حسن المطروشى الاثرى
2020-06-02, 07:30 AM
اليوم : الثلاثاء
الموافق : 10/ شوال / 1441 هجري
الموافق : 2/ يونيو / 2020 ميلادي
الجامع لسيرة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
خلال سبعة قرون
جمعه ووضع فهارسة
محمد عزيز وعلي العمران
ولخصه
حسن آل غلوم المطروشي
اليوم 10/ شوال/ 1441هجري
............
( 1 )
مقدمة العلامة
بكر أبو زيد رحمه الله
قي هذا الكتاب -"الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية"- قبولا طيبا، ووقع موقعا حسنا لدى أهل العلم، ومحبي شيخ الإسلام ابن تيمية، والدارسين لآثاره وشخصيته وعلومه.
وكنا قد دعونا في مقدمة الكتاب إلى مزيد من تواصل أهل العلم والباحثين بما فات من تراجم الشيخ أو بما يراه المطالعون للكتاب، مما يسدد نقصه ويرأب صدعه، ويبلغ به إلى مراتب الصحة والكمال؛ فكان ذلك -ولله الحمد- فوصلنا عدد من التراجم الفائتة،وهي من المصادر التالية على الترتيب الزمني:
1 - "نزهة العيون في تاريخ طوائف القرون" (مخطوط).
للملك / الأفضل عباس بن علي بن داود بن رسول اليماني (778).
2 - "العقد الفاخر الحسن في طبقات أكابر اليمن" (مخطوط).
للمؤرخ / شمس الدين علي بن الحسن الخزرجي اليماني (812).
3 - "غربال الزمان في وفيات الأعيان" (مطبوع)
وغيرها ....
.........
( ص 39)
من الإضافات العلمية في هذه الطبعة: تصحيح نسبة "رسالة عبد الله ابن حامد- أحد علماء الشافعية" إذ هي موجهة إلى أبي عبد الله ابن رشيق (749) كاتب شيخ الإسلام، لا إلى أبي عبد الله ابن عبد الهادي صاحب "العقود"، وذكرنا مستند ذلك في موضعه عند سياق رسالة ابن حامد (ص / 241).
* وههنا موضع ينبغي تحريره،وهو:
ما استشكله كثيرون؛ إذ ورد في بعض المصادر أن الشيخ -رحمه الله- قد كتب كتابا فيه عقيدة تخالف ما دعا إليه وأفتى به طول حياته؛ بل وسجن من أجله، فنقول -تحريرا لهذا الموضع، ودحضا لمن تتنازعه الأهواء والشبه-:
هذا الرجوع قد جاء عند كل من:
م
لميذه ابن عبد الهادي (744) كما في (العقود الدرية: 197) نقلا عن الذهبي.
2 - الذهبي (748) -تلميذه -كما نقله عنه ابن عبد الهادي (السابق) ونصه:
" ... وجرت أمور طويلة، وكتب إلى الشام كتاب سلطاني بالحط عليه، فقريء بالجامع وتألم الناس له، ثم بقي سنة ونصفا (أي: سنة 707) وأخرج، وكتب لهم ألفاظا اقترحوها عليه، وهدد وتوعد بالقتل إن لم يكتبها. وأقام بمصر يقرىء العلم ويجتمع عنده الخلق. . ." اهـ.
3 - ابن المعلم (725) في "نجم المهتدي ورجم المعتدي" (نسخة باريس رقم 638) والنويري (733) في "نهاية الأرب -كما في الجامع 181 - 182 "، وفيه أن هذا المجلس كان بعد حضور الأمير حسام الدين مهنا (ربيع الآخر / 707) وأخرج الشيخ (يوم الجمعة 23 / ربيع الأول / 707).
ثم نقل النويري مضمون ما في الكتاب الذي يحكي ما في المجلس، وأنه (أي: الشيخ) ذكر أنه أشعري، وأنه وضع كتاب الأشعري على رأسه، وأنه رجع في مسألة (العرش والقرآن والنزول والاستواء) عن مذهبه -مذهب أهل السنة- وكان الكتاب تاريخ (25 / ربيع الأول / 707).
