ابو وليد البحيرى
2020-05-20, 01:03 AM
ذكرى الإسراء والمعراج… دروس للإنسانية في إعجاز الله وقدرته
على الصلابى
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/05/158.jpg
كان وجود أبي طالبٍ بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سياجاً واقياً له يمنع عنه أذى قريش؛ لأنَّ قريشاً ما كانت تريد أن تخسر أبا طالبٍ، ولـمَّا تُوفي أبو طالب؛ انهار هذا الحاجزُ، ونال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من الضَّرر الجسديِّ الشيءُ الكثير.
وكانت خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم البلسمَ الشَّافَي لما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجراح النَّفسيَّة الَّتي يُلحقها به المشركون، ولـمَّا توفيت فَقَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذا البلسم.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطَّائف بعدما اشتدَّ عليه أذى قريش وأمعنوا في التَّضييق عليه، يطلب من زعمائها نصرة الحقِّ الذي يدعو إليه، وحمايته، حتى يبلِّغ دين الله، فما كان جوابهم إلا أن ردُّوه أقبح ردٍّ، ولم يكتفوا بذلك؛ بل أرسلوا إلى قريش رسولاً يخبرهم بما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم ، فتجهَّمت له قريش، وأضمرت له الشَّرَّ، فلم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول مكَّة إلا في جوار رجلٍ كافر، لقد تجهَّمت له قريش، وأحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزادتْ حزنَه، وهمَّه؛ حتَّى سُمِّي ذلك العام بالنِّسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(عام الحزن).
وبعد هذا كلِّه حصلتْ معجزةُ اللهِ لرسوله، ألاَ وهي: الإسراء والمعراج.
أمَّا هدف هذه المعجزة، فيتمثل في أمورٍ؛ من أهمِّها:
أنَّ الله – عزَّ وجلَّ – أراد أن يتيح لرسوله صلى الله عليه وسلم فرصة الاطّلاع على المظاهر الكبرى لقدرته؛ حتَّى يملأ قلبه ثقةً فيه، واستناداً إليه؛ حتَّى يزداد قوَّةً في مهاجمة سلطان الكفَّار القائم في الأرض، كما حدث لموسى عليه السلام، فقد شاء أن يريَه عجائب قدرته. قال تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هَيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُوْلَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أخرى ﴾ [طه: 17 – 22] فلـمَّا ملأ قلبه بمشاهدة هذه الآيات الكبرى، قال له بعد ذلك: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آياتنَا الْكُبْرَى﴾ [طه: 23].
في رحلة الإسراء والمعراج أطلع الله نبيَه صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات الكبرى، توطئةً للهجرة، ولأعظم مواجهةٍ على مدى التَّاريخ للكفر، والضَّلال، والفسوق. والآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ؛ منها: الذَّهاب إلى بيت المقدس، والعروج إلى السَّماء، ورؤية الأنبياء، والمرسلين، والملائكة، والسَّموات، والجنَّة، والنار، ونماذج من النعيم والعذاب… إلخ.
كان حديث القرآن الكريم عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النَّجم، وذكر حكمة الإسراء في سورة الإسراء بقوله: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آياتنَا﴾ [الإسراء: 1] وفي سورة النجم بقوله: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيات رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 18]. وفي الإسراء والمعراج علومٌ، وأسرارٌ، ودقائق ودروس، وَعِبَرٌ.
