مشاهدة النسخة كاملة : معنى الإسلام
محمدعبداللطيف
2020-08-20, 12:31 PM
قال الامام ابن باز رحمه الله
الإسلام: هو الاستسلام لله والخضوع له بفعل أوامره وترك نواهيه، هذا هو الإسلام إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ[آل عمران:19] الإسلام يعني: الانقياد والذل لله بتوحيده والإخلاص له، وطاعة أوامره وترك نواهيه، هذا هو الإسلام، ومن ذلك: أداء الصلاة.. أداء الزكاة.. صوم رمضان.. حج البيت.. بر الوالدين.. صلة الرحم.. ترك المعاصي كلها داخلة في الإسلام، وسمي دين الله إسلامًا؛ لأنه ذل لله وانقياد لطاعته وترك لمعصيته فلهذا قيل له: الإسلام، يقال: أسلم فلان لفلان يعني: ذل له وانقاد لأوامره، فالإسلام: هو الانقياد لأوامر الله والطاعة لأوامر الله عن خشوع وعن ذل وعن انكسار وعن رغبة فيما عند الله مرضاة له جل وعلا
محمدعبداللطيف
2020-08-20, 12:33 PM
قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩].
وقال تعالى:﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)﴾ [آل عمران: ٨٥].
وقال تعالى: ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِين
وقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّين َ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: ٢٠].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النساء: ١٢٥].
والإسلامُ معناه: إخلاصُ الدينِ للهِ عز وجل والانقيادُ لأوامرِه وأحكامِه.
وهو عقيدةٌ وشَريعةٌ؛ فالعقيدةُ مَبْناها على العلمِ الصحيحِ، والشريعةُ أحكامٌ يَجِبُ على العبدِ امتثالُها.
قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: ٥].
فلا يكونُ العبدُ مُسلمًا حتى يَجْمَعَ أمرين:
الأمر الأول: إخلاص الدينِ للهِ عز وجل؛ فيُوَحِّدُ اللهَ ويَجْتَنِبُ الشِّركَ.
الأمر الثاني: الانقياد للهِ تعالى، بامتثالِ أوامرِه واجتنابِ نَواهيهِ.
فمَن وحَّد اللهَ وانقادَ لأوامرِه فهو مُسْلِمٌ.
وبهذا تَعْرِفُ أن المُشْرِكَ غيرُ مسلمٍ؛ لأنه لم يُخْلِصِ الدينَ للهِ عز وجل.
والمُسْتكبِرُ عن عبادةِ اللهِ غيرُ مُسلمٍ؛ لأنه مُمْتنِعٌ غيرُ مُنقادٍ لأوامرِ اللهِ جل وعلا.
قال اللهُ تعالى: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُم ْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
محمدعبداللطيف
2020-08-20, 12:36 PM
الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية وربط به هدايتهم، وحكم على من ابتغى غيره من الأديان بالخسارة، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19}، وقال تعالى: وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ {آل عمران:20}، وقال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}، وقال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81}، وقد وصف الله تعالى المتمسكين بدينه الحق بالإسلام سواء كانوا أنبياء أو أتباع الأنبياء، فقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم ويعقوب أوصيا بالموت على الإسلام، وأن إبراهيم كان من المسلمين، وذلك حيث يقول تعالى في شأن إبراهيم: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {البقرة:131-132}. وأخبر أن بني يعقوب أقروا على أنفسهم بالإسلام فقال: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة:133}، وأخبر أن إبراهيم وإسماعيل كانا يقولان في دعائهما: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وقد وصف إبراهيم بالإسلام ونفى عنه اليهودية والنصرانية، فقال: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {آل عمران:67}، وأخبر أن سحرة فرعون بعد إسلامهم دعوا الله تعالى فقالوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {الأعراف:126}، وأخبر أن نوحا عليه السلام قال في خطابه لقومه: فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {يونس:72}، وأخبر أن موسى عليه السلام قال في خطابه لبني إسرائيل: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ {يونس:84}، وأخبر أن سليمان عليه السلام قال في رسالته لسبأ: إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {النمل:30-31}، ووصف سبحانه وتعالى بيت لوط بالإسلام، فقال فيهم: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ {الذاريات:36}، وأخبر تعالى أن الحواريين أشهدوا عيسى على إسلامهم، فقال: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران:52}.
وبهذا يُعلم أن الإسلام وهو الاستسلام لأمر الله تعالى وعبادته وحده هو دين الأنبياء جميعاً، فقد اتفقت كلمتهم على الدعوة إلى عبادة الله وحده، ولكن اختلفت الشرائع فقد يباح لقوم ما يحرم على آخرين والعكس، ويباح في زمان ما يحرم في آخر لما يعلمه سبحانه من مصالح العباد، والإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم امتداد لدين الله الذي شرعه للبشر من قديم الزمان وناسخ لما قبله من الشرائع، فلا يقبل من أحد دين غيره بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما تسمية اليهود يهوداً فإنها -كما قال بعض أهل العلم- مأخوذة من اسم ولد يعقوب الذي ينتمون إليه، وكان اسمه يهوذا، وقيل غير ذلك.
