ابو وليد البحيرى
2019-09-22, 09:01 PM
حوار الحضارات مقاربة فلسفية في ضوء الدراسات الإسلامية المعاصرة
د. محمد بن خالد البداح
ملخص البحث:
تعد مبادرة حوار الحضارات إحدى المبادرات العالمية المعاصرة والتي نشأت كرد على من أطلق نظرية صدام الحضارات, ويأتي هذا البحث ليتناول هذا الموضوع من وجهة نظر الفكر الإسلامي المعاصر, في عرض لمقاربة فلسفية تشتمل على عدة مقاربات أولاها لمحاولة فهم مقصد حوار الحضارات ومفهومه وتجلية الفهم الخاطئ تجاهه, المقاربة الثانية في بيان موقف الفكر الإسلامي من مبادرات حوار الحضارات وهل يتمثل هذا الموقف بالقبول المطلق أم التوجس؟ والمقاربة الثالثة هي عن محاولة التعرف على صور العلاقة بين الحضارات ليتم بناء الحوار على أصول علمية ومعرفية لا تغفل أي جانب من الجوانب المهمة, وهل هذه العلاقة علاقة استمداد وتكامل أم صراع وتغلب؟ والمقاربة الرابعة محاولة لاستشراف مستقبل حوار الحضارات ومبادراته وهل يمكن الاستمرار فيه أم التوقف عنه.
Abstract:
Dialogue of Civilizations initiative is one of the contemporary global initiatives which arose as a response to who fired the clash of civilizations theory, comes this research to address this issue from the perspective of contemporary Islamic thought, in the presentation of the approach philosophical include several approaches first is to try to understand the purpose of the dialogue of civilizations, understandable and shed light on the mistaken understanding towards him , the second approach in a statement the position of Islamic thought from the dialogue of civilizations initiatives and whether this position is accepted absolute or obsessing ?, and approach the third is trying to identify the images the relationship between civilizations are building dialogue on scientific and knowledge assets do not overlook any aspect of the important aspects, and whether this relationship to derive the relationship and integration or conflict and overcome ?, and approach the fourth attempt to explore the future of the dialogue of civilizations and initiatives, and whether it can continue or stop him.
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتد, ومن يضلل فلا هادى له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أما بعد, ففي هذه الدراسة سنلقي الضوء على قضية مهمة وهي حوار الحضارات والتي نتج عنها عقد العديد من المؤتمرات والندوات العالمية, نتيجة توجيه الاتهام للإسلام بأنها السبب الرئيس في صراع الحضارات, وأنه يسعى لطمس هوية الآخرين, والقضاء عليهم, فحوار الحضارات أضحى ضرورة ملحة للعيش في عالم آمن ومستقر, ويأتي هذا البحث كمحاولة منهجية للإجابة على عدة أسئلة فلسفية, ولقد قيل أن الفلسفة حوار, وبانعدام الحوار تنعدم الفلسفة.
وتلك الأسئلة من قبيل: أين يكمن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟ وأين يقف الإسلام من هذا الأمر؟ هل يقبله أم يتوجس منه؟ وهل أصل العلاقة بين الحضارات علاقة تكامل واستمداد وتعاطي؟, أم هي علاقة تجاذب وصراع؟ وما مستقبل حوار الحضارات؟ وفق رؤية استشرافية تتلمس الثمار, وتتعاطى مع تجاذب المصالح وتعددها.
كل هذه الأسئلة سيسعى البحث للعثور على إجابة لها وفق منهج الفكر والدراسات الإسلامية المعاصرة, إلا أن الدخول المباشر في زخم الإجابة عن هذه الأسئلة المتقاطعة قد يفرض على هذا البحث صبغة المنطق الصرف, وهذا قد يأخذ القارئ إلى آفاق من غموض العبارات وجدلية الفرضيات وفضاءات الأسئلة وحيرتها, ولهذا أجدني مضطراً لكتابته وفق المنهج العلمي المتعارف عليه في الدراسات الإسلامية المعاصرة, وسينتج عنه عرض منهجي لمحاور لابد للقارئ الاطلاع عليها أولاً وهي من قبيل:مفهوم حوار الحضارات بعد التعريف بالحضارة والحوار, ومجالات حوار الحضارات, والحضارة الإسلامية, والصلة بين الثقافة والحضارة, وقواعد الحوار مع الحضارات وأسسه, وشروط الحوار الحضاري....وغيرها , ليتم في ثنايا كل ذلك محاولة إيجاد المقاربة الفلسفية لهذه القضية.
ويردد بعض الفلاسفة أن الأفكار الجديدة والأطروحات الفكرية تحتاج لما بين عقد إلى عقدين من الزمان ليتم الحكم على تجربتها وتأثيرها وقبول المجتمعات لها, وفرضية حوار الحضارات أطلقت منذ العام 2000م بدعوة من الأمم المتحدة أن يكون العام 2001م هو عام الحوار بين الحضارات ومنذ ذلك الوقت أطلقت جملة من المبادرات الحكومية والمؤسسية.
وعقدت العديد من المؤتمرات والندوات حول هذا الموضوع, وألفت جملة من الأبحاث والكتب فيه, فأصبحت التجربة أكثر ثراءً, ويمكن تقييمها والحكم عليها من خلال تلك الأنشطة والبرامج والإصدارات لمعرفة مدى تقدمها من عدمه,إلا أن الأساس الأولي لدخول غمار حوار الحضارات هو فهمها الفهم الحق والتعرف على جذورها وأسسها التي بنيت عليها.
ويعد المفكر/ روجيه جارودي من أوائل من طرق هذا الموضوع في كتابه" حوار الحضارات" الذي طبع في العام 1978م وقد تناوله من جانب نقد الاتجاه الغربي من خارجه, فمن المصادفات وقد تكون الدافعات, أن يتم تبني حوار الحضارات بالتضامن مع الهجوم على برج التجارة العالمية والبنتاغون, فمنذ اعتماد الأمم المتحدة عام 2001م لفكرة حوار الحضارات والذي يعتبره البعض هو الانطلاقة إلا أن فكرة تداخل الحضارات قديمة مع نشوء تعدد الحضارات وتجاذبها.
من هنا برزت فكرة هذه الدراسة لإلقاء الضوء على موضوع حوار الحضارات من وجهة نظر الدراسات الإسلامية المعاصرة وبقالب التناول الفلسفي الذي بني على التساؤلات ومحاولة إيجاد إجابة مقنعة لها.
وتشتمل هذه الدراسة على تمهيد وثلاث محاور (مقاربات) وخاتمة.
التمهيد: ويشتمل على: مفهوم حوار الحضارات (أين يكمن موطن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟).
المقاربة الأولى: موقف الإسلام من حوار الحضارات ومجالاته, ويشتمل على:
المطلب الأول: موقف الإسلام من حوار الحضارات.
المطلب الثاني: مجالات حوار الحضارات في الإسلام.
المقاربة الثانية: العلاقة بين الحضارات(استمدا وتكامل أم صراع وتغلب؟)
المقاربة الثالثة: مستقبل حوار الحضارات (كيف يمكن تصور حوار الحضارات في ظل عالم تتجاذبه مجموعة اتجاهات متباينة؟)
الخاتمة.
التمهيد: ويشتمل على: مفهوم حوار الحضارات.
(أين يكمن موطن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟)
إن أغلب التأسيس الفلسفي لمفهوم حوار الحضارات وإجراءاته كان متبايناً انطلاقاً من مفارقته في بنيته المعرفية وما تم التأسيس عليه أصلاً, فنجد أن بعض هذه الرؤى تنطلق من عمق فكري تجريدي محض, والأخرى ذات عمق ديني لا تنفك عنه, ونادراً ما نجد رؤية شمولية عامة تأخذ بالأبعاد كلها, وصولاً إلى رأي مقنع مقبول عند أغلبية المطلعين, فحوار الحضارات مفهوم مركب من حوار وحضارة, لذا يجدر بنا ضرورة تعريف الحوار ثم الحضارة.
مفهوم الحوار:
تعريف الحوار في اللغة: (مشتق من كلمة (حور), والحور: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء. والمحاورة المجاوبة. والتحاور: التجاوب, ومراجعة المنطق والكلام في المخاطبة)([1]).
ويراد بالحوار في الاصطلاح: (مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين لمعالجة قضية من قضايا الفكر والعلم والمعرفة بأسلوب متكافئ يغلب عليه طابع الهدوء والبعد عن الخصومة)([2]).
وقد قيل إنه: (عملية تبادل الأفكار والآراء بين محاورين اثنين أو أكثر لغرض بيان حقيقة مؤكدة أو رأي معين قد يتقبله الآخر, أو قد يرفضه. فإن ارتضاه فيكون حواراً قصيراً, أما إذا خالفه فيمكن أن يستمر الحوار بينهما لكي يقتنع الطرف الآخر, وقد لا يقنع الطرف الآخر, وحينئذ تبقى مسألة الخلاف قائمة بينهما؛ مما يؤدي إلى استمرار الحوار إلى أوقات أخرى)([3]).
مفهوم الحضارة:
الحضارة لغة: بفتح الحاء وكسرها- في دلالتها اللغوية, تعني:(الإقامة في الحضر وهي خلاف البادية)([4]).
الحضارة اصطلاحاً: وضحها ابن خلدون في مقدمته بأنها" تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه([5]), و(ابن خلدون هو أول من استخدم فكرة الحضارة كفكرة مستقلة, فالحضارة في مفهومه عكس البداوة)([6]).
تعريف الحضارة من منظور إسلامي:
للحضارة في المنظور الإسلامي إطلاق منفرد من الجيد التعرف عليه, فيقال أنها:(هي حضارة المجتمعات الإسلامية, وهي الحضارة التي أوجدها الدين الإسلامي, فهي تستمد مفاهيمها وأسسها من القرآن الكريم والسنة النبوية, والحضارة الإسلامية قامت مع قيام الدين الإسلامي وتأصلت وترسخت مفاهيمها في المجتمعات الإسلامية منذ البعثة النبوية الشريفة وحتى الآن, وهي تبسط سيطرتها وسيادتها على الإنتاج في مجال الحضارة, فيجب أن يحمل هذا الإنتاج المفاهيم الإسلامية)([7]), فلماذا الخوف من الحضارة الإسلامية؟, مع أنها حضارة أممية عالمية وليست عربية فحسب.
والمقصود بالحضارة هنا: مجموعة نواتج القيم التي تسير عليها أمة من الأمم.
والمقصود بالحوار هو المبني على احترام القيم وتقديرها في ظل إنصات وإصغاء, وتبادل للآراء وتقبلها, وليس في ظل الهيمنة والإقصاء, ومبدأ التبعية للأقوى, ويمثل صور هذا المبدأ ترحيب غاندي بالحضارة على أنه ليس لقضاء الحضارات على بعضها البعض, فقد قال:"... أريد أن تهب علي كل الحضارات لكنني أرفض أن تعصف بي" ففرق بين تداول الحضارات بعضها من بعض, وسعي بعض تلك الحضارات للقضاء على بعضها البعض.
(وقد تطور استخدام كلمة الحضارة فأصبحت تشير إلى وضعية الرقي والتقدم على مستوى الفرد والمجتمع. وأخذ هذا المفهوم يختلط ويتداخل مع مفهوم الثقافة, مما نتج عنه اضطراب وعدم ضبط بينهما, كما أن مفهوماً آخر وهو المدينة قد بدأ يختلط ويتداخل مع المفهومين السابقين)([8]). ولهذا فلابد من التطرق لمحاولة فهم الصلة بين الحضارة والثقافة.
