أبو يونس العباسي
2008-07-23, 02:37 AM
الرباط وفقهه.... سلاحنا عندما يحتدم الصراع
أبو يونس العباسي
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه , وسلم تسليما كثيرا , وبعد ....
- كنت أمشي في أحد شوارع المدينة , وكان الناس كعادتهم قد اجتمعوا , كل خمسة يتحدثون على حدة , وعلى طول الشارع الذي كنت أسير فيه , وكانت مجموعة من هذه المجموعات يتحدثون عن الواقع المؤلم في القطاع , وكانوا بين متفائل صابر , ويائس جزع , حتى قال أحدهم : يا إخواننا اصبروا , وإلا فكيف ستحصلون على أجر الرباط , وكيف ستسمون مرابطين , قلت في نفسي : لقد صدقت ياعماه , لو فقه الناس فقه الرباط , لما كان الصراع مع أعداء الله على هذا الحال , ولكان وضعنا أفضل وأحسن بمرات ومرات .
أحبتي في الله : في وقت تزداد فيه وطأة الكافرين والمرتدين من طواغيت العرب والعجم على منهج محمد - صلى الله عليه وسلم , وأتباع منهج محمد - صلى الله عليه وسلم - نحتاج إلى عزيمة قوية لنصمد في وجوههم , ثم لتكون العاقبة لنا بإذن الله تعالى , حقا أنني أرى أن المسلمين خاصة ممن يسكنون في " ميادين الصراع " , أو بتعبير سلفنا الصالح في " الثغور "بحاجة إلى معرفة الرباط وفقهه , فإن لهذا الفقه كبير الأثر في ثباتنا وتمسكنا بديننا , له كبير الأثر في حمايتنا من فقه الانبطاح ومشائخه , وفقه الانكسار ورهبانه , وفقه الرضى بالأمر الواقع وأحباره , وفقه الركوع لغير الله رب العالمين وأساطينه .
- أحبتي في الله : والرباط إن وددتم معرفة المقصود به ... فهو : المكوث على الثغور لقتال العدو المحارب , ولكن لابد أن نعلم بأنه: ليس كل من رابط فهو مرابط , هناك من يرابط من أجل جعل كلمة الله هي العليا , وكلمة الذين كفروا هي السفلى , هذا هو الرباط الذي نقصده من مقالنا , ونرضى به , وندعوا إليه , وهناك الرباط في سبيل الطاغوت , من أجل الدنيا , رباط يحمي فيه أصحابه الطاغوت وسلطانه , رباط يحفظ أصحابه فيه مصالح الكافرين , كرباط الجنود الأشاوس على الحدود المصرية الفلسطينية , أو الفلسطينية الأردنية , أو رباط مغاوير السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة , وقبل ذلك في غزة حتى من الله علينا , والذين يحولون بين المجاهدين وبين قتال اليهود , ألا فقبح الله رباطا مثل هذا الرباط .
