ابو وليد البحيرى
2019-09-21, 12:39 PM
بلاغة المتشابِه اللَّفظي بين التنكير والتعريف وأثره
في معاني ألفاظ آي القرآن الكريم
د. مأمون "محمد هاني" فوزي الخزاعي
ملخص البحث:
تناولت هذه الدراسة أحوال المفردة من حيث التنكير والتعريف، علماً أن المفردة لها أحوال كثيرة من تذكير الفعل وتأنيثه، واختلاف الحروف، واختلاف أبنية الألفاظ والأسماء. ولكن لضيق مجال البحث اقتصرت هذه الدراسة على الآيات المتشابهة في التنكير والتعريف، فكانت هذه الدراسة اختلاف المفردة من حيث كونها نكرة ومعرفة، ففي هذا البحث ذكرنا الآيتين المتشابهتين ثم أذكر القاعدة، ثم بعد ذلك أبسط الآراء التي ذُكرت حول هذه الآيات للوصول إلى التوجيه المناسب لهذه القاعدة أو تلك, كل ذلك يبرهن على أن القرآن كان ولا يزال وسيظل خير عون للدارسين والمتخصصين في الأبحاث الفقهية والنحوية واللغوية. فضلاً عن إعانته الباحثين في العلوم الأخرى، فهو كتاب نحو ولغة وتشريع، وإني إذ أضع هذا البحث بين يدي المعنيين بهذا النمط من الدراسة، فإني لأرجو منهم خالص الدعوات في أن يجعلني الله من المخلصين له في كل عمل أبتغيه حتى يؤتي ثماره في النفع لخيري الدنيا والآخرة، سائلاً المولى جل جلاله أن يوفقنا لما فيه خير الشريعة ولغتها الغراء.
Abstract:
This study deals with the cases of a single word according to the definiteness and indefiniteness. Knowing that a single word has many cases from Masculinity and Feminization of Verb, the difference of letters and the different structures of pronunciations and nouns. Because of Limitedness of the research, This study is limited to the similar quranic verses according to definiteness and indefiniteness , and this study included the difference of a single word according to definiteness and indefiniteness. In this research we mentioned both of two similar quranic verses then we mentioned the rule. After that We show opinions which were mentioned about these verses to draw appropriate Conclusions for this or that rule. All of that prove that the holy Quran is still and will remain as before the best support and the specialists in all fields such as doctrinal, grammatical and linguistic researches as well as It helps researchers in other sciences and It is a book for grammar, language and legislation. I put this research in the handles of specialists who are interested in this kind of this study, I ask them the sincere Supplications that may God makes me be loyal to him in all work which I do to fructify the benefit and the interest for a better world and the best of in the. Hereafter. Asking Allah Almighty to help us all for the good of Islamic legal system and its beautiful language and may Allah- exalted and majestic guide. us all to right path and lead us to success in this life and the after .
المقدمة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصبحه ومن والاه وبعد: تنزلت آيات القرآن الكريم على العرب وفيهم الشعراء والخطباء وهم أهل الفصاحة والبيان، فآمن منهم من كان يبتغي الحق، إذ تيقن أن هذا الكلام ليس من كلام البشر، فاستجاب لله وللرسول إذ دعاه لما يُحييه، وأما من أخذته العزة بإثمه فقد أقامه على كفره مع تبين الحق له وإقراره بعلوّ آيات القرآن على كلام فصحاء العرب وبلغائهم وشعرائهم، وأصرَّ على ضلاله، ودعا قومه إلى تجنب استماع القرآن وإلى التشويش حتى لا يطرق آذان سامعيه فتنفتح له قلوبهم: ﴿وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون﴾ [26، فصلت].
وكتب الله سبحانه لدينه أن ينتشر، ولكلامه العزيز أن يخالط القلوب فيكون ربيعها، وتردده الأفواه على اختلاف ألسنتها. ومضى زمن الفصاحة الفطرية والبيان السليقي، وصار المتأمل لآيات الكتاب الكريم يقف عند بعض ما تقارب معناه وتنوع لفظه، يقلب الفكر في عبارته ويسأل عن تقديم اللفظ هنا وتأخيره هناك، وعن ذكره في هذه الآية وحذفه في تلك، وعن استعمال الاسم في موضع واستعمال الفعل في موضع، وغير هذا مما لم يكن أمره غائباً عن الأمة في أيام تنزّل القرآن. فانبرى لذلك علماء الأمة يوضّحون ويبيّنون جاهدين في تقريب الأفهام إلى ما كان العربي يدركه من اللغة بالفطرة والسليقة.
ولدينا الإقرار واليقين بأن كلام الله سبحانه لا تنقضي عجائبه، وأن كل كلمة فيه جاءت في مكانها الذي لا يغني عنها فيه مجيء ما رادفه من الألفاظ، وأن كل آية جاءت في مكانها الذي لا يغني عنها فيه مجيء آية مقاربة من موضع آخر, فتناول هذا البحث اختلاف أبنية الألفاظ فدرسنا اختلاف المفردة من حيث كونها نكرة ومعرفة، ففي هذا البحث ذكرنا الآيتين المشابهتين –والآيات المتشابهة– ثم أذكر هذه القاعدة، ثم بعد ذلك أبسط الآراء التي ذُكرت حول هذه الآيات، ونخلص إلى توجيه مناسب لهذه القاعدة أو تلك, فإني أقر بأني لم أوفِ هذا الموضوع حقه من الدراسة، ولكن أرجو أن أكون قد أوفيته بعض حقه. ولا يخلو عمل ابن آدم من الخطأ والزلل، فما كان في البحث من صواب فهو من فضل الله تعالى وله الحمد أولاً وآخراً، وما كان فيه من غير ذلك فمن نفسي، وأسأل الله تعالى أن لا يحرمني اجر المجتهدين.
متشابه القرآن:
تعريفهُ:
الشِّبْه في اللغة: المِثْل. نقول (هو شِبْهه) أي مِثْله، ومعنى المتشابه: المتماثل. جاء في (لسان العرب): (تشِّبْه الشَّبَه والشَّبيه: المِثل، والجمع أشباه. وأشبه الشيءُ الشيءِ: ماثله…وشبَّهه به)([1]).
مما سبق يتضح أن الكلمة مجردة ومزيدة -على اختلاف أحرف زيادتها– تعطي معنى المثل وما يتصرف منه.
أما المتشابه في الاصطلاح فينقسم إلى قسمين:
أحدهما: المقابل للحكم وهو (ما أُمرتَ أن تؤمن به وتَكِلُ علمه إلى عالمه… وقيل: ما لا يدرى إلا بالتأويل ولا بد من صرفه إليه… وقيل: ما يحتمل وجوهاً… وقيل: ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره)([2]).
والثاني: المتشابه اللفظي: وهو (إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة)([3]).
وما يهمنا في بحثنا هذا المتشابه اللفظي، وهو النوع الثاني من المتشابه.
أنواع المتشابه اللفظي:
ينقسم المتشابه اللفظي على أقسام. وقد ذكر الزركشي (ت 794هـ) في كتابه (البرهان) ثمانية منها وهي:
ما كان موضع على نظم وفي آخر على عكسه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿والنصارى والصابئين﴾ [البقرة: 6]، وقوله: ﴿والصابئين والنصارى﴾ [الحج: 17].
ما يشتبه بالزيادة والنقصان نحو قوله سبحانه: ﴿ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ [البقرة: 57].
ما اختلف في التقديم والتأخير، وهو قريب من الأول, نحو قوله تعالى: ﴿ويُعلمُهُم الكتاب والحكمة ويزكيهم﴾ [البقرة: 129]، وقوله: ﴿ويُزكيهم ويُعلمُهُمَ الكتاب والحكمة﴾ [الجمعة:2].
ما اختلف في التعريف والتنكير نحو قوله تعالى: ﴿اجعل هذا البلدَ آمناً﴾ [إبراهيم:35]، وقوله: ﴿اجعل هذا بلداً آمناً﴾ [البقرة:126].