ثم عقد مجلس آخر، وكتب فيه نحو ما تقدم في (16 / ربيع الآخر / 707) وأشهد عليه.
4 - أما البرزالي (739) -رفيقه- فلم يذكر في حوادث هذه السنين شيئا (الجامع: 213 - 215)
........
5 - ذكر الدواداري (بعد 736) في "كنز الدرر- الجامع: 239) أنهم عقدوا له مجلسا آخر في (12 / ربيع الآخر / 707) بعد ذهاب الأمير حسام الدين، ووقع الاتفاق على تغيير الألفاظ في العقيدة وانفصل المجلس على خير.
6 - لم يذكر ابن كثير (774) -تلميذه- في "البداية والنهاية" شيئا من أمر رجوعه ذلك.
7 - ذكر ابن رجب (795) في "الذيل- الجامع: 476 - 477 " نحو ما ذكره ابن عبد الهادي في "العقود" فقال: "وذكر الذهبي والبرزالي (1) وغيرهما أن الشيخ كتب لهم بخطه مجملا من القول وألفاظا فيها بعض ما فيها؛ لما خاف وهدد بالقتل".
ولم يذكر نص الكلام، ولا الكتاب.
8 - لم يذكر المقريزي (845) في "المقفى الكبير- الجامع: 507 " شيئا من خبر الرجوع ولا الكتاب.
9 - ذكر الحافظ ابن حجر (852) في "الدرر الكامنة- الجامع: 536 - 537 " نحو ما ذكره النويري في "نهاية الأرب" ثم عزا ابن حجر ما نقله إلى "تاريخ البرزالي"!.
10 - ذكر ابن تغري بردي (874) في "المنهل الصافي- الجامع:
.......
( ص 41)
نحو ما ذكره الحافظ ابن حجر. وسياق نقله يدل أنه ينقل من كتاب لكمال الدين ابن الزملكاني -وعداؤه للشيخ معروف- فيه ترجمة للشيخ، وقد نقل منها -أيضا- في "النجوم الزاهرة- الجامع: 580 ".
فتبين من هذا العرض أن:
1 - من المؤرخين من لم يذكر القصة ولا المكتوب أصلا.
2 - ومنهم من أشار إليها إشارة فقط دون تفصيل للكتاب الذي كتبه، مع ذكرهم ما صاحب كتابته تلك من التخويف والتهديد بالقتل.
3 - ومنهم من فصلها وذكر نص المكتوب، لكن دون ذكرهم لما صاحب ذلك من تهديد وتخويف بالقتل!.
وعلى هذا؛يمكننا القول: إن ابن المعلم والنويري قد انفردا من بين معاصري الشيخ بقضية رجوعه، وسياق ما كتبه، وتابعهما على ذلك بعض المتأخرين،وعليه فيمكن تجاه هذه القضية أن تتخذ أحد المواقف التالية:
1 - أن نكذب كل ما ذكره المؤرخون جملة وتفصيلا،ونقول: إن شيئا من ذلك لم يكن.
2 - أن نثبت أصل القصة، دون إثبات أي رجوع عن العقيدة، ولا المكتوب الذي فيه المخالفة الصريحة لما دعا إليه الشيخ قبل هذا التاريخ وبعده.
3 - أن نثبت جميع ما انفرد به ابن المعلم والنويري من الرجوع والكتابة.
......
( ص 43)
والذي يثبت عند النقد ويترجح هو: الموقف الثاني: أن الشيخ كتب لهم عبارات مجملة -بعد التهديد والتخويف- لكن ليس فيها رجوع عن عقيدته، ولا انتحال لعقيدة باطلة، ولا كتاب بذلك كله،وذلك لأسباب عديدة هي:
1 - أن هذا الكتاب مخالف لعقيدة الشيخ، التي كان يدعو إليها ويناضل عنها طوال حياته، قبل هذه الحادثة وبعدها.
