المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إفادة المستفيد بأهمية معرفة التوحيد



محمدعبداللطيف
2020-10-09, 11:28 AM
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فى شرحه لكشف الشبهات
إِذَا عَرَفْتَ ما قُلْتُ لَكَ مَعْرفَةَ قَلْبٍ، وَعَرَفْتَ الشِّرْكَ باللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيهِ: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
- وَعَرَفْتَ دِينَ اللهِ الَّذي بعث بِهِ الرُّسُلَ مِنْ أَوَّلهِم إِلى آخِرِهِمُ الَّذي لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ ديناً سِوَاهُ.
- وَعَرَفْتَ ما أَصْبَحَ غَالِبُ النَّاسِ فِيهِ مِنَ الجَهْلِ بِهَذا
أَفَادَكَ فَائِدَتَيْنِ:
الأُولَى: الفَرَحُ بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ ؛كَما قالَ تَعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
وَأَفَادَكَ أَيْضاً: الخَوْفَ العَظِيمَ، فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الإِنسانَ يَكْفُرُ بِكَلِمَةٍ يُخْرجُها مِنْ لِسَانِهِ دون قلبه، وَقَدْ يَقُولُها وَهُوَ جَاهِلٌ فلا يُعْذَرُ بِالجهْلِ، وَقَدْ يَقُولُها وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّها تُقَرِّبُهُ إِلى اللهِ زُلْفَى كَما ظَنَّ الكفّارُ.
الشرح
(إِذَا عَرَفْتَ ما ذَكَرْتُ لَكَ مَعْرفَةَ قَلْبٍ)
يَعْنِي مَعْرِفَةً حَقِيقِيَّةً واصِلَةً إلى سُوَيْدَاءِ القَلْبِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ دَعْوَى باللِّسَانِ؛
فإِنَّ مُجَرَّدَ دَعْوَى اللِّسَانِ مِن غَيْرِ مَعْرِفَةِ القَلْبِ لَيْسَتْ مَعْرِفَةً
(وعَرَفْتَ الشِّرْكَ باللهِ)
وهَذَا مِن عَطْفِ العَامِّ عَلَى الخَاصِّ،
وإِلاَّ فَمَا تَقَدَّمَ وافٍ في بَيَانِ حَقِيقَةِ دِينِ المُرْسَلِينَ وحَقِيقَةِ دِينِ المُشْرِكينَ
(الذي قَالَ اللهُ فِيهِ:{إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} الآيةَ) وتَصَوَّرْتَه مَا هو،
وَقَدْ قَدَّمَ لَكَ المُصَنِّفُ مَا يُعَرِّفُكَ بِهِ فِيمَا قَرَّرَهُ مِن مَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ؛
فَإِنَّ بالتَّوْحِيدِ يَتَبَيَّنُ ضِدُّهُ؛ الشِّرْكُ
(وَعَرَفْتَ دِينَ اللهِ الذي بَعَثَ بِهِ الرُّسُلَ مِن أَوَّلِهِم إلى آخِرِهِم الذي لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِن أَحَدٍ سِوَاهُ)
يَعْنِي الذِي هو التَّوْحيدُ.
وتَقَدَّمَ هَذَانِ الأَمْرَانِ مُقَرَّرَيْنِ لَكَ في صَدْرِ هَذَا الكِتَابِ: دِينُ المُرْسَلِينَ ودِينُ المُشْرِكِينَ.
(وَعَرَفْتَ مَا أَصْبَحَ غَالِبُ النَّاسِ فيه مِن الجَهْلِ بِهَذَا) بالتَّوْحِيدِ والشِّرْكِ؛ فإِنَّ أَكْثَرَهُم مَا عَرَفَ دِينَ اللهِ الذِي بَعَثَ بِهِ الرُّسُلَ؛
بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ البَسِيطَةِ ما عَرَفُوا الفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وهَذَا، بَلْ عَادَوا أَهْلَ التَّوْحِيدِ وعَابُوهُم وحَارَبُوهُم، واتَّبَعُوا دِينَ المُشْرِكِينَ كُلَّهُ بِسَبَبِ عَدَمِ الفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وهَذَا،
إِذَا عَرَفْتَ هَذِه الأُمُورَ الأَرْبَعَةَ مَعْرِفَةَ قَلْبٍ
(أَفَادَكَ فَائِدَتَيْنِ) عَظِيمَتَيْنِ.
(الأُولَى: الفَرَحُ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ)
إِحْدَاهُمَا: مَعْرِفَتُكَ دِينَ المُرْسَلِينَ واعْتِقَادُه والعَمَلُ بِهِ،
ومَعْرِفَتُكَ دِينَ المُشْرِكِينَ ومُجَانَبَتُهُ والكُفْرُ بِهِ،
كَوْنُ اللهِ عَلَّمَكَ دِينَ المُرْسَلِينَ ودَلَّكَ سَبِيلَهُم وعَرَّفَكَ طَرِيقَهُم.

