ابو وليد البحيرى
2019-10-20, 05:09 AM
الإرادة اللفظية والمعنوية وأثرهما في وصف الحكم الشرعي
وفهم المقصدية- دراسة أصولية
د. أمجد سعود سلامه القراله
ملخص البحث:
يتناول هذا البحث اللفظ والمعنى, وعلاقتهما في وصف الحكم الشرعي وفهم المقصدية, حيث تكمن أهمية هذا الموضوع في بيان أهمية اللفظ والمعنى عند الأصوليين من حيث النظر الفقهي, ذلك أن كثيرا من العقود والقضايا المعاصرة لا يمكن أن نحدد وصفها الشرعي, إلا من خلال تحديد لفظ العقد الذي أبرم من قبل المتعاقدين, والمقصود باللفظ في هذا البحث هو: الأداة الطبيعية الأصلية في التعبير عن الإرادة الخفية, وتدور الفكرة العامة هنا على: كيفية التعامل مع اللفظ والمعنى من حيث الاستدلال بهما في وصف العقد أو الواقعة.
وقد خلص هذا البحث إلى جملة من النتائج لعل من أهمها: أن الإرادة اللفظية تشكل أداة التعبير التي يقوم على أساسها إعطاء الوصف الشرعي للواقعة أو العقد المبرم, وتحريرهما بحكم شرعي, من خلال النظر إلى الألفاظ المكوّنة للعقد أو الشارحة للواقعة, لحملها على أصل فقهي معتبر, كما أنَّ القصد والنية والباعث لها دور كبير في تكوين العقد وترتّب آثاره، لذلك كان للفقه حظ وافر في الاعتماد على الإرادة الباطنة (المعنى)، ولنا في فروع الفقه الإسلامي أمثلة ونماذج كثيرة على الاعتداد بالإرادة الباطنة أو المعنى.
Context and meaning will and their effect on the description and understanding the meaning of the Islamic judge- Fundamentalism study
By: Dr. Amjad Saud Alaqralh
Abstract:
This research deals with the context and the meaning and their relation with the description of the Islamic judge and understanding their objectives. The importance of this subject refers to the importance of the context and the meaning before the fundamentalists due to idiosyncratic. Therefore, a lot of contracts and contemporary issues cannot be identified the legitimate description through defining the context of the contracts, which were concluded by the contractors. In this research, the context meaning is a natural approach in the original expression of the implicit will. The general idea is about how to deal with the context and meaning in terms of their Inference in the description of the contract or incident.
The summary of this research as follows: The context will forms the expression approach that is based on the basis of the legal description of the incident or the concluded contract and to edit them by focusing on the constituting context or by explaining the incident of the contract in order to get a considerable jurisprudential origin. In addition, the intent, the purpose and the motive, have a significant role in the contract preparation and the consequent effects, as a result, it plays a significant role depending on the internal meaning. Therefore, there are many models in the Islamic jurisprudence branches of the internal meaning evidence.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, وسار على نهجه إلى يوم الدين وبعد: فلقد شرع الله الدين الإسلامي ديناً عالمياً, قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرسَلْنَاكَ إَلا رحمَةً لِلِعْاَلمَيِنَ ﴾ (الأنبياء:107). وكانت وما تزال رسالة الإسلام خاتمة الرسالات, صالحة للإنسانية, مصلحة لكل زمان ومكان, فكان إنزال القرآن الكريم وإرسال الرسول الأمين من أعظم نعم الله علينا, حيث إنهما لا يُحدّان بوقت ولا مكان بل هما حَكمان على الزمان والمكان باقيان ما بقي على الأرض ديّارّا, وقد أودع الله فيهما من الأصول والأحكام ما يجعلهما قادرين على مسايرة حاجات الناس المتجدٍّدة على امتداد الزمان واتساع المكان.
وما دمنا نحاول بدراستنا هذه أن نستوعب الحاضر بكل ما فيه, ونتفاعل معه, فإنه يحق لنا أن نتساءل: هل دراسةِ مثل هذا الموضوع وتحليله, تنحصر فقط في باب الإشكالية النظرية ؟, أم الذي يحفزنا على هذه الدراسة هو نوعية الأسئلة التي نشأت في الفكر الإسلامي, عندما اتجه التفكير في مستوياته المتعددة نحو مقاربة الموضوع, في إطار سؤال الرواية الأصل, وسؤال الحداثة المعاصر؟.
