ابو وليد البحيرى
2019-11-25, 06:46 PM
117 همسة من قصة يوسف عليه السلام
سلطان بن عبد اللّه العمري
بين يديك فوائد ولطائف على قصة يوسف - عليه السلام - كنت كتبتها بطريقة مختصرة في موقع "تويتر" وأحببت جمعها في ملف واحد لتتم الاستفادة منها.
1- بداية السورة: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)[يوسف: 3] فيه: استخدام أسلوب القصة في الدعوة والاختيار الجيد للقصص النافعة من قصص الأنبياء والصحابة، وهنا نؤكد على استخدام القصص الواقعية في التأثير الدعوي والتربوي.
2- لا مانع من سرد القصص الواقعية، قال - تعالى -: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف: 176].
وهناك يعيب بعض الناس علينا لماذا نقص؟ وأقول: نحن نقص؛ لأن الله أمرنا باستخدام القصص.
3- (وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف: 3] أي: قبل الوحي، وفيه: أن المرء بلا هداية القرآن ونوره في غفلة، وعلى قدر قربه من القرآن يهتدي.
4- (قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) [يوسف: 5] هنا: فراسة يعقوب ومعرفته بما يفسد الأبناء وأن الرؤيا لا تحدث بها كل أحد، بل لا تحدث بها إلا من تحب.
5- أن الحسد بين الإخوة والأقارب أقوى من غيرهم لقوة التنافس والتنازع بينهم.
6- الحث على سد الذرائع الموصلة للخلافات والبغضاء.
7- (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يوسف: 5] اليقين الكامل بعداوة الشيطان ومكره ومحاولة إيقاعنا في الفتن والمصائب، وقد تكرر ذلك في القرآن كثيراً.
8 - (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) [يوسف: 6] الاجتباء: هو الاصطفاء والاختيار، وفي هذا شرف الدعوة وشرف للداعية إذ أنها مهمة الأنبياء ومحط اختيار الله - تعالى -.
9- (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) [يوسف: 6] فيه: أن العلم وسائر النعم إنما هي فضل من الله ورحمة منه، وأن الإنسان لا شيء لولا رعاية الله.
10- (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) [يوسف: 8] فيه: الغيرة بين الأبناء، وأنه يجب على الوالدين العدل بين الأولاد وعدم إشعار البقية بفضل أحدهم.
11- (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) [يوسف: 9] فيه: أن جريمة القتل من أشنع الجرائم، وأن الحسد قد يتسبب في إلحاق الأذى بالمحسود.
12- (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) [يوسف: 9] فيه: أن صاحب الخطأ قد يبرر لخطئه ويسوف التوبة، فهم أرادوا قتله لينفردوا بأبيهم.
13- أخذوا يوسف وعاهدوا والدهم على رعايته، ثم رموه في البئر وجاءوا بثيابه وزعموا أن الذئب أكله. والسؤال: كيف يأكله وثيابه لم تتمزق؟.
14- أن السيئات ينادي بعضها بعضاً، فهم أرادوا قتله، ثم عاهدوا وكذبوا، ثم رموه، ثم كذبوا في العذر. وعلى العكس، الحسنات ينادي بعضها بعضاً.
15- (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ)[يوسف: 18] فيه: أن النفس أمارة بالسوء غالباً وتدعو صاحبها لكل ذنب، ولهذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ".
16- (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)[يوسف: 18] فيه؛ الصبر عند البلاء، والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه، والحرص على تفويض الأمور لله.
17- جاءت سيارة وهي القافلة ورمى أحدهم بالدلو فخرج عليهم يوسف فأخذوه وباعوه لسيد مصر والمسؤول الكبير فيها لعل يوسف أن ينفعهم أو يكون ولداً لهم.
18- ويمكث يوسف في قصر العزيز فترة - الله أعلم بها ولما بلغ أشده آتاه الله النبوة، ومنحه الحكمة والعلم.