وتَعْظُمُ النِّعْمَةُ أَنَّ الأَكْثَرَ صَارُوا مِن أَهْلِ الجَهْلِ بِهِ؛
فَإِنَّ النِّعْمَةَ تَزْدَادُ إِذَا كَانَتْ مُخْتَصَّةً بالْقَلِيلِ دونَ الكَثِيرِ
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}
الفَرَحُ مَذْمُومٌ كَمَا في آيَةِ: {إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}
لَكِنَّهُ في الدِّينِ مَمْدُوحٌ ومَحْبُوبٌ ووَاجِبٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِه الآيَةُ؛
هو خَيْرٌ مِمَّا فَرِحَ النَّاسُ بِهِ وهو الدُّنْيَا؛ لو اجْتَمَعَتْ لأَِحَدٍ، مَعَ أَنَّها لاَ تَجْتَمِعُ لأَِحَدٍ، ولو اجْتَمَعَتْ فهي للزَّوَالِ والاضْمِحْلاَلِ ،
ومَا كَانَ للهِ مَقْصُودٌ به وَجْهُ اللهِ فهو بَاقٍ لا يَزُولُ.
فَأَفَادَ أَنَّ الفَرَحَ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ وَاجِبٌ.

(وأَفَادَكَ أَيْضًا الخَوْفَ العَظِيمَ) هذه هي الفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ؛
يُفِيدُكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِن الفَرَحِ العَظِيمِ الخَوْفَ عَلَى نَفْسِكَ ودِينِكَ، فَتَفْرَحُ بالدِّينِ والعَمَلِ بِهِ، وتَخَافُ عَلَى نَفْسِكَ مِن زَوالِ هَذِه النِّعْمَةِ وذَهَابِ هَذَا النُّورِ؛ وهي مَعْرِفَتُكَ دِينَ المُرْسَلِينَ واتِّبَاعُه وَمَعْرِفَتُكَ دِينَ المُشْرِكِينَ واجْتِنَابُه، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ في غَايَةِ الجَهْلِ بِهِ.
(فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الإِنسانَ يَكْفُرُ بِكَلِمَةٍ) وَاحِدَةٍ (يُخْرِجُها مِنْ لِسَانِهِ) دونَ قَلْبِهِ
(وَقَدْ يَقُولُها وَهُوَ جَاهِلٌ) لاَ يَدْرِي مَا تَبْلُغُ بِهِ مِن المَبْلَغِ (فَلاَ يُعْذَرُ بِالجهْلِ)
وقد يَقُولُهَا وهو مُجْتَهِدٌ (يَظُنُّ أَنَّها تُقَرِّبُهُ إِلى اللهِ) زُلفَى (كَمَا ظَنَّ المُشْرِكُونَ)
يَعْنِي في جِنْسِ شِرْكِهِم وتَوَسُّلِهِم إِلَى غَيْرِ اللهِ، قَصْدُهُم أَنَّهُم يُقَرِّبُونَهُم إِلَى اللهِ زُلْفَى، فَيَصْرِفُونَ لَهُم خَالِصَ العِبَادَةِ مِن أَجْلِ جَهْلِهِم، يَقُولُونَ إِنَّهُم يَسْأَلُونَ لَنَا مِن اللهِ وإِنَّهُم أَقْرَبُ مِنَّا إِلَيْهِ،
ولَكِنَّ هَذَا هو عَيْنُ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ
(خُصُوصًا إِنْ أَلْهَمَكَ اللهُ مَا قَصَّ عَنْ قَوْمِ مُوسَى مَعَ صَلاَحِهِم وعِلْمِهِم) لَمَّا مَرُّوا بِقَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُم (أَنَّهُم أَتَوْهُ قَائِلِينَ: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}) فَقَالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِم:{إِنَّ كُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.(فَ ِينَئذٍ) إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الرَّجُلَ يَكْفُرُ بِكَلِمَةٍ… إلخ
(يَعْظُمُ خَوْفُكَ وحِرْصُكَ عَلَى مَا يُخَلِّصُكَ مِن هَذَا وأَمْثَالِهِ)
وَمِنْ أَسْبَابِ الخُلُوصِ مِن هَذَا الدَّاءِ العُضَالِ التَّفْتِيشُ عن مَبَادِئِهِ ووَسَائِلِهِ وذَرَائِعِهِ خَشْيَةَ أَنْ تَقَعَ فيه وأَنْتَ لاَ تَشْعُرُ،
وكَانَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ:
(كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي).

