ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 03:24 PM
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم
د. عرفات محمد عثمان
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فإن هذه الأمة الإسلامية أمة مصطفاة مرحومة منصورة، لها خيريتها وفضلها على جميع الأمم، وقد اختصها الله - تعالى - بخصائص كثيرة.
ومن هذه الخصائص ما جعله الله - تعالى - للأمة من نفحات الرحمة ومواسم الطاعة والخير للأمة، وذلك ليتزودوا فيها بالطاعة التي تقربهم إلى ربهم.
وكما فضل الله أمة الإسلام على جميع الأمم، فقد فضل كذلك أيام عشر ذى الحجة على غيرها من الأيام، فلنتنافس فيها ولنجعلها موسم مسارعة إلى الخير والتزود للقاء الله - تعالى -.
ولذلك فقد تم إعداد هذه الصفحات لتكون عوناً لي ولإخواني في الله، وتذكرة لنا بفضل هذه الأيام الطيبة وفضيلة العمل فيها، واللهَ اسأل أن ينفع بها كل قارئ وأن يجعلها حجة لنا لا علينا.
وصلى اللهم وبارك على البشير النذير محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: - فضل عشر ذي الحجة:
يقول العلماء إن الحكم على الشئ فرع عن تصوره، ولذلك فإننا نحتاج أن نتصور فضل هذه الأيام حتى نعرف قيمتها ونقدرها حق قدرها.
ولهذه الأيام فضائل كثيرة من أهمها: -
1 أن الله - تعالى - قد أقسم بها في كتابه الكريم فقال: (والفجر وليالٍ عشر والشفع والوتر) [الفجر: 1 3] والصحيح الذي عليه جمهور المفسرين أن الليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وقد ورد حديث في قوله (والفجر وليالٍ عشر: العشر: عشر النحر، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر)
وقد أقسم الله بهذه العشر وذلك لفضلها وشرفها، ثم أقسم بيومين من أيامها وهما يوم عرفة ويوم النحر، وهذا دليل واضح على عظمها وشرفها.
2 وقد أقسم الله - تعالى - بيوم عرفة على وجه الخصوص، وذلك في قوله - تعالى -(والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود) [البروج1: 3].
وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اليوم الموعود هو يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة)
3 وهذه العشر هي الأيام المعلومات التي ورد ذكرها في قوله - تعالى - (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) " الحج: 27، 28 " وقد ورد هذا التفسير عن عبد الله بن عباس، ورواه عنه البخاري في صحيحه تعليقا
ورواه عبد الرزاق في تفسيره عن قتادة بسند صحيح، ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد بسند صحيح، وورد أيضا عن ابن عمر والحسن، وقال به جمع من الفقهاء. وذلك الذكر يكون للحاج لأنه يسوق الهدى للذبح في هذه الأيام ويشاركه في ذلك إخوانه المسلمون الذين لم يتيسر لهم الحج.
4 وهذه الأيام هي أعظم أيام السنة، فعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من أيام العشر)
5 وهى أفضل أيام الدنيا كلها، وهذا نص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعنى عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه بالتراب. ، والمعنى: إلا من استشهد في المعركة.
6 وفي هذه العشر أعظم الأيام، يوم النحر الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر) ويوم القر هو اليوم الذي يلي يوم النحر، لأن الناس يقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا من الطواف والنحر واستراحوا.
7- ومن فضائل هذه الأيام أنها هي الأيام التي أعطاها الله لموسى - عليه السلام - كي يتم ميقاته أربعين ليلة، قال - تعالى -: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) (الأعراف: 142)
وقد ورد هذا عند مجاهد ومسروق، فالحمد لله الذي هدانا لهذه الأيام وأضلهم عنها، فنحن أولى بموسى - عليه السلام - منهم.
8- ومن فضل هذه الأيام أيضاً ما أشار إليه الحافظ ابن حجر من أن هذه الأيام مكان اجتماع أمهات العبادة، وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتيسر هذا في أي وقت من أوقات العام إلا في هذه الأيام.
9- والمشهور أن ميزة هذه العشر في أيامها، وفضيلة عشر رمضان في لياليها، هذا الذي عليه الأكثر، لكن يعترض على هذا الرأي أن الله قد أقسم بليالي هذه العشر فدل ذلك على أن للياليها فضيلة أيضًا والراجح في هذا ما ذكره ابن رجب الحنبلي من أن مجموع هذه العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها، وهى ليلة القدر، هذا هو الراجح في التفضيل بينهما، والله أعلم.
10- ومن فضائل هذه الأيام أن العمل فيها له منزلة عظيمة وفضل كبير عند الله - تعالى -، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعنى أيام العشر، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشئ ".
وفضل العمل في هذه الأيام يدل على فضيلتها في نفسها، وعن أنس قال: كان يقال: أيام العشر بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم.
وعن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة يصام نهارها ويحرس ليلها إلا أن يختص امرؤ بشهادة.
وفي الحديث إشارة إلى عظيم فضل الجهاد، ومعرفة الصحابة لذلك، وفيه أيضاً بيان لفضيلة هذه الأيام المباركة، وفضل العمل فيها، فإن العمل فيها يفضل الجهاد في غيرها، أما في باقي أيام السنة فإن الجهاد أفضل الأعمال.
فلنحرص على الخير في هذه الأيام حتى نكون أهلاً بقبول دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا، فإن نبينا - عليه السلام - يدعو لنا من غير أن يرانا، والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - طيب النفس قلت: يا رسول الله، ادع الله لي فقال: " اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وما أسرت وما أعلنت، فضحكت عائشة حتى سقطت في حجرها من الضحك، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيسرك دعائي؟ فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك، فقال والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة ".