19- وفي القصر الجميل الكبير تحدث..
20- الفتنة العظيمة؛ حيث عشقت زوجة عزيز مصر يوسف - عليه السلام - بسبب جماله وحسنه، وتعرضت له وأغلقت الأبواب وقالت: هيت لك.أنا بين يديك..
22- ولكن يوسف كان صاحب إيمان وخوف من الله، قال: معاذ الله، أي أعتصم بالله. وهذا شأن كل مؤمن أن يستعيذ بالله من الفتن ويبرأ من حوله وقوته.
23- ثم اعترف يوسف بفضل سيده (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)[يوسف: 23] فكيف أقع في الحرام المتعلق بعرضه، وهو الذي أكرمني وآواني في قصره، وهذا دليل على سمو أخلاق يوسف وهو: خلق الوفاء.
24- (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)[يوسف: 24] الهم من المرأة معلوم، ولكن ما معنى الهم من يوسف؟ على خلاف في التفسير...
25- والصواب: أنه لم يحدث منه هم أصلاً؛ لأنه رأى برهان ربه قبل أن يهم، وهو اختيار الإمام الشنقيطي صاحب أضواء البيان - رحمه الله -.
26- (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 24] وفيه: الحفظ الرباني لأنبيائه، وأن المرء لا حول له ولا قوة إلا بالله.
27- وأن المخلصين يحفظهم الرحمن من الفتن بسبب قوة إخلاصهم وحرارة تقواهم. قال ابن تيمية: " فإن قوة إخلاص يوسف كان أقوى من جمال المرأة ".
28- شدة الفتنة بيوسف - عليه السلام -، فإن المرأة هي التي دعته، وقد غلقت الأبواب، وهي سيدته، وهو شاب وأعزب وغريب عن البلد ومع ذلك - حفظه الله -.
29- (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ)[يوسف: 25] فيه: الفرار من مواطن الفتن، فيوسف يسرع للباب حذراً من فتنة المرأة، وهي تلاحقه لكي توقعه في الفتنة. إنه مشهد عجيب.
30 - الناس قسمان: 1- يفر من مواطن الفتنة ويبتعد عنها، وهذا يحفظه الله ويرعاه. 2- يفر إلى مواطن الفتن ويسابق لها، وهذا يكله الله لنفسه.
31- الفتنة بالنساء عظيمة جداً فكيف إذا كانت ذات منصب وجمال كما هو في ظاهر القصة، فالملوك يتزوجون أجمل النساء. وهنا يظهر لك ثبات يوسف.
32- لما كانت المرأة تلاحق يوسف مزقت قميصه من الخلف من شدة التعلق به ومحاولة فتنته. وهذا يوحي لك بأن المرأة عازمة بقوة، ومع ذلك يوسف يبتعد.
33- حينما كان يوسف والمرأة يتقدمان نحو باب الغرفة صادفا السيد والزوج، فبدأت المرأة باتهام يوسف مباشرة (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا)[يوسف: 25].
34- يوسف بدأ بالدفاع عن نفسه (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)[يوسف: 26] وفي هذا: المبادرة المباشرة للدفاع عن النفس عند أي اتهام يوجه لك في أي موضوع كان.
35- كان هناك شاهد حضر عند الباب وأرشدهما إلى الحل الحكيم، إن كان القميص ممزق من الخلف فيوسف بريء؛ لأنها هي التي تلاحقه.
36- إن كان قميص يوسف ممزق من الأمام فهو الذي راودها؛ لأنها ستدافع عن نفسها وتمزق ثيابه من الأمام، وبعد التبين ظهر أن قميصه ممزق من الخلف.
37- فلما ظهرت براءة يوسف قال زوجها: هذا من كيدك أيتها المرأة (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)[يوسف: 28] وخطير على من يقع عليه. وفي هذا دليل على ضعف الغيرة لديه.
