ابو وليد البحيرى
2019-07-28, 03:10 AM
خدمة الحجيج
من أعظم ما حثَّ عليه الدين، وأمر أهله بالاتصاف به، وجعل الأجر الكبير لمن عمل به؛ حسن الخلق، فصاحب الخلق الحسن يبلغ درجة الصائم القائم كما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))[1]، وأحسن الناس أخلاقاً هم أقرب الناس مكاناً من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؛ أحاسنكم أخلاقاً))[2]، وهذا الحديث هو كلام من وصفه ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(سورة القلم:4)، والذي نذكر من حسن خلقه ما ذكرته خديجة رضي الله عنها عندما جاءه جبريل عليه السلام بالوحي، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده وهو يقول: ((زملوني زملوني))، فقالت خديجة رضي الله عنها: "كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" رواه البخاري (3)، فما أعظم هذه الأخلاق العالية التي فيها من العون للناس، والقيام في قضاء حوائجهم الشيء الكثير.
وهكذا كان دأبه صلى الله عليه وسلم في كل حين، فها هو في الحج يحب أن يشارك في سقاية الحجاج، ويشجع من يقوم بذلك كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها، فقال: ((اسقني))، قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: ((اسقني))، فشرب منه، ثم أتى زمزم، وهم يسقون، ويعملون فيها، فقال: ((اعملوا فإنكم على عمل صالح))، ثم قال: ((لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه)) يعني عاتقه، وأشار إلى عاتقه" رواه البخاري (1528).
وموسم الحج هو موسم المعروف الأكبر، والتعاون الأعظم، فهو مجال واسع لفعل الخيرات، وتقديم الإحسان للغير من الحجاج الذين منهم الكبير العاجز، والمرأة الضعيفة، والطفل الصغير، وغيرهم ممن يكثرون في تلك البقاع الطيبة، وهنا تبرز معالم هذا الدين الإسلامي العظيم، وتظهر الشهامة والكرم، والأخلاق الحسنة.
إن تقديم الخدمة للحاج في تلك البقاع، ومساعدته، وبذل المستطاع من أجله يعني التعاون على البر والتقوى، والإعانة على طاعة الله وأداء عبادة الحج، وإكرام ضيوف الملك العلام، وكلها من الأمور التي تقرب من الله جل وعلا.
وما يحتاجه الحجيج من الخدمات كثيرة منها:
- الإرشاد والتوجيه، وبذل النصيحة والتعليم، فالفرصة سانحة لمن أراد الأجر من الله عز وجل، وهذا العمل هو من أجلِّ النفع الذي قد يقدمه المسلم لأخيه المسلم، فكم من أخطاء يقع فيها الحجاج، ولا يجدون من يصححها؛ مع وجود من يعلم ذلك، لكن أين التوجيه والإرشاد، وبذل النصيحة بالحسنى، وليكن لنا في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين مرَّ وهو يطوف بالكعبة على إنسان ربط يده إلى إنسان بسير أو بخيط أو بشيء غير ذلك، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: ((قده بيده)) رواه البخاري (1515).
- دلالة الحجاج على أماكن المناسك، وأماكن الإقامة، والخدمات العامة.
- تزويد من قد تقل به المؤونة من الحجاج الفقراء (ولا نعني من اتخذ موسم الحج فرصة لسؤال الناس) فإنك في الموسم تجد من أهل العفة من قد يحتاج إلى أقل مساعدة أو عطاء {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}(سورة الإنسان:8).
- مساعدة من قد يتضرر من الحجاج بإسعافه، وإبلاغ الجهات المختصة المتواجدة في ذلك المكان، وأثناء الزحام عند أداء النسك قد يحصل مثل ذلك، فيقدم المسلم لأخيه كل ما يستطيع لإنقاذ حياته.
هذه بعض الأمور التي قد يحتاجها الحاج، وهي أمور متجددة، والمهم في ذلك هو وجود روح المساعدة والتعاون بين المسلمين، فهم يتجهون إلى بيت واحد، ويعبدون رباً واحداً، ويقفون في موقف واحد، ممتثلين في هذا التعاون قوله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم؛ مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) رواه البخاري (5552)، ومسلم (4685) واللفظ له.
اللهم أعنا على فعل الخيرات، وترك المنكرات، ووفقنا للفوز بالجنة، والنجاة من النار.
[1] رواه أبو داود (4165)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/5).
[2] رواه الترمذي (1941)، وصححه الألباني في تحقيق رياض الصالحين (1/287).