يقول الأستاذ أبو الحسن النَّدوي: «لم يكن الإسراء مجرَّد حادثٍ فرديٍّ بسيطٍ رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى، وتجلَّى له ملكوت السَّموات، والأرض مشاهدةً، عياناً؛ بل – زيادةً إلى ذلك – اشتملت هذه الرِّحلة النَّبوية الغيبية على معانٍ دقيقةٍ كثيرةٍ، وشاراتٍ حكيمةٍ بعيدة المدى فقد ضمَّت قصَّةُ الإسراء، وأعلنت السُّورتان الكريمتان اللَّتان نزلتا في شأنه «الإسراء» و«النَّجم»: أنَّ محمّداً صلى الله عليه وسلم هو نبيُّ القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت في شخصه، وفي إسرائه مكةُ بالقدس، والبيتُ الحرام بالمسجد الأقصى، وصلَّى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذاناً بعموم رسالته، وخلود إمامته، وإنسانيَّة تعاليمه، وصلاحيتها لاختلاف المكان والزَّمان، وأفادت سورة الإسراء تعيين شخصية النَّبي صلى الله عليه وسلم ، ووصف إمامته، وقيادته، وتحديد مكانة الأمَّة التي بعث فيها، وامنت به، وبيان رسالتها ودورها الَّذي ستمثِّله في العالم، ومن بين الشُّعوب، والأمم».
أولاً: قصة الإسراء والمعراج كما جاءت في بعض الأحاديث
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُتِيتُ بالبُرَاق – وهو دابّـةٌ أبيضُ طويلٌ، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طَرْفه – قال: فركبتهُ حتَّى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة؛ الَّتي يَرْبِطُ به الأنبياءُ. قال: ثمَّ دخلت المسجد فصلَّيت فيه ركعتين، ثمَّ خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبنٍ، فاخترتُ اللَّبن، فقال جبريل: اخترتَ الفطرة»… فذكر الحديث [مسلم (162)] .
وفي حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه: أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم حدَّثهُ عن ليلة أسري به، قال: «بينما أنا في الحطيم – وربما قال في الحِجر – مضطجعاً؛ إذ أتاني اتٍ، فَقَدَّ – قال: وسمعته يقول: فشقَّ – ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثُغرةِ نحرِهِ[إلى شِعْرَته وسمعته يقول: من قَصِّهِ إلى شعرته – فاستخرج قلبي، ثمَّ أُتيتُ بطَسْتٍ من ذهبٍ مملوءةٍ إيماناً، فَغُسِلَ قلبي، ثمَّ حُشيَ، ثمَّ أُعِيدَ، ثمَّ أُتيتُ بدابةٍ دون البغل، وفوق الحمار أبيض – فقال له الجارود: هو البُرَاقُ يا أبا حمزة؟! قال: أنسٌ: نعم – يضع خَطْوَهُ عند أقصى طَرْفه، فحُمِلتُ عليه، فانطَلَقَ بي جبريلُ حتَّى أتى السَّماء الدُّنيا، فاستفتحَ فقيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيلَ: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أُرسِلَ إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيءُ جاء، فَفَتَح، فلما خَلَصتُ؛ فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فَسَلِّمُ عليه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ السلام، ثمَّ قال: مرحباً بالابن الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح. ثمَّ صعِد بي حتَّى أتى السَّماء الثَّانية فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، فَفَتَح، فلـمَّا خَلَصتُ؛ إذا يحيى، وعيسى – وهما ابنا خالةٍ – قال: هذا يحيى، وعيسى، فسلِّمْ عليهما، فسلَّمتُ فَرَدَّا، ثمَّ قالا: مرحباً بالأخ الصَّالح والنَّبيِّ الصَّالح. ثمَّ صُعد بي إلى السَّماء الثَّالثة، فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـمَّا خلصت؛ إذا يوسفُ، قال: هذا يوسُفُ فسلِّمْ عليه، فسلَّمتْ عليه، فردَّ ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح.
ثمَّ صُعِدَ بي حتَّى أتى السَّماء الرَّابعة، فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ. قيل: وَمَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: أَوَ قد أُرسِل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـمَّا خلصت؛ فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلِّمْ عليه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح.
ثمَّ صُعِدَ بي حتَّى أتى السَّماء الخامسة، فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ قيل: وَمَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـمَّا خلصت؛ فإذا هارون، قال: هذا هارون، فسلِّمْ عليه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح.