ما اختلف في الإفراد والجمع نحو قوله جَلَّ وعلا: ﴿لن تَمسَّنا النار إلا أياماً معدودة﴾ [البقرة:80]، وقوله تعالى: ﴿إلا أيّاماً معدودات﴾ [آل عمران:34].
ما كان في موضع على حرف، وفي موضع آخر على حرف غيره نحو قوله جل وعلا: ﴿ءامنتم به﴾ [الأعراف:123]، وقوله ﴿ءامنُتم له﴾ [طه:71].
ما كان في موضع على كلمة، وفي موضع آخر على كلمة قريبة من معناها نحو قوله تعالى: ﴿فانفجرت﴾ [البقرة:60]، وقوله: ﴿فانبجست﴾ [الأعراف:160].
ما اختلف في الإدغام وتركه نحو قوله تعالى: ﴿يتضَّرعون﴾ [الأنعام:42]، وقوله: ﴿يضّرّعون﴾ [الأعراف:94].
النكرة والمعرفة:
يُعرّف النحاة النكرة بأنه ما كان شائعاً في جنس موجوداً أو مقدّر، والمعرفة ما استعمل في شيء بعينه([4]).
وقد وردت آيات متشابهة تختلف مفرداتها من حيث التنكير والتعريف، حيث وردت في مكان نكرة وفي مكان آخر شبيه به معرفة. وهناك وقفات على هذه الآيات وتوجيهات لها وكان الاستناد فيها على الفرق بين النكرة والمعرفة، من ذلك قوله تعالى: ﴿وضُربتْ عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق﴾ [البقرة:61] بتعريف (الحق).
وبتنكيره في قوله: ﴿إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتُلُون النبيين بغير حقٍ﴾ [آل عمران:21]، وقوله: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون﴾ [آل عمران:112].
نقول سبب تعريف (الحق) في آية البقرة دون آيتي آل عمران، إن معنى قوله ﴿بغير حق﴾ أي بغير سبب ولا شبهة، وبتعبير آخر: بلا وجه من وجوه الحق وذلك أوغل في ذمهم وسوء حالهم. ومعنى قوله: ﴿بغير حق﴾ أي بغير وجه الحق المبيح للقتل المتقرر في شريعتهم. فالألف واللام للعهد، أي أن الحق المبيح للقتل معروف لديهم، ومعنى هذا أن آيتي آل عمران أشد ذمَّاً لهم من آية البقرة([5]).
وقد ذهب إلى هذا الرأي كثير من العلماء، جاء في (تفسير الرازي) مثلاً: أن الحق المذكور بحرف التعريف إشارة إلى الحق المعلوم فيما بين المسلمين الذين يوجب القتل، وأما الحق المنكر فالمراد به تأكيد العموم، أي لم يكن هناك حق أصلاً لا هذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره ألبتة([6]).
وقد قال آخرون: إن آية البقرة والآية الثانية من آيتي آل عمران فقالوا: "إن كلمة (الحق) المعرّفة في آية البقرة تدل على أنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير الحق الذي يدعو إلى القتل، والحق الذي يدعو إلى القتل معروف معلوم. وأما النكرة فمعناها أنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير الحق أصلاً لا حق يدعو إلى قتل ولا غيره. أي ليس هناك وجه من وجوه الحق يدعو إلى إيذاء الأنبياء فضلاً عن قتلهم. فكلمة (حق) ههنا نكرة عامة، وكذلك (الحق) معرّفة معلومة. والقصد من التنكير (حق) ههنا نكرة عامة، وكذلك (الحق) معرّفة معلومة. والقصد من التنكير الزيادة في ذمهم وتبشيع فعلهم أكثر مما في التعريف، وذلك لأن التعريف معناه أنهم قتلوا الأنبياء بغير سبب يدعو إلى القتل، وأما التنكير، فمعناه أنهم قتلوا الأنبياء بغير سبب أصلاً لا سبب يدعو إلى القتل ولا غيره. فمقام التبشيع وألزم ههنا أكبر من تم وكلاهما شنيع وذميم، فجاء بالتنكير في مقام الزيادة في ذمهم([7]).
إن الذم وتبشيع الفعل في آية آل عمران أكبر منه في آية البقرة، "ففي سورة البقرة جمع ﴿الذلة والمسكنة﴾، وأما في آية آل عمران فقد أكّد وكرر وعممّ فقال: ﴿ضُربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا﴾ [آل عمران:112] فجعلها عامة، ثم قال: ﴿وضُربتْ عليهم المسكنة﴾ [آل عمران:112]. فأعاد الفعل وحرف الجر للزيادة في التوكيد… ثم أنه ذكر الجمع في آية البقرة بصورة القلة فقال: ﴿ويقتلون النبيين﴾ وذكره في آية آل عمران بصورة الكثرة فقال: ﴿ويقتلون الأنبياء﴾ أي يقتلون العدد الكثير من الأنبياء بغير حق. فالتشنيع عليهم والعيب على فعلهم وذمهم في سورة آل عمران أشد"([8]).
ومن الآيات المتشابهة التي اختلفت مفرداتها تنكيراً وتعريفاً قول الله تعالى: ﴿والذين يُتوفَّون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفُسهنَّ أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهنَّ فلا جُناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنَّ بالمعروف﴾.
فقد ورد (المعروف) في هذه الآية معرّفاً، في حين ورد مُنكّراً في قوله: ﴿والذين يُتوفَون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحْول غَيْرَ إخراج فإن خرجن فلا جُناح عليكم في ما فعلن في أنفسِهن من معروف﴾ [البقرة:24].
يبين ابن الزبير سبب ذلك فيقول: إن المراد بالمعروف في الآية الأولى الوجه الذي لا ينكره الشرع ولا يمنعهُ. وأما الآية الثانية فهي إشارة إلى تفصيل ما يفعلن في أنفسهن من التزين والتعرض للخاطبين, وما إلى ذلك من أوجه المعروف مما هو مباح شرعاً([9]).
ويرى الخطيب الإسكافي أن المقصود بـ(المعروف) المعرفة في الآية الأولى الزواج خاصة، وأما غير المعرّفة فيراد به ما لم يستنكر فعله من خروج أو تزيّن ونحوه فيقول: (إن الأول معلق بقوله: ﴿والذين يُتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهرٍ وعشراً فإذا بلغن أجَلهُنّ فلا جُناح عليكم فيما فَعَلْنَ في أنفُسِهن بالمعروف﴾, أي: لا جناح عليكم في أن يفعلن في أنفسهن بأمر الله، وهو ما أباحه لهن من التزوج بعد انقضاء العدة. والثاني المراد به: فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من جملة الأفعال التي لهن أن يفعلن من تزوج أو قعود، فالمعروف ههنا فعل من أفعالهن يعرف في الدين جوازه وهو بعض ما لهن أن يفعلنه([10]).
وممن ذهب هذا المذهب بدر الدين بن جماعة، حيث قال: (إن المراد بالآية الأولى ما شرعه الله تعالى من الأحكام، وبذلك عرّفه بالألف واللام وبالإلصاق. وفيما فعلن: أي من التعرض للخُطاب بالمعروف. والمراد بالثانية: أفعالهن بأنفسهن من مباح يتخيرنه من تزين للخطّاب وتزويج أو قعود أو سفر أو غير ذلك مما لهن فعله، ولذلك نكّره وجاء فيه بـ (من))([11]).
وهناك أمور عدة تدل على ذلك (منها أن الآية الأولى ذكر فيها قوله: ﴿يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا﴾ [البقرة:234]. فقوله: ﴿يتربصن﴾, معناه: يصبّرن أنفسهن هذه المدة ليتسنى لهن الزواج، ثم ذكر العدة التي يحق لهن الزواج بعدها. ثم جاء بالباء الدالة على الإلصاق، والزواج إلصاق كما قال تعالى: ﴿هُنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن﴾ [البقرة:187]. وليس في الأمر كذلك في الآية الأخرى، فإنه ليس هناك ذكر للتربّص ولا للعدة التي يحق لهن التزوج بعدها. ومن ناحية أخرى أنه عرّف (المعروف) المقصود به الزواج لأن الزواج شيء واحد معروف ونكّر الثاني لأنه لم يقصد به فعل معين، بل ما كان مباحاً لهن في الشرع فنكّره لذلك)([12]).