38- ثم ألقى الأمير كلمته ليوسف بأن ينسى ماحدث (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)[يوسف: 29] ولا تكشف الأسرار. ووجه زوجته بالاستغفار فقط مع عدم وضع حدود لها أو أي تأنيب لها.
39- انتشرت قصة يوسف مع المرأة في المجتمع وبدأت النساء يتكلمن في القصة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا)[يوسف: 30].
40- وفي هذا: أن القصص تنتشر والتاريخ يفوح، فاحذر من انتشار القصص التي تتضمن عيوباً ومخالفات.
41- حكمت النساء على ضلال المرأة بسبب فعلها.
42- علمت المرأة بكلام النساء عنها فتألمت لذلك، وأرادت كشف السبب لفعلتها وعشقها ليوسف، فرتبت موعد لكي يشاهدوه، وفعلاً حضرن وخرج يوسف.
43- أجلستهم في مكان وفيه مأكولات وأعطت سكيناً لكل واحدة، ولما خرج يوسف وشاهدن جماله استغربن من هيئته وقطعن أيديهن بلا شعور.
44- (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)[يوسف: 31] ولسان حال المرأة: هذا مع أنكم شاهدتموه مرة واحدة فكيف بالتي تعيش معه في قصر واحد؟.
45- اعترفت المرأة بجريمتها أمام صديقاتها (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)[يوسف: 32] وفيه: البجاحة والرذيلة التي كانت عليه المرأة حيث تتحدث بمعصيتها.
46- الغالب أن صديقات الأغنياء من نفس الطبقة والأهداف، وصديقات المرأة يستمعون لسيدتهم وهي تتحدث برغبتها في المعصية ولم ينكروا عليها.
47- التهديد ليوسف العفيف (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف: 32] مسكينة تلك المرأة تظن أنها بتهديدها سيقبل يوسف ما يجرح إيمانه وتقواه.
48- حينما هددت المرأة يوسف - عليه السلام - بالسجن ظنت أنها سوف تخيفه وتجعله يوافق على اتباع هواها، وهكذا يفعل الطغاة بالدعاة من التخويف بالسجن.
49- كانت تظن المرأة أن سجنها ليوسف سوف يجعل يوسف ذليلاً صغيراً مهاناً، وما علمت أن السجن سيكون بوابة للعز والشرف والتمكين.
50- وحينما شعر يوسف بخطر الفتنة من المرأة وصاحباتها توجه لربه - عز وجل - مضطراً منكسراً (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف: 33].
51- وفي قوله (مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف: 33] مع أن امرأة العزيز هي التي حاولت معه، إلا أن حضور النساء ومشاركتهن لسيدتهم جعل يوسف يشعر بأن الخطر منهن.
52- اختار يوسف السجن الذي ظاهره الألم والحرمان من متاع الحياة والالتفاف حول قضبان الحديد، ولكن يهون كل شيء في سبيل المحافظة على العفاف.
53- قال يوسف لربه ومولاه (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33] دليل على أن الحماية الحقيقية من الفتن إنما هي من الله - تعالى -.
54- وفي قوله: (وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33] إشارة إلى الجهل الحقيقي هو في تقديم الهوى على الهدى، وأن المعاصي نوع من الجهل ولو كان صاحبها يملك علماً.
55- قال - تعالى -: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يوسف: 34] لما علم الله صدق يوسف وتقواه استجاب له وصرف عنه فتنة النساء.
56- ثم تبين لتلك الأسرة الحاكمة أن يسجنوا يوسف حتى ينقطع خبر قصته مع المرأة لينسى الناس.
57- ودخل يوسف السجن وكان معه فتيان، وذكروا له بعض الرؤى، وطلبا منه التعبير، والسبب (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 36] وفي هذا إشارة للأخلاق التي كان عليها يوسف - عليه السلام -.
58- وأن يوسف كانت أخلاقه في السجن رائعة وأنه صاحب إحسان، ونستفيد أن السجن الذي تعرض له يوسف لم يغير أخلاقه للأسوأ كما هو حال بعض من يقع عليه البلاء.