من خلال هذه التساؤلات فإننا في المفتتح, نحصر الموضوع وجُهدهَ في باب الإشكالية النظرية والتطبيقية, التي تطرح في الواقع المعاش كثيرا من القضايا المستجدة, ووصف حكمها الشرعي, ولأنّ الجانب الحكمي مهم في حياة المسلم, وخاصة في دراسة الواقع المعاش فان الباحث أخذ على نفسه الخوض في غِمار هذا الموضوع الذي يشكّل تراثاً عظيماً وتجديدا فريدا في مجال فهم الخطاب الإسلامي بل منهجاً من مناهج تجديد القراءة الأصولية بما يستوعب الحاضر والمستقبل من خلال اللفظ والمعنى.
وإنّني وأثناء بحثي وتقصي في هذا الموضوع, وجدت أنّه من الظلم أن يُهمل هذا الجانب من البحث, الذي ينصب حول فكرة الأثر الذي يتركه اللفظ والمعنى في فهم المقصدية, كيف لا وهما يشكلان الأساس الذي بنيت عليه أحكام كثيرة, من قضايا الواقع المعاش والنوازل والمستجدات من الحوادث. لذا فقد جاء هذا البحث ليزيل الحُجُب المسدلة, عن طريقة فهم الوصف الحكمي المبني على الإرادة المعنوية واللفظية, فوسم البحث بعد هذا بـ(الإرادة اللفظية والمعنوية وأثرهما في وصف الحكم وفهم المقصدية- دراسة أصولية)
مشكلة البحث والأسئلة التي سيجيب عنها:
تنبثق مشكلة هذه الدراسة, من عدم وضوح فكرة استخدام الأداة اللفظية والمعنوية في فهم الوصف الحكمي للعقود والوقائع, بحيث أجريت هذه الدراسة بهدف التعرّف على طبيعة التعامل مع اللفظ والمعنى, من حيث دورها في الفكر والفقه الإسلامي, واستيعاب ما هو مستجد وبيان الأثر الأصولي والفقهي والفكري لها, ووضع ذلك ضمن أطر علمية, تكون بمثابة نواة لنظرية الأثر المتشكل من فهم مقصود اللفظ والمعنى, فكانت مشكلة الدراسة تتمثل في إيضاح صورة الجانب الأثري للإرادة اللفظية والمعنوية في علم أصول الفقه الإسلامي.
وستجيب الدراسة بإذن الله عن الأسئلة الآتية:
أولاً: ما الذي يحفزنا على التفكير في دراسة مثل هذا الموضوع والعناية ببعض جوانبه؟
ثانيًا: كيف لدراسةٍ مثلَ هذه تشِّكل المجال الحيوي والتكويني لفهم الإرادة اللفظية والمعنوية في خطابات الفقه الإسلامي التي تحدد مستوى قراءة أصولية جديدة لوصف الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقود والمستجدات.
ثالثاً: ما الأثر الأصولي الذي تركته هذه الأدوات (اللفظ والمعنى) التي من خلالها فهمت المقاصدية في العقود والنوازل ؟.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في كونها
أولاً: توضح فكرة فهم الإرادة اللفظية والمعنوية من حيث إطلاق لفظ الأداة عليها لا الدليل.
ثانياً: تشكل هذه الدراسة قراءة أصولية لفكرة الآثار الفقهية والأصولية الناتجة عن فهم طبيعة رسم اللفظ والمعنى للحكم الشرعي.
ثالثاً: إجراء الدراسة على عينة من العقود والقضايا المستجدة لبيان المقاصدية من الواقعة ووصف الحكم الشرعي من خلال الإرادتين منفردتين أو مختلطتان معا.
سبب اختيار الموضوع:
لقد كان اختيار الباحث لدراسة هذا الموضوع للعوامل والأسباب الآتية:
أولاً: الأهمية العلميّة والعمليّة التي تتمتع بها إرادة كل من اللفظ والمعنى, وأثرهما في الواقع الإسلامي.
ثانياً: تقديم دراسة جديدة في أصول الفقه تجمع الجانب الوصفي والتحليلي لأدوات فهم الخطاب الفقهي من خلال اللفظ والمعنى.
ثالثاً: بيان حدود اعتماد نظرية اللفظ والمعنى في وصف الحكم الشرعي ومدى الاستدلال بهما وأثر ذلك في الفتوى والاجتهاد.