أنواع المعارف:
المعرفة أنواعها عديدة، فمنها المعرّف بالإضافة والاسم الموصول والضمير, وقد نقف على آيتين متشابهتين فيهما مفردتان معرفتان لكنهما تختلفان في نوع التعريف، فتردُ إحداهما معرّفة بـ (أل) والأخرى بالإضافة. وقد يكون الاختلاف في الضمير أو الاسم الموصول، فالضمير قد يرد في موطن مذكراً وفي موطن آخر مؤنثاً أو ظاهراً في مكان ومستتراً في مكان آخر، وأما الاسم الموصول فقد نقف على استعمال (الذي) في آية، و(ما) في آية أخرى شبيهة بها، أو (مَنْ) في موطن، و(ما) في موطن آخر.. وهكذا.
1. المعرّف بأل والإضافة:
ففي القرآن الكريم آيات متشابهة فيها مفردات تختلف في نوع التعريف، فترد في موطن معرّفة بـ (أل) وفي موطن آخر معرّفة بالإضافة، من ذلك قوله تعالى: ﴿وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين﴾ [الحجر:35], بتعريف اللعنة بـ(أل)، وبتعريفها بالإضافة في قوله سبحانه: ﴿وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين﴾ [سورة ص:78].
وسبب ذلك في أنه آية ص: ﴿ما منعك أن تسجد لما خَلَقْتُ بيديَّ﴾ [ص:75]. كانت إضافة اللعنة إلى ياء المتكلم مناسبة لإضافة اليدين إليه، ولما لم يكن كذلك في الحجر قال (اللعنة)([13]). وقال إلى هذا الرأي الخطيب الإسكافي([14])، والمناسبة عنده لفظية. "ثم إنه في قصة (ص) ذكر نفسه أكثر مما في الحجر، فإنه ذكر نفسه في (ص) ست مرات وفي الحجر ثلاث مرات. قال في الحجر: ﴿فإذا سوّيتُهُ ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ [الحجر:29]. وقال في (ص) مثل ذلك وزاد عليه قوله: ﴿ما منعك أن تسجُدَ لما خلقتُ بيديّ﴾ [ص:75]، وقوله: ﴿وإن عليك لعنتي﴾, فكان كل تعبير مناسباً لجو القصة التي ورد فيها"([15]).
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يا أيُّها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يَبْلُغوا الحُلُم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ ليس عليكم جُناح بعدهُنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يُبين اللهُ لكم الآيات والله عليم حكيم﴾ [النور:58].
يرى ابن الزبير أن سبب ذلك هو أن (الآيات) تكررت في مكانين متقاربين، فعدل عن تكرارها بلفظها لأن العرب تستثقل تكرار اللفظ الواحد بعينه فيما تقارب من الكلام إلا إذا اقتضى المعنى ذلك، (وكانت الثانية هي المضافة لأنها مع ما تعطيه من النسبة مُبيّنة للأولى بياناً تأكيدياً، إذ من المعلوم أنها آياتهُ سبحانه)([16]).
ويقول الخطيب الإسكافي: عبّر في الآية الأولى بالآيات "لما لم يكن تبين الأوقات من الأفعال التي تتخصص بدقرته. ولما كان بلوغ الحُلم مما يختص بفعله ولم يقدر فاعل على مثل أضافه إلى نفسه فقال: ﴿كذلك يُبين الله لكم آياته﴾ [النور:59].
ويوضح بدر الدين بن جماعة هذا الرأي فيقول: لما كان الاستئذان في هذه الأوقات من أفعال العباد قال: ﴿الآيات﴾ بتعريفها بـ(أل) التعريف. وأما بلوغ الحُلم فهو من فعله تبارك وتعالي لا من فعل العبد ولذلك نسب الآيات إلى نفسه فقال: ﴿آياته﴾ لاختصاص الله تعالى بذلك([17]).
2. الضمير:
ذكرنا أن في القرآن الكريم آيات متشابهة تختلف في ضمائرها، حيث يرد الضمير مذكراً في موطن منها ومؤنثاً في موطن آخر نحو قوله تعالى: ﴿نُسقيكم مما في بُطونه﴾ [النحل:66]، وقوله: ﴿نُسقيكم مّما في بطونها﴾ [المؤمنون:22]. ويَردُ مستتراً تارة وبارزاً تارة أخرى وذلك نحو قوله تعالى: ﴿ومنهم مَنْ يستمع إليك﴾ [الأنعام:25]. وقوله: ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾, ولا بدّ أن يكون لهذا الاختلاف سببه. ونريد أن نقض على نماذج مما ذكره ابن الزبير لنرى رأيه في سبب التخصيص ونقارنه مع باقي الآراء.
فمن الآيات التي اختلف فيها الضمير تذكيراً وتأنيثاً قوله تعالى: ﴿وإن لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين﴾ [النحل:66]. وقوله: ﴿وإن لكم في الأنعام لعبرة مما في بُطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفُلك تُحملون﴾ [المؤمنون:22].
نلاحظ أنه قال في آية النحل: ﴿بطونه﴾, وفي آية المؤمنون: ﴿بطونها﴾, مع أن الضمير في كلتا الآيتين يعود على الأنعام، فما سبب هذا التخصيص؟.
يذكر النحاة أن الضمير المؤنث يؤتى به للدلالة على الكثرة بخلاف الضمير المذكر فإنه يؤتى به للدلالة على القلّة([18]). وقد أتى الضمير في آية النحل مذكراً وفي آية المؤمنون مؤنثاً، وهذا يعني أن الأنعام في آية المؤمنون أكثر منها في آية النحل.
ولم يوجه ابن الزبير هاتين الآيتين بناءً على ما ذكرنا في إفادة الضمير المذكر القلة والضمير المؤنث الكثيرة، ولكن وجههما توجيهاً لفظياً فقال: إن تأنيث الضمير في كلمة ﴿بطونها﴾ يناسب تأنيثه في الكلمات التي بعدها وهي (فيها, منها, عليها). أمّا إفراد الضمير وتذكيره في سور النحل فالمراد به الجنس([19]).
وأما الطيب الإسكافي وغيره من العلماء فقد وجهوهما بناءً على ما ذكرنا من إفادة الضمير المذكر من القلة والضمير المؤنث من الكثرة فقالوا: إن المراد بالأنعام، واللبن لا يخرج من جميع الأنعام بل يخرج من بعض إناثها. وليس كذلك في آية (المؤمنون) لأن الكلام فيها على منافع الأنعام من لبن وغيره، قال تعالى: ﴿نُسقيكم مما في بُطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون* وعليها على الفُلك تحملون﴾ [المؤمنون:22]. وهذه المنافع تَعُمُّ جميع الأنعام ذكورها وإناثها، صغارها وكبارها. فجاء بالضمير المذكر مع الأنعام التي يستخلص منها اللبن وذلك لأنها أقل من عموم الأنعام، وجاء بالضمير المؤنث مع عموم الأنعام([20]).
ودلالة التذكير على التقليل والتأنيث على الكثير, نجده "في مواطن عدة كالضمير وأسماء الإشارة وغيرهما وذلك نحو قوله تعالى: ﴿وقال نِسوةٌ﴾ [يوسف:30] بتذكير الفعل (قال)، وقوله: ﴿قالت الأعراب آمنا﴾ [الحجرات:14] بتأنيث الفعل، فإن التذكير يدل على أن النسوة قلّة بخلاف التأنيث([21]).