الفرق بين الثقافة والحضارة:
إن من الإشكالات المنهجية لدى البعض هو عدم قدرتهم التفريق بين مفهومي الحضارة والثقافة, فالحضارات تتداخل وتتفاعل مع معطيات الثقافة, وهناك من يرى من المتخصصين قدراً من التقاطع بين مفهومي وتراكيب كل من الحضارة والثقافة, وفي هذا المحور سيتم تناول هذه الجدلية, هل من مكونات الحضارة الثقافة أم العكس؟
فنرى أنه قد (اقترنت كلمة ثقافة منذ أوائل القرن الثامن عشر بشقيقة لها هي كلمة حضارة, وكثيراً ما نجدهما متتاليتين في نصوص تلك الفترة, على الرغم من أنهما توجدان في حقل دلالي واحد فإنهما ليستا مترادفتين, فالثقافة هي ما يحققه الفرد من رُقي تختلف مقاييسه من مجتمع إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى, أما الحضارة فتعتبر حصيلة التقدم الذي تنجزه أمة أو مجموعة من الشعوب تنتمي إلى منبع واحد" العقيدة الدينية -اللغة– القومية التاريخية...." مهما تعددت أشكال التعبير عنه والحيز الجغرافي الذي حدثت فيه وقد يكون المقياس مدى التقدم المادي" الحضارة الصينية أو الرومانية أو الإسلامية أو الأوربية أو الأمريكية", أو التراث الفكري والأخلاقي والروحاني والجمالي كما هو الشأن في تلك الحضارات نفسها)([9]).
وعند التأمل في الحضارة نجد أنها تشمل على (معتقدات الإنسان وإنتاجه الفكري من فلسفة وآداب وعلوم وفنون إضافة إلى العادات والقيم والتقاليد كما تشمل أيضاً وسائل الإنتاج والتقنية, وإذا كانت التقنية تمثل جسم الحضارة, فإن الثقافة روحها. وهكذا تمثل الحضارة إبداع الإنسانية ومنجزاتها منذ وجودها وحتى الآن, سواء على الصعيد المادي أو المعنوي.
الحضارة = الجانب المعنوي+ الجانب المادي.
الحضارة = الثقافة + المدينة)([10]).
ونجد أن الثقافة كجزء من مكونات الحضارة له اعتباره في المواثيق والمعاهدات الدولية, كما ينص ميثاق الأمم المتحدة والعهود والاتفاقيات الدولية التي تحكم العلاقات المتبادلة بين الدول والشعوب على احترام التنوع الثقافي وأنها ذات قيمة بذاتها؛على الغير احترامها, وأن مجموع الثقافات تشكل إحدى مكونات الحضارة الإنسانية بأنساقها المتعددة وإن تباينت.
في حين يرى البعض (ضرورة الفصل بين الثقافة والحضارة, فيرى أن " الحضارة مقولة مادية", "والثقافة مقولة روحية"؛ فالحضارة هي الأشياء المادية التي يصنعها الإنسان: المدن والطرق والبيوت والمؤسسات الاجتماعية, وبعبارة أخرى هي جميع الأعمال التكنولوجية, والحضارة كذلك شمولية, عالمية وتعاونية وإنسانية).([11])
فالثقافة ما هي إلا فعل الترويض! لكن هناك نوع من القيم لها حالة استثنائية في المضاء والتأثر بها يفوق أي نوع من أنواع التأثير وسبله, وهذا ما تملكه الثقافة الروحية الإسلامية, فهي مؤثرة بذاتها حتى وإن تخلى عنها أهلها﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾([12]), إن المسير الأبرز والمكون الأساس لمنظومة الحضارات هو قيامها على قيم دينية سماوية, فهذا يعطيها قوة وتأثيراً أكبر.
ومما سبق يتضح لنا الصلة بين الثقافة والحضارة:
فإن الحضارة تنزع إلى العمومية, فبينما الثقافة هي جزء من الحضارة خاصة بأمة من الأمم, لا يشاركها فيه أحد, في حين أن الحضارة هي نسيج متكامل من مجموع ثقافات مكونة في مجموعها سياقاً حضارياً له أبعاده الحضارية المشتركة.
ومن خلال العرض السابق يمكن لنا توضيح المقصود بالمصطلح المركب (حوار الحضارات) في التالي:
مفهوم حوار الحضارات:
يعتبر مصطلح حوار الحضارات من المصطلحات الجديدة التي انتشرت مؤخراً في العالم, وما يزال لم تتحدد معالمه, إلا أنه في شكله العام يعني استبعاد العنف كوسيلة لحل الخلافات بين الكيانات الدولية, واختيار الحوار كبديل لتجاوز نقاط الاختلاف, ومحاولة تقبل الآخر وتسهيل سبل التواصل معه, أي أن يصبح الحوار تواصلاً إنسانياً يتعارف في ظله البشر ويتعاونون من أجل حياة أفضل للجميع مع الاحترام المتبادل للاختلافات العرقية, واللسانية, والثقافية, والدينية, والسياسية, في حياة الشعوب والأمم ([13]).
وهناك من يقسم الحوار بين الحضارات من جهة من يشارك فيه إلى: حوار الأنداد, وحوار الأضداد, فحوار الأنداد هو ما يتم بين حضارتين عميقتين ذاتا إرث تاريخي كبير وقيم راسخة واسعة, وحوار الأضداد هو ما يتم بين حضارتين تريان أن قيام حضارتهما لا يمكن أن يستمر ويقوى إلا بالقضاء على الحضارة الأخرى!, وهنا يكمن الخلل. ففعل حوار الحضارات دال على التقارب والتكامل والتجرد, لا على الإقصاء والقضاء على الآخر, (إن حوار الحضارات وحوار الثقافات سيظل مفهوماً ضبابياً ملتبساً إذا لم نبادر إلى ربطه باستراتيجية توازن المصالح من جهة, وإذا لم نرتفع به إلى المستوى الذي نقدم فيه تحليلات وردوداً مضادة وفي مستوى ما ينتجه الآخر من جهة ثانية)([14]).
تاريخ ظهور مفهوم حوار الحضارات:
إن حوار الحضارات مصطلح مبتكر جديد (ظهر على الساحة العالمية منذ سنوات قليلة, ويعد الرئيس الإيراني محمد خاتمي صاحب المبادرة الأولى في طرح هذا المصطلح حينما قدم اقتراحاً للأمم المتحدة عام 1997م يدعو فيه لإجراء حوار بين الحضارات بهدف إيجاد صيغة مشتركة للتعايش وإحلال السلام كبديل للصدام الحضاري الذي طرحه رجل الأمن القومي الأمريكي صموئيل هنتغتون عام 1993م)([15]). بعد انتهاء الحرب الباردة التي أعلنت انتصار وتفوق الرأسمالية الغربية.
وكانت مبادرة حوار الحضارات ترتكز على مبادئ خمسة هي (الأخلاق, الحرية, العدالة, الأمن, السلام) ثم بعد ذلك نشأ مفهوم (تحالف الحضارات).
ويحسن بنا لخوض غمار هذا الموضوع أن نتطرق لأبعاد الحضارة الإسلامية ومكوناتها كإحدى الحضارات العميقة التأثير, وهذا ما سيتم عرضه في العنوان القادم.
الحضارة الإسلامية:
إن الحضارة الإسلامية المجيدة التي انبثق نورها مع تنزل الوحي الرباني, وأصبحت ذات اسم راسخ في العالم نتج عنه تأثر العديد من الأمم والشعوب بتعاليم الإسلام وانبهارهم بأخلاقيات أهله؛كله كان انعكاساً لما تحمله هذه الحضارة من قيم راسخة مميزة كان لها القبول المباشر, واستمرت هذه الحضارة بالنمو حتى أوجدت لنفسها مكاناً لائقاً بين الحضارات الإنسانية الكبيرة. وعلى الرغم مما انتاب هذه الحضارة من مراحل إخفاق وأفول إلا أن مكوناتها العقدية الدينية والتشريعية الأخلاقية تمنحها القدرة على البقاء والتجدد الدائم.
(فسنة الله اقتضت أن يكون لبعض الحضارات السؤدد الحضاري في مقابل خمول البعض الآخر, وذلك لفترات زمانية محددة, ثم تتبدل الأدوار...وهكذا, مع الأخذ في الاعتبار أن سنة الله اقتضت أن تشكل الحضارة الإنسانية في مجملها سلسلة مشتركة الحلقات بين الأمم, بحيث تحمل كل حضارة بين طياتها مبدأ الأخذ من سابقتها, والعطاء للاحقتها. وبذلك تتحقق منظومة "التكامل" الإنسانية, وتمثل الحضارة الإسلامية حلقة هامة جداً -إن لم تكن أهم الحلقات- في سلسلة الحضارة الإنسانية التي لا يمكن أن يكتمل بناءها بعيداً عن أسس ومبادئ تلك الحضارة المجيدة) ([16]).
لقد كان للحضارة الإسلامية على امتدادها إسهام فاعل في تحولات الحضارة الإنسانية وازدهارها, ويتضح ذلك بما قدمته من عطاءات على المستويين المادي والنظري والتي استمرت آثارها إلى وقت حاضر ومن المنتظر لهذه الأمة أن تنهض من جديد وتسهم كما أسهمت من قبل.
فالحضارة الإسلامية تشغل مكاناً مرموقاً بين حضارات العالم المختلفة, وذلك بفضل ما قدمته للإنسانية جمعاء, وعلى وجه الخصوص في المجال العلمي التي أفادت منه الحضارات الأخرى وكانت بمثابة الأساس القوي المتين الذي قامت عليه الحضارة الغربية الحديثة, لذا لابد من الاعتراف بفضل الحضارة الإسلامية, واحترامها وحمايتها بدلاً من الحملات ضدها بين الحين والآخر للقضاء عليها ([17]).
إن ما يميز الحضارة الإسلامية قدرتها على التماهي مع كافة أنساق الحضارات الأخرى السابقة لها والمعاصرة على حد سواء, فقد تعاملت معها تعامل الند للند واعترفت بما لديها من مكتسب إنساني أخلاقي, واستطاعت أن تبرهن على ضعف وخطأ بعض الممارسات التي لا تستند على أصل قيمي ثقافي أخلاقي بكل هدوء وحكمة مستخدمة الأسلوب الرباني في التوجيه والإرشاد.
المقومات الأساسية للحضارة الإسلامية:
ترتكز الحضارة الإسلامية وتقوم على عدة دعائم مهمة أولها مصدرها الرباني وقيامها على أصل من المعتقد الصحيح وتوحيد الله, وبناء علاقة المرء بربه وبغيره, وسن التشريعات التي تحفظ للجميع حقوقهم, وكذا أصلها الأخلاقي السامي فهي تدعو إلى الحفاظ على الأخلاق الفاضلة, وتحث عليها, في حين يرى البعض (أن التركيز على الدين كمكون أساسي وحاكم في الهوية هو بمثابة ردة فعل للهجمات الغربية المتوالية على العالم الإسلامي)([18]), و(الحضارة مثل الكائن الحي تقوم في مجتمع أو أمة يؤمن أفرادها بالمعتقد الديني الذي قامت عليه الحضارة. أما الحضارة الميتة أو المندثرة, فهي الحضارة التي لم يعد هناك مجتمعات تؤمن بالمعتقد الديني الذي قامت عليه)([19]).
