مشاهدة النسخة كاملة : جنايات على العلم والمنهج (8)..ظاهر اللفظ
أبو فهر السلفي
2008-07-08, 02:10 PM
جنايات على العلم والمنهج (8)..ظاهر اللفظ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
وبعد..
فمن أكثر ما يغيظ النفس المؤمنة ويملأ جنباتها بالكمد =أن يُسيطر تركيب مولد كهذا على المتفقهة ويصير حجر رحى تدور عليه عملية الاستنباط والاجتهاد..
هذا لو كان مولداً فحسب ..فكيف لو كان هو وجل ما يتعلق به من المسائل =من أودية الباطل لا غير.
وللدلالة على ما أريد أقول:
ظاهر اللفظ يُطلق ويراد به ما فهمه المتلقي من كلام المتكلم.
وتارة يراد به نفس ما أراده المتكلم بكلامه.
كذا قال الشيخ ..
والبين من حال المشتغلين بالعلم بعد القرون المفضلة وعصر الأئمة ،ولغلبة طاغوت المجاز والفكرة الباطلة المسماة بأصل الوضع =هو جعل ما يفهمه المتلقي –وفقاً للوضع اللغوي- هو عين مراد المتكلم..وسمي ذلك بهذا الاسم: ظاهر اللفظ.
وصار الأمر قضاء مبرماً = أن تقرأ النص من كلام الله أو كلام رسوله فيكون ما يتبادر إلى ذهنك من معنى النص –مع تقويم هذا المتبادر بالوضع اللغوي –هو عين ما أراد الله ورسوله بهذه الألفاظ.
ثم صار هذا الظاهر أصلاً لا يجوز الخروج عنه إلا بدليل ؛فإن وجد هذا الدليل المُخرج عن هذا الظاهر جاز الخروج عن الظاهر وساغ وصارت هذه العملية تُسمى تأويلاً،وبالطبع فهذا التأويل المرتكز على دليل يُسمى تأويلاً صحيحاً وغير المرتكز على دليل يسمى تأويلاً فاسداً أو تحريفاً.
ثم رزق الله الأمة بالظاهرية فكان من كلامهم : ((ولا يحل لأحد أن يحيل آية عن ظاهرها ،ولا خبراً عن ظاهره..ومن أحال نصاً عن ظاهره في اللغة بغير برهان من [نص]آخر أو إجماع فقد ادعى أن النص لا بيان فيه...)).
ولا حظ بعض الأذكياء أننا لو استثنينا قضية القياس والتعليل ؛فليس بين الظاهرية والجمهور خلاف منهجي مؤثر بل منهج الظاهرية هو عينه منهج الجمهور من جهة قضية ظاهر اللفظ ،وإنما الخلاف في تطبيق هذه النظرية ،ويوسع دائرة الخلاف في التطبيق هجر الظاهرية لدلالة القياس..
ولذا عبر بعضهم بقوله: والظاهرية (كمنهج) هي طريقة الصحابة وهي التي ينبغي أن تكون طريقتنا جميعاً بناء على نظرية ظاهر اللفظ ،,إنما المعيب هو الظاهرية (كمذهب) لما فيه من الزيادات على نظرية ظاهر اللفظ.
ومن أعظم ما لبس به من الحق لتقرير باطل نظرية ظاهر اللفظ=عربية القرآن وكونه بلسان عربي مبين وكون النبي (ص) عربياً يُخاطب عرباً بلسانهم.
والآن وقد أظهرنا صورة القضية فقد آن أوان الفحص عن بطلانها وزيفها...
أولاً:كان يكون هذا المنهج الذي يجعل ما يتبادر إلى ذهن السامع –وفقاً للوضع اللغوي-هو عين مراد المتكلم =صحيحاً صواباً لو:
1- لو كانت قضية الوضع اللغوي الأول قضية صحيحة ثابتة ..ولكنها للأسف حديث خرافة.
2- لو كان اللفظ يستعمل في لسان العرب قوم النبي بإزاء معنى واحد فحسب.
3- لو كان هذا المعنى الواحد-لو كان-معروفاً مضبوطاً.
4- لو كانت معاجم العربية –وهي عمدة القوم في معرفة معنى اللفظ في اللغة-تفصل فصلاً ظاهراً وتبين بياناً واضحاً معاني الألفاظ في لسان العرب قوم النبي ولا تخلطها بمعاني الألفاظ عند من بعدهم إلى ثلاثمائة عام أحياناً.
5- لو كانت معاجم العربية مصادر موثوقة بإطلاق لا يحتاج النظر فيها إلى اجتهاد خاص.
6- لو كانت معاجم العربية تعتمد كلها على النقل الذي لا رأي فيه.
7- لو كان لسان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُفارق لسان قومه قط.
8- لو كان فهم مراد الله والرسول لا يتوقف سوى على معرفة الأوضاع اللغوية.
9- لو كانت ألسنة الناس لا تختلف ويختلف تبعاً لها ما يسبق إلى ذهن المتلقي من معاني الألفاظ.
10- لو كان النص الواحد-بالنسبة لنا- يصلح لمعرفة مراد الله ورسوله به.
يتبع
أبو فهر السلفي
2008-07-08, 02:50 PM
فإن قلتَ: إذا استثنينا ما أثرتَه عن الوضع اللغوي والمعاجم كمصدر للوقوف عليه =فقد احترز القوم لغالب ما ذكرتَ بعدُ بفسحهم الباب للنظر في بقية الأدلة التي قد تصرف هذا اللفظ عن ظاهر فلا يزال باب الوصول إلى مراد المتكلم مفتوحاً لم يُغلق بمجرد إثبات هذا الظاهر.
قلنا: إنما مثل هذا كمثل مسافر يسلك طريقاً يعلم أنه لا يهديه إلى مقصده ثم يتعلق بأنه ربما وجد طرقاً أخرى تعيده إلى الطريق الذي سيوصله إلى مقصده.
فعلامُ إذا يا صاحبي النصب،والطريق لاحبة بينة متضحة لا لبس فيها ولا غبش..
ولا تأمن في طريقك الذي سلكت من عقبات وتطويل..
فمن متمسك بهذا الظاهر الأول لا يأبى الانتقال عنه ولو جئته بكل آية..وهو معذور في ذلك لأننا وافقناه في أن هذا الظاهر الأول حق يصلح للتمسك به..
نعم.هذا أحد أكبر أودية الباطل في نظرية ظاهر اللفظ تلك،وهي أن أصحاب هذه النظرية يُقرون بأن هذا الظاهر الأول المبني على الوضع اللغوي فحسب =حق يصلح للتمسك به وعدم الزوال عنه إلا بدليل..
ولا يكون هذا الظاهر إلا أحد مفردات الباب التي تجمع إلى بعضها لمعرفة تفسير كلام المتكلم على ما سنبيبن بعدُ،أما أن يُجعل بالمكانة التي وصفت..فلا.
أما التطويل في تلك الطريقة فهي النزاعات المستمرة بين متمسك بالظاهر –الذي ليس بحق أصلاً-وبين مورد أدلة وبين معترض عليها وبين وبين...
والحال : أن كل هؤلاء لم يسلكوا الطريق الحقة في تفسير كلام المتكلم أصلاً وليس معهم من العلم إلا غبرات في أوعية ضيقة لا تسمن ولا تغني..فضلاً عن أن تُجعل حججاً تَدفع ويُدفع بها.
أبو فهر السلفي
2008-07-08, 03:13 PM
يتبع ليلاً بإذن الله
أبو فهر السلفي
2008-07-09, 09:08 PM
فإن قلتَ: فما هو المنهج اللاحب المستنير في تفسير كلام العلي الكبير وكلام رسوله البشير النذير(؟)
قلتُ: الطريق الصحيحة التي لا بديل عنها في ذلك ،والتي لا يهتدي من يروم تفسير كلام الله وكلام رسوله بل وكل كلام =إلا بها..
هي: جمعُ الباب.
ومن نفيس كلام أهل الحديث: الباب إذا لم تجمع طرقه لم تتبين علله.
قلت: وليس هذا في الحديث فحسب بل في كل مسألة يُراد الوصول إلى حكم الله ورسوله فيها..
والبلية كل البلية ما تراه من عوام المشتغلين بالعلم يسمع أو يقرأ كلاماً في مسألة قد حوى حكماً قد بني على حجة أو حجتين ،ثم هو يقذف به في وجهك متبوعاً بتهم معلبة من جنس مخالفة السنة ومخالفة الدليل والإعراض عن الحجة..
وكل من رام تفسير كلام الله ورسوله فقد وجب عليه أن يجمع:
كل ما يتصل بالنص المراد تفسيره سواء كان هذا المتصل بالنص في:
1- القرآن.
2- السنة
3- كلام الصحابة والتابعين وأكابر أتباعهم .
4- تفسير الفقهاء إلى زمان الباحث ،ولكل قدره.
5- تفسير اللغويين إلى زمان الباحث ،ولكل قدره.
6- عمل المسلمين.
ثم يبدأ في تمحيص هذا الجمع بأول آلة وهي أن يرد من هذا الجمع كل مالم تثبت نسبته لقائله ،وآلة ذلك هي النقد الإسنادي والنقد المتني،بحيث لا يتعامل مع جزء من أجزاء المادة المجموعة إلا وهو ثابت النسبة صحيح النسب.
ثم يبدأ في تمحيص المادة الصحيحة التي بقيت له بأدوات النظر والاجتهاد وعمادها الخبرة بلسان العرب ولسان النبي وأساليب القرآن،مستنيراً مستضيئاً بتفسير الفقهاء وتفسير اللغوين وعمل المسلمين.
وفي تضاعيف ذلك أصول لابد من مراعاتها..
كتقديم تفسير الصحابة وفهمهم على غيرهم في الجملة.
وكتقديم تفسير الفقهاء على تفسير اللغويين في الجملة.
وأشياء أخر ليس هذا محلها..
ثم يصل الباحث بعد ذلك كله إلى غرض النبي (ص) ومراده بالنص...
من غير ضرب قوانين عن الظاهر كذا فلا يُخرج عنه إلا بدليل..
والأصل أنه أراد الوجوب فلا يُخرج عنه إلا بدليل...
إلى آخر هذا التألي الذي لا أساس له،ولا داعي له..
وبغير ما رأيتَ من جمع المادة والباب لا يهتدي أحد –إلا ما شاء الله-إلى الحق بطريق صحيح..
ثم لابد أن يوقن الباحث أن ما وصل إليه ما هو إلا نتيجة اجتهادية فلا يعدو بها رتبتها...
والله الهادي إلى سواء السبيل.
ابن رجب
2008-07-09, 10:46 PM
لله درك يا ابا فهر ..
أبو فهر السلفي
2008-07-10, 07:55 PM
بارك الله فيك...
1-
لأن علم الاستنباط علم ذو مسائل وأحد مسائلها الاستنباط من ظاهر النص، وهذا النوع من الاستنباط له أدواته منها السياق، ومنها ما ذكره الكاتب من تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة وتفسير القرآن بالمأثور وتفسير القرآن باللغة، وهي المعروفة بطرق التفسير، فلم يأت بجديد سوى تسفيهه لعلماء أجلة أكدوا على مسألة تحكيم ظاهر النص خاصة لمن يستنبط بواطن دلالته باعتبار أدوات الاستنباط من دلالة النص الظاهرة كالزركشي والسيوطي وغيرهما.
ظاهر اللفظ إن أريد به نفس مراد المتكلم وتُوصل إليه بما ذكرتُ وذكرتَ فلا عيب ولا عتب..
وواقع الحال غير هذا ...
والذي يتبع ما ذكرتَه وذكرتُه لن ترى قط في كلامه هذه العبارة: وظاهر الآية العموم إلا أنها خُصت بكذا وكذا...
فهذه العبارة وأجناسها لا معنى لها أصلاً،ولا معنى ولا داعي لدراسة النص الواحد والحكم على ظاهره : ماهو(؟) ثم جعل هذا الظاهر حكماً وفيصلاً وحقاً يُتمسك به..
وإنما سبيل دراسة النصوص وتفسيرها ما ذكرتَ وذكرتُ..
2-
يشكك بالمعاجم اللغوية......ثم يعتبر اللغة من أصول معرفة دلالة النص في الوقت الذي شكك بها، بل ويجعلها بعد كلام الفقهاء، والعجيب أن الفقهاء عمدتهم في بيان القرآن اللغة فيكون في كلامه دور يبطل أصل الكلام!!
هذا أوقعك فيه عدم التثبت والروية في تأمل الكلام ؛فلسان العرب أصل يُرجع إليه في تفسير النصوص،والمعاجم هي إحدى سبل معرفة لسان العرب ..وما أوردناه إنما هو إلماحة إلى طريقة التعامل مع المعاجم وما يعتورها من نقص يجعلها غير موصلة دائماً إلى معرفة ما هو لسان العرب،وليس هذا تشكيكاً ولا دوراً..
مثال: الأحاديث النبوية إحدى سبل معرفة تفسير القرآن ..فحين يُنبه الباحث على أن هناك أحاديث ضعيفة،وعلى أن هناك من الأحاديث ما هو نص في تفسير الآية،ومنها ما إسقاطه على الآية محل نظر و اجتهاد=فإنه حينها لا يكون مشككاً في الأحاديث ولا متناقضاً حين جعل الأحاديث مصدراً من مصادر التفسير..