وَمِن أَسْبَابِ التَّخَلُّصِ مِن هَذَا صِدْقُ الابْتِهَالِ إِلَى اللهِ وسُؤَالُهُ التَّثْبِيتَ، وكَثِيرًا مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ:
((اللهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) كَمَا ابْتَهَلَ الخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إلى اللهِ فَقَالَ: {رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}وفِي الحَدِيثِ: ((مَنْ أَمِنَ اللهَ عَلَى دِينِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ سَلَبَهُ إِيَّاهُ)).

ابوسفيان
2020-10-09, 11:58 AM
(إِذَا عَرَفْتَ ما ذَكَرْتُ لَكَ مَعْرفَةَ قَلْبٍ)
نعم
قال الشيخ صالح الفوزان
هَذَا تَنْبِيهٌ مِن الشَّيْخِ -رَحِمَهُ اللهُ- إلى أَنَّه كَمَا تَجِبُ مَعْرِفَةُ التَّوْحيدِ تَجِبُ مَعْرِفَةُ الشِّركِ، وأنَّه لاَ يَكْفِي مِن المُسْلِمِ مَعْرِفَةُ التَّوْحِيدِ فَقَطْ، حَتَّى يَعْرِفَ مَا يُضَادُّه ويُنَافِيهِ، أو يَنْقُصُهُ حَتَّى يَتَجَنَّبَهُ لِيَسْلَمَ تَوْحيدُه وتَصِحَّ عَقِيدَتُه، قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ}.




(وَعَرَفْتَ دِينَ اللهِ الذي بَعَثَ بِهِ الرُّسُلَ مِن أَوَّلِهِم إلى آخِرِهِم الذي لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِن أَحَدٍ سِوَاهُ)
قال الشيخ صالح الفوزان

ودِينُ الرُّسُلِ هو الإِسْلاَمُ، وهو الاسْتِسْلاَمُ للهِ بالتَّوْحِيدِ، والانْقِيادُ له بالطَّاعَةِ، والخُلُوصُ مِن الشِّرْكِ وأَهْلِهِ، هذا هو دِينُ الرُّسُلِ وهذا هو الإِسْلاَمُ.
وأمَّا الانْتِسَابُ إلى الإِسْلاَمِ في الظَّاهِرِ دونَ البَاطِنِ، أو الانْتِسَابُ إليه بالتَّسَمِّي فَقَطْ دونَ الْتِزَامٍ لأَحْكَامِهِ، أو الانْتِسَابُ إِلَيْهِ مَعَ ارْتِكَابِ مَا يُنَاقِضُهُ مِن الشِّرْكِ والوَثَنِيَّاتِ ، أو الانْتِسَابُ إِلَيْهِ دونَ مُوَالاَةٍ لأَِوْلِيائِهِ ومُعَادَاةٍ لأَِعْدَائِهِ، فَلَيْسَ هَذَا هو الإِسْلاَمَ الَّذي جَاءَتْ بِهِ رُسُلُ اللهِ، وإنَّما هو إسْلاَمٌ اصْطِلاَحيٌّ مُصْطَنَعٌ،لاَ يُغْنِي ولاَ يَنْفَعُ عندَ اللهِ -سُبْحَانَه وتَعَالَى-، ولَيْسَ هو دِينَ الرُّسُلِ.


