المحرر
2007-03-31, 12:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
فهذا جزء في تخريج حديث : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
فأقول – مستعيناً بالله – : جاء هذا الحديث عن : عبد الله بن عباس ، وأبي ذر ، وأبي بكرة ، وعقبة بن عامر ، وابن عمر ، وثوبان ، وأبي الدرداء ، وأم الدرداء – رضي الله عنهم – ، والحسن البصري ، والشعبي ، وعطاء ، وعبيد بن عمير ، وقتادة مرسلاً .
فأما حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – : فقد جاء عنه من أربعة طرق ، هي :
1 – من طريق عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس .
وقد اختلف على عطاء من وجهين :
الوجه الأول : عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ؛ وهذا الوجه رواه عن عطاء اثنان ، هما :
كرز بن وبرة ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 6 / 162 ) قال : حدثنا الحسن بن الحسين البزاز ببخارى ، أخبرنا سهل بن شاذويه ، ثنا يحيى بن إسماعيل بن الحسن بن عثمان ، ثنا جدي الحسن بن عثمان – يعني قاضي بخارى – ، ثنا محمد بن الفضل بن عطية ( عن ) كرز بن وبرة ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدَّثوا به أنفسهم ما لم يعملوا به ، و يتكلموا " .
قال ابن عدي : وهذه الأحاديث لكرز بن وبرة : كلها لا يرويها عن كرز ، غير محمد بن الفضل بن عطية ... – ثم قال بعد أن ساق جملةً من أحاديثه – : ولمحمد بن الفضل غير ما ذكرت من الحديث ، وعامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليها .
ابن جريج ، أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط ( 8 / 161 رقم 8275 ) قال : حدثنا موسى بن جمهور ، نا محمد بن المصفَّى ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباسٍ ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " وضع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الطبراني : ولا روى حديث ابن جريج ، إلا الوليد .
الوجه الثاني : عطاء بن أبي رباح ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ؛ وهذا الوجه رواه عن عطاء الأوزاعي ، وقد اختلف عليه :
فرواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس ؛ هكذا بإسقاط عبيد بن عمير .
ورواه عن الوليد بن مسلم ثلاثة ، هم :
ا – محمد بن المصفَّى ، أخرجه ابن ماجه في السنن ( 2045 ) ، والطبراني في معجمه الأوسط ( 8 / 161 رقم 8273 ) ، و العقيلي في الضعفاء ( 4 / 1298 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) ، وابن عدي في الكامل ( 2 / 346 ) ، وأبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي في فوائده ، وابن أبي عاصم – كما ذكر ذلك السخاوي في المقاصد ( 239 ) – ومن طريق ابن أبي عاصم الضياء المقدسي في المختارة ( 11 / 200 رقم 190 ) من طرق عن محمد بن المصفَّى . به ، بألفاظ مختلفة .
قال البوصيري في مصباح الزجاجة ( 2 / 130 ) : هذا إسنادٌ صحيح ، إنْ سَلِمَ من الانقطاع ؛ والظاهر : أنه منقطع ... وليس ببعيد أن يكون السقط من صنعة الوليد بن مسلم ، فإنه كان يدلس تدليس التسوية .
قال السخاوي في المقاصد ( 239 ) : رجاله ثقات .
قال ابن حجر : ورجاله ثقات ، إلا أنه أعل بعلةٍ غير قادحة ، فإنه من رواية الوليد ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عنه . وقد رواه بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، فزاد : ( عبيد بن عمير ) بين عطاء وابن عباس ... وهو حديث جليل .
قال ابن كثير في تحفة الطالب ( رقم 158 ) : إسناده جيد .
قال الألباني في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) : والمعروف ما ذكره ابن ماجه ... فظاهر إسناده الصحة ، لأن رجاله كلهم ثقات ، وقد اغتر بظاهره صاحب ( التاج الجامع للأصول الخمسة ) فقال ( 1 / 25 ) : ( سنده صحيح ) ، وخفيت عليه علته ، وهي الانقطاع بين عطاء وابن عباس .
قال ابن عبد الهادي في المحرر ( 570 ) : ورواته صادقون ، وقد أُعِلَّ .
ب – محمد بن إبراهيم الزبيدي ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 346 ) قال : حدثنا إبراهيم بن دحيم ، ثنا إسماعيل بن عمرو ، ثنا محمد بن إبراهيم الزبيدي ، به .
ج – محمد بن عبد الله بن ميمون ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) قال : حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ، ثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، به . بلفظ : " إن الله تجاوز لأمتي الخطأ ، والنسيان " .
ورواه بإثبات عبيد بن عمير ثلاثة ، هم :
عبد الله بن يزيد الدمشقي ، ذكر ابن عدي في الكامل ( 2 / 346 ) في ترجمة الحسن بن علي أبو علي النخعي ، قال : حدَّثَ عن عبد الله بن يزيد الدمشقي – وما أظنه رآه – ، عن الأوزاعي ، به . بلفظ : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
وقال ابن عدي بعدما ساق طرقه عن الأوزاعي : والحديث هو هذا ما رويته من حديث الوليد بن مسلم ، وبشر بن بكر ، لا ما رواه أبو الأشنان – وهي لقب للحسن بن علي – عن عبد الله بن يزيد ، عن الأوزاعي . وعبد الله بن يزيد هذا أرجو أنه لا بأس به ، وقد حدَّث عنه جماعة من الثقات ؛ مثل : أبي حاتم الرازي ، ويزيد بن عبد الصمد الدمشقي ؛ والبلاء من أبي الأشنان لا منه .
بشر بن بكر ، ورواه عن بشر خمسةٌ هم :
ا – أبو يعقوب البويطي يوسف بن يحيى ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) قال : حدثنا أحمد بن يزيد بن ميمون الصيدنائي بمصر ، ثنا محمد بن علي بن داود ابن أخت غزال ، وثنا يعقوب بن إسحاق أبو عوانه الاسفراييني ، حدثنا أيوب بن سافري ، قالا : حدثنا أبو يعقوب البويطي يوسف بن يحيى به مرسلاً ، بلفظ : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال ابن عدي : ابن أخت غزال : " عما حدث به أنفسها ، وما استكرهوا عليه " قال : يعني البويطي : وحدثني به مرةً أخرى ، فقال : عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يعني بمثله .
ب ج – حسين بن أبي معاوية البزاز ، ( وَ ) حسين أبو علي الصائغ ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) قال : حدثنا عيسى بن أحمد الصدفي ، والحسين بن عياض الحميري جميعاً بمصر ، ومحمد بن علويه بجرجان ، قال ابن علويه : ثنا حسين بن أبي معاوية البزاز ، قال الصدفي والحميري : ثنا حسين أبو علي الصائغ ، ثنا بشر بن بكر . به ، بلفظ : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
د – بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2 / 560 رقم 2855 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 10 / 61 ) من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب ، ثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، ثنا بشر بن بكر . به ، بلفظ : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
قال البيهقي : كذا قال في أحد الموضعين – يقصد أبو عبد الله الحافظ الذي رواه عنه البيهقي – عن أبي العباس ، عن بحر ، وقد مضى ذلك عن أبي عبد الله السوسي وغيره ، عن أبي العباس عن الربيع ، وهو أشهر . ورواه جماعة من المصريين وغيرهم عن الربيع ، وبه يعرف ؛ وتابعه على ذلك البويطي ، والحسين بن أبي معاوية .