ثمَّ صُعِدَ بي حتَّى أتى السَّماء السَّادسة، فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريل، قيل: وَمَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به، فنعم المجيء جاء. فلـمَّا خلصت؛ فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلِّم عليه، فسلَّمت عليه، فردَّ ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح؛ فلـمَّا تجاوزتُ؛ بكى، قيل له: ما يُبكيك؟ قال: أبكي؛ لأنَّ غلاماً بُعِثَ بعدي يدخل الجنَّةَ من أمَّته أكثرُ مِمَّن يَدْخُلها من أمَّتي.
ثمَّ صعد بي إلى السَّماء السَّابعة، فاستفتح جبريل، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: وَمَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به، ونعم المجيء جاء، فلـمَّا خلصت؛ فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك، فسلِّم عليه، قال: فسلَّمت عليه، فردَّ السَّلام، ثمَّ قال: مرحباً بالابن الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح، ثمَّ رُفِعَتْ لي سِدرةُ المنتهى، فإذا نَبقُها مثل قِلالِ هَجَر، وإذا ورقُها مثل اذانِ الفيلة، قال: هذه سِدرة المنتهى، وإذا أربعةُ أنهارٍ: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟! قال: أمَّا الباطنان؛ فنهران في الجنَّة، وأمَّا الظاهران؛ فالنِّيلُ والفراتُ، ثمَّ رُفعَ لي البيتُ المعمور.
ثمَّ أُتيتُ بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبنٍ، وإناءٍ من عسلٍ، فأخذتُ اللَّبنَ، فقال: هي الفطرةُ؛ الَّتي أنت عليها، وأمَّتُك.
ثمَّ فُرِضتْ عليَّ الصَّلاةُ خمسين صلاةً كلَّ يومٍ، فرجعتُ، فمررتُ على موسى، قال: بِمَ أُمِرت؟ قال: أُمرت بخمسين صلاةً كلَّ يومٍ. قال: إنَّ أمَّتك لا تستطيع خمسين صلاةً كلَّ يومٍ، وإنِّي والله! قد جرَّبت النَّاس قبلك، وعالجتُ بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجعْ إلى ربِّك، فاسأله التَّخفيف لأمَّتك، فرجعت، فوضع عنِّي عشراً، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عنِّي عشراً، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عنِّي عشراً، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فأُمرت بعشر صلوات كلَّ يومٍ، فرجعت، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلواتٍ كلَّ يومٍ، فرجعت إلى موسى، فقال: بِمَ أُمِرْتَ؟ قلت: أمرت بخمس صلواتٍ كلَّ يومٍ، قال: إنَّ أمتك لا تستطيع خمس صلواتٍ كلَّ يومٍ، وإنِّي قد جرَّبت النَّاس قبلك، وعالجتُ بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجعْ إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتَّك، قال: سألت ربِّي حتى استحييتُ، ولكن أرضى، وأسلِّم، قال: فلـمَّا جاوزت نادى منادٍ: أمضيتُ فريضتي، وخففت عن عبادي» [البخاري (3207) ومسلم (164)] .
كانت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرته – عليه السَّلام – بسنةٍ، هكذا قال القاضي عياض في الشِّفا.
ولـمَّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رحلته الميمونة؛ أخبر قومه بذلك، فقال لهم في مجلسٍ حضره المطعم بن عديٍّ، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة: إنِّي صليت اللَّيلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيتُ فيما دون ذلك بيت المقدس، فَنُشِر لي رهطٌ من الأنبياء؛ منهم: إبراهيم، وموسى وعيسى، وصلَّيت بهم، وكلَّمتهم، فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ به: صِفْهم لي، فقال: أمَّا عيسى: ففوق الرَّبعة، ودون الطول، عريض الصَّدر، ظاهر الدَّم، جعدٌ، أشعرٌ، تعلوه صُهْبَةٌ، كأنَّه عروة بن مسعود الثَّقفي. وأمَّا موسى: فضخمٌ آدم، طوالٌ، كأنَّه من رجال شَنُوءَةَ، متراكب الأسنان، مقلَّص الشَّفة، خارج اللَّثة، عابسٌ، وأمَّا إبراهيم: فوالله إنه لأشبه النَّاس بي، خَلْقاً، وخُلُقاً.