الدراسات السابقة:
من خلال البحث والاستقصاء وجد الباحث بعضا من الدراسات التي تحدثت عن الأدلة التي من خلالها يتم وصف الأحكام, ومن هذه الدراسات:
دراسة الدكتور. مصطفى البغا, التي وسمت بـ(أثر الأدلة المختلف فيها (مصادر التشريع التبعية في الفقه الإسلامي دار القلم- دمشق, سنة الطبع1413هـ (حيث تطرقت دراسته لبحث الأدلة التبعية من خلال الإطلال على بيانها من حيث المفهوم والأهمية وأدلة مشروعيتها وكانت الدراسة حصرا على الأدلة المختلف فيها وأثرها من الناحية الأصولية.
وما يميز دراستي عن هذه الدراسة هو: أن دراسة الدكتور. البغا, جاءت بشكل دراسة أصولية, كان الهدف منها الرغبة عند الباحث في أهمية لفت الانتباه إلى الأدوات التبعية المختلف فيها, في بيان الأحكام للقضايا والمستجدات, أما دراستي فتدور حول استنتاج الآثار الفكرية والأصولية والفقهية, من استخدام الإرادة اللفظية والمعنوية, وفكرة الاستيعاب في التشريع الإسلامي, ومرونة الفقه الإسلامي. (أثر الأدلة المختلف فيها (مصادر التشريع التبعية في الفقه الإسلامي دار القلم- دمشق, سنة الطبع1413 هـ)
دراسة الباحث أحمد الحجي الكردي والموسومة بـ(مصادر التشريع الإسلامي الأصلية والتبعية ومباحث الحكم (1990). حيث تعرض الباحث إلى بيان المصادر التبعية, وبعد أن أوضح المصادر الأصلية, قام ببيان أهميتها, ودليل مشروعيتها, وطرق الاستدلال بها, مع إظهار أقوال علماء أصول الفقه في كل دليل تبعي.
ودراستي تتميز عن سابقتها, بأنها تختص ببيان الأثر الناشئ عن استخدام اللفظ والمعنى, والتي وسمتها بالأدوات, من حيث أثرها على علم الأصول والفقه وعلى الواقع الإسلامي المعاش.
دراسة أحمد عبود علوان, والموسومة بـ(الأدلة التبعية لفقه المستجدات العصرية (2013), حيث تتناول الدراسة ذكر بعض الأدلة التبعية, أو كما يطلق عليها الأدلة العقلية, التي يستطيع المجتهد من خلالها الوصول إلى مستجد من وقائع, عند انعدام الأدلة الأصلية والمتفق عليها عند الأصوليين, من الكتاب والسنة وغيرها، لأن المجتهد الذي اكتملت فيه آلة البحث والاجتهاد, لا يبقى عليه سوى البحث في هذه الأدلة للوصول إلى حكم, وتتميز دراستي عنها بأنها جاءت متممة لما ذكر في هذه الدراسة من حيث الأثر والتأثير ذلك أن استخدام اللفظ والمعنى يحاكي الواقع, بل ربما يكون الحل الأمثل لوصف الواقعات المستجدة في عصرنا, عند انعدام الدليل الأصلي أو عدم وضوحه.
منهجية البحث:
إن الباحث يأخذ على عاتقه استخدام منهجين في الدراسة
المنهج الوصفي: وهنا يقوم الباحث بوصف المصطلحات الواردة في الدراسة بحسب المنهجية العلمية ومقارنتها بغيرها مما له علاقة أو صلة.
المنهج التحليليّ: الذي سيتبع الباحث فيه طريقة المقارنة والاستدلال ومقارنة الأقوال والترجيح بينها, وتوثيق المعلومات من مراجعها, ذلك أن دراسة قضية اللفظ والمعنى ودورها في وصف الحكم الشرعي تحتاج أولا إلى وصف بيان ماهيتها وأقسامها, ثم تحتاج الدراسة أيضا إلى ذكر النماذج الحيّة والأمثلة والشواهد التي من خلالها تتضح الفكرة بل وتتأصل.
المبحث الأول
مفهومية الإرادة اللفظية وحجية الاعتداد بها
المطلب الأول: معنى الإرادة اللفظية كمركب ولقب
أولا: اللفظ لغة: من لَفَظَ: يقال لفظت الشيء من فمي أي رميته واللفظ أن ترمي بشيء كان في فيك، ويقال لفظ بالشيء أي تكلم([1]). وفي التنزيل العزيز يقول الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ([2]).
