ابو وليد البحيرى
2019-11-23, 05:24 AM
العدوان على بنت عدنان
محمد تبركان
الحمد للّه تعالى إلاه الأوّلين والآخرين،وربّ كلّ شيء ومليكه في السّالفين والخالفين،والصّ لاة والسّلام على سيّد العرب والعجم كلّهم أجمعين،أفصح مَن نطق بالضّاد،وأبلغ مَن جرى لسانه بالعربيّة من وُلْد يعرب بن قحطان،صلّى اللّه عليه
ما هبّت النّسائم وما * ناحت على الأيك الحمائم
وعلى آله الطّيبين الأخيار،وصحابته الكرام الأبرار،وعلى التّابعين لهم بإحسان ما جنّ ليلٌ،وأشرقت شمس بضياء النّهار.
وبعدُ،فإنّ اللّغة العربيّة خير ما جهدت النّفوس لتحصيلها،والظفر بها،بعد كتاب اللّه تعالى،وحديث رسوله صلى اللّه عليه وسلّم.ولقد درج العلماء في القديم والحديث على الإشادة بها في الدّفاتر والمحافل،وفي حلقات الدّروس،وأعواد المنابر،وصنّفوا في ذلك ما لا يكاد يُحصى من الأسفار.
ولا غرو في ذلك فهي لسان الوحي المقدّس،اصطفاها المولى جلّ وعلا لأفضل رسله،وحلّى بها خاتمة رسالاته،قال عزَّ مِن قائل:(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،وق ل:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،وق ل:(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) .
ومع ذلك فها هو سيل العُجْمَة قد فشا في النّاس فُشُوَّ النّار في الهشيم،وداء اللَّحْن واللُّكْنة قد سرى في الأمّة سَرَيان الدَّم في العروق؛حتّى عقد ألسن خاصّة النّاس بَلْه عامّتهم،واستوطن حواضرهم فكيف ببواديهم؛وما ذلك إلاّ نتيجة الزّهد في تعلُّم العربيّة لغة وأدبا،واللّهث وراء لغة الأعاجم من غير تبصُّر،ولا تفكُّر،فكأنِّي بهم قد تواصَوْا بمنابذة سَنن العرب،ومجاراة رطانه العجم.
نعم،لقد تهاون الكثيرون في تعلُّمها،بل تعلُّم الحدّ الأدنى من رسومها وقواعدها،وآخرون لا يبالون بما يقعون فيه من أخطاء وأغلاط،ويستروحو ن إلى دعوى الاهتمام بالمعنى من حيث تبليغُه،فإن وصل إلى المتلقِّي كان ذلك هو الغرض الذي سيق لأجله الكلام ؛ومن ثمَّ استجازوا لأنفسهم،وغيرهم التّساهل - إلى حدّ التّفريط - بشأن اللّغة العربية من حيث التّحدُّثُ بها؛حتّى أوصلهم ذلك إلى تبنِّي اللّهجة العامِّية كوسيلة للتّواصل؛ثمّ سرى ذلك بين الطّلبة والأساتذة على مقاعد الدّراسة،وفي مدرّجات الجامعة،وبلغ السيل الزُّبى حين استشرى هذا الدّاء إلى عقول بعض المثقّفين فانعكس جليًّا في كتاباتهم على صفحات الجرائد،وقصص الأطفال والرّوايات وغيرها ...،هذه الرّوايات الّتي أُثقلت بها رفوف المكتبات من غير أن تعرف طريقها إلى القرّاء لأسباب عدّة من أهمّها أنّها كُتبت بلغة فجّة،لم يستسغها كلّ مَن يَمُتُّ إلى العربية بصِلة.
فإذا كان المعنى المراد تبليغه قد وصل إلى المتلقِّي عن طريق جارحة اللّسان أو ما يخطُّه القلم من البيان والهذيان؛لم يعبؤوا بعده كيف كان ذلك الاتّصال،أبلغة الوحيين تمّ،أم بلغة السَّفِلَة والرَّعاع حصل.
إنّهم يعتبرون العربية وسيلة كسائر وسائل الخطاب،ويُسوُّو ن بينها وبين سائر لهجات النّاس التي وُلدت وترعرعت في الأزقّة والطرقات!،وهم لما يترتّب عن هذا المذهب في دَرْك ما يُحدق بهم وبهُوِيَّتهم وثقافتم ودينهم من أخطار وويلات في غفلة ساهون!.
فمن هذه الويلات،وتلك الأخطار أنّنا جميعا أصبحنا نرى ونسمع بخطباء على أعواد المنابر نصبوا أنفسهم لوعظ النّاس وإرشادهم قد درجوا على اللّحن،حتّى ألفت الأسماع أغلاطهم،وزلاّت ألسنتهم،واستفحل الأمر،وعظم الخطب حين أضحى الغلط ديدنهم،والخطأ شِعارهم الّذي يُعرفون به،وهم مع ذلك لا تكاد ترى الواحد منهم يسعى لإصلاح ما انخرق من لسانه كما يسعى لرتق لباسه،وطلب معاشه ؟!.
