محمدعبداللطيف
2019-12-20, 01:37 PM
قال الامام محمد بن عبد الوهاب فى رسالة كشف الشبهات -إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ، وَعَرَفْتَ أَنَّ الطَّرِيقَ إِلى اللهِ لابُدَّ لَهُ مِنْ أَعْدَاء قاعِدِينَ عَلَيْهِ، أَهْلِ فَصَاحةٍ وَعِلْمٍ وَحُجَجٍ، فَالواجِبُ عَلَيْكَ: أَنْ تَعلَّمَ مِن دِينِ اللهِ ما يَصِيرُ سِلاحاً تُقَاتِلُ بِهِ هَؤُلاءِ الشياطينَ الَّذِينَ قَالَ إِمَامُهُمْ ومُقَدَّمُهُم لِرَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أكْثَرَهُمْ شَاكِرِيْنَ}وَل كِنْ إن أَقْبَلْتَ إلى اللهِ تعالى، وَأَصْغَيْتَ إِلى حُجَجِ اللهِ وَبَيِّنَاتِهِ فَلا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً} .وَالعَامِّيُّ مِنَ المُوَحِّدِينَ يَغْلبُ أَلفاً مِن علماءِ هؤلاءِ المُشرِكِينَ؛كم ا قالَ تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغَالِبُونَ} .فَجُنْدُ الله تعالى هُمُ الْغَالِبُونَ بِالحُجَّةِ وَاللِّسَانِ، كَمَا أنهم هُم الغَالِبُونَ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ وإنما الخَوْفُ عَلى المُوَحِّدِ الَّذي يَسْلُكُ الطَّرِيقَ وَلَيْسَ مَعَهُ سِلاحٌ.----قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فى شرح كشف الشبهات
(إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ) يَعْنِي: مَا قَرَّرَهُ وقَدَّمَهُ المُصَنِّفُ (وَعَرَفْتَ أَنَّ الطَرِيقَ إِلَى اللهِ لاَبُدَّ لَهُ مِن أَعْدَاءٍ قَاعِدِينَ عَلَيْهِ) مُلاَزِمِينَ لَهُ، لاَ يَنْفَكُّونَ عَنْهُ ولاَ يَرْجِعُونَ عنه أَبَدًا، قَصْدُهُم الإِغْوَاءُ والصَّدْفُ عن هَذَا الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ (أَهْلِ فَصَاحَةٍ) وبَلاَغَةٍ في المَنْطِقِ (وعِلْمٍ وحُجَجٍ) عَلَى بَاطِلِهِم؛ ولَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِن الحُجَجِ المَوْرُوثَةِ عن الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهُ وسَلاَمُهُ عَلَيْهِم إِنَّما هي مَنَامَاتٌ وأَكَاذِيبُ إِذَا جَاءَ عِنْدَ التَّحْصِيلِ فإِذَا هي تَخُونُهُم أَحْوَجَ ما يَكُونُونَ إِلَيْهَا.
(فَالوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَعلَّمَ مِن دِينِ اللهِ) الذي أَنْزَلَهُ (ما يَصِيرُ لَكَ سِلاَحًا) تَذُبُّ بِهِ عن نَفْسِكَ ودِينِكَ وتُدَافِعُ بِهِ و(تُقَاتِلُ بِهِ هَؤُلاَءِ الشَّياطِينَ الَّذِينَ) هُمْ بِهَذَا المَقَامِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِن شَيَاطِينِ الجِنِّ، وهم نُوَّابُ إِبْلِيسَ الذي قَالَ إِمَامُهُم ومُقَدَّمُهُم لرِبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ: {لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: لاَ أَتْرُكُ أَحَدًا يَمُرُّ إِلاَّ تَشَبَّثْتُ بِهِ وأَغْوَيْتُهُ؛ لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهِ لِهَذَا النَّوْعِ الإِنْسَانِيِّ، جَدَّ كُلَّ الجِدِّ، واجْتَهَدَ كُلَّ الاجْتِهَادِ، في إِغْوَائِهِ وصَدْفِهِ وإِضْلاَلِهِ؛ أَخْبَرَ هَذَا الخَبَرَ عَمَّا هو مُرِيدٌ وجَازِمٌ وعَازِمٌ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِهَذِه التَّأْكِيدَاتِ : {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
فَإِذَا كَانَ الطَّرِيقُ الذي هذه صِفَتُهُ مَقْعُودٌ عَلَيْهِ ومَرْصُودٌ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الصُّدُوفِ، وَأَنْوَاعِ القُيُودِ، وأَنْوَاعِ السِّلاَحِ، وأَنْوَاعِ الحُجَجِ والبَيِّنَاتِ، وأَنْوَاعِ الكَيْدِ والمَكْرِ والخِدَاعِ، فكيف يَأْمَنُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَخَافُ؟!.ومِمَّ ا تَقَدَّمَ تَعْرِفُ البُعْدَ عن صِفَةِ التَّعَبِ والْهُوَيْنَا،
بل الأَمْرُ جِدٌّ كُلُّ الجِدِّ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ المُقَيَّضَ له أَعْدَاءٌ، لا يَكُونُ في غَفْلَةٍ عَنْهُم ولَيْسَ مَقْصُودُهم سَفْكَ الدَّمِ فَقَطْ، لاَ بَلْ الدِّينَ.
