المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعاني بين الدنيا و الآخرة



محمد سامر البابا
2020-08-16, 06:42 AM
بسم الله، الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله و صحبه و من والاه، أما بعد:


فإن المعاني في حصولها في الدنيا و الآخرة على أربعة أقسام:


القسم الأول: معان لا تحصل في الدنيا و لا في الآخرة.
القسم الثاني: معان تحصل في الدنيا و لا تحصل في الآخرة.
القسم الثالث: معان تحصل في الآخرة و لا تحصل في الدنيا.
القسم الرابع: معان تحصل في الدنيا و في الآخرة.


و سأضرب مثالاً على كل قسم لتتبلور الصورة.


القسم الأول: معان لا تحصل في الدنيا و لا في الآخرة:


من أبرز الأمثلة على هذه المعاني الصفات المستحيلة في حق الله عز و جل مثل استحالة أن يتخذ الله ولداً، فالله عز و جل لم يتخذ ولداً في الدنيا و لن يتخذ ولداً في الآخرة.
قال الله تعالى: (و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من في السماوات و الأرض إلا آتي الرحمن عبداً) [سورة مريم: آية 92-93].


القسم الثاني: معان تحصل في الدنيا و لا تحصل في الآخرة:


هناك معان إذا لم تكتسبها في الدنيا فلن تستطيع اكتسابها في الآخرة لأنها خاصة بالدنيا.
فمثلاً معنى التضحية يختص بالدنيا دون الآخرة، لأن التضحية قرينة المشقة و الألم و الجنة دار السرور التام الذي ليس فيه مشقة و لا ألم.
و المرء يضحي من أجل من يحب، و أسمى أنواع التضحية التضحية بالنفس في سبيل الله فينال المرء بذلك مرتبة الشهادة كما قال الشاعر:


يجود بالنفس إن ضن البخيل بها *** و الجود بالنفس أقصى غاية الجود


القسم الثالث: معان تحصل في الآخرة و لا تحصل في الدنيا:


الطهارة الحسية التامة و الطهارة المعنوية التامة تحصل في الآخرة لأهل الجنة.
في الدنيا يخرج جسد الإنسان أنواعاً مختلفة من القاذورات أما في الجنة فإن الله يطهر أهل الجنة من تلك القاذورات.


قال الله تعالى:
(و لهم فيها أزواج مطهرة) [سورة البقرة: آية 25].
و قال النبي عليه الصلاة و السلام: (أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل، لا يتغوطون، ولا يتبولون، ولا يبزقون) [رواه مسلم].
(إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يتبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون"، قالوا: فما بال الطعام؟ قال: جشاء كجشاء المسك) [رواه مسلم].


أما الطهارة المعنوية فقد ضرب عليها القرآن الكريم مثلاً و هو طهارة اللسان من اللغو و الإثم، فكثير من الناس يتكلمون في الدنيا بكلام فاحش بذيء و قد قال النبي عليه الصلاة و السلام: (إن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء) [رواه الهيثمي].


أما أهل الجنة فإن الله يطهر ألسنتهم عن كل ما لا يليق كما قال الله تعالى:
(و هدوا إلى الطيب من القول و هدوا إلى صراط الحميد) [سورة الحج: آية 24].
(لا يسمعون فيها لغواً و لا تأثيماً * إلا قيلاً سلاماً سلاماً) [سورة الواقعة: آية 25-26].
(لا يسمعون فيها لغواً و لا كذاباً) [سورة النبأ: آية 35].


القسم الرابع: معان تحصل في الدنيا و في الآخرة:


هذه المعاني مشتركة بين الدنيا و الآخرة لكن الاشتراك في المعنى لا يقتضي التساوي و المطابقة و التماثل بين ذات و صفات الشيء في الدنيا و ذاته و صفاته في الآخرة، فإن الشيء في الآخرة يكون على أسمى و أكمل و أشرف حال، أما في الدنيا فإنه يكون مشوباً بالنقص و الكدر و المحدودية، و إلى هذا المعنى أشار ابن عباس رضي الله عنه في قوله الشهير: (ليس في الجنَّة شيءٌ ممَّا في الدُّنيا إلا الأسماء).


و من الأمثلة على هذه المعاني الأطيبان اللذين هما الأكل و النكاح.
فهما من أبرز نعيم الدنيا و من أبرز نعيم الآخرة كذلك.
لكن شتان بين الأطيبين في الدنيا و الأطيبين في الآخرة.


و الحمد لله أولاً و آخراً و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.