فهناك مقومات كثيرة جداً مشتركة بين الحضارات, وهو ما أطلقت عليه (المشترك العام بين الحضارات), وهذه الأمور المشتركة بين الحضارات أغلبها مفيد جداً في مجال التقدم العلمي, والاقتصادي, والصناعي, والتقني, أي في جانبها المادي.
(وحضارة الإسلام أعطت البشرية مكارم الأخلاق, ورسخت في المجتمعات الإنسانية معالم الأخوة والتسامح والتعايش وكرامة الإنسان, وخلفت أمة وحدها الفكر والمشاعر والارتباط بالله, أما الحضارة الغربية فقد قدمت للبشرية مع التقدم المادي كل ضروب العدوان والأثرة, والاستغلال والجشع, والعنصرية والغزو والقتل والاستبعاد, وخلفت في نختلف جنبات الأرض أشنع مظاهر الفقر والظلم, باعتراف خيرة علمائها ومفكريها)([20]), فحوار الحضارات ليس للمتعصب ولا لأحادي الثقافة المتشبث بها, بل يسود فيها الجانب الروحي وهو من طبيعة الإنسان.
إن الحضارة الإسلامية تدعو للحياة, والعمل الجاد المثمر, وكذا فإن من أهداف الحوار تحقيق التعايش السلمي والتناغم بين الشعوب.
خصائص الحضارة العربية الإسلامية:
تتميز الحضارة الإسلامية بالعديد من الخصائص منها أنها (حضارة إيمانية, وحضارة إنسانية, والنزعة السلمية والتسامح, الدعوة إلى الحرية والمساواة والعدل والإخاء والمحبة وتحرير الرقيق, النزعة الشورية, والنزعة العقلية, والنزعة الأخلاقية, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والتأمين والضمان الاجتماعي, والحضارة العربية الإسلامية حضارة عملية, والجهاد لتحقيق الدعوة الإسلامية, والتوازن بين المادة والروح)([21]), والذي يميز الحضارة الإسلامية أنها تقر بتعدد الحضارات لا تصادمها. وإمكانية أن تتعايش هذه الحضارات المتعددة بسلام في ظل عالم متعدد الأصول الحضارية.
(إن تأخر المسلمين وتخلفهم الذي نقر به ونعترف آسفين بوقوعه, إنما يرجع لإهمالهم وتراخيهم وتفرقهم, وبعدهم عن تعاليم ربهم, وليس نقصاً في دينهم)([22]).
السمات العامة للخصوصية الثقافية:
للحضارة الإسلامية جملة من السمات التي تميزها عن غيرها من الحضارات, وهي عوامل قوة لهذه الحضارة, وهي مسهم كبير في نضج الحضارة الإنسانية, فــــ(السمات العامة للخصوصية الثقافية: ارتباطها بالميراث الحضاري, وجاهزيتها للدفاع عن النفس, والجمع بين الثابت والمتغير, والاضطلاع بأدوار حضارية, وأنها وعاء يضم روافد مشتركة, والقدرة على الصمود والبقاء, وغلبة الطابع الديناميكي)([23]).
تحديات أمام الخصوصية الثقافية:
هناك تحديات تقف أمام الخصوصية الثقافية ومن ذلك:عقدة الخوف من الآخر, ومحاصرة اللغة العربية, وطغيان المادية المفرطة, والتخلف العلمي والتكنولوجي, ومساعي الهيمنة الغربية([24]).
مما سبق عرضه يتبين مكمن الخلل في فهم مقصد الحوار, بحيث أن كل فريق يكيف مقصد الحوار بين الحضارات من قبيل منطلقاته هو, دون أن تكون هناك أسس يتم الانطلاق منها, فهناك من يرى أن خيار حوار الحضارات خيار حتمي لا مناص عنه, ومن يرى أنه جهد ومضيعة للوقت ومناورة لكسب مواقف محددة سلفاً.
ومن هنا لا بد من التأكيد على ضرورة رسم خارطة واضحة المعالم للسير وفقها في هذا المسعى, مع التأكيد على أن تكون المقاصد نبيلة والأهداف معلنة محددة.
المقاربة الأولى: الموقف من حوار الحضارات ومجالاته. (ما الخيار الأمثل؟).
لتتضح مجريات حوار الحضارات ومجالاته لابد من الحديث عن الموقف العام من هذا الحوار, وبيان موقف الإسلام من حوار الحضارات ومجالاته.
المطلب الأول
موقف الإسلام من حوار الحضارات
يتأكد الحديث عن موقف الإسلام من حوار الحضارات ذلك أن القيم الإسلامية عنصر فاعل ومؤثر في مسيرة حوار الحضارات وهي موجهة له, وأحد أسس نجاحه واستمراريته, وللإسلام موقف مشرق من عموم الحوار, فهو يدعو له ويحث عليه ويؤسس لضوابطه وأصوله.
ونستطيع أن نجمل موقف الإسلام من حوار الحضارات في النقاط التالية:
أن الحوار قاعدة ثابتة من قواعد الإسلام, أرسى أركانها القرآن الكريم وجسدتها في الواقع السيرة النبوية الشريفة.
أن الأمة الإسلامية تقبل مبدأ الحوار وتساهم فيه بكل اقتدار نظراً لما تزخر به من قيم التسامح ومبادئ التكافل والتضامن والتعاون والإحسان.
من الدعائم القوية التي يقوم عليها الحوار في الإسلام أن الاختلاف بين الناس سنة من سنن الله في الوجود ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾([25]).
أن الكون قائم على التعددية سواء أكان ذلك في الشرائع أم في الأجناس والقوميات التي تبدو في اختلاف الألوان والألسنة, وأن هذا الاختلاف ليس للتصادم والعنف الذي يفضي إلى القضاء على الآخر وإفنائه, وإنما هو سبيل للتعارف ومن ثم للتعاون, فالتنوع في الإسلام تنوع تكامل وتعايش وليس تنوع تضاد وتصادم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([26]).
أن التعاون يقتضي بالضرورة الاعتراف بالآخر والتفاعل معه دونما تبعية, بحيث تكون علاقة المسلم بغيره علاقة الأداء المشترك لإنفاذ إرادة الله في عمارة الأرض بالخير.
أن التعارف مصطلح يمثل قيمة حضارية تستوعب جميع أشكال الاختلاف والتباين, وتؤسس لعلاقات إنسانية سوية تقوم على التعايش والتساكن وتبادل المصالح والمنافع.
تُعد سنة التدافع إحدى صور العلاقة التي تربط بين هذه الحضارات والثقافات المختلفة, فهو تعبير حي عن طبيعة النشاط الإنساني المعتاد, ويوحي بما يفرزه البشر بعضهم ببعض لقضاء مصالحهم ومزاولة وظيفتهم في الحياة من تنافس على حيازة الخيرات, وتحقيق المآرب, وإشباع الحاجات, والسير بالإنسانية دوماً إلى الأمام.([27])
فلسفة الإسلام قائمة على أنه لا يعمد إلى الصدام مع غيره من الثقافات بل يسعى للتعايش معها وعدم إقصاءها والقضاء عليها, ولهذا شواهده الكثيرة من التاريخ الإسلامي, فمن المهم تخليص الحضارات ذات الرغبة في التحاور من عقدة الذاتية المادية والرغبة في التغلب لذات التغلب, وإن محاولة رسم بنية الصراع أنه بين الغرب كعمق جغرافي والإسلام كإرث حضاري ثقافي هو محاولة لخلط الأوراق وتكريس مبدأ أن هوة الصراع مبعثها هو ارتكازها على أصل ديني ! فلماذا لم يقال: الصراع بين الغرب والشرق؟ مثلاً! أو الشمال والجنوب؟
فليس عامل النجاح في أي حضارة كانت قيامها باتهام الحضارات الأخرى أنها حضارات انحطاط!, إن انهيار الشيوعية كان سبباً في تصور كل من الغرب والعالم الإسلامي أنهما أصبحا أعداء بعد أن سقط العدو المشترك بينهما, فنتج عن ذلك تلك النظريات التي تؤجج العداء, كمحاولة للبحث عن عدو فحسب!.
إن الموقف يتطلب تسخير كافة الإمكانات المتاحة لتفعيل الحوار البناء وتعزيزه للوصول إلى قدر من المشتركات الإنسانية, والتعايش السلمي المدروس.
إن حاضرنا (يشهد في كل مراحل الزمن على الاختلاف والتعددية بين البشر, فلابد إذن من الحوار الذي يمثل الأداة الحضارية المثلى لضبط الاختلاف المذموم "اختلاف التصادم والتضاد", وإيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف المختلفة أفراداً وجماعات, لتفعيل قيم التعارف والتعاون بين الناس, والانفتاح عليهم, وفهم وجهات نظرهم, والاستفادة الإيجابية من معطياتهم, وتحقيق المصالح المشروعة معهم, ولا سيما في هذا العصر الذي يدخل العالم فيه مرحلة من المتغيرات الجذرية والتطورات والتحولات الكبرى والسريعة على مختلف الأصعدة, ويشهد ثورة هائلة من وسائل الاتصال والإعلام وتدفق المعلومات, وما تفرضه هذه الثورة من إمكانات غير مسبوقة للتواصل الثقافي والفكري والقيمي بين الأطراف المختلفة في الشعب الواحد وبين الشعوب الكثيرة المتعددة)([28]).
موقف أهل الإسلام تجاه الحضارات:
ويمكن عرض مواقف أهل الإسلام تجاه الحضارات وفق التالي([29]):
أولاً: موقف الرفض:
وهو يعبر عن موقف الصراع بين الحضارات بوضوح, لكونه لا يرى سبيلاً للتفاهم والتعايش مع تلك الحضارات.
ثانياً: الموقف التغريبي:
وهو عكس موقف الرفض تماماً, فهو لا يرى للإسلام أي تميز يذكر, ولا يشعر بأدنى مسؤولية عند الله تعالى, ويدعو إلى مشاركة الحضارات في فكرها وأدبها ونظرياتها وإنجازاتها والاندماج بها بدون تحفظ.
ثالثاً: الموقف التوفيقي:
هو بين الموقفين السابقين, فهو يلتقي مع موقف الرفض في أهمية الاستمساك بالأصول الإسلامية وعدم التفريط بها, ويلتقي مع موقف التغريب في توسيع مفهوم دائرة الدين المقبول, والاتجاه نحو العقلانية في فهم النصوص وتفسيرها, فهو يؤمن بمبدأ الحوار مع الحضارات, وتلاقحها, وتمازجها, بدون أي تحفظ.
رابعاً: الموقف التأصيلي (المحافظ):
يقف موقفاً وسطاً بين موقف أهل الرفض المتجاهل للحضارات العالمية, وموقف التغريبين والتوفيقيين الذين يمدون حبال الأخوة والمودة والصداقة والثقة المطلقة بالحضارات, موقف يقوم على مبدأين, التسامح مع الحضارات العالمية, مع أخذ الحذر. والثاني: العزة الإسلامية.