59- وأن الناس يتأثرون بما يشاهدون من أخلاق العالم والداعية وينجذبون له بأسئلتهم وهمومهم إذا تأثروا بأخلاقه.
60- ثم فسر لهما الرؤيا وقال: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)[يوسف: 37] وفي هذا الاعتراف بفضل الله وتعليمه وهدايته وأن كل خير فيك فهو من الله - تعالى -.
61- ثم استغل يوسف فترة وجوده في السجن وبدأ يدعو رفاقه للتوحيد (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)[يوسف: 39].
62- وفي هذا أن الداعية عالي الهمة يستفيد من كل فرصة لكي يدعو الناس للمنهج الحق وأنه لا يستسلم للظروف والعوائق التي تقعده عن تبليغ الدين.
63- في السجن تكرر ذكر التوحيد ونبذ الشرك على لسان يوسف عدة مرات، مما يدل على عناية الأنبياء بالدعوة للتوحيد وتأصيله في النفوس.
64- لما فسر لهما الرؤيا قال: (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ )[يوسف: 41] وهذا يدل على أن تعبير الرؤيا نوع من الفتوى، فتجري فيه آداب الفتوى والمستفتي.
65- لما خرج أحدهم طلب منه يوسف أن يذكر لسيده أن في السجن من هو مظلوم، فنسي الرجل ذلك، ومكث يوسف عدة سنوات في السجن، قيل 9 وقيل 12 سنة.
66- وفي طلب يوسف هذا يتبين أن طلب المساعدة ممن يقدر عليها لا ينا في التوكل، وأن المرء يحاول تخفيف البلاء عن نفسه بقدر ما يستطيع.
67- حصل القدر الرباني وهو أن يمكث يوسف في السجن بضع سنين، وفي هذا تسلية لكل سجين مظلوم، فالله قادر على إخراج يوسف ولكنه التمحيص والابتلاء.
يتبع
سلطان بن عبد اللّه العمري
بين يديك فوائد ولطائف على قصة يوسف - عليه السلام - كنت كتبتها بطريقة مختصرة في موقع "تويتر" وأحببت جمعها في ملف واحد لتتم الاستفادة منها.
1- بداية السورة: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)[يوسف: 3] فيه: استخدام أسلوب القصة في الدعوة والاختيار الجيد للقصص النافعة من قصص الأنبياء والصحابة، وهنا نؤكد على استخدام القصص الواقعية في التأثير الدعوي والتربوي.
2- لا مانع من سرد القصص الواقعية، قال - تعالى -: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف: 176].
وهناك يعيب بعض الناس علينا لماذا نقص؟ وأقول: نحن نقص؛ لأن الله أمرنا باستخدام القصص.
3- (وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف: 3] أي: قبل الوحي، وفيه: أن المرء بلا هداية القرآن ونوره في غفلة، وعلى قدر قربه من القرآن يهتدي.
4- (قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) [يوسف: 5] هنا: فراسة يعقوب ومعرفته بما يفسد الأبناء وأن الرؤيا لا تحدث بها كل أحد، بل لا تحدث بها إلا من تحب.
5- أن الحسد بين الإخوة والأقارب أقوى من غيرهم لقوة التنافس والتنازع بينهم.
6- الحث على سد الذرائع الموصلة للخلافات والبغضاء.
7- (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يوسف: 5] اليقين الكامل بعداوة الشيطان ومكره ومحاولة إيقاعنا في الفتن والمصائب، وقد تكرر ذلك في القرآن كثيراً.
8 - (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) [يوسف: 6] الاجتباء: هو الاصطفاء والاختيار، وفي هذا شرف الدعوة وشرف للداعية إذ أنها مهمة الأنبياء ومحط اختيار الله - تعالى -.