3-
ثم ماالذي يجعل كلام الفقهاء مقدماً على كلام اللغويين، وأين الدليل في ذلك هل هو مجرد رأيه في المسألة، أو انتصاره للفقهاء أو رأيِ ما؟!
أما هذه فقد قال بها بعض أهل العلم وأنا موقن بصحة كلامهم فيها ولا علي ولا عليك إن اختلفنا فيها..
1- قال ابن تيمية: ((فالتأويل الثاني هو تفسير الكلام، وهو الكلام الذي يفسَّر به اللفظ حتى يفهم معناه أو تعرف علته أو دليله، وهذا التأويل الثالث هو عين ما هو موجود في الخارج، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) يتأول القرآن( ). تعني قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره )
" وقول سفيان بن عيينة: "السنة هي تأول الأمر والنهي.
فإن نفس الفعل المأمور به هو تأويل الأمر به، ونفس الموجود المخبر عنه هو تأويل الخبر، والكلام خبر وأمر.
ولهذا يقول أبو عبيد وغيره: الفقهاء أعلم بالتأويل من أهل اللغة. كما ذكروا ذلك في تفسير اشتمال الصماء، )).
2- قال ابن تيمية بعدها : ((لأن الفقهاء يعلمون نفس ما أمر به ونفس ما نهي عنه، لعلمهم بمقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعلم أتباع أبقراط وسيبويه ونحوهما من مقاصدهم ما لا يعلم بمجرد اللغة)).
3-قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (2/398-399)
قال أبو عبيد : قال الأصمعي : اشتمال الصماء عند العرب : أن يشمل الرجل بثوبه ، فيجلل به جسده كله ، ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده ، وربما اضطبع فيه على تلك الحال .
قال : وأما تفسير الفقهاء ؛ فإنهم يقولون : هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من احد جانبيه ، فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه .
قال أبو عبيد : والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا ، وذلك اصح معنى في الكلام . انتهى .
وجعل الخطابي : اشتمال الصماء : أن يشتمل بثوب يجلل به بدنه، ثم يرفع طرفيه على عاتقه الأيسر .
فإن لم يرفعه على عاتقه فهو اشتمال اليهود الذي جاء النهي عنه في حديث ابن عمر ، وإنما كان النبي يشتمل بالثوب ويخالف بين طرفيه ، فهو مخالف لهما جميعا .
وهذا الذي قاله أبو عبيد في تقديم تفسير الفقهاء على تفسير أهل اللغة حسن جدا. ؛ فإن النَّبِيّ قَدْ يتكلم بكلام من كلام العرب يستعمله فِي معنى هُوَ أخص من استعمال العرب ، أو أعم مِنْهُ ، ويتلقى ذَلِكَ عَنْهُ حملة شريعته من الصَّحَابَة ، ثُمَّ يتلقاه عنهم التابعون ، ويتلقاه عنهم أئمة العلماء ، فلا يجوز تفسير ما ورد في الحديث المرفوع إلا بما قاله هؤلاء أئمة العلماء الذين تلقوا العلم عمن قبلهم ، ولا يجوز الإعراض عن ذلك والاعتماد على تفسير من يفسر ذلك اللفظ بمجرد ما يفهمه من لغة العرب ؛ وهذا أمر مهم جدا ، ومن أهمله وقع في تحريف كثير من نصوص السنة ، وحملها على غير محاملها . والله الموفق .
انتهى. من جوابي على بعض إخواننا في منتدى آخر..
خلوصي
2008-07-10, 08:29 PM
زد زد يا أبا فهر!
تلك مسائل لا زالت تداعب أفكاري بل تهزها منذ أمد بعيد....!
و لا أجد وقتا لبحثها .. ؟
و ربما لا أجد قدرة كالتي أوتيتها ..
سلمت يداك .
أبو فهر السلفي
2008-07-11, 09:27 PM
سلمك الله من كل سوء..
أبو فهر السلفي
2008-07-12, 10:44 PM
بارك الله فيك أخي (ابن رجب) نسيتُ رد تحيتك..
أبو فهر السلفي
2008-08-03, 07:15 PM
جواب على منتدى آخر؛فيه فوائد شتى
بارك الله فيكم جميعاً...
وأشكر لكم جميعاً مداراستكم النافعة..
وأجيبكم جميعاً في سياق واحد بإعادة تصوير المسألة فأقول:
الفاضل الدمشقي...
جواب الأولى والثانية واحد..فهذا التعريف الذي تراه هو معنى كلام (الشيخ) وهو ابن تيمية....
وأصل كلامه في ((منهاج السنة))..وتكلم هناك على أن ظاهر اللفظ يطلق ويُراد به معنى اللفظ الذي أراده منه المتكلم ،وحينها فإن هذا المعنى -في كلام الله-لم ولن يتعارض مع السنة لأن الكل من عند الله..
ويُطلق ويُراد به ما فهمه السامع من الكلام ..وهذا قد يتعارض مع السنة لسوء فهم السامع لا للعيب الذي في كلام المتكلم...
وقد يكون ما فهمه السامع هو عين مراد المتكلم وحينها يلتقي المفهومان...
ونظرية ظاهر اللفظ هذه نظرية كبيرة جداً ...ومصطلح (ظاهر اللفظ) هو أو سع وأشمل من مصطلح (الظاهر) الذي يُذكر في مراتب الدلالات..وبينهم ا مواضع التقاء..وضد الظاهر الذي في مراتب الدلالات :المؤول..وضد الظاهر الذي معنا: الباطن
وظاهر اللفظ -بمعنى ما يفهمه السامع- هو: (( هُوَ مَا يَسْبِقُ إلَى الْعَقْلِ السَّلِيمِ مِنْهُ لِمَنْ يَفْهَمُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ظُهُورُهُ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَقَدْ يَكُونُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ)).
وهذا من تعريفات الشيخ أيضاً...
وأنت ترى أن هذا التعريف يستوي فيه النص والظاهر(اللذان في مراتب الدلالات)..
فكلاهما يسبق إلى سامعهما فيه فهم..
والفرق بينهما..
أنه في النص لن يحتمل النص سوى هذا المعنى الذي سبق للفهم: ((تلك عشرة كاملة))..
أما في الظاهر ..فقد يحتمل معنى آخر يُذهب إليه بدليل فيكون اسمه حينها (المؤول))..ولا يعود النص حينها ظاهراً...وقد يبقى على هذا المعنى فلا يُذهب عنه ويبقى له اسم: ((الظاهر))...
الآن: أين موضع الجناية(؟؟؟)
موضعها تلقاه أينما يممت وجهك في كتب العقائد والتفسير وشروح الحديث بل وكتب اللغة وأصول الفقه(بعد عصر الآئمة وظهور نظرية المجاز واختلاط بدع الأشاعرة ببدع المعتزلة وتصنيف الفريقين في العلوم يدسون ضلالهم في تضاعيف هذا التصنيف)...
صارت النصوص تُفسر وفقاً للآلية التالية..
1- يُقبل العالم بوجهه على النص فيتبادر إلى فهمه منه مراد معين..
2- يتحكم في هذا المتبادر عوامل شتى أهمها: الوضع اللغوي الأول للألفاظ-كما يرون- ،والسياق،وخلفية العالم العلميةومدى استحضاره للجزئيات العلمية المتعلقة بهذا النص من أدلة أخرى أو تفسيرات مسبقة قرأها وتلقاها لهذا النص..
3- وبما إن التنبه لدلالة السياق واستحضار تلك الخلفية العلمية أو حتى وجودها من الأساس شئ يتفاوت فيه الناس=فقد كان المهيمن الأول على هذا المتبادر والذي يُسعى إليه للتقويم هو الوضع اللغوي الأول..
4- وصار القانون الأصولي على هذا النهج: المتبادر للفهم وفقاً للوضع اللغوي (متضمناً الحقائق الأربع عند من يرى أنها حقائق لا مجازات) هو ظاهر اللفظ..
5- فإن لم يحتمل النص معنى غيره كان: ((النص))(عند من يفرق بين النص والظاهرعلى طريقة المتكلمين..وللأح ناف طريقة أخرى في التفريق بين النص والظاهر وهي التي تعتمد على السياق ولبعض الأحناف مذهب ثالث)..
6- فإن احتمل معاني أُخر (سمي الظاهر)ووجب التمسك بهذا الظاهر فلا يُزال عنه إلا بقرينة..
7- وحينها يُعد من القرائن: السياق،والأدلة الخارجية من القرآن والسنة..و...و...
8- فإن قام الدليل على صرف هذا النص عن ظاهره سمي النص(مؤول)وسميت هذه العملية(التأويل) ..
الآن وقد اتضحت هذه الآلية..فأنا أسلم أنه صارت عليها القرون من بعد عصر الآئمة إلى زماننا هذا..وكان عليها أغلب العلماء...
ثم أجد في نفسي القوة لأزعم أنها طريقة باطلة في تفسير النصوص..
ثم أجد في نفسي القوة لأزعم أن أحداً من السلف الصالح،القرون المفضلة،الصحابة والتابعون وأتباعهم،بل وعصر الأئمة=لم يسر عليها أو يستعملها..
ولأن الباطل لا يكاد يأتي صريحاً قط بل لابد له من التسربل ببعض سرابيل الحق فقد اشتبهت هذه الطريقة على الناس وظنوها صحيحة قويمة..وأعظم ما لبس به لتصحيحها هو عربية القرآن كما ذكرتُ..
وليست عربية القرآن بما ينفع التمسك به هنا ..فلا شك أن القرآن عربي وأن سنن العرب في كلامها مما يُنتفع به في فهم مراد الله ومراد الرسول..ولكنهم إنما أخذوا من كلام العرب شيئاً واحداً سموه: الوضع اللغوي الأول..وجعلوه هو ظاهر اللفظ الذي لا يُخرج عنه إلا بدليل...فمن أين لهم إثبات الوضع اللغوي (؟) ومن أين لهم أن هذا المعنى بعينه هو الوضع الأول(؟؟)ومن أين لهم أن الله تبارك وتعالى أراد هذا المعنى بعينه (؟؟)ومن أين لهم أن النبي (ص) لم يخرج عن لسان العرب في هذا اللفظ بالذات إلى لسانه هو الذي يُفارق لسانهم أحياناً... واسأل ما شئت بعد ذلك فلا جواب عندهم..
وكان الواجب والطريق الصحيحة فيما نزعم أنه مادام ثبت أن اللفظ العربي يستعمل في عدة معاني وأن لسان النبي (ص) قد يُفارق لسان قومه إلى لسان جديد أوجده الشرع=وجب عندها أن يُقف فلا يُقال أراد معنى من المعاني إلا بدليل ..
أما أن يُستند إلى مجرد الوضع اللغوي فيقال: أراد كذا فلا يُصرف عنه إلا بدليل فهذا هو التألي بعينه فيما نرى..
ثم هذه الطريقة أصلاً لا فائدة منها ..فكثير من نصوص الشرع لا يُستطاع التعامل مع نص فيها بمفرده و لا تفسر على وجهها إلا إذا جمعت مع غيرها...فما فائدة التمسك بهذا الظاهر أصلاً (؟؟!!)
وإذاً فنحن نثبت من كلام هؤلاء حقاً نوافقهم فيه وننفي منه باطلاً نخالفهم فيه..
أما الحق الذي نُثبته فهو:
((خاطب الله بكتابه العربَ بلسانها على ما تَعْرِف مِن معانيها وكان مما تعرف من معانيها : اتساعُ لسانها وأنَّ فِطْرَتَه أنْ يخاطِبَ بالشيء منه عامًّا ظاهِرًا يُراد به العام الظاهر ويُسْتغنى بأوَّل هذا منه عن آخِرِه . وعاماً ظاهراً يراد به العام ويَدْخُلُه الخاصُّ فيُسْتَدلُّ على هذا ببَعْض ما خوطِبَ به فيه وعاماً ظاهراً يُراد به الخاص . وظاهراً يُعْرَف في سِياقه أنَّه يُراد به غيرُ ظاهره . فكلُّ هذا موجود عِلْمُه في أول الكلام أوْ وَسَطِهِ أو آخِرَه
وتَبْتَدِئ الشيءَ من كلامها يُبَيِّنُ أوَّلُ لفظها فيه عن آخره . وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظِها منه عن أوَّلِهِ
وتكلَّمُ بالشيء تُعَرِّفُه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرِّف الإشارةُ ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جَهَالتها
وتسمِّي الشيءَ الواحد بالأسماء الكثيرة وتُسمي بالاسم الواحد المعانيَ الكثيرة.. ))
وأما الذي ننفيه:
1- أن يُجعل بعض هذا هو الوضع اللغوي الأول وبعضه مجاز خرج إليه بقرينة.
2- وأن يُجعل هذا المتبادر أصلاً يصلح للتمسك به فلا يُخرج عنه إلا بدليل..
3- وإطلاق القول بإنه ظاهر اللفظ..