إن الحوار مع المغاير الديني له سبله وطرقه التي يلزم الإلمام به و(المسلك الذي سلكه الإسلام مع المغاير الديني؛ عبر التعارف والاحتضان, الذي يجوز أن نطلق عليه "التعددية الدينية" في مقابل "التعددية الثقافية" المطلوبة اليوم, هدفاً محموداً ومنشوداً في الزمن الحالي. وفي حقيقة الأمر ثمة تقارب لافت بين مفهوم التعارف الإسلامي, الذي سميناه تجاوزاً "التعددية الدينية" ومفهوم التعددية الثقافية-أو الحضارية-, جراء اشتراكهما في المقصد نفسه. إذ يهدف كلاهما إلى بناء وفاق اجتماعي منفتح على الأفق الإنساني, ينتفي منه التسلط ويراعي الخصوصيات ويقر بالتنوع)([30]).
حوار الإسلام مع الحضارات:
من الأهمية أن يكون للإسلام كعقيدة ربانية وكسلوك إنساني إسهامه الخاص في مجال حوار الحضارات, من منطلق مبعث الصفاء في تعاليمه, إن (حوار الإسلام مع الحضارات يبدو فيه؛ حوار عام: وهو مطلق التفاهم والتعاون بين الإسلام والحضارات الأخرى, وتبدو ملامحه جلية في عموم العلاقات الدولية في جانبها السلمي التعاوني, وحوار خاص: وهو عقد المحاورات والمناظرات العلمية بين الإسلام والحضارات, والحوار بنوعيه يمكن أن يكون وسيلة تفاهم وتعاون بين الأطراف المختلفة)([31]).
التلاقح الحضاري:
إن معرفة الموقف من حوار الحضارات لابد أن يبنى على أصل أن الحضارات كان بينها قدر من التمازج, وأن بعضها كان يأخذ من بعض في جانبها المادي على وجه الخصوص, إن (من أهم أهداف الحوار تحسين علاقة الإنسان بالإنسان, بل الدول بالدول؛ ذلك أن تلك العلاقات إن قامت على أساس الحوار, واعتمدت المنطق الذي يقوم على العقل, كُتب لها النجاح.والحوار ضرورة حتمية لا تستغني عنها أي حضارة في سبيل تطوير ذاتها, فمن المعروف أن عملية التلاقح الحضاري تتم من خلال الاقتباس, والنقل, والتبادل المعرفي, وهذه أمور متداولة بين الشعوب قاطبة, فكل حضارة أبدعت, ونقلت, وأخذت, وأعطت. ولم توجد حضارة أبدعت, ولم تنقل عن غيرها؛ فالنقل, والتلاقح, والتفاعل, والأخذ, والعطاء الثقافي ليس وباءً, وإنما ضرورة حضارية وظاهرة صحية)([32]).
وكما أن لكل أمة خصوصيتها في جانبها الحضاري, فإن للأمة الإسلامية خصوصيتها الروحية في هذا المجال, ولا يعني التلاقح الحضاري الانصهار في الغير والتخلي عن الثوابت والأصول (وهناك ضابط لا ينبغي تجاهله في أثناء إجراء الحوار بيننا وبين الشعوب والأمم الأخرى, يقوم على ضرورة التمييز بين ما هو مشترك إنساني عام, لا غضاضة في الانفتاح عليه وتقبله, والسعي إلى تحصيله, وبين ما هو خاص بالأمة ذاتها, فلا يفهم من الحوار والتلاقح الحضاري, أنهما أدوات لتذويب الثقافة والهوية الحضارية لأمتنا)([33]).
نماذج حوار الحضارات:
عند الحديث عن نماذج الإسلام في ثقافة حوار الحضارات فإنه لا يغيب عنا تلك الممارسات في صدر الإسلام زمن النبوة, والخلافة الراشدة, وما تبعها من أزمنة الفتوحات والاختلاط بالأمم الأخرى في الأمصار والبلدان, (ولابد من الحوار لبناء المفاهيم الصحيحة وإيضاح الحق للناس وهذا ما سلكه النبي e)([34]). ومن النماذج:
حوار النبي e مع يهود المدينة ومعاهدته معهم.
تفاعل المسلمون مع الحضارات الأخرى واختلاطهم بها في الفتوحات الإسلامية.
امتداد الدعوة الإسلامية على يد الدعاة والعلماء والتجار أتاحت مجالاً واسعاً للتعايش مع الحضارات الأخرى لا إلغاؤها, ومن أبرز النماذج الحضارية التي سجلها التاريخ؛ ما حصل في بلاد الأندلس (لقد قدم الإسلام تجربة تعايش ناجحة بين الأديان الثلاثة في الأندلس, أتاح فيها لدينين كتابيين الحضور والنشاط. وكانت عملية التوازن الديني والاجتماعي من إنتاج الإسلام وبرعايته, باعتباره الدين المهيمن.والإسلا في روحه يعترف بالآخر وهو ما يميزه عن غيره من الأديان. واللافت في التجربة الإسلامية الأندلسية أن المسيحي الذي تعايش معه الإسلام هو مسيحي غير عربي, ولا تربطه صلات وثيقة بالتراث الشرقي)([35]).
كما ينبغي الإشارة هنا إلى أن القيم الدينية لا تأخذ موقفاً ضد التمدن والصناعات المبتكرة, وما يساعد في رفاهية الإنسان, بل هي تفرزه وتقوية وتدعمه, فلا يتصور أن الدين يقف في وجه الحضارة والمدينة بل هي تشجع عليها.
وهكذا يتضح لنا موقف الإسلام من أصل حوار الحضارات, أن هذا الحوار إذا بني على أساس واضح سليم فإن أهل الإسلام يرحبون به ويدعمونه.
المطلب الثاني
مجالات حوار الحضارات في الإسلام
تتعدد مجالات حوار الحضارات في الإسلام وتتنوع بحسب موضوعها ومقصدها, فهناك حوار تعارف, وحوار تعلم, وحوار تقارب, وحوار تعايش, وحوار تبادل مصالح وتجارة...وهكذا, ويمكن التركيز هنا حول أبرز تلك المجالات الحيوية والتي لها مسيس صلة بحياة الناس ومعاشهم ومنها: الحوار في الشأن المشترك من أمر الدنيا, وتبادل المصالح, وسن القوانين الكفيلة بحماية الحقوق, ودفع الظلم, وهذا قد يأخذ الطابع الفردي أو المؤسسي العام.
فمنها قضايا و(مسائل حقوق الإنسان وأوضاع الديمقراطية, والتغطية الإعلامية للقضايا والاستفادة من تكنولوجيا الإعلام, والإنفاق على المشاريع الخيرية, وتنمية وتطوير التعليم والتعاون بين الجامعات, والمشاركة في الفعاليات والمناشط الثقافية للتعرف على ثقافات الأمم والشعوب)([36]), وحوار بين الأفراد (عامة الناس, أو النخب, علماء الدين ومفكرون وجامعيون ومثقفون وغيرهم, وحوار بين الشعوب, وحوار بين الجماعات, وحوار بين المذاهب, وحوار بين الحكومات -ثنائي أو في إطار المنظمات والمؤسسات-, وحوار مع الأديان الأخرى, وحوار مع المدنيات والحضارات الأخرى)([37]), وتشمل تلك المجالات الحوار بين أتباع الأديان, وهذا النوع له أصوله وضوابطه, وسنتعرف فيما يلي على جملة من أهداف وقواعد حوار الحضارات وأسسه, وشروط الحوار الحضاري.
أهداف حوار الحضارات:
يسعى مشروع حوار الحضارات إلى تحقيق حزمة من الأهداف اللحظية أو بعيدة المدى (تغيير الوعي الثقافي, وإحلال نظام عالمي جديد يتسق مع متطلبات المستقبل, وكبح جماح التصور الغربي التسلطي العنصري, وتغيير مفهوم الإنسان الغربي عن العالم, والانفتاح على الإمكانات المستقبلية, والمشاركة والتعاون بدلاً من التسلط والتصارع, والتخلي عن النزعة العنصرية الفردية, وإثراء الجوانب الروحية بملء الفراغ الروحي أو الديني)([38]), فلا يتصور أن يكون غاية حوار الحضارات وهدفه الأساسي تنازل أي من أطرافه عن معتقداته وقيمه؛ لكنه يُعد أرضية صلبة لفهم الآخر والتعامل معه وفق المشتركات والقيم السائدة, ثم تأتي الغلبة والتأثير لأكثر الأفكار والثقافات ملائمة للفطر السوية.
(إن من أبرز أهداف الحوار حل النزاعات بين الأفراد والمجتمعات والدول, وكذلك العمل على تجديد فكر الأمة, والنهوض بالمشروع الحضاري, فالتنوع والتعدد يفترض له أن يسهم في إثراء فكر الأمة في مختلف جوانبه العقائدية, والفكرية, والاقتصادية؛ وذلك في إطار ممارسة الفكر بطرقه السلمية عبر مقارعة الدليل بالدليل, والحجة بالحجة, في حوار ينفتح فيه الجميع وتتبادل فيه الآراء والطروحات الفكرية بموضوعية وعلمية بعيداً عن التعصب)([39]).
و(يشترط الحوار حيثما مورس شيئين: من جهة أرضية مشتركة, نقف عليها ونبدأ تعاوناً سلمياً مشتركاً, ومن جهة أخرى اختلاف الأصل, وخاصة اختلاف الاقتناع, الذي لو كان غائباً لما كنا في حاجة لحوار)([40])
ويمكن الحديث عن قواعد الحوار مع الحضارات وأسسه من خلال أن:
هل ما تطرحه الثقافة الإسلامية من أسس للحوار وضوابط له تُعدُ هي التأسيس المثالي أم يمكن له أن يتطور ويتماها مع الحاجات المتجددة؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي لنا النظر بتجرد لمعايير المرونة الكبرى المتمثلة بحدود هذه الأسس والأصول, ففيها قدر من الملائمة لظروف الناس, وحاجاتهم.
شروط الحوار الحضاري:
تتمثل شروط الحوار المتصل بالحضارات بجملة من المحددات يمكن إيرادها في التالي:
الإنسان كأرضية مشتركة للحوار يقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾([41]).
الشرط الأخلاقي لهذا الحوار, ويمكن أن يبنى وفق القيم العليا المشتركة.
العقل كآصرة وحدة فهو يعد مصدر ثانٍ يجمع بين كل الناس.
الحقيقة كشرط للتعاون المشترك.
الانطلاق دوماً من المشتركات, ونقاط الالتقاء.
ولا يعني هذا أوتوماتيكياً بأن الفلسفة ستعوض العقيدة الدينية, كما لا يعني بأنها ستقضي على الاختلافات العقائدية, لكنها ستساعد على إيجاد قاعدة عريضة, يمكن أن نؤسس عليها في عالمنا بأكمله([42]), ومن نواتج ذلك التأسيس تفعيل حوار الحضارات, ونورد هنا مزيداً من الشروط, ومنها:حسن صياغة الأفكار وجودة مضمونها وترتيب أولوياتها, وملاءمتها جو الحوار بما لا يخل بثوابتها, والندية والتكافؤ: حيازة قدر معقول من الأهلية الحضارية, وإعادة اكتشاف الآخر, والاحترام المتبادل, والتفاهم والتعاون([43]), واحترام خصوصية الآخر, والتسلح بالشجاعة العلمية, والانطلاق من القضايا المتفق عليها([44]).