الجَهْلُ بالتَّوْحِيدِ، والجَهْلُ بالشِّرْكِ، هذا هو الَّذي أَوْقَعَ كَثِيرًا مِن النَّاسِ في الضَّلاَلِ، وهو أَنَّهم يَجْهَلُونَ التَّوحِيدَ الصَّحِيحَ ويَجْهَلُونَ الشِّرْكَ، ويُفَسِّرُونَ كُلاًّ مِنْهُما بِغَيْرِ تَفْسِيرِه الصَّحِيحِ، هذا هو الَّذي أَوْقَعَ كَثِيرًا مِن النَّاسِ في الغَلَطِ والكُفْرِ والشِّرْكِ والبِدَعِ والمُحْدَثَاتِ إِلَى غَيْرِ ذلك، وذلك بسَبَبِ عَدَمِ مَعْرِفَةِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِن تَوْحِيدِه وطَاعَتِهِ، ومَا نَهَى عنه مِن الإِشْرَاكِ بِهِ ومَعْصِيَتِهِ، فالعَوَامُّ لاَ يَتَعَلَّمُونَ، وغَالِبُ العُلَمَاءِ مُكِبُّونَ عَلَى عِلْمِ الكَلاَمِ والمَنْطِقِ الَّذي بَنَوْا عَلَيْهِ عَقِيدَتَهُم، وهو لاَ يُحِقُّ حَقًّا ولاَ يُبْطِلُ بَاطِلاً، بل هو كَمَا قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: (لاَ يَنْفَعُ العِلْمُ بِهِ، ولاَ يَضُرُّ الجَهْلُ بِهِ).



إِذَا عَرَفْتَ هَذِه الأُمُورَ مَعْرِفَةَ قَلْبٍ
(أَفَادَكَ فَائِدَتَيْنِ) عَظِيمَتَيْنِ.
قال الشيخ صالح الفوزان

العِلْمُ بِهَذِه الحَقَائِقِ يُفِيدُكَ فَائِدَتَيْنِ: -



الفَائِدَةُ الأُولَى: أَنَّكَ تَفْرَحُ بِفَضْلِ اللهِ، حَيْثُ مَنَّ عَلَيْكَ بِمَعْرِفَةِ الحَقِّ مِن البَاطِلِ، فإِنَّها نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، حُرِمَ منها الكَثِيرُ مِن الخَلْقِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} وفَضْلُ اللهِ هو الإِسْلاَمُ، ورَحْمَتُهُ هي القُرْآنُ {فَلْيَفْرَحُوا} فَرَحَ شُكْرٍ واعْتِرَافٍ بالنِّعْمَةِ، والفَرَحُ بِفَضْلِ اللهِ مَشْرُوعٌ؛ لأَِنَّه شُكْرٌ للهِ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- عَلَى نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ، ومَعْرِفَةِ الشِّرْكِ، وهذه نِعْمَةٌ إِذَا وُفِّقْتَ لَهَا؛ فإنَّه قَدْ جُمِعَ لَكَ الخَيْرُ كُلُّهُ، والفَرَحُ بالنِّعْمَةِ مَشْرُوعٌ، أَمَّا الفَرَحُ المَنْهِيُّ عنه فهو الفَرَحُ بالدُّنيا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلاَّ مَتَاعٌ} فالفَرَحُ بالدُّنيا وحُطَامِها مَذْمُومٌ، أَمَّا الفَرَحُ بالدِّينِ والفَرَحُ بالعِلْمِ النَّافِعِ فَهَذَا مَشْرُوعٌ؛ لأَِنَّ اللهَ أَمَرَ بِهِ.


والفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ التَّوْحِيدَ الصَّحِيحَ، وعَرَفْتَ الشِّرْكَ القَبِيحَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيدُكَ الخَوْفَ أَنْ تَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فيه كَثِيرٌ مِن العَالَمِ بالمُخَالَفَةِ لِهَذَا الأَصْلِ، والوُقُوعِ في الشِّرْكِ وأَنْتَ لاَ تَدْرِي، فَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ مِن الفِتْنَةِ، فَلاَ تَغْتَرَّ بِعَمَلِكَ أو بِفَهْمِكَ، ولكنْ قُلْ: (لاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ) واسْأَلِ اللهَ الثَّبَاتَ، فإِنَّ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلَ الَّذي أَعْطَاهُ اللهُ مِن العِلْمِ واليَقِينِ مَا لَمْ يُعْطِ غَيْرَه إلاَّ نَبِيَّنَا، يَقُولُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}فإِبْر اهِيمُ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ الفِتْنَةَ مَعَ عِلْمِهِ ويَقِينِهِ، وهو الَّذي كَسَّرَ الأَصْنَامَ بِيَدِهِ، وأُلْقِيَ في النَّارِ بسَبَبِ ذلك، ومَعَ هَذَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِن الفِتْنَة.
فَلاَ تَغْتَرَّ بِعِلْمِكَ، وتَأْمَنَ عَلَى نَفْسِكَ مِن الفِتْنَةِ، ولكن كُنْ دَائِمًا عَلَى حَذَرٍ مِن الفِتْنَةِ بأَنْ لاَ تَزِلَّ بِكَ القَدَمُ، وتَغْتَرَّ بِشَيْءٍ يَكُونُ سَبَبًا لِهَلاَكِكَ وضَلاَلِكَ، فإِنَّ بَعْضَ المَغْرُورِينَ اليَوْمَ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ تَجَاوزُوا مَرْحَلَةَ الجَهْلِ والبِدَائِيَّةِ ، وصَارُوا مُثَقَّفِينَ واعِينَ، لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعُودُوا للوثَنِيَّةِ، أو نَحْوًا مِن هذا الكَلاَمِ الفَارِغِ، ولَمْ يَفْطِنْ لعِبَادَةِ الأَضْرِحَةِ الَّتِي تَنْتَشِرُ في كَثِيرٍ مِن البِلاَدِ الإِسْلاَمِيَّة ِ، ولَمْ يَنْظُرْ فِيمَا وَصَلَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ مِن الجَهْلِ بالتَّوْحِيدِ.


