تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : «احفظ الله يحفظك» وقالـــوا اتخــــــذ الرحمن ولـــــــدا



ابو وليد البحيرى
2019-12-31, 06:00 AM
«احفظ الله يحفظك» وقالـــوا اتخــــــذ الرحمن ولـــــــدا


الشيخ: رائد الحزيمي


جريمة تتكرر في كل سنة، جريمة يهتز لها الكون من عِظَمِها يمقتها الله عزوجل مقتا شديدًا، بل من غرائب الأمور أن كثيراً من المسلمين يحتفلون ويفرحون ويهنئون بهذه الجريمة؛ إنها جريمة ادعاء أن لله ولدًا: قال -تعالى-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.



سورة من القرآن الكريم، لا يكاد يوجد مسلم إلا وهو يحفظها، وقد لا يمرُّ عليه يوم إلا وقد قرأها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص: 1-4)، فربُّنا متفرِّدٌ بالربوبية والألوهية، ما اتَّخذ صاحبةً ولا ولدًا، ولم يلد، ولم يولد.

نفي الولد عن الله وتنزيهه -سبحانه

وقد تعدَّدَت الآيات القرآنية التي تُؤكِّد وتُقرِّر نفي الولد عن الله وتنزيهه سبحانه وبحمده، قال الله -تعالى-: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (يونس: 68)، وقال -تعالى-: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (الكهف:4-5، وقال -تعالى-: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (المؤمنون: 91)، لذلك فمن أيقن بعظمة الله وقيوميَّته وكماله وغناه لا يمكن أن ينسب لله ولدًا، ولذا قال مؤمنو الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} (الجن: 3)، أي: تعالت عظمتُه وتقدَّسَتْ أسماؤه.

ما أحلم الله وأصبره

فما أحلم الله وأصبره على كفر الكافرين وشرك المشركين! روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ اللَّهُ: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ، فَقَوْلُهُ: لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا»، وفي الصحيحين قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، إِنَّهُ يُشْرِكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» .

لم تكن دعوى وانتهت

إن ادِّعاء أن لله ولدًا لم تكن دعوى في قرون سابقة وانتهت، بل هي موجودة في كل وقت وحين، فمشركو العرب زعموا أن الملائكة بنات الله، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، -تعالى- الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، يكاد أن ينتفض الكون كله حينما يقال: إن لله ولدًا، كاد الكون أن يخرب ويحل به الدمار لما قال الكافرون إن الله اتَّخذ ولدًا.

قول عظيم منكر

قال الله -تعالى-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} (مريم: 88 -92)، {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}؛ إنه قول عظيم فظيع منكر شنيع شديد، ومن شناعة نسبة الولد للرحمن وفظاعتها وتتأثَّر السموات الصلاب، والأرضون الشداد، والجبال الرواسي، وتكاد السموات تتشقَّق وتسقط عليهم، {وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ} وتتصدَّع وتتفطَّر، و{وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}، وتندكُّ وتكون ترابًا.

إعظامًا للرب وإجلالًا

وما تأثر هذه الأجرام العظام إلا إعظامًا للرب وإجلالًا؛ لأنها مخلوقات ومؤسَّسات على توحيد الله جل جلاله، قال محمد بن كعب: «كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة»، وقال البيضاوي في تفسيره: «والمعنى: أن هول هذه الكلمة وعظمها بحيث لو تصوَّرت بصورة محسوسة لم تتحمَّلها هذه الأجرام العظام، وتفتت من شدَّتها، أو أن فظاعتها مجلبة لغضب الله بحيث لولا حلمه لخرب العالم، وبدد قوائمه غضبًا على مَنْ تفوَّه بها»، وقال ابن عباس في قَوْلِهِ -تعالى- ذكره: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} (مريم: 90-91)، قَالَ: إِنَّ الشِّرْكَ فَزِعَتْ مِنْهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ، فَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ».

من أعظم الكفر والشرك

إن نسبة الولد إلى الله من أعظم الكفر والشرك، ومن أعظم المحرمات والذنوب الموبقات، قال الله -تعالى-: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة: 73)، فمهما زين الكافرون طقوسهم وروَّجوا لها، فهم كافرون، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85).

من أجل النعم

إن من أجل النعم أن نعيش موحِّدين لله، وأن نموت على التوحيد، نعمة وأي نعمة؟ إنها تستحقُّ الحمد؛ ولذا حمد ربنا نفسه، وأثنى عليها ومجَّدها، بانتفاء الولد والشريك والولي له، فقال -تعالى- ذكره: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (الإسراء: 111).

لنحمد الله -تعالى

فلنحمد الله -تعالى- على أن عرفنا أنه لم يتخذ ولدًا، ولنحمد الله المنزَّه عن كل نَقْصٍ، ولنحمد الله المنزَّه عن الولد والوالد، ولنحمد الله لما له من كمال ومجد وغنى وعزٍّ، وأعظم الحمد على الهداية للتوحيد أن نُعظِّم الله، ونُعظِّم شرع الله، ونخضع لشرع الله، ونعبد الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}، أي: عظِّمْه وأجلَّه عمَّا يقول الظالمون المعتدون علوًّا كبيرًا.

تفسير قوله -تعالى-: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}.

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن قول الله : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}.

فقال الشيخ: قوله -تعالى-: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}، هذا تحد للذين قالوا: إن الله له ولد، فاليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، فيقول -عز وجل- لنبيه: قل: يعني لهؤلاء المدعين أن لله ولداً، إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين، يعني فأنا أول من يعبد هذا الولد، ولن أستنكف عن عبادته، ولكن لا يمكن أن يكون له ولد؛ لأن الله -تعالى- قال: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}، وإذا كان كذلك فإنه يمتنع أن يكون لله ولد، فهو يقول: لو كان للرحمن ولد فلن أترككم تسبقوني، أو فلن أترككم تسبقوني إليه، فكنت أنا أول من يعبده، ولكنه ليس له ولد، لذلك أنا أنكر عليكم أن تتخذوا لله ولداً.