هـ - الربيع بن سليمان المرادي ، أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ( 1 / 282 رقم 752 ط الحوت وَ 1 / 270 ط العظيم آبادي ) ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 50 / 261 ) ، وابن حبان في صحيحه ( 16 / 202 ترتيبه ) ( 5 / 44 رقم 1498 موارد ) ، والدارقطني في سننه ( 4 / 170 ) وفي الأفراد – كما في الأطراف لابن طاهر المقدسي ( 3 / 220 رقم 2479 ) – ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 3 / 95 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) وَ ( 10 / 60 ) ، وفي معرفة السنن والآثار ( 5 / 495 ) ، وابن حزم في المحلَّى ( 9 / 466 ط البنداري ) ( 11 / 8 ط البنداري ) وَ في الإحكام ( 5 / 138 دار الجيل ) ، وابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) ، والضياء المقدسي في المختارة ( 11 / 182 وما بعدها ) ، والصيداوي في معجم شيوخه ( 361 ) ، وابن المنذر في الإقناع ( 2 / 584 ) ، والمخلص في الفوائد المنتقاة ( 1 / ق56 / ب ) ، وأبو بكر الأصيلي في فوائده – كما ذكر ذلك ابن القطان في بيان الوهم والإيهام ( 2 / 346 ) – من طرق عن الربيع بن سليمان المرادي ، عن بشر بن بكر . به ، بلفظ : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الطبراني في المعجم الصغير : لم يروه عن الأوزاعي إلا بشر ، تفرد به : الربيع بن سليمان .
قال ابن حزم في المحلى ( 9 / 466 ) : وقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم ذكره .
قال الدارقطني في الأفراد : غريب من حديث الأوزاعي ، عن عطاء ؛ تفرد به : بشر بن بكر ، ولم يحدث به عنه غير الربيع بن سليمان ، وأبي يعقوب البويطي الفقيه .
قال البيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) : جود إسناده بشر بن بكر ، وهو من الثقات . ورواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ،فلم يذكر في إسناده عبيد بن عمير .
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( 2 / 361 ) : وهذا إسنادٌ صحيحٌ في ظاهر الأمر ، ورواته كلهم محتجٌ بهم في الصحيحين ، وقد خرَّجه الحاكم ، وقال : صحيحٌ على شرطهما . كذا قال ؛ ولكن له علَّة . وقد أنكره الإمام أحمد جداً ، وقال : ليس يروى فيه إلا عن الحسن ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرسلاً ... وذكر لأبي حاتم الرازي حديث الأوزاعي ، وحديث مالك ؛ وقيل له : إنَّ الوليد روى – أيضاً – عن ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مثله . فقال أبو حاتم : هذه أحاديث منكرة ، كأنها موضوعة . وقال : لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من عطاء ، وإنما سمعه من رجلٍ لم يسمه ، أتوهم أنه : عبد الله بن عامر ، أو إسماعيل بن مسلم . قال : ولا يصح هذا الحديث ، ولا يثبت إسناده .
قال ابن كثير في تحفة الطالب ( رقم 159 ) بعد أن ذكر الرواية التي ليس فيها عبيد بن عمير ؛ ثم أتبعها بالإسناد الذي هو فيه ، قال : وهذا لا يضرنا هاهنا ، لأن عبيد بن عمير ثقةٌ إمام .
وصححه الشيخ أحمد شاكر ؛ كما نقل ذلك عنه الألباني في الإرواء ( 1 / 123 ) .
أيوب بن سويد ، كما أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2 / 560 ) قال : حدثنا أبو العباس غير مرةٍ ، حدثن الربيع بن سليمان ، حدثنا أيوب بن سويد ، قال : حدثنا الأوزاعي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الل – صلى الله عليه وسلم – : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
2 – من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . أخرجها الطبراني في المعجم الأوسط ( 2 / 331 رقم 2137 ) قال : حدثنا أحمد ، قال : نا محمد بن موسى الحَرَشِيُّ ، قال : نا عبد الرحيم بن زيد العمِّيُّ ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير . به ، بلفظ : " إنَّ الله عز وجل عفا لهذه الأمة عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
وأخرجه ابن عدي في الكامل ( 5 / 282 ) قال : حدثنا خالد بن النضر ، ومحمد بن يونس العصفري جميعاً بالبصرة ، قالا : ثنا محمد بن موسى الحرشي . به ، بلفظ : " عفي لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه " .
وقال ابن يونس : " وما حدثت أنفسها ، والاستكراه " ، ولم يذكر الخطأ .
قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن زيد العمي إلا ابنه ؛ تفرد به : الحرشي .
قال ابن عدي : وهذان الحديثان – يقصد بالحديث الآخر ، حديث : " خمسٌ يكفرن ما بينهن ... " – عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس منكران .
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( 2 / 363 ) : وعبد الرحيم هذا ضعيف .
قال الألباني في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) : وعبد الرحيم هذا كذاب ، وأبوه ضعيف .
3 – من طريق سعيد العلاف ، عن ابن عباس . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 11 / 133 رقم 11274 ) قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا معلى بن مهدي الموصلي ، ثنا مسلم بن خالد الزنجي ، حدثني سعيد هو العلاف . به ، بلفظ : " إن الله – عز وجل – تجاوز لأمتي عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
وأخرجه الجوزجاني أيضاً – كما في جامع العلوم والحكم ( 2 / 362 ) – ، وقال الحافظ : [ وسعيد العلاَّف : هو سعيد بن أبي صالح . قال أحمد : هو مكي . قيل له : كيف حاله ؟ قال : لا أدري ! وما علمت أحداً روى عنه غير مسلم بن خالد .
قال أحمد : وليس هذا مرفوعاً ، إنما هو عن ابن عبَّاسٍ قوله . نقل ذلك عنه مهنا .
ومسلم بن خالد ضعفوه ] .
4 – أبو حمزة ، عن ابن عباس . أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 76 ) قال : " ثنا عمر بن سنان ، ثنا الوليد بن عتبة ، ثنا بقية ، ثنا عبيد – رجلٌ من همدان – ، عن قتادة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، قيل : يا رسول الله ! الرجل منَّا ينسى الأذان والإقامة ، فقال : " إن الله وضع عن أمتي النسيان " .
قال ابن عدي : وعبيد رجلٌ من همدان شيخٌ لبقية ، مجهول .
وأخرجه حرب أيضاً – كما في جامع العلوم والحكم ( 2 / 363 ) – قال الحافظ : [ ورواية بقية عن مشايخه المجاهيل لا تساوي شيئاً ] .