ومن ذلك قوله تعالى في موطن: ﴿ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأُبرئُ الأكمه والأبرص وأُحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم﴾ [آل عمران:49]، بتذكير الضمير في قوله: ﴿فأنفخ فيه﴾.
وقوله في موطن آخر: ﴿وإذ تخلُقُ من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتُبرئُ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني﴾ [المائدة:110]، بتأنيث الضمير في قوله: ﴿فتنفخ فيها﴾, رأى الزمخشري أن في آية آل عمران أعاد الضمير على الكاف في ﴿كهيئة﴾ أي انفخ في المِثْل، والكاف هنا بمعنى (مِثْل)، أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير، فأعاد الضمير بالتذكير، لأن المِثْل مُذكر([22]).
وأمّا في آية المائدة فقد قال تعالى: ﴿وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها﴾, فأعاد الضمير على الكاف (لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى عليه السلام وينفخ فيها، ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا من نفخه في شيء)([23]). وذهب الفراء إلى أن الضمير يعود على الهيئة وهي مؤنثة([24]).
وجاء في (البحر المحيط) أنه جوّز بعضهم عود الضمير على الهيئة (على تقدير: إذ تخلق من الطير طائراً صورة مثل صورة الطائر الحقيقي فتنفخ فيها فيكون طائراً حقيقة بإذن الله)([25]).
ويرى الدكتور فاضل السامرائي أن: "لا مانع من عود الضمير على الهيئة… لأن الهيئة صورة الشيء وشكله، والمعنى أنه ينفخ فيما هو على صورة الطائر وشكله، وهذه الهيئة صنعها هو من الطين، فلا يلزم ما قاله المانعون"([26]), ولابن الزبير توجيه آخر للآيتين وهو أنه: (ورد قبل ضمير آية آل عمران من لدن قوله تعالى: ﴿وما كنت لديهم إذ يُلقون أقلامهم﴾ إلى قوله: ﴿فانفخ فيه﴾ نحو من عشرين ضميراً من ضمائر المذكر، فورد الضمير في قوله: ﴿فانفخ فيه﴾ مذكراً ليناسب ما تقدمه, أما آية العقود([27]) فمفتتحة بقوله تعالى: ﴿اذكر نعمتي عليك﴾، وخلقه الطائر ونفخه فيه من أجلِّ نعمه تعالى عليه لتأييده بذلك، فناسب ذلك تأنيث الضمير، ولم تكثر الضمائر هنا ككثرتها هناك، فجاء كل من الآيتين على أتم المناسبة)([28]).
وهناك توجيه ثالث لهما استفيد مما يدل عليه الضمير المذكر من القلة والضمير المؤنث من الكثرة وهو (أن آية آل عمران من كلام المسيح عليه السلام في ابتداء تحديه بالمعجزة المذكورة ولم تكن صورة بعد فَحَسُن التذكير والإفراد, وآية المائدة من كلام الله تعالى له يوم القيامة معدداً نعمه عليه بعدما مضت وكان قد أنفق ذلك منه مرات، فحسن التأنيث لجماعة ما صوّره من ذلك ونفخ فيه)([29]). "ومن الطريف أن نذكر أيضاً أنه في آية آل عمران كان الكلام في الدنيا فأعاد الضمير على اللفظ المتقدم وهو الكاف، ذلك أن الدنيا متقدمة على الآخرة. وأعاد الضمير على اللفظ المتأخر في المائدة وهو الهيئة لأن لكلام إنما هو في الآخرة إنما تأتي بعد الدنيا. فناسب كل تعبير الزمن الذي قيل فيه"([30]).
ومن الآيات التي اختلف فيها الضمير بروزاً واستتاراً قوله تعالى: ﴿ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً﴾ [الأنعام:25]. فقد أتى ضمير الفعل ﴿يستمع﴾ مستتراً، في حين أتى بارزاً في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تُسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون﴾ [يونس:42].
يقول النحاة: إن اللفظين (مَنْ، ما) مقدران مذكران. ويجوز مراعاة لفظهما –أي: الإفراد والتذكير– ويجوز مراعاة معناهما. جاء في (الكتاب): "هذا باب إجرائهم صلة (مَنْ) وخبره إذا عُنيت اثنتين كصلة (اللذين) وإذا عنيت جميعاً كصلة (الذين)، فمن ذلك قوله عز وجل: ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾([31]).
وجاء في (المقتضب) أن (مّنْ) "تكون جمعاً على لفظ الواحد وكذلك الاثنان، قال الله عز وجل: (ومنهم من يستمع إليك) وقال: ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾, وقال ﴿ومنهم من يؤمن به﴾ [يونس:40]، فحُمل على اللفظ. وقال: ﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو مُحسِنٌ فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ [البقرة:112], فحمل مرة على اللفظ ومرة على المعنى([32]).
وجاء في (همع الهوامع): "ويجوز مراعاة اللفظ في ضمير (من وما وأل)… لأنها في اللفظ مفردة مذكرة، فإن عني بها غير ذلك جاز مراعاة المعنى أيضاً، والأحسن مراعاة اللفظ لأنه الأكثر في كلام العرب، قال تعالى: (وفيهم من يستمع إليك)([33]).
ويبدو لي أن مراعاة اللفظ هو الأكثر وليس الأحسن-كما قال السيوطي- ولو كان الأحسن ما روعي المعنى في قوله تعالى: ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾. وإذا كان من الجائز مراعاة اللفظ والمعنى في ضمير (مَنْ، وما, وأل) فإنه لا بد من أن يكون في الكلام البليغ مرجح لمراعاة اللفظ أو مراعاة المعنى، وخير دليل على ذلك الاستعمال القرآني، فقد راعى القرآن الكريم اللفظ مرة والمعنى مرة أخرى وفق ما يقتضيه سياق النص.
ولنعد بعد هذه المقدمة إلى آيتي الأنعام ويونس لنرى سبب الحمل على اللفظ في آية الأنعام وعلى المعنى في آية يونس من خلال توجيهات ابن الزبير وغيره من العلماء, إذ يرى ابن الزبير أن سبب الحمل على اللفظ في آية الأنعام هو أنه قد اقترن بها ما يبين أن المستمعين جماعة وذلك في قوله تعالى: ﴿وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً﴾, فجاء الفعل مسنداً إلى واو الجماعة لئلا يتوهم أن المستمع واحد([34]), وذهب غيره من العلماء إلى أن سبب ذلك هو أن آية الأنعام نزلت في قوم قليلي العدد هم أبو سفيان والنضر بن الحارث وعتبة وشعيبة وأمية بن خلف، فحمل على اللفظ لقلتهم, وأما آية يونس فإنها نزلت في جميع الكفار، فحمل على المعنى المعنى لكثرتهم([35]). وقد حسن الربط ما بين قوله: (يستمع) وقلة العدد، وقوله: (يستمعون) وكثرته.
وهناك من يرى أن السبب هو "أن المستمعين في آية يونس أكثر وأن مواقع الاستماع مختلفة في قلوب السامعين، بخلاف المستمعين في آيتي الأنعام ومحمد([36])، ذلك أن المستمعين في آية الأنعام على نمط واحد وهم من الكفرة الذين لا يفقهون ولا يسمعون، فقد قال فيهم:
وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه.
وفي آذانهم وقراً.
وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها.
وذكر صفات أخرى تزيد في عنادهم وكفرهم.
فهؤلاء كأنهم مستمع رافض واحد، فمواقع الاستماع عندهم واحدة… وليس الأمر كذلك في آية يونس، فقد قال قبل هذه الآية: ﴿ومنهم مَنْ يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به﴾ [يونس:40], وعلى هذا فالمستمعون ههنا أكثر من صنف: صنف مؤمن وصنف كافر فوحّد المستمعين في آيتي الأنعام ومحمد لأنهم صنف واحد ولأن مواقع الكلام في نفوسهم واحدة وكأنهم مستمع واحد، بخلاف ما في سورة يونس، فقد جمع المستمعين لأنهم أكثر من صنف ولأن مواقع الكلام مختلفة في نفوسهم"([37]). وهذا تناظر فني جميل.