وسمي أتباع دين النصرانية بالنصارى نسبة إلى بلدة الناصرة في فلسطين، والتي ولد فيها المسيح عليه السلام، أو لأنهم نصروا عيسى عليه السلام، واليهودية والنصرانية ديانتان سماويتان، وكانتا صحيحتين قبل دخول التحريف والتبديل عليهما،- الاسلام سؤال وجواب
محمدعبداللطيف
2020-08-20, 12:46 PM
قال الامام ابن القيم – رحمه الله -: (الإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك، والإيمان بالله ورسوله وأتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا، فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً، فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله، إما عناداً أو جهلاً وتقليداً لأهل العناد)
فما لم يأت العبد بهذا، فليس بمسلم،نعم لا إسلام الا بتوحيد الله - هذا هو الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم - الإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك، والإيمان بالله ورسوله وأتباعه فيما جاء به
الاسلام هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والطاعة ونبذ ما سواه من المعبودات الباطلة هو لب دين الإسلام، وهو المقصود من الشهادتين، هذا هو باب الدخول فلابد لدخول الإسلام . من النفى والاثبات ترك عبادة غير الله ثمَّ عبادة الله وحده فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله العبادة، فلا يسمى موحداً، بل هو كافر
محمدعبداللطيف
2020-08-20, 12:53 PM
قال الامام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله
: (الاسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبَرَاءَةُ مِنَ الشِّركِ وَأَهْلِهِ).
الشرح الإجمالي: (هو): أي الإسلام العام: (الاستسلام لله) لا لغيره، فالمستسلم لله ولغيره مشرك، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر، ويكون الاستسلام (بالتوحيد)، وهو إفراد الله جل وعلا بالعبادة، فمن عبَد الله وحده لا شريك له، فقد استسلم له، (و) مع استسلام العبد بالتوحيد لله يجب عليه: (الانقياد) والإذعان (له)؛ أي: لله جل وعلا (بالطاعة)؛ وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأن الطاعة طاعة في الأمر بفعله، وطاعة في النهي بتركه، (و) هذا الاستسلام والانقياد يتضمن (البراءة) بأن يتبرأ المسلم (من) أعمال وأقوال (الشرك)، ويعتقد بطلانها، (و) يتبرأ من (أهله) معاديًا لهم، غير متشبه بهم في قول أو فعل، وهذه هي حقيقة الإسلام
الشرح التفصيلي: بيَّن المصنف هنا تعريف الإسلام بمعناه العام؛ فقال في تعريفه: (وهو: الاستسلام لله بالتوحيد)، ولو قال: (وهو: الإسلام لله بالتوحيد)، لصحَّ تعريفه، فالإسلام لله، والاستسلام لله بمعنى واحد؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 54]، وقوله: (بالتوحيد): يشمل: توحيد الله جل وعلا في ألوهيته، وفي ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، والمقصود الأخص من هذه الثلاثة هو: توحيد الألوهية والعبادة؛ لأن الخصومة وقعت فيه، وهذا التوحيد متضمن لتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات؛ فالاستسلام لله بالتوحيد معناه: الإذعان والانقياد والخضوع لله بتوحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ؛
فالاستسلام لله جل وعلا يجمعُ معنيين:
أحدهما: الانقياد لله، وهذا يتضمن الاستسلام لأمره، ولنهيه، ولقضائه؛ فيتناول فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور.
والثاني: إخلاص ذلك لله؛ كما قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29]؛ أي: خالصًا له، ليس لأحدٍ فيه شيء، وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه، فمن لم ينقد لربه ويستسلم له لم يكن مسلمًا، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلمًا، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، فالإسلام هو أن يستسلم العبد لله رب العالمين، فلا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا يستكبر عن عبادته وطاعته وطاعة رسله؛ فالإسلام ينافي الشرك والكبر
قال المصنف: (والانقياد له بالطاعة): فلا يكون المرء مسلمًا إلا بانقياده لله جل وعلا ظاهرًا وباطنًا، فهذا هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله كما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة، فمن أسلم وانقاد بظاهره دون باطنه فهو منافق، والانقياد لله من لوازم الاستسلام لله تعالى، وإنما أفرده المصنف بذكر مستقل؛ لأنه أراد أن يحصل في هذا التعريف الإحاطة بالإسلام الظاهري والباطني. قال المصنف: (والبراءة من الشرك وأهله). أصل معنى البراء في اللغة: التباعد من الشيء ومزايلته ومفارقته ويدل هذا التعريف على أن الإسلام لا يتحقَّق بدون البراءة من الشرك وأهله، فلا يحصل تمام الاستسلام لله بالتوحيد إلا بالبراءة من الشرك وأهله؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]، فجَعَل الاستمساك بالعروة الوثقى مُرَتبة على الأمرين: الإيمان بالله تعالى، والكفر بالطاغوت، والكفر بالطاغوت هو: بُغضه، والبراءة منه، ومعاداة أهله، وهم أهل الشرك.
