تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المثقف العربي وبناء الوعي الجماهيري



أبو البراء محمد علاوة
2020-08-28, 04:10 PM
المثقف العربي وبناء الوعي الجماهيري

يظن بعض المثقفين العرب أن مهمتهم مقصورة على مجرد القراءة والاطلاع والعمل الأكاديمى الذى يستفيدون منه علميًّا وثقافيًّا، ويُفيدون النخبة الفكرية التي ينتمون إليها. وهذا التوجه - في اعتقادي - توجهًا غير صحيح؛ فينبغى للمثقف العربى أن يشارك خارج إطار الأكاديمية والنخبة في تنمية الوعي الثقافي لدى جماهير الأمة.
فالمثقف المنكفئ على نفسه، المتقوقع في إطارها، ما أبعد الأمة عن الإفادة منه، وما أبخله على خدمة دينه ووطنه وأبناء أمته، ومثل هذا المثقف يموت ويحيى دون أن يكون له أثر أو بصمه في الرقى ببلاده وأمته.
فمثلًا: كثير من المثقفين يقدم دراسات ميكروسكوبية أكاديمية ينفق فيها السنين من عمره لتظل حبيسة المكتبات المتخصصة، ولا يستفيد منها إلا النخبة المثقفة، والتي تنتمى لنفس مجاله، فهل فكر هذا المثقف المنعزل عن أمته في تبسيط ما وصل إليه من نتاج عقلي وعلمي لجماهير الأمة؟!هل فكر في توطئة ذلك لعامة الناس - ممن لديهم قدر معرفى يؤهلهم لهذا - حتى يمكن أن يستفيدوا منه ولو بنسبة بسيطة؟!.
ولعل ما تقدم يطرح سؤالًا: ما هي حدود دور المثقف؟ وهل هو مطالب بدور أكثر فاعلية؟ والإجابة المنطقية أن دور المثقف لا يقف عند نفسه ومن حوله من نخبة فقط، فزكاة العلم تبليغه، والأمة بحاجة ماسة إلى جهود المثقف الواعى ومن ثم فهو مطالب بدور أكثر فاعلية لتنمية الوعي الثقافى بين بنى جلدته وفى محيطه الكبير.
فأنت أيها المثقف قد تقرأ عشرات الكتب والأبحاث ويتاح لك من فنون المعرفة ما لم يتح لغيرك؛ فينبغى أن تعلم أن ما أنت فيه نعمة، وأن هناك غيرك من لا يستطيع أن يقرأ ويتعلم بسبب ضيق الوقت، أو عدم قدرته على ذلك لأى سبب، فأنت مطالب بنقل خبرتك وعلمك لمثل هؤلاء، شعورًا منك بمسؤليتك تجاه أبناء أمتك، فمثلًا: لو أنك داعى لدين الله، تخطب في الناس وتلقى الدروس، فعليك أن تتفنن في تحضير دروسك وخطبك ثم تتقن في طريقة عرضها وإيضاحها وتبسيطها للناس حتى تتم الفائدة، فيُعلم المتعلمُ غيرَ المتعلم، ويُعرف العارفُ غيرَ العارف، وينقل المثقف ثقافته الرفيعة - بقدر الطاقة - لعامة جماهير الأمة.
فأنت كداعى تستطيع أن تقرأ كتابًا مهمًا يفتح الطريق للناس ويشحذ الهمم.. تقرأه ثم تلخصه ثم تعرضه في درس أو خطبة جمعة مؤثرة؛ فتكون بذلك ناشرًا للوعى الثقافي المحترم بين الناس، فأنت قرأت وفهمت وبسطت ثم عرضت هذا على جماهير الأمة التي قد لا يتمكن أغلبها من قراءة ما قرأت أنت وفهم ما فهمت أنت، لكنهم قد يستطيعون نشر ما عرفوه منك بين ذويهم وفى محيطهم ومن ثم يعم الخير وينتشر الوعى ويُحارب الجهل والتخلف.وقس على هذا في باقي المجالات، فالمثقف الذى يفرح بطرح صورة على الفيس بوك ومواقع التواصل يمكنه أن يفرح أكثر ويُفرح غيره بنشر معلومة مبسطة، أو نقل خبرة، أو تلخيص كتاب، أو تصوير فيديو بسيط ينشر رأيًا، أو يعرض لفكرة، أو يشرح معلومة، أو يفتح مغلقًا.. وبذلك يُنمي الوعي الثقافي في مجتمعات بحاجة ماسة إلى ذلك.