ثانيا: اللفظ اصطلاحا: إنَّ تعريف اللفظ لا يخرج بمعناه الاصطلاحي عن المعنى اللغوي العام، والذي هو ما يخرج من الفم من قول، وهو يمثل عند أهل الكلام والفقه الأداة الطبيعية الأصلية في التعبير عن الإرادة الخفية([3]).
واللفظ يستعمل وبشكل شائع في العقود بين الناس ويعتدّ به، لسهولته وقوة دلالاته ووضوحه, ومن خلال ما سبق نجد أنَّ مصطلح اللفظ أوجد في الفقه الإسلامي شكلية مستقلة يعتّد بها، كانت سبباً لاختلاف العلماء في كثير من المسائل ألا وهي شكلية (اللفظ)، أو كما يسمونها (اللفظية).
وخير مثالٍ على ذلك بيع التعاطي، واختلاف العلماء في شكلية اللفظ فيه([4]).
أمَّا بالنسبة إلى مادة اللفظ، فإنَّ الفقه الإسلامي لم يضع شكلية خاصة للّفظ، وإنَّما جعل كل عبارة سواء من حقيقة أو مجاز صالحة لكل عقد متى ما أعربت عن معنى هذا اللفظ وأظهرت المقصود منه، وشكّلت أداةً لإخراج الإرادة إلى حيّز الوجود الحسي، إلاَّ أنَّ بعضاً من العلماء استثنى من ذلك عقد الزواج([5])،لقداسة هذا العقد وعظيم شأنه في المجتمع الإسلامي.
أما بالنسبة لصيغ اللفظ، فتتعدد وتتنوع (من الماضي إلى الحاضر إلى الأمر ثم المستقبل)، إلاَّ أنَّنا نجد أنَّ أهل اللغة والفقه يؤثرون صيغة الماضي, على اعتبار أنَّها أدل الألفاظ على تحقيق الوجود، وتمثّل مظهراً واضحاً للتعبير عن الإرادة في مرحلته النهائية، إرادة قد تجاوزت دور التردد والتفكير والمفاوضة والمساومة, إلى دور الجَزم والقطع والبتّ والحَسم([6]).
وصيغت الماضي وإن كانت قد وضعت للماضي, إلاَّ أنَّها جُعلت إيجاباً للحال في عُرف أهل اللغة والشرع, فينعقد بها العقد دون بحث في النيّة([7]), أمَّا في غير صيغ الماضي, فلا بد من الرجوع إلى ملابسات وظروف الواقعة, والبحث في النيّة للوقوف على الإرادة التي أنشأت العقد, مع الاهتمام بأعراف الناس وعاداتهم غير المخالفة للشريعة السمحة, فكان اهتمام العلماء بالصيغة قائما على أساس أنها تمثل وعاء الحقيقة, فالإرادة تستخلص من الصيغة، والصيغة تُمثل القرينة والدليل على الإرادة، إلا أنها قرينة لا تقبل إثبات العكس([8]), لذا كان للفظ منزلةً عظيمةً عند الفقهاء، وهو مقدّم على ما سواه من وسائل التعبير عن الإرادة، فهو أدلّ من غيره على شخصية المتكلم, وحقيقة إرادته, ومجموع نفسه([9]).
وقد ذكر بعض علماء الأصول -وهم ممن يعتد باللفظ كأداة للتعبير عن الإرادة- أن اللفظ إذا ورد حُمل على الحقيقة بإطلاقه, ولا يحمل على المجاز إلاَّ بدليل، وقد لا يكون له مجاز, وهو أكثر اللغات, فيحمل على ما وضع له([10]), وفي بعض الأحيان نجد مفارقة بين الظاهر والباطن، فيكون حيناً على خلافه، ولكن المرتفع من الأشخاص هو الظاهر الذي تتبادر إليه البصائر والأفهام، والظاهر يطلق على اللفظ المحتمل لمعنى أو معنيين، وهو يكون (اللفظ) في أحدهما أرجح دلالة وحكمة, ولا يعدل عن هذا المعنى إلاَّ بتأويل, أي صرف اللفظ عن ظاهره لدليل يصير به المرجوح راجحاً([11]).
ولا يخفى أن اللفظ بناء من الصوت, والصوت عرض مسموع, واللفظ معتمد على مخرج من مخارج الحروف, وأنواعه: اسم وفعل وحرف، وكما قلنا إمَّا أن يحتمل اللفظ معنى واحدا وهو النص, أو يحتمل معنيين يترجح في أحد معانيه وهو الظاهر, أو يحتمل معنيين لا يترجح في أحد معانيه وهو المحتمل([12]).