فقالوا: يا محمد! فصف لنا بيت المقدس، قال: «دخلت ليلاً، وخرجت منه ليلاً»، فأتاه جبريل بصورته في جناحه، فجعل يقول: «بابٌ منه كذا، في موضع كذا، وبابٌ منه كذا، في موضع كذا».
ثمَّ سألوه عن عيرهم، فقال لهم: «أتيت على عير بني فلان بالرَّوحاء، قد ضَلَّتْ ناقةٌ لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم، ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء، فشربت منه، فاسألوهم عن ذلك» – قالوا: هذه والإله ايةٌ! – «ثمَّ انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت منِّي الإبل، وبرك منها جملٌ أحمر، عليه جُوالِق مخطَّطٌ ببياض، لا أدري أكسر البعير، أم لا؟ فاسألوهم عن ذلك» – قالوا: هذه والإله ايةٌ! – «ثمَّ انتهيت إلى عير بني فلانٍ في التَّنعيم، يقدمها جملٌ أورق، وها هي تطلع عليكم من الثَّنِيَّة» فقال الوليد بن المغيرة: ساحرٌ، فانطلقوا، فنظروا، فوجدوا الأمر كما قال، فرموه بالسِّحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال [المطالب العالية (4/201 – 204، ومجمع الزوائد (1/75 – 76) وابن هشام في السيرة النبوية (2/11)] .
كانت هذه الحادثة فتنةً لبعض النَّاس، مِمَّن كانوا امنوا، وصدَّقوا بالدَّعوة، فارتدُّوا، وذهب بعض النَّاس إلى أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم: أنَّه أسري به اللَّيلة إلى بيت المقدس!
قال: أَوَ قَال ذلك؟! قالوا: نعم! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق! قالوا: أو تصدِّقه: أنَّه ذهب اللَّيلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!
قال: نعم، إنِّي لأصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السَّماء، في غدوةٍ أو روحة. فلذلك سُمِّي أبو بكر: الصِّدِّيق [الحاكم (3/62)] .
يتبع
على الصلابى
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/05/158.jpg
كان وجود أبي طالبٍ بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سياجاً واقياً له يمنع عنه أذى قريش؛ لأنَّ قريشاً ما كانت تريد أن تخسر أبا طالبٍ، ولـمَّا تُوفي أبو طالب؛ انهار هذا الحاجزُ، ونال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من الضَّرر الجسديِّ الشيءُ الكثير.
وكانت خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم البلسمَ الشَّافَي لما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجراح النَّفسيَّة الَّتي يُلحقها به المشركون، ولـمَّا توفيت فَقَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذا البلسم.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطَّائف بعدما اشتدَّ عليه أذى قريش وأمعنوا في التَّضييق عليه، يطلب من زعمائها نصرة الحقِّ الذي يدعو إليه، وحمايته، حتى يبلِّغ دين الله، فما كان جوابهم إلا أن ردُّوه أقبح ردٍّ، ولم يكتفوا بذلك؛ بل أرسلوا إلى قريش رسولاً يخبرهم بما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم ، فتجهَّمت له قريش، وأضمرت له الشَّرَّ، فلم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول مكَّة إلا في جوار رجلٍ كافر، لقد تجهَّمت له قريش، وأحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزادتْ حزنَه، وهمَّه؛ حتَّى سُمِّي ذلك العام بالنِّسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(عام الحزن).
وبعد هذا كلِّه حصلتْ معجزةُ اللهِ لرسوله، ألاَ وهي: الإسراء والمعراج.
أمَّا هدف هذه المعجزة، فيتمثل في أمورٍ؛ من أهمِّها:
أنَّ الله – عزَّ وجلَّ – أراد أن يتيح لرسوله صلى الله عليه وسلم فرصة الاطّلاع على المظاهر الكبرى لقدرته؛ حتَّى يملأ قلبه ثقةً فيه، واستناداً إليه؛ حتَّى يزداد قوَّةً في مهاجمة سلطان الكفَّار القائم في الأرض، كما حدث لموسى عليه السلام، فقد شاء أن يريَه عجائب قدرته. قال تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هَيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُوْلَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أخرى ﴾ [طه: 17 – 22] فلـمَّا ملأ قلبه بمشاهدة هذه الآيات الكبرى، قال له بعد ذلك: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آياتنَا الْكُبْرَى﴾ [طه: 23].