فهذا المتبادر يتفاوت تفاوتاً كبيراً بتفاوت الناظر وعقله وعلمه ..ولفظ الظاهر على هذا لفظ مجمل جداً ..فالشافعي وغيره من أهل العلم استعملوه وأرادوا أنه الذي يسبق إلى فهم السامع ولم يجاوزوا به هذا القدر..أما المتأخرون فأكسبوه أحكاماً من صلاحيته للتمسك به وألا يخرج عنه إلا بدليل ..كل ذلك قاد إلى اشتباهه بلفظ الظاهر الذي هو ما يصل إليه الناظر في تفسير النصوص بعد جمع أدلة الباب جميعاً..والذي هو عند مفسر النصوص : مراد الله ورسوله بالنص..
خلاصة:
السلف استعملوا لفظ الظاهر وأرادوا به معنيين:
الأول: ما يتبادر إلى فهم الناظر للنص (ويتحكم في هذا المتبادر عوامل شتى)..ولم يعطوا لهذا الظاهر أي نوع من الأحكام..فلم يجعلوه هو الراجح..ولم يجيزوا التمسك به إلا من بابة واحدة هي: قد أحسن من انتهى إلى ماقد سمع وأوجبوا عليه البحث والنظر وطلب العلم بجمع أدلة الباب وسؤال أهل الذكر لتقويم هذا المتبادر..ولا يستجيز السلف أن يُطلق القول بأن هذا المتبادر هو ظاهر كلام الله..بحيث يجعل هذا الباطل والضلال(الذي قد يكون هو المعنى المتبادر أحياناً) هو ظاهر كلام الله..
الثاني: ما يصل إليه الناظر في تفسير النصوص بعد جمع الباب كما أوضحنا..وهذا قد أجاز السلف التمسك به وعدم الخروج عنه إلا ببينة ..وإذا ظهرت هذه البينة فإنما تفيد تقصير هذا الباحث في الجمع لا غير..وإنما أجازوا التمسك بهذا الظاهر ولم يجيزوا التمسك بالأول..لأن الظاهر الأول هو بادي الرأي لا غير..في كثير من الموارد لا يكون هو مراد الله..أما الظاهر الثاني فقد اجتهد صاحبه واستفرغ وسعه في معرفة مراد الله بما يكون مظنة الإصابة ويكون صاحبه قد استمسك على علم عنده قد استفرغ الوسع فيه..
ولا يوجد في كلام السلف جميعاً التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره ..لأن المعتبر عندهم هو جمع أدلة الباب فغاية من تأتيه بينة تصرفه عن الظاهر الذي تمسك به=أنه قد أخطأ في تفسير(تأويل) النص لتقصيره في الجمع..وعملية الجمع هذه المؤدية للوصول لمراد الله هي التأويل والتفسير..
أما الخلف..
فأطلقوا ظاهر اللفظ وأرادوا به ما يتبادر إلى فهم السامع (وجعلوا القانون الحاكم لهذا المتبادر الوضع اللغوي الأول) فكانت المخالفة الأولى للسلف..
وأجازوا التمسك بهذا الظاهروجعلوه هو الراجح بمجرد كونه المتبادر،وبعضهم أجاز هذا التمسك بغير بحث مطلقاً..فكانت المخالفة الثانية للسلف..
ثم إن أتى صارف يصرف عن هذا الظاهر الراجح المتمسك به سموه تأويلاً فأجازوا الذهاب للمعنى الذي جعلوه مرجوحاً ..وجعلوا هذا الذي انصرف مع الصارف قد انصرف من علم إلى علم..وهذه المخالفة الثالثة للسلف..
وأجاز بعضهم أن يسمى هذا الذي تُرك وذُهب عنه ظاهر اللفظ مطلقاً..وهذه مخالفة للسلف..
واجاز بعضهم أن يكون ظاهر اللفظ وظاهر كلام الله كفر وضلال ..وأن يكون الله قد خاطب عباده بكلام ظاهره العذاب..وأن الهداية نكون في الخروج عن ظاهر كلام الله..وهذه مخالفة للسلف..
وكل ذلك أوقعهم فيه:
1- الإجمال في إطلاق ظاهر اللفظ..
2- وجعل المتبادر إلى ذهن وفق مقتضى الوضع اللغوي حق يصلح للتمسك به.
3- وغفلتهم عن أن التفسير الحق للنصوص لا تكون طريقة ظاهر اللفظ هذه سبيله وإنما غايتها أن تكون خطوة تصيب المتلقي أول سماع النص ثم واجبه بعدها البحث عن تفسيره على الطريقة التي وصفنا..
ولا تناقض في الطريقة التي وصفنا..فلسان العرب فيها هو أحد روافد التفسير ..وعندهم هو حق يصلح للتمسك به بمفرده حتى يأتى غيره ...
وأختم بهذا النص من كلام الشيخ:
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَهُ لَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي كَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ النُّصُوصَ الْمُخَالِفَةَ لِقَوْلِهِ ؛ يَسْلُكُ مَسْلَكَ مَنْ يَجْعَلُ " التَّأْوِيلَ " كَأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَقَصْدُهُ بِهِ دَفْعُ ذَلِكَ الْمُحْتَجِّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ وَهَذَا خَطَأٌ ؛ بَلْ جَمِيعُ مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ . فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضِ ، وَلَيْسَ الِاعْتِنَاءُ بِمُرَادِهِ فِي أَحَدِ النَّصَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ ، فَإِذَا كَانَ النَّصُّ الَّذِي وَافَقَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ اتَّبَعَ فِيهِ مُرَادَ الرَّسُولِ ؛ فَكَذَلِكَ النَّصُّ الْآخَرُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فَيَكُونُ أَصْلُ مَقْصُودِهِ مَعْرِفَةَ مَا أَرَادَهُ الرَّسُولُ بِكَلَامِهِ ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرٍ وَتَأْوِيلٍ )).
الحُميدي
2008-10-01, 03:01 PM
ليس هناك جديد..،سوى طريقة العرض الممتعة..،بارك الله فيك.
أبو فهر السلفي
2008-10-03, 07:22 PM
الفاضل أبو محمد ..سأقرأ وأُعلمك بما عندي..
=======
الفاضل الحميدي..وفيك بارك الله.
نضال مشهود
2010-03-23, 05:28 PM
أرجو من الشيخ أبي فهر بيان ما اصطلح عليه الإمام الشافعي بـ(الظاهر) و (الباطن) في رسالته مشكورين . .
خصوصا قوله هذا رحمه الله : (فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها وأن فطرته أن يخاطب بالشيئ منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ويستغني بأول هذا منه عن آخره وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه وعاما ظاهرا يراد به الخاص وظاهر يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره) .
أنا أرى - والله أعلم - أن مراد الشافعي بـ(الظاهر) شيئان : الأول : (صورة اللفظ وصورة منطوقه) لا معناه في ذهن السامع أيا كان هذا المعنى - لا في أول سماعه للكلام ولا في منتهى اجتهاده في تفهم الكلام .
والثاني : (معناه الغالب عند السامعين المطابق لصورة اللفظ) . وهذا قريب جدا من نظرية المتأخرين الذين أنكرتموهم . قال في الرسالة بالحرف الواحد : (وقال الله لنبيه (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) فاحتملت الآية معنيين (1) أحدهما أن لا يحرم على طاعم أبدا إلا ما استثنى الله وهذا المعنى الذي إذا وجه رجل مخاطبا به كان الذي يسبق إليه انه لا يحرم غير ما سمى الله محرما وما كان هكذا فهو الذي يقول له أظهر المعاني وأعمها وأغلبها والذي لو احتملت الآية معنى سواه كان هو المعنى الذي يلزم أهل العلم القول به إلا أن تأتي سنة النبي تدل على معنى غيره مما تحتمله الآية فيقول هذا معنى ما أراد الله تبارك وتعالى ولا يقال بخاص في كتاب الله ولا سنة إلا بدلالة فيهما أو في واحد منهما ولا يقال بخاص حتى تكون الآية تحتمل أن يكون أريد بها ذلك الخاص فأما ما لم تكن محتملة له فلا يقال فيها بما لم تحتمل الآية (2) ويحتمل قول الله (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) من شئ سئل عنه رسول الله دون غيره ويحتمل مما كنتم تأكلون وهذا أولى معانيه استدلالا بالسنة عليه دون غيره).
وهل الشافعي هو أول من دعى إلى هذه النظرية ؟؟؟؟
أبو فهر السلفي
2010-03-23, 06:35 PM
بارك الله فيك..
توضيح مراد الشافعي يحتاج لشرح موارد هذه القسمة في الرسالة وقد جهدت محاولاً تصويرها في موضوع = فتعبتُ،فأعرضت عنها..
لكن عموماً..
الشافعي يتكلم عن ظاهرين :
الأول : الذي يظهر من النص لغير العالم بالعربية والسنن [وهو المرادف لهذا الذي شرحناه هاهنا]وقد شنع الشافعي على المتمسك بهذا الظاهر في رسالته كثيراً
الثاني : الذي يظهر من النص للعالم بالعربية والسنن والشافعي يوجب على العالم بالعربية والسنن أن يتمسك بهذا الظاهر ؛لأن ما معه من العلم بالعربية والسنن يؤهله لإصابة مراد المتكلم بحيث يكون الظاهر له غالبا هو مراد المتكلم،ومع ذلك يجوز الشافعي خطأ هذا العالم وأنه قد تظهر له من السنن ما يبين خطأه في الفهم فإنه لا يحيط بالعربية ولا السنن إنسان غير نبي.
وكلام الشافعي صحيح،لكن كلامنا أن هذا القسم الثاني المتعلق بالعالم بالعربية والسنن لم يتحقق على وجهه على نحو تبرأ به ذمة المتعبد بهذا الظاهر إلا في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ،أما من بعدهم فلا تزال الشقة تبعد بينهم وبين العربية الأولى بعداً يوجب مزيد طلب للدلالات ومزيد تنقير على السنن،ولا تزال تبعد حتى لم تعد تصلح هذه العربية التي في قلوبهم لئن تكون عربية يرتكز عليها في فهم ظاهر النص،وكذا السنن ولكن الجناية في بعد الشقة عن العربية أظهر..
وأصل هذا الباب : أن النصوص نزلت على قلوب فقيهة بالعربية الأولى لم يكن يلزمها في غالب الموارد لتعرف مراد المتكلم سوى أن تقرأ النص،فمحاولة جعل طريق درك مراد المتكلم في القرون بعدهم هي نفس طريق درك مراده عندهم وهو ظاهر النص وسماعه وما يسبق للقلب منه = هو عبث محض ويوشك أن يكون طريق ضلالة..
فالشافعي يتكلم عن بناء التفقه على ظاهر النص للعالم بالعربية والسنن وهذا شيء له ميزانه في نظر الشافعي راوية السنن وراوية شعر هذيل ..
أما متكلمة الأصوليين ومخترعة نظرية ظاهر اللفظ فيتكلمون عن بناء التفقه على ظاهر النص لمن عهدوهم من أجناس الفقهاء الذين كانت المسافة بينهم وبين العربية الأولى والدراية بالسنن كالمسافة بين عقائدهم وسلوكهم وبين عقائد وسلوك القرن الأول..
***
مفتاح :
العام الذي تم تخصيصه هل أراد الله به العموم أولاً ؟
الجواب : لا وإلا كان التخصيص نسخاً
إذاً فالنص الأول مراد به من أول أمره الخصوص،وإنما العموم توهمه من ألقى سمعه لظاهر اللفظ ولم يحط علماً بتصرفات بيان الكلام العربي ولم يحط علماً بباقي كلام المتكلم ولم يحط علماً بالسنن المبينة.
وإذاً : فأكثر ما تقرأه في أبواب العام والخاص والمطلق والمقيد هي محاولات لعلاج كارثة الاعتماد على ظاهر اللفظ ..
ولذا كانت أمثلة الشافعي في أول رسالته التي ينعى بها على جهلة العربية والسنن كلها في أبواب العموم ونحوه..
فلا يوجد عام قد خص بل يوجد نص توهم عمومه لتقصير في الجمع والنظر،ولا يوجد مطلق قيد وإنما يوجد نص توهم إطلاقه لتقصير في الجمع والنظر..
خلاصة قولنا : نعم يجوز التمسك بظاهر اللفظ،ولكن هذا الظاهر ليس هو ما يسبق للفهم إلا إذا كان الفهم فهم عربي فقيه بالعربية الأولى عالم بسنن النبي صلى الله عليه وسلم ففقهه وعلمه حاضران فعملية البحث والجمع والنظر تلتي نقول إنها هي طريق تحصيل الظاهر المتمسك به = تحصل عند هذا الفقيه في قلبه على جهة أسرع لا تلحظ كالفرق بين ما يحصل بالبداهة لشخص ويحصل لآخر بالنظر..
وهذا بيان يصيب المحز فاستمسك به وضعه بين الأنف والعين..
أبو الحسن الرفاتي
2010-03-24, 02:00 PM
لي عودة بارك الله فيكم
نضال مشهود
2010-03-30, 10:45 AM
بارك الله فيكم شيخنا أبا فهر .
لا زلنا نرى أن الشافعي أراد بالظاهر أحيانا : المظهر ، أي شكل اللفظ وصورته .