9- (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) [يوسف: 6] فيه: أن العلم وسائر النعم إنما هي فضل من الله ورحمة منه، وأن الإنسان لا شيء لولا رعاية الله.
10- (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) [يوسف: 8] فيه: الغيرة بين الأبناء، وأنه يجب على الوالدين العدل بين الأولاد وعدم إشعار البقية بفضل أحدهم.
11- (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) [يوسف: 9] فيه: أن جريمة القتل من أشنع الجرائم، وأن الحسد قد يتسبب في إلحاق الأذى بالمحسود.
12- (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) [يوسف: 9] فيه: أن صاحب الخطأ قد يبرر لخطئه ويسوف التوبة، فهم أرادوا قتله لينفردوا بأبيهم.
13- أخذوا يوسف وعاهدوا والدهم على رعايته، ثم رموه في البئر وجاءوا بثيابه وزعموا أن الذئب أكله. والسؤال: كيف يأكله وثيابه لم تتمزق؟.
14- أن السيئات ينادي بعضها بعضاً، فهم أرادوا قتله، ثم عاهدوا وكذبوا، ثم رموه، ثم كذبوا في العذر. وعلى العكس، الحسنات ينادي بعضها بعضاً.
15- (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ)[يوسف: 18] فيه: أن النفس أمارة بالسوء غالباً وتدعو صاحبها لكل ذنب، ولهذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ".
16- (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)[يوسف: 18] فيه؛ الصبر عند البلاء، والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه، والحرص على تفويض الأمور لله.
17- جاءت سيارة وهي القافلة ورمى أحدهم بالدلو فخرج عليهم يوسف فأخذوه وباعوه لسيد مصر والمسؤول الكبير فيها لعل يوسف أن ينفعهم أو يكون ولداً لهم.
18- ويمكث يوسف في قصر العزيز فترة - الله أعلم بها ولما بلغ أشده آتاه الله النبوة، ومنحه الحكمة والعلم.
19- وفي القصر الجميل الكبير تحدث..
20- الفتنة العظيمة؛ حيث عشقت زوجة عزيز مصر يوسف - عليه السلام - بسبب جماله وحسنه، وتعرضت له وأغلقت الأبواب وقالت: هيت لك.أنا بين يديك..
22- ولكن يوسف كان صاحب إيمان وخوف من الله، قال: معاذ الله، أي أعتصم بالله. وهذا شأن كل مؤمن أن يستعيذ بالله من الفتن ويبرأ من حوله وقوته.
23- ثم اعترف يوسف بفضل سيده (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)[يوسف: 23] فكيف أقع في الحرام المتعلق بعرضه، وهو الذي أكرمني وآواني في قصره، وهذا دليل على سمو أخلاق يوسف وهو: خلق الوفاء.
24- (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)[يوسف: 24] الهم من المرأة معلوم، ولكن ما معنى الهم من يوسف؟ على خلاف في التفسير...
25- والصواب: أنه لم يحدث منه هم أصلاً؛ لأنه رأى برهان ربه قبل أن يهم، وهو اختيار الإمام الشنقيطي صاحب أضواء البيان - رحمه الله -.
26- (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 24] وفيه: الحفظ الرباني لأنبيائه، وأن المرء لا حول له ولا قوة إلا بالله.
27- وأن المخلصين يحفظهم الرحمن من الفتن بسبب قوة إخلاصهم وحرارة تقواهم. قال ابن تيمية: " فإن قوة إخلاص يوسف كان أقوى من جمال المرأة ".
28- شدة الفتنة بيوسف - عليه السلام -، فإن المرأة هي التي دعته، وقد غلقت الأبواب، وهي سيدته، وهو شاب وأعزب وغريب عن البلد ومع ذلك - حفظه الله -.
29- (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ)[يوسف: 25] فيه: الفرار من مواطن الفتن، فيوسف يسرع للباب حذراً من فتنة المرأة، وهي تلاحقه لكي توقعه في الفتنة. إنه مشهد عجيب.