فحريٌّ بك - أيُّها اللّبيب - أن تعرف للعربيّة خطرها لتقف بعدُ على شرفها وعظيم قدرها؛وهذا باعتبار تعلُّقها بأشرف موجود وهو شريعة ربّ العالمين،الّتي نزل بها الأمين جبريل - عليه السّلام - على سيّد الخلق صلّى اللّه عليه وسلّم بلسان عربيّ مبين؛فالجهل بهذا اللّسان ذريعة للجهل بهذه الشّريعة،وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى.
أقول:ليت الشّأن انحصر في عامّة النّاس وأشباههم من أنصاف المثقّفين،إذًا لهان الأمر،ولكن قد تعدّى شرُّه،وتطاير شررُه ليصيب المثقّفين،وطلبة العلم،بل وبعض الخاصّة من أعلام العصر،ومن يُشار إليهم بالبنان.ولا عجب في ذلك فقد حصل هذا من قديم،ولدرإ شرّه صنّف له الحريري القاسم بن عليّ كتابه (دُرَّة الغوّاص في أوهام الخواص).
قال ابن جِنِّي في الخصائص (2 /9):(واستمرَّ فساد هذا الشّأن مشهورا ظاهرا،فينبغي أن يُستوحَشَ من الأخذ عن كلّ أحد إلاّ أن تقوى لغتُه وتَشِيع فصاحتُه.وقد قال الفّراء في بعض كلامه:إلاّ أن تسمع شيئا من بدويّ فصيح فتقولُه).
وفي صبح الأعشى قال القلقشندي (1/ 208):(قال أحمد بن يحيى:كان هذا مقدار أهل العلم،وبحسبه كانت الرّغبة في طلبه،والحذر من الزّلل،قال صاحب الرّيحان والرّيعان:فكيف لو أبصر بعض كتّاب زماننا هذا.قلت:قد قال ذلك في زمانه هو،وفي النّاس بعض الرَّمَق،والعلم ظاهر،وأهله مكرمون،وإلاّ فلو عمّر إلى زماننا نحن لقال:" تلك أمّة قد خلت ").
قلت:فكيف لو امتدّت أنفاسُه،وانفتحت عيناه عن زماننا،إذا لما قال: " تلك أمّة قد خلت ".
(واعلم أنّ اللَّحْن قد فشا في النّاس،والألسنة قد تغيّرت حتّى صار التّكلُّم بالإعراب عَيْبًا،والنُّط ق بالكلام الفصيح عِيًّا) .
حقًّا،إنّها آفة العصر،فُشُوّ اللّحن،وتمادى الأمر من غير نكير حين ظهر من المذاهب الأدبيّة الحديثة الّتي تدعو إلى التّحرُّر من قيود اللّغة - زعموا -،لِيُترَكَ اللّسانُ يجري على سجيّته في التّعبير عمّا يختلج في النّفس،ويضمره القلب من المعاني،فالعبرة عندهم بالغاية الّتي لأجلها كان الكلام،وهي إيصال المعنى إلى المخاطَب،ولا عبرة بعد ذلك بالوسيلة إلاّ إذا كانت مؤدّيّة إلى الغاية الّتي لأجلها سيق الخطاب،والكتاب.
(قلت:والّذي يقتضيه حال الزّمان،والجري على منهاج النّاس أن يُحافَظَ على الإعراب في القرآن الكريم،والأحادي ث النّبويّة،وفي الشّعر،والكلام المسجوع،وما يُدَوَّن من الكلام،ويُكتَبُ من المراسلات ونحوها،ويُغتَفَ رُ اللّحنُ في الكلام الشّائع بين النّاس،الدّائر على ألسنتهم ممّا يَتداولونَهُ بينهم،ويَتحاورو ن به في مخاطَباتِهم،وعل ى ذلك جرت سنّة النّاس في الكلام مذ فسدتِ الألسنة،وتغيّرت اللُّغة) .
ولا بأس بتذكير مَن غفل عن معرفة ما يُعتبر من لغة العرب؛كيما نحفظ للعربيّة رونقها،وندفع عنها ما من شأنه أن يُشوِّه جمالها،ويسلب عنها أصالتها.فيقال:إن ّ اللّغة العربية لا تعتبر إلاّ ب:
1- الرّواية عن فصحاء العرب في زمن الاعتبار،أعني:ق ل فُشُوِّ اللّحن،ففي البوادي كان ذلك في آخر المئة الرّابعة (نهاية القرن الرّابع من الهجرة)،وفي الحواضر كان في آخر المئة الثانية (نهاية القرن الثاني من الهجرة).
2- بالنّقل عن العلماء العدول من حفظة اللّغة،وروّاة الأشعار.
وعليه فاللّغة الفصيحة يعتبر فيها صحّة الوَضْع،أو القياس على النّظائر ممّا ثبت بالوَضْع عن فصحاء العرب،وعدول نقلة اللّغة.وقد قيل قديما:إذا رويت فالصِّحَّة،وإذا نقلت فالأمانة،قال الشّاعر :
ونُصّّ الحديث إلى أهله * فإنّ الأمانة في نصِّه
إنّني - وكلّ غيور - أبغي للغتنا العربية أن تستعيد مكانتها في أمّتنا أوّلا،وبين سائر أمم الأرض ثانيا؛لتتربّع على عرش الشّموخ والعِزّة،كما كانت في سالف الزّمان،وغابر الأيّام،فلا تدور دواليب العلوم إلاّ بمفرداتها،ولا يجري على النّاس جميعا إلاّ ضادُها.
