ابو وليد البحيرى
2019-09-25, 10:29 AM
مباحث في العلة الحديثية
د. منى بنت حسين بن أحمد الآنسي
ملخص البحث:
علم علل الحديث من أجل أنواع علوم الحديث وأشرفها وأدقها, لأنه يحتاج إلى كشف العلل الغامضة الخفية, التي لا تظهر إلا للجهابذة في علوم الحديث, وإنما يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة, والفهم الثاقب, وهذه الوريقات جمعت فيها ما تيسر عن العلة الحديثية, من حيث: بيان حقيقتها, وأنواعها, وإطلاقاتها, وأسبابها, ووسائل إدراكها, تجلية لهذه الجوانب في هذه العجالة, وبيانا لبعض الجوانب التي ربما لم تتناول من قبل.
Abstract:
Aware of the ills of the modern for the types of modern science and the highest and most accurate, because it needs to detect the hidden mysterious illness, which only appear to steadfast in modern science, but unable to him the people of conservation and experience, and understanding of piercing, these leaflets were http://imgcache.alukah.net/imgcache/broken.giflected in what you can about the illness-related interviews Prophet prayed God be upon him, in terms of: a statement its meaning, and types, and scientists have launched it, and their causes, and means of identification, a statement to this aspect of this urgency, and a clarification of some aspects that perhaps did not address before.
المقدمة:
الحمد لله وحده لا شريك له, حمداً لا انقطاع لراتبه, ولا إقلاع لسحائبه, حمداً يكون لإنعامه مجازياً, ولإحسانه موازياً وإن كانت آلاؤه لا تجازى ولا توازى, وأشهد أن سيدنا محمد e سيد الأولين والآخرين صاحب المقام المحمود, والحوض المورود, صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بفضل وإحسان إلى يوم الدين, وبعد, فهذه الوريقات جمعت فيها ما تيسر عن العلة من حيث: تعريفها, وإطلاقاتها, وأسبابها, ووسائل إدراكها, أسأل الله العليم رب العرش العظيم أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم, مقرباً للفوز بجنات النعيم, إنه جواد كريم, وصلى الله وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأتناول هذا البحث في مقدمة, وتمهيد, وثلاثة مباحث, وخاتمة, تضمن التمهيد بيان مدى أهمية علم علل الحديث, ونشأته, والعلماء الذين عنوا به, وأهم المؤلفات التي كتبت فيه, واشتمل المبحث الأول على: تعريف العلة وإطلاقاتها, وأنواعها, والمبحث الثاني على: أسباب العلة, والمبحث الثالث على: وسائل إدراك العلة, وتضمنت الخاتمة أهم نتائج البحث.
المنهج المتبع في البحث:
اتبعت في إعداد هذا البحث المنهج الاستقرائي, الذي يعتمد على تتبع أقوال السلف, الذين صنفوا في علم العلل الحديثية, ووضعوا أسس الكشف عنها وضوابطه, وتوظيف ذلك في موضوع البحث, بالإضافة إلى اتباع المنهج التطبيقي لأسس وضوابط الكشف عن علل الحديث, من خلال ذكر نماذج وأمثلة للأحاديث المعلولة, وبيان سبب العلة فيها.
وأما فيما يتعلق بمنهجي في إعداد البحث:
فقد رجعت في مادته إلى المصادر الأصيلة, أستقي منها ما جادت به قرائح علماء هذا الفن, وكان لي تصرف في النص في بعض الجوانب, وفق ما تقتضيه صياغة البحث.
وفي جميع الأحوال التزمت بتوثيق النقل عمن نقلت عنهم, بذكر اسم المصدر وصاحبه وموضع النقل عنه.
وعزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها من سور القرآن الكريم.
مع تخريج الأحاديث الواردة في غير الصحيحين, بما يبين مدى صحتها أو ضعفها, وأقوال المحدثين وعلماء الجرح والتعديل فيها, وأما ماورد منها في أي من صحيحي البخاري ومسلم, فإني أكتفي بنسبة الحديث إلى أي منهما.
وبينت معاني الألفاظ الغريبة, والمفردات التي تفتقر إلى بيان معناها بهوامش البحث.
الدراسات السابقة:
لا أدعي أني سبقت غيري بالبحث في هذا الموضوع, فقد سُبِقت به من علماء السلف والخلف, ولكن ما اطلعت عليه من ذلك دفعني إلى الكتابة في موضوع البحث, فبعضه كان غاية في الاختصار, بحيث لا يميط اللثام عن جوانب هذه العلل, التي يعد الإلمام بها في حق المتخصص وغيره من الأهمية بمكان, وبعضه كانت فيه مبالغة في عرض مفرداته, إلى الحد الذي ينسي آخره أوله, أو يشتت تركيز القارئ, بحيث يجد جهدا في وضع تصور محدد لما اطلع عليه.
ولذا فقد قصدت بالكتابة في موضوع هذا البحث, أن أتوسط بين المنهجين السابقين, فجاءت عبارة البحث يغلب عليها الإيجاز غير المخل, والبيان في المواضع التي تقتضيه.
تمهيد:
أبين فيه: مدى أهمية علم العلل الحديثية, ونشأته, ومن أسس له ووضع مادته, والمؤلفات فيه:
أولا: مدى أهمية علم علل الحديث:
إن علم علل الحديث من أجلِّ أنواع علوم الحديث وأشرفها وأدقها, لأنه يحتاج إلى كشف العلل الغامضة الخفية, التي لا تظهر إلا للجهابذة في علوم الحديث, وإنما يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب, ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل, كابن المديني, وأحمد, والبخاري, ويعقوب بن شيبة, وأبي حاتم, وأبي زرعة, والدارقطني[1].
قال الحاكم: وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل, الحجة في التعليل عندنا بالحفظ والفهم والمعرفة لا غير[2].
وقال ابن المهدي: "لأن أعرف علة حديث أحب إليّ من أن أكتب عشرين حديثاً ليس عندي"[3], وقال أيضاً: "معرفة علة الحديث إلهام, لو قلتَ للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة, وكم من شخص لا يهتدي لذلك"[4], وقال أيضاً: "(وإنما ذلك) بطول المجالسة, والمناظرة, والخبرة"[5].
وسُئل أبو زرعة: ما الحجة في تعليلكم الحديث ؟, فقال: الحجة أن تسألني عن الحديث له علة فأذكر علته. ثم تقصد ابن وارة فتسأله عنه فيذكر علته, ثم تقصد أبا حاتم فيعلله, ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث, فإن وجدت بيننا خلافاً فاعلم أن كلاً منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم, ففعل الرجل ذلك فاتفقت كلمتهم, فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام[6].