2 - أنه لا يوجد في كتاباته ومؤلفاته أي أثر لهذا الرجوع، أو إشارة إلى هذا الكتاب أو إلى ما تضمنه، ولو كان قد حصل مه شيء من الكتابة لهم بذلك، لكان حقيقا بعد ظهوره على أعدائه -على الأقل- وتمكنه منهم بعد انكسار الجاشنكير ورجوع الناصر أن يطلب هذا الكتاب، أو ينفيه عن نفسه.
3 - أن الشيخ -رحمه الله- قد حصلت له مضايقات كثيرة في مسائل عديدة قبل هذا التاريخ وبعده، سجن من أجلها وعوتب، فلم يعرف عنه أنه رجع عن شيء منها، بل غاية أمره أن يسكت عن الإفتاء بها مدة،ثم يعود إلى ذلك ويقول: لا يسعني كتمان العلم كما في مسألة الطلاق (العقود 325)، فكيف يكتب لهم هذه المرة ما يناقض عقيدة أهل السنة، ويقرر مذهب أهل البدع؟!.
وما شأن الخصوم عند الشيخ -رحمه الله- إلا كما وصفهم هو بنفسه لما قيل له: يا سيدي قد أكثر الناس عليك
.........
( ص 44)
فقال: إن هم إلا كالذباب، ورفع كفه إلى فيه، ونفخ فيه. (العقود 268).
ووصف الذهبي ثبات الشيخ أمام خصومه فقال: (... حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه ... وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال".
وهذا كله ينبيك عن مدى صدق ذاك التراجع وذاك المكتوب!!.
4 - ومما يفت في عضد هذه الأكذوبة: أن جماعة طلبوا من الشيخ أن يقول: إن هذا الاعتقاد الذي كتبه وناظر من أجله الخصوم هو اعتقاد أحمد بن حنبل -يعني: وهو مذهب متبوع فلا يعترض عليه-.
فلا يرض الشيخ بهذا؛ بل يصدع بأن هذا هو معتقد سلف الأمة جميعهم، وليس لأحمد اختصاص بذلك. (العقود 218 - 219، 242).
5 - إن أقصى ما يمكن قوله في كتابة الشيخ لهم: إنها كتابة إجمالية في مسائل العقيدة بما لا ينافي الحق والصواب، وانظر نماذج لبعض ما كان يستعمله الشيخ مع خصومه ليدحرهم ويكبتهم وفي أنفسهم ما فيها، في (العقود 212، 215، 240 - 241).
ولم يستطع الأعداء أن يجبروه على كتابة أكثر من ذلك الإجمال، ثم وجدوا أنه لا فائدة في إشاعة ذلك المكتوب عنه بالوجه الذي كتبه، فزوروا عليه كلاما، ثم زوروا عليه توقيعه، وأشهدوا عليه جماعة ليتم لهم ما أرادوا.
وقضية الكذب والتقول والتزوير على الشيخ باتت من أشهر خصال
..........
( ص 45 )
قال البرزالي في الموضع الأول عن خصومه: "وحرفوا الكلام، وكذبوا الكذب الفاحش".
وقال في الموضع الثاني: "واختلفت نقول المخالفين للمجلس، وحرفوه، ووضعوا مقالة الشيخ على غير موضعها، وشنع (1) ابن الوكيل وأصحابه بأن الشيخ قد رجع عن عقيدته فالله المستعان".
وقال الشيخ -نفسه- في الموضع الثالث: "وكان قد بلغني أنه زور علي كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير، يتضمن ذكر عقيدة محرفة ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أن هذا مكذوب".
وقال الشيخ في الموضع الرابع: "أنا أعلم أن أقواما يكذبون علي، كما قد كذبوا علي غير مرة. . .".