وأصل البراءة: بُغض القلب للشرك وأهله، ويتبع هذا البغض تكفير من كفَّره الله جل وعلا ورسوله، ومعاداتهم، وجهادهم عند مشروعية الجهاد، فالبراءة من الشرك أصلها البغض، ويَتْبَعُ البغضَ أشياءُ، هي: المعاداة، والتكفير، والمقاتلة، وكلها تَبَعٌ للعلم، فالعامة - وهم من ليسوا علماء - عليهم من البراءة أصلها وهو البُغض، وأما فروعها فإنما هي بحسب درجات العلم، فلا بد أن يُبْغِض الشرك، فلو كان يحب الإسلام وأهله، ولكنه لا يبغض الشرك وأهله، فإنه ليس بمسلم، وقد يبغض الشرك وأهل الشرك باعتبار الأصل، لكنه يحب بعض المشركين لغرض من أغراض الدنيا، فهذا ليس بمشرك، وإنما ناقصٌ إسلامه، وقد ورد في بعض نسخ رسالة: "ثلاثة الأصول" عبارة: (والخلوص من الشرك) بدلًا من: (والبراءة من الشرك وأهله)، وهذه ليست في النسخ المعتمدة، وإنما الموجود في النسخ المعتمدة: (الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله)، ولفظ (البراءة من الشرك وأهله)، أدل على المراد من لفظ: (الخلوص من الشرك)؛ لأن الخلوص من الشرك إنما هو خروج عن الشرك، وليس فيه معنى البراءة من الشرك وأهله، ويؤيده أن هذا اللفظ هو المناسب للاستدلال الذي استدل به الشيخ لاحقًا، وهو قوله تعالى في سورة الزخرف: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾ [الزخرف: 26]، فذَكَر في الآية لفظ البراءة، وهو الذي يناسب هذا التعريف فالتعبير بالبراءة أولى من التعبير بالخلوص؛ لأنها هي الواردة في الخطاب الشرعي، ولأن الخلوص لا يدل على وفاء الترك كما يدله لفظ البراءة؛ فإن لفظ البراءة أدل على الموافاة بترك ما يُباين ذلك بخلاف لفظ الخلوص، فلا يدل على ذلك بالقوة نفسها
والإسلام الشرعي له إطلاقان: أحدهما: عام، وهو الدين المشترك لجميع الأنبياء والرسل،
فالإسلام العام هو دين الأنبياء جميعًا، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الذي بُعث به جميع الأنبياء، وخوطب به جميع الخلق، وقد عرَّفه المصنف هنا بقوله: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وحقيقته: هو الاستسلام لله بالتوحيد، فالجملتان الآتيتان بعده من الانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، هما من جملة الاستسلام لله، فإن العبد إذا استسلم لله انقاد له بالطاعة، وبَرِئَ مِن الشرك وأهله، لكن صُرِّح بهما اعتناءً بهما
والآخر: خاص، وله معنيان أيضًا:
أولهما: ما اختصَّ به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والشرعة والمنهاج؛ فإنه يسمى إسلامًا.
والثاني: الأعمال الظاهرة، فإنها تسمى إسلامًا، وهذا المعنى هو المقصود إذا قُرِنَ الإسلام بالإيمان والإحسان
والمصنف رحمه الله تعالى جمع في تعريفه للإسلام بمعناه العام بين الحقيقة الشرعية للإسلام وأصوله، والمعاني اللغوية التي ذكرها اللغويون في تعريفه من الإخلاص والانقياد والسلامة والبراءة، وهو أفضل من عَرَّف الإسلام، وأتى بحقيقته وأوضَحه وفسَّره، وبين أصوله وقواعده، بتعريف جامع مانع، فلا يصح إسلام العبد حتى يوحِّد الله جل وعلا، وينقاد له بالطاعة، ويتبرأ من الشرك وأهله[فهد ابن بادى المرشدى ]
محمدعبداللطيف
2020-08-20, 12:59 PM
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح الأصول الثلاثة
الاسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. ا.هـ
هذا معنى دين الاسلام اما معنى الآية الكريمة (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
فقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره:
»اخبار منه تعالى بانه لا دين عنده يقبله من احد سوى الاسلام
وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم
الذي سد جميع الطرق اليه الا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم
فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل،
كما قال تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران 85]
وقال في هذه الآية مخبرا بانحصار الدين المتقبل عنده في الاسلام:
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) ا.هـ.