وَكَمْ أَهْلَكَ في الطَّرِيقِ الذي عَلَيْهِ شَيَاطِينُ الإِنْسِ والجِنِّ مُرَاصِدِينَ مَعَ مَا جُعِلَ لَهُم مِن السُّلْطَةِ عَلَى القَلْبِ ونَحْوِ ذَلِكَ، يَحْسَبُونَ أَنَّه آمِنٌ ولاَ خَافُوا مِن مَخَاوِفِهِ ولاَ عَلِمُوا مِن الشَّرْعِ طُرُقَهُ ومَخَاوِفَهُ بعد ذِكْرِ المُصَنِّفِ مَا ذَكَرَ مِن عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ ونُوَّابِهِ وحِرْصِهِم عَلَى إِهْلاَكِ هَذَا الجِنْسِ الإِنْسَانِيِّ قَالَ:
(وَلَكِنْ إِذَا أَقْبَلْتَ عَلَى اللهِ) بِقَلْبِكَ وقَالِبِكَ، وَعَلِمَ مِنْكَ اللَّجْأَ إِلَيْهِ والتَّبَرِّيَ والتَّخَلِّيَ مِن الحَوْلِ والقُوَّةِ إِلاَّ بِهِ (وأَصْغَيْتَ) كُلَّ الإِصْغَاءِ (إِلَى حُجَجِ اللهِ وبَيِّنَاتِهِ) مِن الكِتَابِ والسُّنَّةِ (فَلاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ) مِن الأَعْدَاءِ القَاعِدِينَ لَكَ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؛ فَعِنْدَك مَا يُحَصِّنُكَ مِن هَذَا؛ فالخَوْفُ عَلَيْكَ عِنْدَما تُعْرِضُ عن حُجَجِ اللهِ وبَيِّنَاتِهِ، الخَوْفُ والحَزَنُ عَلَيْكَ مِن جِهَةِ نَفْسِكَ أَنْ لاَ تُقبِلَ ولاَ تُصْغِيَ.وأما إن لَجَأْتَ إِلَيْهِ فَلاَ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} وَإِنْ كَانَ قَسْمُهُ وحَظُّهُ مِن الأَلْفِ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ فَلَيْسَ كَثْرَةُ حِزْبِهِ مِنْ قُوَّةِ كَيْدِهِ، بل كَيْدُه ضَعِيفٌ، ولَكِنَّ أَكْثَرَ الخَلْقِ أَطَاعُوهُ وتَوَلَّوْهُ ومَكَّنُوهُ من أَنْفُسِهِم، فَلَمَّا جَعَلُوا له سُلْطَانًا كَانَ له عَلَيْهِم سُلْطَانٌ، وإِلاَّ كُلُّ عِبَادِ اللهِ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ، ولو أَنَّهُم لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانًا لَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ.
فَهُم الذين أَعْطَوْهُ القِيَادَ لأَِجْلِ الشَّهَوَاتِ وإِيثَارِ العَاجِلِ عَلَى الآجِلِ؛ أَعْطَوْهُ ذَلِكَ فَصَارُوا إِلى حَيِّزِهِ مِن جَانِبٍ فَصَارَتْ قُوَّتُه نِسْبِيَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}، فَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ في شَيْءٍ فهو الذي ولاَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، وإِذَا أَطَاعَه في شَيْءٍ انْتَظَرَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ، وهَكَذَا حَتَّى يُوصِلَهُ إلى الْهَلاَكِ والعِيَاذُ باللهِ.