وأما حديث أبي ذرٍ – رضي الله عنه – : فأخرجه ابن ماجه في السنن ( 2043 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثنا أيوب بن سويد ، حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي ذر الغفاري . قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الحافظ في التلخيص ( 1 / 282 ) : وفيه شهر بن حوشب ، وفي الإسناد انقطاعٌ أيضاً .
قال البوصيري في المصباح ( 2 / 130 ) : هذا الإسناد ضعيف ؛ لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي ، وله شاهد من حديث أبي هريرة . رواه الأئمة الستة . اهـ
وأما حديث أبي بكرة – رضي الله عنه – : فأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان ( 1 / 123 رقم الترجمة 45 ) قال : حدثنا مطهر بن أحمد ، ثنا عمر بن عبد الله بن الحسن ، ثنا أحمد بن خليل . وأخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 150 ) قال ثنا حذيفة بن الحسن التنيسي ، ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ؛ كلاهما قال : ثنا جعفر بن جسر بن فرقد ، حدثني أبي ، عن الحسن ، عن أبي بكرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " رفع الله عن هذه الأمة [ ثلاثاً ] : الخطأ ، والنسيان ، والأمر يكرهون عليه " . فقال الحسن : يكرهون عليه باللسان ؛ فأما اليد فلا .
قال ابن عدي – بعد أنْ ذكر جملةً من الأحاديث التي أنكرها عليه – : ولجعفر بن جسر أحاديث مناكير غير ما ذكرت ، ولم أَرَ للمتكلمين في الرجال فيه قولاً ، ولا أدري كيف غفلوا عنه ؟! لأنَّ عامة ما يرويه منكر ، وقد ذكرته لِمَا أنكرت من الأسانيد والمتون التي يرويها ؛ ولعل ذاك إنما هو من قبل أبيه ، فإنَّ أباه قد تكلم فيه مَنْ تقدَّم ممن يتكلمون في الضعفاء ، لأني لم أَرَ يروي جعفر عن غير أبيه . اهـ
قال السخاوي في المقاصد ( 239 ) : وجعفر وأبوه ضعيفان .
قال ابن كثير في تحفة الطالب ( رقم 164 ) : وهذا السند وإنْ كان ضعيفاً لحال جعفر بن جسر وأبيه ، إلا أنَّه شاهدٌ للذي قبله .
وأما حديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – : فأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ ( 2 / 494 ) ، وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ( 8 / 162 رقم 8276 ) قال : حدثنا موسى بن جمهور ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 357 ) قال : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، قال : أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ؛ كلهم : عن محمد بن المصفى ، ثنا الوليد ، عن ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " وضع ( الله ) عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الهيثمي في المجمع ( 6 / 250 ) : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن ؛ وفيه ضعف .
وأما حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – : فقد رواه عنه نافع ، ورواه عن نافع ثلاثة ، هم :
الأول : مالك بن أنس ، أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ( 8 / 161 رقم 8274 ) ، والعقيلي في الضعفاء ( 4 / 1298 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 6 / 84 ) ، وأبو نعيم في الحلية ( 6 / 388 ) ، من طريق محمد بن المصفَّى ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن مالك . به ، بلفظ : " وضع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الطبراني : ولا روى حديث مالك ، عن نافع إلا الوليد .
وقال العقيلي : وهذا يروى من غير هذا الوجه بإسنادٍ جيد .
وقال البيهقي : وكذلك رواه عمر بن سعيد المنبجي ، عن محمد بن المصفى ؛ والمحفوظ عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس .
وعن الوليد ، عن ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ؛ كلاهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – .
وقال أبو نعيم : غريبٌ من حديث مالك . تفرد به : ابن مصفَّى عن الوليد .
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( 2 / 363 ) : وهو عند حذَّاق الحفاظ باطلٌ على مالك ، كما أنكره الإمام أحمد وأبو حاتم ، وكانا يقولان عن الوليد : إنه كثير الخطأ . ونقل أبو عبيد الآجري عن أبي داود قال : روى الوليد بن مسلم عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل ، منها عن نافع أربعة . قلت : والظاهر ، أنَّ منها هذا الحديث ، والله أعلم . اهـ
قال الهيثمي في المجمع ( 6 / 250 ) : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه محمد بن مصفّى . وثقه أبو حاتم وغيره ، وفيه كلام لا يضر ، وبقية رجاله رجال الصحيح .
الثاني : عبيد الله بن عمر ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 7 / 208 ) قال : ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، ثنا عبيد بن رباح الأيْلي ، ثنا خلاَّد بن يحيى ، ثنا أبو عقيل ، عن عبيد الله بن عمر . به ، بلفظ : " تجاوز الله لي في أمتي عن ثلاث خصال : عن ما أخطأت ، وعن ما نسيت ، وعن ما استكرهت عليه " .
قال ابن عدي : وهذا عبيد بن رباح ، قال فيه : عن عبيد الله ، وقال غيره : عن خلاَّد ، وعن أبي عقيل ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع .
الثالث : سوادة بن إبراهيم ، أخرجه الخطيب في كتاب الرواة عن مالك ، في ترجمة سوادة بن إبراهيم عنه ؛ وقال سوادة : مجهول ، والخبر منكر عن مالك . ذكر ذلك ابن حجر في التلخيص ( 1 / 282 ) .
وأما حديث ثوبان – رضي الله عنه – : فقد رواه عنه اثنان ، هما :
الأول : أبو الأشعث ، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 2 / 97 رقم 1430 ) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، ثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر ، ثنا يزيد بن ربيعة ، ثنا أبو الأشعث ، عن ثوبان ، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله تجاوز عن أمتي ثلاثة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه " .
وأخرجه أيضاً من طريق يزيد بن ربيعة . الجوزجاني – كما في جامع العلوم والحكم ( 2 / 363 ) – قال الحافظ : ويزيد بن ربيعة ضعيفٌ جداً .
قال الحافظ في التلخيص ( 1 / 282 ) : في إسناده ضعفٌ .
قال الهيثمي في المجمع ( 6 / 250 ) : رواه الطبراني ، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي ، وهو ضعيف .
الثاني : أبو أسماء الرحبي ، أخرجه الطبراني في مسند الشاميين ( 2 / 152 رقم 1090 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق ، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ، ثنا إسماعيل بن عياش ، حدثني راشد بن داود الصنعاني ، عن أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان ، أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
وأما حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه – : فأخرجه ابن عدي في الكامل ( 3 / 325 ) قال : ثنا الفضل بن عبد الله الأنطاكي ، ثنا هشام بن عمار ، ثنا إسماعيل عيَّاش ، عن أبي بكرٍ الهذلي ، عن شهر بن حوشب ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الحافظ في التلخيص ( 1 / 282 ) : في إسناده ضعف .
وأما حديث أم الدرداء – رضي الله عنها – : فأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير ( 2 / 579 ط الباز ) قال : حدثنا أبي ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن شهر ، عن أم الدرداء ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إنَّ الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه " قال أبو بكر : فذكرت ذلك للحسن . فقال : أَجَلْ . أَمَا تقرأ بذلك قرآناً ؟! " ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا " .
قال ابن رجب : وأبو بكر الهذلي ، متروك الحديث .
وأما حديث الحسن البصري ، فجاء عنه من خمسة طرق ، هي :
الأول : من طريق أبي بكر الهذلي ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 3 / 323 ) قال : ثنا الساجي ، ثنا أحمد بن سعيد الهمذاني ، ثنا إسحاق بن الفرات ، عن ابن لهيعة ، عن ابن عجلان ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه " .
الثاني : من طريق جعفر بن حيان العطاردي ، أخرجها سعيد بن منصور في سننه ( 1 / 278 رقم 1146 ) قال : نا إسماعيل بن عياش ، قال : حدثني جعفر بن حيان العطاردي ، عن الحسن . قال : سمعته يقول : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " تجاوز الله – عز وجل – لابن آدم عمَّا أخطأ ، وعمَّا نسي ، وعمَّا أُكْرِهَ ، وعمَّا غُلِبَ عليه " .
الثالث : من طريق هشام بن حسَّان ، أخرجها سعيد بن منصور في سننه ( 1 / 278 رقم 1145 ) قال : نا خالد بن عبد الله ، وابن أبي شيبة ( 5 / 49 ) ، وعبد الرزاق في المصنف ( 6 / 409 رقم 11416 ) وفي التفسير ( 1 / 378 رقم 367 ) كلاهما : عن هشام ، عن الحسن ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله – عز وجل – عفا لكم عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهتم عليه " .
وأخرجه عبد بن حميد – كما في الدر المنثور ( 1 / 666 ) – .
الرابع ، والخامس : من طريق منصور ، و عوف ؛ أخرجه سعيد بن منصور في سننه ( 1 / 278 رقم 1144 ) قال : نا هشيم . قال : أنا منصور وَ عوف ، عن الحسن . قال : " إنَّ الله – عز وجل – تجاوز لهذه الأمة عن النسيان ، والخطأ ، وما أكرهوا عليه " .
( يلاحظ أن هذا من قول الحسن ، ولم يرفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – )
وأما حديث الشعبي : فقد قال السيوطي في الدر المنثور ( 1 / 666 ) : وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، والإكراه " .
وأما حديث عطاء : أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 5 / 220 ) قال : أخبرنا يحيى بن سليم ، قال : أخبرنا بهذا الحديث : ابن جريج قال : قال عطاء : بلغني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " . وخرجه الجوزجاني بهذا الإسناد ، كما ذكر ذلك : ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( 2 / 362 ) ، وقال : هذا المرسل أشبه .
وأما حديث عبيد بن عمير : فقد قال ابن رجب في الجامع ( 2 / 362 ) : وقد روي عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير مرسلاً . من غير ذكر ابن عباس . وقد تقدم في الرواة عن : بشر بن بكر .
وأما حديث قتادة : فقد أخرج عبد الرزاق في التفسير ( 1 / 378 رقم 368 ) ومن طريقه ابن جرير الطبري في جامع البيان ( 6 / 132 رقم 6510 ط شاكر ) أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله تعالى : " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " قال : بلغني أن الله تجاوز لهذه الأمة عن نسيانها ، وما حدثت به أنفسها .
حكم بعض الأئمة على الحديث :
1 – المضعفون للحديث :
1 – أبو حاتم ؛ حيث قال في العلل ( 1 / 431 ) : وهذه أحاديث منكرة ، كأنها موضوعة . وقال : ولا يصح هذا الحديث ، ولا يثبت إسناده .
2 – الإمام أحمد ؛ كما في العلل ومعرفة الرجال – رواية ابنه عبد الله – ( 1 / 561 رقم 1340 ) فقد أنكر هذا الحديث ، وقال : ليس يروى فيه إلا عن الحسن ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – .
3 – محمد بن نصر المروزي ؛ نقل ذلك عنه ابن رجب في الجامع ( 2 / 365 ) ، وابن حجر في التلخيص ( 1 / 282 ) حيث قال : ليس لهذا الحديث إسنادٌ يحتج بمثله .
4 – ابن رجب الحنبلي ؛ وهذا ظاهر صنيعه ، ومما يؤيد ذلك : أنه تعقب تصحيح الحاكم بقوله : ولكن له علة .
وقال – أيضاً – عن مرسل عطاء : وهذا المرسل أشبه .
5 – المناوي في فيض القدير ( 4 / 35 ) حيث اعترض على السيوطي تصحيحه ، فقال : رمز المصنف لصحته ، وهو غير صحيح ... .
6 – القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ( 10 / 161 ) قال بعد أن ذكره : والخبر وإن لم يصح سنده ، فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء .
7 – الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي ؛ كما في إصلاح الأربعين ( رقم 39 ) قال : حديث ضعيف .
8 – حيث سئل عن الأحاديث الضعيفة في الأربعين النووية ، فذكره منها . ( الجلسة الأولى ) وعرضت على الشيخ بتاريخ 24 / 5 / 1421 .
9 – وقد سمعت شيخنا الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد ، وكأنه يميل إلى تضعيفه .
2 – المثبتون لهذا الحديث :
1 – ابن حبان ؛ حيث أخرجه في صحيحه .
2 – وابن حزم ؛ وقد تقدم نقل كلامه .
3 – الضياء المقدسي ؛ حيث أخرجه في المختارة .
4 – والحاكم في المستدرك .
5 – والنووي ؛ قال في الأربعين ( رقم 39 ) ، وفي الفتاوى ( 138 ) حديث حسن ، زاد في الفتاوى : ( حجة ) ، وقال في المجموع ( 6 / 309 ) : رواه البيهقي بأسانيد صحيحة .
6 – السخاوي في المقاصد ( 240 ) : قال : ومجموع هذه الطرق يظهر أن للحديث أصلاً ، لا سيما وأصل الباب حديث أبي هريرة في الصحيح من طريق زرارة بن أوفى عنه بلفظ : " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به ، أو تكلم به " ...
8 – وابن حجر ؛ حيث قال عن حديث ابن عباس : رجاله ثقات ، إلا أنه أعل بعلة غير قادحة .
7 – وابن كثير ؛ وقد تقدم نقل كلامه .
9 – السيوطي ؛ كما قال في الأشباه والنظائر ( 339 ) : فهذه شواهد قوية ، تقضي للحديث بالصحة . ورمز له في الجامع الصغير بالصحة ، كما في فيض القدير ( 4 / 34 ) .
10 – أحمد شاكر ؛ نقل ذلك عنه الألباني في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) .
11 – الألباني ؛ قال عنه في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) : صحيح .
12 – أحمد بن الصديق الغماري ؛ حيث ألَّف رسالةً بعنوان : " شهود العيان ، بثبوت حديث " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " ، وقال واصفاً لكتابه – وذلك في الهداية في تخريج أحاديث البداية ( 1 / 168 ) – : في جزءٍ خصصته لبيان صحة هذا الحديث .