محمدعبداللطيف
2020-08-20, 01:27 PM
أصل كلمة الإسلام: أسلم ، قال تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83) وقال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112) . وقال عز وجل: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً)(الجـن: من الآية14) وقال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131) وقال سبحانه: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ )(آل عمران: من الآية20) . وقال عن ملكة سبأ: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(ا لنمل: من الآية44) .
وقال زيد بن عمرو بن نفيل: أسلمتُ وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثِقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المُزْنُ تحمل عذبا زُلالا
ومعنى أسلم: استسلم وانقاد وأخلص
قال ابن جرير الطبري: وأما قوله (من أسلم وجهه لله) فإنه يعني بإسلام الوجه التذلل لطاعته والإذعان لأمره . وأصل الإسلام الاستسلام لأنه مِن (استسلمتُ لأمره) وهو الخضوع لأمره.
وإنما سمي المسلم مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه.
وكما قال زيد بن عمرو بن نفيل: وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا. يعني بذلك استسلمت لطاعة من استسلم لطاعته المزن وانقادت له.انتهى
فالإسلام هو : الاستسلام الخالص لله عز وجل.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : والإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره، فمن استسلم له ولغيره فهو مشرك، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر، وكلاهما ضد الإسلام . انتهى
وقال البغوي رحمه الله: والإسلام هو الدخول في السِّلم ، وهو الانقياد والطاعة ، يقال: أسلم أي دخل في السلم واستسلم ، قال قتادة في قوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله تعالى ، وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ، ودلَّ عليه أولياءه ، فلا يقبل غيره ولا يجزي إلا به. انتهى
فدين الإسلام يتضمن معنيين لايقوم إلا بهما:
1. الاستسلام والانقياد والطاعة والاتباع ، وضدها الاستكبار
2. الإخلاص ، وضده الشرك
فالإسلام هو الاستسلام لله وحده من غير إشراك به أو استكبار عن الانقياد له.
فالاستكبار أخرج إبليس -عليه لعنة الله- من الإسلام وصار من الكافرين ، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34)
والإشراك أخرج خلقا كثيرا كانوا على الإسلام فصاروا مشركين بالله ، وذلك باستسلامهم وانقيادهم لله ولغير الله ، كما حدث مع قوم نوح لما عبدوا مع الله ما زينته لهم الشياطين ، وما حدث مع العرب لمّا خرجوا عن ملة إبراهيم بطاعة من جعلوهم شركاء مع الله يقبلون ما شرعوا لهم من الدين الذي لم يأذن به الله ، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: من الآية21)
وكما حدث مع أهل الكتاب لما خرجوا عن دين موسى وعيسى بطاعة أحبارهم ورهبانهم فيما شرعوه لهم مخالفا لشرع الله ، قال عز وجل: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31)
فهذا الاتباع والانقياد لتشريع غير الله عز وجل هو استسلام لغير الله يناقض الإسلام لله رب العالمين دين إبراهيم الحنيفية السمحة ،
والمعنى الصحيح للإسلام كما يقرره الله تعالى هو الاستسلام لله وحده بعبادته وحده وطاعة رسوله ، والدليل قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر:29)
هذا المثل ضربه الله عز وجل يبين به الفرق بين المسلم الموحد الذي يعبد إلها واحدا ، وبين المشرك الذي يعبد آلهة غير الله؛ فالعبد الذي يطيع سيداً واحداً هو مثل المسلم الذي لا يعبد إلا الله ، ففيه دليل على أن الإسلام هو الاستسلام لله وحده.
ومن المعلوم أن العلاقة بين العبد وسيده تقوم على الطاعة والامتثال من العبد والأمر والنهي والتوجيه من السيد.
فالعبد الذي له سيد واحد كالمسلم له رب واحد ومعبود واحد لا يعبد غيره.
والعبد الذي له أكثر من سيد كالمشرك له أكثر من إله يعبده مع الله.
والإسلام هو ملة إبراهيم عليه السلام ، (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131) ، أي أسلمت لله وحده. وكذلك أمر الله عز وجل نبينا أن يقول: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّين َ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا )(آل عمران: من الآية20)
فالذي يدين بالإسلام يستسلم وينقاد ويتبع ويحكِّم شرع الله ، ولا يستكبر عن عبادة الله ، ولا يستسلم وينقاد ويتبع ويحكِّم غير شرع الله.
فالمسلم من استسلم لله وحده ، وأخلص عبوديته له بقبول شرعه والانقياد له ورفض ما سواه والكفر به.
أما من استسلم لله واستسلم لغيره فقد جعل العبودية لله ولغيره ، ولا يمكن أن يكون هذا مسلما لله حتى يفرد الله بالاستسلام والعبودية ويكفر بعبودية غيره.