إننا لو نظرنا إلى مجموع المثقفين العرب في مقابل عامة الناس وبساطتهم لوجدنا أن البون شاسع فالمثقفون قلة قليلة وغيرهم كثرة كاثرة وهذا يوضح حجم المشكلة التي يعانيها عالمنا العربي المعاصر، فغير المثقف قد يمثل طاقة سلبية تَرجع بالمجتمع للوراء ولا تستطيع أن تحقق طموح الأمة في الرقي والتقدم؛ وبالتالي لا يوجد حل - في اعتقادي - إلا إطلاع المثقف بدوره في نشر المعرفة وتبسيطها لهؤلاء؛ من أجل الأخذ بأيدهم من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى التي لديها قسط من المعرفة والثقافة.
فعلى المثقف العربي - مثلًا - الذى يقدِّم كتبًا ومقالات وأبحاث علمية أكاديمية.. عليه أن يقدم بالتوازي مع ذلك كتبًا ومقالات وأبحاثًا شعبية تستطيع أن تصل لجماهير الناس، وتساعد في الرقى بالمجتمع وأبنائه، فلا مانع أبدًا أن يكتب مؤرخ كتابًا علميًّا، ويحاول في المقابل أن يبسطه في كتاب شعبي؛ فيوجد بذلك نسختان من نفس الكتاب، كتاب للنخبة، وآخر للبسطاء؛ لأن الغاية الكبرى للعلم نشره بين الناس وإفادة المجتمع منه والإسهام في تقدم الأمة وإلا فما قيمة الثقافة والمثقفين والأكاديمية والأكاديميين إذا كانوا لا يخدمون إلا أنفسهم، وأنفسهم فقط.كم من غير عارف بالأخلاق والسلوك القويم والتصرف الحضارى؟!
كم ممن لم يجد من يأخذ بيديه فضاع في لغة دارجة عامية تميزت بالبذاءة وسلاطة اللسان؟!
كم من مشرد فكريًّا ضاع في أوهام الإلحاد؟!
كم من إنسان خرج للدنيا غير متعلم وغير عارف بالأخلاق الكريمة فصار مفسدة في المجتمع لنفسه ولغيره؟!
ألا تعتقد معى أن هؤلاء بحاجة إلى المثقف الذكي، الذى يستطيع أن يصل إلى قلوبهم؛ فيأخذ بأيدهم لطريق رشيد، ويخرجهم من الظلمات إلى النور.
تُرى.. هذا الشاب الذى يعتدي على عرض فتاة.. أو هذا السارق الذى يأخذ قوت غيره.. أو هذا القاتل.. الذى ذهب ليسرق فكشف أهل الدار أمره.. فقتلهم فتحول من سارق لقاتل.. أقول: تُرى هل كان هؤلاء ضحية الأمية، وعدم المعرفة؟
هل كانوا ضحية من تعلم ثم لم يحرص على نشر علمه بين الناس؟!
لا شك أن جهل هؤلاء - في غالبهم - سبب رئيس - وإن تعددت الأسباب - في انحرافهم عن الجادة.. ومن هنا تبرز أهمية دور المثقف في نشر الوعي بين الناس والأخذ بيدى هؤلاء وتحويلهم من طاقة سلبية إلى طاقة إيجابية منتجة.ولعل أول المستفيدين من نشر الوعي في المجتمع المثقف نفسه الذى حرص على نشر ما تعلَّمه؛ لأن المثقف الحق هو من أحب أن يعيش في بيئة صحية سليمة، ولا يتحقق هذا إلا بنشر المعرفة وتيسرها على الناس، وقيام المثقف بدوره كما ينبغي أن يكون.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/141604/#ixzz6WPzqk4DJ (https://www.alukah.net/culture/0/141604/#ixzz6WPzqk4DJ)