وقال ابن عبد الهادي في الموضع الأخير: "وعظم التشنيع على الشيخ -يعني في مسألة شد الرحل- وحرف عليه، ونقل عنه ما لم يقله".
كما ضبط عليهم الكذب والتزوير وتحريف الكلام في مواضع أخرى كثيرة (2)، فليس غريبا أن يزوروا عليه هذه المرة ما زوروا، ويشهدوا عليه شهادة الزور.
.....
(ص 46)
ومما يؤيد كذب هذه الأخلوقة: أن هذا الكتاب الذي زعموا كتب سنة (707)، فكيف يصح هذا وهم يطالبونه في سنة (708) بكتابة شيء بخطه في المسألة نفسها!!.
فإنه لما جاءه المشايخ التدامرة نحو سنة (708) وقالوا: "يا سيدي قد حملونا كلاما نقوله لك، وحلفونا أنه ما يطلع عليه غيرنا: أن تنزل لهم عن مسألة العرش ومسألة القرآن، ونأخذ خطك بذلك، نوقف عليه السلطان ونقول له: هذا الذي حبسنا ابن تيمية عليه، قد رجع عنه، ونقطع نحن الورقة (1).
فقال لهم الشيخ: تدعونني أن أكتب بخطي أنه ليس فوق العرش إله يعبد، ولا في المصاحف قرآن، ولا لله في الأرض كلام؟! ودق بعمامته الأرض، وقام واقفا ورفع برأسه إلى السماء، وقال: اللهم إني أشهدك على أنهم يدعونني أن أكفر بك وبكتبك ورسلك، وأن هذا شيء ما أعمله ... " ثم دعا عليهم.
ولما قالوا له: كل هذا يعملونه حتى توافقهم، وهم عاملون على قتلك أو نفيك أو حبسك، فقال لهم: "أنا إن قتلت كانت لي شهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة ... ". فيئسوا منه وانصرفوا (2).
فلو كان لهم كتاب بخطه في تلك المسائل -كما زعموا- لم يطلبوا
الموافق : 10/ شوال / 1441 هجري
الموافق : 2/ يونيو / 2020 ميلادي
الجامع لسيرة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
خلال سبعة قرون
جمعه ووضع فهارسة
محمد عزيز وعلي العمران
ولخصه
حسن آل غلوم المطروشي
اليوم 10/ شوال/ 1441هجري
............
( 1 )
مقدمة العلامة
بكر أبو زيد رحمه الله
قي هذا الكتاب -"الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية"- قبولا طيبا، ووقع موقعا حسنا لدى أهل العلم، ومحبي شيخ الإسلام ابن تيمية، والدارسين لآثاره وشخصيته وعلومه.
وكنا قد دعونا في مقدمة الكتاب إلى مزيد من تواصل أهل العلم والباحثين بما فات من تراجم الشيخ أو بما يراه المطالعون للكتاب، مما يسدد نقصه ويرأب صدعه، ويبلغ به إلى مراتب الصحة والكمال؛ فكان ذلك -ولله الحمد- فوصلنا عدد من التراجم الفائتة،وهي من المصادر التالية على الترتيب الزمني:
1 - "نزهة العيون في تاريخ طوائف القرون" (مخطوط).
للملك / الأفضل عباس بن علي بن داود بن رسول اليماني (778).
2 - "العقد الفاخر الحسن في طبقات أكابر اليمن" (مخطوط).
للمؤرخ / شمس الدين علي بن الحسن الخزرجي اليماني (812).
3 - "غربال الزمان في وفيات الأعيان" (مطبوع)
وغيرها ....
.........
( ص 39)
من الإضافات العلمية في هذه الطبعة: تصحيح نسبة "رسالة عبد الله ابن حامد- أحد علماء الشافعية" إذ هي موجهة إلى أبي عبد الله ابن رشيق (749) كاتب شيخ الإسلام، لا إلى أبي عبد الله ابن عبد الهادي صاحب "العقود"، وذكرنا مستند ذلك في موضعه عند سياق رسالة ابن حامد (ص / 241).