فقبول التشريع من غير الله هو عبودية لغير الله ، والله عز وجل يقول: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوس ف: من الآية40)
وقال تعالى:(اتَّبِعُو ا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (لأعراف:3) وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
يقول الإمام الطبري: يقول تعالى ذكره وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) وأمركم بالوفاء به هو صراطه: يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده.
(مستقيما) يعني قويما لا اعوجاج به عن الحق
(فاتبعوه) يقول فاعملوا به واجعلوه لأنفسكم منهاجا تسلكونه.
(فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) يقول: ولا تسلكوا طريقا سواه ولا تركبوا منهاجا غيره ولا تبغوا دينا خلافه ، من اليهودية والنصرانية والمجوسية ، وعبادة الأوثان ، وغير ذلك من الملل فإنها بدع وضلالات.
(فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) يقول: فيشتت بكم - إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا أديان- إتباعكم عن سبيله ، يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء والأمم قبلكم . انتهى
وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) قال الضحاك: يعني لا يقبل الله من جميع الخلق من أهل الأديان دينا غير الإسلام ، ومن تدين بدين غير دين الإسلام (فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) أي من المغبونين؛ لأنه ترك منزله في الجنة واختار منزله في النار. انتهى
ويقول الشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. انتهى
هذا هو مفهوم الإسلام وقد سبق أن قلنا أن أصل الإسلام هو التوحيد وهو معنى كلمة الإخلاص لا إله إلا الله إحدى الشهادتين وتليها شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين الذي جاء به خاتم المرسلين ولا يتحقق إلا بهما.
يقول ابن تيمية رحمه الله : فعلى العبد أن يعبد الله مخلصا له الدين ، ويدعوه مخلصا له ، لا يسقط هذا عنه بحال ، ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد ، وهم أهل لا إله إلا الله.
فهذا حق الله على كل عبد من عباده ، كما في الصحيحين من حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ( يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده) قلت: الله ورسوله أعلم ، قال ( حقه عليهم أن يعبدوه لايشركوا به شيئا) ، الحديث
فلا ينجونَّ من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصا له الدين ، ومن لم يشرك به ولم يعبده ، فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره كفرعون وأمثاله ، فهو أسوأ حالا من المشرك ، فلابد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره . انتهى
وقال رحمه الله في التحفة العراقية :
وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام ، إذ الإسلام هو الاستسلام لله لا لغيره ، كما قال تعالى (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا) الآية فمن لم يستسلم له فقد استكبر ، ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك ، وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام ، والإسلام ضد الشرك والكبر ، وذلك في القرآن كثير ، ولهذا كان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، وهي متضمنة عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد من الأولين والآخرين دينا سواه . انتهى
ويقول رحمه الله في موضع آخر:
فمن بلغته رسالة محمد فلم يقر بما جاء به لم يكن مسلما ، ولا مؤمنا بل يكون كافرا ، وإن زعم أنه مسلم أو مؤمن.
..... إلى أن قال:
فهذا أصل عظيم ، على المسلم أن يعرفه ، فإنه أصل الإسلام الذي يتميز به أهل الإيمان من أهل الكفر ، وهو الإيمان بالوحدانية والرسالة: شهادة أن لا اله إلا الله ، وأن محمد رسول الله. وقد وقع كثير من الناس في الإخلال بحقيقة هذين الأصلين أو أحدهما مع ظنه أنه في غاية التحقيق والتوحيد ، والعلم والمعرفة .
فإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله إن لم يقترن به إقراره بأنه لا اله إلا الله ، فلا يستحق العبادة أحد إلا هو ، وأن محمدا رسول الله فيجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر. انتهى
فالمسلمين من أول الخليقة إلى قيام الساعة دينهم واحد ، وهو الإسلام العام الذي أصله وأساسه شهادة أن لا اله إلا الله عقيدة وقولا وعملا. والذي جمعهم في قافلة واحدة ليس هو مجرد الاسم فقط ، ولكنه الدين الواحد لرب واحد ، أي الاستسلام الخالص لمعبود واحد.
وليس هو الانتساب للمسلمين ، والتسمي باسمهم ، ونطق اللسان بشهادتهم ، دون الإيمان بما آمنوا به والاستسلام الخالص لمن أسلموا له.
، فإن الرجل لا يكون مسلما إلا بالاتباع ، وليس بمجرد الاسم والانتساب، قال تعالى حكاية عن إبراهيم: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (ابراهيم: من الآية36) . وقد كان نزول هذه الآية ردا لمن ادَّعوا أنهم على ملة إبراهيم وليسوا هم في الحقيقة متبعين لملته عليه السلام.