هذا ما تم تحريره ، وجمعه في 7 / 7 / 1422
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
فهذا جزء في تخريج حديث : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
فأقول – مستعيناً بالله – : جاء هذا الحديث عن : عبد الله بن عباس ، وأبي ذر ، وأبي بكرة ، وعقبة بن عامر ، وابن عمر ، وثوبان ، وأبي الدرداء ، وأم الدرداء – رضي الله عنهم – ، والحسن البصري ، والشعبي ، وعطاء ، وعبيد بن عمير ، وقتادة مرسلاً .
فأما حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – : فقد جاء عنه من أربعة طرق ، هي :
1 – من طريق عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس .
وقد اختلف على عطاء من وجهين :
الوجه الأول : عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ؛ وهذا الوجه رواه عن عطاء اثنان ، هما :
كرز بن وبرة ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 6 / 162 ) قال : حدثنا الحسن بن الحسين البزاز ببخارى ، أخبرنا سهل بن شاذويه ، ثنا يحيى بن إسماعيل بن الحسن بن عثمان ، ثنا جدي الحسن بن عثمان – يعني قاضي بخارى – ، ثنا محمد بن الفضل بن عطية ( عن ) كرز بن وبرة ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدَّثوا به أنفسهم ما لم يعملوا به ، و يتكلموا " .
قال ابن عدي : وهذه الأحاديث لكرز بن وبرة : كلها لا يرويها عن كرز ، غير محمد بن الفضل بن عطية ... – ثم قال بعد أن ساق جملةً من أحاديثه – : ولمحمد بن الفضل غير ما ذكرت من الحديث ، وعامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليها .
ابن جريج ، أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط ( 8 / 161 رقم 8275 ) قال : حدثنا موسى بن جمهور ، نا محمد بن المصفَّى ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباسٍ ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " وضع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الطبراني : ولا روى حديث ابن جريج ، إلا الوليد .
الوجه الثاني : عطاء بن أبي رباح ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ؛ وهذا الوجه رواه عن عطاء الأوزاعي ، وقد اختلف عليه :
فرواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس ؛ هكذا بإسقاط عبيد بن عمير .
ورواه عن الوليد بن مسلم ثلاثة ، هم :
ا – محمد بن المصفَّى ، أخرجه ابن ماجه في السنن ( 2045 ) ، والطبراني في معجمه الأوسط ( 8 / 161 رقم 8273 ) ، و العقيلي في الضعفاء ( 4 / 1298 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) ، وابن عدي في الكامل ( 2 / 346 ) ، وأبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي في فوائده ، وابن أبي عاصم – كما ذكر ذلك السخاوي في المقاصد ( 239 ) – ومن طريق ابن أبي عاصم الضياء المقدسي في المختارة ( 11 / 200 رقم 190 ) من طرق عن محمد بن المصفَّى . به ، بألفاظ مختلفة .
قال البوصيري في مصباح الزجاجة ( 2 / 130 ) : هذا إسنادٌ صحيح ، إنْ سَلِمَ من الانقطاع ؛ والظاهر : أنه منقطع ... وليس ببعيد أن يكون السقط من صنعة الوليد بن مسلم ، فإنه كان يدلس تدليس التسوية .
قال السخاوي في المقاصد ( 239 ) : رجاله ثقات .
قال ابن حجر : ورجاله ثقات ، إلا أنه أعل بعلةٍ غير قادحة ، فإنه من رواية الوليد ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عنه . وقد رواه بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، فزاد : ( عبيد بن عمير ) بين عطاء وابن عباس ... وهو حديث جليل .
قال ابن كثير في تحفة الطالب ( رقم 158 ) : إسناده جيد .
قال الألباني في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) : والمعروف ما ذكره ابن ماجه ... فظاهر إسناده الصحة ، لأن رجاله كلهم ثقات ، وقد اغتر بظاهره صاحب ( التاج الجامع للأصول الخمسة ) فقال ( 1 / 25 ) : ( سنده صحيح ) ، وخفيت عليه علته ، وهي الانقطاع بين عطاء وابن عباس .
قال ابن عبد الهادي في المحرر ( 570 ) : ورواته صادقون ، وقد أُعِلَّ .
ب – محمد بن إبراهيم الزبيدي ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 346 ) قال : حدثنا إبراهيم بن دحيم ، ثنا إسماعيل بن عمرو ، ثنا محمد بن إبراهيم الزبيدي ، به .
ج – محمد بن عبد الله بن ميمون ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) قال : حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ، ثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، به . بلفظ : " إن الله تجاوز لأمتي الخطأ ، والنسيان " .
ورواه بإثبات عبيد بن عمير ثلاثة ، هم :
عبد الله بن يزيد الدمشقي ، ذكر ابن عدي في الكامل ( 2 / 346 ) في ترجمة الحسن بن علي أبو علي النخعي ، قال : حدَّثَ عن عبد الله بن يزيد الدمشقي – وما أظنه رآه – ، عن الأوزاعي ، به . بلفظ : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
وقال ابن عدي بعدما ساق طرقه عن الأوزاعي : والحديث هو هذا ما رويته من حديث الوليد بن مسلم ، وبشر بن بكر ، لا ما رواه أبو الأشنان – وهي لقب للحسن بن علي – عن عبد الله بن يزيد ، عن الأوزاعي . وعبد الله بن يزيد هذا أرجو أنه لا بأس به ، وقد حدَّث عنه جماعة من الثقات ؛ مثل : أبي حاتم الرازي ، ويزيد بن عبد الصمد الدمشقي ؛ والبلاء من أبي الأشنان لا منه .
بشر بن بكر ، ورواه عن بشر خمسةٌ هم :
ا – أبو يعقوب البويطي يوسف بن يحيى ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) قال : حدثنا أحمد بن يزيد بن ميمون الصيدنائي بمصر ، ثنا محمد بن علي بن داود ابن أخت غزال ، وثنا يعقوب بن إسحاق أبو عوانه الاسفراييني ، حدثنا أيوب بن سافري ، قالا : حدثنا أبو يعقوب البويطي يوسف بن يحيى به مرسلاً ، بلفظ : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال ابن عدي : ابن أخت غزال : " عما حدث به أنفسها ، وما استكرهوا عليه " قال : يعني البويطي : وحدثني به مرةً أخرى ، فقال : عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يعني بمثله .
ب ج – حسين بن أبي معاوية البزاز ، ( وَ ) حسين أبو علي الصائغ ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) قال : حدثنا عيسى بن أحمد الصدفي ، والحسين بن عياض الحميري جميعاً بمصر ، ومحمد بن علويه بجرجان ، قال ابن علويه : ثنا حسين بن أبي معاوية البزاز ، قال الصدفي والحميري : ثنا حسين أبو علي الصائغ ، ثنا بشر بن بكر . به ، بلفظ : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
د – بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2 / 560 رقم 2855 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 10 / 61 ) من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب ، ثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، ثنا بشر بن بكر . به ، بلفظ : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
قال البيهقي : كذا قال في أحد الموضعين – يقصد أبو عبد الله الحافظ الذي رواه عنه البيهقي – عن أبي العباس ، عن بحر ، وقد مضى ذلك عن أبي عبد الله السوسي وغيره ، عن أبي العباس عن الربيع ، وهو أشهر . ورواه جماعة من المصريين وغيرهم عن الربيع ، وبه يعرف ؛ وتابعه على ذلك البويطي ، والحسين بن أبي معاوية .