- أحبتي في الله : وإن معنى الرباط ليس محصورا في قتال أعداء الله تبارك وتعالى , بل إن الثبات على الطاعات , والمداومة عليها , والصبر على مشاقها , هو من الرباط في سبيل الله - سبحانه وتعالى - , بل إن الرباط العسكري , لا يؤتي أكله إلا بقدر ماعند صاحبه من رباط على طاعة المولى - سبحانه وتعالى - , والدليل على هذا الفهم : ذلكم الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على عقيدتكم في زمن التفريط رباط , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على مبائكم في زمن التفريط رباط , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على منهج ربكم , في زمن التفريط رباط , ولا بد هنا أن نعلم : بأن التفريط في المبادئ والثوابت والأصول , الكل يحسنه , فلا ميزة لأحد على أحد فيه , ولكن ما لا يحسنه الكثيرون : هو الصبر على هذه المبادئ والثوابت والأصول , وهنا يتميز لطالب الحق فريقان : فريق باع الدين بمتاع من الدنيا الزائل , وفريق آخر : باع الدنيا من أجل رب العالمين , قال الله تعالى عن الفريق الأول : " أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ" , وقال رب العالمين في حق الفريق الثاني :" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " , وقال عنهم في موضع آخر :" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
-أحبتي في الله : وإذا أحببتم أن تكونوا من منتسبي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية , فاعلموا أن أبرز صفات هذه الطائفة , أنها طائفة مرابط أهلها , صابر أتباعها على الحق وتبعاته , فكما تحمل سلفنا الصالح هذه الرسالة , وتكبدوا المشاق حتى أوصلوها إلينا , فلا بد علينا أن نتحمل هذه التبعة , ونسلم الراية للجيل الذي سيأتي بعدنا , محتسبين في ذلك كله وجه الله الكريم , وغير مكترثين برضى أحد إلا برضاه , ولا بسخط أحد إلا بسخطه , ولا بمخالفة أحد إلا بمخالفته , أخرج أبو داوود في سننه وصححه الأباني من حديث ثوبان : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تزال طائفة من أمتي , على الحق ظاهرين , لا يضرهم من خالفهم , حتى يأتي أمر الله " , فهم هنا ثابتون على الحق ( كل الحق) مرابطون على حدوده , حراس له , لا يسمحون لأحد أن ينتهك حرمته , فهم مرابطون عليه : بالتمسك به والالتزام به في حق أنفسهم , وبالدعوة إليه بألسنتهم , والرد على الشبه حول الحق الذي يعتقدونه , وبالجهاد دونه بالسيف والسنان , وذلك إلى قيام الساعة , أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة " قلت : تدبر هذا الحديث , ثم تأمل الدعاوى التي يثيرها البعض بعدم شرعية الجهاد في هذه الآونة , سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم .
- أحبتي في الله : ومن الآيات التي تحدثت عن الرباط : قوله سبحانه وتعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " , والمقصود بقوله تعالى : "اصبروا" , أي على الدين وتكاليفه , وهذا من الرباط كما علمنا , وأما قوله تعالى : "وصابروا" , أي على قتال عدو الله وعدوكم , وذلك بالتجلد في القتال , وعدم الرضا بالهزيمة , وهذا من الرباط كما علم آنفا , وأما قوله تعالى :" ورابطوا" : أي رابطوا عدوكم حتى يترك دينه لدينكم , وهذا هو المقصود الأسمى للقتال , وقيل في معنى قوله تعالى :" ورابطوا " من الرباط وهو ملازمة المكان بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين أي أقيموا على الجهاد , وأما قوله تعالى :" واتقوا الله " أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية , وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه , وأما قوله تعالى :" لعلكم تفلحون " : أي إن فعلتم ذلك كله , ومن الآية يتبين لكل متدبر أهمية الرباط , ومكانة الرباط عند الله تبارك وتعالى , وليتأمل الواحد منا في هذه الآية وخاصة في قوله تعالى :" ورابطوا " , فهو فعل أمر, والأمر للوجوب إلا إذا صرفه صارف .
- أحبتي في الله : ولأن الرباط ذو مكانة سامقة عند الله تعالى , فقد رتب الله عظيم الجر لمن يمارسه , ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها) , وأخرج مسلم في صحيحه عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان) , وفي سنن أبي داوود وصححه الألباني عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" كل الميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر" , وغيرها من الأحاديث التي لو قرأها المسلمون بعيونهم فرسخت في قلوبهم , ما طابت أنفسهم ان يتركوا الرباط والمكوث في أرض الرباط , ونصرة أهل الرباط , وإن رغبتنا في الجنة وما فيها من نعيم , وخوفنا من النار وما فيها من جحيم , هو الذي يدفعنا للرباط , وللدعوة إلى الرباط في سبيل الله تعالى , كيف لمؤمن أن يترك الرباط وهو السبيل إلى الحياة الأبدية السرمدية التي لايفنى نعيمها !!! , قال الله تعالى :" وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " , كيف لمؤمن أن يترك الرباط , وهو السبيل للحصول على ما عند الله تعالى !!! , قال الله تعالى :" ما عندكم ينفد وما عند الله باق ", والعجب العجاب , ومع كل ما قلنا , تجد الكثيرين من المسلمين يزهدون في الرباط , ويصعب عليهم التضحية بالدنيا وملذاتها , ولو كان ذلك من أجل الله تبارك وتعالى .