وَعَرَفْتَ الشِّرْكَ باللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيهِ: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.

قال الشيخ صالح ال الشيخ
عرفت الشرك من حيث دِلالته وصفته وحكمه، وما كان عليه المشركون في إشراكهم بالله جلّ وعلا
...
عَرَفْتَ الشِّرْكَ بالله
يريد منه وضوح صورة الشرك، ثم الخوف من الشرك، وأثر ذلك الخوف، وهو أن يسعى العبد في تعلم التوحيد، وتعلم ضده الذي هو الشرك الأكبر والأصغر، حتى لا يخاطر بدينه وبنفسه وبمستقبله في الآخرة لأشياء يتساهل فيها في هذه الدار الفانية.




عَرَفْتَ دِينَ اللهِ الَّذي بعث بِهِ الرُّسُلَ مِنْ أَوَّلهِم إِلى آخِرِهِمُ الَّذي لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ ديناً سِوَاهُقال الشيخ صالح ال الشيخ
:دين الله الذي أرسل به الرسل مشتمل على:
- تحقيق التوحيد لله.
- وخلع الأنداد والكفر بالطاغوت، كما قال -جلّ وعلا- في سورة النحل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}وقا : {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} ونحو ذلك من الآيات.
فإذاً:العلم بدين الرسل هذا مهم للغاية، فتعلم دين نوح عليه السلام، وتعلم دين إبراهيم -عليه السلام- وما خالف به نوح قومه، وما خالف به إبراهيم قومه.
عرفت دين الله الذي أرسل به الرسلقال الشيخ صالح ال الشيخ
دين الله الذي أرسل به الرسل هو الإسلام، والإسلام المراد به هنا الإسلام العام الذي يشترك في الدعوة إليه كل رسول، فكل رسول أتى بالإسلام العام. وكذلك:دين موسى عليه السلام، ودين عيسى وما خالفوا به أقوامهم، وكذلك الدين الذي بعث به سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- وما خالف به أقوامه.
إذا عرفت حقيقة دين المرسلين فإنه يسهل عليك أن تعرف ما عليه الناس في الأزمان التي غلب فيها الجهل.


(وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا)قال الشيخ صالح ال الشيخ

هذا ينبئك عن أن غالب الناس اليوم:
-كما قال الله جل وعلا: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ}.
-وكما قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}.
فالحق بين وواضح وجلي من أراده أدركه،
ولكن سبب عدم علمهم بالحق ليس هو خفاء الحق في نفسه،
ولكن سببه إعراض من أعرض.
قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ}لِمَ ؟ هل لأجل أن الحق خافٍ، أويحتاج إلى معلومات خاصة؟
بل السبب أنهم معرضون {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}
ذلك سبب عدم علمهم بالحق، الإعراض.
فهذا الإعراض عن الدين، والإعراض عن التوحيد، وعدم تعلم التوحيد والجهل به:


-هذا قد تجده في أناس من الخاصة.
- وقد تجده في دعاة.
-وقد تجده في بعض طلبة العلم.
فمن أنعم الله -جل وعلا- عليه بمعرفة التوحيد، ومعرفة ضده، ومعرفة أنواع التوحيد، وبيان ذلك والأدلة عليه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه،
بل أكثر و أكثر و أكثر الناس فيه من الجهل بالتوحيد، حتى وإن زعموا أنهم من أهله،
الفرح بفضل الله ورحمته

فإنه لا شيء يعدل العلم بالتوحيد والعلم بضده، والاستجابة لأمر الله بالتوحيد، والاستجابة لنهي الله -جل وعلا- عن الشرك ووسائله.



- فإن العلم بذلك هو أصل الاعتقاد.