يتبع
في معاني ألفاظ آي القرآن الكريم
د. مأمون "محمد هاني" فوزي الخزاعي
ملخص البحث:
تناولت هذه الدراسة أحوال المفردة من حيث التنكير والتعريف، علماً أن المفردة لها أحوال كثيرة من تذكير الفعل وتأنيثه، واختلاف الحروف، واختلاف أبنية الألفاظ والأسماء. ولكن لضيق مجال البحث اقتصرت هذه الدراسة على الآيات المتشابهة في التنكير والتعريف، فكانت هذه الدراسة اختلاف المفردة من حيث كونها نكرة ومعرفة، ففي هذا البحث ذكرنا الآيتين المتشابهتين ثم أذكر القاعدة، ثم بعد ذلك أبسط الآراء التي ذُكرت حول هذه الآيات للوصول إلى التوجيه المناسب لهذه القاعدة أو تلك, كل ذلك يبرهن على أن القرآن كان ولا يزال وسيظل خير عون للدارسين والمتخصصين في الأبحاث الفقهية والنحوية واللغوية. فضلاً عن إعانته الباحثين في العلوم الأخرى، فهو كتاب نحو ولغة وتشريع، وإني إذ أضع هذا البحث بين يدي المعنيين بهذا النمط من الدراسة، فإني لأرجو منهم خالص الدعوات في أن يجعلني الله من المخلصين له في كل عمل أبتغيه حتى يؤتي ثماره في النفع لخيري الدنيا والآخرة، سائلاً المولى جل جلاله أن يوفقنا لما فيه خير الشريعة ولغتها الغراء.
Abstract:
This study deals with the cases of a single word according to the definiteness and indefiniteness. Knowing that a single word has many cases from Masculinity and Feminization of Verb, the difference of letters and the different structures of pronunciations and nouns. Because of Limitedness of the research, This study is limited to the similar quranic verses according to definiteness and indefiniteness , and this study included the difference of a single word according to definiteness and indefiniteness. In this research we mentioned both of two similar quranic verses then we mentioned the rule. After that We show opinions which were mentioned about these verses to draw appropriate Conclusions for this or that rule. All of that prove that the holy Quran is still and will remain as before the best support and the specialists in all fields such as doctrinal, grammatical and linguistic researches as well as It helps researchers in other sciences and It is a book for grammar, language and legislation. I put this research in the handles of specialists who are interested in this kind of this study, I ask them the sincere Supplications that may God makes me be loyal to him in all work which I do to fructify the benefit and the interest for a better world and the best of in the. Hereafter. Asking Allah Almighty to help us all for the good of Islamic legal system and its beautiful language and may Allah- exalted and majestic guide. us all to right path and lead us to success in this life and the after .
المقدمة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصبحه ومن والاه وبعد: تنزلت آيات القرآن الكريم على العرب وفيهم الشعراء والخطباء وهم أهل الفصاحة والبيان، فآمن منهم من كان يبتغي الحق، إذ تيقن أن هذا الكلام ليس من كلام البشر، فاستجاب لله وللرسول إذ دعاه لما يُحييه، وأما من أخذته العزة بإثمه فقد أقامه على كفره مع تبين الحق له وإقراره بعلوّ آيات القرآن على كلام فصحاء العرب وبلغائهم وشعرائهم، وأصرَّ على ضلاله، ودعا قومه إلى تجنب استماع القرآن وإلى التشويش حتى لا يطرق آذان سامعيه فتنفتح له قلوبهم: ﴿وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون﴾ [26، فصلت].
وكتب الله سبحانه لدينه أن ينتشر، ولكلامه العزيز أن يخالط القلوب فيكون ربيعها، وتردده الأفواه على اختلاف ألسنتها. ومضى زمن الفصاحة الفطرية والبيان السليقي، وصار المتأمل لآيات الكتاب الكريم يقف عند بعض ما تقارب معناه وتنوع لفظه، يقلب الفكر في عبارته ويسأل عن تقديم اللفظ هنا وتأخيره هناك، وعن ذكره في هذه الآية وحذفه في تلك، وعن استعمال الاسم في موضع واستعمال الفعل في موضع، وغير هذا مما لم يكن أمره غائباً عن الأمة في أيام تنزّل القرآن. فانبرى لذلك علماء الأمة يوضّحون ويبيّنون جاهدين في تقريب الأفهام إلى ما كان العربي يدركه من اللغة بالفطرة والسليقة.
ولدينا الإقرار واليقين بأن كلام الله سبحانه لا تنقضي عجائبه، وأن كل كلمة فيه جاءت في مكانها الذي لا يغني عنها فيه مجيء ما رادفه من الألفاظ، وأن كل آية جاءت في مكانها الذي لا يغني عنها فيه مجيء آية مقاربة من موضع آخر, فتناول هذا البحث اختلاف أبنية الألفاظ فدرسنا اختلاف المفردة من حيث كونها نكرة ومعرفة، ففي هذا البحث ذكرنا الآيتين المشابهتين –والآيات المتشابهة– ثم أذكر هذه القاعدة، ثم بعد ذلك أبسط الآراء التي ذُكرت حول هذه الآيات، ونخلص إلى توجيه مناسب لهذه القاعدة أو تلك, فإني أقر بأني لم أوفِ هذا الموضوع حقه من الدراسة، ولكن أرجو أن أكون قد أوفيته بعض حقه. ولا يخلو عمل ابن آدم من الخطأ والزلل، فما كان في البحث من صواب فهو من فضل الله تعالى وله الحمد أولاً وآخراً، وما كان فيه من غير ذلك فمن نفسي، وأسأل الله تعالى أن لا يحرمني اجر المجتهدين.
متشابه القرآن:
تعريفهُ:
الشِّبْه في اللغة: المِثْل. نقول (هو شِبْهه) أي مِثْله، ومعنى المتشابه: المتماثل. جاء في (لسان العرب): (تشِّبْه الشَّبَه والشَّبيه: المِثل، والجمع أشباه. وأشبه الشيءُ الشيءِ: ماثله…وشبَّهه به)([1]).
مما سبق يتضح أن الكلمة مجردة ومزيدة -على اختلاف أحرف زيادتها– تعطي معنى المثل وما يتصرف منه.
أما المتشابه في الاصطلاح فينقسم إلى قسمين:
أحدهما: المقابل للحكم وهو (ما أُمرتَ أن تؤمن به وتَكِلُ علمه إلى عالمه… وقيل: ما لا يدرى إلا بالتأويل ولا بد من صرفه إليه… وقيل: ما يحتمل وجوهاً… وقيل: ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره)([2]).
والثاني: المتشابه اللفظي: وهو (إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة)([3]).
وما يهمنا في بحثنا هذا المتشابه اللفظي، وهو النوع الثاني من المتشابه.
أنواع المتشابه اللفظي:
ينقسم المتشابه اللفظي على أقسام. وقد ذكر الزركشي (ت 794هـ) في كتابه (البرهان) ثمانية منها وهي:
ما كان موضع على نظم وفي آخر على عكسه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿والنصارى والصابئين﴾ [البقرة: 6]، وقوله: ﴿والصابئين والنصارى﴾ [الحج: 17].
ما يشتبه بالزيادة والنقصان نحو قوله سبحانه: ﴿ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ [البقرة: 57].
ما اختلف في التقديم والتأخير، وهو قريب من الأول, نحو قوله تعالى: ﴿ويُعلمُهُم الكتاب والحكمة ويزكيهم﴾ [البقرة: 129]، وقوله: ﴿ويُزكيهم ويُعلمُهُمَ الكتاب والحكمة﴾ [الجمعة:2].
ما اختلف في التعريف والتنكير نحو قوله تعالى: ﴿اجعل هذا البلدَ آمناً﴾ [إبراهيم:35]، وقوله: ﴿اجعل هذا بلداً آمناً﴾ [البقرة:126].