قال ابن جرير الطبري: وقوله (فمن تبعني فإنه مني) ، يقول فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك ، وإخلاص العبادة لك ، وفراق عبادة الأوثان ، (فإنه مني) يقول: فإنه مُسْتَنٌ بسنتي ، وعامل بمثل عملي. انتهى
وقال أبو الليث السمرقندي: (فمن تبعني فإنه مني) ، يعني: من آمن بي فهو معي على ديني ويقال فهو من أمتي ، (ومن عصاني) ، يعني لم يطعني ولم يوحدك (فإنك غفور رحيم) إن تاب وأن توفقه حتى يسلم. انتهى
وقال الرازي في التفسير الكبير: (فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى) وذلك يفيد أن من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه. انتهى
اما المفهوم العلماني للدين ،
فالعلمانيون يحصرون الدين في العلاقة بين العبد و ربه ويختزلونه في آداء الشعائر التعبدية من صلاة وصوم وزكاة وحج ونحوها، ويفصلون الدين عن نظام الدولة وواقع الحياة ، ويحاولون كل جهدهم أن يُفهموا الناس أن الإسلام مجرد طقوس تعبدية وأخلاق جميلة وأنه لا علاقة له بتنظيم واقع الناس وتسيير حياتهم وتحديد المنهج والنظام الذي يسيرون عليه ، لا علاقة له بالطواغيت الذين بدلوا شريعة الرحمن ولا علاقة له بما يشرعونه من احكام ولا بالتحاكم اليها
ينصون فى الدستور أن الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد وأن القرآن هو شريعة المجتمع وتجد في واقع الحياة أن السيادة والحكم للقانون الوضعي البشري
إسلام ولكن لمن؟!! لله أم للقانون؟!! أم جزء لله وجزء للقانون؟!!
تعالى الله عما يشركون
( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء: من الآية60)
معنى ان الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد والقرآن هو شريعة المجتمع - معناه الخضوع لاحكام الله
اما اذا كانت الطاعة فى التشريع والتحليل والتحريم للاحبار والرهبان والدساتير-فهذه عبادة لغير الله
(وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)
إذا تحررنا من المفهوم العلماني - إلى المفهوم الصحيح الذي بينه لنا ربنا الذي شرع لنا هذا الدين، استطعنا وبكل سهوله ويسر ان نفهم معنى الاسلام الصحيح المنزل من عند الله
الذى هو الاستسلام الكامل لله عز وجل والاتِّباع لشريعته وحده في جميع مجالات الحياة والاحتكام له وحده في تنظيم الحياة كلها.
فالإسلام إيمان بالله وحده وكفر بالأرباب والآلهة والأنداد المعبودة من دونه.
فالإسلام ليس مجرد عقائد غيبية وعبادات روحية وأخلاق زكية بل هو منهج ونظام كامل متكامل ينظم حياة المسلمين كلها، فالذي شرع لنا الصلاة والزكاة والصوم والحج هو الذي شرع لنا أحكام الزواج والطلاق وما يتعلق بها وهو الذي شرع لنا أحكام المعاملات مع بعضنا ومع غيرنا في السلم والحرب وهو الذي شرع لنا أحكام الحدود والعقوبات،فدعائ نا لله عبادة وذبحنا لله عبادة واستغاثتنا بالله عبادة وصلاتنا لله عبادة ومعاملاتنا في البيع والشراء وفق شرع الله عبادة وقطعنا يد السارق وجلدنا لشارب الخمر ورجمنا للزاني عبادة ، ولن نكون مسلمين لو اتبعنا شريعة الله في الصلاة والزكاة والصوم والحج واتبعنا شريعة غيره في الحدود والعقوبات والمعاملات.
فالدين لن يكون ديناً يرضاه الله إلا إذا كان خالصا لله وحده ، ولن يكون خالصا لله حتى تكون العبادة كلها لله فالطاعة والحكم والتحاكم والاتباع كله لله وحده، فلا نعبد غيره ولا نحتكم لسواه
فإذا فهمنا الإسلام بهذه الصورة وطَبَّقناها في واقع حياتنا ورفضنا أي مفهوم وصورة أخرى للإسلام ففي هذه الحالة فقط نكون قد أسلمنا لله كما يريد ربنا وخالقنا ، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125) وقال عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162: 163) الصلاة والنسك والحياة كلها والممات أيضا لله وحده دون شريك . هذا هو دين الإسلام ملة إبراهيم دين النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
هذا هو الإسلام لا كما يريده العلمانيون
هذا هو الذى فهمه زيد بن عمرو بن نفيل ى أن يكون مسلما لله قال:
أسلمتُ وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثِقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المُزْنُ تحمل عذبا زُلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة *** أطاعت فصبت عليها سِجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الريح تصرف حالا فحالا
فهل أسلمت الأرض والمزن والريح لأحد غير الله ، فكيف يستسلم من يزعم الإسلام لغير الله خالقه ورازقه ومدبر أمره.