في رحلة الإسراء والمعراج أطلع الله نبيَه صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات الكبرى، توطئةً للهجرة، ولأعظم مواجهةٍ على مدى التَّاريخ للكفر، والضَّلال، والفسوق. والآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ؛ منها: الذَّهاب إلى بيت المقدس، والعروج إلى السَّماء، ورؤية الأنبياء، والمرسلين، والملائكة، والسَّموات، والجنَّة، والنار، ونماذج من النعيم والعذاب… إلخ.
كان حديث القرآن الكريم عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النَّجم، وذكر حكمة الإسراء في سورة الإسراء بقوله: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آياتنَا﴾ [الإسراء: 1] وفي سورة النجم بقوله: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيات رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 18]. وفي الإسراء والمعراج علومٌ، وأسرارٌ، ودقائق ودروس، وَعِبَرٌ.
يقول الأستاذ أبو الحسن النَّدوي: «لم يكن الإسراء مجرَّد حادثٍ فرديٍّ بسيطٍ رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى، وتجلَّى له ملكوت السَّموات، والأرض مشاهدةً، عياناً؛ بل – زيادةً إلى ذلك – اشتملت هذه الرِّحلة النَّبوية الغيبية على معانٍ دقيقةٍ كثيرةٍ، وشاراتٍ حكيمةٍ بعيدة المدى فقد ضمَّت قصَّةُ الإسراء، وأعلنت السُّورتان الكريمتان اللَّتان نزلتا في شأنه «الإسراء» و«النَّجم»: أنَّ محمّداً صلى الله عليه وسلم هو نبيُّ القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت في شخصه، وفي إسرائه مكةُ بالقدس، والبيتُ الحرام بالمسجد الأقصى، وصلَّى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذاناً بعموم رسالته، وخلود إمامته، وإنسانيَّة تعاليمه، وصلاحيتها لاختلاف المكان والزَّمان، وأفادت سورة الإسراء تعيين شخصية النَّبي صلى الله عليه وسلم ، ووصف إمامته، وقيادته، وتحديد مكانة الأمَّة التي بعث فيها، وامنت به، وبيان رسالتها ودورها الَّذي ستمثِّله في العالم، ومن بين الشُّعوب، والأمم».
أولاً: قصة الإسراء والمعراج كما جاءت في بعض الأحاديث
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُتِيتُ بالبُرَاق – وهو دابّـةٌ أبيضُ طويلٌ، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طَرْفه – قال: فركبتهُ حتَّى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة؛ الَّتي يَرْبِطُ به الأنبياءُ. قال: ثمَّ دخلت المسجد فصلَّيت فيه ركعتين، ثمَّ خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبنٍ، فاخترتُ اللَّبن، فقال جبريل: اخترتَ الفطرة»… فذكر الحديث [مسلم (162)] .
