تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا نفى الجهمية ومن وافقهم كالأشاعرة أن الله يخلق لحكمة ؟



عبد الباسط بن يوسف الغريب
2008-07-21, 05:57 AM
لماذا نفى الجهمية ومن وافقهم كالأشاعرة أن الله يخلق لحكمة ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : و هذا مما يبين أن الله خلق الأشياء لحكمة و غاية تصل إليها كما قال ذلك السلف و جمهور المسلمين و جمهور العقلاء. وقالت طائفة كجهم و أتباعه إنه لم يخلق شيئا لشيء و وافقه أبو الحسن الأشعري و من اتبعه من الفقهاء أتباع الأئمة ,و هم يثبتون أنه مريد و ينكرون أن تكون له حكمة يريدها و طائفة من المتفلسفة يثبتون عنايته و حكمته و ينكرون إرادته و كلاهما تناقض و قد بسط الكلام على فساد قول هؤلاء فى غير هذا الموضع و أن منتهاهم جحد الحقائق .
فإن هذا يقول لو كان له حكمة يفعل لأجلها لكان يجب أن يريد الحكمة و ينتفع بها و هو منزه عن ذلك .
و ذاك يقول لو كان له إرادة لكان يفعل لجر منفعة فإن الإرادة لا تعقل إلا كذلك و أرسطو و أتباعه يقولون لو فعل شيئا لكان الفعل لغرض و هو منزه عن ذلك فيقال لهؤلاء : هذه الحوادث مشهودة ألها محدث أم لا ؟فإن قالوا لا فهو غاية المكابرة و إذا جوزوا حدوث الحوادث بلا محدث فتجويزها بمحدث لا إرادة له أولى .
و إن قالو لها محدث ثبت الفاعل و إذا ثبت الخالق المحدث فأما أن يفعل بإرادة أو بغير إرادة فإن قالوا يفعل بغير إرادة كان ذلك أيضا مكابرة فإن كل حركة فى العالم إنما صدرت عن إرادة .
فإن الحركات إما طبعية و إما قسرية و إما إرادية لأن مبدأ الحركة إما أن يكون من المتحرك أو من سبب خارج و ما كان منها فإما أن يكون مع الشعور أو بدون الشعور فما كان سببه من خارج فهو القسري و ما كان سببه منها بلا شعور فهو الطبعي ,و ما كان مع الشعور فهو الإرادي ؛ فالقسرى تابع للقاسر و الذي يتحرك بطبعه كالماء و الهواء و الأرض هو ساكن فى مركزه لكن إذا خرج عن مركزه قسرا طلب العود إلى مركزه فأصل حركته القسر و لم تبق حركة أصلية إلا الإرادية فكل حركة فىالعالم فهي عن إرادة .
فكيف تكون جميع الحوادث و الحركات بلا إرادة
و أيضا فإذا جوزوا أن تحدث الحوادث العظيمة عن فاعل غير مريد فجواز ذلك عن فاعل مريد أولى وإذا ثبت أنه مريد قيل إما أن يكون أرادها لحكمة و إما أن يكون أرادها لغير حكمة فإن قالوا لغير حكمة كان مكابرة فإن الإرادة لا تعقل إلا إذا كان المريد قد فعل لحكمة يقصدها بالفعل .
و أيضا فإذا جوزوا أن يكون فاعلا مريدا بلا حكمة فكونه فاعلا مريدا لحكمة أولى بالجواز .
و أما قولهم هذا لا يعقل إلا فى حق من ينتفع و ذلك يوجب الحاجة و الله منزه عن ذلك .
فإن أرادوا أنه يوجب إحتياجه إلى غيره أو شيء من مخلوقاته فهو ممنوع و باطل فإن كل ما سواه محتاج إليه من كل و جه و هو الصمد الغني عن كل ما سواه و كل ما سواه محتاج إليه و هو القيوم القائم بنفسه المقيم لكل ما سواه فكيف يكون محتاجا إلى غيره .
و إن أرادوا أنه تحصل له بالخلق حكمة هي أيضا حاصلة بمشيئته فهذا لا محذور فيه بل هو الحق .
و إذا قالوا الحكمة هي اللذة قيل لفظ اللذة لم يرد به الشرع و هو موهم و مجمل لكن جاء الشرع بأنه يحب و يرضى و يفرح بتوبة التائبين و نحو ذلك فإذا أريد ما دل عليه الشرع و العقل فهو حق .
و إن قالوا الحكمة إما أن تراد لنفسها أو لحكمة قيل المرادات نوعان ما يراد لنفسه و ما يراد لغيره و قد يكون الشيء غاية و حكمة بالنسبة إلى مخلوق و هو مخلوق لحكمة أخرى فلابد أن ينتهي الأمر إلى حكمة يريدها الفاعل لذاتها .
و المعتزلة و من و افقهم كإبن عقيل و غيره تثبت حكمة لا تعود إلى ذاته و أما السلف فإنهم يثبتون حكمة تعود إليه كما قد بين في غير هذا الموضع .
مجموع الفتاوى (16|133)

فائدة : قول شيخ الإسلام : فإن الحركات إما طبعية و إما قسرية و إما إرادية ..
دليل عقلي صحيح .
وقد ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في أكثر من موضع في كتبه
قال في الصفدية : وأيضا فالدلائل الدالة على وجود الملائكة غير إخبار الأنبياء كثيرة منها أن يقال الحركات الموجودة في العالم ثلاثة قسرية وطبيعية وإرادية ووجه الحصر أن مبدأ الحركة إما أن يكون من المتحرك أو من سبب خارج فإن لم تمكن حركته إلا بسبب خارج عنه كصعود الحجر إلى فوق فهذه الحركة القسرية ,وإن كانت بسبب منه فإما أن يكون المتحرك له شعور ,وإما أن لا يكون فإن كان له شعور فهي الحركة الإرادية وإلا فهي الطبيعية والحركة الطبيعية في العناصر إما أن تكون لخروج الجسم عن مركزه الطبيعي ,وإلا فالتراب إذا كان في مركزه لم يكن في طبعه الحركة فالمتولدات من العناصر لا تتحرك إلا بقاسر يقسر العناصر على حركة بعضها إلى بعض ,وإذا كانت الحركات الطبيعية والقسرية مفتقرة إلى محرك من خارج ؛ علم أن أصل الحركات كلها الإرادة فيلزم من هذا أن يكون مبدأ جميع الحركات من العالم العلوي والسفلي هو الإرادة .
وحينئذ فإن كان الرب هو المحرك للجميع بلا واسطة ثبت أنه فاعل مختار فبطل أصل قولهم وجاز حدوث المعجزات عن مشيئته بلا سبب , وإن كان حركها بتوسط إرادات أخرى فأولئك هم الملائكة وقد علم بالدلائل الكثيرة أن الله خالق الأشياء بالأسباب فعلم أن الملائكة هم الوسائط فيما يخلقه الله تعالى كما قال تعالى {فالمدبرات أمرا } وإذا كانوا موجودين أمكن حدوث الحوادث عنهم .
الصفدية (1|175) -والنبوات (1|376) تحقيق الطويان - الحاشية -