فإذا كنت تقر بأن الله وحده خالقك ومالكك ورازقك ومدبر أمرك ومصرف حياتك ومميتك وباعثك ومحاسبك ومجازيك فكيف تعطي لمخلوق ضعيف مثلك نصيباُ من حياتك يتصرف بها كيف يشاء أين ذهبت العقول ؟
قال الله تعالى: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف39 :40) وقال تعالى: (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (يّـس22: 23: 24 :25) قال زيد بن عمرو بن نفيل:
أرباً واحدا أم ألف ربٍّ **** أدين إذا تقسَّمتِ الأمور
عزلتُ اللات والعزى جميعا *** كذلك يفعل الجَلَدُ الصبور
فلا عزى أَدِينُ ولا أبْنَتَيْها **** ولا صَنَمَي بني عمرو أزور
ولا هبلا أدين وكان ربا **** لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبتُ وفي الليالي معجبات *** وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا **** كثيرا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين بِبِرِ قوم **** فيربل منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوما **** كما يتروَّح الغصنُ النضير
ولكن أعبد الرحمن ربي *** ليغفر ذنبيَ الربُّ الغفور
فتقوى اللهِ ربِّكمُ احفظوها *** متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرار دراهم جنان *** وللكفار حاميةٌ سعير
وخزيٌ في الحياة وإن يموتوا*** يلاقوا ما تضيق به الصدور
منقول بتصرف
محمدعبداللطيف
2020-08-20, 01:36 PM
مرتبة الإسلام
الإسلام لغة: هو الانقياد والخضوع والذل. يقال: أسلم واستسلم، أي انقاد
الإسلام شرعا: له معنيان:
الأول: الانقياد والاستسلام لأمر الله الكوني القدري طوعا وكرها.
وهذا لا ثواب فيه. قال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [ آل عمران: 83]. أي خضع وانقاد
الثاني: إخلاص العبادة لله – عز وجل – وحده لا شريك له.
وهذا الإسلام هو الذي يحمد عليه العبد ويثاب
وقد عرفه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – بقوله: (هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله)
والإسلام بالمعنى الثاني ينقسم إلى عام وخاص:
العام: هو الدين الذي جاء به الأنبياء جميعا. وهو عبادة الله وحده لا شريك له.
والخاص: هو ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لفظ الإسلام يجمع معنيين: أحدهما: الانقياد والاستسلام. والثاني: إخلاص ذلك، وإفراده.. وعنوانه قول: لا إله إلا الله. وله معنيان: أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة.
والثاني: ما اختص به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين، والشرعة، والمنهاج.. وله مرتبتان:
إحداهما: الظاهر من القول والعمل. وهي المباني الخمسة.
والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن
فالحاصل أن الإسلام في شريعتنا لإطلاقه حالتان:
الحالة الأولى: أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإيمان. فهو حينئذ يراد به الدين كله أصوله وفروعه من اعتقاداته وأقواله وأفعاله، كقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [ آل عمران: 19] وقوله: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [ المائدة: 3].
وقوله: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ آل عمران: 85]. ونحو ذلك من الآيات.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء))
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قلت: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت. قلت: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قلت: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد))
ففي هذا الحديث فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بما فسر به الإيمان، وجعل الإيمان من الإسلام وهو أفضله.
الحالة الثانية: أن يكون مقترنا بالإيمان. فيراد به حينئذ الأعمال والأقوال الظاهرة. كقوله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ الحجرات: 14].
وكقوله صلى الله عليه وسلم لما قال له سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: يا رسول الله، مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا. فقال صلى الله عليه وسلم: ((أو مسلما)) ثلاث مرات
وكحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه السابق، حيث جعل الإسلام الأقوال والأعمال الظاهرة. والإيمان أقوال وأعمال القلوب الباطنة.
وغير ذلك من الآيات والأحاديث .
وإنما سمى الله سبحانه وتعالى الأعمال الظاهرة إسلاما؛ لما فيها من الاستسلام لله والخضوع والانقياد لأمره ونهيه، والالتزام بطاعته، والوقوف عند حدوده
أركان الإسلام:
جاء في حديث جبريل ... أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الإسلام بأعمال الجوارح الظاهرة من القول والعمل. وأول ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهو عمل اللسان، ثم إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، وهي منقسمة إلى عمل بدني: كالصلاة، والصوم، وإلى عمل مالي: وهو إيتاء الزكاة، وإلى ما هو مركب منهما: كالحج
وإنما ذكر هاهنا أصول أعمال الإسلام التي ينبني عليها، كما دل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج وصوم رمضان))
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (والمراد من هذا الحديث أن الإسلام مبني على هذه الخمس كالأركان والدعائم لبنيانه.. والمقصود تمثيل الإسلام بنيانه، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء، نقص البنيان وهو قائم لا ينقض بنقص ذلك، بخلاف نقض هذه الدعائم الخمس؛ فإن الإسلام يزول بفقدها جميعها بغير إشكال، وكذلك يزول بفقد الشهادتين، والمراد بالشهادتين الإيمان بالله ورسوله. وقد جاء في رواية البخاري تعليقا: ((بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله)) وذكر بقية الحديث. وفي رواية لمسلم: ((على خمس: على أن يوحد الله)) وفي رواية له: ((على أن يعبد الله ويكفر بما دونه))
وبهذا يعلم أن الإيمان بالله ورسوله داخل في ضمن الإسلام.