* وههنا موضع ينبغي تحريره،وهو:
ما استشكله كثيرون؛ إذ ورد في بعض المصادر أن الشيخ -رحمه الله- قد كتب كتابا فيه عقيدة تخالف ما دعا إليه وأفتى به طول حياته؛ بل وسجن من أجله، فنقول -تحريرا لهذا الموضع، ودحضا لمن تتنازعه الأهواء والشبه-:
هذا الرجوع قد جاء عند كل من:
م
لميذه ابن عبد الهادي (744) كما في (العقود الدرية: 197) نقلا عن الذهبي.
2 - الذهبي (748) -تلميذه -كما نقله عنه ابن عبد الهادي (السابق) ونصه:
" ... وجرت أمور طويلة، وكتب إلى الشام كتاب سلطاني بالحط عليه، فقريء بالجامع وتألم الناس له، ثم بقي سنة ونصفا (أي: سنة 707) وأخرج، وكتب لهم ألفاظا اقترحوها عليه، وهدد وتوعد بالقتل إن لم يكتبها. وأقام بمصر يقرىء العلم ويجتمع عنده الخلق. . ." اهـ.
3 - ابن المعلم (725) في "نجم المهتدي ورجم المعتدي" (نسخة باريس رقم 638) والنويري (733) في "نهاية الأرب -كما في الجامع 181 - 182 "، وفيه أن هذا المجلس كان بعد حضور الأمير حسام الدين مهنا (ربيع الآخر / 707) وأخرج الشيخ (يوم الجمعة 23 / ربيع الأول / 707).
ثم نقل النويري مضمون ما في الكتاب الذي يحكي ما في المجلس، وأنه (أي: الشيخ) ذكر أنه أشعري، وأنه وضع كتاب الأشعري على رأسه، وأنه رجع في مسألة (العرش والقرآن والنزول والاستواء) عن مذهبه -مذهب أهل السنة- وكان الكتاب تاريخ (25 / ربيع الأول / 707).
ثم عقد مجلس آخر، وكتب فيه نحو ما تقدم في (16 / ربيع الآخر / 707) وأشهد عليه.
4 - أما البرزالي (739) -رفيقه- فلم يذكر في حوادث هذه السنين شيئا (الجامع: 213 - 215)
........
5 - ذكر الدواداري (بعد 736) في "كنز الدرر- الجامع: 239) أنهم عقدوا له مجلسا آخر في (12 / ربيع الآخر / 707) بعد ذهاب الأمير حسام الدين، ووقع الاتفاق على تغيير الألفاظ في العقيدة وانفصل المجلس على خير.
6 - لم يذكر ابن كثير (774) -تلميذه- في "البداية والنهاية" شيئا من أمر رجوعه ذلك.
7 - ذكر ابن رجب (795) في "الذيل- الجامع: 476 - 477 " نحو ما ذكره ابن عبد الهادي في "العقود" فقال: "وذكر الذهبي والبرزالي (1) وغيرهما أن الشيخ كتب لهم بخطه مجملا من القول وألفاظا فيها بعض ما فيها؛ لما خاف وهدد بالقتل".
ولم يذكر نص الكلام، ولا الكتاب.
8 - لم يذكر المقريزي (845) في "المقفى الكبير- الجامع: 507 " شيئا من خبر الرجوع ولا الكتاب.
9 - ذكر الحافظ ابن حجر (852) في "الدرر الكامنة- الجامع: 536 - 537 " نحو ما ذكره النويري في "نهاية الأرب" ثم عزا ابن حجر ما نقله إلى "تاريخ البرزالي"!.
10 - ذكر ابن تغري بردي (874) في "المنهل الصافي- الجامع:
.......