فهذا متفق عليه بين الفقيه والعامي بين العربي والنبطي . . وشواهد هذا كثير جدا في رسالته رحمه الله لا تنكر .
أبو فهر السلفي
2010-04-04, 06:52 PM
بل أراد بالظاهر في كل موطن شكل اللفظ وصورته ولكن من أخذ به عنده فهو حينها جاهل مذموم..
وإنما يجوز الأخذ عنده بشكل اللفظ وصورته للعالم بالعربية واللغة علماً يقضي له بأن المظهر والمُبطن سواء لا يحتاج مع علمه بالعربية والسنن لتحقيق هذا القضاء إلا مجرد التعامل مع الشكل والصورة..
نضال مشهود
2010-04-05, 10:29 AM
ليس مطردا. بل أراد به أحيانا آخر : ما يظهر (أي يترجح) للمتلقى من بين معاني النص المحتملة - وإن خالف شكله وصورته . وإلا لما قال (هذا أظهر من هذا) ولما قال : (الصنف الذي يدل لفظه على باطنه دون ظاهره) . ولما قال : (ولو لا دلالة السنة كان ظاهر القرآن أن الاموال كلها سواء) . فائدة : بهذا ، فرق الشافعي بين (الشكل) وبين (المضمون) حيث إنهما قد اتحدا وقد افترقا . فهل هذا الأصل من أباجيد (المجاز)؟
أبو فهر السلفي
2010-04-05, 03:02 PM
بوركت..
هو هنا يفرق بين الظاهر الذي يظهر للعامي والظاهر الذي يظهر للعالم بالعربية والسنن..
بعبارة أخرى : يفرق بين الشكل والصورة وما يحدثانه من دلالة في قلب العامي..
وبين الشكل والصورة وما يحدثانه من دلالة في قلب العالم بالعربية والسنن..
فقوله مثلاً : ((ولو لا دلالة السنة كان ظاهر القرآن أن الاموال كلها سواء))
هذا الظاهر هو ماذا ؟؟
هو ظاهر عار عن السنن فهو إذاً الظاهر كما يظهر للجاهل بالسنن..
بعبارة أخرى : لا يتنافى الشكل والصورة مع الباطن إلا مع الجهل بالعربية والسنن أو النقص في استقرائهما..
أما الشكل والصورة (الظاهر) بالنسبة للعالم بالعربية والسنن المستوعب لهما فمتحدان أبداً..
لذلك تكلم الشافعي عن أنه لا يحيط بالعربية والسنن واحد..
وهذه إشارة شريفة جداً منه إلى وهاء التمسك بالظاهر من غير بحث وتنقير ثم العالم بالعربية والسنن علم قلب أو علم بحث يكون ما يظهر له مختلفاً عن ما يظهر للجاهل المقصر اختلافاً يجيز له التمسك بالظاهر مع عدم أمن الخلل عدماً يوجب له الرجوع لما تفيده إياه العربية والسنن بعدُ..
نضال مشهود
2010-04-06, 12:06 AM
وماذا عن قوله (الصنف الذي يدل لفظه على باطنه دون ظاهره) يا شيخنا ؟!
أليس (الظاهر) هنا ظاهر التركيب (كون القرية مفعول السؤال) منعت من إرادته القرينة العقلية (القرية لا تنبئ شيئا)؟
أبو فهر السلفي
2010-04-06, 02:40 AM
دون ظاهره الذي يظهر لمن يجهل أن من أساليب العربية سؤال القرية والمراد أهلها..
وإلا فظاهره لمن فقه هذا الباب من العربية موافق لباطنه سواء..
نضال مشهود
2010-04-06, 04:46 PM
وهل معنى قوله (والقرآن على ظاهره حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر) هو أن (القرآن يفهم على ما فهمه الجهلاء حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على ما فهمه العلماء دون الجهلاء) ؟؟
أبو فهر السلفي
2010-04-06, 07:32 PM
بل على ظاهره الذي يظهر للعالم بالعربية والسنن حتى تأتي حجة تبين له أنه على باطن دون الظاهر الذي ظنه ؛لتقصير وقع له في عربيته وسننه أدى لغلطه في تبين الظاهر؛إذ لا يحيط بالعربية والسنن إنسان غير نبي..
وهذا هو فرق ما بين العالم بالعربية والسنن علم قلب أو علم بحث وأنه يجوز له التمسك بالظاهر حتى يأتي ما ينقله عنه دون الجاهل بهما والذي لا يجوز له التمسك بهذا الظاهر..
نضال مشهود
2010-04-07, 01:04 PM
إذن لا حاجة للتفريق - في شأن مصطلح (الظاهر) - بين العامي والعالم فضلا عن نسبة هذا التفريق إلى الإمام الشافعي ، فإن العالم مهما بلغ من علمه فهو جاهل بالنسبة لمن علم ما لم يعلم . بل صنيع الإمام يدل على أن مصطلح (الظاهر) عنده عام لا يختص بجاهل دون عالم أو عالم دون جهل . . . وكأني بالإمام قد سننت سنة عامة وأصلّت أصلا كليا أنه يجب على كل أحد - مهما كان قدر علمه - أن يتمسك بهذا الظاهر حتى يأتيه ما يصرفه عنه . هكذا قلنا مجملا .
وقلنا مفصلا : إن هذا المصطلح - مصطلح (الظاهر) - عند الإمام على نمطين : النمط الأول أن يعنى به الإمام : (شكل اللفظ ومظهره ومخرجه وصورة تركيبه) والنمط الثاني أن يعني به الإمام : (ما يترجح للمتلقي من معاني هذا اللفظ في هذا النص بهذا الشكل والتركيب بعيدا عن غيره من النصوص).
فالأول مثل قوله رحمه الله : (وأن فطرته أن يخاطب بالشيئ منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ويستغني بأول هذا منه عن آخره ... وعاما ظاهرا يراد به الخاص) أي : (يخاطب بلفظ عام المظهر والمخرج - وهو المحلى بلام التعريف أو غيره من صيغ العموم - ولا يراد به إلا العام، ويخاطب أيضا بلفظ عام المظهر يريد به الخاص). ومنه قوله : (باب بيان ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص) أي : (ما كان الألفاظ فيه مظاهرها وأشكالها عامة لكن بعضها أريد به العام وبعضها أريد به الخاص) . ومنه قوله : (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص) أي : (عام المظهر والمخرج خاص المضمون والمعنى) .
- يتبع -
نضال مشهود
2010-04-07, 02:39 PM
إذن لا حاجة للتفريق - في شأن مصطلح (الظاهر) - بين العامي والعالم فضلا عن نسبة هذا التفريق إلى الإمام الشافعي ، فإن العالم مهما بلغ من علمه فهو جاهل بالنسبة لمن علم ما لم يعلم . بل صنيع الإمام يدل على أن مصطلح (الظاهر) عنده عام لا يختص بجاهل دون عالم أو عالم دون جهل . . . وكأني بالإمام قد سننت سنة عامة وأصلّت أصلا كليا أنه يجب على كل أحد - مهما كان قدر علمه - أن يتمسك بهذا الظاهر حتى يأتيه ما يصرفه عنه . هكذا قلنا مجملا .
وقلنا مفصلا : إن هذا المصطلح - مصطلح (الظاهر) - عند الإمام على نمطين : النمط الأول أن يعنى به الإمام : (شكل اللفظ ومظهره ومخرجه وصورة تركيبه مهما كان المقصود المراد به). والنمط الثاني أن يعني به الإمام : (ما يترجح عند المتلقي من المعاني المحتملة لهذا اللفظ في هذا النص بهذا الشكل والتركيب بعيدا عن النظر إلى غيره من النصوص).
فالأول مثل قوله رحمه الله : (وأن فطرته أن يخاطب بالشيئ منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ويستغني بأول هذا منه عن آخره ... وعاما ظاهرا يراد به الخاص) أي : (أن يخاطب بلفظ عام المظهر والمخرج - وهو المحلى بلام التعريف أو مضاف إليه لفظ الكل أو غير ذلك من صيغ العموم - ولا يراد به إلا العام، وأن يخاطب كذلك بلفظ عام المظهر والمخرج مع إرادة الخاص). ومنه قوله : (باب بيان ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص) أي : (ما كان الألفاظ فيه عام المظاهر والمخارج لكن قصد ببعضها العام وقصد ببعضها الخاص) . ومنه قوله : (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص) أي : (عام المظهر والمخرج خاص المراد والمقصود) . ومنه قوله : (الصنف الذي يدل لفظه على باطنه دون ظاهره) أي الذي يدل لفظه على شيء غير موجود في مظهر النص ومخرج اللفظ كأن يدل على محذوف هو في الحقيقة مفعول قد حل محله غيره .
والنمط الثاني مثل قوله رحمه الله : (فكان ظاهر قول الله {فاغسلوا وجوهكم} أقل ما وقع عليه اسم الغسل وذلك مرة واحتمل أكثر) أي أن هذا النص - بصرف النظر عن غيره من النصوص - محتمل لمعنيين وقصدين أحدهما أولى من الآخر . وهذا الأولى هو المسمى بالظاهر . ثم قد قوَت النصوص الأخرى هذا المعنى الظاهر وقد أبطله ورجحت المعنى الآخر المحتمل . ولذلك قال الشافعي : (فسن رسول الله الوضوء مرة فوافق ذلك ظاهر القرآن).
ومن هذا النمط أيضا قول الإمام : (قال الله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير} فذكر الله أن على المتوفى عنهن عدة وأنهن إذا بلغنها فلهن أن يفعلن في أنفسهن بالمعروف ولم يذكر شيئا تجتنبه في العدة .. فكان ظاهر الآية أن تمسك المعتدة في العدة عن الأزواج فقط مع إقامتها في بيتها بالكتاب ، وكانت تحتمل أن أمسك عن الأزواج وأن يكون عليها في الإمساك عن الأزواج إمساك عن غيره مما كان مباحا لها قبل العدة من طيب وزينة . فلما سن رسول الله على المعتدة من الوفاة الإمساك عن الطيب وغيره كان عليها الإمساك عن الطيب وغيره بفرض السنة والإمساك عن الأزواج والسكنى في بيت زوجها بالكتاب). قلت : فنص الآية وحدها إنما تفرض العدة فالمعنى الظاهر منه هو الإمساك فقط عن الزواج مع البقاء في البيت ، وإن كان هناك معنى آخر محتملة أكثر من هذا . ثم أتت السنة بنص يرفع هذا الظاهر ويقوى ذاك المحتمل بأن منعها أيضا من التطيب والتزين .
أبو فهر السلفي
2010-04-07, 02:54 PM
بل صنيع الإمام يدل على أن مصطلح (الظاهر) عنده عام لا يختص بجاهل دون عالم أو عالم دون جهل
التفريق بينهما وبين موقف كل منهما من الظاهر منتشر في الرسالة..
والنصوص التي ذكرتها بعدُ لا تخرج عن كونها وصف لظاهر يراه من لم يكن معه علم تام بالسنن..وليس هذا -عنده-مما يجوز التمسك به..
وما ذكرته أنت من نمطين : أجنبي عن مراد الشيخ فيما أرى..
وأضرب مثالين فقط للنمطين اللذين قررتهما أنا ؛لضيق وقتي :
قال الشافعي : ((وقال : (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه ضعف الطالب والمطلوب)) قال :فمخرج اللفظ عام على الناس كلهم وبين عند أهل العلم منهم أنه إنما يراد بهذا اللفظ العام المخرج بعض الناس دون بعض لانه لا يخاطب بهذا إلا من يدعو من دون الله إله
..فهذه الآية في مثل معنى الآيات قبلها لا تختلف عند أهل العلم باللسان )).
فهذا ظاهر سبق لفهم ناقص العلم بالعربية..
وقال الشافعي : ((وقال الله لنبيه (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما
على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) فاحتملت الآية معنيين أحدهما أن لا يحرم على طاعم أبدا إلا ما استثنى الله وهذا المعنى الذي إذا وجه رجل مخاطبا به كان الذي يسبق إليه انه لا يحرم غير ما سمى الله محرما وما كان هكذا فهو الذي يقول له أظهر المعاني وأعمها وأغلبها والذي لو احتملت الآية معنى سواه كان هو المعنى الذي يلزم أهل العلم القول به إلا أن تأتي سنة النبي تدل على معنى غيره مما تحتمله الآية فيقول هذا معنى ما أراد الله تبارك وتعالى..ويحتمل قول الله (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) من شئ سئل عنه رسول الله دون غيرهويحتمل مما كنتم تأكلون وهذا أولى معانيه استدلالا بالسنة عليه دون غيره)).
فهذا ظاهر سبق لفهم ناقص العلم بالسنة..ولولا وجود السنة لجاز له التمسك به فلما وجدت السنة كان المعنى الآخر هو المترجح الواجب التمسك به..
ومثل هذا الظاهر الذي قد يسبق للفهم لنقص العلم بالعربية والذي قد يسبق للفهم لنقص العلم بالسنن = لا نمنع أنه قد يظهر ولكننا نمنع أنه ظاهر ثابت في نفس الأمر بل من كان عالماً بهما لم يظهر له ذلك وكان المعنى المراد بيناً عنده من أول مرة ولم يرد على قلبه إرادة المعنى الذي يزعم ظاهراً ونمنع أنه يجوز التمسك بهذا الظاهر لغير العالم بالعربية والسنن ..