وأما إقام الصلاة، فقد وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها فقد خرج من الإسلام، ففي صحيح مسلم عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))
وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وذهبت طائفة منهم إلى أن من ترك شيئا من أركان الإسلام الخمسة عمدا أنه كافر بذلك)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام هو الخمس)) يريد أن هذا كله واجب داخل في الإسلام، فليس للإنسان أن يكتفي بالإقرار بالشهادتين، وكذلك الإيمان يجب أن يكون على هذا الوجه المفصل، لا يكتفي فيه بالإيمان المجمل، ولهذا وصف الإسلام بهذا.
وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب. وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور. وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه أنه يكفر من ترك واحدة منها وعنه رواية ثانية: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط. ورواية ثالثة: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة إذا قاتل الإمام عليها. ورابعة: لا يكفر إلا بترك الصلاة. وخامسة: لا يكفر بترك شيء منهن. وهذه أقوال معروفة للسلف.
ومما يوضح ذلك أن جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان كان في آخر الأمر بعد فرض الحج، والحج فرض سنة تسع أو عشر .
سبب اختصاص هذه الأركان الخمسة بكونها أركان الإسلام دون غيرها من الواجبات:
إذا كان ما أوجبه الله من الأعمال الظاهرة أكثر من هذه الخمس؛ فلما خصت هذه الخمس بكونها هي الإسلام، وعليها بني، دون غيرها من الواجبات؟
والجواب: لأن هذه الأركان الخمسة هي أظهر شعائر الإسلام، وبقيام العبد بها يتم استسلامه، ولهذا كانت واجبة على الأعيان دون سواها.
قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله: (وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والحج والصوم، لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله) .
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الجواب على هذا السؤال حيث عقد له فصلا في كتابه الإيمان. قال فيه:
(قد أجاب بعض الناس أن هذه أظهر شعائر الإسلام وأعظمها. وبقيام العبد بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد القيادة.
والتحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربه مطلقا، الذي يجب لله عبادة محضة على الأعيان، فيجب على كل من كان قادرا عليه أن يعبد الله بها مخلصا له الدين، وهذه هي الخمس. وما سوى ذلك فإنما يجب بأسباب المصالح، فلا يعم وجوبها جميع الناس، بل إما:
1) أن يكون فرضا على الكفاية كالجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما يتبع ذلك من إمارة، وحكم وفتيا، وإقراء وتحديث، وغير ذلك.
2) وإما أن يجب بسبب حق للآدميين. يختص به من وجب له وعليه، وقد يسقط بإسقاطه، وإذا حصلت المصلحة، أو الإبراء، إما بإبرائه، وإما بحصول المصلحة. فحقوق العباد مثل قضاء الديون، ورد المغصوب، والعواري، والودائع، والإنصاف من المظالم من الدماء والأموال والأعراض، إنما هي حقوق الآدميين، وإذا أبرئوا منها سقطت، وتجب على شخص دون شخص، في حال دون حال. لم تجب عبادة محضة لله على كل عبد قادر، ولهذا يشترك فيها المسلمون واليهود والنصارى، بخلاف الخمسة فإنها من خصائص المسلمين.
وكذلك ما يجب من صلة الأرحام، وحقوق الزوجة، والأولاد، والجيران، والشركاء، والفقراء، وما يجب من أداء الشهادة، والفتيا، والإمارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد كل ذلك يجب بأسباب عارضة على بعض الناس دون بعض لجلب منافع ودفع مضار، لو حصلت بدون فعل الإنسان لم تجب. فما كان مشتركا فهو واجب على الكفاية، وما كان مختصا فإنما يجب على زيد دون عمرو. لا يشترك الناس في وجوب عمل بعينه على كل أحد قادر سوى الخمس. فإن زوجة زيد وأقاربه ليست زوجة عمرو وأقاربه. فليس الواجب على هذا، مثل الواجب على هذا، بخلاف صوم رمضان، وحج البيت، والصلوات الخمس، والزكاة، فإن الزكاة وإن كانت حقا ماليا فإنها واجبة لله. ولهذا وجب فيها النية. ولم يجز أن يفعلها الغير عنه بلا إذنه. ولم تطلب من الكفار. وحقوق العباد لا يشترط لها النية، ولو أداها غيره عنه بغير إذنه برئت ذمته. ويطالب بها الكفار)
[الموسوعة العقدية ]
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.