هـ - الربيع بن سليمان المرادي ، أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ( 1 / 282 رقم 752 ط الحوت وَ 1 / 270 ط العظيم آبادي ) ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 50 / 261 ) ، وابن حبان في صحيحه ( 16 / 202 ترتيبه ) ( 5 / 44 رقم 1498 موارد ) ، والدارقطني في سننه ( 4 / 170 ) وفي الأفراد – كما في الأطراف لابن طاهر المقدسي ( 3 / 220 رقم 2479 ) – ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 3 / 95 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) وَ ( 10 / 60 ) ، وفي معرفة السنن والآثار ( 5 / 495 ) ، وابن حزم في المحلَّى ( 9 / 466 ط البنداري ) ( 11 / 8 ط البنداري ) وَ في الإحكام ( 5 / 138 دار الجيل ) ، وابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) ، والضياء المقدسي في المختارة ( 11 / 182 وما بعدها ) ، والصيداوي في معجم شيوخه ( 361 ) ، وابن المنذر في الإقناع ( 2 / 584 ) ، والمخلص في الفوائد المنتقاة ( 1 / ق56 / ب ) ، وأبو بكر الأصيلي في فوائده – كما ذكر ذلك ابن القطان في بيان الوهم والإيهام ( 2 / 346 ) – من طرق عن الربيع بن سليمان المرادي ، عن بشر بن بكر . به ، بلفظ : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الطبراني في المعجم الصغير : لم يروه عن الأوزاعي إلا بشر ، تفرد به : الربيع بن سليمان .
قال ابن حزم في المحلى ( 9 / 466 ) : وقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم ذكره .
قال الدارقطني في الأفراد : غريب من حديث الأوزاعي ، عن عطاء ؛ تفرد به : بشر بن بكر ، ولم يحدث به عنه غير الربيع بن سليمان ، وأبي يعقوب البويطي الفقيه .
قال البيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) : جود إسناده بشر بن بكر ، وهو من الثقات . ورواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ،فلم يذكر في إسناده عبيد بن عمير .
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( 2 / 361 ) : وهذا إسنادٌ صحيحٌ في ظاهر الأمر ، ورواته كلهم محتجٌ بهم في الصحيحين ، وقد خرَّجه الحاكم ، وقال : صحيحٌ على شرطهما . كذا قال ؛ ولكن له علَّة . وقد أنكره الإمام أحمد جداً ، وقال : ليس يروى فيه إلا عن الحسن ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرسلاً ... وذكر لأبي حاتم الرازي حديث الأوزاعي ، وحديث مالك ؛ وقيل له : إنَّ الوليد روى – أيضاً – عن ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مثله . فقال أبو حاتم : هذه أحاديث منكرة ، كأنها موضوعة . وقال : لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من عطاء ، وإنما سمعه من رجلٍ لم يسمه ، أتوهم أنه : عبد الله بن عامر ، أو إسماعيل بن مسلم . قال : ولا يصح هذا الحديث ، ولا يثبت إسناده .
قال ابن كثير في تحفة الطالب ( رقم 159 ) بعد أن ذكر الرواية التي ليس فيها عبيد بن عمير ؛ ثم أتبعها بالإسناد الذي هو فيه ، قال : وهذا لا يضرنا هاهنا ، لأن عبيد بن عمير ثقةٌ إمام .
وصححه الشيخ أحمد شاكر ؛ كما نقل ذلك عنه الألباني في الإرواء ( 1 / 123 ) .
أيوب بن سويد ، كما أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2 / 560 ) قال : حدثنا أبو العباس غير مرةٍ ، حدثن الربيع بن سليمان ، حدثنا أيوب بن سويد ، قال : حدثنا الأوزاعي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الل – صلى الله عليه وسلم – : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
2 – من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . أخرجها الطبراني في المعجم الأوسط ( 2 / 331 رقم 2137 ) قال : حدثنا أحمد ، قال : نا محمد بن موسى الحَرَشِيُّ ، قال : نا عبد الرحيم بن زيد العمِّيُّ ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير . به ، بلفظ : " إنَّ الله عز وجل عفا لهذه الأمة عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
وأخرجه ابن عدي في الكامل ( 5 / 282 ) قال : حدثنا خالد بن النضر ، ومحمد بن يونس العصفري جميعاً بالبصرة ، قالا : ثنا محمد بن موسى الحرشي . به ، بلفظ : " عفي لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه " .
وقال ابن يونس : " وما حدثت أنفسها ، والاستكراه " ، ولم يذكر الخطأ .
قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن زيد العمي إلا ابنه ؛ تفرد به : الحرشي .
قال ابن عدي : وهذان الحديثان – يقصد بالحديث الآخر ، حديث : " خمسٌ يكفرن ما بينهن ... " – عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس منكران .
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( 2 / 363 ) : وعبد الرحيم هذا ضعيف .
قال الألباني في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) : وعبد الرحيم هذا كذاب ، وأبوه ضعيف .
3 – من طريق سعيد العلاف ، عن ابن عباس . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 11 / 133 رقم 11274 ) قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا معلى بن مهدي الموصلي ، ثنا مسلم بن خالد الزنجي ، حدثني سعيد هو العلاف . به ، بلفظ : " إن الله – عز وجل – تجاوز لأمتي عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
وأخرجه الجوزجاني أيضاً – كما في جامع العلوم والحكم ( 2 / 362 ) – ، وقال الحافظ : [ وسعيد العلاَّف : هو سعيد بن أبي صالح . قال أحمد : هو مكي . قيل له : كيف حاله ؟ قال : لا أدري ! وما علمت أحداً روى عنه غير مسلم بن خالد .
قال أحمد : وليس هذا مرفوعاً ، إنما هو عن ابن عبَّاسٍ قوله . نقل ذلك عنه مهنا .
ومسلم بن خالد ضعفوه ] .
4 – أبو حمزة ، عن ابن عباس . أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 76 ) قال : " ثنا عمر بن سنان ، ثنا الوليد بن عتبة ، ثنا بقية ، ثنا عبيد – رجلٌ من همدان – ، عن قتادة ، عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، قيل : يا رسول الله ! الرجل منَّا ينسى الأذان والإقامة ، فقال : " إن الله وضع عن أمتي النسيان " .
قال ابن عدي : وعبيد رجلٌ من همدان شيخٌ لبقية ، مجهول .
وأخرجه حرب أيضاً – كما في جامع العلوم والحكم ( 2 / 363 ) – قال الحافظ : [ ورواية بقية عن مشايخه المجاهيل لا تساوي شيئاً ] .
وأما حديث أبي ذرٍ – رضي الله عنه – : فأخرجه ابن ماجه في السنن ( 2043 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثنا أيوب بن سويد ، حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي ذر الغفاري . قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الحافظ في التلخيص ( 1 / 282 ) : وفيه شهر بن حوشب ، وفي الإسناد انقطاعٌ أيضاً .