وإنما يجوز التمسك بالظاهر لمن أداه فقهه بالعربية والسنن إلى أن السابق للفهم موافق لمراد الله ليس في العربية ما يرجح غير السابق عليه وليس في السنن ما يرجح غير السابق عليه..
والرسالة كتاب شريف لا يهتدى لمراداته إلا بتكرير النظر وتطويله..
أيمن علي صالح
2010-04-08, 05:33 AM
هناك خلط عظيم في هذه المشاركة وجناية كبرى على الأصوليين والفقهاء واللغويين الذين أطبقوا على أن الأصل في اللفظ أن يدل على ظاهره حتى تصرفه قرينة إلى غير ذلك، وذلك لما يلي:
أولا: عندما قال الأصوليون بأن الظاهر هو ما يسبق إلى أفهام السامعين، أو هو ما يتبادر إلى الفهم فهذا كلام عن الظاهر في اللغة بشكل عام لا الظاهر في كلام الشارع خاصة، وقد احتاجوا إلى بيانه في أصول الفقه لأنه محتاج إليه في تفسير كلام الناس في الأيمان والنذور والطلاق والبيوع وغير ذلك، فمن قال لزوجه: "أنت طالق" لا يقبل قولُه: إنما أردت طالقاً من عِقَال دون قرينة تدل على ذلك؛ لأن ظاهر اللفظ يدل على الطلاق. أما في كلام الشارع فقد ذكر الأصوليون أن الحقيقة الشرعية، وهي المعنى المتبادر للفظ في عهد الرسالة، تقدَّم على الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية، بينما في كلام الناس تقدم الحقيقة العرفية. وطرق معرفة الحقيقة الشرعية هي نفسها ما ذكره أبو فهر من جمع ما في الباب، ويعبر عنه الأصوليون باستقراء موارد اللفظ في كلام الشارع وكذلك بـ القرائن.
ثانيا: وجود ظاهر للفظ وأنه هو الأصل ظاهرةٌ لغوية عالمية ولا تختص بلغة العرب، لأنه لولا الظاهر لما استطاع الناس أن يفهم بعضهم بعضا على نحو جيد، ولاستطاع كل واحد أن يفسر كلامه على نحو لا يفهمه السامع ظاهرا. ولذلك تنحو كل الجماعات التي تتكلم بلغة ما إلى تقليل كل ما يُخلّ بالتفاهم قدر الإمكان، وإذا أراد أحد نقل اللفظ عن ظاهره يوجب النظام اللغوي عليه أن يبين المقصود بكلامه بقرينة، ولما كان اللفظ المشترك خارجا عن هذه القاعدة كان قليلا نسبيا في كل لغة ومن هنا قال الأصوليون: الأصل عدم الاشتراك.
ثالثا: ادعى بعض الأصوليين أن ثمة عشر احتمالات ترد على أي لفظ تمنعه من إفادة القطع بمدلوله، وهي مسألة مشهورة في الأصول، وحاصلها نفي إفادة القطع واليقين عن مدلول كلام الشارع. أما أبو فهر فقد أورد في مشاركته جانبا من هذه الاحتمالات وتوصل بواسطتها لا إلى نفي القطع فحسب بل إلى نفي الظن الغالب أيضا؛ لأن إنكار الظاهر هو نفي لأن يدل أي نص بنفسه على معنى قطعا أو ظنا إلا من خلال النظر في جميع النصوص المرتبطة. وممن أجاد في إيراد هذه الاحتمالات ـ كعادته في إيراد الشبه ـ الرازي في المحصول، وكان رده عليها بعد التسليم بها بأن القرائن (ومنها جمع ما في الباب) ترفعها، أما الشاطبي في الموافقات فقد أقر بالاحتمالات وتشبث بالاستقراء ـ وهو لا يعدو كونه نوعا خاص من الاقتران ـ كوسيلة لدفعها والوصول إلى القطع بمعاني الألفاظ. أما ابن القيم فقد أفاض ـ أظنه في اجتماع الجيوش الإسلامية ـ في الرد على من قال بورود هذه الاحتمالات على الألفاظ.
رابعا: حاصل رأي أبي فهر بإلغاء الظاهر هو التمسك بمذهب الواقفية في الأصول: وهم الذين يقولون لا ندري ما المقصود بالأمر أهو الوجوب أو الندب أو غير ذلك حتى ننظر في القرائن، ولا ندري ما المقصود بالعموم أهو الاستغراق أو غيره حتى ننظر في القرائن ومسائل كثيرة من هذا القبيل، لكن الفرق بين أبي فهر وغيره أن أبا فهر ألغى ظاهر مطلقا في كل الألفاظ أما الواقفية فقد توقفوا في مسائل معدودة كصيغ الأمر والعموم
خامسا: يلزم عن رأي أبي فهر ـ ولازم المذهب ليس مذهبا ـ تأييد مذهب الباطنية في تفسير معاني الألفاظ، فإنهم لما أوردوا الاحتمالات على الألفاظ وشككوا في أن اللغة ومعاجمها قادرة على بيان معاني الألفاظ على التحقيق كما أراد الشارع قالوا بوجوب الرجوع إلى قول الإمام المعصوم لتفسيرها، وفسروها لا بما هو خارج عن الظاهر فحسب بل بما هو خارج عن لغة العرب أصلا.
سادسا: لا أدري كيف يعتمد أبو فهر على كلام الفقهاء وكلام المفسيرين وغيرهم في الوصول إلى المقصود من كلام الشارع مع أن الفقهاء والمفسرين أطبقوا على استعمال قانون الظاهر والمؤول وإن بمسمَّياتٍ مختلفة، فإذا كان منهجهم خطئا في تفسير كلام الشارع فكيف يعتبر قولهم بعدئذ.
سابعا: لنفرض أن مسألة لم يرد فيها إلا نص واحد من الشارع، وليس ثمة فيها أقوال للصحابة أو التابعين، فعلى مذهب "إلغاء الظاهر وجمع ما في الباب" لا يمكن معرفة المراد بهذا النص، لأن العودة إلى المعجم وكلام العرب غير كاف في هذا، فهل يلتزم أبو فهر هذا؟
ثامنا وأخيرا: هذه الخواطر التي يكتبها البعض دون بحث معمق وببادئ الرأي وهواجم الفِكَر، ويخرجون بها عن أقوال الجماهير لا تقود إلى علم مؤصل ومنهجية سليمة في التفكير والبحث وتجرِّئ بعض المغرضين والطاعنين والمتعالمين، والذين يريدون أن يكونوا شيئا مذكورا، على علماء الأمة وفقهائها.
كتبه:
د. أيمن صالح
ابن الرومية
2010-04-08, 06:58 AM
لو أتبعت الأمثلة التطبيقية من الرسالة بأمثلة من تفسير الطبري لتوضحت الصورة أكثر ..ففيه نظائر كثيرة في استعمال لفظة الظاهر...و يبدو لي أن لا علاقة بين ما وضحه الشيخ ابو فهر من استعمالات لفظة الظاهر عند الأئمة الأوائل و بين مذهبه في الأصل في صيغة الأمر..مع أني أيضا اعتقد ان مذهبه فيها هو مذهب الواقفة الا أن من انتقده في مسألة الظاهر ببنائها على مسألة الأمر يرتكب نفس خطئه من جمعهما تحت جنس واحد نفيا او اتباثا.. و الشكر موصول للشيخ على المقال الجميل
نضال مشهود
2010-04-08, 01:00 PM
والرسالة كتاب شريف لا يهتدى لمراداته إلا بتكرير النظر وتطويله..
كلام سليم . . وهذا ما فعلنا إن شاء الله .
والنصوص التي ذكرتها بعدُ لا تخرج عن كونها وصف لظاهر يراه من لم يكن معه علم تام بالسنن..وليس هذا -عنده-مما يجوز التمسك به
كيف . . وقد قال إنه لا أحد له علم تام بالسنن ؟!
ثم إنه قال في نفس النص الذي ذكرتم بعده :
وهذا المعنى الذي إذا وجه رجل مخاطبا به كان الذي يسبق إليه انه لا يحرم غير ما سمى الله محرما وما كان هكذا فهو الذي يقول له أظهر المعاني وأعمها وأغلبها والذي لو احتملت الآية معنى سواه كان هو المعنى الذي يلزم أهل العلم القول به إلا أن تأتي...
واضح أنه يسوي هنا بين أهل العلم وغيره في أن (الظاهر) من الآية هو عدم تحريم غيره ، ويجب التمسك بهذا الظاهر إلى أن تأتي أدلة أخرى تقيدها أو تصرفها عن هذا الظاهر . فهذا من النمط الثاني الذي بينته .
ثم ماذا فعلتم بالنمط الأول من استعمال الشافعي لمصطلح الظاهر ؟؟
كيف تفسرون قوله مثلا : (ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص) أليس هو عام الشكل والمخرج والصيغة ؟؟
نضال مشهود
2010-04-08, 02:16 PM
رب أعنا برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين . . .
نضال مشهود
2010-04-08, 02:26 PM
لو أتبعت الأمثلة التطبيقية من الرسالة بأمثلة من تفسير الطبري لتوضحت الصورة أكثر ..ففيه نظائر كثيرة في استعمال لفظة الظاهر...
نعم . . فتح الله عليك ، أخي الفاضل .
فمن النمط الأول قوله رحمه الله : (والخبرُ عن الخاصّ في المراد بالعامّ الظاهر، وعن العامّ في المراد بالخاصّ الظاهر)، وقوله : (ولكن لما كان معلومًا معناه، اكتفى بما قد ظَهر من كلامه، عن إظهار ما حذف منه)، وقوله : (كان البعضُ الظاهر دالا على البعض الباطن وكافيًا منه)، وقوله : (وقد دللنا فيما مضى على جواز حذف كل ما دل الظاهر عليه)، وقوله : (إذْ كان فيما ذكر من الكلام الظاهر دلالة على معنى ما ترك)، وقوله: (وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظاهر والتلاوة. فأما من جهة المفهوم بهما فهما متفقتان).
فمصطلح (الظاهر) في كل هذا معناه : الصورة والشكل والمخرج والمتلو والمذكور والمجيئ من اللفظ وتركيبه ؛ وفي مقابله : المراد ، المعنى ، الدلالة ، التأويل ، المفهوم . . . أو المضمر ، المحذوف ، المتروك، الباطن .
ومن النمط الثاني قوله رحمه الله : (وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته)، وقوله : (وذلك خلاف ما في ظاهر التلاوة)، وقوله : (وهذا تأويل وإن كان له مخرج ووَجْه فإنه خلاف الظاهر المفهوم بنفس الخطاب .. وتأويل القرآن على المفهوم الظاهر الخطاب دون الخفي الباطن منه - حتى تأتي دلالة من الوجه الذي يجب التسليم له بمعنىً خلافَ دليله الظاهر المتعارف في أهل اللسان الذين بلسانهم نزل القرآن - أولى)، وقوله : (فالذي هو أولى بتأويل الآية ما وصفنا، إذ كان ذلك هو الظاهر المفهوم بالآية دون غيره)، وقوله : (وغير جائزة إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان لما قد بينا في كتابنا "كتاب البيان عن أصول الأحكام")، وقوله : (فالذي هو أولى بتأويل الآية، ما دلّ عليه الظاهرُ دون ما احتمله الباطن الذي لا دلالة له على أنه المعنيُّ بها)، وقوله : (فكان الظاهر من التأويل أن الفريقَ الموصوف بأنه شرى نفسه لله وطلب رضاه، إنما شراها للوثُوب بالفريق الفاجر طلبَ رضا الله. فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية)، وقوله : (فلم يكن لنا أن نحيل ظاهر تنزيل إلى باطن، ولا نقل عام إلى خاص، إلا بحجة يجب التسليم لها)، وقوله : (فإن ذلك، وإن كان له وجه مفهوم، فليس ذلك الأغلب الظاهرَ في استعمال الناس في الكلام)، وقوله : (ولكن ليس الظاهر من معنى الكلام ذلك، وإن كان قد يؤول معناه إليه).
مصطلح (الظاهر) في كل هذا معناه : (ما ترجح من معاني النص عند الاستقلال عن غيره من النصوص). وفي مقابله : الباطن من التأويل ، محتمل باطن، وجه خفي، مستكره ، مستنكر ، منزع بعيد . وهذا النمط من الظاهر هو الذي يمكن أن يقال فيه بالتفاضل ، ويقال : هذا المعنى أظهر من هذا ، ويقال : هذا هو أظهر معانيها . . كما قال الشافعي : أظهرها وأعمها وأغلبها . وهذا النمط الثاني من (الظاهر) هو الذي يجب على كل أحد التمسك به إلا أن أتت الأدلة الأخرى تنقله منه إلى معنى آخر مما احتمله النص ، إذ أن كل أحد مأمور بأن ينتهي إلى ما قد سمع - مع بقاء الحث عليه بمزيد التعلم والتفهم .
قال أبو جعفر عند تفسير قوله تعالى {وَرَبَائِبُكُم اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} : (وأولى القولين عندي بالصواب في تأويل ذلك، ما قاله ابن عباس، من أنّ معنى:"الدخول" الجماع والنكاح. لأن ذلك لا يخلو معناه من أحد أمرين: إما أن يكون على الظاهر المتعارَف من معاني"الدخول" في الناس، وهو الوصول إليها بالخلوة بها = أو يكون بمعنى الجماع. وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأته لا يحرِّم عليه ابنتها إذا طلِّقها قبل مَسِيسها ومُباشرتها، أو قبل النَّظر إلى فرجها بالشهوة، ما يدلُّ على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع).
هذا . . وقد جمع الإمام الطبري بين النمطين عند تفسير قوله تعالى : {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ}. قال رحمه الله : (وأولى التأويلين في ذلك عندي الصواب التأويل الأول، وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه، وأشبههما بظاهر التنزيل). فقوله (أظهر معنييه) من النمط الثاني ، وقوله (ظاهر التأويل) من النمط الأول . . فشكل اللفظ يذكر الضمير العائد إلى المعمر الأول ، وأرجح معانيه كذلك أيضا . فليتأمل وليتوكل على الرحيم الرحمن.
الا أن من انتقده في مسألة الظاهر ببنائها على مسألة الأمر يرتكب نفس خطئه من جمعهما تحت جنس واحد نفيا او اتباثا..
ليتك توضح أكثر أخانا الكريم . . بارك الله فيكم .
أبو فهر السلفي
2010-04-08, 03:15 PM
1- العلم بعدم السنة التي تثبت خطأ ما سبق للفهمهو إما علم القلب وهو شيء قد يجزم به الباحث العالم بناء على سبق علمه أنه لم يأت في السنة كذا ويكون أيضا بعلم البحث الخاص عند النظر في المسألة المعينة فيجوز له عندها الحكم بذلك،أما عدم وجود إنسان يحيط بالسنة فهي تفيد في إمكان دخول الخطأ عليه رفم العلم والبحث مالم تكن مسألة إحاطة..
2-
ويجب التمسك بهذا الظاهر إلى أن تأتي أدلة أخرى تقيدها أو تصرفها عن هذا الظاهر . فهذا من النمط الثاني الذي بينته .
لا يوجد عند الشافعي شيء اسمه إلى أن تأتي ؛فقد انقطع الوحي :)
فليس هناك إتيان..
وإنما الشافعي يتكلم عن الظاهر عند أهل العلم وكلامه عن الرجل من أهل العلم ثم يقدر ما هو موقف هذا الرجل من أهل العلم لو لم تأت هذه السنة..
فهو يتكلم عن تقدير عدم الإتيان..وإلا فلا يجوز عنده التكلم في معنى كتاب الله إلا بعد البحث والتنقير عن خمسة أمور ذكرها في أول رسالته أو قيام علم القلب الصادق مقام هذا البحث..
2- عام الظاهر والشكل والمخرج عند غير أهل العلم باللسان أما أهل العلم باللسان فخصوصه بين عندهم من أول مرة لم يسبق لفهمهم غيره،وإن سبق فهو على سبيل الخطأ لا يجوز التمسك به.
نضال مشهود
2010-04-08, 03:44 PM
هذا منكم تكلف يا شيخنا لا يليق بالباحث الحر مثلكم . . فأرجو إعادة التأمل فيه .
ثم إن الذي انقطع من الوحي (تنزيله) لا (وصوله ومجيء ما فيه من الأدلة إلى أحدنا) . ولم أقل : (إلى أن ينزل الوحي) .
ومنذ متى يكون لشكل اللفظ ومخرج النص اختلاف ؟؟ الاختلاف في الحمل والفهم يا شيخنا لا في الشكل واللفظ ، فليتدبر .
بارك الله فيكم .
نضال مشهود
2010-04-08, 04:07 PM
قال أبو جعفر : (وإنما الكلام موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم ، حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره، فيكون حينئذ مسلما للحجة الثابتة بذلك). وقال : (وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف، دون باطنه المجهول، حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك، مما يجب التسليم له). وأبو جعفر ولد بعد انقطاع الوحي بقرون :)
أبو فهر السلفي
2010-04-08, 04:14 PM
هناك خلط عظيم في هذه المشاركة وجناية كبرى على الأصوليين والفقهاء واللغويين الذين أطبقوا على أن الأصل في اللفظ أن يدل على ظاهره حتى تصرفه قرينة إلى غير ذلك، وذلك لما يلي:
أولا: عندما قال الأصوليون بأن الظاهر هو ما يسبق إلى أفهام السامعين، أو هو ما يتبادر إلى الفهم فهذا كلام عن الظاهر في اللغة بشكل عام لا الظاهر في كلام الشارع خاصة.
لا يوجد شيء في اللغةاسمه الظاهر وفقاً لنظريتهم تلك ولا يوجد شيء في الشرع الذي هو نفسه اللسان العربي شيء من ذلك،وقد سبق بيان هذا في مواضيع ومواضع شتى..
وقد احتاجوا إلى بيانه في أصول الفقه لأنه محتاج إليه في تفسير كلام الناس في الأيمان والنذور والطلاق والبيوع وغير ذلك، فمن قال لزوجه: "أنت طالق" لا يقبل قولُه: إنما أردت طالقاً من عِقَال دون قرينة تدل على ذلك؛ لأن ظاهر اللفظ يدل على الطلاق.
وليس الظاهر هاهنا هو ظاهر اللفظ الواحد الذي له معنيين بل هو ظاهر هذا اللفظ المخاطب به رجل زوجته وليست في عقال ..
فلا علاقة لهذا بمحل البحث..
أما في كلام الشارع فقد ذكر الأصوليون أن الحقيقة الشرعية، وهي المعنى المتبادر للفظ في عهد الرسالة، تقدَّم على الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية، بينما في كلام الناس تقدم الحقيقة العرفية. وطرق معرفة الحقيقة الشرعية هي نفسها ما ذكره أبو فهر من جمع ما في الباب، ويعبر عنه الأصوليون باستقراء موارد اللفظ في كلام الشارع وكذلك بـ القرائن.
كل هذا باطل سبق بيانه..وإثبات هذه الحقائق مبني على إثبات الوضع ثم استعمالها مبني على تلك النظرية الفاسدة في التفسير..
ثانيا: وجود ظاهر للفظ وأنه هو الأصل ظاهرةٌ لغوية عالمية ولا تختص بلغة العرب،
جئنا للأخطاء الشائعة..
وجود معنى قد يسبق للذهن عند سماع لفظ معين هذا ظاهرة عالمية تاريخية كمان..
لكن أن يكون هذا المعنى هو الأصل الذي يحمل عليه كلام المتكلم بينما اللفظ يحتمل أكثر من معنى يمكن أن يُقصد= هذه بالذات كذبة يونانية..
لأنه لولا الظاهر لما استطاع الناس أن يفهم بعضهم بعضا على نحو جيد، ولاستطاع كل واحد أن يفسر كلامه على نحو لا يفهمه السامع ظاهرا.
دعوى ..
والناس تفهم ووسائل الفهم موجودة وإنما حصرها في دعوى أن الأصل في لفظ معين كذا من الألفاظ التي تستعمل في أكثر من معنى = هو الكذب..
رابعا: حاصل رأي أبي فهر بإلغاء الظاهر هو التمسك بمذهب الواقفية في الأصول: وهم الذين يقولون لا ندري ما المقصود بالأمر أهو الوجوب أو الندب أو غير ذلك حتى ننظر في القرائن، ولا ندري ما المقصود بالعموم أهو الاستغراق أو غيره حتى ننظر في القرائن ومسائل كثيرة من هذا القبيل، لكن الفرق بين أبي فهر وغيره أن أبا فهر ألغى ظاهر مطلقا في كل الألفاظ أما الواقفية فقد توقفوا في مسائل معدودة كصيغ الأمر والعموم
هذا باطل..
فليس كلامي في جنس الألفاظ وليس هو موافقاً للواقفية وقد سبق بيان فرق ما بين كلامنا وكلامهم ،ولا علي إن أصر الناس بعدها عل نسبة الباطل لي ؛فتلك سنة فريق منهم..
وللتأكيد : فأنا أعتقد أن من النصوص ما يفيد العموم وأن من الألفاظ ما يفيد الوجوب بنفسه..
خامسا: يلزم عن رأي أبي فهر ـ ولازم المذهب ليس مذهبا ـ تأييد مذهب الباطنية في تفسير معاني الألفاظ، فإنهم لما أوردوا الاحتمالات على الألفاظ وشككوا في أن اللغة ومعاجمها قادرة على بيان معاني الألفاظ على التحقيق كما أراد الشارع قالوا بوجوب الرجوع إلى قول الإمام المعصوم لتفسيرها، وفسروها لا بما هو خارج عن الظاهر فحسب بل بما هو خارج عن لغة العرب أصلا.
هذا عبث يتنزه عن إيراده باحث جاد في هذه المقامات فلا تعليق لي عليه فمجرد ظن هذا لازماً يدل على عدم فقه كلامي بالمرة وليورد الأخ أيمن من كلامي ما دله على هذا اللزوم إن استطاع وبالمرة فليورد لي الموضع الذي قلت فيه أن اللسان والنظر فيه لا يوصلان لمعرفة دلالات الألفاظ ..أما اختراع اللزوم من غير وجود ما يدل عليه فليس كلاماً علمياً،بل هو بالتشنيع والإرهاب الفكري أشبه..
سادسا: لا أدري كيف يعتمد أبو فهر على كلام الفقهاء وكلام المفسيرين وغيرهم في الوصول إلى المقصود من كلام الشارع مع أن الفقهاء والمفسرين أطبقوا على استعمال قانون الظاهر والمؤول وإن بمسمَّياتٍ مختلفة، فإذا كان منهجهم خطئا في تفسير كلام الشارع فكيف يعتبر قولهم بعدئذ.
أول من أعتمد عليهم هم القرون المفضلة وهم تنزهوا عن هذا الباطل والخير فيمن بعدهم درجات وقد يضل الرجل في أصل ويصيب في فرع وقد يصيب مراد النبي صلى الله عليه وسلم بطريق فاسدة وذو القلب العقول ينتفع بالمخطيء كما ينتفع بالمصيب..والرازي-مثلاً- من أجهل الناس بمراد الله والرسول في مواضع شتى ،ثم يجد عنده الباحث إصابات حسنة لهذا المراد في مواضع أخرى،فليس فيما ذكرتُه واستشكلتَه ما يُنكر..
سابعا: لنفرض أن مسألة لم يرد فيها إلا نص واحد من الشارع، وليس ثمة فيها أقوال للصحابة أو التابعين، فعلى مذهب "إلغاء الظاهر وجمع ما في الباب" لا يمكن معرفة المراد بهذا النص، لأن العودة إلى المعجم وكلام العرب غير كاف في هذا، فهل يلتزم أبو فهر هذا؟
لا يوجد نص واحد أراد الله ورسوه تعبدنا به ولا يوجد في أدوات الفهم ما يعين على معرفة المراد،وقد يغيب المراد على بعض الناس لكنه لا يغيب عن كلهم، والنصوص الأخرى هي بعضا الأدوات وأنا لم أقل بوجوب اجتماع جميع أدوات الفهم في كل نص،وهذا مما يوكد عجلة الأخ وعدم صبره على فهم كلامي..
ثامنا وأخيرا: هذه الخواطر التي يكتبها البعض دون بحث معمق وببادئ الرأي وهواجم الفِكَر، ويخرجون بها عن أقوال الجماهير لا تقود إلى علم مؤصل ومنهجية سليمة في التفكير والبحث وتجرِّئ بعض المغرضين والطاعنين والمتعالمين، والذين يريدون أن يكونوا شيئا مذكورا، على علماء الأمة وفقهائها.
كتبه:
د. أيمن صالح
والعجلة إلى الرد على كلام الناس دون تأمله وإرضاء النفس بوصف ما يخالفها بالخواطر لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً..
أخي أيمن..
أخوك يبطل المجاز والاشتراك والحقائق الأربعة والظاهر والتأويل ودلالة اللفظ المحتمل على معنى واحد دلالة أصلية ويبطل أكثر مناهج الأصوليين بعد الشافعي..
ولك طريقان بعدُ :
إما أن تقول هذه ضلالة رجل لا تشغلني فتعرض عنها..
وإما أن تقبل على ردها وحينها فواجب العدل يقتضي أن تجمع مقالاته وتفقهها ثم ترد على أصوله وتناقشه فيها..
فإن أردت واستطعت= فتفضل مشكوراً..
وإن أعرضت وبنفسك ربأت= فلا بأس عليك فابق معذوراً..
أما أن تهجم على فرع ولا تفقهه ولا تفقه أصول صاحبه = فهذا معيب جداً وقبيح جداً..
أبو فهر السلفي
2010-04-08, 05:15 PM
ليس ثم تكلف والحمد لله..
أما اختلاف المخرج فوجود أشهر من أن يُذكر فضلاً عن أن سواغ أن يُنكر..
فمخرج اللفظ هو ظاهره الذي يسبق للفهم وهذا يختلف اختلافاً يكثر ويقل بحسب علم السامع وفقهه بأحوال المتكلم..
وجعل المخرج ثابتاً هو نفسه ما دعى أقوام لإطلاق أن ظاهر النصوص يكون غير مراد..
وأصل ذلك الباطل:
هو تنزيل ما يُحدثه اللفظ في نفسك من معنى سابق منزلة ما كان يحدثه في نفس العربي صاحب اللسان الأول..
وهذا خلط عظيم بل يتفقان ويختلفان..
وكلما بعدت الشقة بين لسانك واللسان الأول علماً وزماناً اختلفت المخارج وتنوعت المعاني التي تسبق لفهمك..
وازدادت الحاجة لتعيين مراد الله والرسول باللفظ بطرائق البحث والنظر وضعفت دلالة هذا السابق وهذا المخرج المظنون على المراد..
ولذلك لم يحتج الصحابة لبيان كثير من دلالات الألفاظ التي نتنازع فيها الآن أو ينازع فيها بعض المبتدعة؛لوضوح معانيها عند عامتهم وعدم احتياجها للبيان ؛وما ذلك لإلا لاتحاد لسانهم مع اللسان الأول الذي نزل به الشرع اتحاداً يضيق الحاجة لطلب البيان ويقللها..
وهذا هو السبب في عدم اعتياص معاني ألفاظ الصفات عليهم ومناطحة المبتدعة لنا من بعدهم لما جعلوا مخرج ألفاظها هو ما سبق لفهومهم الأعجمية وقلوبهم التي أعرضت عن السنن وجعلتها منسية..
قال أبو جعفر : (وإنما الكلام موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم ، حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره، فيكون حينئذ مسلما للحجة الثابتة بذلك). وقال : (وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف، دون باطنه المجهول، حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك، مما يجب التسليم له). وأبو جعفر ولد بعد انقطاع الوحي بقرون :)
أما كلام الطبري ففي غير محله..وهو عوج في البحث، وأَمْتُه أن يقال : لا يفسر كلام رجل بكلام رجل آخر وإنما يستدل به إن كان البحث في منهج جمع من العلماء أما والبحث في واحد فتفسير كلام الواحد يكون بالنظر فيه هو لا في النظر فيه وفي جيرانه ومن يسكنون فوقه ومن يسكنون تحته..
وإن انتقل البحث للطبري ومنهجه وموقفه من ظاهر اللفظ = ساغ إيراد مثل هذه الأشياء..
لكن الآن ليس لها موضع سوى تشتيت البحث والتعلق بما لا يفيد في تفسير منهج الرجل محل البحث..
وكلامنا كان عن الشافعي وأن مراده بالإتيان ليس هو جواز مطلق التمسك بهذا الأول بل هو لا يجيز هذا التمسك إلا للعالم علم قلب أو علم بحث بعدم وجود ما يخالفه في السنة فإن أوقف بعد على ما يدل على خطأه=رجع..
وليس مراده التمسك بظاهر ثم انتظار الإتيان كأنما هو وحي سيوحى..
وإنما الشيخ يمثل لمكانة السنة ويحط على من لا يعتبرونها في البيان..
يدلك على هذا أنه لا يوجد نص قد أتى بل النص موجود من قبل وإنما هو يوكد متى يجوز للباحث القول بالقرآن ومتى لا يجوز له القول به حتى يضم إليه السنة..
فالشيخ لما يتكلم عن ظاهر القرآ ودلالته فإنما يتكلم عن تلك الدلالة المجردة بشرط تحصلها للعالم بسنن العربية ثم إذا تحصلت بعد فإنما يذكرها؛ليهيء البحث فيها بأن تقرن بغيرها من أدوات العلم ،فإن لم يوجد ما يصرف عنها جاز التمسك بها..
أما الزعم بأن الظاهر الذي هو أداة علمية هو ما يظهر لغير العالم بسنن العربية = فهذا كذب على الشيخ..
وأما الزعم بأن هذا الظاهر يجوز التمسك به والقول به قبل استكمال أدوات النظر وقبل حصول العلم يعدم ما ينقل عن هذا الظاهر نقلة تبين خطأه وأن الظاهر المراد غيره = فهذا كذب على الشيخ
وهذا بين جداً والحمد لله..
وليس مراده أن يعرض لنظرية الظاهر المكذوبة تلك ولم يبوب لها ولم يجعلها أصلاً ولا فرعاً في منهجه..
وإنما تصيد لفظ الظاهر من يظن انه يعضد تلك النظرية المكذوبة..
وخلاصة النظر :
الظاهر الذي يسبق لفهم العالم بالعربية وبالسنن علم قلب أو علم بحث ونظر = يجوز له التمسك به..
أما الظاهر الذي يسبق لفهم من ليس بعالم ومن لم يبحث ممن يحوجه علمه للبحث = فلا يجوز التمسك به،ولا يجوز للرجل أن يتكلم بعلم في الكتاب إلا بعد جمع أبواب خمسة ذكرها في أول رسالته وذضم إليها العربية..
وهذا النظر بين من سياقات الشافعي كما مثلنا لها فهو لم يذكر ظاهراً ثابتاً في نفس الأمر وحاشاه أن يتورط في هذا الكذب فأي ظاهر ثابت هذا وقد تورط الناس في فهم معان للكتاب والسنة لم يفهمها الصحابة ولم يردها المتكلم..
ونفس دعوى الظاهر الثابت هي دعوى من زعم أن ظاهر النصوص غير مراد..
وكل ذلك خطل في الرأي وعي في البيان..
والله أنزل كتابه بلسان عربي مبين وبين نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن ببيانات شتى فلو قدر من جمع في قلبه اللسان تاماً والسنة تامة = لما كان يظهر له ولا يسبق إلى فهمه إلا عين مراد الله والرسول ..
ولما كان الناس في نقص من العلمين = وقعت الفجوة بين ما يسبق إلى فهومهم وبين المراد..
ولما كان الناس في نقص يتفاحش في العلمين = امتنع أن يعد هذا الذي يسبق إلى الفهم شيئاً يعتمد عليه في معرفة مراد المتكلم..
ورجع الأمر إلى جمع الأبواب ومحاولة تعويض هذا النقص لسد تلك الفجوة..
وليس في كلام الشافعي شيء يشبه أن يُجعل حجة لمن يقول بهذه النظرية الفاسدة وإنما يغمض كلامه ويشتبه على من لم يجمع أوله وآخره ولم يفقه سياقه فانتزع منه مالم يسقه الشافعي لأجل ما انتُزع لأجله من كلامه،وهذا الانتزاع -كما عودتنا سنة العلم- مضل جداً..
وبعدُ..
فهذه خلاصة ما عندي في تفسير كلام الإمام،ولا أرى فيه عوجاً ولا أمتاً ..
وأراه واضحاً جداً في اشتراط جمع الأبواب التي ذكرها في أول الرسالة للتكلم في الوحي..
وأراه واضحاً جداً في جعله الظاهر المخالف للباطن في اللسان إنما يظهر للجهلة أما أهل العلم باللسان فهو عندهم بين..
وأراه واضحاً جداً في أن ما يظهر لعدم العلم بالسنة إنما هو لمن لم يجمعها وأنه لا يجوز التمسك به إلا في حالة أن يؤدي العلم لعدم وجود تلك السنة وان كلامه عن التمسك لولا وجود السنة واضح جداً في أنه كام تقديري مسوق لبيان مكانة السنة وليس مسوقاً لتقرير جواز التمسك قبل البحث والنظر وجمع الأبواب التي ذكرها هو في أول الرسالة..
وإن مثل قوله : ((والقرآن على ظاهره حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر))
هو في الظاهر الذي يظهر لمن فقه تلك الأبواب وجمعها فلم يجد فيها ما يصرفه عن الظاهر فهو على الظاهر حتى تأتيه زيادة علم وأن ليس مراده التمسك به قبل جمع تلك الأبواب ؛لأن هذا التمسك عنده بهذا قبل النظر في الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسنن العربية هو تكلم بغير العلم كما قال في أول الرسالة في نصه الذي مفتتحه : ((وهذا الصنف من العلم دليل على ما وصفت قبل هذا على أن ليس لاحد أبدا أن يقول في شئ حل ولا حرم إلا من جهة العلم وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الاجماع أو القياس وعنى هذا الباب معنى القياس..))
ثم ذكر معرفة العربية والخلاف والناسخ والمنسوخ ثم قال : ((فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الامساك أولى به أقرب من السلامة له إن شاء الله)).
وقد طبق هذا في الأم فقال :
((قَالَ الشّاَفعيُّ : وكان كُلُّ من خَرَجَ مُجْتَازًا من بَلَدٍ إلَى غَيْرِهِ يَقَعُ عليه اسْمُ السَّفَرِ قَصَرَ السَّفَرُ أَمْ طَالَ ولم أَعْلَمْ من السُّنَّةِ دَلِيلاً على أَنَّ لِبَعْضِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَتَيَمَّمَ دُونَ بَعْضٍ وكان ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ سَفَرًا بَعِيدًا أو قَرِيبًا يَتَيَمَّمُ)) .
فهذا ظاهر تُمسك به لما لم يوجد في السنة خلافه.
وقال : ((وَاَلَّذِي هو أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَوْلَى بِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةً فإن اللَّهَ عز وجل قَرَنَهَا مع الْحَجِّ فقال {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ} وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ قبل أَنْ يَحُجَّ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَّ إحْرَامَهَا وَالْخُرُوجَ منها بِطَوَافٍ وَحِلاَقٍ وَمِيقَاتٍ وفي الْحَجِّ زِيَادَةُ عَمَلٍ على الْعُمْرَةِ فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَوْلَى إذَا لم يَكُنْ دَلاَلَةٌ على أَنَّهُ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ وَمَعَ ذلك قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ.
فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَوْلَى إذَا لم يَكُنْ دَلاَلَةٌ على أَنَّهُ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ)).
وقوله : ((وَاسْمُ الرَّهْنِ جَامِعٌ لِمَا يَظْهَرُ هَلاَكُهُ وَيَخْفَى وَإِنَّمَا جاء الْحَدِيثُ جُمْلَةً ظَاهِرًا وما كان جُمْلَةً ظَاهِرًا فَهُوَ على ظُهُورِهِ وَجُمْلَتِهِ إلاَّ أَنْ تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ عَمَّنْ جاء عنه أو يَقُولَ الْعَامَّةُ على أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ ولم نَعْلَمْ دَلاَلَةً جَاءَتْ بهذا عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَصِيرُ إلَيْهَا)).
فهذا نص في أن التمسك بالظاهر السابق هو الظاهر الذي حصل للعالم باللسان وإنما هو بعد علم عدم وجود الدلالة وليس قبل العلم بعدم وجود الدلالة.
وقوله : ((قَالَ الشّاَفعيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في غَيْرِ آيَةٍ في قِسْمِ الْمِيرَاثِ {من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ} وَ {من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دَيْنٍ} قال الشَّافِعِيُّ فَنَقَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِلْكَ من مَاتَ من الأَحْيَاءِ إلَى من بَقِيَ من وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَجَعَلَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِيمَا مَلَّكَهُمْ من مِلْكِهِ وقال اللَّهُ عز وجل {من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ} قال فَكَانَ ظَاهِرُ الآيَةِ الْمَعْقُولُ فيها {من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بها أو دَيْنٍ} إنْ كان عليهم دَيْنٌ.
قَالَ الشّاَفعيُّ : وَبِهَذَا نَقُولُ وَلاَ أَعْلَمُ من أَهْلِ الْعِلْمِ فيه مُخَالِفًا وقد تَحْتَمِلُ الآيَةُ مَعْنًى غير هذا أَظْهَرَ منه وَأَوْلَى بِأَنَّ الْعَامَّةَ لاَ تَخْتَلِفُ فيه فِيمَا عَلِمْت وَإِجْمَاعُهُمْ لاَ يَكُونُ عن جَهَالَةٍ بِحُكْمِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.))
فانظر كيف طلب إجماع الناس على معنى هذا الظاهر وكيف لم ينصرف لمعنى يراه أظهر لمكان إجماع الناس المعين لصحة السابق للفهم وموافقته لمراد المتكلم.
وقال الشافعي : ((وقال اللَّهُ عز وجل {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وقال عز ذِكْرُهُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَلَوْ صِرْنَا إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ [فهل يقول فقيه أن الشافعي يجوز هذه الصيرورة إلى التمسك بهذا الظاهر لغير العالم بالسنن وعدم وجود ما يخالف الظاهر فيها ؟؟]قَطَعْنَا من لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ وَضَرَبْنَا كُلَّ من لَزِمَهُ اسْمُ زِنًا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَمَّا قَطَعَ النبي في رُبُعِ دِينَارٍ ولم يَقْطَعْ في أَقَلَّ منه وَرَجَمَ الْحُرَّيْنِ الثَّيِّبَيْنِ ولم يَجْلِدْهُمَا اسْتَدْلَلْنَا على أَنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا أَرَادَ بِالْقَطْعِ وَالْجَلْدِ بَعْضَ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضَ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ)).
ثم أختم بهذه العبارة التي تشكل المحرك الأول لمنهجية الشافعي وهي قوله : ((قَالَ الشّاَفعيُّ : وَلاَ تَكُونُ سُنَّةٌ أبدأ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ)).
ولا يكون ذلك أبداً إلا إن كان الظاهر الذي يجوز التمسك به من القرآن هو ما أفيد بعلم أن ليس في السنة ما يخالفه.
وإنما تقع المعارضة التي ينكرها الشافعي على مخالفيه = بين ظاهر سبق وهو متوهم غير مراد وبين سنة صحيحة أو بين ظاهر سبق وهو مراد وسنة معدومة أو ضعيفة.
ولذلك كان مفتاح نظر الشافعي أن ما يراه مخالفوه مخالفاً لظاهر القرآن من السنن التي يردونها أن هذا الظاهر قد سبق لذهنهم لنقص العلم بالعربية ونقص العلم بوجوه السنن وبيانها..
وأن الظاهر الذي هو علم يتمسك به هو ما ظهر للعالم بالعربية والعالم يالسنن ومعه لا يتعارض ظاهر الكتاب مع سنة قط..
والحمد لله وحده..
نضال مشهود
2010-04-08, 08:16 PM
قوله تعالى : (واسأل القرية) . . هل يختلف الاثنان أن المفعول الظاهر لفظا فيه (القرية) ؟
وقوله تعالى : (إن الناس قد جمعوا لكم) . . هلى يختلف الاثنان أن لفظ الناس محلى بألف ولام ؟
أبو فهر السلفي
2010-04-08, 10:27 PM
الظاهر هو لفظ القرية ولفظ الناس لكن من قال إن المعنى الظاهر هو بيوت القرية وجميع الناس؟؟
لا يختلف الاثنان أن لفظ الناس معرف بالألف واللام لكن قد يختلفون في الدلالة التي تسبق لأذهانهم من هذا اللفظ المعرف بالألف واللام..
فالناس لا يختلفون أن الظاهر هو لفظ القرية ولفظ الناس لكنهم يختلفون في الدلالة التي تظهر لهم من هذه الألفاظ..
فربما يظهر لناقص العلم أن الناس هم الناس كلهم لكن العالم بالعربية والسنن علماً تاماً لا يسبق إلى فهمه إلا أن المراد بعض الناس..
لا يختلف الناس أن لفظ اليد هو الظاهر في الآية لكنهم يختلفون في الدلالة التي تسبق لقلوبهم من هذا اللفظ..
فالبحث أخي نضال ليس في الألفاظ الظاهرة بل في الدلالات الظاهرة..
وعمل المفسر هو طلب دلالة اللفظ التي أرادها المتكلم ..
وعملنا في إبطال هذه النظرية هو إفساد ومنع إمكان صلاحية الدلالة التي تسبق للذهن لأن تكون أداة تفسير للنص فضلاً عن أن تصلح للتمسك بها..
ثم نذكر أن الأداة الصالحة في هذا الباب هي ما يسبق لذهن العالم بالعربية والسنن علم قلب غالب فيأخذ ما سبق لذهنه حينها ويعرضه على باقي ما ذكرنا ليستبعد عنصر الوهم والخطأ وأن يكون قد فاته من سنن العربية أو سنن الوحي أو..أو.. ما أدى لغلط هذا الذي سبق إلى فهمه..
وكما ترى فالذي يسبق لذهن العالم بالعربية والسنن هو مجرد أداة وعنصر من عناصر النظر وليس يصلح متمسكاً مع بعد الشقة عن اللسان الأول
وازدياد احتمالات الغلط في الذي سبق للفهم..
===
أخي الكريم نضال : قد أبدى أخوك أبو فهر حجته في هذا الباب وليس عندي-الآن-مزيد عليها ،وأنا قد نفضت عني قضية المجاز كلها بفروعها ؛لاشتغالي هذه الأيام بأبواب أخرى ترهقني ارهاقاً شديداً؛لذا فأستأذنك في أن يتوقف حوارنا عند هذا القدر وأستميحك عذراً في ذلك..
ابن الرومية
2010-04-09, 04:49 AM
أجدت و أفدت بارك الله فيك...لو زدت أكثر مع الشيخ نضال بارك الله فيك
أيمن علي صالح
2010-04-09, 10:26 AM
أخي أبا فهر، أحسن الله إليك ونوَّر قلبك وأطلق لسانك، رُبَّما أسأت فهمك في مشاركتي السابقة (لكثرة المشترك والمجاز في كلامك...:)ابتسامه: )). وما أفهمه الآن من مجموع مشاركاتك وتوضيحاتك في هذا الموضوع لا سيَّما الآخر منها هو الآتي:
1. أنك لا تنفي أن اللفظ (مفردا أو مركبا) قد يكون له معنيان هو على أحدهما أقوى دلالة منه على المعنى الآخر، أي أنه يدل على أحد هذين المعنيين دلالة راجحة وعلى المعنى الآخر دلالة مرجوحة، كصيغة الأمر تحتمل الوجوب والندب، ومعنى الوجوب أقوى.
2. والذي تنفيه وتنتقده هو أن يزعم السامع أو المتلقي أو الناظر في الكلام أن ما تبادر إلى ذهنه من معنىً هو مراد المتكلم من هذين المعنيين دون الآخر
3. وأن المنهج الصحيح للوصول إلى المعنى المقصود للمتكلم هو "جمع الباب" بالنظر إلى كافة النصوص التي تتعلق بموضوع الكلام لتحديد مراد المتكلم من المعنيين المحتملين
4. أن هذا المنهج هو منهج فقهاء السلف كالإمام الشافعي، رحمه الله تعالى، وغيره. أما بعد ذلك فقد تنكب الأصوليون والفقهاء والمفسرون هذا المنهج وقرروا أنه لا بد أن يُصار إلى الظاهر المتبادر إلى الذهن زاعمين أنه هو الأصل.
فهل فهمي هذا سليمٌ أم لا؟
د. أيمن صالح
نضال مشهود
2010-04-09, 11:49 AM
الشيخ الفاضل أبا فهر حفظكم الله . . بارك الله فيكم ونفع بكم .
هو نحن أصلا لا نختلف كثيرا في حقيقة القضية . . هي قضية السابق إلى الذهن ومدى جواز الاعتماد عليها .
وإنما كان الاختلاف بيننا في مسألتين :
(1) أولاهما : فهم مراد الشافعي بمصطلح (الظاهر) عنده ، بخصوصه ، أو مراد أمثاله من السلف بهذا المصطلح .
(2) والثانية : كيفية تعامل الفرد من هذو الأمة مع (السابق إلى ذهنه من معاني الكتاب والسنة .
فلي في المسألة الأولى ست مقامات في مناسبتين : مناسبة الدعوى ومناسبة الرد على المخالف . ففي الأولى : الاستعراض والاحتجاج والاستئناس . وفي الثانية : الممانعة والمعارضة والمناقضة .
ففي (الاستعراض) أدعى أن مراد الشافعي بمصطلح (الظاهر) في كتاباته على نمطين : إما أن يريد به (ظاهر اللفظ والصيغة) أي شكله ومخرجه - وهذا هو الذي لا يختلف فيه الاثنان ، وإما أن يريد به (ظاهر المعنى والمفهوم) أي راجحه عند الاستقلال من النصوص الأخرى - وهذا هو الذي قد يختلف فيه الأنظار .
وفي مقام (الاحتجاج) أتيت بنصوص الشافعي تشهد على هذه الدعوى مني بالصحة والسداد إن شاء الله . فمثل قوله : (عام الظاهر يراد به الخاص) لا يمكن أن يفسر مصطلح (الظاهر) هنا بظاهر المعنى ولا بظاهر الفهم ولا بالسابق إلى ذهن فلان ، فإنه لم يقل : (عام عند الجاهل وخاص عند العالم) فلم يفرق هنا بين فلان وفلان ، بل قال : (عام الظاهر وخاص المراد) . فالتفسير الصحيح الوحيد لمثل هذا الاستخدام من الإمام لمصطلح الظاهر - والذي قابله بمصطاح (المراد) أو (الباطن المراد) - هو ظاهر اللفظ ، أي ما شهدنا من مخرج اللفظ وشكله وتركيبه الصوري بصرف النظر عما حوى اللفظ في ذلك النص المعين من المعنى والدلالة والمقصود والمراد. فقوله : (عام الظاهر يراد به الخاص) معناه : (عام الصورة خاص المقصود) . وكونه عام الصورة هو مثل إضافة الألف واللام إليه - ما يجعله يصدق على جميع الناس (أو بمصطلح الشافعي : لمن يلزمه اسم الناس) . وكونه خاص المقصود هو أن يراد بهذا اللفظ العام المخرج غي هذا النص بعينه : بعض الناس دون بعض .
وأما مثل قوله (هذا النص يحتمل معنيين الظاهر منهما كذا) وقوله (وكان هذا المعنى هو الظاهر من الآية) ومقل قوله (هذا أظهر معانيها) فمصطلح (لظاهر) هنا مقابله (الباطن المستكره) لا (الباطن المراد) . إذن هو (الظاهر في المعنى) لا (في اللفظ) . وهذا هو (الاحتمال الراجح من معاني النص عند الاستقلال عن النصوص الأخرى) ، ثم قد تقوي النصوص الأخرى هذا المعنى الراجح المؤقت وقد تخالفه ويجعله مرجوحا .
وفي مقام (الاستئناس) ذكرت موارد هذا المصطلح - مصطلح (الظاهر) - في كلام الإمام الطبري في تفسيري . . للتدليل على أن الشافعي ليس هو وحده الذي استخدم هذا المصطلح بذلك الاستخدام ، بل شاركه غيره من السلف . فكان واضحا جليا من صنيع الإمام الطبري أنه إما أن يستخدم مصطلح (الظاهر) في مقابل (المعنى والمراد والتأويل) وإما أن يستخدمه في مقابل (المستنكر والمستبعد والمحتمل الخفي) . فالأول لا معنى له إلا (ظاهر اللفظ وشكله) . والثاني لا معنى له إلا (ظاهر المعنى وراجحه) . . تماما مثل ما اعتاد عليه الإمام الشافعي .
أختصر الكلام فأقول : أما في المسألة الثانية ، والذي هو مسألة (كيفية تعامل المرء مع السابق إلى فهمه من معنى النص) . . فنحن أصلا لا نختلف في أن النص لا يفهم فهما صحيحا على وجه قطعي - أو بمصطلح الشافعي : على الإحاطة وإصابه الحق في الباطن - إلا بعد جمع الباب على يد عالم باللسان متضلع بمعرفة السنن بصير بكلام من سبقه من أهل العلم . لكن أقول : عند الاشتباه وتكافؤ الظنون ، يعمل المرء بما ترجح لديه من معاني النص بعد إخلاص النية وصدق الاجتهاد مع مزيد التعلم والتفهم ولا يتكئ على مجرد السابق إلى ذهنه في أول وهلة . . فإنما هو معنى راجح مؤقتا لا دائما مستمرا . وبالجملة : على المرء - مهما كان علمه وجهله - أن يجتهد في بلوغ الحق بقدر المستطاع بما تيسر في يديه من الدلائل نصا وقياسا أو بتقليد من ترجح لديه علمه وورعه من العلماء ، مع مزيد الاستمرار في ترقية النفس وترقية الفهم .
أختم هذا الكلام بكلام الإمام رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن المسلمين خيرا كثيرا :
( وإذا كان هذا هكذا، كان على العالم أن لا يقول إلا من جهة العلم. وجهة العلم: الخبر اللازم والقياس بالدلائل على الصواب .. ولو قال بلا خبر لازم وقياس كان أقرب من الإثم من الذي قال وهو غير عالم وكان القول لغير أهل العلم جائزا . ولم يجعل الله لاحد بعد رسول الله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله وجهة العلم بعدُ: الكتاب والسنة والإجماع والآثار وما وصفت من القياس عليها .
ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله وفرضه وادبه وناسخه ومنسوخه وعامة وخاصة وإرشاده، ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله، فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكون إجماع فبالقياس. ولا يكون لاحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب. ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل وحتى يفرق بين المشتبه ولا يعجّل بالقول به دون التثبيت. ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة ويزداد به تثبيتا فيما اعتقده من الصواب.
وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده والإنصاف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما يقول وترك ما يترك. ولا يكون بما قال - أعنى منه بما خالفه - حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما ترك إن شاء الله. فأما من تم عقله ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يحل له أن يقول بقياس وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه.
ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة، فليس له أن يقول أيضا بقياس لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني. وكذلك لو كان حافظا مقصرا العقل أو مقصرا عن علم لسان العرب، لم يكن له أن يقيس من قبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس. ولا نقول يسع هذا - والله أعلم - أن يقول أبدا إلا اتباعا ولا قياسا. )
بارك الله فيكم - شيخنا الكريم - ونفع بكم
نضال مشهود
2010-04-09, 12:26 PM
أما بخصوص لفظ (القرية) ، فتحريرات ابن تيمية عندي أفضل من إطلاق الشافعي والطبري رحمهم الله . . بحجة الشهرة والشيوع أيضا ، والله أعلم .
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.