ومما يذكر في أهمية هذا العلم:
1- تعلقه بالمروي عن النبي e, وبدون الوقوف على أسس هذا العلم, قد يحكم على الحديث المعَلّ بالصحة, ويعمل به, فينسب إلى رسول الله e ما لم يقله, أو أن يدخل في متن الحديث ما ليس منه, فيصيرا وحيا وتشريعا, وذلك من الخطورة بمكان على دين الله تعالى وشرعته.
2- إن متعلق هذا العلم أوهام الرواة الثقات, ولا سبيل إلى معرفة أوهامهم إلا عن طريق العلماء المتقنين لضوابط العلل, المدققين في أحوال الرواة, وبدون ذلك لا يمكن معرفة ما يروون, بخلاف الأحاديث التي يرويها مجروحون, فلا تحتاج إلى مزيد جهد لبيان ضعفها, لظهوره وعدم خفائه حتى عن غير المدققين الأثبات في علم العلل.
3- إن دقائق هذا العلم وخفاء مسائله, لا يلم بها إلا من كان من الراسخين الذين لهم خبرة وبصر به, ولذا فلم يتصد للتأليف فيه إلا قلة, رزقهم الله تعالى فهما ثاقبا, وذكاء وقادا, وقدرة على النقد المنضبط.
4- إن علل الأحاديث مختلفة من حديث لآخر, ولذا فلا توجد لها ضوابط مضطردة ثابتة بالنسبة لجميعها, وإنما لكل مروي طبيعة خاصة لنقد روايته, ولا يدرك ذلك إلا من أوتي حظا من فهم هذه الطبيعة مع الوقوف على ضوابط نقد المرويات.
5- نظرا لأهمية تنقية السنة مما ليس منها, فإن العلم بعلل الأحاديث قد يقدم على رواية الحديث, بحسبان أن من المرويات ما هو ثابت ومنها ما هو بخلاف ذلك, ومن ثم فإن العلم بعلل الحديث من شأنه تنقية السنة مما ليس منها.
ثانيا: نشأة علم علل الحديث:
نشأ هذا العلم بنشأة العلم الذي يعنى به, وهو علم الحديث, حيث بدأت بذرته الأولى في زمن الخلافة الراشدة, وربما كان أول من ألقى به في طريق العلم, عمر t, حين استدعى أبا موسى الأشعري t, ودخل الريب في نفسه من حديث ذكره له أبو موسى الأشعري, جاء ذكره فيما رواه أبو سعيد الخدري t قال: "كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصار, فأتانا أبو موسى فزعاً, أو مذعوراً, قلنا ما شأنك ؟, قال: إن عمر أرسل إليَّ أن آتيه, فأتيت بابه, فسلمت ثلاثاً فلم يردَّ عليَّ, فرجعت, فقال: ما منعك أن تأتينا ؟, فقلت: إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم يردوا عليّ, فرجعت, وقد قال رسول الله e: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع", فقال عمر: أقم عليه البينة وإلا أوجعتك. فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: قلت: أنا أصغر القوم, قال: فاذهب به[7], وقد حذا عليّ بن أبي طالب t حذو عمر في ذلك, فكانت تلك بداية هذا العلم, ونشأة الاهتمام به, والتدوين فيه, ثم تبعه غيرهما فيه[8], وكانت عائشة ك تستدرك على بعض الصحابة بعض مروياتهم[9], من ذلك: ما روته عمرة بنت عبد الرحمن م: أنها سمعت عائشة وذكر لها: أن عبد الله بن عمر م يقول: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي", فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن, أما أنه لم يكذب, ولكنه نسي أو أخطأ, إنما مر رسول الله e على يـهودية يبكى عليها, فقال: "إنهم ليبكون عليها, وإنها لتعذب في قبرها"[10], مما يمكن القول معه بأن نشأة هذا العلم كانت في زمن الصحابة, وإن لم تجمع مادته وقواعده ويصنف فيه إلا في عصر التابعين وتابعيهم.
ثم لما بدأ بعض التابعين يرمي بعض الصحابة بالوهم في روايته الحديث, ويرمي بعض التابعين بعضهم بعضا بذلك, مست الحاجة إلى العناية بعلم العلل, للوقوف من خلاله على قواعد الحكم على الحديث, ونقد روايته, وسلك هذا السبيل جماعة من التابعين, كرسوا جهدهم في حفظ السنة, والبحث عنها, والارتحال في سبيلها, والتفقه فيها, وتتبع طرق رواتها, وكان ابن سيرين هو أول من كان له دور في ذلك, حيث ميز الثقات من غيرهم, وأبلى في ذلك بلاء ذكره له العلماء من بعده, وقد كان من أسباب توجه التابعين إلى تأسيس هذا العلم, كثرة الكذب, وظهور المبتدعة, وأصحاب النحل الباطلة, والذين اشتد الخوف منهم على السنة النبوية من أن يدخلوا فيها ما ليس منها[11].
وقد أفاد أتباع التابعين من جهود التابعين في هذا المجال, فساعد ذلك على ظهور المصنفات في علل الحديث, وكثر من يطلبون الحديث ويتحرون طرق روايته, خاصة مع انتشار الفرق الكلامية المختلفة: كالمعتزلة والجهمية والمرجئة, ونحوهم, ثم كانت عناية أئمة المسلمين وفقهائهم بهذا العلم, مثل: مالك, وسفيان الثوري, وشعبة, والأوزاعي, والليث بن سعد, وحماد بن أبي سليمان, وسفيان بن عيينة, وكان شعبة أول من اهتم بعلم الجرح والتعديل, واتصال الأسانيد وانقطاعها, ثم أخذ عن هؤلاء العلماء منهجهم في البحث عن روايات الأحاديث, والتنقيب عن أحوال الرواة, وكيع, والشافعي, ويحيى القطان, وابن المبارك, وابن مهدي, ونحوهم[12].