(والعَامِّيُّ مِن المُوَحِّدِينَ) الذي عَرَفَ أَدِلَّةَ دِينِهِ، وإِنْ كَانَ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ولاَ عَالِمٍ، لَيْسَ المُرَادُ العَامِّيَّ الجَاهِلَ، اللهُم إِلاَّ أَنْ يُوَفَّقَ العَامِّيُّ- الذي لاَ يَعْرِفُ - لحُجَّةٍ عَقْلِيَّةٍ، وهو نَادِرٌ، (يَغْلِبُ الأَلْفَ) بَلِ الأُلُوفَ (مِن عُلَمَاءِ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ) لأَِنَّ حُجَجَ المُشْرِكِينَ تُرَّهَاتٌ وأَبَاطِيلُ ومَنَامَاتٌ كَاذِبَةٌ، ومَا كَانَ مَعَهُم مِن الحَقِّ فهو رَدٌّ في الحَقِيقَةِ عَلَيْهِم كَمَا (قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} ) فهذه الآيةُ أَفَادَتْ حَصْرَ الغَلَبَةِ في جُنْدِ اللهِ، وهو يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ الغَلَبَ في جَمِيعِ النَّوَاحِي: الحُجَّةِ واللِّسَانِ والسَّيْفِ والسِّنَانِ، يَغْلِبُونَ قَبِيلَهُم، ولاَ تَظُنَّ أَنَّه يَرِدُ عَلَيْهِ تَسْلِيطُ أَهْلِ الشَّرِّ في هَذِه الأَزْمَانِ، فإِنَّهُ بِسَبَبِ إِضَاعَتِهِ، وإِلاَّ دِينُ رَبِّ العَالَمِينَ مَحْفُوظٌ مُؤَمَّنٌ بِحِفْظِ مَن يَقُومُ به، وَلاَ تَظُنَّ أَنَّه يَرِدُ عَلَيْهِ إِدَالَةُ أَهْلِ البَاطِلِ بَعْضَ الأَحْيَانِ فَإِنَّهُ تَمْحِيصٌ وَرِفْعَةٌ وغُرُورٌ لأَِهْلِ البَاطِلِ. (وإِنَّمَا الخَوْفُ عَلَى المُوَحِّدِ) العَابِدِ للهِ المُسْتَقِيمِ عَلَى التَّوْحِيدِ (الذي يَسْلُكُ الطَّرِيقَ ولَيْسَ مَعَهُ سِلاَحٌ) يَذُبُّ بِهِ عن دِينِهِ وهو الحُجَّةُ والسِّلاَحُ، لَمْ يَتَعَلَّمْ أَدِلَّةَ دِينِهِ، فَهَذَا مَخُوفٌ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ أَو يُسْلَبَ أَو يَبْقَى أَسِيرًا في يَدِ عَدُوِّهِ الشَّيْطَانِ وجُنُودِهِ، يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُلِمَّ به الشَّيْطَانُ وجُنُودُه فَيَسْتَزِلُّون َه عن الطَّرِيقِ السَّوِيِّ.---------------------قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
إذا عَرَفْتَ ذَلِكَ، أيْ: أنَّ لِهؤلاءِ الأعداءِ كُتُبًا وعُلومًا وحُجَجًا يَلْبِسُونَ بِها الحقَّ بالباطِلِ، فعليكَ أنْ تَسْتَعِدَّ لهم، والاسْتِعْدادُ لهم يَكونُ بأمرَيْنِ:
أحدُهُما: ما أَشَارَ إليهِ المُؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بِأنْ يَكونَ لَدَيْكَ مِن الْحُجَجِ الشَّرْعيَّةِ والعقْليَّةِ ما تَدْفَعُ بهِ حُجَجَ هؤلاءِ وباطِلَهم.
الثَّاني: أنْ تَعْرِفَ ما عندَهم مِن الباطِلِ حتَّى تَرُدَّ عليهمْ بهِ، ولهذا قالَ شيخُ الإِسلامِ رَحِمَهُ اللهُ في كِتابِهِ: (دَرْءُ تَعارُضِ النَّقْلِ والعَقْلِ) قالَ: (إنَّهُ ما مِنْ إنسانٍ يَأْتِي بِحُجَّةٍ يَحْتَجُّ بِها على الباطِلِ إلاَّ كانَتْ حُجَّةً عليهِ وليسَتْ حُجَّةً لهُ).
وهذا الأمْرُ كما قالَ رَحِمَهُ اللهُ؛ فإنَّ الحُجَّةَ الصَّحِيحةَ إذا احَتَجَّ بِها المُبْطِلُ على باطِلِهِ فإنَّها تَكونُ حُجَّةً عليهِ، وليسَتْ حُجَّةً لهُ، فعلى مَنْ أَرَادَ أنْ يُجادِلَ هؤلاءِ يَتَأَكَّدُ أنْ يُلاحِظَ هذَيْنِ الأمْرَيْنِ:
الأمرُ الأوَّلُ: أنْ يَفْهَمَ ما عندَهم مِن العِلْمِ حتَّى يَرُدَّ عليهم بهِ.
والأمرُ الثَّاني: أنْ يَفْهَمَ الحُجَجَ الشَّرعيَّةَ والعقْليَّةَ الَّتي يَرُدُّ بها على هؤلاءِ.
يُرِيدُ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ أنْ يُشَجِّعَ مَنْ أَقْبَلَ على اللهِ تعالى وعَرَفَ الحقَّ بأنْ لا يَخافَ مِنْ حُجَجِ أهلِ الباطِلِ؛ لأنَّها حُجَجٌ واهِيَةٌ، وهيَ مِنْ كيْدِ الشَّيطانِ، وقدْ قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.