قال البوصيري في المصباح ( 2 / 130 ) : هذا الإسناد ضعيف ؛ لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي ، وله شاهد من حديث أبي هريرة . رواه الأئمة الستة . اهـ
وأما حديث أبي بكرة – رضي الله عنه – : فأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان ( 1 / 123 رقم الترجمة 45 ) قال : حدثنا مطهر بن أحمد ، ثنا عمر بن عبد الله بن الحسن ، ثنا أحمد بن خليل . وأخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 150 ) قال ثنا حذيفة بن الحسن التنيسي ، ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ؛ كلاهما قال : ثنا جعفر بن جسر بن فرقد ، حدثني أبي ، عن الحسن ، عن أبي بكرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " رفع الله عن هذه الأمة [ ثلاثاً ] : الخطأ ، والنسيان ، والأمر يكرهون عليه " . فقال الحسن : يكرهون عليه باللسان ؛ فأما اليد فلا .
قال ابن عدي – بعد أنْ ذكر جملةً من الأحاديث التي أنكرها عليه – : ولجعفر بن جسر أحاديث مناكير غير ما ذكرت ، ولم أَرَ للمتكلمين في الرجال فيه قولاً ، ولا أدري كيف غفلوا عنه ؟! لأنَّ عامة ما يرويه منكر ، وقد ذكرته لِمَا أنكرت من الأسانيد والمتون التي يرويها ؛ ولعل ذاك إنما هو من قبل أبيه ، فإنَّ أباه قد تكلم فيه مَنْ تقدَّم ممن يتكلمون في الضعفاء ، لأني لم أَرَ يروي جعفر عن غير أبيه . اهـ
قال السخاوي في المقاصد ( 239 ) : وجعفر وأبوه ضعيفان .
قال ابن كثير في تحفة الطالب ( رقم 164 ) : وهذا السند وإنْ كان ضعيفاً لحال جعفر بن جسر وأبيه ، إلا أنَّه شاهدٌ للذي قبله .
وأما حديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – : فأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ ( 2 / 494 ) ، وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ( 8 / 162 رقم 8276 ) قال : حدثنا موسى بن جمهور ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 357 ) قال : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، قال : أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ؛ كلهم : عن محمد بن المصفى ، ثنا الوليد ، عن ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " وضع ( الله ) عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الهيثمي في المجمع ( 6 / 250 ) : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن ؛ وفيه ضعف .
وأما حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – : فقد رواه عنه نافع ، ورواه عن نافع ثلاثة ، هم :
الأول : مالك بن أنس ، أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ( 8 / 161 رقم 8274 ) ، والعقيلي في الضعفاء ( 4 / 1298 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 6 / 84 ) ، وأبو نعيم في الحلية ( 6 / 388 ) ، من طريق محمد بن المصفَّى ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن مالك . به ، بلفظ : " وضع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الطبراني : ولا روى حديث مالك ، عن نافع إلا الوليد .
وقال العقيلي : وهذا يروى من غير هذا الوجه بإسنادٍ جيد .
وقال البيهقي : وكذلك رواه عمر بن سعيد المنبجي ، عن محمد بن المصفى ؛ والمحفوظ عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس .
وعن الوليد ، عن ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ؛ كلاهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – .
وقال أبو نعيم : غريبٌ من حديث مالك . تفرد به : ابن مصفَّى عن الوليد .
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( 2 / 363 ) : وهو عند حذَّاق الحفاظ باطلٌ على مالك ، كما أنكره الإمام أحمد وأبو حاتم ، وكانا يقولان عن الوليد : إنه كثير الخطأ . ونقل أبو عبيد الآجري عن أبي داود قال : روى الوليد بن مسلم عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل ، منها عن نافع أربعة . قلت : والظاهر ، أنَّ منها هذا الحديث ، والله أعلم . اهـ
قال الهيثمي في المجمع ( 6 / 250 ) : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه محمد بن مصفّى . وثقه أبو حاتم وغيره ، وفيه كلام لا يضر ، وبقية رجاله رجال الصحيح .
الثاني : عبيد الله بن عمر ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 7 / 208 ) قال : ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، ثنا عبيد بن رباح الأيْلي ، ثنا خلاَّد بن يحيى ، ثنا أبو عقيل ، عن عبيد الله بن عمر . به ، بلفظ : " تجاوز الله لي في أمتي عن ثلاث خصال : عن ما أخطأت ، وعن ما نسيت ، وعن ما استكرهت عليه " .
قال ابن عدي : وهذا عبيد بن رباح ، قال فيه : عن عبيد الله ، وقال غيره : عن خلاَّد ، وعن أبي عقيل ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع .
الثالث : سوادة بن إبراهيم ، أخرجه الخطيب في كتاب الرواة عن مالك ، في ترجمة سوادة بن إبراهيم عنه ؛ وقال سوادة : مجهول ، والخبر منكر عن مالك . ذكر ذلك ابن حجر في التلخيص ( 1 / 282 ) .
وأما حديث ثوبان – رضي الله عنه – : فقد رواه عنه اثنان ، هما :
الأول : أبو الأشعث ، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 2 / 97 رقم 1430 ) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، ثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر ، ثنا يزيد بن ربيعة ، ثنا أبو الأشعث ، عن ثوبان ، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله تجاوز عن أمتي ثلاثة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه " .
وأخرجه أيضاً من طريق يزيد بن ربيعة . الجوزجاني – كما في جامع العلوم والحكم ( 2 / 363 ) – قال الحافظ : ويزيد بن ربيعة ضعيفٌ جداً .
قال الحافظ في التلخيص ( 1 / 282 ) : في إسناده ضعفٌ .
قال الهيثمي في المجمع ( 6 / 250 ) : رواه الطبراني ، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي ، وهو ضعيف .
الثاني : أبو أسماء الرحبي ، أخرجه الطبراني في مسند الشاميين ( 2 / 152 رقم 1090 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق ، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ، ثنا إسماعيل بن عياش ، حدثني راشد بن داود الصنعاني ، عن أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان ، أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
وأما حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه – : فأخرجه ابن عدي في الكامل ( 3 / 325 ) قال : ثنا الفضل بن عبد الله الأنطاكي ، ثنا هشام بن عمار ، ثنا إسماعيل عيَّاش ، عن أبي بكرٍ الهذلي ، عن شهر بن حوشب ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
قال الحافظ في التلخيص ( 1 / 282 ) : في إسناده ضعف .
وأما حديث أم الدرداء – رضي الله عنها – : فأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير ( 2 / 579 ط الباز ) قال : حدثنا أبي ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن شهر ، عن أم الدرداء ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إنَّ الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه " قال أبو بكر : فذكرت ذلك للحسن . فقال : أَجَلْ . أَمَا تقرأ بذلك قرآناً ؟! " ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا " .
قال ابن رجب : وأبو بكر الهذلي ، متروك الحديث .