إلا أنه لم يكن ثمة تصنيف لعلم العلل في عصر هؤلاء الأئمة, وإنما نقلوا علمه إلى تلاميذهم, الذي صاغوا مادة هذا العلم, ونشروه وعلموه غيرهم, ليأتي بعدهم علماء أولوا هذا العلم عنايتهم, وظهرت التصانيف فيه, تبين علل الأحاديث وأسبابها وطريقة الكشف عنها, ومن الذين برزوا في هذا الجانب: من ترد ترجمتهم بعد من علماء علل الحديث, والذين منهم: أحمد بن حنبل, وابن معين, وإسحاق الحنظلي, وغيرهم[13], ثم جاء بعدهم علماء كان لهم شأن كبير في هذا السبيل, حيث صنفوا في العلل, وأظهروا خفاياها, منهم: البخاري, ومسلم, والدارمي, وأبو زرعة, والنيسابوري, وأبو داود, ونحوهم, حيث اهتموا بحفظ السنة, وأكثروا من الكتابة فيها, والرحلة في سبيلها, والتصنيف والمدارسة[14].
ثالثا: من علماء علل الحديث:
برز في معرفة علم علل الحديث ثلة من العلماء, كان لهم القدح المعلى في هذا الجانب, وربما يرجع إليهم الفضل في وضع أسس هذا العلم, وإظهار جوانبه, حتى شهد لهم علماء الأمة بذلك, ومن هؤلاء من يلي:
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المغيرة البخاري, (194ه- 256هـ),
ومما قيل في علمه وفضله في إرساء علم العلل, ما قاله الترمذي: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل[15], وقال ابن رجب: البخاري الإمام أبو عبد الله, صاحب الصحيح, وإمام المحدثين في وقته, وأستاذ هذه الصناعة. وعنه أخذها كثير من الأئمة[16], وقال الأعمش: رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان, ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى, وعلل الحديث, ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم كأنه يقرأ[17]: ï´؟قُلْ هو اللهُ أَحَدٌï´¾, وقال ابن مندة: الذين أخرجوا الصحيح, وميزوا الثابت من المعلول, والخطأ من الصواب أربعة: البخاري, ومسلم, وأبو داود, وأبو عبد الرحمن النسائي[18], وكتبه خير شاهد على علمه في هذا الفرع من علم الحديث.
مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري, (204هـ- 261هـ).
ومما قيل في علمه بعلل الحديث, ما قاله النووي عنه: أجمعوا على جلالته وإمامته وورعه, وحذقه في هذه الصنعة, وتقدمه فيها[19], وقال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما[20], وكتابه "التمييز" يظهر براعته في علم العلل, ويشهد له بضلوعه في إرساء أسس هذا العلم.
الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، (164هـ- 241هـ).
ومما ذكر في نبوغه وفضله في تأسيس هذا العلم, ما قاله: أبو حاتم الرازي: كان أحمد بارع الفهم بمعرفة الحديث: صحيحه وسقيمه, وتعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث منه, وكان يقول لأحمد: حديث كذا وكذا قوي الإسناد محفوظ, فإذا قال: نعم, جعله أصلاً وبنى عليه[21], وقال النسائي: لم يكن في عصر أحمد مثل هؤلاء الأربعة: أحمد, ويحيى, وعلي, وإسحاق, وأعلمهم عليّ بالحديث وعلله, وأعلمهم بالرجال وأكثرهم حديثاً يحيى, وأحفظهم للحديث والفقه إسحاق, إلا أن أحمد بن حنبل كان عندي أعلم بعلل الحديث من إسحاق, وجمع أحمد المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد[22], وقال عبد الرزاق: رحل إلينا من العراق أربعة من رؤساء الحديث: الشاذكوني, وكان أحفظهم للحديث, وابن المديني, وكان أعرفهم باختلافه, ويحيى بن معين, وكان أعلمهم بالرجال, وأحمد ابن حنبل, وكان أجمعهم لذلك كله[23], وقال ابن أبي حاتم: باب ما ذكر من معرفة أحمد بن حنبل بعلل الحديث بصحيحة وسقيمة, وتعديله ناقلة الأخبار وكلامه فيهم[24].
أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي, (158هـ- 233هـ).
وقد ورد في علمه وتفوقه في علم العلل, ما قاله أبو حاتم الرازي: الذي كان يحسن صحيح الحديث من سقيمه, وعنده تمييز ذلك, ويحسن علل الحديث: أحمد بن حنبل, ويحيى بن معين, وعلي بن المديني, وبعدهم أبو زرعة, كان يحسن ذلك[25], وقال عمرو الناقد: ما كان في أصحابنا أحفظ للأبواب من أحمد بن حنبل, ولا أسرد للحديث من الشاذكوني, ولا أعلم بالإسناد من يحيى, ما قدر أحد يقلب عليه إسناداً قط[26], وقد سئل محمد بن مسلم بن وارة: عن ابن معين وابن المديني أيهما أحفظ ؟, فقال: كان عليّ أسرد وأتقن, وكان يحيى بن معين أفهم بصحيح الحديث وسقيمه[27], وقال سليمان بن حرب: كان يحيى بن معين يقول في الحديث: هذا خطأ, فأقول: كيف صوابه ؟, فلا يدري, فأنظر في الأصل فأجده كما قال[28].
5- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني, (202هـ- 275هـ).
ومما قيل في علمه بالعلل, ما ذكره ابن حبان قال: كان أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وحفظاً ونسكاً وورعاً وإتقاناً, ممن جمع وصنف, وذب عن السنن, وقمع من خالفها وانتحل ضدها[29], وقال الهروي: كان أبو داود أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله e, وعلمه وعلله, وسنده في أعلى درجة النسك والعفاف, والصلاح والورع من فرسان الحديث[30], وقال ابن الجوزي: كان عالماً حافظاً, عارفاً بعلل الحديث, ذو عفاف وورع[31].
عليّ بن عبد الله بن جعفر المديني أبو الحسن, (161هـ- 234هـ).
وقد ورد في علمه بعلل الحديث: ما قاله صالح بن محمد جزرة: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني[32], وقال أبو حاتم الرازي أيضاً: كان علي بن المديني علماً في الناس, في معرفة الحديث والعلل, وكان أحمد بن حنبل لا يسميه, إنما يكنيه أبا الحسن تبجيلاً له[33], وقال هارون الهمداني: الكلام في صحة الحديث وسقيمه لأحمد بن حنبل, وعلي ابن المديني[34], وقال أحمد بن حنبل: أعلمنا بالعلل علي بن المديني[35], وقال الخطيب البغدادي: كان علي بن المديني فيلسوف هذه الصنعة, وطبيبها ولسان طائفة الحديث وخطيبها[36], وقال الذهبي عن براعة ابن المديني في علل الحديث: برع في هذا الشأن وصنف وجمع, وساد الحفاظ في معرفة العلل[37].
أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي, (195هـ- 277هـ).
