محمد طه شعبان
2020-01-13, 01:48 PM
لستُ أقصد بحرية الكتابة ما يقصده كُتّاب السياسة حين يكتبون عن الصحافة والصحف، وما يجوز للصُّحف أن تتعرّض له وما لا يجوز لهل الخوض فيه. وإنَّما أقصد ذلك القدْر من الحرية الذي ينبغي أن يتمتَّع به الكاتب الأديب حين يكتب مقالته أو ينشئ رسالته، وأسأل: أهو قدر غير محدود؟ وهل هي حرية غير ذات نهاية أو حد؟ أم هو قدْر من الحرية مهما اتسع أفقُه وطال قطر دائرته فإنَّ له حدًّا لا ينبغي للأديب أن يتجاوزه، وقواعد لا ينبغي له أن يطغى عليها فيمحوها أو يغير منها؟.
وقد دعاني إلى هذا التساؤل ما قرأتُه في العدد الأخير من "الرسالة" للأديب الفاضل حبيب شمّاس يخاطب فيه الدكتور هيكل بك فيقول له: «اغلَطْ وأكثرْ من الغلطِ الموهوم وكسِّر من هذه القيود التي كسَّرَ بعضَها من قبلك طه..»، ويختمه بقوله: «إنَّ أغلاط أكابر الكتّاب هي صكُّ تحرير النَّشْءِ الصاعد».
وليست المسألة أن يخطئ الدكتور هيكل أو يصيب، ولا أن يكسرَ الدكتور طه قيودًا من قيود الأدبِ أو يتركها تَغُلُّ الأيدي والأقلام، وإنَّما المسألة مسألة اللغة العربية، وما وضع لها من قواعد وحدود، كما وضع لغيرها من لغاتِ العالم كلِّه، فإنَّ هذه الأغلاط والأخطاء إن أبيح للدكتور هيكل وغيره من كبار الكتّاب أن يقعوا فيها، فليس لأحدٍ بعد ذلك أن يحظر على النَّشْءِ الصاعد ما أُبيح للنشء الذي صعد، وسيحاول أولئك المخطئون من النشء أن يبرِّروا أخطاءهم كما يفعل كبار كتّابهم وقادتهم من الأدباء، ولكنَّهم عندئذ لن يقدِّموا دليلاً على صحَّة ما كتبوا كما لم يقدم أكابر الكتاب دليلًا على صحّة ما كتبوا، وإنَّما سيؤول الأمر في ذلك كله إلى إرادة الكاتب وهواه، وسنعود في قواعد اللغة العربية إلى مثل ما نحن فيه الآن من خلافٍ للنَّقد الأدبي: أهو قائم على قواعد وأسباب بعينها، أم هو قائم على الذَّوق وحدَه؟ وسيرى كلٌّ في اللغة العربية ما يريد، هذا يرفع المفعول وذاك ينصبه، وذاك يجر الفاعل وهذا ينصبه، فإذا سألته في ذلك أو نقدتَ قولَه، قال لك: دعني فإنِّي هكذا أكتب، وهكذا أريد، ولن أغير في كتابتي ولن أكتب غير ما أريد. وستنفرد اللغة العربية إذن بهذا الأسلوب الغريب المتعدد الذي لا ضابطَ له من قواعدَ ولا قياسٍ، فتفوق بذلك لغات الأرض قديمها والحديث، وسيكون ذلك كله باسم التجديد في اللغة والأدب.
إنَّ هذه اللغة العربية ليست لغتنا نحن المصريين، وإنَّما هي لغة طغت على اللغة المصرية، واحتلت مكانها فصارت لغتنا وأخذناها ونحن راضون بها مطمئنون إليها، فهي لغةُ كُتّاب السواد الأعظم من المصريين ولغة نبيهم الكريم، فإمَّا أن نحرص عليها وعلى قواعدها ونسير وفق مناهج أصحابها، وإمَّا أن نغيّر تلك القواعد ونجعلها موافقة لطبيعة عصرنا وأمزجتنا، ونصطلح على قواعد لا يختلف فيها نشءٌ صعد ولا نشء صاعد، أما قبل ذلك التجديد فليس لنا إلَّا أن نتَّبع ما لدينا من قواعد اللغة ونحوها.
سيقال: إنَّ هذا التجديد الذي يحدثه كبار الكُتّاب فيما يكتبون سيصبح مع الزمان قواعد تُتَّبع ونماذج تُحْتذى. بل هو قيل بالفعل، ولكن ليس كلُّ الكُتّاب من الأكابر، وليس من الممكن أن نقصر التجديد على كبار الكتاب ونحظره على الناشئين منهم، ولسنا نأمن على اللغة من هؤلاء الناشئين أن يفسدوها من حيث أرادوا لها تجديدًا وإصلاحًا.