وفي ذلكَ يَقولُ القائِلُ: حُجَجٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُها حَقًّا وكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسورُ
قالَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (والعامِّيُّ مِن المُوَحِّدِينَ يَغْلِبُ ألْفًا مِنْ عُلماءِ هؤلاءِ المُشرِكِينَ)، واسَتَدَلَّ بقولِهِ تعالى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
العامِّيُّ مِن المُوَحِّدِينَ، يَعْنِي: مِن الَّذينَ يُقِرُّونَ بالتَّوحيدِ بأنواعِهِ الثَّلاثةِ: (الألوهيَّةِ، والرُّبوبيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ) يَغْلِبُ أَلْفًا مِنْ عُلماءِ المُشرِكِينَ؛ لأنَّ عُلماءَ هؤلاءِ المُشرِكِينَ يُوَحِّدُونَ اللهَ عزَّ وجلَّ تَوْحِيدًا ناقِصًا؛ حيثُ إنَّهم لا يُوَحِّدُونَهُ إلاَّ بتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ فقطْ، وهذا توحيدٌ ناقِصٌ ليسَ هوَ تَوْحيدًا في الحَقِيقةِ، بِدليلِ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ المُشرِكِينَ الَّذين يُوَحِّدونَ اللهَ هذا التَّوحيدَ، ولم يَنْفَعْهم هذا التَّوحيدُ ولم تُعْصَمْ بهِ دِماؤُهم وأموالُهم.
والعامِّيُّ من المُوَحِّدِينَ يُقِرُّ بأنواعِ التَّوحيدِ الثَّلاثةِ: توحيدِ الرُّبوبيَّةِ، والألوهيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ، فيَكونُ خيْرًا مِنْ هؤلاءِ.
أَشَارَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ إلى أنَّ جُنْدَ اللهِ وهمْ عبادُهُ المُؤْمِنونَ الَّذينَ يَنْصُرونَ اللهَ ورسولَهُ يُجاهِدونَ النَّاسَ بأمرَيْنِ:
الأوَّلُ: الحُجَّةُ والبَيانُ، وهذا بالنِّسبةِ للمُنافِقِينَ الَّذينَ لا يُظْهِرُونَ عَداوَةَ المُسلِمِينَ، فهؤلاءِ يُجَاهَدُونَ بالحُجَّةِ والبَيانِ.
الثَّاني: مَنْ يُجَاهَدُ بالسَّيفِ والسِّنانِ، وَهُم المُظْهِرونَ لِلعَداوةِ، وَهُم الكُفَّارُ الخُلَّصُ المُعْلِنونَ بِكُفْرِهم.
وفي هذا والَّذي قَبْلَهُ يَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التَّحْرِيمُ: 9].
والجِهادُ بالحُجَّةِ والبَيانِ يَكونُ لِلكُفَّارِ الخُلَّصِ المُعْلِنِينَ لِكُفْرِهم أوَّلاً،ثمَّ يُجَاهَدُونَ بالسَّيفِ والسِّنانِ ثانيًا، ولا يُجَاهَدُونَ بالسَّيفِ والسِّنانِ إلاَّ بعدَ قِيامِ الحُجَّةِ عليهم.
والواجبُ على الأمَّةِ الإِسلاميَّةِ أنْ تُقَابِلَ كلَّ سِلاحٍ يُصَوَّبُ نحوَ الإِسلامِ بما يُناسِبُهُ، فالَّذين يُحارِبونَ الإِسلامَ بالأفكارِ والأقوالِ يَجِبُ أنْ يُبَيَّنَ بُطْلانُ ما هم عليهِ بِالأدِلَّةِ النظريَّةِ العقْليَّةِ، إضافةً إلى الأدِلَّةِ الشرْعيَّةِ. والَّذين يُحارِبونَ الإسلامَ مِن النَّاحِيةِ الاقْتِصاديَّةِ يَجِبُ أن يُدَافَعُوا، بلْ أنْ يُهَاجَمُوا إذا أَمْكَنَ، بِمِثْلِ ما يُحارِبونَ بهِ الإِسلامَ. والَّذينَ يُحارِبونَ الإِسلامَ بِالأَسْلِحةِ يَجِبُ أنْ يُقاوَموا بِما يُناسِبُ تلكَ الأسلحةَ.