- والعمل بذلك هو أصل الملة، وأصل بعثة الأنبياء والمرسلين، وزبدة الرسالات الإلهية.


فمن رأى ما من الله به عليه من الإقبال على هذا العلم، وفهمه، وفهم حدوده، وفهم أدلته، وكلام أهل العلم فيه؛ أفاده هذه الفائدة العظمى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}وله ا فالفرح بفضل الله وبرحمته، يعني: بالدين وبالتوحيد وبتعلمه والإقبال عليه، هذا هو خير من كل ما يغشاه الناس من أمور الدنيا، ومن الأمور التي يظنون أنها فاضلة بأمور الدين؛ كالاهتمام بعلوم مختلفة، أو بالاهتمام بأشياء متنوعة.



فأصل الملة أن تعلم التوحيد وتتعلمه،لهذا خاف إبراهيم على نفسه من عبادة الأصنام؛ فدعا ربه بقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} خاف على نفسه وخاف على بنيه.




قال إبراهيم التيمي رحمه الله: (ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم) ولهذا بوب الشيخ -رحمه الله- في (كتاب التوحيد): (باب الخوف من الشرك).
فهنا إذا عرفت هذه المقدمات الأربع، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا التوحيد، والجهل بالشرك، وعدم إعارة ذلك، أو الاهتمام بذلك الاهتمام الواجب الذي يليق به بعظم مسألة التوحيد؛
أفادك فائدتين: قال الشيخ صالح ال الشيخ

الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته.
والحق أننا إذا تدبرنا ذلك فإننا نرى أنه لا شيء لنا، وإنما هو فضل الله جل جلاله، الله ساق لنا هذا الفضل ويسر لنا ذلك بفضله وبرحمته، ثم نفرح بفضل الله وبرحمته، كما قال ابن القيم -رحمه الله- في (النونية).









واجعل لقلبك مقلتين كلاهما من خشية الرحمـن باكيتـانِ





لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابـع الرحمـنِ









إذا عرفت هذا الفضل وهذه الرحمة التي غُشيْت بها ومنَّ الله عليك بها فلا تتركنَّها إلى غيرها البتة، حتى يأتيك اليقين؛ لأن هذه أعظم نعمة أُنعم بها على العبد، أن يكون عالماً بالتوحيد، عالماً بضده، مخالفاً لأهل الجهل والجهالة.
قال: (أفادك فائدتين: الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته، كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}) وفضل الله ورحمته: الدين، والقرآن، وفقه الدين، وفقه القرآن، والتوحيد، والإسلام، ونحو ذلك؛ ولهذا روى ابن أبي حاتم وغيره: عن عمر -رضي الله عنه- أنه دعا غلامه يوماً إلى أن يخرج إلى إبل الصدقة في الزكاة، فجمعت له خارج المدينة، فلما ذهب إليها اهتال غلامه من كثرتها، فقال لأمير المؤمنين: (يا أمير المؤمنين هذا فضل الله ورحمته) فغضب عمر وقال:(كذبت، ولكن فضل الله ورحمته القرآن، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}) يعني: القرآن في نزوله وتشريعه وما هدى الله هذه الأمة به {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} فإن كان ثم فرح فليفرح المرء بهداية الله -جل وعلا- له للالتزام بدين الله، وبمعرفة التوحيد، والعلم به، وما يتصل بذلك، فهذا هو الفضل، وبه تعلم أن المحروم من حرم، وأكثر الخلق حرموا من هذا الفضل العظيم.
وأفادك - أيضاً- الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت...)
الخوف العظيم ملازم؛ لأن الشيطان أضل الأكثرين، فتفرح بفضل الله وبرحمته، وتخاف.


فالفرح بفضل الله وبرحمته، يعني: بمعرفة التوحيد والعلم به، ومعرفة الشرك ووسائله والابتعاد عن ذلك، والدعوة إلى التوحيد والدعوة إلى النهي عن الشرك جملة، أو إجمالاً وتفصيلاً، هذا الفرح بفضل الله وبرحمته يفيد الثبات على ذلك، فكلما استحضرت الفرح هذا وكنت فرحاً به كنت مستمسكاً به.


ثم الخوف - وهو الفائدة الثانية - الخوف يجعلك لا تلتفت عنه يميناً ولا شمالاً، فكلما التفت كلما رجعت؛ لأجل شدة الخوف، مستحضراً خوف إبراهيم وخوف عباد الله الصالحين. والخوف من الشرك لأجل ألا يقع العبد فيه.