( ص 41)
نحو ما ذكره الحافظ ابن حجر. وسياق نقله يدل أنه ينقل من كتاب لكمال الدين ابن الزملكاني -وعداؤه للشيخ معروف- فيه ترجمة للشيخ، وقد نقل منها -أيضا- في "النجوم الزاهرة- الجامع: 580 ".
فتبين من هذا العرض أن:
1 - من المؤرخين من لم يذكر القصة ولا المكتوب أصلا.
2 - ومنهم من أشار إليها إشارة فقط دون تفصيل للكتاب الذي كتبه، مع ذكرهم ما صاحب كتابته تلك من التخويف والتهديد بالقتل.
3 - ومنهم من فصلها وذكر نص المكتوب، لكن دون ذكرهم لما صاحب ذلك من تهديد وتخويف بالقتل!.
وعلى هذا؛يمكننا القول: إن ابن المعلم والنويري قد انفردا من بين معاصري الشيخ بقضية رجوعه، وسياق ما كتبه، وتابعهما على ذلك بعض المتأخرين،وعليه فيمكن تجاه هذه القضية أن تتخذ أحد المواقف التالية:
1 - أن نكذب كل ما ذكره المؤرخون جملة وتفصيلا،ونقول: إن شيئا من ذلك لم يكن.
2 - أن نثبت أصل القصة، دون إثبات أي رجوع عن العقيدة، ولا المكتوب الذي فيه المخالفة الصريحة لما دعا إليه الشيخ قبل هذا التاريخ وبعده.
3 - أن نثبت جميع ما انفرد به ابن المعلم والنويري من الرجوع والكتابة.
......
( ص 43)
والذي يثبت عند النقد ويترجح هو: الموقف الثاني: أن الشيخ كتب لهم عبارات مجملة -بعد التهديد والتخويف- لكن ليس فيها رجوع عن عقيدته، ولا انتحال لعقيدة باطلة، ولا كتاب بذلك كله،وذلك لأسباب عديدة هي:
1 - أن هذا الكتاب مخالف لعقيدة الشيخ، التي كان يدعو إليها ويناضل عنها طوال حياته، قبل هذه الحادثة وبعدها.
2 - أنه لا يوجد في كتاباته ومؤلفاته أي أثر لهذا الرجوع، أو إشارة إلى هذا الكتاب أو إلى ما تضمنه، ولو كان قد حصل مه شيء من الكتابة لهم بذلك، لكان حقيقا بعد ظهوره على أعدائه -على الأقل- وتمكنه منهم بعد انكسار الجاشنكير ورجوع الناصر أن يطلب هذا الكتاب، أو ينفيه عن نفسه.
3 - أن الشيخ -رحمه الله- قد حصلت له مضايقات كثيرة في مسائل عديدة قبل هذا التاريخ وبعده، سجن من أجلها وعوتب، فلم يعرف عنه أنه رجع عن شيء منها، بل غاية أمره أن يسكت عن الإفتاء بها مدة،ثم يعود إلى ذلك ويقول: لا يسعني كتمان العلم كما في مسألة الطلاق (العقود 325)، فكيف يكتب لهم هذه المرة ما يناقض عقيدة أهل السنة، ويقرر مذهب أهل البدع؟!.
وما شأن الخصوم عند الشيخ -رحمه الله- إلا كما وصفهم هو بنفسه لما قيل له: يا سيدي قد أكثر الناس عليك
.........
( ص 44)
فقال: إن هم إلا كالذباب، ورفع كفه إلى فيه، ونفخ فيه. (العقود 268).
ووصف الذهبي ثبات الشيخ أمام خصومه فقال: (... حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه ... وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال".
وهذا كله ينبيك عن مدى صدق ذاك التراجع وذاك المكتوب!!.
4 - ومما يفت في عضد هذه الأكذوبة: أن جماعة طلبوا من الشيخ أن يقول: إن هذا الاعتقاد الذي كتبه وناظر من أجله الخصوم هو اعتقاد أحمد بن حنبل -يعني: وهو مذهب متبوع فلا يعترض عليه-.