ما اختلف في الإفراد والجمع نحو قوله جَلَّ وعلا: ﴿لن تَمسَّنا النار إلا أياماً معدودة﴾ [البقرة:80]، وقوله تعالى: ﴿إلا أيّاماً معدودات﴾ [آل عمران:34].
ما كان في موضع على حرف، وفي موضع آخر على حرف غيره نحو قوله جل وعلا: ﴿ءامنتم به﴾ [الأعراف:123]، وقوله ﴿ءامنُتم له﴾ [طه:71].
ما كان في موضع على كلمة، وفي موضع آخر على كلمة قريبة من معناها نحو قوله تعالى: ﴿فانفجرت﴾ [البقرة:60]، وقوله: ﴿فانبجست﴾ [الأعراف:160].
ما اختلف في الإدغام وتركه نحو قوله تعالى: ﴿يتضَّرعون﴾ [الأنعام:42]، وقوله: ﴿يضّرّعون﴾ [الأعراف:94].
النكرة والمعرفة:
يُعرّف النحاة النكرة بأنه ما كان شائعاً في جنس موجوداً أو مقدّر، والمعرفة ما استعمل في شيء بعينه([4]).
وقد وردت آيات متشابهة تختلف مفرداتها من حيث التنكير والتعريف، حيث وردت في مكان نكرة وفي مكان آخر شبيه به معرفة. وهناك وقفات على هذه الآيات وتوجيهات لها وكان الاستناد فيها على الفرق بين النكرة والمعرفة، من ذلك قوله تعالى: ﴿وضُربتْ عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق﴾ [البقرة:61] بتعريف (الحق).
وبتنكيره في قوله: ﴿إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتُلُون النبيين بغير حقٍ﴾ [آل عمران:21]، وقوله: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون﴾ [آل عمران:112].
نقول سبب تعريف (الحق) في آية البقرة دون آيتي آل عمران، إن معنى قوله ﴿بغير حق﴾ أي بغير سبب ولا شبهة، وبتعبير آخر: بلا وجه من وجوه الحق وذلك أوغل في ذمهم وسوء حالهم. ومعنى قوله: ﴿بغير حق﴾ أي بغير وجه الحق المبيح للقتل المتقرر في شريعتهم. فالألف واللام للعهد، أي أن الحق المبيح للقتل معروف لديهم، ومعنى هذا أن آيتي آل عمران أشد ذمَّاً لهم من آية البقرة([5]).
وقد ذهب إلى هذا الرأي كثير من العلماء، جاء في (تفسير الرازي) مثلاً: أن الحق المذكور بحرف التعريف إشارة إلى الحق المعلوم فيما بين المسلمين الذين يوجب القتل، وأما الحق المنكر فالمراد به تأكيد العموم، أي لم يكن هناك حق أصلاً لا هذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره ألبتة([6]).
وقد قال آخرون: إن آية البقرة والآية الثانية من آيتي آل عمران فقالوا: "إن كلمة (الحق) المعرّفة في آية البقرة تدل على أنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير الحق الذي يدعو إلى القتل، والحق الذي يدعو إلى القتل معروف معلوم. وأما النكرة فمعناها أنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير الحق أصلاً لا حق يدعو إلى قتل ولا غيره. أي ليس هناك وجه من وجوه الحق يدعو إلى إيذاء الأنبياء فضلاً عن قتلهم. فكلمة (حق) ههنا نكرة عامة، وكذلك (الحق) معرّفة معلومة. والقصد من التنكير (حق) ههنا نكرة عامة، وكذلك (الحق) معرّفة معلومة. والقصد من التنكير الزيادة في ذمهم وتبشيع فعلهم أكثر مما في التعريف، وذلك لأن التعريف معناه أنهم قتلوا الأنبياء بغير سبب يدعو إلى القتل، وأما التنكير، فمعناه أنهم قتلوا الأنبياء بغير سبب أصلاً لا سبب يدعو إلى القتل ولا غيره. فمقام التبشيع وألزم ههنا أكبر من تم وكلاهما شنيع وذميم، فجاء بالتنكير في مقام الزيادة في ذمهم([7]).
إن الذم وتبشيع الفعل في آية آل عمران أكبر منه في آية البقرة، "ففي سورة البقرة جمع ﴿الذلة والمسكنة﴾، وأما في آية آل عمران فقد أكّد وكرر وعممّ فقال: ﴿ضُربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا﴾ [آل عمران:112] فجعلها عامة، ثم قال: ﴿وضُربتْ عليهم المسكنة﴾ [آل عمران:112]. فأعاد الفعل وحرف الجر للزيادة في التوكيد… ثم أنه ذكر الجمع في آية البقرة بصورة القلة فقال: ﴿ويقتلون النبيين﴾ وذكره في آية آل عمران بصورة الكثرة فقال: ﴿ويقتلون الأنبياء﴾ أي يقتلون العدد الكثير من الأنبياء بغير حق. فالتشنيع عليهم والعيب على فعلهم وذمهم في سورة آل عمران أشد"([8]).
ومن الآيات المتشابهة التي اختلفت مفرداتها تنكيراً وتعريفاً قول الله تعالى: ﴿والذين يُتوفَّون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفُسهنَّ أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهنَّ فلا جُناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنَّ بالمعروف﴾.
فقد ورد (المعروف) في هذه الآية معرّفاً، في حين ورد مُنكّراً في قوله: ﴿والذين يُتوفَون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحْول غَيْرَ إخراج فإن خرجن فلا جُناح عليكم في ما فعلن في أنفسِهن من معروف﴾ [البقرة:24].
يبين ابن الزبير سبب ذلك فيقول: إن المراد بالمعروف في الآية الأولى الوجه الذي لا ينكره الشرع ولا يمنعهُ. وأما الآية الثانية فهي إشارة إلى تفصيل ما يفعلن في أنفسهن من التزين والتعرض للخاطبين, وما إلى ذلك من أوجه المعروف مما هو مباح شرعاً([9]).
ويرى الخطيب الإسكافي أن المقصود بـ(المعروف) المعرفة في الآية الأولى الزواج خاصة، وأما غير المعرّفة فيراد به ما لم يستنكر فعله من خروج أو تزيّن ونحوه فيقول: (إن الأول معلق بقوله: ﴿والذين يُتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهرٍ وعشراً فإذا بلغن أجَلهُنّ فلا جُناح عليكم فيما فَعَلْنَ في أنفُسِهن بالمعروف﴾, أي: لا جناح عليكم في أن يفعلن في أنفسهن بأمر الله، وهو ما أباحه لهن من التزوج بعد انقضاء العدة. والثاني المراد به: فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من جملة الأفعال التي لهن أن يفعلن من تزوج أو قعود، فالمعروف ههنا فعل من أفعالهن يعرف في الدين جوازه وهو بعض ما لهن أن يفعلنه([10]).
وممن ذهب هذا المذهب بدر الدين بن جماعة، حيث قال: (إن المراد بالآية الأولى ما شرعه الله تعالى من الأحكام، وبذلك عرّفه بالألف واللام وبالإلصاق. وفيما فعلن: أي من التعرض للخُطاب بالمعروف. والمراد بالثانية: أفعالهن بأنفسهن من مباح يتخيرنه من تزين للخطّاب وتزويج أو قعود أو سفر أو غير ذلك مما لهن فعله، ولذلك نكّره وجاء فيه بـ (من))([11]).
وهناك أمور عدة تدل على ذلك (منها أن الآية الأولى ذكر فيها قوله: ﴿يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا﴾ [البقرة:234]. فقوله: ﴿يتربصن﴾, معناه: يصبّرن أنفسهن هذه المدة ليتسنى لهن الزواج، ثم ذكر العدة التي يحق لهن الزواج بعدها. ثم جاء بالباء الدالة على الإلصاق، والزواج إلصاق كما قال تعالى: ﴿هُنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن﴾ [البقرة:187]. وليس في الأمر كذلك في الآية الأخرى، فإنه ليس هناك ذكر للتربّص ولا للعدة التي يحق لهن التزوج بعدها. ومن ناحية أخرى أنه عرّف (المعروف) المقصود به الزواج لأن الزواج شيء واحد معروف ونكّر الثاني لأنه لم يقصد به فعل معين، بل ما كان مباحاً لهن في الشرع فنكّره لذلك)([12]).