أيْ: أنَّ الخوْفَ مِنْ أعداءِ الأنبياءِ إنَّما هوَ على المُوَحِّدِ الَّذي يَسْلُكُ الطَّريقَ، وليسَ معهُ سلاحٌ؛ لأنَّهُ ليسَ لهُ عِلمٌ يَتَسَلَّحُ بهِ، فَيُخْشَى أنْ يُجادِلَهُ أحدٌ مِنْ هؤلاءِ المُشرِكِينَ فتَضِيعَ حُجَّتُهُ فَيَهْلِكَ، فلا بُدَّ أنْ يَكونَ عندَ الإِنسانِ عِلمٌ يَدْفَعُ بِهِ الشُّبُهاتِ، ويُفْحِمُ بِهِ الخَصْمَ؛ لأنَّ المُجادِلَ يَحْتاجُ إلى أمرَيْنِ:
الأوَّلُ: إثباتُ دَليلِ قولِهِ.
الثَّاني: إبطالُ دليلِ خَصمِهِ.
ولا سَبيلَ إلى ذلكَ إلاَّ بِمعرفةِ ما هوَ عليهِ مِن الحقِّ، وما عليهِ خَصْمُهُ مِن الباطِلِ؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ دَحْضِ حُجَّتِهِ[شرح كشف الشبهات]............
(إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ) يَعْنِي: مَا قَرَّرَهُ وقَدَّمَهُ المُصَنِّفُ (وَعَرَفْتَ أَنَّ الطَرِيقَ إِلَى اللهِ لاَبُدَّ لَهُ مِن أَعْدَاءٍ قَاعِدِينَ عَلَيْهِ) مُلاَزِمِينَ لَهُ، لاَ يَنْفَكُّونَ عَنْهُ ولاَ يَرْجِعُونَ عنه أَبَدًا، قَصْدُهُم الإِغْوَاءُ والصَّدْفُ عن هَذَا الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ (أَهْلِ فَصَاحَةٍ) وبَلاَغَةٍ في المَنْطِقِ (وعِلْمٍ وحُجَجٍ) عَلَى بَاطِلِهِم؛ ولَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِن الحُجَجِ المَوْرُوثَةِ عن الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهُ وسَلاَمُهُ عَلَيْهِم إِنَّما هي مَنَامَاتٌ وأَكَاذِيبُ إِذَا جَاءَ عِنْدَ التَّحْصِيلِ فإِذَا هي تَخُونُهُم أَحْوَجَ ما يَكُونُونَ إِلَيْهَا.
(فَالوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَعلَّمَ مِن دِينِ اللهِ) الذي أَنْزَلَهُ (ما يَصِيرُ لَكَ سِلاَحًا) تَذُبُّ بِهِ عن نَفْسِكَ ودِينِكَ وتُدَافِعُ بِهِ و(تُقَاتِلُ بِهِ هَؤُلاَءِ الشَّياطِينَ الَّذِينَ) هُمْ بِهَذَا المَقَامِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِن شَيَاطِينِ الجِنِّ، وهم نُوَّابُ إِبْلِيسَ الذي قَالَ إِمَامُهُم ومُقَدَّمُهُم لرِبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ: {لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: لاَ أَتْرُكُ أَحَدًا يَمُرُّ إِلاَّ تَشَبَّثْتُ بِهِ وأَغْوَيْتُهُ؛ لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهِ لِهَذَا النَّوْعِ الإِنْسَانِيِّ، جَدَّ كُلَّ الجِدِّ، واجْتَهَدَ كُلَّ الاجْتِهَادِ، في إِغْوَائِهِ وصَدْفِهِ وإِضْلاَلِهِ؛ أَخْبَرَ هَذَا الخَبَرَ عَمَّا هو مُرِيدٌ وجَازِمٌ وعَازِمٌ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِهَذِه التَّأْكِيدَاتِ : {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
فَإِذَا كَانَ الطَّرِيقُ الذي هذه صِفَتُهُ مَقْعُودٌ عَلَيْهِ ومَرْصُودٌ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الصُّدُوفِ، وَأَنْوَاعِ القُيُودِ، وأَنْوَاعِ السِّلاَحِ، وأَنْوَاعِ الحُجَجِ والبَيِّنَاتِ، وأَنْوَاعِ الكَيْدِ والمَكْرِ والخِدَاعِ، فكيف يَأْمَنُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَخَافُ؟!.ومِمَّ ا تَقَدَّمَ تَعْرِفُ البُعْدَ عن صِفَةِ التَّعَبِ والْهُوَيْنَا،
بل الأَمْرُ جِدٌّ كُلُّ الجِدِّ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ المُقَيَّضَ له أَعْدَاءٌ، لا يَكُونُ في غَفْلَةٍ عَنْهُم ولَيْسَ مَقْصُودُهم سَفْكَ الدَّمِ فَقَطْ، لاَ بَلْ الدِّينَ.