وفي حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه: أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم حدَّثهُ عن ليلة أسري به، قال: «بينما أنا في الحطيم – وربما قال في الحِجر – مضطجعاً؛ إذ أتاني اتٍ، فَقَدَّ – قال: وسمعته يقول: فشقَّ – ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثُغرةِ نحرِهِ[إلى شِعْرَته وسمعته يقول: من قَصِّهِ إلى شعرته – فاستخرج قلبي، ثمَّ أُتيتُ بطَسْتٍ من ذهبٍ مملوءةٍ إيماناً، فَغُسِلَ قلبي، ثمَّ حُشيَ، ثمَّ أُعِيدَ، ثمَّ أُتيتُ بدابةٍ دون البغل، وفوق الحمار أبيض – فقال له الجارود: هو البُرَاقُ يا أبا حمزة؟! قال: أنسٌ: نعم – يضع خَطْوَهُ عند أقصى طَرْفه، فحُمِلتُ عليه، فانطَلَقَ بي جبريلُ حتَّى أتى السَّماء الدُّنيا، فاستفتحَ فقيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيلَ: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أُرسِلَ إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيءُ جاء، فَفَتَح، فلما خَلَصتُ؛ فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فَسَلِّمُ عليه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ السلام، ثمَّ قال: مرحباً بالابن الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح. ثمَّ صعِد بي حتَّى أتى السَّماء الثَّانية فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، فَفَتَح، فلـمَّا خَلَصتُ؛ إذا يحيى، وعيسى – وهما ابنا خالةٍ – قال: هذا يحيى، وعيسى، فسلِّمْ عليهما، فسلَّمتُ فَرَدَّا، ثمَّ قالا: مرحباً بالأخ الصَّالح والنَّبيِّ الصَّالح. ثمَّ صُعد بي إلى السَّماء الثَّالثة، فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـمَّا خلصت؛ إذا يوسفُ، قال: هذا يوسُفُ فسلِّمْ عليه، فسلَّمتْ عليه، فردَّ ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح.
ثمَّ صُعِدَ بي حتَّى أتى السَّماء الرَّابعة، فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ. قيل: وَمَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: أَوَ قد أُرسِل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـمَّا خلصت؛ فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلِّمْ عليه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح.
ثمَّ صُعِدَ بي حتَّى أتى السَّماء الخامسة، فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ قيل: وَمَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلـمَّا خلصت؛ فإذا هارون، قال: هذا هارون، فسلِّمْ عليه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح.
ثمَّ صُعِدَ بي حتَّى أتى السَّماء السَّادسة، فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريل، قيل: وَمَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به، فنعم المجيء جاء. فلـمَّا خلصت؛ فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلِّم عليه، فسلَّمت عليه، فردَّ ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح؛ فلـمَّا تجاوزتُ؛ بكى، قيل له: ما يُبكيك؟ قال: أبكي؛ لأنَّ غلاماً بُعِثَ بعدي يدخل الجنَّةَ من أمَّته أكثرُ مِمَّن يَدْخُلها من أمَّتي.
ثمَّ صعد بي إلى السَّماء السَّابعة، فاستفتح جبريل، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: وَمَنْ معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به، ونعم المجيء جاء، فلـمَّا خلصت؛ فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك، فسلِّم عليه، قال: فسلَّمت عليه، فردَّ السَّلام، ثمَّ قال: مرحباً بالابن الصَّالح، والنَّبيِّ الصَّالح، ثمَّ رُفِعَتْ لي سِدرةُ المنتهى، فإذا نَبقُها مثل قِلالِ هَجَر، وإذا ورقُها مثل اذانِ الفيلة، قال: هذه سِدرة المنتهى، وإذا أربعةُ أنهارٍ: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟! قال: أمَّا الباطنان؛ فنهران في الجنَّة، وأمَّا الظاهران؛ فالنِّيلُ والفراتُ، ثمَّ رُفعَ لي البيتُ المعمور.
ثمَّ أُتيتُ بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبنٍ، وإناءٍ من عسلٍ، فأخذتُ اللَّبنَ، فقال: هي الفطرةُ؛ الَّتي أنت عليها، وأمَّتُك.