30 - الناس قسمان: 1- يفر من مواطن الفتنة ويبتعد عنها، وهذا يحفظه الله ويرعاه. 2- يفر إلى مواطن الفتن ويسابق لها، وهذا يكله الله لنفسه.
31- الفتنة بالنساء عظيمة جداً فكيف إذا كانت ذات منصب وجمال كما هو في ظاهر القصة، فالملوك يتزوجون أجمل النساء. وهنا يظهر لك ثبات يوسف.
32- لما كانت المرأة تلاحق يوسف مزقت قميصه من الخلف من شدة التعلق به ومحاولة فتنته. وهذا يوحي لك بأن المرأة عازمة بقوة، ومع ذلك يوسف يبتعد.
33- حينما كان يوسف والمرأة يتقدمان نحو باب الغرفة صادفا السيد والزوج، فبدأت المرأة باتهام يوسف مباشرة (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا)[يوسف: 25].
34- يوسف بدأ بالدفاع عن نفسه (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)[يوسف: 26] وفي هذا: المبادرة المباشرة للدفاع عن النفس عند أي اتهام يوجه لك في أي موضوع كان.
35- كان هناك شاهد حضر عند الباب وأرشدهما إلى الحل الحكيم، إن كان القميص ممزق من الخلف فيوسف بريء؛ لأنها هي التي تلاحقه.
36- إن كان قميص يوسف ممزق من الأمام فهو الذي راودها؛ لأنها ستدافع عن نفسها وتمزق ثيابه من الأمام، وبعد التبين ظهر أن قميصه ممزق من الخلف.
37- فلما ظهرت براءة يوسف قال زوجها: هذا من كيدك أيتها المرأة (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)[يوسف: 28] وخطير على من يقع عليه. وفي هذا دليل على ضعف الغيرة لديه.
38- ثم ألقى الأمير كلمته ليوسف بأن ينسى ماحدث (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)[يوسف: 29] ولا تكشف الأسرار. ووجه زوجته بالاستغفار فقط مع عدم وضع حدود لها أو أي تأنيب لها.
39- انتشرت قصة يوسف مع المرأة في المجتمع وبدأت النساء يتكلمن في القصة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا)[يوسف: 30].
40- وفي هذا: أن القصص تنتشر والتاريخ يفوح، فاحذر من انتشار القصص التي تتضمن عيوباً ومخالفات.
41- حكمت النساء على ضلال المرأة بسبب فعلها.
42- علمت المرأة بكلام النساء عنها فتألمت لذلك، وأرادت كشف السبب لفعلتها وعشقها ليوسف، فرتبت موعد لكي يشاهدوه، وفعلاً حضرن وخرج يوسف.
43- أجلستهم في مكان وفيه مأكولات وأعطت سكيناً لكل واحدة، ولما خرج يوسف وشاهدن جماله استغربن من هيئته وقطعن أيديهن بلا شعور.
44- (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)[يوسف: 31] ولسان حال المرأة: هذا مع أنكم شاهدتموه مرة واحدة فكيف بالتي تعيش معه في قصر واحد؟.
45- اعترفت المرأة بجريمتها أمام صديقاتها (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)[يوسف: 32] وفيه: البجاحة والرذيلة التي كانت عليه المرأة حيث تتحدث بمعصيتها.
46- الغالب أن صديقات الأغنياء من نفس الطبقة والأهداف، وصديقات المرأة يستمعون لسيدتهم وهي تتحدث برغبتها في المعصية ولم ينكروا عليها.
47- التهديد ليوسف العفيف (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف: 32] مسكينة تلك المرأة تظن أنها بتهديدها سيقبل يوسف ما يجرح إيمانه وتقواه.
48- حينما هددت المرأة يوسف - عليه السلام - بالسجن ظنت أنها سوف تخيفه وتجعله يوافق على اتباع هواها، وهكذا يفعل الطغاة بالدعاة من التخويف بالسجن.