يتبع
د. محمد بن خالد البداح
ملخص البحث:
تعد مبادرة حوار الحضارات إحدى المبادرات العالمية المعاصرة والتي نشأت كرد على من أطلق نظرية صدام الحضارات, ويأتي هذا البحث ليتناول هذا الموضوع من وجهة نظر الفكر الإسلامي المعاصر, في عرض لمقاربة فلسفية تشتمل على عدة مقاربات أولاها لمحاولة فهم مقصد حوار الحضارات ومفهومه وتجلية الفهم الخاطئ تجاهه, المقاربة الثانية في بيان موقف الفكر الإسلامي من مبادرات حوار الحضارات وهل يتمثل هذا الموقف بالقبول المطلق أم التوجس؟ والمقاربة الثالثة هي عن محاولة التعرف على صور العلاقة بين الحضارات ليتم بناء الحوار على أصول علمية ومعرفية لا تغفل أي جانب من الجوانب المهمة, وهل هذه العلاقة علاقة استمداد وتكامل أم صراع وتغلب؟ والمقاربة الرابعة محاولة لاستشراف مستقبل حوار الحضارات ومبادراته وهل يمكن الاستمرار فيه أم التوقف عنه.
Abstract:
Dialogue of Civilizations initiative is one of the contemporary global initiatives which arose as a response to who fired the clash of civilizations theory, comes this research to address this issue from the perspective of contemporary Islamic thought, in the presentation of the approach philosophical include several approaches first is to try to understand the purpose of the dialogue of civilizations, understandable and shed light on the mistaken understanding towards him , the second approach in a statement the position of Islamic thought from the dialogue of civilizations initiatives and whether this position is accepted absolute or obsessing ?, and approach the third is trying to identify the images the relationship between civilizations are building dialogue on scientific and knowledge assets do not overlook any aspect of the important aspects, and whether this relationship to derive the relationship and integration or conflict and overcome ?, and approach the fourth attempt to explore the future of the dialogue of civilizations and initiatives, and whether it can continue or stop him.
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتد, ومن يضلل فلا هادى له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أما بعد, ففي هذه الدراسة سنلقي الضوء على قضية مهمة وهي حوار الحضارات والتي نتج عنها عقد العديد من المؤتمرات والندوات العالمية, نتيجة توجيه الاتهام للإسلام بأنها السبب الرئيس في صراع الحضارات, وأنه يسعى لطمس هوية الآخرين, والقضاء عليهم, فحوار الحضارات أضحى ضرورة ملحة للعيش في عالم آمن ومستقر, ويأتي هذا البحث كمحاولة منهجية للإجابة على عدة أسئلة فلسفية, ولقد قيل أن الفلسفة حوار, وبانعدام الحوار تنعدم الفلسفة.
وتلك الأسئلة من قبيل: أين يكمن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟ وأين يقف الإسلام من هذا الأمر؟ هل يقبله أم يتوجس منه؟ وهل أصل العلاقة بين الحضارات علاقة تكامل واستمداد وتعاطي؟, أم هي علاقة تجاذب وصراع؟ وما مستقبل حوار الحضارات؟ وفق رؤية استشرافية تتلمس الثمار, وتتعاطى مع تجاذب المصالح وتعددها.
كل هذه الأسئلة سيسعى البحث للعثور على إجابة لها وفق منهج الفكر والدراسات الإسلامية المعاصرة, إلا أن الدخول المباشر في زخم الإجابة عن هذه الأسئلة المتقاطعة قد يفرض على هذا البحث صبغة المنطق الصرف, وهذا قد يأخذ القارئ إلى آفاق من غموض العبارات وجدلية الفرضيات وفضاءات الأسئلة وحيرتها, ولهذا أجدني مضطراً لكتابته وفق المنهج العلمي المتعارف عليه في الدراسات الإسلامية المعاصرة, وسينتج عنه عرض منهجي لمحاور لابد للقارئ الاطلاع عليها أولاً وهي من قبيل:مفهوم حوار الحضارات بعد التعريف بالحضارة والحوار, ومجالات حوار الحضارات, والحضارة الإسلامية, والصلة بين الثقافة والحضارة, وقواعد الحوار مع الحضارات وأسسه, وشروط الحوار الحضاري....وغيرها , ليتم في ثنايا كل ذلك محاولة إيجاد المقاربة الفلسفية لهذه القضية.
ويردد بعض الفلاسفة أن الأفكار الجديدة والأطروحات الفكرية تحتاج لما بين عقد إلى عقدين من الزمان ليتم الحكم على تجربتها وتأثيرها وقبول المجتمعات لها, وفرضية حوار الحضارات أطلقت منذ العام 2000م بدعوة من الأمم المتحدة أن يكون العام 2001م هو عام الحوار بين الحضارات ومنذ ذلك الوقت أطلقت جملة من المبادرات الحكومية والمؤسسية.
وعقدت العديد من المؤتمرات والندوات حول هذا الموضوع, وألفت جملة من الأبحاث والكتب فيه, فأصبحت التجربة أكثر ثراءً, ويمكن تقييمها والحكم عليها من خلال تلك الأنشطة والبرامج والإصدارات لمعرفة مدى تقدمها من عدمه,إلا أن الأساس الأولي لدخول غمار حوار الحضارات هو فهمها الفهم الحق والتعرف على جذورها وأسسها التي بنيت عليها.
ويعد المفكر/ روجيه جارودي من أوائل من طرق هذا الموضوع في كتابه" حوار الحضارات" الذي طبع في العام 1978م وقد تناوله من جانب نقد الاتجاه الغربي من خارجه, فمن المصادفات وقد تكون الدافعات, أن يتم تبني حوار الحضارات بالتضامن مع الهجوم على برج التجارة العالمية والبنتاغون, فمنذ اعتماد الأمم المتحدة عام 2001م لفكرة حوار الحضارات والذي يعتبره البعض هو الانطلاقة إلا أن فكرة تداخل الحضارات قديمة مع نشوء تعدد الحضارات وتجاذبها.
من هنا برزت فكرة هذه الدراسة لإلقاء الضوء على موضوع حوار الحضارات من وجهة نظر الدراسات الإسلامية المعاصرة وبقالب التناول الفلسفي الذي بني على التساؤلات ومحاولة إيجاد إجابة مقنعة لها.
وتشتمل هذه الدراسة على تمهيد وثلاث محاور (مقاربات) وخاتمة.
التمهيد: ويشتمل على: مفهوم حوار الحضارات (أين يكمن موطن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟).
المقاربة الأولى: موقف الإسلام من حوار الحضارات ومجالاته, ويشتمل على:
المطلب الأول: موقف الإسلام من حوار الحضارات.
المطلب الثاني: مجالات حوار الحضارات في الإسلام.
المقاربة الثانية: العلاقة بين الحضارات(استمدا وتكامل أم صراع وتغلب؟)
المقاربة الثالثة: مستقبل حوار الحضارات (كيف يمكن تصور حوار الحضارات في ظل عالم تتجاذبه مجموعة اتجاهات متباينة؟)
الخاتمة.
التمهيد: ويشتمل على: مفهوم حوار الحضارات.
(أين يكمن موطن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟)
إن أغلب التأسيس الفلسفي لمفهوم حوار الحضارات وإجراءاته كان متبايناً انطلاقاً من مفارقته في بنيته المعرفية وما تم التأسيس عليه أصلاً, فنجد أن بعض هذه الرؤى تنطلق من عمق فكري تجريدي محض, والأخرى ذات عمق ديني لا تنفك عنه, ونادراً ما نجد رؤية شمولية عامة تأخذ بالأبعاد كلها, وصولاً إلى رأي مقنع مقبول عند أغلبية المطلعين, فحوار الحضارات مفهوم مركب من حوار وحضارة, لذا يجدر بنا ضرورة تعريف الحوار ثم الحضارة.
مفهوم الحوار:
تعريف الحوار في اللغة: (مشتق من كلمة (حور), والحور: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء. والمحاورة المجاوبة. والتحاور: التجاوب, ومراجعة المنطق والكلام في المخاطبة)([1]).
ويراد بالحوار في الاصطلاح: (مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين لمعالجة قضية من قضايا الفكر والعلم والمعرفة بأسلوب متكافئ يغلب عليه طابع الهدوء والبعد عن الخصومة)([2]).
وقد قيل إنه: (عملية تبادل الأفكار والآراء بين محاورين اثنين أو أكثر لغرض بيان حقيقة مؤكدة أو رأي معين قد يتقبله الآخر, أو قد يرفضه. فإن ارتضاه فيكون حواراً قصيراً, أما إذا خالفه فيمكن أن يستمر الحوار بينهما لكي يقتنع الطرف الآخر, وقد لا يقنع الطرف الآخر, وحينئذ تبقى مسألة الخلاف قائمة بينهما؛ مما يؤدي إلى استمرار الحوار إلى أوقات أخرى)([3]).
مفهوم الحضارة:
الحضارة لغة: بفتح الحاء وكسرها- في دلالتها اللغوية, تعني:(الإقامة في الحضر وهي خلاف البادية)([4]).
الحضارة اصطلاحاً: وضحها ابن خلدون في مقدمته بأنها" تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه([5]), و(ابن خلدون هو أول من استخدم فكرة الحضارة كفكرة مستقلة, فالحضارة في مفهومه عكس البداوة)([6]).
تعريف الحضارة من منظور إسلامي:
للحضارة في المنظور الإسلامي إطلاق منفرد من الجيد التعرف عليه, فيقال أنها:(هي حضارة المجتمعات الإسلامية, وهي الحضارة التي أوجدها الدين الإسلامي, فهي تستمد مفاهيمها وأسسها من القرآن الكريم والسنة النبوية, والحضارة الإسلامية قامت مع قيام الدين الإسلامي وتأصلت وترسخت مفاهيمها في المجتمعات الإسلامية منذ البعثة النبوية الشريفة وحتى الآن, وهي تبسط سيطرتها وسيادتها على الإنتاج في مجال الحضارة, فيجب أن يحمل هذا الإنتاج المفاهيم الإسلامية)([7]), فلماذا الخوف من الحضارة الإسلامية؟, مع أنها حضارة أممية عالمية وليست عربية فحسب.
والمقصود بالحضارة هنا: مجموعة نواتج القيم التي تسير عليها أمة من الأمم.
والمقصود بالحوار هو المبني على احترام القيم وتقديرها في ظل إنصات وإصغاء, وتبادل للآراء وتقبلها, وليس في ظل الهيمنة والإقصاء, ومبدأ التبعية للأقوى, ويمثل صور هذا المبدأ ترحيب غاندي بالحضارة على أنه ليس لقضاء الحضارات على بعضها البعض, فقد قال:"... أريد أن تهب علي كل الحضارات لكنني أرفض أن تعصف بي" ففرق بين تداول الحضارات بعضها من بعض, وسعي بعض تلك الحضارات للقضاء على بعضها البعض.
(وقد تطور استخدام كلمة الحضارة فأصبحت تشير إلى وضعية الرقي والتقدم على مستوى الفرد والمجتمع. وأخذ هذا المفهوم يختلط ويتداخل مع مفهوم الثقافة, مما نتج عنه اضطراب وعدم ضبط بينهما, كما أن مفهوماً آخر وهو المدينة قد بدأ يختلط ويتداخل مع المفهومين السابقين)([8]). ولهذا فلابد من التطرق لمحاولة فهم الصلة بين الحضارة والثقافة.