منقول
من أعظم ما حثَّ عليه الدين، وأمر أهله بالاتصاف به، وجعل الأجر الكبير لمن عمل به؛ حسن الخلق، فصاحب الخلق الحسن يبلغ درجة الصائم القائم كما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))[1]، وأحسن الناس أخلاقاً هم أقرب الناس مكاناً من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؛ أحاسنكم أخلاقاً))[2]، وهذا الحديث هو كلام من وصفه ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(سورة القلم:4)، والذي نذكر من حسن خلقه ما ذكرته خديجة رضي الله عنها عندما جاءه جبريل عليه السلام بالوحي، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده وهو يقول: ((زملوني زملوني))، فقالت خديجة رضي الله عنها: "كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" رواه البخاري (3)، فما أعظم هذه الأخلاق العالية التي فيها من العون للناس، والقيام في قضاء حوائجهم الشيء الكثير.
وهكذا كان دأبه صلى الله عليه وسلم في كل حين، فها هو في الحج يحب أن يشارك في سقاية الحجاج، ويشجع من يقوم بذلك كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها، فقال: ((اسقني))، قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: ((اسقني))، فشرب منه، ثم أتى زمزم، وهم يسقون، ويعملون فيها، فقال: ((اعملوا فإنكم على عمل صالح))، ثم قال: ((لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه)) يعني عاتقه، وأشار إلى عاتقه" رواه البخاري (1528).
وموسم الحج هو موسم المعروف الأكبر، والتعاون الأعظم، فهو مجال واسع لفعل الخيرات، وتقديم الإحسان للغير من الحجاج الذين منهم الكبير العاجز، والمرأة الضعيفة، والطفل الصغير، وغيرهم ممن يكثرون في تلك البقاع الطيبة، وهنا تبرز معالم هذا الدين الإسلامي العظيم، وتظهر الشهامة والكرم، والأخلاق الحسنة.
إن تقديم الخدمة للحاج في تلك البقاع، ومساعدته، وبذل المستطاع من أجله يعني التعاون على البر والتقوى، والإعانة على طاعة الله وأداء عبادة الحج، وإكرام ضيوف الملك العلام، وكلها من الأمور التي تقرب من الله جل وعلا.
وما يحتاجه الحجيج من الخدمات كثيرة منها:
- الإرشاد والتوجيه، وبذل النصيحة والتعليم، فالفرصة سانحة لمن أراد الأجر من الله عز وجل، وهذا العمل هو من أجلِّ النفع الذي قد يقدمه المسلم لأخيه المسلم، فكم من أخطاء يقع فيها الحجاج، ولا يجدون من يصححها؛ مع وجود من يعلم ذلك، لكن أين التوجيه والإرشاد، وبذل النصيحة بالحسنى، وليكن لنا في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين مرَّ وهو يطوف بالكعبة على إنسان ربط يده إلى إنسان بسير أو بخيط أو بشيء غير ذلك، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: ((قده بيده)) رواه البخاري (1515).
- دلالة الحجاج على أماكن المناسك، وأماكن الإقامة، والخدمات العامة.
- تزويد من قد تقل به المؤونة من الحجاج الفقراء (ولا نعني من اتخذ موسم الحج فرصة لسؤال الناس) فإنك في الموسم تجد من أهل العفة من قد يحتاج إلى أقل مساعدة أو عطاء {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}(سورة الإنسان:8).
- مساعدة من قد يتضرر من الحجاج بإسعافه، وإبلاغ الجهات المختصة المتواجدة في ذلك المكان، وأثناء الزحام عند أداء النسك قد يحصل مثل ذلك، فيقدم المسلم لأخيه كل ما يستطيع لإنقاذ حياته.
هذه بعض الأمور التي قد يحتاجها الحاج، وهي أمور متجددة، والمهم في ذلك هو وجود روح المساعدة والتعاون بين المسلمين، فهم يتجهون إلى بيت واحد، ويعبدون رباً واحداً، ويقفون في موقف واحد، ممتثلين في هذا التعاون قوله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم؛ مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) رواه البخاري (5552)، ومسلم (4685) واللفظ له.
اللهم أعنا على فعل الخيرات، وترك المنكرات، ووفقنا للفوز بالجنة، والنجاة من النار.
[1] رواه أبو داود (4165)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/5).
[2] رواه الترمذي (1941)، وصححه الألباني في تحقيق رياض الصالحين (1/287).
منقول