ومما قيل في علمه بالعلل, ما قاله ابن الجوزي عنه: كان أحد الأئمة الحفاظ, والأثبات العارفين بعلل الحديث, والجرح والتعديل[38], وقال الذهبي: الإمام الحافظ الناقد شيخ المحدثين, كان من بحور العلم, طوف البلاد وبرع في المتن والإسناد, وجمع وصنف, وجرح وعدل, وصحح وعلل[39], وقال ابن كثير عنه: أحد أئمة الحفاظ الأثبات, العارفين بعلل الحديث, والجرح والتعديل, وهو قرين أبي زرعة[40], وقال ابن خلفون عنه: إمام في الحديث وعلله ورجاله[41].
أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، (194ه- 264هـ).
ومما قاله العلماء في بلائه في هذا العلم, ما قاله: مسلم: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة, فكل ما أشار علي في هذا الكتاب أن له علة وسبباً تركته, وكل ما قال: إنه صحيح ليس له علة فهو الذي أخرجت[42], وقال ابن وارة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل[43], وقال أبو حاتم: في الذي كان يحسن صحيح الحديث من سقيمه, وعنده تمييز ذلك, ويحسن علل الحديث, وذكر منهم: أبو زرعة الرازي, وقال: جرى بيني وبين أبى زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته, فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها, وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ وعللها وخطأ الشيوخ, فقال لي: يا أبا حاتم قل من يفهم هذا, ما أعز هذا, إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقل من تجد من يحسن هذا[44].
علي بن عمر الدارقطني أبو الحسن, (306هـ- 385هـ).
ومما قاله العلماء في فضله في التأسيس لهذا العلم: ما قاله الذهبي عنه: كان من بحور العلم, ومن أئمة الدنيا, انتهى إليه الحفظ, ومعرفة علل الحديث ورجاله, مع التقدم في القراءات وطرقها, وقوة المشاركة في الفقه والاختلاف, والمغازي وأيام الناس وغير ذلك[45], وقال الخطيب البغدادي عنه: كان فريد عصره, وقريع دهره, ونسيج وحده, وإمام وقته, انتهى إليه علم الأثر, والمعرفة بعلل الحديث, وأسماء الرجال, وأحوال الرواة مع الصدق, والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة, وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب, والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث منها: القراءات[46], وعلق الذهبي إملاء الدارقطني للعلل, فقال: إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه الدارقطني من حفظه, كما دلت عليه هذه الحكاية, فهذا أمر عظيم يقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا, وان كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن[47], وسئل البرقاني: هل كان الدارقطني يملى عليك العلل من حفظه ؟, فقال: نعم[48], وقال ابن كثير عنه: الحافظ الكبير, أستاذ هذه الصناعة, وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا, سمع الكثير, وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد, وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد, وكان فريد عصره, ونسيج وحده, وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديل وحسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والإطلاع التام في الدراية, له كتابه المشهور من أحسن المصنفات في بابه,لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلا من استمد من بحره وعمل كعمله, وله كتاب العلل بين فيه الصواب من الدخل, والمتصل من المرسل, والمنقطع والمعضل, وكتاب الأفراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابذة الجياد[49].
رابعا: المؤلفات في علم العلل:
أُلِّف في علم العلل الكثير من التصانيف, وهي لم تكن على سنن واحد في منهجها, فمنها غير المرتب كعلل أحمد بن حنبل, ويحيى القطان, ومنها ما رتب على المسانيد, كعلل الدارقطني, ومنها ما رتب على الأبواب الفقهية, كالعلل المتناهية في الأحاديث الواهية, لابن الجوزي, وعلل مرتبة على كتب معينة, ككتاب التتبع للدارقطني, وأذكر طرفا من المصنفات في علل الحديث, والتي منها ما يلي:
"العلل" لابن المديني.
"العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله.
كتاب "العلل" للإمام البخاري.
"العلل" للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري.
"العلل" ليحي بن سعيد القطان.
"العلل الصغير", و"العلل الكبير": كلاهما للترمذي.
"علل الحديث" لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي.
"العلل" لسفيان بن عيينة, رواه عنه ابن المديني.
"العلل" ليحيى بن معين.
"العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي.
"العلل" لأبي حفص عمرو بن علي الفلاس.
"العلل" لأبي بكر، أحمد بن محمد بن هارون الخلاّل.
" العلل" لأبي علي حسين بن علي النيسابوري.
"العلل الواردة في الأحاديث النبوية", لأبي الحسين علي بن عمر الدارقطني.
"الزهر المطلول في معرفة المعلول", لابن حجر العسقلاني.
"العلل" لأبي عبد الله، محمد بن عبد الله بن محمد, الحاكم النيسابوري.
"المسند المعلل" ليعقوب بن شيبة.
"الفوائد المعللة", لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي.
"العلل", لأبي يعلى زكريا بن يحيى الساجي.
"علل الحديث ومعرفة الشيوخ", لأبي جعفر محمد بن عبد الله بن عمار المخرمي الموصلي.
المبحث الأول
تعريف العلة وإطلاقاتها وأنواعها
المطلب الأول: معنى العلة وإطلاقاتها
معنى العلة في اللغة:
المرض, من عَلَّ, يَعِلُّ, واعْتَلَّ, أي مَرِض فهو عَلِيلٌ[50].
والعلة: الحديثُ يشغَل صاحبَه عن حاجته, كأَنَّ تلك العلة صارت شُغلاً ثانياً منعه عن شغله الأول, وحروف العِلَّة والاْعتِلال: الألف والياء والواو, وسميت بذلك للينها وموتها[51].
والمعلل: اسم مفعول من "أَعلَّهُ" بكذا, فهو "مُعَلٌّ", وهو القياس الصرفي المشهور, واللغة الفصيحة, لكن التعبير بـ"المعلل" من أهل الحديث, جاء على غير المشهور في اللغة, لأن "المعَلّل" اسم مفعول من "علّلَه" بمعنى: ألهاه, ومن المحدثين من عبر عنه بـ"المعلول", وهو إطلاق ضعيف عند أهل العربية, باعتبار أن اسم المفعول من الرباعي لا يكون على وزن مفعول[52], ويقال: "معلّ" لـِما دخل على الحديث من العلة بمعنى المرض وأما استعمال "معلل" فلا تمنعه القواعد إذا كان مشتقاً من "علله" بمعنى ألهاه به وشغله, ويكون معنى "الحديث المعلل": هو الحديث الذي عاقته العلة وشغلته, فلم يعد صالحاً للعمل به"[53].