أنواع المعارف:
المعرفة أنواعها عديدة، فمنها المعرّف بالإضافة والاسم الموصول والضمير, وقد نقف على آيتين متشابهتين فيهما مفردتان معرفتان لكنهما تختلفان في نوع التعريف، فتردُ إحداهما معرّفة بـ (أل) والأخرى بالإضافة. وقد يكون الاختلاف في الضمير أو الاسم الموصول، فالضمير قد يرد في موطن مذكراً وفي موطن آخر مؤنثاً أو ظاهراً في مكان ومستتراً في مكان آخر، وأما الاسم الموصول فقد نقف على استعمال (الذي) في آية، و(ما) في آية أخرى شبيهة بها، أو (مَنْ) في موطن، و(ما) في موطن آخر.. وهكذا.
1. المعرّف بأل والإضافة:
ففي القرآن الكريم آيات متشابهة فيها مفردات تختلف في نوع التعريف، فترد في موطن معرّفة بـ (أل) وفي موطن آخر معرّفة بالإضافة، من ذلك قوله تعالى: ﴿وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين﴾ [الحجر:35], بتعريف اللعنة بـ(أل)، وبتعريفها بالإضافة في قوله سبحانه: ﴿وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين﴾ [سورة ص:78].
وسبب ذلك في أنه آية ص: ﴿ما منعك أن تسجد لما خَلَقْتُ بيديَّ﴾ [ص:75]. كانت إضافة اللعنة إلى ياء المتكلم مناسبة لإضافة اليدين إليه، ولما لم يكن كذلك في الحجر قال (اللعنة)([13]). وقال إلى هذا الرأي الخطيب الإسكافي([14])، والمناسبة عنده لفظية. "ثم إنه في قصة (ص) ذكر نفسه أكثر مما في الحجر، فإنه ذكر نفسه في (ص) ست مرات وفي الحجر ثلاث مرات. قال في الحجر: ﴿فإذا سوّيتُهُ ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ [الحجر:29]. وقال في (ص) مثل ذلك وزاد عليه قوله: ﴿ما منعك أن تسجُدَ لما خلقتُ بيديّ﴾ [ص:75]، وقوله: ﴿وإن عليك لعنتي﴾, فكان كل تعبير مناسباً لجو القصة التي ورد فيها"([15]).
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يا أيُّها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يَبْلُغوا الحُلُم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ ليس عليكم جُناح بعدهُنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يُبين اللهُ لكم الآيات والله عليم حكيم﴾ [النور:58].
يرى ابن الزبير أن سبب ذلك هو أن (الآيات) تكررت في مكانين متقاربين، فعدل عن تكرارها بلفظها لأن العرب تستثقل تكرار اللفظ الواحد بعينه فيما تقارب من الكلام إلا إذا اقتضى المعنى ذلك، (وكانت الثانية هي المضافة لأنها مع ما تعطيه من النسبة مُبيّنة للأولى بياناً تأكيدياً، إذ من المعلوم أنها آياتهُ سبحانه)([16]).
ويقول الخطيب الإسكافي: عبّر في الآية الأولى بالآيات "لما لم يكن تبين الأوقات من الأفعال التي تتخصص بدقرته. ولما كان بلوغ الحُلم مما يختص بفعله ولم يقدر فاعل على مثل أضافه إلى نفسه فقال: ﴿كذلك يُبين الله لكم آياته﴾ [النور:59].
ويوضح بدر الدين بن جماعة هذا الرأي فيقول: لما كان الاستئذان في هذه الأوقات من أفعال العباد قال: ﴿الآيات﴾ بتعريفها بـ(أل) التعريف. وأما بلوغ الحُلم فهو من فعله تبارك وتعالي لا من فعل العبد ولذلك نسب الآيات إلى نفسه فقال: ﴿آياته﴾ لاختصاص الله تعالى بذلك([17]).
2. الضمير:
ذكرنا أن في القرآن الكريم آيات متشابهة تختلف في ضمائرها، حيث يرد الضمير مذكراً في موطن منها ومؤنثاً في موطن آخر نحو قوله تعالى: ﴿نُسقيكم مما في بُطونه﴾ [النحل:66]، وقوله: ﴿نُسقيكم مّما في بطونها﴾ [المؤمنون:22]. ويَردُ مستتراً تارة وبارزاً تارة أخرى وذلك نحو قوله تعالى: ﴿ومنهم مَنْ يستمع إليك﴾ [الأنعام:25]. وقوله: ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾, ولا بدّ أن يكون لهذا الاختلاف سببه. ونريد أن نقض على نماذج مما ذكره ابن الزبير لنرى رأيه في سبب التخصيص ونقارنه مع باقي الآراء.
فمن الآيات التي اختلف فيها الضمير تذكيراً وتأنيثاً قوله تعالى: ﴿وإن لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين﴾ [النحل:66]. وقوله: ﴿وإن لكم في الأنعام لعبرة مما في بُطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفُلك تُحملون﴾ [المؤمنون:22].
نلاحظ أنه قال في آية النحل: ﴿بطونه﴾, وفي آية المؤمنون: ﴿بطونها﴾, مع أن الضمير في كلتا الآيتين يعود على الأنعام، فما سبب هذا التخصيص؟.
يذكر النحاة أن الضمير المؤنث يؤتى به للدلالة على الكثرة بخلاف الضمير المذكر فإنه يؤتى به للدلالة على القلّة([18]). وقد أتى الضمير في آية النحل مذكراً وفي آية المؤمنون مؤنثاً، وهذا يعني أن الأنعام في آية المؤمنون أكثر منها في آية النحل.
ولم يوجه ابن الزبير هاتين الآيتين بناءً على ما ذكرنا في إفادة الضمير المذكر القلة والضمير المؤنث الكثيرة، ولكن وجههما توجيهاً لفظياً فقال: إن تأنيث الضمير في كلمة ﴿بطونها﴾ يناسب تأنيثه في الكلمات التي بعدها وهي (فيها, منها, عليها). أمّا إفراد الضمير وتذكيره في سور النحل فالمراد به الجنس([19]).
وأما الطيب الإسكافي وغيره من العلماء فقد وجهوهما بناءً على ما ذكرنا من إفادة الضمير المذكر من القلة والضمير المؤنث من الكثرة فقالوا: إن المراد بالأنعام، واللبن لا يخرج من جميع الأنعام بل يخرج من بعض إناثها. وليس كذلك في آية (المؤمنون) لأن الكلام فيها على منافع الأنعام من لبن وغيره، قال تعالى: ﴿نُسقيكم مما في بُطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون* وعليها على الفُلك تحملون﴾ [المؤمنون:22]. وهذه المنافع تَعُمُّ جميع الأنعام ذكورها وإناثها، صغارها وكبارها. فجاء بالضمير المذكر مع الأنعام التي يستخلص منها اللبن وذلك لأنها أقل من عموم الأنعام، وجاء بالضمير المؤنث مع عموم الأنعام([20]).
ودلالة التذكير على التقليل والتأنيث على الكثير, نجده "في مواطن عدة كالضمير وأسماء الإشارة وغيرهما وذلك نحو قوله تعالى: ﴿وقال نِسوةٌ﴾ [يوسف:30] بتذكير الفعل (قال)، وقوله: ﴿قالت الأعراب آمنا﴾ [الحجرات:14] بتأنيث الفعل، فإن التذكير يدل على أن النسوة قلّة بخلاف التأنيث([21]).
ومن ذلك قوله تعالى في موطن: ﴿ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأُبرئُ الأكمه والأبرص وأُحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم﴾ [آل عمران:49]، بتذكير الضمير في قوله: ﴿فأنفخ فيه﴾.