الفرق بين الثقافة والحضارة:
إن من الإشكالات المنهجية لدى البعض هو عدم قدرتهم التفريق بين مفهومي الحضارة والثقافة, فالحضارات تتداخل وتتفاعل مع معطيات الثقافة, وهناك من يرى من المتخصصين قدراً من التقاطع بين مفهومي وتراكيب كل من الحضارة والثقافة, وفي هذا المحور سيتم تناول هذه الجدلية, هل من مكونات الحضارة الثقافة أم العكس؟
فنرى أنه قد (اقترنت كلمة ثقافة منذ أوائل القرن الثامن عشر بشقيقة لها هي كلمة حضارة, وكثيراً ما نجدهما متتاليتين في نصوص تلك الفترة, على الرغم من أنهما توجدان في حقل دلالي واحد فإنهما ليستا مترادفتين, فالثقافة هي ما يحققه الفرد من رُقي تختلف مقاييسه من مجتمع إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى, أما الحضارة فتعتبر حصيلة التقدم الذي تنجزه أمة أو مجموعة من الشعوب تنتمي إلى منبع واحد" العقيدة الدينية -اللغة– القومية التاريخية...." مهما تعددت أشكال التعبير عنه والحيز الجغرافي الذي حدثت فيه وقد يكون المقياس مدى التقدم المادي" الحضارة الصينية أو الرومانية أو الإسلامية أو الأوربية أو الأمريكية", أو التراث الفكري والأخلاقي والروحاني والجمالي كما هو الشأن في تلك الحضارات نفسها)([9]).
وعند التأمل في الحضارة نجد أنها تشمل على (معتقدات الإنسان وإنتاجه الفكري من فلسفة وآداب وعلوم وفنون إضافة إلى العادات والقيم والتقاليد كما تشمل أيضاً وسائل الإنتاج والتقنية, وإذا كانت التقنية تمثل جسم الحضارة, فإن الثقافة روحها. وهكذا تمثل الحضارة إبداع الإنسانية ومنجزاتها منذ وجودها وحتى الآن, سواء على الصعيد المادي أو المعنوي.
الحضارة = الجانب المعنوي+ الجانب المادي.
الحضارة = الثقافة + المدينة)([10]).
ونجد أن الثقافة كجزء من مكونات الحضارة له اعتباره في المواثيق والمعاهدات الدولية, كما ينص ميثاق الأمم المتحدة والعهود والاتفاقيات الدولية التي تحكم العلاقات المتبادلة بين الدول والشعوب على احترام التنوع الثقافي وأنها ذات قيمة بذاتها؛على الغير احترامها, وأن مجموع الثقافات تشكل إحدى مكونات الحضارة الإنسانية بأنساقها المتعددة وإن تباينت.
في حين يرى البعض (ضرورة الفصل بين الثقافة والحضارة, فيرى أن " الحضارة مقولة مادية", "والثقافة مقولة روحية"؛ فالحضارة هي الأشياء المادية التي يصنعها الإنسان: المدن والطرق والبيوت والمؤسسات الاجتماعية, وبعبارة أخرى هي جميع الأعمال التكنولوجية, والحضارة كذلك شمولية, عالمية وتعاونية وإنسانية).([11])
فالثقافة ما هي إلا فعل الترويض! لكن هناك نوع من القيم لها حالة استثنائية في المضاء والتأثر بها يفوق أي نوع من أنواع التأثير وسبله, وهذا ما تملكه الثقافة الروحية الإسلامية, فهي مؤثرة بذاتها حتى وإن تخلى عنها أهلها﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾([12]), إن المسير الأبرز والمكون الأساس لمنظومة الحضارات هو قيامها على قيم دينية سماوية, فهذا يعطيها قوة وتأثيراً أكبر.
ومما سبق يتضح لنا الصلة بين الثقافة والحضارة:
فإن الحضارة تنزع إلى العمومية, فبينما الثقافة هي جزء من الحضارة خاصة بأمة من الأمم, لا يشاركها فيه أحد, في حين أن الحضارة هي نسيج متكامل من مجموع ثقافات مكونة في مجموعها سياقاً حضارياً له أبعاده الحضارية المشتركة.
ومن خلال العرض السابق يمكن لنا توضيح المقصود بالمصطلح المركب (حوار الحضارات) في التالي:
مفهوم حوار الحضارات:
يعتبر مصطلح حوار الحضارات من المصطلحات الجديدة التي انتشرت مؤخراً في العالم, وما يزال لم تتحدد معالمه, إلا أنه في شكله العام يعني استبعاد العنف كوسيلة لحل الخلافات بين الكيانات الدولية, واختيار الحوار كبديل لتجاوز نقاط الاختلاف, ومحاولة تقبل الآخر وتسهيل سبل التواصل معه, أي أن يصبح الحوار تواصلاً إنسانياً يتعارف في ظله البشر ويتعاونون من أجل حياة أفضل للجميع مع الاحترام المتبادل للاختلافات العرقية, واللسانية, والثقافية, والدينية, والسياسية, في حياة الشعوب والأمم ([13]).
وهناك من يقسم الحوار بين الحضارات من جهة من يشارك فيه إلى: حوار الأنداد, وحوار الأضداد, فحوار الأنداد هو ما يتم بين حضارتين عميقتين ذاتا إرث تاريخي كبير وقيم راسخة واسعة, وحوار الأضداد هو ما يتم بين حضارتين تريان أن قيام حضارتهما لا يمكن أن يستمر ويقوى إلا بالقضاء على الحضارة الأخرى!, وهنا يكمن الخلل. ففعل حوار الحضارات دال على التقارب والتكامل والتجرد, لا على الإقصاء والقضاء على الآخر, (إن حوار الحضارات وحوار الثقافات سيظل مفهوماً ضبابياً ملتبساً إذا لم نبادر إلى ربطه باستراتيجية توازن المصالح من جهة, وإذا لم نرتفع به إلى المستوى الذي نقدم فيه تحليلات وردوداً مضادة وفي مستوى ما ينتجه الآخر من جهة ثانية)([14]).
تاريخ ظهور مفهوم حوار الحضارات:
إن حوار الحضارات مصطلح مبتكر جديد (ظهر على الساحة العالمية منذ سنوات قليلة, ويعد الرئيس الإيراني محمد خاتمي صاحب المبادرة الأولى في طرح هذا المصطلح حينما قدم اقتراحاً للأمم المتحدة عام 1997م يدعو فيه لإجراء حوار بين الحضارات بهدف إيجاد صيغة مشتركة للتعايش وإحلال السلام كبديل للصدام الحضاري الذي طرحه رجل الأمن القومي الأمريكي صموئيل هنتغتون عام 1993م)([15]). بعد انتهاء الحرب الباردة التي أعلنت انتصار وتفوق الرأسمالية الغربية.
وكانت مبادرة حوار الحضارات ترتكز على مبادئ خمسة هي (الأخلاق, الحرية, العدالة, الأمن, السلام) ثم بعد ذلك نشأ مفهوم (تحالف الحضارات).
ويحسن بنا لخوض غمار هذا الموضوع أن نتطرق لأبعاد الحضارة الإسلامية ومكوناتها كإحدى الحضارات العميقة التأثير, وهذا ما سيتم عرضه في العنوان القادم.
الحضارة الإسلامية:
إن الحضارة الإسلامية المجيدة التي انبثق نورها مع تنزل الوحي الرباني, وأصبحت ذات اسم راسخ في العالم نتج عنه تأثر العديد من الأمم والشعوب بتعاليم الإسلام وانبهارهم بأخلاقيات أهله؛كله كان انعكاساً لما تحمله هذه الحضارة من قيم راسخة مميزة كان لها القبول المباشر, واستمرت هذه الحضارة بالنمو حتى أوجدت لنفسها مكاناً لائقاً بين الحضارات الإنسانية الكبيرة. وعلى الرغم مما انتاب هذه الحضارة من مراحل إخفاق وأفول إلا أن مكوناتها العقدية الدينية والتشريعية الأخلاقية تمنحها القدرة على البقاء والتجدد الدائم.
(فسنة الله اقتضت أن يكون لبعض الحضارات السؤدد الحضاري في مقابل خمول البعض الآخر, وذلك لفترات زمانية محددة, ثم تتبدل الأدوار...وهكذا, مع الأخذ في الاعتبار أن سنة الله اقتضت أن تشكل الحضارة الإنسانية في مجملها سلسلة مشتركة الحلقات بين الأمم, بحيث تحمل كل حضارة بين طياتها مبدأ الأخذ من سابقتها, والعطاء للاحقتها. وبذلك تتحقق منظومة "التكامل" الإنسانية, وتمثل الحضارة الإسلامية حلقة هامة جداً -إن لم تكن أهم الحلقات- في سلسلة الحضارة الإنسانية التي لا يمكن أن يكتمل بناءها بعيداً عن أسس ومبادئ تلك الحضارة المجيدة) ([16]).
لقد كان للحضارة الإسلامية على امتدادها إسهام فاعل في تحولات الحضارة الإنسانية وازدهارها, ويتضح ذلك بما قدمته من عطاءات على المستويين المادي والنظري والتي استمرت آثارها إلى وقت حاضر ومن المنتظر لهذه الأمة أن تنهض من جديد وتسهم كما أسهمت من قبل.
فالحضارة الإسلامية تشغل مكاناً مرموقاً بين حضارات العالم المختلفة, وذلك بفضل ما قدمته للإنسانية جمعاء, وعلى وجه الخصوص في المجال العلمي التي أفادت منه الحضارات الأخرى وكانت بمثابة الأساس القوي المتين الذي قامت عليه الحضارة الغربية الحديثة, لذا لابد من الاعتراف بفضل الحضارة الإسلامية, واحترامها وحمايتها بدلاً من الحملات ضدها بين الحين والآخر للقضاء عليها ([17]).
إن ما يميز الحضارة الإسلامية قدرتها على التماهي مع كافة أنساق الحضارات الأخرى السابقة لها والمعاصرة على حد سواء, فقد تعاملت معها تعامل الند للند واعترفت بما لديها من مكتسب إنساني أخلاقي, واستطاعت أن تبرهن على ضعف وخطأ بعض الممارسات التي لا تستند على أصل قيمي ثقافي أخلاقي بكل هدوء وحكمة مستخدمة الأسلوب الرباني في التوجيه والإرشاد.
المقومات الأساسية للحضارة الإسلامية:
ترتكز الحضارة الإسلامية وتقوم على عدة دعائم مهمة أولها مصدرها الرباني وقيامها على أصل من المعتقد الصحيح وتوحيد الله, وبناء علاقة المرء بربه وبغيره, وسن التشريعات التي تحفظ للجميع حقوقهم, وكذا أصلها الأخلاقي السامي فهي تدعو إلى الحفاظ على الأخلاق الفاضلة, وتحث عليها, في حين يرى البعض (أن التركيز على الدين كمكون أساسي وحاكم في الهوية هو بمثابة ردة فعل للهجمات الغربية المتوالية على العالم الإسلامي)([18]), و(الحضارة مثل الكائن الحي تقوم في مجتمع أو أمة يؤمن أفرادها بالمعتقد الديني الذي قامت عليه الحضارة. أما الحضارة الميتة أو المندثرة, فهي الحضارة التي لم يعد هناك مجتمعات تؤمن بالمعتقد الديني الذي قامت عليه)([19]).