يتبع
د. منى بنت حسين بن أحمد الآنسي
ملخص البحث:
علم علل الحديث من أجل أنواع علوم الحديث وأشرفها وأدقها, لأنه يحتاج إلى كشف العلل الغامضة الخفية, التي لا تظهر إلا للجهابذة في علوم الحديث, وإنما يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة, والفهم الثاقب, وهذه الوريقات جمعت فيها ما تيسر عن العلة الحديثية, من حيث: بيان حقيقتها, وأنواعها, وإطلاقاتها, وأسبابها, ووسائل إدراكها, تجلية لهذه الجوانب في هذه العجالة, وبيانا لبعض الجوانب التي ربما لم تتناول من قبل.
Abstract:
Aware of the ills of the modern for the types of modern science and the highest and most accurate, because it needs to detect the hidden mysterious illness, which only appear to steadfast in modern science, but unable to him the people of conservation and experience, and understanding of piercing, these leaflets were http://imgcache.alukah.net/imgcache/broken.giflected in what you can about the illness-related interviews Prophet prayed God be upon him, in terms of: a statement its meaning, and types, and scientists have launched it, and their causes, and means of identification, a statement to this aspect of this urgency, and a clarification of some aspects that perhaps did not address before.
المقدمة:
الحمد لله وحده لا شريك له, حمداً لا انقطاع لراتبه, ولا إقلاع لسحائبه, حمداً يكون لإنعامه مجازياً, ولإحسانه موازياً وإن كانت آلاؤه لا تجازى ولا توازى, وأشهد أن سيدنا محمد e سيد الأولين والآخرين صاحب المقام المحمود, والحوض المورود, صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بفضل وإحسان إلى يوم الدين, وبعد, فهذه الوريقات جمعت فيها ما تيسر عن العلة من حيث: تعريفها, وإطلاقاتها, وأسبابها, ووسائل إدراكها, أسأل الله العليم رب العرش العظيم أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم, مقرباً للفوز بجنات النعيم, إنه جواد كريم, وصلى الله وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأتناول هذا البحث في مقدمة, وتمهيد, وثلاثة مباحث, وخاتمة, تضمن التمهيد بيان مدى أهمية علم علل الحديث, ونشأته, والعلماء الذين عنوا به, وأهم المؤلفات التي كتبت فيه, واشتمل المبحث الأول على: تعريف العلة وإطلاقاتها, وأنواعها, والمبحث الثاني على: أسباب العلة, والمبحث الثالث على: وسائل إدراك العلة, وتضمنت الخاتمة أهم نتائج البحث.
المنهج المتبع في البحث:
اتبعت في إعداد هذا البحث المنهج الاستقرائي, الذي يعتمد على تتبع أقوال السلف, الذين صنفوا في علم العلل الحديثية, ووضعوا أسس الكشف عنها وضوابطه, وتوظيف ذلك في موضوع البحث, بالإضافة إلى اتباع المنهج التطبيقي لأسس وضوابط الكشف عن علل الحديث, من خلال ذكر نماذج وأمثلة للأحاديث المعلولة, وبيان سبب العلة فيها.
وأما فيما يتعلق بمنهجي في إعداد البحث:
فقد رجعت في مادته إلى المصادر الأصيلة, أستقي منها ما جادت به قرائح علماء هذا الفن, وكان لي تصرف في النص في بعض الجوانب, وفق ما تقتضيه صياغة البحث.
وفي جميع الأحوال التزمت بتوثيق النقل عمن نقلت عنهم, بذكر اسم المصدر وصاحبه وموضع النقل عنه.
وعزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها من سور القرآن الكريم.
مع تخريج الأحاديث الواردة في غير الصحيحين, بما يبين مدى صحتها أو ضعفها, وأقوال المحدثين وعلماء الجرح والتعديل فيها, وأما ماورد منها في أي من صحيحي البخاري ومسلم, فإني أكتفي بنسبة الحديث إلى أي منهما.
وبينت معاني الألفاظ الغريبة, والمفردات التي تفتقر إلى بيان معناها بهوامش البحث.
الدراسات السابقة:
لا أدعي أني سبقت غيري بالبحث في هذا الموضوع, فقد سُبِقت به من علماء السلف والخلف, ولكن ما اطلعت عليه من ذلك دفعني إلى الكتابة في موضوع البحث, فبعضه كان غاية في الاختصار, بحيث لا يميط اللثام عن جوانب هذه العلل, التي يعد الإلمام بها في حق المتخصص وغيره من الأهمية بمكان, وبعضه كانت فيه مبالغة في عرض مفرداته, إلى الحد الذي ينسي آخره أوله, أو يشتت تركيز القارئ, بحيث يجد جهدا في وضع تصور محدد لما اطلع عليه.
ولذا فقد قصدت بالكتابة في موضوع هذا البحث, أن أتوسط بين المنهجين السابقين, فجاءت عبارة البحث يغلب عليها الإيجاز غير المخل, والبيان في المواضع التي تقتضيه.
تمهيد:
أبين فيه: مدى أهمية علم العلل الحديثية, ونشأته, ومن أسس له ووضع مادته, والمؤلفات فيه:
أولا: مدى أهمية علم علل الحديث:
إن علم علل الحديث من أجلِّ أنواع علوم الحديث وأشرفها وأدقها, لأنه يحتاج إلى كشف العلل الغامضة الخفية, التي لا تظهر إلا للجهابذة في علوم الحديث, وإنما يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب, ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل, كابن المديني, وأحمد, والبخاري, ويعقوب بن شيبة, وأبي حاتم, وأبي زرعة, والدارقطني[1].
قال الحاكم: وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل, الحجة في التعليل عندنا بالحفظ والفهم والمعرفة لا غير[2].
وقال ابن المهدي: "لأن أعرف علة حديث أحب إليّ من أن أكتب عشرين حديثاً ليس عندي"[3], وقال أيضاً: "معرفة علة الحديث إلهام, لو قلتَ للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة, وكم من شخص لا يهتدي لذلك"[4], وقال أيضاً: "(وإنما ذلك) بطول المجالسة, والمناظرة, والخبرة"[5].
وسُئل أبو زرعة: ما الحجة في تعليلكم الحديث ؟, فقال: الحجة أن تسألني عن الحديث له علة فأذكر علته. ثم تقصد ابن وارة فتسأله عنه فيذكر علته, ثم تقصد أبا حاتم فيعلله, ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث, فإن وجدت بيننا خلافاً فاعلم أن كلاً منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم, ففعل الرجل ذلك فاتفقت كلمتهم, فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام[6].