أبو يونس العباسي
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه , وسلم تسليما كثيرا , وبعد ....
- كنت أمشي في أحد شوارع المدينة , وكان الناس كعادتهم قد اجتمعوا , كل خمسة يتحدثون على حدة , وعلى طول الشارع الذي كنت أسير فيه , وكانت مجموعة من هذه المجموعات يتحدثون عن الواقع المؤلم في القطاع , وكانوا بين متفائل صابر , ويائس جزع , حتى قال أحدهم : يا إخواننا اصبروا , وإلا فكيف ستحصلون على أجر الرباط , وكيف ستسمون مرابطين , قلت في نفسي : لقد صدقت ياعماه , لو فقه الناس فقه الرباط , لما كان الصراع مع أعداء الله على هذا الحال , ولكان وضعنا أفضل وأحسن بمرات ومرات .
أحبتي في الله : في وقت تزداد فيه وطأة الكافرين والمرتدين من طواغيت العرب والعجم على منهج محمد - صلى الله عليه وسلم , وأتباع منهج محمد - صلى الله عليه وسلم - نحتاج إلى عزيمة قوية لنصمد في وجوههم , ثم لتكون العاقبة لنا بإذن الله تعالى , حقا أنني أرى أن المسلمين خاصة ممن يسكنون في " ميادين الصراع " , أو بتعبير سلفنا الصالح في " الثغور "بحاجة إلى معرفة الرباط وفقهه , فإن لهذا الفقه كبير الأثر في ثباتنا وتمسكنا بديننا , له كبير الأثر في حمايتنا من فقه الانبطاح ومشائخه , وفقه الانكسار ورهبانه , وفقه الرضى بالأمر الواقع وأحباره , وفقه الركوع لغير الله رب العالمين وأساطينه .
- أحبتي في الله : والرباط إن وددتم معرفة المقصود به ... فهو : المكوث على الثغور لقتال العدو المحارب , ولكن لابد أن نعلم بأنه: ليس كل من رابط فهو مرابط , هناك من يرابط من أجل جعل كلمة الله هي العليا , وكلمة الذين كفروا هي السفلى , هذا هو الرباط الذي نقصده من مقالنا , ونرضى به , وندعوا إليه , وهناك الرباط في سبيل الطاغوت , من أجل الدنيا , رباط يحمي فيه أصحابه الطاغوت وسلطانه , رباط يحفظ أصحابه فيه مصالح الكافرين , كرباط الجنود الأشاوس على الحدود المصرية الفلسطينية , أو الفلسطينية الأردنية , أو رباط مغاوير السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة , وقبل ذلك في غزة حتى من الله علينا , والذين يحولون بين المجاهدين وبين قتال اليهود , ألا فقبح الله رباطا مثل هذا الرباط .
- أحبتي في الله : وإن معنى الرباط ليس محصورا في قتال أعداء الله تبارك وتعالى , بل إن الثبات على الطاعات , والمداومة عليها , والصبر على مشاقها , هو من الرباط في سبيل الله - سبحانه وتعالى - , بل إن الرباط العسكري , لا يؤتي أكله إلا بقدر ماعند صاحبه من رباط على طاعة المولى - سبحانه وتعالى - , والدليل على هذا الفهم : ذلكم الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على عقيدتكم في زمن التفريط رباط , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على مبائكم في زمن التفريط رباط , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على منهج ربكم , في زمن التفريط رباط , ولا بد هنا أن نعلم : بأن التفريط في المبادئ والثوابت والأصول , الكل يحسنه , فلا ميزة لأحد على أحد فيه , ولكن ما لا يحسنه الكثيرون : هو الصبر على هذه المبادئ والثوابت والأصول , وهنا يتميز لطالب الحق فريقان : فريق باع الدين بمتاع من الدنيا الزائل , وفريق آخر : باع الدنيا من أجل رب العالمين , قال الله تعالى عن الفريق الأول : " أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ" , وقال رب العالمين في حق الفريق الثاني :" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " , وقال عنهم في موضع آخر :" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