وأبغي لها النّقاء والصّفاء والجلاء لأنّها - للّه درُّها - مرآة الوحي المقدّس،إذ لا سبيل إليه إلاّ من خلالها؛فهي بوّابة الشّريعة،فمن رام الولوج من غيرها من لغات الأرض ضلّ سبيله،وأخطأ عن قصد طريقه.قال في صبح الأعشى (1 /205):(قال صاحب الرّيحان والرّيعان:ولم يزل الخلفاء الرّاشدون بعد النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] يحثّون على تعلُّم العربيّة وحفظها والرِّعاية لمعانيها؛إذ هي من الدّين بالمكان المعلوم،والمحلّ ِ المخصوص).
وأبغي (أن نطهِّر لغتنا العربيّة،لغة القرآن الكريم،والحديث الشّريف،ولسان السّلف الصّالح،من نجس الأخطاء،لا أقول اللّغويّة - فاللّغة منها براء،ولا يجب أن ننسب هذه الأخطاء إليها؛وإنّما يجب أن تُنسَبَ إلى هؤلاء الجاهلين،فنقول: خطاء الجاهلين أو جاهلي اللّغة ...) .
ومن شواهد هذه الأخطاء،وأمثلة تلك الأغلاط ما انطوتْ عليه صحائف أهل العلم،ودفاتر أرباب الأدب من أخبار وقصص تشهد بمجموعها على أصحابها بالجهل بأبسط قواعد هذه اللّغة الشّريفة؛ممّا صيّرهم على تعاقب الأجيال،واختلاف الحَدَثان سمر المجّان،وضُحكة النّدماء،والخِل اّن.
فإليك -أيُّها الحَصيف - أسوق بعض هذه الأخبار؛علّك تُجمُّ بها نفسك،وتتعلّم منها درسك؛فاللّبيب من اتّعظ بغيره،كما الشّقيُّ مَن كان عبرة لغيره.
ففي القرآن الكريم:
* (قدِم أعرابيّ في زمان عمر فقال:مَن يُقرئني ممّا أنزل الله على محمد .قال:فأقرأه رجلٌ براءة،فقال " أَنَّ اللَهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ " بالجرِّ،فقال الأعرابيّ:أَوَق دْ بَريءَ اللهُ من رسولِه ؟!.إنْ يكنِ اللهُ بَرِيءَ مِن رسولِه فأنا أبرأُ منه.فبلغَ عمرَ مقالةُ الأعرابيّ؛فدعاه فقال:يا أعرابيّ أتبرأُ من رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) ؟.قال:يا أمير المؤمنين إنِّي قدمتُ المدينة ولا علمَ لي بالقرآنِ؛فسألتُ مَن يُقرئني،فأقرأني هذا سورةَ براءة.فقال:" أنّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ ".فقلتُ:أَوَقَدْ بَرِيءَ اللهُ مِن رسولِه ؟!.إنْ يكنِ اللهُ بَرِيءَ مِنْ رسولِه؛فأنا أبرأُ منه.فقال عمر:ليس هكذا يا أعرابيّ.قال:فكيف هي يا أمير المؤمنين ؟.فقال " أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ".فقال الأعرابيّ:وأنا واللهِ أبرأُ ممّا بريءَ اللهُ ورسولُه منه.فأمرَ عمرُ بن الخطّاب ألاّ يُقريءَ القرآنَ إلاّ عالمٌ باللّغة،وأمرَ أبا الأسود فوضع النّحو).
* وقرأ آخر:(إِنَّمَا يَخْشَى اللهُ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءَ) برفع الأوّل،ونصب الثاني؛فوقع في الكفر بنقل فتحة إلى ضمّة،وضمّة إلى فتحة.فقيل له:يا هذا،إنّ الله تعالى لا يخشى أحدا!.فتنبَّهَ لذلك،وتفطّن له .
وفي السنّة النّبويّة:
* و رَوَوْا أنّ النّبيَّ سمع رجلاً يَلحنُ في كلامه؛فقال:(أرشد وا أخاكم فإنّه قد ضَلَّ ...).فسمّى اللَّحْنَ ضلالاً .
* وقال عليه السّلام :(رحِمَ اللّهُ اِمرَأً أصلحَ من لسانه).قال ابن جِنِّي:وذلك لِمَا عَلِمَهُ ممّا يعقب الجهل لذلك من ضدّ السّداد،وزيغ الاعتقاد.
وفي آثار الصّحابة:
* وفيه قصّة أبي الأسود الدّؤلي مع ابنته،قال ابن عساكر :(ويقال:إنّ ابنتَه قالت له يوما:يا أبتِ،ما أحسنُ السّماءِ.[فقال لها:] أي بنية نجومُها.قالت:إنّ ِي لم أرد أيَّ شيءٍ منها أحسن،إنّما تعجّبتُ من حسنها.قال:إذًا تقولي:ما أحسنَ السّماءَ؛فحينئذ وضع كتابًا).