فهناك مقومات كثيرة جداً مشتركة بين الحضارات, وهو ما أطلقت عليه (المشترك العام بين الحضارات), وهذه الأمور المشتركة بين الحضارات أغلبها مفيد جداً في مجال التقدم العلمي, والاقتصادي, والصناعي, والتقني, أي في جانبها المادي.
(وحضارة الإسلام أعطت البشرية مكارم الأخلاق, ورسخت في المجتمعات الإنسانية معالم الأخوة والتسامح والتعايش وكرامة الإنسان, وخلفت أمة وحدها الفكر والمشاعر والارتباط بالله, أما الحضارة الغربية فقد قدمت للبشرية مع التقدم المادي كل ضروب العدوان والأثرة, والاستغلال والجشع, والعنصرية والغزو والقتل والاستبعاد, وخلفت في نختلف جنبات الأرض أشنع مظاهر الفقر والظلم, باعتراف خيرة علمائها ومفكريها)([20]), فحوار الحضارات ليس للمتعصب ولا لأحادي الثقافة المتشبث بها, بل يسود فيها الجانب الروحي وهو من طبيعة الإنسان.
إن الحضارة الإسلامية تدعو للحياة, والعمل الجاد المثمر, وكذا فإن من أهداف الحوار تحقيق التعايش السلمي والتناغم بين الشعوب.
خصائص الحضارة العربية الإسلامية:
تتميز الحضارة الإسلامية بالعديد من الخصائص منها أنها (حضارة إيمانية, وحضارة إنسانية, والنزعة السلمية والتسامح, الدعوة إلى الحرية والمساواة والعدل والإخاء والمحبة وتحرير الرقيق, النزعة الشورية, والنزعة العقلية, والنزعة الأخلاقية, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والتأمين والضمان الاجتماعي, والحضارة العربية الإسلامية حضارة عملية, والجهاد لتحقيق الدعوة الإسلامية, والتوازن بين المادة والروح)([21]), والذي يميز الحضارة الإسلامية أنها تقر بتعدد الحضارات لا تصادمها. وإمكانية أن تتعايش هذه الحضارات المتعددة بسلام في ظل عالم متعدد الأصول الحضارية.
(إن تأخر المسلمين وتخلفهم الذي نقر به ونعترف آسفين بوقوعه, إنما يرجع لإهمالهم وتراخيهم وتفرقهم, وبعدهم عن تعاليم ربهم, وليس نقصاً في دينهم)([22]).
السمات العامة للخصوصية الثقافية:
للحضارة الإسلامية جملة من السمات التي تميزها عن غيرها من الحضارات, وهي عوامل قوة لهذه الحضارة, وهي مسهم كبير في نضج الحضارة الإنسانية, فــــ(السمات العامة للخصوصية الثقافية: ارتباطها بالميراث الحضاري, وجاهزيتها للدفاع عن النفس, والجمع بين الثابت والمتغير, والاضطلاع بأدوار حضارية, وأنها وعاء يضم روافد مشتركة, والقدرة على الصمود والبقاء, وغلبة الطابع الديناميكي)([23]).
تحديات أمام الخصوصية الثقافية:
هناك تحديات تقف أمام الخصوصية الثقافية ومن ذلك:عقدة الخوف من الآخر, ومحاصرة اللغة العربية, وطغيان المادية المفرطة, والتخلف العلمي والتكنولوجي, ومساعي الهيمنة الغربية([24]).
مما سبق عرضه يتبين مكمن الخلل في فهم مقصد الحوار, بحيث أن كل فريق يكيف مقصد الحوار بين الحضارات من قبيل منطلقاته هو, دون أن تكون هناك أسس يتم الانطلاق منها, فهناك من يرى أن خيار حوار الحضارات خيار حتمي لا مناص عنه, ومن يرى أنه جهد ومضيعة للوقت ومناورة لكسب مواقف محددة سلفاً.
ومن هنا لا بد من التأكيد على ضرورة رسم خارطة واضحة المعالم للسير وفقها في هذا المسعى, مع التأكيد على أن تكون المقاصد نبيلة والأهداف معلنة محددة.
المقاربة الأولى: الموقف من حوار الحضارات ومجالاته. (ما الخيار الأمثل؟).
لتتضح مجريات حوار الحضارات ومجالاته لابد من الحديث عن الموقف العام من هذا الحوار, وبيان موقف الإسلام من حوار الحضارات ومجالاته.
المطلب الأول
موقف الإسلام من حوار الحضارات
يتأكد الحديث عن موقف الإسلام من حوار الحضارات ذلك أن القيم الإسلامية عنصر فاعل ومؤثر في مسيرة حوار الحضارات وهي موجهة له, وأحد أسس نجاحه واستمراريته, وللإسلام موقف مشرق من عموم الحوار, فهو يدعو له ويحث عليه ويؤسس لضوابطه وأصوله.
ونستطيع أن نجمل موقف الإسلام من حوار الحضارات في النقاط التالية:
أن الحوار قاعدة ثابتة من قواعد الإسلام, أرسى أركانها القرآن الكريم وجسدتها في الواقع السيرة النبوية الشريفة.
أن الأمة الإسلامية تقبل مبدأ الحوار وتساهم فيه بكل اقتدار نظراً لما تزخر به من قيم التسامح ومبادئ التكافل والتضامن والتعاون والإحسان.
من الدعائم القوية التي يقوم عليها الحوار في الإسلام أن الاختلاف بين الناس سنة من سنن الله في الوجود ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾([25]).
أن الكون قائم على التعددية سواء أكان ذلك في الشرائع أم في الأجناس والقوميات التي تبدو في اختلاف الألوان والألسنة, وأن هذا الاختلاف ليس للتصادم والعنف الذي يفضي إلى القضاء على الآخر وإفنائه, وإنما هو سبيل للتعارف ومن ثم للتعاون, فالتنوع في الإسلام تنوع تكامل وتعايش وليس تنوع تضاد وتصادم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([26]).
أن التعاون يقتضي بالضرورة الاعتراف بالآخر والتفاعل معه دونما تبعية, بحيث تكون علاقة المسلم بغيره علاقة الأداء المشترك لإنفاذ إرادة الله في عمارة الأرض بالخير.
أن التعارف مصطلح يمثل قيمة حضارية تستوعب جميع أشكال الاختلاف والتباين, وتؤسس لعلاقات إنسانية سوية تقوم على التعايش والتساكن وتبادل المصالح والمنافع.
تُعد سنة التدافع إحدى صور العلاقة التي تربط بين هذه الحضارات والثقافات المختلفة, فهو تعبير حي عن طبيعة النشاط الإنساني المعتاد, ويوحي بما يفرزه البشر بعضهم ببعض لقضاء مصالحهم ومزاولة وظيفتهم في الحياة من تنافس على حيازة الخيرات, وتحقيق المآرب, وإشباع الحاجات, والسير بالإنسانية دوماً إلى الأمام.([27])
فلسفة الإسلام قائمة على أنه لا يعمد إلى الصدام مع غيره من الثقافات بل يسعى للتعايش معها وعدم إقصاءها والقضاء عليها, ولهذا شواهده الكثيرة من التاريخ الإسلامي, فمن المهم تخليص الحضارات ذات الرغبة في التحاور من عقدة الذاتية المادية والرغبة في التغلب لذات التغلب, وإن محاولة رسم بنية الصراع أنه بين الغرب كعمق جغرافي والإسلام كإرث حضاري ثقافي هو محاولة لخلط الأوراق وتكريس مبدأ أن هوة الصراع مبعثها هو ارتكازها على أصل ديني ! فلماذا لم يقال: الصراع بين الغرب والشرق؟ مثلاً! أو الشمال والجنوب؟
فليس عامل النجاح في أي حضارة كانت قيامها باتهام الحضارات الأخرى أنها حضارات انحطاط!, إن انهيار الشيوعية كان سبباً في تصور كل من الغرب والعالم الإسلامي أنهما أصبحا أعداء بعد أن سقط العدو المشترك بينهما, فنتج عن ذلك تلك النظريات التي تؤجج العداء, كمحاولة للبحث عن عدو فحسب!.
إن الموقف يتطلب تسخير كافة الإمكانات المتاحة لتفعيل الحوار البناء وتعزيزه للوصول إلى قدر من المشتركات الإنسانية, والتعايش السلمي المدروس.
إن حاضرنا (يشهد في كل مراحل الزمن على الاختلاف والتعددية بين البشر, فلابد إذن من الحوار الذي يمثل الأداة الحضارية المثلى لضبط الاختلاف المذموم "اختلاف التصادم والتضاد", وإيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف المختلفة أفراداً وجماعات, لتفعيل قيم التعارف والتعاون بين الناس, والانفتاح عليهم, وفهم وجهات نظرهم, والاستفادة الإيجابية من معطياتهم, وتحقيق المصالح المشروعة معهم, ولا سيما في هذا العصر الذي يدخل العالم فيه مرحلة من المتغيرات الجذرية والتطورات والتحولات الكبرى والسريعة على مختلف الأصعدة, ويشهد ثورة هائلة من وسائل الاتصال والإعلام وتدفق المعلومات, وما تفرضه هذه الثورة من إمكانات غير مسبوقة للتواصل الثقافي والفكري والقيمي بين الأطراف المختلفة في الشعب الواحد وبين الشعوب الكثيرة المتعددة)([28]).
موقف أهل الإسلام تجاه الحضارات:
ويمكن عرض مواقف أهل الإسلام تجاه الحضارات وفق التالي([29]):
أولاً: موقف الرفض:
وهو يعبر عن موقف الصراع بين الحضارات بوضوح, لكونه لا يرى سبيلاً للتفاهم والتعايش مع تلك الحضارات.
ثانياً: الموقف التغريبي:
وهو عكس موقف الرفض تماماً, فهو لا يرى للإسلام أي تميز يذكر, ولا يشعر بأدنى مسؤولية عند الله تعالى, ويدعو إلى مشاركة الحضارات في فكرها وأدبها ونظرياتها وإنجازاتها والاندماج بها بدون تحفظ.
ثالثاً: الموقف التوفيقي:
هو بين الموقفين السابقين, فهو يلتقي مع موقف الرفض في أهمية الاستمساك بالأصول الإسلامية وعدم التفريط بها, ويلتقي مع موقف التغريب في توسيع مفهوم دائرة الدين المقبول, والاتجاه نحو العقلانية في فهم النصوص وتفسيرها, فهو يؤمن بمبدأ الحوار مع الحضارات, وتلاقحها, وتمازجها, بدون أي تحفظ.
رابعاً: الموقف التأصيلي (المحافظ):
يقف موقفاً وسطاً بين موقف أهل الرفض المتجاهل للحضارات العالمية, وموقف التغريبين والتوفيقيين الذين يمدون حبال الأخوة والمودة والصداقة والثقة المطلقة بالحضارات, موقف يقوم على مبدأين, التسامح مع الحضارات العالمية, مع أخذ الحذر. والثاني: العزة الإسلامية.