يتبع
وفهم المقصدية- دراسة أصولية
د. أمجد سعود سلامه القراله
ملخص البحث:
يتناول هذا البحث اللفظ والمعنى, وعلاقتهما في وصف الحكم الشرعي وفهم المقصدية, حيث تكمن أهمية هذا الموضوع في بيان أهمية اللفظ والمعنى عند الأصوليين من حيث النظر الفقهي, ذلك أن كثيرا من العقود والقضايا المعاصرة لا يمكن أن نحدد وصفها الشرعي, إلا من خلال تحديد لفظ العقد الذي أبرم من قبل المتعاقدين, والمقصود باللفظ في هذا البحث هو: الأداة الطبيعية الأصلية في التعبير عن الإرادة الخفية, وتدور الفكرة العامة هنا على: كيفية التعامل مع اللفظ والمعنى من حيث الاستدلال بهما في وصف العقد أو الواقعة.
وقد خلص هذا البحث إلى جملة من النتائج لعل من أهمها: أن الإرادة اللفظية تشكل أداة التعبير التي يقوم على أساسها إعطاء الوصف الشرعي للواقعة أو العقد المبرم, وتحريرهما بحكم شرعي, من خلال النظر إلى الألفاظ المكوّنة للعقد أو الشارحة للواقعة, لحملها على أصل فقهي معتبر, كما أنَّ القصد والنية والباعث لها دور كبير في تكوين العقد وترتّب آثاره، لذلك كان للفقه حظ وافر في الاعتماد على الإرادة الباطنة (المعنى)، ولنا في فروع الفقه الإسلامي أمثلة ونماذج كثيرة على الاعتداد بالإرادة الباطنة أو المعنى.
Context and meaning will and their effect on the description and understanding the meaning of the Islamic judge- Fundamentalism study
By: Dr. Amjad Saud Alaqralh
Abstract:
This research deals with the context and the meaning and their relation with the description of the Islamic judge and understanding their objectives. The importance of this subject refers to the importance of the context and the meaning before the fundamentalists due to idiosyncratic. Therefore, a lot of contracts and contemporary issues cannot be identified the legitimate description through defining the context of the contracts, which were concluded by the contractors. In this research, the context meaning is a natural approach in the original expression of the implicit will. The general idea is about how to deal with the context and meaning in terms of their Inference in the description of the contract or incident.
The summary of this research as follows: The context will forms the expression approach that is based on the basis of the legal description of the incident or the concluded contract and to edit them by focusing on the constituting context or by explaining the incident of the contract in order to get a considerable jurisprudential origin. In addition, the intent, the purpose and the motive, have a significant role in the contract preparation and the consequent effects, as a result, it plays a significant role depending on the internal meaning. Therefore, there are many models in the Islamic jurisprudence branches of the internal meaning evidence.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, وسار على نهجه إلى يوم الدين وبعد: فلقد شرع الله الدين الإسلامي ديناً عالمياً, قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرسَلْنَاكَ إَلا رحمَةً لِلِعْاَلمَيِنَ ﴾ (الأنبياء:107). وكانت وما تزال رسالة الإسلام خاتمة الرسالات, صالحة للإنسانية, مصلحة لكل زمان ومكان, فكان إنزال القرآن الكريم وإرسال الرسول الأمين من أعظم نعم الله علينا, حيث إنهما لا يُحدّان بوقت ولا مكان بل هما حَكمان على الزمان والمكان باقيان ما بقي على الأرض ديّارّا, وقد أودع الله فيهما من الأصول والأحكام ما يجعلهما قادرين على مسايرة حاجات الناس المتجدٍّدة على امتداد الزمان واتساع المكان.
وما دمنا نحاول بدراستنا هذه أن نستوعب الحاضر بكل ما فيه, ونتفاعل معه, فإنه يحق لنا أن نتساءل: هل دراسةِ مثل هذا الموضوع وتحليله, تنحصر فقط في باب الإشكالية النظرية ؟, أم الذي يحفزنا على هذه الدراسة هو نوعية الأسئلة التي نشأت في الفكر الإسلامي, عندما اتجه التفكير في مستوياته المتعددة نحو مقاربة الموضوع, في إطار سؤال الرواية الأصل, وسؤال الحداثة المعاصر؟.