ثمَّ فُرِضتْ عليَّ الصَّلاةُ خمسين صلاةً كلَّ يومٍ، فرجعتُ، فمررتُ على موسى، قال: بِمَ أُمِرت؟ قال: أُمرت بخمسين صلاةً كلَّ يومٍ. قال: إنَّ أمَّتك لا تستطيع خمسين صلاةً كلَّ يومٍ، وإنِّي والله! قد جرَّبت النَّاس قبلك، وعالجتُ بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجعْ إلى ربِّك، فاسأله التَّخفيف لأمَّتك، فرجعت، فوضع عنِّي عشراً، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عنِّي عشراً، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عنِّي عشراً، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فأُمرت بعشر صلوات كلَّ يومٍ، فرجعت، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلواتٍ كلَّ يومٍ، فرجعت إلى موسى، فقال: بِمَ أُمِرْتَ؟ قلت: أمرت بخمس صلواتٍ كلَّ يومٍ، قال: إنَّ أمتك لا تستطيع خمس صلواتٍ كلَّ يومٍ، وإنِّي قد جرَّبت النَّاس قبلك، وعالجتُ بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجعْ إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتَّك، قال: سألت ربِّي حتى استحييتُ، ولكن أرضى، وأسلِّم، قال: فلـمَّا جاوزت نادى منادٍ: أمضيتُ فريضتي، وخففت عن عبادي» [البخاري (3207) ومسلم (164)] .
كانت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرته – عليه السَّلام – بسنةٍ، هكذا قال القاضي عياض في الشِّفا.
ولـمَّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رحلته الميمونة؛ أخبر قومه بذلك، فقال لهم في مجلسٍ حضره المطعم بن عديٍّ، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة: إنِّي صليت اللَّيلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيتُ فيما دون ذلك بيت المقدس، فَنُشِر لي رهطٌ من الأنبياء؛ منهم: إبراهيم، وموسى وعيسى، وصلَّيت بهم، وكلَّمتهم، فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ به: صِفْهم لي، فقال: أمَّا عيسى: ففوق الرَّبعة، ودون الطول، عريض الصَّدر، ظاهر الدَّم، جعدٌ، أشعرٌ، تعلوه صُهْبَةٌ، كأنَّه عروة بن مسعود الثَّقفي. وأمَّا موسى: فضخمٌ آدم، طوالٌ، كأنَّه من رجال شَنُوءَةَ، متراكب الأسنان، مقلَّص الشَّفة، خارج اللَّثة، عابسٌ، وأمَّا إبراهيم: فوالله إنه لأشبه النَّاس بي، خَلْقاً، وخُلُقاً.
فقالوا: يا محمد! فصف لنا بيت المقدس، قال: «دخلت ليلاً، وخرجت منه ليلاً»، فأتاه جبريل بصورته في جناحه، فجعل يقول: «بابٌ منه كذا، في موضع كذا، وبابٌ منه كذا، في موضع كذا».
ثمَّ سألوه عن عيرهم، فقال لهم: «أتيت على عير بني فلان بالرَّوحاء، قد ضَلَّتْ ناقةٌ لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم، ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء، فشربت منه، فاسألوهم عن ذلك» – قالوا: هذه والإله ايةٌ! – «ثمَّ انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت منِّي الإبل، وبرك منها جملٌ أحمر، عليه جُوالِق مخطَّطٌ ببياض، لا أدري أكسر البعير، أم لا؟ فاسألوهم عن ذلك» – قالوا: هذه والإله ايةٌ! – «ثمَّ انتهيت إلى عير بني فلانٍ في التَّنعيم، يقدمها جملٌ أورق، وها هي تطلع عليكم من الثَّنِيَّة» فقال الوليد بن المغيرة: ساحرٌ، فانطلقوا، فنظروا، فوجدوا الأمر كما قال، فرموه بالسِّحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال [المطالب العالية (4/201 – 204، ومجمع الزوائد (1/75 – 76) وابن هشام في السيرة النبوية (2/11)] .
كانت هذه الحادثة فتنةً لبعض النَّاس، مِمَّن كانوا امنوا، وصدَّقوا بالدَّعوة، فارتدُّوا، وذهب بعض النَّاس إلى أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم: أنَّه أسري به اللَّيلة إلى بيت المقدس!
قال: أَوَ قَال ذلك؟! قالوا: نعم! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق! قالوا: أو تصدِّقه: أنَّه ذهب اللَّيلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!
قال: نعم، إنِّي لأصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السَّماء، في غدوةٍ أو روحة. فلذلك سُمِّي أبو بكر: الصِّدِّيق [الحاكم (3/62)] .
يتبع