تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فضل التوحيد



محمدعبداللطيف
2020-12-02, 11:26 AM
قال الشيخ عبد الرحمن السعدى
لَمَّا ذكَرَ الامام محمد ابن عبد الوهاب وجوبَ التوحيدِ ، وأنه الفرضُ الأعظمُ على جميعِ العبيدِ،
ذكَرَ فضلَه، وهو آثارُه الحميدةُ ونتائجُه الجميلةُ،
وليسَ شيءٌ من الأشياءِ له من الآثارِ الحسنةِ والفضائلِ المتنوعةِ مثلَ التوحيدِ،
فإن خيرَ الدنيا والآخرةِ من ثمراتِ هذا التوحيدِ وفضائلِه.
فقولُ المؤلفِ رحِمَه اللهُ: (وما يُكفِّرُ من الذنوبِ) من بابِ عطفِ الخاصِّ على العامِّ،
فإن مغفرةَ الذنوبِ وتكفيرَ الذنوبِ من بعضِ فضائلِه وآثارِه
كما ذكَرَ شواهدَ ذلك في الترجمةِ.
ومن فضائلِه أنه السببُ الأعظمُ لتفريجِ كُرُباتِ الدنيا والآخرةِ ودفعِ عقوبتِهما.
ومن أجلِّ فوائدِه أنه يمنَعُ الخلودَ في النارِ، إذا كانَ في القلبِ منه أدنى مثقالِ حبةِ خردلٍ،
وأنه إذا كَمَلَ في القلبِ يمنَعُ دخولَ النارِ بالكليةِ،
ومنها أنه يُحَصِّلُ لصاحبِه الهدى الكاملَ والأمنَ التامَّ في الدنيا والآخِرَةِ،
ومنها أنه السببُ الوحيدُ لنيلِ رضا اللهِ وثوابِه،
وأن أسعدَ الناسِ بشفاعةِ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَن قالَ لا إلهَ إلا اللهُ خالصًا من قلبِه.
ومن أعظمِ فضائلِه أن جميعَ الأعمالِ والأقوالِ الظاهرةِ والباطنةِ متوقِّفةٌ في قَبولِها وفي كمالِها وفي ترتُّبِ الثوابِ عليها على التوحيدِ،
فكلما قوِيَ التوحيدُ والإِخلاصُ للهِ كَمَلت هذه الأمورُ وتَمَّت.
ومن فضائلِه أنه يُسهِّلُ على العبدِ فعلَ الخيرِ وتركَ المنكراتِ،
ويسلِّيهِ عن المصيباتِ،
فالمخلصُ للهِ في إيمانِه وتوحيدِه تَخِفُّ عليه الطاعاتُ؛ لما يرجو من ثوابِ ربِّهِ ورضوانِه،
ويهونُ عليه تركُ ما تهواهُ النفسُ من المعاصِي؛ لما يخشَى من سخطِه وعقابِه،
ومنها أن التوحيدَ إذا كَمَلَ في القلبِ حبَّبَ اللهُ لصاحبِه الإِيمانَ وزيَّنَه في قلبِه، وكَرَّهَ إليه الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، وجعلَه من الراشدينَ،
ومنها أنه يخفِّفُ عن العبدِ المكارهَ، ويهوِّنُ عليه الآلامَ، فَبِحَسَبِ تكميلِ العبدِ للتوحيدِ والإِيمانِ يتلقَّى المكارهَ والآلامَ بقلبٍ منشرحٍ ونفسٍ مطمئنةٍ وتسليمٍ ورضًا بأقدارِ اللهِ المؤلمةِ.
ومن أعظمِ فضائلِه أنه يحرِّرُ العبدَ من رِقِّ المخلوقينَ والتعلُّقِ بهم وخوفِهم ورجائِهم والعملِ لأجلِهم،
وهذا هو العزُّ الحقيقيُّ والشرفُ العالي، ويكونُ مع ذلك متألِّـهًا مُتَعَبِّدًا للهِ، لا يرجو سواهُ، ولا يخشَى إلاَّ إيَّاه، ولا يُنيبُ إلا إليه، وبذلك يَتِمُّ فلاحُه، ويتحقَّقُ نجاحُه.
ومن فضائلِه التي لا يَلحقُه فيها شيءٌ أن التوحيدَ إذا تَمَّ وَكَمَلَ في القلبِ وتحقَّقَ تحقُّقًا كاملاً بالإِخلاصِ التامِّ، فإنه يصيرُ القليلُ من عملِه كثيرًا،
وتُضاعَفُ أعمالُه وأقوالُه بغيرِ حصرٍ ولا حسابٍ،
وَرَجَحَت كلمةُ الإِخلاصِ في ميزانِ العبدِ بحيثُ لا تقابلُها السماواتُ والأرضُ وَعُمَّارُهَا من جميعِ خلقِ اللهِ كما في حديثِ أبي سعيدٍ المذكورِ في الترجمةِ، وفي حديثِ البطاقةِ التي فيها لا إلهَ إلا اللهُ التي وزَنت تسعةً وتسعينَ سِجلاًّ من الذنوبِ، كلُّ سجلٍّ يبلُغُ مدَّ البصرِ، وذلك لكمالِ إخلاصِ قائلِها، وكم ممن يقولُها لا تبلُغُ هذا المبلغَ؛ لأنه لم يكنْ في قلبِه من التوحيدِ والإِخلاصِ الكاملِ مثلُ ولا قريبُ مما قام بقلبِ هذا العبدِ.
ومن فضائلِ التوحيدِ أن اللهَ تكفَّلَ لأهلِه بالفتحِ والنصرِ في الدنيا، والعزِّ والشرفِ، وحصولِ الهدايةِ، والتيسيرِ لليسرَى، وإصلاحِ الأحوالِ، والتسديدِ في الأقوالِ والأفعالِ،
ومنها أن اللهَ يَدْفَعُ عن الموحِّدِينَ أهلِ الإِيمانِ شرورَ الدنيا والآخرةِ، وَيَمُنُّ عليهم بالحياةِ الطيبةِ والطمأنينةِ إليه والطمأنينةِ بذكْرِه.
وشواهدُ هذه الجملِ من الكتابِ والسنةِ كثيرةٌ معروفةٌ، واللهُ أعلمُ.
[القول السديد فى مقاصد التوحيد]