-أحبتي في الله : وإذا أحببتم أن تكونوا من منتسبي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية , فاعلموا أن أبرز صفات هذه الطائفة , أنها طائفة مرابط أهلها , صابر أتباعها على الحق وتبعاته , فكما تحمل سلفنا الصالح هذه الرسالة , وتكبدوا المشاق حتى أوصلوها إلينا , فلا بد علينا أن نتحمل هذه التبعة , ونسلم الراية للجيل الذي سيأتي بعدنا , محتسبين في ذلك كله وجه الله الكريم , وغير مكترثين برضى أحد إلا برضاه , ولا بسخط أحد إلا بسخطه , ولا بمخالفة أحد إلا بمخالفته , أخرج أبو داوود في سننه وصححه الأباني من حديث ثوبان : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تزال طائفة من أمتي , على الحق ظاهرين , لا يضرهم من خالفهم , حتى يأتي أمر الله " , فهم هنا ثابتون على الحق ( كل الحق) مرابطون على حدوده , حراس له , لا يسمحون لأحد أن ينتهك حرمته , فهم مرابطون عليه : بالتمسك به والالتزام به في حق أنفسهم , وبالدعوة إليه بألسنتهم , والرد على الشبه حول الحق الذي يعتقدونه , وبالجهاد دونه بالسيف والسنان , وذلك إلى قيام الساعة , أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة " قلت : تدبر هذا الحديث , ثم تأمل الدعاوى التي يثيرها البعض بعدم شرعية الجهاد في هذه الآونة , سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم .
- أحبتي في الله : ومن الآيات التي تحدثت عن الرباط : قوله سبحانه وتعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " , والمقصود بقوله تعالى : "اصبروا" , أي على الدين وتكاليفه , وهذا من الرباط كما علمنا , وأما قوله تعالى : "وصابروا" , أي على قتال عدو الله وعدوكم , وذلك بالتجلد في القتال , وعدم الرضا بالهزيمة , وهذا من الرباط كما علم آنفا , وأما قوله تعالى :" ورابطوا" : أي رابطوا عدوكم حتى يترك دينه لدينكم , وهذا هو المقصود الأسمى للقتال , وقيل في معنى قوله تعالى :" ورابطوا " من الرباط وهو ملازمة المكان بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين أي أقيموا على الجهاد , وأما قوله تعالى :" واتقوا الله " أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية , وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه , وأما قوله تعالى :" لعلكم تفلحون " : أي إن فعلتم ذلك كله , ومن الآية يتبين لكل متدبر أهمية الرباط , ومكانة الرباط عند الله تبارك وتعالى , وليتأمل الواحد منا في هذه الآية وخاصة في قوله تعالى :" ورابطوا " , فهو فعل أمر, والأمر للوجوب إلا إذا صرفه صارف .
- أحبتي في الله : ولأن الرباط ذو مكانة سامقة عند الله تعالى , فقد رتب الله عظيم الجر لمن يمارسه , ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها) , وأخرج مسلم في صحيحه عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان) , وفي سنن أبي داوود وصححه الألباني عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" كل الميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر" , وغيرها من الأحاديث التي لو قرأها المسلمون بعيونهم فرسخت في قلوبهم , ما طابت أنفسهم ان يتركوا الرباط والمكوث في أرض الرباط , ونصرة أهل الرباط , وإن رغبتنا في الجنة وما فيها من نعيم , وخوفنا من النار وما فيها من جحيم , هو الذي يدفعنا للرباط , وللدعوة إلى الرباط في سبيل الله تعالى , كيف لمؤمن أن يترك الرباط وهو السبيل إلى الحياة الأبدية السرمدية التي لايفنى نعيمها !!! , قال الله تعالى :" وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " , كيف لمؤمن أن يترك الرباط , وهو السبيل للحصول على ما عند الله تعالى !!! , قال الله تعالى :" ما عندكم ينفد وما عند الله باق ", والعجب العجاب , ومع كل ما قلنا , تجد الكثيرين من المسلمين يزهدون في الرباط , ويصعب عليهم التضحية بالدنيا وملذاتها , ولو كان ذلك من أجل الله تبارك وتعالى .