49- كانت تظن المرأة أن سجنها ليوسف سوف يجعل يوسف ذليلاً صغيراً مهاناً، وما علمت أن السجن سيكون بوابة للعز والشرف والتمكين.
50- وحينما شعر يوسف بخطر الفتنة من المرأة وصاحباتها توجه لربه - عز وجل - مضطراً منكسراً (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف: 33].
51- وفي قوله (مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف: 33] مع أن امرأة العزيز هي التي حاولت معه، إلا أن حضور النساء ومشاركتهن لسيدتهم جعل يوسف يشعر بأن الخطر منهن.
52- اختار يوسف السجن الذي ظاهره الألم والحرمان من متاع الحياة والالتفاف حول قضبان الحديد، ولكن يهون كل شيء في سبيل المحافظة على العفاف.
53- قال يوسف لربه ومولاه (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33] دليل على أن الحماية الحقيقية من الفتن إنما هي من الله - تعالى -.
54- وفي قوله: (وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33] إشارة إلى الجهل الحقيقي هو في تقديم الهوى على الهدى، وأن المعاصي نوع من الجهل ولو كان صاحبها يملك علماً.
55- قال - تعالى -: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يوسف: 34] لما علم الله صدق يوسف وتقواه استجاب له وصرف عنه فتنة النساء.
56- ثم تبين لتلك الأسرة الحاكمة أن يسجنوا يوسف حتى ينقطع خبر قصته مع المرأة لينسى الناس.
57- ودخل يوسف السجن وكان معه فتيان، وذكروا له بعض الرؤى، وطلبا منه التعبير، والسبب (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 36] وفي هذا إشارة للأخلاق التي كان عليها يوسف - عليه السلام -.
58- وأن يوسف كانت أخلاقه في السجن رائعة وأنه صاحب إحسان، ونستفيد أن السجن الذي تعرض له يوسف لم يغير أخلاقه للأسوأ كما هو حال بعض من يقع عليه البلاء.
59- وأن الناس يتأثرون بما يشاهدون من أخلاق العالم والداعية وينجذبون له بأسئلتهم وهمومهم إذا تأثروا بأخلاقه.
60- ثم فسر لهما الرؤيا وقال: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)[يوسف: 37] وفي هذا الاعتراف بفضل الله وتعليمه وهدايته وأن كل خير فيك فهو من الله - تعالى -.
61- ثم استغل يوسف فترة وجوده في السجن وبدأ يدعو رفاقه للتوحيد (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)[يوسف: 39].
62- وفي هذا أن الداعية عالي الهمة يستفيد من كل فرصة لكي يدعو الناس للمنهج الحق وأنه لا يستسلم للظروف والعوائق التي تقعده عن تبليغ الدين.
63- في السجن تكرر ذكر التوحيد ونبذ الشرك على لسان يوسف عدة مرات، مما يدل على عناية الأنبياء بالدعوة للتوحيد وتأصيله في النفوس.
64- لما فسر لهما الرؤيا قال: (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ )[يوسف: 41] وهذا يدل على أن تعبير الرؤيا نوع من الفتوى، فتجري فيه آداب الفتوى والمستفتي.
65- لما خرج أحدهم طلب منه يوسف أن يذكر لسيده أن في السجن من هو مظلوم، فنسي الرجل ذلك، ومكث يوسف عدة سنوات في السجن، قيل 9 وقيل 12 سنة.
66- وفي طلب يوسف هذا يتبين أن طلب المساعدة ممن يقدر عليها لا ينا في التوكل، وأن المرء يحاول تخفيف البلاء عن نفسه بقدر ما يستطيع.
67- حصل القدر الرباني وهو أن يمكث يوسف في السجن بضع سنين، وفي هذا تسلية لكل سجين مظلوم، فالله قادر على إخراج يوسف ولكنه التمحيص والابتلاء.
يتبع