* (ويُقال إنّ ابنتَه قالت له:يا أبتِ ما أشدُّ الحرِّ (في يوم شديد الحرّ)،فقال لها:إذا كانت الصَّقْعاءُ مِن فَوقِكِ،والرَّم ْضاءُ من تحتِكِ.فقالت:إنّ ما أريد أنّ الحرَّ شديدٌ.قال:فقولي: ا أشدَّ الحرَّ) .
* (وكتب الحصينُ بنُ الحرِّ كتابًا إلى عمرَ فلَحَنَ في حرفٍ فيه؛فكتبَ إليه عمرُ أنْ قَنِّعْ كاتِبَك سَوْطًا) .
* ومرَّ عمرُ بن الخطّاب بقومٍ يرمون نَبْلاً؛فعابَ عليهم؛فقالوا:يا أمير المؤمنين إنّا قومٌ متعلِّمين.فقال:ل َحْنُكم أشدُّ عليَّ مِن سُوءِ رميكم،سمعتُ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:رحمَ اللهُ امرأً أصلحَ مِن لسانهِ .
* وكان عبدُ اللّه بنُ عمر رضي اللّه عنهما يضربُ بنيه على اللّحْن،ولا يضربهم على الخطأ .
* وعن نافع قال:كان ابنُ عمر يضرب ولدَه على اللّحن .
* ومرّ عمرُ بنُ الخطّاب [رضى الله عنه] برجلين يرميان،فقال أحدُهما للآخر:أَسَبْتَ؛ قال عمر:سوءُ اللّحن أشدُّ مِن سُوء الرَّمي .
* وأخرج ابن أبي شيبة بسنده إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب أنّه قال:تعلّموا اللّحنَ والفرائض؛فإنّه من دينكم.
قال يزيد بن هارون:اللَّحْنُ هو اللُّغة.
قصص الخلفاء والأمراء:
* قال الوليد لرجل:مَن خَتَنَك ؟.قال:الحَجَّام !.فضحك القومُ،وخجلَ الوليد؛وإنّما أراد أن يقول:مَنْ خَتَنُكَ.
* وروى العتبي عن أبيه قال:استأذنَ رجلٌ من جند الشّام،له فيهم قدر على عبد الملك بن مروان وهو يلعب بالشِّطرنج، فقال:يا غلام،غَطِّها هذا شيخ له جلالة.ثمّ أذِنَ له.فلمّا كلّمه وجده يَلْحَنُ فقال:يا غلام،اكشِفْها فليس لِلاحِنٍ حُرْمَة.
* ودخل على عبد العزيز بن مروان رجلٌ يشكو صِهْرًا له؛فقال:إنّ خَتَنِي فعل بي كذا وكذا.فقال له عبد العزيز:مَن خَتَنَكَ ؟.فقال له:خَتَنَنِي الخَتّان الذي يَخْتِنُ النّاس.فقال عبد العزيز لكاتبه:وَيْحَكَ بما أجابني ؟.فقال له:أيُّها الأمير إنّك لَحَنْتَ وهو لا يعرف اللَّحْنَ،كان ينبغي أن تقولَ له:ومَن خَتَنُكَ.فقال عبد العزيز:أراني أتكلّم بكلام لا يعرفه العرب،لا شاهدت النّاس حتّى أعرِفَ اللّحن.قال:فأقام في البيت جمعة لا يظهر،ومعه مَن يُعلِّمُه العربيّة.قال فصلّى بالنّاس الجمعة وهو من أفصح النّاس.
* وقال بعضُهم :ارتفعَ الى زيادٍ ابن أبيه رجلٌ وأخوه في ميراث،فقال:إنّ أبونا مات،وإنّ أخينا وثبَ على مال أبانا فأكله. فقال زياد:الّذي أضعتَ مِن لسانِك أضرُّ عليك ممّا أضاعه أخوك مِن مالِك.وأمّا القاضي فقال:فلا رَحِمَ اللهُ أباك،ولا تنحَّ عظم أخيك.قُمْ في لعنة الله.
أخبار متفرِّقة:
* وحكى العسكريّ في كتاب التّصحيف أنّه قيل لبعضهم:ما فعلَ أبوك بحمارِهِ ؟.فقال:باعِهِ.فق ل له:لِمَ قلتَ باعِهِ ؟. قال:فلِمَ قلتَ أنت:بحمارِهِ ؟.فقال:أنا جَررتُهُ بالباء،فقال:فلِ َ تَجُرُّ باؤُكَ،وبائِي لا تَجُرّ ؟!.
* ومثله من القياس الفاسد ما حكاه أبو بكر التّاريخي في كتاب " أخبار النّحويّين " أنّ رجلاً قال لِسَمَّاكٍ بالبصرة:بكم هذه السَّمَكَة ؟.فقال:بدرهمان،ف ضحك الرجل.فقال السّمَّاكُ:أنت أحمق،سمعتُ سيبويه يقول:ثمنُها درهمان.
* وقلت يومًا:ترد الجملة الاسميّة الحاليّة بغير واٍو في فصيح الكلام خلافًا للزّمخشري،كقوله تعالى:(وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةً).فقا ل بعضُ مَن حضر:هذه الواو في أوِّلِها !.
* وقلتُ يومًا:الفقهاءُ يَلْحنون في قولِهم:" بايع " بغير همز.فقال قائلٌ:فقد قال اللّه تعالى:(فَبَايِعْ هُنَّ).