فلا يرض الشيخ بهذا؛ بل يصدع بأن هذا هو معتقد سلف الأمة جميعهم، وليس لأحمد اختصاص بذلك. (العقود 218 - 219، 242).
5 - إن أقصى ما يمكن قوله في كتابة الشيخ لهم: إنها كتابة إجمالية في مسائل العقيدة بما لا ينافي الحق والصواب، وانظر نماذج لبعض ما كان يستعمله الشيخ مع خصومه ليدحرهم ويكبتهم وفي أنفسهم ما فيها، في (العقود 212، 215، 240 - 241).
ولم يستطع الأعداء أن يجبروه على كتابة أكثر من ذلك الإجمال، ثم وجدوا أنه لا فائدة في إشاعة ذلك المكتوب عنه بالوجه الذي كتبه، فزوروا عليه كلاما، ثم زوروا عليه توقيعه، وأشهدوا عليه جماعة ليتم لهم ما أرادوا.
وقضية الكذب والتقول والتزوير على الشيخ باتت من أشهر خصال
..........
( ص 45 )
قال البرزالي في الموضع الأول عن خصومه: "وحرفوا الكلام، وكذبوا الكذب الفاحش".
وقال في الموضع الثاني: "واختلفت نقول المخالفين للمجلس، وحرفوه، ووضعوا مقالة الشيخ على غير موضعها، وشنع (1) ابن الوكيل وأصحابه بأن الشيخ قد رجع عن عقيدته فالله المستعان".
وقال الشيخ -نفسه- في الموضع الثالث: "وكان قد بلغني أنه زور علي كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير، يتضمن ذكر عقيدة محرفة ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أن هذا مكذوب".
وقال الشيخ في الموضع الرابع: "أنا أعلم أن أقواما يكذبون علي، كما قد كذبوا علي غير مرة. . .".
وقال ابن عبد الهادي في الموضع الأخير: "وعظم التشنيع على الشيخ -يعني في مسألة شد الرحل- وحرف عليه، ونقل عنه ما لم يقله".
كما ضبط عليهم الكذب والتزوير وتحريف الكلام في مواضع أخرى كثيرة (2)، فليس غريبا أن يزوروا عليه هذه المرة ما زوروا، ويشهدوا عليه شهادة الزور.
.....
(ص 46)
ومما يؤيد كذب هذه الأخلوقة: أن هذا الكتاب الذي زعموا كتب سنة (707)، فكيف يصح هذا وهم يطالبونه في سنة (708) بكتابة شيء بخطه في المسألة نفسها!!.
فإنه لما جاءه المشايخ التدامرة نحو سنة (708) وقالوا: "يا سيدي قد حملونا كلاما نقوله لك، وحلفونا أنه ما يطلع عليه غيرنا: أن تنزل لهم عن مسألة العرش ومسألة القرآن، ونأخذ خطك بذلك، نوقف عليه السلطان ونقول له: هذا الذي حبسنا ابن تيمية عليه، قد رجع عنه، ونقطع نحن الورقة (1).
فقال لهم الشيخ: تدعونني أن أكتب بخطي أنه ليس فوق العرش إله يعبد، ولا في المصاحف قرآن، ولا لله في الأرض كلام؟! ودق بعمامته الأرض، وقام واقفا ورفع برأسه إلى السماء، وقال: اللهم إني أشهدك على أنهم يدعونني أن أكفر بك وبكتبك ورسلك، وأن هذا شيء ما أعمله ... " ثم دعا عليهم.
ولما قالوا له: كل هذا يعملونه حتى توافقهم، وهم عاملون على قتلك أو نفيك أو حبسك، فقال لهم: "أنا إن قتلت كانت لي شهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة ... ". فيئسوا منه وانصرفوا (2).
فلو كان لهم كتاب بخطه في تلك المسائل -كما زعموا- لم يطلبوا