وقوله في موطن آخر: ﴿وإذ تخلُقُ من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتُبرئُ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني﴾ [المائدة:110]، بتأنيث الضمير في قوله: ﴿فتنفخ فيها﴾, رأى الزمخشري أن في آية آل عمران أعاد الضمير على الكاف في ﴿كهيئة﴾ أي انفخ في المِثْل، والكاف هنا بمعنى (مِثْل)، أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير، فأعاد الضمير بالتذكير، لأن المِثْل مُذكر([22]).
وأمّا في آية المائدة فقد قال تعالى: ﴿وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها﴾, فأعاد الضمير على الكاف (لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى عليه السلام وينفخ فيها، ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا من نفخه في شيء)([23]). وذهب الفراء إلى أن الضمير يعود على الهيئة وهي مؤنثة([24]).
وجاء في (البحر المحيط) أنه جوّز بعضهم عود الضمير على الهيئة (على تقدير: إذ تخلق من الطير طائراً صورة مثل صورة الطائر الحقيقي فتنفخ فيها فيكون طائراً حقيقة بإذن الله)([25]).
ويرى الدكتور فاضل السامرائي أن: "لا مانع من عود الضمير على الهيئة… لأن الهيئة صورة الشيء وشكله، والمعنى أنه ينفخ فيما هو على صورة الطائر وشكله، وهذه الهيئة صنعها هو من الطين، فلا يلزم ما قاله المانعون"([26]), ولابن الزبير توجيه آخر للآيتين وهو أنه: (ورد قبل ضمير آية آل عمران من لدن قوله تعالى: ﴿وما كنت لديهم إذ يُلقون أقلامهم﴾ إلى قوله: ﴿فانفخ فيه﴾ نحو من عشرين ضميراً من ضمائر المذكر، فورد الضمير في قوله: ﴿فانفخ فيه﴾ مذكراً ليناسب ما تقدمه, أما آية العقود([27]) فمفتتحة بقوله تعالى: ﴿اذكر نعمتي عليك﴾، وخلقه الطائر ونفخه فيه من أجلِّ نعمه تعالى عليه لتأييده بذلك، فناسب ذلك تأنيث الضمير، ولم تكثر الضمائر هنا ككثرتها هناك، فجاء كل من الآيتين على أتم المناسبة)([28]).
وهناك توجيه ثالث لهما استفيد مما يدل عليه الضمير المذكر من القلة والضمير المؤنث من الكثرة وهو (أن آية آل عمران من كلام المسيح عليه السلام في ابتداء تحديه بالمعجزة المذكورة ولم تكن صورة بعد فَحَسُن التذكير والإفراد, وآية المائدة من كلام الله تعالى له يوم القيامة معدداً نعمه عليه بعدما مضت وكان قد أنفق ذلك منه مرات، فحسن التأنيث لجماعة ما صوّره من ذلك ونفخ فيه)([29]). "ومن الطريف أن نذكر أيضاً أنه في آية آل عمران كان الكلام في الدنيا فأعاد الضمير على اللفظ المتقدم وهو الكاف، ذلك أن الدنيا متقدمة على الآخرة. وأعاد الضمير على اللفظ المتأخر في المائدة وهو الهيئة لأن لكلام إنما هو في الآخرة إنما تأتي بعد الدنيا. فناسب كل تعبير الزمن الذي قيل فيه"([30]).
ومن الآيات التي اختلف فيها الضمير بروزاً واستتاراً قوله تعالى: ﴿ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً﴾ [الأنعام:25]. فقد أتى ضمير الفعل ﴿يستمع﴾ مستتراً، في حين أتى بارزاً في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تُسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون﴾ [يونس:42].
يقول النحاة: إن اللفظين (مَنْ، ما) مقدران مذكران. ويجوز مراعاة لفظهما –أي: الإفراد والتذكير– ويجوز مراعاة معناهما. جاء في (الكتاب): "هذا باب إجرائهم صلة (مَنْ) وخبره إذا عُنيت اثنتين كصلة (اللذين) وإذا عنيت جميعاً كصلة (الذين)، فمن ذلك قوله عز وجل: ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾([31]).
وجاء في (المقتضب) أن (مّنْ) "تكون جمعاً على لفظ الواحد وكذلك الاثنان، قال الله عز وجل: (ومنهم من يستمع إليك) وقال: ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾, وقال ﴿ومنهم من يؤمن به﴾ [يونس:40]، فحُمل على اللفظ. وقال: ﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو مُحسِنٌ فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ [البقرة:112], فحمل مرة على اللفظ ومرة على المعنى([32]).
وجاء في (همع الهوامع): "ويجوز مراعاة اللفظ في ضمير (من وما وأل)… لأنها في اللفظ مفردة مذكرة، فإن عني بها غير ذلك جاز مراعاة المعنى أيضاً، والأحسن مراعاة اللفظ لأنه الأكثر في كلام العرب، قال تعالى: (وفيهم من يستمع إليك)([33]).
ويبدو لي أن مراعاة اللفظ هو الأكثر وليس الأحسن-كما قال السيوطي- ولو كان الأحسن ما روعي المعنى في قوله تعالى: ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾. وإذا كان من الجائز مراعاة اللفظ والمعنى في ضمير (مَنْ، وما, وأل) فإنه لا بد من أن يكون في الكلام البليغ مرجح لمراعاة اللفظ أو مراعاة المعنى، وخير دليل على ذلك الاستعمال القرآني، فقد راعى القرآن الكريم اللفظ مرة والمعنى مرة أخرى وفق ما يقتضيه سياق النص.
ولنعد بعد هذه المقدمة إلى آيتي الأنعام ويونس لنرى سبب الحمل على اللفظ في آية الأنعام وعلى المعنى في آية يونس من خلال توجيهات ابن الزبير وغيره من العلماء, إذ يرى ابن الزبير أن سبب الحمل على اللفظ في آية الأنعام هو أنه قد اقترن بها ما يبين أن المستمعين جماعة وذلك في قوله تعالى: ﴿وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً﴾, فجاء الفعل مسنداً إلى واو الجماعة لئلا يتوهم أن المستمع واحد([34]), وذهب غيره من العلماء إلى أن سبب ذلك هو أن آية الأنعام نزلت في قوم قليلي العدد هم أبو سفيان والنضر بن الحارث وعتبة وشعيبة وأمية بن خلف، فحمل على اللفظ لقلتهم, وأما آية يونس فإنها نزلت في جميع الكفار، فحمل على المعنى المعنى لكثرتهم([35]). وقد حسن الربط ما بين قوله: (يستمع) وقلة العدد، وقوله: (يستمعون) وكثرته.
وهناك من يرى أن السبب هو "أن المستمعين في آية يونس أكثر وأن مواقع الاستماع مختلفة في قلوب السامعين، بخلاف المستمعين في آيتي الأنعام ومحمد([36])، ذلك أن المستمعين في آية الأنعام على نمط واحد وهم من الكفرة الذين لا يفقهون ولا يسمعون، فقد قال فيهم:
وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه.
وفي آذانهم وقراً.
وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها.
وذكر صفات أخرى تزيد في عنادهم وكفرهم.
فهؤلاء كأنهم مستمع رافض واحد، فمواقع الاستماع عندهم واحدة… وليس الأمر كذلك في آية يونس، فقد قال قبل هذه الآية: ﴿ومنهم مَنْ يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به﴾ [يونس:40], وعلى هذا فالمستمعون ههنا أكثر من صنف: صنف مؤمن وصنف كافر فوحّد المستمعين في آيتي الأنعام ومحمد لأنهم صنف واحد ولأن مواقع الكلام في نفوسهم واحدة وكأنهم مستمع واحد، بخلاف ما في سورة يونس، فقد جمع المستمعين لأنهم أكثر من صنف ولأن مواقع الكلام مختلفة في نفوسهم"([37]). وهذا تناظر فني جميل.
يتبع