر القراءة فحسب، ولكن الصواب أن أنواع الهجر كثيرة، كما ذكر ابن القيم رحمة الله تعالى في كتاب الفوائد:
- فهناك هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
- وهناك هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.
- وهجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته اللفظية أو أنه يحكي ماضيًا أو أشياء صعبة التحقق والعدول عنه إلى غيره مِن شر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة عن الآخرين.
https://i.imgur.com/DRZmyswm.jpg
- وهناك هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد الله منه، وهجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها, فيطلب شفاء دائه مِن غيره, ويهجر التداوي به وإن كان بعض الهجر أهون مِن بعض، وكل هذا داخل في قول الله تعالى: ï´؟وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًاï´¾، وكذلك الحرج الذي في الصدر منه، فإنه تارة يكون حرجًا من إنزاله وكونه حقًّا مِن عند الله، وتارة يكون مِن جهة التكلم به, أو كونه مخلوقًا مِن بعض مخلوقاته ألهم غيره أن تكلم به، وتارة يكون من جهة كفايتها وعدمها وأنه لا يكفي العباد, بل هم محتاجون معه إلى المعقولات والأقيسة, أو الآراء أو السياسات.
وتارة يكون مِن جهة دلالته, وما أريد به حقائقه المفهومة منه عند الخطاب, أو أريد بها تأويلها, وإخراجها عن حقائقها إلى تأويلات مستكرهة مشتركة، وتارة يكون مِن جهة كون تلك الحقائق وإن كانت مرادة, فهي ثابتة في نفس الأمر, أو أوهم أنها مرادة لضرب من المصلحة.
فكل هؤلاء في صدورهم حرج من القرآن, وهم يعلمون ذلك مِن نفوسهم ويجدونه في صدورهم، ولا تجد مبتدعًا في دينه قط إلا وفي قلبه حرج من الآيات التي تخالف بدعته، كما أنك لا تجد ظالما فاجرًا إلا وفي صدره حرج مِن الآيات التي تحول بينه وبين إرادته. فتدبَّر هذا المعنى ثم ارضَ لنفسك بما تشاء. (الفوائد ص 102).
https://i.imgur.com/I5kr2b0m.jpg
وقد ضرب لنا القرآن المثل على الأمة التي تضيع العمل بكتابها، فقال تعالى مخبرًا عن بني إسرائيل، والخطاب للتذكرة والتحذير: ï´؟فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا اْلأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ َلا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِّلَا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ اْلآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَï´¾ (الأعراف: 169).
وقال القرطبي في تفسيره: «وهذا الوصف الذي ذم الله تعالى به هؤلاء موجود فينا؛ فقد روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت, يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة, يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب, أعمالهم طمع لا يخالطه خوف, إن قصروا قالوا سنبلغ, وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا, إنا لا نشرك بالله شيئًا».
قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسيره لهذه الآية: «يحكي الله تعالى عن اليهود أنه قد خلفهم خلف سوء، ورثوا التوراة عن أسلافهم، ولم يلتزموا بما أُخذ عليهم فيها مِن عهود، على الرغم مِن قراءتهم لها، فقد آثروا الدنيا على الآخرة، فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات، ويدَّعون أنهم سيغفر لهم، وكلما أتاهم مال حرام أخذوه، ومنوا أنفسهم بالمغفرة كذبًا على الله تعالى، وقد قرءوا في كتابهم ألا يقولوا على الله إلا الحق وفهموه، ومع هذا يجترءون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم!!». (مِن مقال: إن قومي اتخذوا القرآن مهجورًا - صيد الفوائد).
https://i.imgur.com/AbtR72Jm.jpg
مِن العجب أن تهجر الأمة كتاب ربها، ثم بعد ذلك تتوقع أن ينصرها ربها؟
إن هذا مخالف لسنن الله في الأرض .. إن التمكين الذي وعد به الله والذي تحقق مِن قبل لهذه الأمة كان بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل الدستور الرباني الذي فيه النجاة مما أصابنا الآن.
إن الذين يحلمون بنزول النصر مِن الله لمجرد أننا مسلمون لواهمون؛ ذلك أن تحقق النصر له شروط، قال تعالى: ï´؟وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي اْلأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يعبدوننى َلا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَï´ ¾ (النور: 55).
كما أن ما بعد النصر له شروط، قال الله تعالى: ï´؟الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي اْلأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَو ْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ اْلأُمُورِï´¾ (الحج: 41).
فعودوا إلى كتاب ربكم؛ تنالوا نصره في الدنيا، وتدخلوا جنته في الآخرة.
https://i.imgur.com/S8hYFJZ.gif
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.