ومما يذكر في أهمية هذا العلم:
1- تعلقه بالمروي عن النبي e, وبدون الوقوف على أسس هذا العلم, قد يحكم على الحديث المعَلّ بالصحة, ويعمل به, فينسب إلى رسول الله e ما لم يقله, أو أن يدخل في متن الحديث ما ليس منه, فيصيرا وحيا وتشريعا, وذلك من الخطورة بمكان على دين الله تعالى وشرعته.
2- إن متعلق هذا العلم أوهام الرواة الثقات, ولا سبيل إلى معرفة أوهامهم إلا عن طريق العلماء المتقنين لضوابط العلل, المدققين في أحوال الرواة, وبدون ذلك لا يمكن معرفة ما يروون, بخلاف الأحاديث التي يرويها مجروحون, فلا تحتاج إلى مزيد جهد لبيان ضعفها, لظهوره وعدم خفائه حتى عن غير المدققين الأثبات في علم العلل.
3- إن دقائق هذا العلم وخفاء مسائله, لا يلم بها إلا من كان من الراسخين الذين لهم خبرة وبصر به, ولذا فلم يتصد للتأليف فيه إلا قلة, رزقهم الله تعالى فهما ثاقبا, وذكاء وقادا, وقدرة على النقد المنضبط.
4- إن علل الأحاديث مختلفة من حديث لآخر, ولذا فلا توجد لها ضوابط مضطردة ثابتة بالنسبة لجميعها, وإنما لكل مروي طبيعة خاصة لنقد روايته, ولا يدرك ذلك إلا من أوتي حظا من فهم هذه الطبيعة مع الوقوف على ضوابط نقد المرويات.
5- نظرا لأهمية تنقية السنة مما ليس منها, فإن العلم بعلل الأحاديث قد يقدم على رواية الحديث, بحسبان أن من المرويات ما هو ثابت ومنها ما هو بخلاف ذلك, ومن ثم فإن العلم بعلل الحديث من شأنه تنقية السنة مما ليس منها.
ثانيا: نشأة علم علل الحديث:
نشأ هذا العلم بنشأة العلم الذي يعنى به, وهو علم الحديث, حيث بدأت بذرته الأولى في زمن الخلافة الراشدة, وربما كان أول من ألقى به في طريق العلم, عمر t, حين استدعى أبا موسى الأشعري t, ودخل الريب في نفسه من حديث ذكره له أبو موسى الأشعري, جاء ذكره فيما رواه أبو سعيد الخدري t قال: "كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصار, فأتانا أبو موسى فزعاً, أو مذعوراً, قلنا ما شأنك ؟, قال: إن عمر أرسل إليَّ أن آتيه, فأتيت بابه, فسلمت ثلاثاً فلم يردَّ عليَّ, فرجعت, فقال: ما منعك أن تأتينا ؟, فقلت: إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم يردوا عليّ, فرجعت, وقد قال رسول الله e: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع", فقال عمر: أقم عليه البينة وإلا أوجعتك. فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: قلت: أنا أصغر القوم, قال: فاذهب به[7], وقد حذا عليّ بن أبي طالب t حذو عمر في ذلك, فكانت تلك بداية هذا العلم, ونشأة الاهتمام به, والتدوين فيه, ثم تبعه غيرهما فيه[8], وكانت عائشة ك تستدرك على بعض الصحابة بعض مروياتهم[9], من ذلك: ما روته عمرة بنت عبد الرحمن م: أنها سمعت عائشة وذكر لها: أن عبد الله بن عمر م يقول: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي", فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن, أما أنه لم يكذب, ولكنه نسي أو أخطأ, إنما مر رسول الله e على يـهودية يبكى عليها, فقال: "إنهم ليبكون عليها, وإنها لتعذب في قبرها"[10], مما يمكن القول معه بأن نشأة هذا العلم كانت في زمن الصحابة, وإن لم تجمع مادته وقواعده ويصنف فيه إلا في عصر التابعين وتابعيهم.
ثم لما بدأ بعض التابعين يرمي بعض الصحابة بالوهم في روايته الحديث, ويرمي بعض التابعين بعضهم بعضا بذلك, مست الحاجة إلى العناية بعلم العلل, للوقوف من خلاله على قواعد الحكم على الحديث, ونقد روايته, وسلك هذا السبيل جماعة من التابعين, كرسوا جهدهم في حفظ السنة, والبحث عنها, والارتحال في سبيلها, والتفقه فيها, وتتبع طرق رواتها, وكان ابن سيرين هو أول من كان له دور في ذلك, حيث ميز الثقات من غيرهم, وأبلى في ذلك بلاء ذكره له العلماء من بعده, وقد كان من أسباب توجه التابعين إلى تأسيس هذا العلم, كثرة الكذب, وظهور المبتدعة, وأصحاب النحل الباطلة, والذين اشتد الخوف منهم على السنة النبوية من أن يدخلوا فيها ما ليس منها[11].
وقد أفاد أتباع التابعين من جهود التابعين في هذا المجال, فساعد ذلك على ظهور المصنفات في علل الحديث, وكثر من يطلبون الحديث ويتحرون طرق روايته, خاصة مع انتشار الفرق الكلامية المختلفة: كالمعتزلة والجهمية والمرجئة, ونحوهم, ثم كانت عناية أئمة المسلمين وفقهائهم بهذا العلم, مثل: مالك, وسفيان الثوري, وشعبة, والأوزاعي, والليث بن سعد, وحماد بن أبي سليمان, وسفيان بن عيينة, وكان شعبة أول من اهتم بعلم الجرح والتعديل, واتصال الأسانيد وانقطاعها, ثم أخذ عن هؤلاء العلماء منهجهم في البحث عن روايات الأحاديث, والتنقيب عن أحوال الرواة, وكيع, والشافعي, ويحيى القطان, وابن المبارك, وابن مهدي, ونحوهم[12].