يتبع
محمد تبركان
الحمد للّه تعالى إلاه الأوّلين والآخرين،وربّ كلّ شيء ومليكه في السّالفين والخالفين،والصّ لاة والسّلام على سيّد العرب والعجم كلّهم أجمعين،أفصح مَن نطق بالضّاد،وأبلغ مَن جرى لسانه بالعربيّة من وُلْد يعرب بن قحطان،صلّى اللّه عليه
ما هبّت النّسائم وما * ناحت على الأيك الحمائم
وعلى آله الطّيبين الأخيار،وصحابته الكرام الأبرار،وعلى التّابعين لهم بإحسان ما جنّ ليلٌ،وأشرقت شمس بضياء النّهار.
وبعدُ،فإنّ اللّغة العربيّة خير ما جهدت النّفوس لتحصيلها،والظفر بها،بعد كتاب اللّه تعالى،وحديث رسوله صلى اللّه عليه وسلّم.ولقد درج العلماء في القديم والحديث على الإشادة بها في الدّفاتر والمحافل،وفي حلقات الدّروس،وأعواد المنابر،وصنّفوا في ذلك ما لا يكاد يُحصى من الأسفار.
ولا غرو في ذلك فهي لسان الوحي المقدّس،اصطفاها المولى جلّ وعلا لأفضل رسله،وحلّى بها خاتمة رسالاته،قال عزَّ مِن قائل:(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،وق ل:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)،وق ل:(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) .
ومع ذلك فها هو سيل العُجْمَة قد فشا في النّاس فُشُوَّ النّار في الهشيم،وداء اللَّحْن واللُّكْنة قد سرى في الأمّة سَرَيان الدَّم في العروق؛حتّى عقد ألسن خاصّة النّاس بَلْه عامّتهم،واستوطن حواضرهم فكيف ببواديهم؛وما ذلك إلاّ نتيجة الزّهد في تعلُّم العربيّة لغة وأدبا،واللّهث وراء لغة الأعاجم من غير تبصُّر،ولا تفكُّر،فكأنِّي بهم قد تواصَوْا بمنابذة سَنن العرب،ومجاراة رطانه العجم.
نعم،لقد تهاون الكثيرون في تعلُّمها،بل تعلُّم الحدّ الأدنى من رسومها وقواعدها،وآخرون لا يبالون بما يقعون فيه من أخطاء وأغلاط،ويستروحو ن إلى دعوى الاهتمام بالمعنى من حيث تبليغُه،فإن وصل إلى المتلقِّي كان ذلك هو الغرض الذي سيق لأجله الكلام ؛ومن ثمَّ استجازوا لأنفسهم،وغيرهم التّساهل - إلى حدّ التّفريط - بشأن اللّغة العربية من حيث التّحدُّثُ بها؛حتّى أوصلهم ذلك إلى تبنِّي اللّهجة العامِّية كوسيلة للتّواصل؛ثمّ سرى ذلك بين الطّلبة والأساتذة على مقاعد الدّراسة،وفي مدرّجات الجامعة،وبلغ السيل الزُّبى حين استشرى هذا الدّاء إلى عقول بعض المثقّفين فانعكس جليًّا في كتاباتهم على صفحات الجرائد،وقصص الأطفال والرّوايات وغيرها ...،هذه الرّوايات الّتي أُثقلت بها رفوف المكتبات من غير أن تعرف طريقها إلى القرّاء لأسباب عدّة من أهمّها أنّها كُتبت بلغة فجّة،لم يستسغها كلّ مَن يَمُتُّ إلى العربية بصِلة.
فإذا كان المعنى المراد تبليغه قد وصل إلى المتلقِّي عن طريق جارحة اللّسان أو ما يخطُّه القلم من البيان والهذيان؛لم يعبؤوا بعده كيف كان ذلك الاتّصال،أبلغة الوحيين تمّ،أم بلغة السَّفِلَة والرَّعاع حصل.
إنّهم يعتبرون العربية وسيلة كسائر وسائل الخطاب،ويُسوُّو ن بينها وبين سائر لهجات النّاس التي وُلدت وترعرعت في الأزقّة والطرقات!،وهم لما يترتّب عن هذا المذهب في دَرْك ما يُحدق بهم وبهُوِيَّتهم وثقافتم ودينهم من أخطار وويلات في غفلة ساهون!.
فمن هذه الويلات،وتلك الأخطار أنّنا جميعا أصبحنا نرى ونسمع بخطباء على أعواد المنابر نصبوا أنفسهم لوعظ النّاس وإرشادهم قد درجوا على اللّحن،حتّى ألفت الأسماع أغلاطهم،وزلاّت ألسنتهم،واستفحل الأمر،وعظم الخطب حين أضحى الغلط ديدنهم،والخطأ شِعارهم الّذي يُعرفون به،وهم مع ذلك لا تكاد ترى الواحد منهم يسعى لإصلاح ما انخرق من لسانه كما يسعى لرتق لباسه،وطلب معاشه ؟!.