إن الحوار مع المغاير الديني له سبله وطرقه التي يلزم الإلمام به و(المسلك الذي سلكه الإسلام مع المغاير الديني؛ عبر التعارف والاحتضان, الذي يجوز أن نطلق عليه "التعددية الدينية" في مقابل "التعددية الثقافية" المطلوبة اليوم, هدفاً محموداً ومنشوداً في الزمن الحالي. وفي حقيقة الأمر ثمة تقارب لافت بين مفهوم التعارف الإسلامي, الذي سميناه تجاوزاً "التعددية الدينية" ومفهوم التعددية الثقافية-أو الحضارية-, جراء اشتراكهما في المقصد نفسه. إذ يهدف كلاهما إلى بناء وفاق اجتماعي منفتح على الأفق الإنساني, ينتفي منه التسلط ويراعي الخصوصيات ويقر بالتنوع)([30]).
حوار الإسلام مع الحضارات:
من الأهمية أن يكون للإسلام كعقيدة ربانية وكسلوك إنساني إسهامه الخاص في مجال حوار الحضارات, من منطلق مبعث الصفاء في تعاليمه, إن (حوار الإسلام مع الحضارات يبدو فيه؛ حوار عام: وهو مطلق التفاهم والتعاون بين الإسلام والحضارات الأخرى, وتبدو ملامحه جلية في عموم العلاقات الدولية في جانبها السلمي التعاوني, وحوار خاص: وهو عقد المحاورات والمناظرات العلمية بين الإسلام والحضارات, والحوار بنوعيه يمكن أن يكون وسيلة تفاهم وتعاون بين الأطراف المختلفة)([31]).
التلاقح الحضاري:
إن معرفة الموقف من حوار الحضارات لابد أن يبنى على أصل أن الحضارات كان بينها قدر من التمازج, وأن بعضها كان يأخذ من بعض في جانبها المادي على وجه الخصوص, إن (من أهم أهداف الحوار تحسين علاقة الإنسان بالإنسان, بل الدول بالدول؛ ذلك أن تلك العلاقات إن قامت على أساس الحوار, واعتمدت المنطق الذي يقوم على العقل, كُتب لها النجاح.والحوار ضرورة حتمية لا تستغني عنها أي حضارة في سبيل تطوير ذاتها, فمن المعروف أن عملية التلاقح الحضاري تتم من خلال الاقتباس, والنقل, والتبادل المعرفي, وهذه أمور متداولة بين الشعوب قاطبة, فكل حضارة أبدعت, ونقلت, وأخذت, وأعطت. ولم توجد حضارة أبدعت, ولم تنقل عن غيرها؛ فالنقل, والتلاقح, والتفاعل, والأخذ, والعطاء الثقافي ليس وباءً, وإنما ضرورة حضارية وظاهرة صحية)([32]).
وكما أن لكل أمة خصوصيتها في جانبها الحضاري, فإن للأمة الإسلامية خصوصيتها الروحية في هذا المجال, ولا يعني التلاقح الحضاري الانصهار في الغير والتخلي عن الثوابت والأصول (وهناك ضابط لا ينبغي تجاهله في أثناء إجراء الحوار بيننا وبين الشعوب والأمم الأخرى, يقوم على ضرورة التمييز بين ما هو مشترك إنساني عام, لا غضاضة في الانفتاح عليه وتقبله, والسعي إلى تحصيله, وبين ما هو خاص بالأمة ذاتها, فلا يفهم من الحوار والتلاقح الحضاري, أنهما أدوات لتذويب الثقافة والهوية الحضارية لأمتنا)([33]).
نماذج حوار الحضارات:
عند الحديث عن نماذج الإسلام في ثقافة حوار الحضارات فإنه لا يغيب عنا تلك الممارسات في صدر الإسلام زمن النبوة, والخلافة الراشدة, وما تبعها من أزمنة الفتوحات والاختلاط بالأمم الأخرى في الأمصار والبلدان, (ولابد من الحوار لبناء المفاهيم الصحيحة وإيضاح الحق للناس وهذا ما سلكه النبي e)([34]). ومن النماذج:
حوار النبي e مع يهود المدينة ومعاهدته معهم.
تفاعل المسلمون مع الحضارات الأخرى واختلاطهم بها في الفتوحات الإسلامية.
امتداد الدعوة الإسلامية على يد الدعاة والعلماء والتجار أتاحت مجالاً واسعاً للتعايش مع الحضارات الأخرى لا إلغاؤها, ومن أبرز النماذج الحضارية التي سجلها التاريخ؛ ما حصل في بلاد الأندلس (لقد قدم الإسلام تجربة تعايش ناجحة بين الأديان الثلاثة في الأندلس, أتاح فيها لدينين كتابيين الحضور والنشاط. وكانت عملية التوازن الديني والاجتماعي من إنتاج الإسلام وبرعايته, باعتباره الدين المهيمن.والإسلا في روحه يعترف بالآخر وهو ما يميزه عن غيره من الأديان. واللافت في التجربة الإسلامية الأندلسية أن المسيحي الذي تعايش معه الإسلام هو مسيحي غير عربي, ولا تربطه صلات وثيقة بالتراث الشرقي)([35]).
كما ينبغي الإشارة هنا إلى أن القيم الدينية لا تأخذ موقفاً ضد التمدن والصناعات المبتكرة, وما يساعد في رفاهية الإنسان, بل هي تفرزه وتقوية وتدعمه, فلا يتصور أن الدين يقف في وجه الحضارة والمدينة بل هي تشجع عليها.
وهكذا يتضح لنا موقف الإسلام من أصل حوار الحضارات, أن هذا الحوار إذا بني على أساس واضح سليم فإن أهل الإسلام يرحبون به ويدعمونه.
المطلب الثاني
مجالات حوار الحضارات في الإسلام
تتعدد مجالات حوار الحضارات في الإسلام وتتنوع بحسب موضوعها ومقصدها, فهناك حوار تعارف, وحوار تعلم, وحوار تقارب, وحوار تعايش, وحوار تبادل مصالح وتجارة...وهكذا, ويمكن التركيز هنا حول أبرز تلك المجالات الحيوية والتي لها مسيس صلة بحياة الناس ومعاشهم ومنها: الحوار في الشأن المشترك من أمر الدنيا, وتبادل المصالح, وسن القوانين الكفيلة بحماية الحقوق, ودفع الظلم, وهذا قد يأخذ الطابع الفردي أو المؤسسي العام.
فمنها قضايا و(مسائل حقوق الإنسان وأوضاع الديمقراطية, والتغطية الإعلامية للقضايا والاستفادة من تكنولوجيا الإعلام, والإنفاق على المشاريع الخيرية, وتنمية وتطوير التعليم والتعاون بين الجامعات, والمشاركة في الفعاليات والمناشط الثقافية للتعرف على ثقافات الأمم والشعوب)([36]), وحوار بين الأفراد (عامة الناس, أو النخب, علماء الدين ومفكرون وجامعيون ومثقفون وغيرهم, وحوار بين الشعوب, وحوار بين الجماعات, وحوار بين المذاهب, وحوار بين الحكومات -ثنائي أو في إطار المنظمات والمؤسسات-, وحوار مع الأديان الأخرى, وحوار مع المدنيات والحضارات الأخرى)([37]), وتشمل تلك المجالات الحوار بين أتباع الأديان, وهذا النوع له أصوله وضوابطه, وسنتعرف فيما يلي على جملة من أهداف وقواعد حوار الحضارات وأسسه, وشروط الحوار الحضاري.
أهداف حوار الحضارات:
يسعى مشروع حوار الحضارات إلى تحقيق حزمة من الأهداف اللحظية أو بعيدة المدى (تغيير الوعي الثقافي, وإحلال نظام عالمي جديد يتسق مع متطلبات المستقبل, وكبح جماح التصور الغربي التسلطي العنصري, وتغيير مفهوم الإنسان الغربي عن العالم, والانفتاح على الإمكانات المستقبلية, والمشاركة والتعاون بدلاً من التسلط والتصارع, والتخلي عن النزعة العنصرية الفردية, وإثراء الجوانب الروحية بملء الفراغ الروحي أو الديني)([38]), فلا يتصور أن يكون غاية حوار الحضارات وهدفه الأساسي تنازل أي من أطرافه عن معتقداته وقيمه؛ لكنه يُعد أرضية صلبة لفهم الآخر والتعامل معه وفق المشتركات والقيم السائدة, ثم تأتي الغلبة والتأثير لأكثر الأفكار والثقافات ملائمة للفطر السوية.
(إن من أبرز أهداف الحوار حل النزاعات بين الأفراد والمجتمعات والدول, وكذلك العمل على تجديد فكر الأمة, والنهوض بالمشروع الحضاري, فالتنوع والتعدد يفترض له أن يسهم في إثراء فكر الأمة في مختلف جوانبه العقائدية, والفكرية, والاقتصادية؛ وذلك في إطار ممارسة الفكر بطرقه السلمية عبر مقارعة الدليل بالدليل, والحجة بالحجة, في حوار ينفتح فيه الجميع وتتبادل فيه الآراء والطروحات الفكرية بموضوعية وعلمية بعيداً عن التعصب)([39]).
و(يشترط الحوار حيثما مورس شيئين: من جهة أرضية مشتركة, نقف عليها ونبدأ تعاوناً سلمياً مشتركاً, ومن جهة أخرى اختلاف الأصل, وخاصة اختلاف الاقتناع, الذي لو كان غائباً لما كنا في حاجة لحوار)([40])
ويمكن الحديث عن قواعد الحوار مع الحضارات وأسسه من خلال أن:
هل ما تطرحه الثقافة الإسلامية من أسس للحوار وضوابط له تُعدُ هي التأسيس المثالي أم يمكن له أن يتطور ويتماها مع الحاجات المتجددة؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي لنا النظر بتجرد لمعايير المرونة الكبرى المتمثلة بحدود هذه الأسس والأصول, ففيها قدر من الملائمة لظروف الناس, وحاجاتهم.
شروط الحوار الحضاري:
تتمثل شروط الحوار المتصل بالحضارات بجملة من المحددات يمكن إيرادها في التالي:
الإنسان كأرضية مشتركة للحوار يقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾([41]).
الشرط الأخلاقي لهذا الحوار, ويمكن أن يبنى وفق القيم العليا المشتركة.
العقل كآصرة وحدة فهو يعد مصدر ثانٍ يجمع بين كل الناس.
الحقيقة كشرط للتعاون المشترك.
الانطلاق دوماً من المشتركات, ونقاط الالتقاء.
ولا يعني هذا أوتوماتيكياً بأن الفلسفة ستعوض العقيدة الدينية, كما لا يعني بأنها ستقضي على الاختلافات العقائدية, لكنها ستساعد على إيجاد قاعدة عريضة, يمكن أن نؤسس عليها في عالمنا بأكمله([42]), ومن نواتج ذلك التأسيس تفعيل حوار الحضارات, ونورد هنا مزيداً من الشروط, ومنها:حسن صياغة الأفكار وجودة مضمونها وترتيب أولوياتها, وملاءمتها جو الحوار بما لا يخل بثوابتها, والندية والتكافؤ: حيازة قدر معقول من الأهلية الحضارية, وإعادة اكتشاف الآخر, والاحترام المتبادل, والتفاهم والتعاون([43]), واحترام خصوصية الآخر, والتسلح بالشجاعة العلمية, والانطلاق من القضايا المتفق عليها([44]).
يتبع