إلا أنه لم يكن ثمة تصنيف لعلم العلل في عصر هؤلاء الأئمة, وإنما نقلوا علمه إلى تلاميذهم, الذي صاغوا مادة هذا العلم, ونشروه وعلموه غيرهم, ليأتي بعدهم علماء أولوا هذا العلم عنايتهم, وظهرت التصانيف فيه, تبين علل الأحاديث وأسبابها وطريقة الكشف عنها, ومن الذين برزوا في هذا الجانب: من ترد ترجمتهم بعد من علماء علل الحديث, والذين منهم: أحمد بن حنبل, وابن معين, وإسحاق الحنظلي, وغيرهم[13], ثم جاء بعدهم علماء كان لهم شأن كبير في هذا السبيل, حيث صنفوا في العلل, وأظهروا خفاياها, منهم: البخاري, ومسلم, والدارمي, وأبو زرعة, والنيسابوري, وأبو داود, ونحوهم, حيث اهتموا بحفظ السنة, وأكثروا من الكتابة فيها, والرحلة في سبيلها, والتصنيف والمدارسة[14].
ثالثا: من علماء علل الحديث:
برز في معرفة علم علل الحديث ثلة من العلماء, كان لهم القدح المعلى في هذا الجانب, وربما يرجع إليهم الفضل في وضع أسس هذا العلم, وإظهار جوانبه, حتى شهد لهم علماء الأمة بذلك, ومن هؤلاء من يلي:
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المغيرة البخاري, (194ه- 256هـ),
ومما قيل في علمه وفضله في إرساء علم العلل, ما قاله الترمذي: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل[15], وقال ابن رجب: البخاري الإمام أبو عبد الله, صاحب الصحيح, وإمام المحدثين في وقته, وأستاذ هذه الصناعة. وعنه أخذها كثير من الأئمة[16], وقال الأعمش: رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان, ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى, وعلل الحديث, ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم كأنه يقرأ[17]: ï´؟قُلْ هو اللهُ أَحَدٌï´¾, وقال ابن مندة: الذين أخرجوا الصحيح, وميزوا الثابت من المعلول, والخطأ من الصواب أربعة: البخاري, ومسلم, وأبو داود, وأبو عبد الرحمن النسائي[18], وكتبه خير شاهد على علمه في هذا الفرع من علم الحديث.
مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري, (204هـ- 261هـ).
ومما قيل في علمه بعلل الحديث, ما قاله النووي عنه: أجمعوا على جلالته وإمامته وورعه, وحذقه في هذه الصنعة, وتقدمه فيها[19], وقال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما[20], وكتابه "التمييز" يظهر براعته في علم العلل, ويشهد له بضلوعه في إرساء أسس هذا العلم.
الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، (164هـ- 241هـ).
ومما ذكر في نبوغه وفضله في تأسيس هذا العلم, ما قاله: أبو حاتم الرازي: كان أحمد بارع الفهم بمعرفة الحديث: صحيحه وسقيمه, وتعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث منه, وكان يقول لأحمد: حديث كذا وكذا قوي الإسناد محفوظ, فإذا قال: نعم, جعله أصلاً وبنى عليه[21], وقال النسائي: لم يكن في عصر أحمد مثل هؤلاء الأربعة: أحمد, ويحيى, وعلي, وإسحاق, وأعلمهم عليّ بالحديث وعلله, وأعلمهم بالرجال وأكثرهم حديثاً يحيى, وأحفظهم للحديث والفقه إسحاق, إلا أن أحمد بن حنبل كان عندي أعلم بعلل الحديث من إسحاق, وجمع أحمد المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد[22], وقال عبد الرزاق: رحل إلينا من العراق أربعة من رؤساء الحديث: الشاذكوني, وكان أحفظهم للحديث, وابن المديني, وكان أعرفهم باختلافه, ويحيى بن معين, وكان أعلمهم بالرجال, وأحمد ابن حنبل, وكان أجمعهم لذلك كله[23], وقال ابن أبي حاتم: باب ما ذكر من معرفة أحمد بن حنبل بعلل الحديث بصحيحة وسقيمة, وتعديله ناقلة الأخبار وكلامه فيهم[24].
أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي, (158هـ- 233هـ).
وقد ورد في علمه وتفوقه في علم العلل, ما قاله أبو حاتم الرازي: الذي كان يحسن صحيح الحديث من سقيمه, وعنده تمييز ذلك, ويحسن علل الحديث: أحمد بن حنبل, ويحيى بن معين, وعلي بن المديني, وبعدهم أبو زرعة, كان يحسن ذلك[25], وقال عمرو الناقد: ما كان في أصحابنا أحفظ للأبواب من أحمد بن حنبل, ولا أسرد للحديث من الشاذكوني, ولا أعلم بالإسناد من يحيى, ما قدر أحد يقلب عليه إسناداً قط[26], وقد سئل محمد بن مسلم بن وارة: عن ابن معين وابن المديني أيهما أحفظ ؟, فقال: كان عليّ أسرد وأتقن, وكان يحيى بن معين أفهم بصحيح الحديث وسقيمه[27], وقال سليمان بن حرب: كان يحيى بن معين يقول في الحديث: هذا خطأ, فأقول: كيف صوابه ؟, فلا يدري, فأنظر في الأصل فأجده كما قال[28].
5- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني, (202هـ- 275هـ).
ومما قيل في علمه بالعلل, ما ذكره ابن حبان قال: كان أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وحفظاً ونسكاً وورعاً وإتقاناً, ممن جمع وصنف, وذب عن السنن, وقمع من خالفها وانتحل ضدها[29], وقال الهروي: كان أبو داود أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله e, وعلمه وعلله, وسنده في أعلى درجة النسك والعفاف, والصلاح والورع من فرسان الحديث[30], وقال ابن الجوزي: كان عالماً حافظاً, عارفاً بعلل الحديث, ذو عفاف وورع[31].
عليّ بن عبد الله بن جعفر المديني أبو الحسن, (161هـ- 234هـ).
وقد ورد في علمه بعلل الحديث: ما قاله صالح بن محمد جزرة: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني[32], وقال أبو حاتم الرازي أيضاً: كان علي بن المديني علماً في الناس, في معرفة الحديث والعلل, وكان أحمد بن حنبل لا يسميه, إنما يكنيه أبا الحسن تبجيلاً له[33], وقال هارون الهمداني: الكلام في صحة الحديث وسقيمه لأحمد بن حنبل, وعلي ابن المديني[34], وقال أحمد بن حنبل: أعلمنا بالعلل علي بن المديني[35], وقال الخطيب البغدادي: كان علي بن المديني فيلسوف هذه الصنعة, وطبيبها ولسان طائفة الحديث وخطيبها[36], وقال الذهبي عن براعة ابن المديني في علل الحديث: برع في هذا الشأن وصنف وجمع, وساد الحفاظ في معرفة العلل[37].
أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي, (195هـ- 277هـ).