وَكَمْ أَهْلَكَ في الطَّرِيقِ الذي عَلَيْهِ شَيَاطِينُ الإِنْسِ والجِنِّ مُرَاصِدِينَ مَعَ مَا جُعِلَ لَهُم مِن السُّلْطَةِ عَلَى القَلْبِ ونَحْوِ ذَلِكَ، يَحْسَبُونَ أَنَّه آمِنٌ ولاَ خَافُوا مِن مَخَاوِفِهِ ولاَ عَلِمُوا مِن الشَّرْعِ طُرُقَهُ ومَخَاوِفَهُ بعد ذِكْرِ المُصَنِّفِ مَا ذَكَرَ مِن عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ ونُوَّابِهِ وحِرْصِهِم عَلَى إِهْلاَكِ هَذَا الجِنْسِ الإِنْسَانِيِّ قَالَ:
(وَلَكِنْ إِذَا أَقْبَلْتَ عَلَى اللهِ) بِقَلْبِكَ وقَالِبِكَ، وَعَلِمَ مِنْكَ اللَّجْأَ إِلَيْهِ والتَّبَرِّيَ والتَّخَلِّيَ مِن الحَوْلِ والقُوَّةِ إِلاَّ بِهِ (وأَصْغَيْتَ) كُلَّ الإِصْغَاءِ (إِلَى حُجَجِ اللهِ وبَيِّنَاتِهِ) مِن الكِتَابِ والسُّنَّةِ (فَلاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ) مِن الأَعْدَاءِ القَاعِدِينَ لَكَ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؛ فَعِنْدَك مَا يُحَصِّنُكَ مِن هَذَا؛ فالخَوْفُ عَلَيْكَ عِنْدَما تُعْرِضُ عن حُجَجِ اللهِ وبَيِّنَاتِهِ، الخَوْفُ والحَزَنُ عَلَيْكَ مِن جِهَةِ نَفْسِكَ أَنْ لاَ تُقبِلَ ولاَ تُصْغِيَ.وأما إن لَجَأْتَ إِلَيْهِ فَلاَ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} وَإِنْ كَانَ قَسْمُهُ وحَظُّهُ مِن الأَلْفِ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ فَلَيْسَ كَثْرَةُ حِزْبِهِ مِنْ قُوَّةِ كَيْدِهِ، بل كَيْدُه ضَعِيفٌ، ولَكِنَّ أَكْثَرَ الخَلْقِ أَطَاعُوهُ وتَوَلَّوْهُ ومَكَّنُوهُ من أَنْفُسِهِم، فَلَمَّا جَعَلُوا له سُلْطَانًا كَانَ له عَلَيْهِم سُلْطَانٌ، وإِلاَّ كُلُّ عِبَادِ اللهِ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ، ولو أَنَّهُم لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانًا لَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ.
فَهُم الذين أَعْطَوْهُ القِيَادَ لأَِجْلِ الشَّهَوَاتِ وإِيثَارِ العَاجِلِ عَلَى الآجِلِ؛ أَعْطَوْهُ ذَلِكَ فَصَارُوا إِلى حَيِّزِهِ مِن جَانِبٍ فَصَارَتْ قُوَّتُه نِسْبِيَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}، فَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ في شَيْءٍ فهو الذي ولاَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، وإِذَا أَطَاعَه في شَيْءٍ انْتَظَرَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ، وهَكَذَا حَتَّى يُوصِلَهُ إلى الْهَلاَكِ والعِيَاذُ باللهِ.
(والعَامِّيُّ مِن المُوَحِّدِينَ) الذي عَرَفَ أَدِلَّةَ دِينِهِ، وإِنْ كَانَ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ولاَ عَالِمٍ، لَيْسَ المُرَادُ العَامِّيَّ الجَاهِلَ، اللهُم إِلاَّ أَنْ يُوَفَّقَ العَامِّيُّ- الذي لاَ يَعْرِفُ - لحُجَّةٍ عَقْلِيَّةٍ، وهو نَادِرٌ، (يَغْلِبُ الأَلْفَ) بَلِ الأُلُوفَ (مِن عُلَمَاءِ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ) لأَِنَّ حُجَجَ المُشْرِكِينَ تُرَّهَاتٌ وأَبَاطِيلُ ومَنَامَاتٌ كَاذِبَةٌ، ومَا كَانَ مَعَهُم مِن الحَقِّ فهو رَدٌّ في الحَقِيقَةِ عَلَيْهِم كَمَا (قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} ) فهذه الآيةُ أَفَادَتْ حَصْرَ الغَلَبَةِ في جُنْدِ اللهِ، وهو يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ الغَلَبَ في جَمِيعِ النَّوَاحِي: الحُجَّةِ واللِّسَانِ والسَّيْفِ والسِّنَانِ، يَغْلِبُونَ قَبِيلَهُم، ولاَ تَظُنَّ أَنَّه يَرِدُ عَلَيْهِ تَسْلِيطُ أَهْلِ الشَّرِّ في هَذِه الأَزْمَانِ، فإِنَّهُ بِسَبَبِ إِضَاعَتِهِ، وإِلاَّ دِينُ رَبِّ العَالَمِينَ مَحْفُوظٌ مُؤَمَّنٌ بِحِفْظِ مَن يَقُومُ به، وَلاَ تَظُنَّ أَنَّه يَرِدُ عَلَيْهِ إِدَالَةُ أَهْلِ البَاطِلِ بَعْضَ الأَحْيَانِ فَإِنَّهُ تَمْحِيصٌ وَرِفْعَةٌ وغُرُورٌ لأَِهْلِ البَاطِلِ. (وإِنَّمَا الخَوْفُ عَلَى المُوَحِّدِ) العَابِدِ للهِ المُسْتَقِيمِ عَلَى التَّوْحِيدِ (الذي يَسْلُكُ الطَّرِيقَ ولَيْسَ مَعَهُ سِلاَحٌ) يَذُبُّ بِهِ عن دِينِهِ وهو الحُجَّةُ والسِّلاَحُ، لَمْ يَتَعَلَّمْ أَدِلَّةَ دِينِهِ، فَهَذَا مَخُوفٌ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ أَو يُسْلَبَ أَو يَبْقَى أَسِيرًا في يَدِ عَدُوِّهِ الشَّيْطَانِ وجُنُودِهِ، يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُلِمَّ به الشَّيْطَانُ وجُنُودُه فَيَسْتَزِلُّون َه عن الطَّرِيقِ السَّوِيِّ.---------------------قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
إذا عَرَفْتَ ذَلِكَ، أيْ: أنَّ لِهؤلاءِ الأعداءِ كُتُبًا وعُلومًا وحُجَجًا يَلْبِسُونَ بِها الحقَّ بالباطِلِ، فعليكَ أنْ تَسْتَعِدَّ لهم، والاسْتِعْدادُ لهم يَكونُ بأمرَيْنِ:
أحدُهُما: ما أَشَارَ إليهِ المُؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بِأنْ يَكونَ لَدَيْكَ مِن الْحُجَجِ الشَّرْعيَّةِ والعقْليَّةِ ما تَدْفَعُ بهِ حُجَجَ هؤلاءِ وباطِلَهم.
الثَّاني: أنْ تَعْرِفَ ما عندَهم مِن الباطِلِ حتَّى تَرُدَّ عليهمْ بهِ، ولهذا قالَ شيخُ الإِسلامِ رَحِمَهُ اللهُ في كِتابِهِ: (دَرْءُ تَعارُضِ النَّقْلِ والعَقْلِ) قالَ: (إنَّهُ ما مِنْ إنسانٍ يَأْتِي بِحُجَّةٍ يَحْتَجُّ بِها على الباطِلِ إلاَّ كانَتْ حُجَّةً عليهِ وليسَتْ حُجَّةً لهُ).
وهذا الأمْرُ كما قالَ رَحِمَهُ اللهُ؛ فإنَّ الحُجَّةَ الصَّحِيحةَ إذا احَتَجَّ بِها المُبْطِلُ على باطِلِهِ فإنَّها تَكونُ حُجَّةً عليهِ، وليسَتْ حُجَّةً لهُ، فعلى مَنْ أَرَادَ أنْ يُجادِلَ هؤلاءِ يَتَأَكَّدُ أنْ يُلاحِظَ هذَيْنِ الأمْرَيْنِ:
الأمرُ الأوَّلُ: أنْ يَفْهَمَ ما عندَهم مِن العِلْمِ حتَّى يَرُدَّ عليهم بهِ.
والأمرُ الثَّاني: أنْ يَفْهَمَ الحُجَجَ الشَّرعيَّةَ والعقْليَّةَ الَّتي يَرُدُّ بها على هؤلاءِ.
يُرِيدُ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ أنْ يُشَجِّعَ مَنْ أَقْبَلَ على اللهِ تعالى وعَرَفَ الحقَّ بأنْ لا يَخافَ مِنْ حُجَجِ أهلِ الباطِلِ؛ لأنَّها حُجَجٌ واهِيَةٌ، وهيَ مِنْ كيْدِ الشَّيطانِ، وقدْ قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.
وفي ذلكَ يَقولُ القائِلُ: حُجَجٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُها حَقًّا وكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسورُ
قالَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (والعامِّيُّ مِن المُوَحِّدِينَ يَغْلِبُ ألْفًا مِنْ عُلماءِ هؤلاءِ المُشرِكِينَ)، واسَتَدَلَّ بقولِهِ تعالى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
العامِّيُّ مِن المُوَحِّدِينَ، يَعْنِي: مِن الَّذينَ يُقِرُّونَ بالتَّوحيدِ بأنواعِهِ الثَّلاثةِ: (الألوهيَّةِ، والرُّبوبيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ) يَغْلِبُ أَلْفًا مِنْ عُلماءِ المُشرِكِينَ؛ لأنَّ عُلماءَ هؤلاءِ المُشرِكِينَ يُوَحِّدُونَ اللهَ عزَّ وجلَّ تَوْحِيدًا ناقِصًا؛ حيثُ إنَّهم لا يُوَحِّدُونَهُ إلاَّ بتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ فقطْ، وهذا توحيدٌ ناقِصٌ ليسَ هوَ تَوْحيدًا في الحَقِيقةِ، بِدليلِ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ المُشرِكِينَ الَّذين يُوَحِّدونَ اللهَ هذا التَّوحيدَ، ولم يَنْفَعْهم هذا التَّوحيدُ ولم تُعْصَمْ بهِ دِماؤُهم وأموالُهم.