من خلال هذه التساؤلات فإننا في المفتتح, نحصر الموضوع وجُهدهَ في باب الإشكالية النظرية والتطبيقية, التي تطرح في الواقع المعاش كثيرا من القضايا المستجدة, ووصف حكمها الشرعي, ولأنّ الجانب الحكمي مهم في حياة المسلم, وخاصة في دراسة الواقع المعاش فان الباحث أخذ على نفسه الخوض في غِمار هذا الموضوع الذي يشكّل تراثاً عظيماً وتجديدا فريدا في مجال فهم الخطاب الإسلامي بل منهجاً من مناهج تجديد القراءة الأصولية بما يستوعب الحاضر والمستقبل من خلال اللفظ والمعنى.
وإنّني وأثناء بحثي وتقصي في هذا الموضوع, وجدت أنّه من الظلم أن يُهمل هذا الجانب من البحث, الذي ينصب حول فكرة الأثر الذي يتركه اللفظ والمعنى في فهم المقصدية, كيف لا وهما يشكلان الأساس الذي بنيت عليه أحكام كثيرة, من قضايا الواقع المعاش والنوازل والمستجدات من الحوادث. لذا فقد جاء هذا البحث ليزيل الحُجُب المسدلة, عن طريقة فهم الوصف الحكمي المبني على الإرادة المعنوية واللفظية, فوسم البحث بعد هذا بـ(الإرادة اللفظية والمعنوية وأثرهما في وصف الحكم وفهم المقصدية- دراسة أصولية)
مشكلة البحث والأسئلة التي سيجيب عنها:
تنبثق مشكلة هذه الدراسة, من عدم وضوح فكرة استخدام الأداة اللفظية والمعنوية في فهم الوصف الحكمي للعقود والوقائع, بحيث أجريت هذه الدراسة بهدف التعرّف على طبيعة التعامل مع اللفظ والمعنى, من حيث دورها في الفكر والفقه الإسلامي, واستيعاب ما هو مستجد وبيان الأثر الأصولي والفقهي والفكري لها, ووضع ذلك ضمن أطر علمية, تكون بمثابة نواة لنظرية الأثر المتشكل من فهم مقصود اللفظ والمعنى, فكانت مشكلة الدراسة تتمثل في إيضاح صورة الجانب الأثري للإرادة اللفظية والمعنوية في علم أصول الفقه الإسلامي.
وستجيب الدراسة بإذن الله عن الأسئلة الآتية:
أولاً: ما الذي يحفزنا على التفكير في دراسة مثل هذا الموضوع والعناية ببعض جوانبه؟
ثانيًا: كيف لدراسةٍ مثلَ هذه تشِّكل المجال الحيوي والتكويني لفهم الإرادة اللفظية والمعنوية في خطابات الفقه الإسلامي التي تحدد مستوى قراءة أصولية جديدة لوصف الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقود والمستجدات.
ثالثاً: ما الأثر الأصولي الذي تركته هذه الأدوات (اللفظ والمعنى) التي من خلالها فهمت المقاصدية في العقود والنوازل ؟.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في كونها
أولاً: توضح فكرة فهم الإرادة اللفظية والمعنوية من حيث إطلاق لفظ الأداة عليها لا الدليل.
ثانياً: تشكل هذه الدراسة قراءة أصولية لفكرة الآثار الفقهية والأصولية الناتجة عن فهم طبيعة رسم اللفظ والمعنى للحكم الشرعي.
ثالثاً: إجراء الدراسة على عينة من العقود والقضايا المستجدة لبيان المقاصدية من الواقعة ووصف الحكم الشرعي من خلال الإرادتين منفردتين أو مختلطتان معا.
سبب اختيار الموضوع:
لقد كان اختيار الباحث لدراسة هذا الموضوع للعوامل والأسباب الآتية:
أولاً: الأهمية العلميّة والعمليّة التي تتمتع بها إرادة كل من اللفظ والمعنى, وأثرهما في الواقع الإسلامي.
ثانياً: تقديم دراسة جديدة في أصول الفقه تجمع الجانب الوصفي والتحليلي لأدوات فهم الخطاب الفقهي من خلال اللفظ والمعنى.
ثالثاً: بيان حدود اعتماد نظرية اللفظ والمعنى في وصف الحكم الشرعي ومدى الاستدلال بهما وأثر ذلك في الفتوى والاجتهاد.