فحريٌّ بك - أيُّها اللّبيب - أن تعرف للعربيّة خطرها لتقف بعدُ على شرفها وعظيم قدرها؛وهذا باعتبار تعلُّقها بأشرف موجود وهو شريعة ربّ العالمين،الّتي نزل بها الأمين جبريل - عليه السّلام - على سيّد الخلق صلّى اللّه عليه وسلّم بلسان عربيّ مبين؛فالجهل بهذا اللّسان ذريعة للجهل بهذه الشّريعة،وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى.
أقول:ليت الشّأن انحصر في عامّة النّاس وأشباههم من أنصاف المثقّفين،إذًا لهان الأمر،ولكن قد تعدّى شرُّه،وتطاير شررُه ليصيب المثقّفين،وطلبة العلم،بل وبعض الخاصّة من أعلام العصر،ومن يُشار إليهم بالبنان.ولا عجب في ذلك فقد حصل هذا من قديم،ولدرإ شرّه صنّف له الحريري القاسم بن عليّ كتابه (دُرَّة الغوّاص في أوهام الخواص).
قال ابن جِنِّي في الخصائص (2 /9):(واستمرَّ فساد هذا الشّأن مشهورا ظاهرا،فينبغي أن يُستوحَشَ من الأخذ عن كلّ أحد إلاّ أن تقوى لغتُه وتَشِيع فصاحتُه.وقد قال الفّراء في بعض كلامه:إلاّ أن تسمع شيئا من بدويّ فصيح فتقولُه).
وفي صبح الأعشى قال القلقشندي (1/ 208):(قال أحمد بن يحيى:كان هذا مقدار أهل العلم،وبحسبه كانت الرّغبة في طلبه،والحذر من الزّلل،قال صاحب الرّيحان والرّيعان:فكيف لو أبصر بعض كتّاب زماننا هذا.قلت:قد قال ذلك في زمانه هو،وفي النّاس بعض الرَّمَق،والعلم ظاهر،وأهله مكرمون،وإلاّ فلو عمّر إلى زماننا نحن لقال:" تلك أمّة قد خلت ").
قلت:فكيف لو امتدّت أنفاسُه،وانفتحت عيناه عن زماننا،إذا لما قال: " تلك أمّة قد خلت ".
(واعلم أنّ اللَّحْن قد فشا في النّاس،والألسنة قد تغيّرت حتّى صار التّكلُّم بالإعراب عَيْبًا،والنُّط ق بالكلام الفصيح عِيًّا) .
حقًّا،إنّها آفة العصر،فُشُوّ اللّحن،وتمادى الأمر من غير نكير حين ظهر من المذاهب الأدبيّة الحديثة الّتي تدعو إلى التّحرُّر من قيود اللّغة - زعموا -،لِيُترَكَ اللّسانُ يجري على سجيّته في التّعبير عمّا يختلج في النّفس،ويضمره القلب من المعاني،فالعبرة عندهم بالغاية الّتي لأجلها كان الكلام،وهي إيصال المعنى إلى المخاطَب،ولا عبرة بعد ذلك بالوسيلة إلاّ إذا كانت مؤدّيّة إلى الغاية الّتي لأجلها سيق الخطاب،والكتاب.
(قلت:والّذي يقتضيه حال الزّمان،والجري على منهاج النّاس أن يُحافَظَ على الإعراب في القرآن الكريم،والأحادي ث النّبويّة،وفي الشّعر،والكلام المسجوع،وما يُدَوَّن من الكلام،ويُكتَبُ من المراسلات ونحوها،ويُغتَفَ رُ اللّحنُ في الكلام الشّائع بين النّاس،الدّائر على ألسنتهم ممّا يَتداولونَهُ بينهم،ويَتحاورو ن به في مخاطَباتِهم،وعل ى ذلك جرت سنّة النّاس في الكلام مذ فسدتِ الألسنة،وتغيّرت اللُّغة) .
ولا بأس بتذكير مَن غفل عن معرفة ما يُعتبر من لغة العرب؛كيما نحفظ للعربيّة رونقها،وندفع عنها ما من شأنه أن يُشوِّه جمالها،ويسلب عنها أصالتها.فيقال:إن ّ اللّغة العربية لا تعتبر إلاّ ب:
1- الرّواية عن فصحاء العرب في زمن الاعتبار،أعني:ق ل فُشُوِّ اللّحن،ففي البوادي كان ذلك في آخر المئة الرّابعة (نهاية القرن الرّابع من الهجرة)،وفي الحواضر كان في آخر المئة الثانية (نهاية القرن الثاني من الهجرة).
2- بالنّقل عن العلماء العدول من حفظة اللّغة،وروّاة الأشعار.
وعليه فاللّغة الفصيحة يعتبر فيها صحّة الوَضْع،أو القياس على النّظائر ممّا ثبت بالوَضْع عن فصحاء العرب،وعدول نقلة اللّغة.وقد قيل قديما:إذا رويت فالصِّحَّة،وإذا نقلت فالأمانة،قال الشّاعر :
ونُصّّ الحديث إلى أهله * فإنّ الأمانة في نصِّه
إنّني - وكلّ غيور - أبغي للغتنا العربية أن تستعيد مكانتها في أمّتنا أوّلا،وبين سائر أمم الأرض ثانيا؛لتتربّع على عرش الشّموخ والعِزّة،كما كانت في سالف الزّمان،وغابر الأيّام،فلا تدور دواليب العلوم إلاّ بمفرداتها،ولا يجري على النّاس جميعا إلاّ ضادُها.
وأبغي لها النّقاء والصّفاء والجلاء لأنّها - للّه درُّها - مرآة الوحي المقدّس،إذ لا سبيل إليه إلاّ من خلالها؛فهي بوّابة الشّريعة،فمن رام الولوج من غيرها من لغات الأرض ضلّ سبيله،وأخطأ عن قصد طريقه.قال في صبح الأعشى (1 /205):(قال صاحب الرّيحان والرّيعان:ولم يزل الخلفاء الرّاشدون بعد النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] يحثّون على تعلُّم العربيّة وحفظها والرِّعاية لمعانيها؛إذ هي من الدّين بالمكان المعلوم،والمحلّ ِ المخصوص).
وأبغي (أن نطهِّر لغتنا العربيّة،لغة القرآن الكريم،والحديث الشّريف،ولسان السّلف الصّالح،من نجس الأخطاء،لا أقول اللّغويّة - فاللّغة منها براء،ولا يجب أن ننسب هذه الأخطاء إليها؛وإنّما يجب أن تُنسَبَ إلى هؤلاء الجاهلين،فنقول: خطاء الجاهلين أو جاهلي اللّغة ...) .
ومن شواهد هذه الأخطاء،وأمثلة تلك الأغلاط ما انطوتْ عليه صحائف أهل العلم،ودفاتر أرباب الأدب من أخبار وقصص تشهد بمجموعها على أصحابها بالجهل بأبسط قواعد هذه اللّغة الشّريفة؛ممّا صيّرهم على تعاقب الأجيال،واختلاف الحَدَثان سمر المجّان،وضُحكة النّدماء،والخِل اّن.
فإليك -أيُّها الحَصيف - أسوق بعض هذه الأخبار؛علّك تُجمُّ بها نفسك،وتتعلّم منها درسك؛فاللّبيب من اتّعظ بغيره،كما الشّقيُّ مَن كان عبرة لغيره.
ففي القرآن الكريم:
* (قدِم أعرابيّ في زمان عمر فقال:مَن يُقرئني ممّا أنزل الله على محمد .قال:فأقرأه رجلٌ براءة،فقال " أَنَّ اللَهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ " بالجرِّ،فقال الأعرابيّ:أَوَق دْ بَريءَ اللهُ من رسولِه ؟!.إنْ يكنِ اللهُ بَرِيءَ مِن رسولِه فأنا أبرأُ منه.فبلغَ عمرَ مقالةُ الأعرابيّ؛فدعاه فقال:يا أعرابيّ أتبرأُ من رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) ؟.قال:يا أمير المؤمنين إنِّي قدمتُ المدينة ولا علمَ لي بالقرآنِ؛فسألتُ مَن يُقرئني،فأقرأني هذا سورةَ براءة.فقال:" أنّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ ".فقلتُ:أَوَقَدْ بَرِيءَ اللهُ مِن رسولِه ؟!.إنْ يكنِ اللهُ بَرِيءَ مِنْ رسولِه؛فأنا أبرأُ منه.فقال عمر:ليس هكذا يا أعرابيّ.قال:فكيف هي يا أمير المؤمنين ؟.فقال " أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ".فقال الأعرابيّ:وأنا واللهِ أبرأُ ممّا بريءَ اللهُ ورسولُه منه.فأمرَ عمرُ بن الخطّاب ألاّ يُقريءَ القرآنَ إلاّ عالمٌ باللّغة،وأمرَ أبا الأسود فوضع النّحو).
* وقرأ آخر:(إِنَّمَا يَخْشَى اللهُ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءَ) برفع الأوّل،ونصب الثاني؛فوقع في الكفر بنقل فتحة إلى ضمّة،وضمّة إلى فتحة.فقيل له:يا هذا،إنّ الله تعالى لا يخشى أحدا!.فتنبَّهَ لذلك،وتفطّن له .
وفي السنّة النّبويّة:
* و رَوَوْا أنّ النّبيَّ سمع رجلاً يَلحنُ في كلامه؛فقال:(أرشد وا أخاكم فإنّه قد ضَلَّ ...).فسمّى اللَّحْنَ ضلالاً .
* وقال عليه السّلام :(رحِمَ اللّهُ اِمرَأً أصلحَ من لسانه).قال ابن جِنِّي:وذلك لِمَا عَلِمَهُ ممّا يعقب الجهل لذلك من ضدّ السّداد،وزيغ الاعتقاد.
وفي آثار الصّحابة:
* وفيه قصّة أبي الأسود الدّؤلي مع ابنته،قال ابن عساكر :(ويقال:إنّ ابنتَه قالت له يوما:يا أبتِ،ما أحسنُ السّماءِ.[فقال لها:] أي بنية نجومُها.قالت:إنّ ِي لم أرد أيَّ شيءٍ منها أحسن،إنّما تعجّبتُ من حسنها.قال:إذًا تقولي:ما أحسنَ السّماءَ؛فحينئذ وضع كتابًا).