والعامِّيُّ من المُوَحِّدِينَ يُقِرُّ بأنواعِ التَّوحيدِ الثَّلاثةِ: توحيدِ الرُّبوبيَّةِ، والألوهيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ، فيَكونُ خيْرًا مِنْ هؤلاءِ.
أَشَارَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ إلى أنَّ جُنْدَ اللهِ وهمْ عبادُهُ المُؤْمِنونَ الَّذينَ يَنْصُرونَ اللهَ ورسولَهُ يُجاهِدونَ النَّاسَ بأمرَيْنِ:
الأوَّلُ: الحُجَّةُ والبَيانُ، وهذا بالنِّسبةِ للمُنافِقِينَ الَّذينَ لا يُظْهِرُونَ عَداوَةَ المُسلِمِينَ، فهؤلاءِ يُجَاهَدُونَ بالحُجَّةِ والبَيانِ.
الثَّاني: مَنْ يُجَاهَدُ بالسَّيفِ والسِّنانِ، وَهُم المُظْهِرونَ لِلعَداوةِ، وَهُم الكُفَّارُ الخُلَّصُ المُعْلِنونَ بِكُفْرِهم.
وفي هذا والَّذي قَبْلَهُ يَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التَّحْرِيمُ: 9].
والجِهادُ بالحُجَّةِ والبَيانِ يَكونُ لِلكُفَّارِ الخُلَّصِ المُعْلِنِينَ لِكُفْرِهم أوَّلاً،ثمَّ يُجَاهَدُونَ بالسَّيفِ والسِّنانِ ثانيًا، ولا يُجَاهَدُونَ بالسَّيفِ والسِّنانِ إلاَّ بعدَ قِيامِ الحُجَّةِ عليهم.
والواجبُ على الأمَّةِ الإِسلاميَّةِ أنْ تُقَابِلَ كلَّ سِلاحٍ يُصَوَّبُ نحوَ الإِسلامِ بما يُناسِبُهُ، فالَّذين يُحارِبونَ الإِسلامَ بالأفكارِ والأقوالِ يَجِبُ أنْ يُبَيَّنَ بُطْلانُ ما هم عليهِ بِالأدِلَّةِ النظريَّةِ العقْليَّةِ، إضافةً إلى الأدِلَّةِ الشرْعيَّةِ. والَّذين يُحارِبونَ الإسلامَ مِن النَّاحِيةِ الاقْتِصاديَّةِ يَجِبُ أن يُدَافَعُوا، بلْ أنْ يُهَاجَمُوا إذا أَمْكَنَ، بِمِثْلِ ما يُحارِبونَ بهِ الإِسلامَ. والَّذينَ يُحارِبونَ الإِسلامَ بِالأَسْلِحةِ يَجِبُ أنْ يُقاوَموا بِما يُناسِبُ تلكَ الأسلحةَ.
أيْ: أنَّ الخوْفَ مِنْ أعداءِ الأنبياءِ إنَّما هوَ على المُوَحِّدِ الَّذي يَسْلُكُ الطَّريقَ، وليسَ معهُ سلاحٌ؛ لأنَّهُ ليسَ لهُ عِلمٌ يَتَسَلَّحُ بهِ، فَيُخْشَى أنْ يُجادِلَهُ أحدٌ مِنْ هؤلاءِ المُشرِكِينَ فتَضِيعَ حُجَّتُهُ فَيَهْلِكَ، فلا بُدَّ أنْ يَكونَ عندَ الإِنسانِ عِلمٌ يَدْفَعُ بِهِ الشُّبُهاتِ، ويُفْحِمُ بِهِ الخَصْمَ؛ لأنَّ المُجادِلَ يَحْتاجُ إلى أمرَيْنِ:
الأوَّلُ: إثباتُ دَليلِ قولِهِ.
الثَّاني: إبطالُ دليلِ خَصمِهِ.
ولا سَبيلَ إلى ذلكَ إلاَّ بِمعرفةِ ما هوَ عليهِ مِن الحقِّ، وما عليهِ خَصْمُهُ مِن الباطِلِ؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ دَحْضِ حُجَّتِهِ[شرح كشف الشبهات]............