الدراسات السابقة:
من خلال البحث والاستقصاء وجد الباحث بعضا من الدراسات التي تحدثت عن الأدلة التي من خلالها يتم وصف الأحكام, ومن هذه الدراسات:
دراسة الدكتور. مصطفى البغا, التي وسمت بـ(أثر الأدلة المختلف فيها (مصادر التشريع التبعية في الفقه الإسلامي دار القلم- دمشق, سنة الطبع1413هـ (حيث تطرقت دراسته لبحث الأدلة التبعية من خلال الإطلال على بيانها من حيث المفهوم والأهمية وأدلة مشروعيتها وكانت الدراسة حصرا على الأدلة المختلف فيها وأثرها من الناحية الأصولية.
وما يميز دراستي عن هذه الدراسة هو: أن دراسة الدكتور. البغا, جاءت بشكل دراسة أصولية, كان الهدف منها الرغبة عند الباحث في أهمية لفت الانتباه إلى الأدوات التبعية المختلف فيها, في بيان الأحكام للقضايا والمستجدات, أما دراستي فتدور حول استنتاج الآثار الفكرية والأصولية والفقهية, من استخدام الإرادة اللفظية والمعنوية, وفكرة الاستيعاب في التشريع الإسلامي, ومرونة الفقه الإسلامي. (أثر الأدلة المختلف فيها (مصادر التشريع التبعية في الفقه الإسلامي دار القلم- دمشق, سنة الطبع1413 هـ)
دراسة الباحث أحمد الحجي الكردي والموسومة بـ(مصادر التشريع الإسلامي الأصلية والتبعية ومباحث الحكم (1990). حيث تعرض الباحث إلى بيان المصادر التبعية, وبعد أن أوضح المصادر الأصلية, قام ببيان أهميتها, ودليل مشروعيتها, وطرق الاستدلال بها, مع إظهار أقوال علماء أصول الفقه في كل دليل تبعي.
ودراستي تتميز عن سابقتها, بأنها تختص ببيان الأثر الناشئ عن استخدام اللفظ والمعنى, والتي وسمتها بالأدوات, من حيث أثرها على علم الأصول والفقه وعلى الواقع الإسلامي المعاش.
دراسة أحمد عبود علوان, والموسومة بـ(الأدلة التبعية لفقه المستجدات العصرية (2013), حيث تتناول الدراسة ذكر بعض الأدلة التبعية, أو كما يطلق عليها الأدلة العقلية, التي يستطيع المجتهد من خلالها الوصول إلى مستجد من وقائع, عند انعدام الأدلة الأصلية والمتفق عليها عند الأصوليين, من الكتاب والسنة وغيرها، لأن المجتهد الذي اكتملت فيه آلة البحث والاجتهاد, لا يبقى عليه سوى البحث في هذه الأدلة للوصول إلى حكم, وتتميز دراستي عنها بأنها جاءت متممة لما ذكر في هذه الدراسة من حيث الأثر والتأثير ذلك أن استخدام اللفظ والمعنى يحاكي الواقع, بل ربما يكون الحل الأمثل لوصف الواقعات المستجدة في عصرنا, عند انعدام الدليل الأصلي أو عدم وضوحه.
منهجية البحث:
إن الباحث يأخذ على عاتقه استخدام منهجين في الدراسة
المنهج الوصفي: وهنا يقوم الباحث بوصف المصطلحات الواردة في الدراسة بحسب المنهجية العلمية ومقارنتها بغيرها مما له علاقة أو صلة.
المنهج التحليليّ: الذي سيتبع الباحث فيه طريقة المقارنة والاستدلال ومقارنة الأقوال والترجيح بينها, وتوثيق المعلومات من مراجعها, ذلك أن دراسة قضية اللفظ والمعنى ودورها في وصف الحكم الشرعي تحتاج أولا إلى وصف بيان ماهيتها وأقسامها, ثم تحتاج الدراسة أيضا إلى ذكر النماذج الحيّة والأمثلة والشواهد التي من خلالها تتضح الفكرة بل وتتأصل.
المبحث الأول
مفهومية الإرادة اللفظية وحجية الاعتداد بها
المطلب الأول: معنى الإرادة اللفظية كمركب ولقب
أولا: اللفظ لغة: من لَفَظَ: يقال لفظت الشيء من فمي أي رميته واللفظ أن ترمي بشيء كان في فيك، ويقال لفظ بالشيء أي تكلم([1]). وفي التنزيل العزيز يقول الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ([2]).
ثانيا: اللفظ اصطلاحا: إنَّ تعريف اللفظ لا يخرج بمعناه الاصطلاحي عن المعنى اللغوي العام، والذي هو ما يخرج من الفم من قول، وهو يمثل عند أهل الكلام والفقه الأداة الطبيعية الأصلية في التعبير عن الإرادة الخفية([3]).