* (ويُقال إنّ ابنتَه قالت له:يا أبتِ ما أشدُّ الحرِّ (في يوم شديد الحرّ)،فقال لها:إذا كانت الصَّقْعاءُ مِن فَوقِكِ،والرَّم ْضاءُ من تحتِكِ.فقالت:إنّ ما أريد أنّ الحرَّ شديدٌ.قال:فقولي: ا أشدَّ الحرَّ) .
* (وكتب الحصينُ بنُ الحرِّ كتابًا إلى عمرَ فلَحَنَ في حرفٍ فيه؛فكتبَ إليه عمرُ أنْ قَنِّعْ كاتِبَك سَوْطًا) .
* ومرَّ عمرُ بن الخطّاب بقومٍ يرمون نَبْلاً؛فعابَ عليهم؛فقالوا:يا أمير المؤمنين إنّا قومٌ متعلِّمين.فقال:ل َحْنُكم أشدُّ عليَّ مِن سُوءِ رميكم،سمعتُ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:رحمَ اللهُ امرأً أصلحَ مِن لسانهِ .
* وكان عبدُ اللّه بنُ عمر رضي اللّه عنهما يضربُ بنيه على اللّحْن،ولا يضربهم على الخطأ .
* وعن نافع قال:كان ابنُ عمر يضرب ولدَه على اللّحن .
* ومرّ عمرُ بنُ الخطّاب [رضى الله عنه] برجلين يرميان،فقال أحدُهما للآخر:أَسَبْتَ؛ قال عمر:سوءُ اللّحن أشدُّ مِن سُوء الرَّمي .
* وأخرج ابن أبي شيبة بسنده إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب أنّه قال:تعلّموا اللّحنَ والفرائض؛فإنّه من دينكم.
قال يزيد بن هارون:اللَّحْنُ هو اللُّغة.
قصص الخلفاء والأمراء:
* قال الوليد لرجل:مَن خَتَنَك ؟.قال:الحَجَّام !.فضحك القومُ،وخجلَ الوليد؛وإنّما أراد أن يقول:مَنْ خَتَنُكَ.
* وروى العتبي عن أبيه قال:استأذنَ رجلٌ من جند الشّام،له فيهم قدر على عبد الملك بن مروان وهو يلعب بالشِّطرنج، فقال:يا غلام،غَطِّها هذا شيخ له جلالة.ثمّ أذِنَ له.فلمّا كلّمه وجده يَلْحَنُ فقال:يا غلام،اكشِفْها فليس لِلاحِنٍ حُرْمَة.
* ودخل على عبد العزيز بن مروان رجلٌ يشكو صِهْرًا له؛فقال:إنّ خَتَنِي فعل بي كذا وكذا.فقال له عبد العزيز:مَن خَتَنَكَ ؟.فقال له:خَتَنَنِي الخَتّان الذي يَخْتِنُ النّاس.فقال عبد العزيز لكاتبه:وَيْحَكَ بما أجابني ؟.فقال له:أيُّها الأمير إنّك لَحَنْتَ وهو لا يعرف اللَّحْنَ،كان ينبغي أن تقولَ له:ومَن خَتَنُكَ.فقال عبد العزيز:أراني أتكلّم بكلام لا يعرفه العرب،لا شاهدت النّاس حتّى أعرِفَ اللّحن.قال:فأقام في البيت جمعة لا يظهر،ومعه مَن يُعلِّمُه العربيّة.قال فصلّى بالنّاس الجمعة وهو من أفصح النّاس.
* وقال بعضُهم :ارتفعَ الى زيادٍ ابن أبيه رجلٌ وأخوه في ميراث،فقال:إنّ أبونا مات،وإنّ أخينا وثبَ على مال أبانا فأكله. فقال زياد:الّذي أضعتَ مِن لسانِك أضرُّ عليك ممّا أضاعه أخوك مِن مالِك.وأمّا القاضي فقال:فلا رَحِمَ اللهُ أباك،ولا تنحَّ عظم أخيك.قُمْ في لعنة الله.
أخبار متفرِّقة:
* وحكى العسكريّ في كتاب التّصحيف أنّه قيل لبعضهم:ما فعلَ أبوك بحمارِهِ ؟.فقال:باعِهِ.فق ل له:لِمَ قلتَ باعِهِ ؟. قال:فلِمَ قلتَ أنت:بحمارِهِ ؟.فقال:أنا جَررتُهُ بالباء،فقال:فلِ َ تَجُرُّ باؤُكَ،وبائِي لا تَجُرّ ؟!.
* ومثله من القياس الفاسد ما حكاه أبو بكر التّاريخي في كتاب " أخبار النّحويّين " أنّ رجلاً قال لِسَمَّاكٍ بالبصرة:بكم هذه السَّمَكَة ؟.فقال:بدرهمان،ف ضحك الرجل.فقال السّمَّاكُ:أنت أحمق،سمعتُ سيبويه يقول:ثمنُها درهمان.
* وقلت يومًا:ترد الجملة الاسميّة الحاليّة بغير واٍو في فصيح الكلام خلافًا للزّمخشري،كقوله تعالى:(وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةً).فقا ل بعضُ مَن حضر:هذه الواو في أوِّلِها !.
* وقلتُ يومًا:الفقهاءُ يَلْحنون في قولِهم:" بايع " بغير همز.فقال قائلٌ:فقد قال اللّه تعالى:(فَبَايِعْ هُنَّ).
يتبع