ومما قيل في علمه بالعلل, ما قاله ابن الجوزي عنه: كان أحد الأئمة الحفاظ, والأثبات العارفين بعلل الحديث, والجرح والتعديل[38], وقال الذهبي: الإمام الحافظ الناقد شيخ المحدثين, كان من بحور العلم, طوف البلاد وبرع في المتن والإسناد, وجمع وصنف, وجرح وعدل, وصحح وعلل[39], وقال ابن كثير عنه: أحد أئمة الحفاظ الأثبات, العارفين بعلل الحديث, والجرح والتعديل, وهو قرين أبي زرعة[40], وقال ابن خلفون عنه: إمام في الحديث وعلله ورجاله[41].
أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، (194ه- 264هـ).
ومما قاله العلماء في بلائه في هذا العلم, ما قاله: مسلم: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة, فكل ما أشار علي في هذا الكتاب أن له علة وسبباً تركته, وكل ما قال: إنه صحيح ليس له علة فهو الذي أخرجت[42], وقال ابن وارة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل[43], وقال أبو حاتم: في الذي كان يحسن صحيح الحديث من سقيمه, وعنده تمييز ذلك, ويحسن علل الحديث, وذكر منهم: أبو زرعة الرازي, وقال: جرى بيني وبين أبى زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته, فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها, وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ وعللها وخطأ الشيوخ, فقال لي: يا أبا حاتم قل من يفهم هذا, ما أعز هذا, إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقل من تجد من يحسن هذا[44].
علي بن عمر الدارقطني أبو الحسن, (306هـ- 385هـ).
ومما قاله العلماء في فضله في التأسيس لهذا العلم: ما قاله الذهبي عنه: كان من بحور العلم, ومن أئمة الدنيا, انتهى إليه الحفظ, ومعرفة علل الحديث ورجاله, مع التقدم في القراءات وطرقها, وقوة المشاركة في الفقه والاختلاف, والمغازي وأيام الناس وغير ذلك[45], وقال الخطيب البغدادي عنه: كان فريد عصره, وقريع دهره, ونسيج وحده, وإمام وقته, انتهى إليه علم الأثر, والمعرفة بعلل الحديث, وأسماء الرجال, وأحوال الرواة مع الصدق, والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة, وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب, والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث منها: القراءات[46], وعلق الذهبي إملاء الدارقطني للعلل, فقال: إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه الدارقطني من حفظه, كما دلت عليه هذه الحكاية, فهذا أمر عظيم يقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا, وان كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن[47], وسئل البرقاني: هل كان الدارقطني يملى عليك العلل من حفظه ؟, فقال: نعم[48], وقال ابن كثير عنه: الحافظ الكبير, أستاذ هذه الصناعة, وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا, سمع الكثير, وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد, وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد, وكان فريد عصره, ونسيج وحده, وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديل وحسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والإطلاع التام في الدراية, له كتابه المشهور من أحسن المصنفات في بابه,لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلا من استمد من بحره وعمل كعمله, وله كتاب العلل بين فيه الصواب من الدخل, والمتصل من المرسل, والمنقطع والمعضل, وكتاب الأفراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابذة الجياد[49].
رابعا: المؤلفات في علم العلل:
أُلِّف في علم العلل الكثير من التصانيف, وهي لم تكن على سنن واحد في منهجها, فمنها غير المرتب كعلل أحمد بن حنبل, ويحيى القطان, ومنها ما رتب على المسانيد, كعلل الدارقطني, ومنها ما رتب على الأبواب الفقهية, كالعلل المتناهية في الأحاديث الواهية, لابن الجوزي, وعلل مرتبة على كتب معينة, ككتاب التتبع للدارقطني, وأذكر طرفا من المصنفات في علل الحديث, والتي منها ما يلي:
"العلل" لابن المديني.
"العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله.
كتاب "العلل" للإمام البخاري.
"العلل" للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري.
"العلل" ليحي بن سعيد القطان.
"العلل الصغير", و"العلل الكبير": كلاهما للترمذي.
"علل الحديث" لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي.
"العلل" لسفيان بن عيينة, رواه عنه ابن المديني.
"العلل" ليحيى بن معين.
"العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي.
"العلل" لأبي حفص عمرو بن علي الفلاس.
"العلل" لأبي بكر، أحمد بن محمد بن هارون الخلاّل.
" العلل" لأبي علي حسين بن علي النيسابوري.
"العلل الواردة في الأحاديث النبوية", لأبي الحسين علي بن عمر الدارقطني.
"الزهر المطلول في معرفة المعلول", لابن حجر العسقلاني.
"العلل" لأبي عبد الله، محمد بن عبد الله بن محمد, الحاكم النيسابوري.
"المسند المعلل" ليعقوب بن شيبة.
"الفوائد المعللة", لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي.
"العلل", لأبي يعلى زكريا بن يحيى الساجي.
"علل الحديث ومعرفة الشيوخ", لأبي جعفر محمد بن عبد الله بن عمار المخرمي الموصلي.
المبحث الأول
تعريف العلة وإطلاقاتها وأنواعها
المطلب الأول: معنى العلة وإطلاقاتها
معنى العلة في اللغة:
المرض, من عَلَّ, يَعِلُّ, واعْتَلَّ, أي مَرِض فهو عَلِيلٌ[50].
والعلة: الحديثُ يشغَل صاحبَه عن حاجته, كأَنَّ تلك العلة صارت شُغلاً ثانياً منعه عن شغله الأول, وحروف العِلَّة والاْعتِلال: الألف والياء والواو, وسميت بذلك للينها وموتها[51].
والمعلل: اسم مفعول من "أَعلَّهُ" بكذا, فهو "مُعَلٌّ", وهو القياس الصرفي المشهور, واللغة الفصيحة, لكن التعبير بـ"المعلل" من أهل الحديث, جاء على غير المشهور في اللغة, لأن "المعَلّل" اسم مفعول من "علّلَه" بمعنى: ألهاه, ومن المحدثين من عبر عنه بـ"المعلول", وهو إطلاق ضعيف عند أهل العربية, باعتبار أن اسم المفعول من الرباعي لا يكون على وزن مفعول[52], ويقال: "معلّ" لـِما دخل على الحديث من العلة بمعنى المرض وأما استعمال "معلل" فلا تمنعه القواعد إذا كان مشتقاً من "علله" بمعنى ألهاه به وشغله, ويكون معنى "الحديث المعلل": هو الحديث الذي عاقته العلة وشغلته, فلم يعد صالحاً للعمل به"[53].
يتبع