وأما حديث الحسن البصري ، فجاء عنه من خمسة طرق ، هي :
الأول : من طريق أبي بكر الهذلي ، أخرجه ابن عدي في الكامل ( 3 / 323 ) قال : ثنا الساجي ، ثنا أحمد بن سعيد الهمذاني ، ثنا إسحاق بن الفرات ، عن ابن لهيعة ، عن ابن عجلان ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " تجاوز الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه " .
الثاني : من طريق جعفر بن حيان العطاردي ، أخرجها سعيد بن منصور في سننه ( 1 / 278 رقم 1146 ) قال : نا إسماعيل بن عياش ، قال : حدثني جعفر بن حيان العطاردي ، عن الحسن . قال : سمعته يقول : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " تجاوز الله – عز وجل – لابن آدم عمَّا أخطأ ، وعمَّا نسي ، وعمَّا أُكْرِهَ ، وعمَّا غُلِبَ عليه " .
الثالث : من طريق هشام بن حسَّان ، أخرجها سعيد بن منصور في سننه ( 1 / 278 رقم 1145 ) قال : نا خالد بن عبد الله ، وابن أبي شيبة ( 5 / 49 ) ، وعبد الرزاق في المصنف ( 6 / 409 رقم 11416 ) وفي التفسير ( 1 / 378 رقم 367 ) كلاهما : عن هشام ، عن الحسن ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله – عز وجل – عفا لكم عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهتم عليه " .
وأخرجه عبد بن حميد – كما في الدر المنثور ( 1 / 666 ) – .
الرابع ، والخامس : من طريق منصور ، و عوف ؛ أخرجه سعيد بن منصور في سننه ( 1 / 278 رقم 1144 ) قال : نا هشيم . قال : أنا منصور وَ عوف ، عن الحسن . قال : " إنَّ الله – عز وجل – تجاوز لهذه الأمة عن النسيان ، والخطأ ، وما أكرهوا عليه " .
( يلاحظ أن هذا من قول الحسن ، ولم يرفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – )
وأما حديث الشعبي : فقد قال السيوطي في الدر المنثور ( 1 / 666 ) : وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، والإكراه " .
وأما حديث عطاء : أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 5 / 220 ) قال : أخبرنا يحيى بن سليم ، قال : أخبرنا بهذا الحديث : ابن جريج قال : قال عطاء : بلغني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " . وخرجه الجوزجاني بهذا الإسناد ، كما ذكر ذلك : ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( 2 / 362 ) ، وقال : هذا المرسل أشبه .
وأما حديث عبيد بن عمير : فقد قال ابن رجب في الجامع ( 2 / 362 ) : وقد روي عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير مرسلاً . من غير ذكر ابن عباس . وقد تقدم في الرواة عن : بشر بن بكر .
وأما حديث قتادة : فقد أخرج عبد الرزاق في التفسير ( 1 / 378 رقم 368 ) ومن طريقه ابن جرير الطبري في جامع البيان ( 6 / 132 رقم 6510 ط شاكر ) أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله تعالى : " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " قال : بلغني أن الله تجاوز لهذه الأمة عن نسيانها ، وما حدثت به أنفسها .
حكم بعض الأئمة على الحديث :
1 – المضعفون للحديث :
1 – أبو حاتم ؛ حيث قال في العلل ( 1 / 431 ) : وهذه أحاديث منكرة ، كأنها موضوعة . وقال : ولا يصح هذا الحديث ، ولا يثبت إسناده .
2 – الإمام أحمد ؛ كما في العلل ومعرفة الرجال – رواية ابنه عبد الله – ( 1 / 561 رقم 1340 ) فقد أنكر هذا الحديث ، وقال : ليس يروى فيه إلا عن الحسن ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – .
3 – محمد بن نصر المروزي ؛ نقل ذلك عنه ابن رجب في الجامع ( 2 / 365 ) ، وابن حجر في التلخيص ( 1 / 282 ) حيث قال : ليس لهذا الحديث إسنادٌ يحتج بمثله .
4 – ابن رجب الحنبلي ؛ وهذا ظاهر صنيعه ، ومما يؤيد ذلك : أنه تعقب تصحيح الحاكم بقوله : ولكن له علة .
وقال – أيضاً – عن مرسل عطاء : وهذا المرسل أشبه .
5 – المناوي في فيض القدير ( 4 / 35 ) حيث اعترض على السيوطي تصحيحه ، فقال : رمز المصنف لصحته ، وهو غير صحيح ... .
6 – القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ( 10 / 161 ) قال بعد أن ذكره : والخبر وإن لم يصح سنده ، فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء .
7 – الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي ؛ كما في إصلاح الأربعين ( رقم 39 ) قال : حديث ضعيف .
8 – حيث سئل عن الأحاديث الضعيفة في الأربعين النووية ، فذكره منها . ( الجلسة الأولى ) وعرضت على الشيخ بتاريخ 24 / 5 / 1421 .
9 – وقد سمعت شيخنا الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد ، وكأنه يميل إلى تضعيفه .
2 – المثبتون لهذا الحديث :
1 – ابن حبان ؛ حيث أخرجه في صحيحه .
2 – وابن حزم ؛ وقد تقدم نقل كلامه .
3 – الضياء المقدسي ؛ حيث أخرجه في المختارة .
4 – والحاكم في المستدرك .
5 – والنووي ؛ قال في الأربعين ( رقم 39 ) ، وفي الفتاوى ( 138 ) حديث حسن ، زاد في الفتاوى : ( حجة ) ، وقال في المجموع ( 6 / 309 ) : رواه البيهقي بأسانيد صحيحة .
6 – السخاوي في المقاصد ( 240 ) : قال : ومجموع هذه الطرق يظهر أن للحديث أصلاً ، لا سيما وأصل الباب حديث أبي هريرة في الصحيح من طريق زرارة بن أوفى عنه بلفظ : " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به ، أو تكلم به " ...
8 – وابن حجر ؛ حيث قال عن حديث ابن عباس : رجاله ثقات ، إلا أنه أعل بعلة غير قادحة .
7 – وابن كثير ؛ وقد تقدم نقل كلامه .
9 – السيوطي ؛ كما قال في الأشباه والنظائر ( 339 ) : فهذه شواهد قوية ، تقضي للحديث بالصحة . ورمز له في الجامع الصغير بالصحة ، كما في فيض القدير ( 4 / 34 ) .
10 – أحمد شاكر ؛ نقل ذلك عنه الألباني في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) .
11 – الألباني ؛ قال عنه في الإرواء ( 1 / 123 رقم 82 ) : صحيح .
12 – أحمد بن الصديق الغماري ؛ حيث ألَّف رسالةً بعنوان : " شهود العيان ، بثبوت حديث " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " ، وقال واصفاً لكتابه – وذلك في الهداية في تخريج أحاديث البداية ( 1 / 168 ) – : في جزءٍ خصصته لبيان صحة هذا الحديث .
هذا ما تم تحريره ، وجمعه في 7 / 7 / 1422
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .