محمدعبداللطيف
2019-07-13, 01:53 PM
ظاهر العبد – هو الوجه الآخر لقلبه وباطنه، و انعكاس مباشر له لا يتخلف عنه ولا يغايره، وإذا كان الباطن صالحاً كان الظاهر كذلك، وإذا كان الباطن فاسداً كان الظاهر كذلك فاسداً بحسبه؛ لأن الإيمان أصله في القلب، وهو: قول القلب من المعرفة والعلم والتصديق. عمل القلب من الإذعان والانقياد والاستسلام. ولكن من لوازم هذا الإيمان – إذا تحقق في القلب – تحقيقها في الظاهر، فالظاهر لا يتخلف عن الباطن ولا يضاده؛ لأنه ترجمان الباطن، ومرتبط به ارتباطاً وثيقاً. فالظاهر والباطن متلازمان لا يكون الظاهر مستقيماً إلا باستقامة الباطن، وكذلك العكس. والإيمان المطلوب شرعاً هو الإيمان الظاهر والباطن، وتلازم عمل القلب بعمل الجوارح؛ لأنه لا يصح إيمان العبد بواحدة دون الأخرى؛ فمن زعم وجود العمل في قلبه دون جوارحه؛ لا يثبت له اسم الإيمان؛ لأن الأعمال والأقوال الظاهرة من لوازم الإيمان التي لا تنفك عنه، -لا يتخلف التلازم بين الظاهر والباطن إلا لموانع شرعية ومنها على سبيل المثال
حالة الإكراه ، مع أنها حالة مؤقتة وغير مستمرة وتزول بزوال العارض ، وترجع إلى ما كانت عليه من اطمئنان القلب بالإيمان وعمل الجوارح بمقتضى هذا الإيمان فكل من " أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ" سرعان ما يزول بزوال الإكراه.
---حالة المنافق كما قال تعالى في سورة الفتح : " يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم ْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ " فغير ذلك يتلازم الظاهر والباطن ولا يتخلف إلا في حالة الإكراه والمانع والنفاق- -----ادلة التلازم بين الظاهر والباطن - - قوله سبحانه : " لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" ونحوها. ---قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه)) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح هذا الحديث: (فبين أن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد؛ فإذا كان الجسد غير صالح، دل على أن القلب غير صالح، والقلب المؤمن صالح؛ فعلم أن من يتكلم بالإيمان، ولا يعمل به، لا يكون قلبه مؤمناً، حتى أن المكره إذا كان في إظهار الإيمان؛ فلابد أن يتكلم مع نفسه، وفي السر مع من يأمن إليه، ولابد أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه؛ كما قال عثمان. وأما إذا لم يظهر أثر ذلك إلا بقوله، ولا بفعله قط؛ فإنه يدل على أنه ليس في القلب إيمان، وذلك أن الجسد تابع للقلب؛ فلا يستقر شيء في القلب إلا ظهر موجبه ومقتضاه على البدن، ولو بوجه من الوجوه) .
وقال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في شرحه لهذا الحديث أيضاً: (إن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه.
فإن كان قلبه سليماً، ليس فيه إلا محبة الله، ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله، وخشية الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات.
وإن كان القلب فاسداً، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب.
ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له، مبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك؛ فإن كان الملك صالحاً كانت هذه الجنود صالحة، وإن كان فاسداً كانت جنوده بهذه المثابة فاسدة، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم...
فإن أعمال الجوارح لا تستقيم إلا باستقامة القلب، ومعنى استقامة القلب أن يكون ممتلئاً من محبة الله، ومحبة طاعته، وكراهية معصيته... وحركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده؛ فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإرادته لغير الله تعالى، فسد، وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب... ومعنى هذا أن حركات القلب والجوارح إذا كانت كلها لله؛ فقد كمل إيمان العبد بذلك ظاهراً وباطناً، ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح الجوارح؛ فإذا كان القلب صالحاً ليس فيه إلا إرادة الله، وإرادة الله ما يريده لم تنبعث الجوارح إلا فيما يريده الله) -----.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –---- فهذا الموضع ينبغي تدبره ، فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يُقتل أو يُقتل مع إسلامه ، فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية ، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل ، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان وأن الأعمال ليست من الإيمان ، وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب ، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءاً من الإيمان "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب، فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه، وهي التصديق لما في القلب، ودليل عليه وشاهد له، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له؛ لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح؛ كما قال أبو هريرة – رضي الله عنه – إن القلب ملك، والأعضاء جنوده؛ فإن طاب الملك، طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده) .
وقال أيضاً: (فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء إنه إذا أقر بالواجب وامتنع عن الفعل لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه؛ فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان، وأن الأعمال ليست من الإيمان، ... وأن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع؛ سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزء من الإيمان) .
وقال في موضع آخر: (وهنا أصول تنازع الناس فيها: منها أن القلب هل يقوم به تصديق، أو تكذيب، ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح، وإنما يظهر نقيضه من غير خوف؟ فالذي عليه السلف والأئمة وجمهور الناس؛ أنه لابد من ظهور موجب ذلك على الجوارح، فمن قال: إنه يصدق الرسول ويحبه ويعظمه بقلبه، ولم يتكلم قط بالإسلام، ولا فعل شيئاً من واجباته بلا خوف؛ فهذا لا يكون مؤمناً في الباطن، وإنما هو كافر).
وقال كذلك: (وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً، ولا غير ذلك من الواجبات، لا لأجل أن الله أوجبها؛ مثل أن يؤدي الأمانة، أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه؛ من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر؛ فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم) .
وقال - أيضاً- رحمه الله: (إذا نقصت الأعمال الظاهرة الواجبة؛ كان ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان؛ فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة، بل يلزم من وجود هذا كاملاً، وجود هذا كاملاً؛ كما يلزم من نقص هذا، نقص هذا؛ إذ تقدير إيمان تام في القلب بلا ظاهر من قول وعمل، كتقدير موجب تام بلا موجبه، وعلة تامة بلا معلولها، وهذا ممتنع).
وقال الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله: (وها هنا أصل آخر: وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل. والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد. وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان: عمل القلب، وهو نيته وإخلاصه. وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله. وإذا زال تصديق القلب، لم ينفع بقية الأجزاء؛ فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة.
وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق؛ فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة؛ فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده؛ كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه، واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول؛ بل ويرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن به.
وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب؛ فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح، ولاسيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم ... فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع القلب وانقاد؛ أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، وهو حقيقة الإيمان.
فإن الإيمان ليس مجرد التصديق ... وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبيينه؛ بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه، والعمل بموجبه، وإن سمي الأول هدى؛ فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء؛ كما أن اعتقاد التصديق، وإن سمي تصديقاً؛ فليس هو التصديق المستلزم للإيمان، فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته) .
------------------ وقال شيخ الاسلام - وهنا أصول تنازع الناس فيها : منها أن القلب هل يقوم به تصديق أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح ، وإنما يظهر نقيضه من غير خوف ؟ فالذي عليه السلف والأئمة وجمهور الناس أنه لا بد من ظهور موجب ذلك على الجوارح ، فمن قال : إنه يصدق الرسول ويحبه ويعظمه بقلبه ولم يتكلم قط بالإسلام ولا فعل شيئًا من واجباته بلا خوف ، فهذا لا يكون مؤمنًا في الباطن ، وإنما هو كافر ، وزعم جهم ومن وافقه أنه يكون مؤمنًا في الباطن ، وأن مجرد معرفة القلب وتصديقه يكون إيمانًا يوجب الثواب يوم القيامة بلا قول ولا عمل ظاهر ، وهذا باطل شرعًا وعقلاً كما بسط في غير هذا الموضع ، وقد كفَّرَ السلفُ ****ع وأحمد وغيرهما مَن يقول بهذا القول ، وقد قال النبي : " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " ، فبين أن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد ، فإذا كان الجسد غير صالح دل على أن القلب غير صالح ، والقلب المؤمن صالح ، فعلم أن من يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمنًا حتى إن المكره إذا كان في إظهار الإيمان فلابد أن يتكلم مع نفسه وفي السر مع من يأمن إليه ، ولابد أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، كما قال عثمان ، وأما إذا لم يظهر أثر ذلك لا بقوله ولا بفعله قط فإنه يدل على أنه ليس في القلب إيمان " أ.ه .
حالة الإكراه ، مع أنها حالة مؤقتة وغير مستمرة وتزول بزوال العارض ، وترجع إلى ما كانت عليه من اطمئنان القلب بالإيمان وعمل الجوارح بمقتضى هذا الإيمان فكل من " أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ" سرعان ما يزول بزوال الإكراه.
---حالة المنافق كما قال تعالى في سورة الفتح : " يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم ْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ " فغير ذلك يتلازم الظاهر والباطن ولا يتخلف إلا في حالة الإكراه والمانع والنفاق- -----ادلة التلازم بين الظاهر والباطن - - قوله سبحانه : " لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" ونحوها. ---قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه)) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح هذا الحديث: (فبين أن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد؛ فإذا كان الجسد غير صالح، دل على أن القلب غير صالح، والقلب المؤمن صالح؛ فعلم أن من يتكلم بالإيمان، ولا يعمل به، لا يكون قلبه مؤمناً، حتى أن المكره إذا كان في إظهار الإيمان؛ فلابد أن يتكلم مع نفسه، وفي السر مع من يأمن إليه، ولابد أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه؛ كما قال عثمان. وأما إذا لم يظهر أثر ذلك إلا بقوله، ولا بفعله قط؛ فإنه يدل على أنه ليس في القلب إيمان، وذلك أن الجسد تابع للقلب؛ فلا يستقر شيء في القلب إلا ظهر موجبه ومقتضاه على البدن، ولو بوجه من الوجوه) .
وقال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في شرحه لهذا الحديث أيضاً: (إن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه.
فإن كان قلبه سليماً، ليس فيه إلا محبة الله، ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله، وخشية الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات.
وإن كان القلب فاسداً، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب.
ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له، مبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك؛ فإن كان الملك صالحاً كانت هذه الجنود صالحة، وإن كان فاسداً كانت جنوده بهذه المثابة فاسدة، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم...
فإن أعمال الجوارح لا تستقيم إلا باستقامة القلب، ومعنى استقامة القلب أن يكون ممتلئاً من محبة الله، ومحبة طاعته، وكراهية معصيته... وحركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده؛ فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإرادته لغير الله تعالى، فسد، وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب... ومعنى هذا أن حركات القلب والجوارح إذا كانت كلها لله؛ فقد كمل إيمان العبد بذلك ظاهراً وباطناً، ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح الجوارح؛ فإذا كان القلب صالحاً ليس فيه إلا إرادة الله، وإرادة الله ما يريده لم تنبعث الجوارح إلا فيما يريده الله) -----.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –---- فهذا الموضع ينبغي تدبره ، فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يُقتل أو يُقتل مع إسلامه ، فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية ، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل ، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان وأن الأعمال ليست من الإيمان ، وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب ، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءاً من الإيمان "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب، فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه، وهي التصديق لما في القلب، ودليل عليه وشاهد له، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له؛ لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح؛ كما قال أبو هريرة – رضي الله عنه – إن القلب ملك، والأعضاء جنوده؛ فإن طاب الملك، طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده) .
وقال أيضاً: (فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء إنه إذا أقر بالواجب وامتنع عن الفعل لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه؛ فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان، وأن الأعمال ليست من الإيمان، ... وأن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع؛ سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزء من الإيمان) .
وقال في موضع آخر: (وهنا أصول تنازع الناس فيها: منها أن القلب هل يقوم به تصديق، أو تكذيب، ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح، وإنما يظهر نقيضه من غير خوف؟ فالذي عليه السلف والأئمة وجمهور الناس؛ أنه لابد من ظهور موجب ذلك على الجوارح، فمن قال: إنه يصدق الرسول ويحبه ويعظمه بقلبه، ولم يتكلم قط بالإسلام، ولا فعل شيئاً من واجباته بلا خوف؛ فهذا لا يكون مؤمناً في الباطن، وإنما هو كافر).
وقال كذلك: (وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً، ولا غير ذلك من الواجبات، لا لأجل أن الله أوجبها؛ مثل أن يؤدي الأمانة، أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه؛ من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر؛ فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم) .
وقال - أيضاً- رحمه الله: (إذا نقصت الأعمال الظاهرة الواجبة؛ كان ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان؛ فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة، بل يلزم من وجود هذا كاملاً، وجود هذا كاملاً؛ كما يلزم من نقص هذا، نقص هذا؛ إذ تقدير إيمان تام في القلب بلا ظاهر من قول وعمل، كتقدير موجب تام بلا موجبه، وعلة تامة بلا معلولها، وهذا ممتنع).
وقال الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله: (وها هنا أصل آخر: وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل. والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد. وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان: عمل القلب، وهو نيته وإخلاصه. وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله. وإذا زال تصديق القلب، لم ينفع بقية الأجزاء؛ فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة.
وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق؛ فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة؛ فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده؛ كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه، واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول؛ بل ويرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن به.
وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب؛ فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح، ولاسيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم ... فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع القلب وانقاد؛ أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، وهو حقيقة الإيمان.
فإن الإيمان ليس مجرد التصديق ... وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبيينه؛ بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه، والعمل بموجبه، وإن سمي الأول هدى؛ فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء؛ كما أن اعتقاد التصديق، وإن سمي تصديقاً؛ فليس هو التصديق المستلزم للإيمان، فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته) .
------------------ وقال شيخ الاسلام - وهنا أصول تنازع الناس فيها : منها أن القلب هل يقوم به تصديق أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح ، وإنما يظهر نقيضه من غير خوف ؟ فالذي عليه السلف والأئمة وجمهور الناس أنه لا بد من ظهور موجب ذلك على الجوارح ، فمن قال : إنه يصدق الرسول ويحبه ويعظمه بقلبه ولم يتكلم قط بالإسلام ولا فعل شيئًا من واجباته بلا خوف ، فهذا لا يكون مؤمنًا في الباطن ، وإنما هو كافر ، وزعم جهم ومن وافقه أنه يكون مؤمنًا في الباطن ، وأن مجرد معرفة القلب وتصديقه يكون إيمانًا يوجب الثواب يوم القيامة بلا قول ولا عمل ظاهر ، وهذا باطل شرعًا وعقلاً كما بسط في غير هذا الموضع ، وقد كفَّرَ السلفُ ****ع وأحمد وغيرهما مَن يقول بهذا القول ، وقد قال النبي : " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " ، فبين أن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد ، فإذا كان الجسد غير صالح دل على أن القلب غير صالح ، والقلب المؤمن صالح ، فعلم أن من يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمنًا حتى إن المكره إذا كان في إظهار الإيمان فلابد أن يتكلم مع نفسه وفي السر مع من يأمن إليه ، ولابد أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، كما قال عثمان ، وأما إذا لم يظهر أثر ذلك لا بقوله ولا بفعله قط فإنه يدل على أنه ليس في القلب إيمان " أ.ه .