واللفظ يستعمل وبشكل شائع في العقود بين الناس ويعتدّ به، لسهولته وقوة دلالاته ووضوحه, ومن خلال ما سبق نجد أنَّ مصطلح اللفظ أوجد في الفقه الإسلامي شكلية مستقلة يعتّد بها، كانت سبباً لاختلاف العلماء في كثير من المسائل ألا وهي شكلية (اللفظ)، أو كما يسمونها (اللفظية).
وخير مثالٍ على ذلك بيع التعاطي، واختلاف العلماء في شكلية اللفظ فيه([4]).
أمَّا بالنسبة إلى مادة اللفظ، فإنَّ الفقه الإسلامي لم يضع شكلية خاصة للّفظ، وإنَّما جعل كل عبارة سواء من حقيقة أو مجاز صالحة لكل عقد متى ما أعربت عن معنى هذا اللفظ وأظهرت المقصود منه، وشكّلت أداةً لإخراج الإرادة إلى حيّز الوجود الحسي، إلاَّ أنَّ بعضاً من العلماء استثنى من ذلك عقد الزواج([5])،لقداسة هذا العقد وعظيم شأنه في المجتمع الإسلامي.
أما بالنسبة لصيغ اللفظ، فتتعدد وتتنوع (من الماضي إلى الحاضر إلى الأمر ثم المستقبل)، إلاَّ أنَّنا نجد أنَّ أهل اللغة والفقه يؤثرون صيغة الماضي, على اعتبار أنَّها أدل الألفاظ على تحقيق الوجود، وتمثّل مظهراً واضحاً للتعبير عن الإرادة في مرحلته النهائية، إرادة قد تجاوزت دور التردد والتفكير والمفاوضة والمساومة, إلى دور الجَزم والقطع والبتّ والحَسم([6]).
وصيغت الماضي وإن كانت قد وضعت للماضي, إلاَّ أنَّها جُعلت إيجاباً للحال في عُرف أهل اللغة والشرع, فينعقد بها العقد دون بحث في النيّة([7]), أمَّا في غير صيغ الماضي, فلا بد من الرجوع إلى ملابسات وظروف الواقعة, والبحث في النيّة للوقوف على الإرادة التي أنشأت العقد, مع الاهتمام بأعراف الناس وعاداتهم غير المخالفة للشريعة السمحة, فكان اهتمام العلماء بالصيغة قائما على أساس أنها تمثل وعاء الحقيقة, فالإرادة تستخلص من الصيغة، والصيغة تُمثل القرينة والدليل على الإرادة، إلا أنها قرينة لا تقبل إثبات العكس([8]), لذا كان للفظ منزلةً عظيمةً عند الفقهاء، وهو مقدّم على ما سواه من وسائل التعبير عن الإرادة، فهو أدلّ من غيره على شخصية المتكلم, وحقيقة إرادته, ومجموع نفسه([9]).
وقد ذكر بعض علماء الأصول -وهم ممن يعتد باللفظ كأداة للتعبير عن الإرادة- أن اللفظ إذا ورد حُمل على الحقيقة بإطلاقه, ولا يحمل على المجاز إلاَّ بدليل، وقد لا يكون له مجاز, وهو أكثر اللغات, فيحمل على ما وضع له([10]), وفي بعض الأحيان نجد مفارقة بين الظاهر والباطن، فيكون حيناً على خلافه، ولكن المرتفع من الأشخاص هو الظاهر الذي تتبادر إليه البصائر والأفهام، والظاهر يطلق على اللفظ المحتمل لمعنى أو معنيين، وهو يكون (اللفظ) في أحدهما أرجح دلالة وحكمة, ولا يعدل عن هذا المعنى إلاَّ بتأويل, أي صرف اللفظ عن ظاهره لدليل يصير به المرجوح راجحاً([11]).
ولا يخفى أن اللفظ بناء من الصوت, والصوت عرض مسموع, واللفظ معتمد على مخرج من مخارج الحروف, وأنواعه: اسم وفعل وحرف، وكما قلنا إمَّا أن يحتمل اللفظ معنى واحدا وهو النص, أو يحتمل معنيين يترجح في أحد معانيه وهو الظاهر, أو يحتمل معنيين لا يترجح في أحد معانيه وهو المحتمل([12]).
يتبع