للكُتَّاب أن يغيّروا من الأساليب كيفما يشاءون، وأن يصطنعوا الإطناب أو الإيجاز كما يريدون، فإنَّ هذا كله خير للغة ودليل على غناها ومرونتها، ولكن في حدود القواعد المرسومة والنحو الموضوع، ولا يهمني أن تكون تلك القواعد جديدةً نصطلح عليها الآن، أو أن تكون هي التي بين أيدينا والتي أُجاهر بأنَّها في حاجة كبيرة إلى الإصلاح، فالمقصود: هو أن ننزع اللغة من براثن الفوضى، وما دام الكُتّاب كبارًا ففي وسعهم - من غير شك - أن يكتبوا فيحسنوا الكتابه، وأن يعرضوا أفكارهم الناضجة وآثارهم الأدبية فيحسنوا عرضها، وأن يحافظوا مع ذلك كله على قواعد اللغة.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_language/0/138160/#ixzz6AuG7hCBI
وقد دعاني إلى هذا التساؤل ما قرأتُه في العدد الأخير من "الرسالة" للأديب الفاضل حبيب شمّاس يخاطب فيه الدكتور هيكل بك فيقول له: «اغلَطْ وأكثرْ من الغلطِ الموهوم وكسِّر من هذه القيود التي كسَّرَ بعضَها من قبلك طه..»، ويختمه بقوله: «إنَّ أغلاط أكابر الكتّاب هي صكُّ تحرير النَّشْءِ الصاعد».
وليست المسألة أن يخطئ الدكتور هيكل أو يصيب، ولا أن يكسرَ الدكتور طه قيودًا من قيود الأدبِ أو يتركها تَغُلُّ الأيدي والأقلام، وإنَّما المسألة مسألة اللغة العربية، وما وضع لها من قواعد وحدود، كما وضع لغيرها من لغاتِ العالم كلِّه، فإنَّ هذه الأغلاط والأخطاء إن أبيح للدكتور هيكل وغيره من كبار الكتّاب أن يقعوا فيها، فليس لأحدٍ بعد ذلك أن يحظر على النَّشْءِ الصاعد ما أُبيح للنشء الذي صعد، وسيحاول أولئك المخطئون من النشء أن يبرِّروا أخطاءهم كما يفعل كبار كتّابهم وقادتهم من الأدباء، ولكنَّهم عندئذ لن يقدِّموا دليلاً على صحَّة ما كتبوا كما لم يقدم أكابر الكتاب دليلًا على صحّة ما كتبوا، وإنَّما سيؤول الأمر في ذلك كله إلى إرادة الكاتب وهواه، وسنعود في قواعد اللغة العربية إلى مثل ما نحن فيه الآن من خلافٍ للنَّقد الأدبي: أهو قائم على قواعد وأسباب بعينها، أم هو قائم على الذَّوق وحدَه؟ وسيرى كلٌّ في اللغة العربية ما يريد، هذا يرفع المفعول وذاك ينصبه، وذاك يجر الفاعل وهذا ينصبه، فإذا سألته في ذلك أو نقدتَ قولَه، قال لك: دعني فإنِّي هكذا أكتب، وهكذا أريد، ولن أغير في كتابتي ولن أكتب غير ما أريد. وستنفرد اللغة العربية إذن بهذا الأسلوب الغريب المتعدد الذي لا ضابطَ له من قواعدَ ولا قياسٍ، فتفوق بذلك لغات الأرض قديمها والحديث، وسيكون ذلك كله باسم التجديد في اللغة والأدب.
إنَّ هذه اللغة العربية ليست لغتنا نحن المصريين، وإنَّما هي لغة طغت على اللغة المصرية، واحتلت مكانها فصارت لغتنا وأخذناها ونحن راضون بها مطمئنون إليها، فهي لغةُ كُتّاب السواد الأعظم من المصريين ولغة نبيهم الكريم، فإمَّا أن نحرص عليها وعلى قواعدها ونسير وفق مناهج أصحابها، وإمَّا أن نغيّر تلك القواعد ونجعلها موافقة لطبيعة عصرنا وأمزجتنا، ونصطلح على قواعد لا يختلف فيها نشءٌ صعد ولا نشء صاعد، أما قبل ذلك التجديد فليس لنا إلَّا أن نتَّبع ما لدينا من قواعد اللغة ونحوها.
سيقال: إنَّ هذا التجديد الذي يحدثه كبار الكُتّاب فيما يكتبون سيصبح مع الزمان قواعد تُتَّبع ونماذج تُحْتذى. بل هو قيل بالفعل، ولكن ليس كلُّ الكُتّاب من الأكابر، وليس من الممكن أن نقصر التجديد على كبار الكتاب ونحظره على الناشئين منهم، ولسنا نأمن على اللغة من هؤلاء الناشئين أن يفسدوها من حيث أرادوا لها تجديدًا وإصلاحًا.
للكُتَّاب أن يغيّروا من الأساليب كيفما يشاءون، وأن يصطنعوا الإطناب أو الإيجاز كما يريدون، فإنَّ هذا كله خير للغة ودليل على غناها ومرونتها، ولكن في حدود القواعد المرسومة والنحو الموضوع، ولا يهمني أن تكون تلك القواعد جديدةً نصطلح عليها الآن، أو أن تكون هي التي بين أيدينا والتي أُجاهر بأنَّها في حاجة كبيرة إلى الإصلاح، فالمقصود: هو أن ننزع اللغة من براثن الفوضى، وما دام الكُتّاب كبارًا ففي وسعهم - من غير شك - أن يكتبوا فيحسنوا الكتابه، وأن يعرضوا أفكارهم الناضجة وآثارهم الأدبية فيحسنوا عرضها، وأن يحافظوا مع ذلك كله على قواعد اللغة.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_language/0/138160/#ixzz6AuG7hCBI