فتأمل يا عبد الله، نبيك يدعو لك بالمغفرة بدون أن يراك، فاحرص على أسباب المغفرة حتى تسعد بجواره في جنات النعيم.
ثانياً: عمل الخير في هذه الأيام :
من عرف عظمة الشئ بذل في سبيله العظيم، وإذا عرفنا عظمة هذه الأيام وفضلها وشرفها فإنه يلزمنا أن نقوم بحقها، فإن الله - تعالى -يحب ذوى الهمم العالية، كما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يحب معالى الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ".
فلنبذل الوسع ونشمر في الطاعة، ولننظر في سير سلفنا الصالح رضوان الله عليهم: فقد كان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه.
وكان يوصى إخوانه قائلاً: (لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر، تعجبه العبادة)
فاجتهدوا وجدوا وابدأو الشهر بدعوة صادقة عند رؤية الهلال: (اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربى وربك الله) .
فإن الله إذا استجاب هذه الدعوة وفقنا إلى الخيرات في هذه الليالي والأيام المباركات، والله يوفقنا وإياكم.
وسوف أستعرض في السطور التالية أهم فضائل الأعمال في هذه الأيام، والأمر على سبيل التمثيل، وإلا فأبواب الخير كثيرة، والله المستعان.
1- ذكر الله كثيرا:
المؤمن ذاكر لله في كل أحواله، لا يفتر عن الذكر في أي حال وهو يقتفي في ذلك أثر القدوة والمعلم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يذكر الله على كل أحواله.
والذكر في هذه الأيام أشد استحباباً، قال - تعالى -(ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) [الحج: 28] والراجح أن الأيام المعلومات هي أيام العشر كما سبق، وفي حديث ابن عمر يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " وقد سبق تخريجه.
وفي صحيح البخاري: أن أبا هريرة وعبد الله بن عمر كانا يأتيان السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس معهما، ولا يأتيان لشئ إلا لذلك.
وقد كان يكبر في هذه الأيام أيضا جماعة من السلف منهم سعيد بن جبير ومجاهد وابن أبى ليلى وغيرهم.
فهذه أيام الذكر والطاعة، فلا يفوتنك الخير فيها حتى لا تندم يوم لا ينفع الندم، ففي الحديث (ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة) .
فأهل الذكر هم أهل الخير كله، وهم السابقون بالخيرات، المحترزون من الشيطان بالحصن الحصين، الداخلون في حمى رب العالمين الناجون من عذاب الجحيم قال - عليه السلام - " ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله "
يتبع
د. عرفات محمد عثمان
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فإن هذه الأمة الإسلامية أمة مصطفاة مرحومة منصورة، لها خيريتها وفضلها على جميع الأمم، وقد اختصها الله - تعالى - بخصائص كثيرة.
ومن هذه الخصائص ما جعله الله - تعالى - للأمة من نفحات الرحمة ومواسم الطاعة والخير للأمة، وذلك ليتزودوا فيها بالطاعة التي تقربهم إلى ربهم.
وكما فضل الله أمة الإسلام على جميع الأمم، فقد فضل كذلك أيام عشر ذى الحجة على غيرها من الأيام، فلنتنافس فيها ولنجعلها موسم مسارعة إلى الخير والتزود للقاء الله - تعالى -.
ولذلك فقد تم إعداد هذه الصفحات لتكون عوناً لي ولإخواني في الله، وتذكرة لنا بفضل هذه الأيام الطيبة وفضيلة العمل فيها، واللهَ اسأل أن ينفع بها كل قارئ وأن يجعلها حجة لنا لا علينا.
وصلى اللهم وبارك على البشير النذير محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: - فضل عشر ذي الحجة:
يقول العلماء إن الحكم على الشئ فرع عن تصوره، ولذلك فإننا نحتاج أن نتصور فضل هذه الأيام حتى نعرف قيمتها ونقدرها حق قدرها.
ولهذه الأيام فضائل كثيرة من أهمها: -
1 أن الله - تعالى - قد أقسم بها في كتابه الكريم فقال: (والفجر وليالٍ عشر والشفع والوتر) [الفجر: 1 3] والصحيح الذي عليه جمهور المفسرين أن الليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وقد ورد حديث في قوله (والفجر وليالٍ عشر: العشر: عشر النحر، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر)
وقد أقسم الله بهذه العشر وذلك لفضلها وشرفها، ثم أقسم بيومين من أيامها وهما يوم عرفة ويوم النحر، وهذا دليل واضح على عظمها وشرفها.
2 وقد أقسم الله - تعالى - بيوم عرفة على وجه الخصوص، وذلك في قوله - تعالى -(والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود) [البروج1: 3].
وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اليوم الموعود هو يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة)
3 وهذه العشر هي الأيام المعلومات التي ورد ذكرها في قوله - تعالى - (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) " الحج: 27، 28 " وقد ورد هذا التفسير عن عبد الله بن عباس، ورواه عنه البخاري في صحيحه تعليقا
ورواه عبد الرزاق في تفسيره عن قتادة بسند صحيح، ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد بسند صحيح، وورد أيضا عن ابن عمر والحسن، وقال به جمع من الفقهاء. وذلك الذكر يكون للحاج لأنه يسوق الهدى للذبح في هذه الأيام ويشاركه في ذلك إخوانه المسلمون الذين لم يتيسر لهم الحج.
4 وهذه الأيام هي أعظم أيام السنة، فعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من أيام العشر)
5 وهى أفضل أيام الدنيا كلها، وهذا نص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعنى عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه بالتراب. ، والمعنى: إلا من استشهد في المعركة.
6 وفي هذه العشر أعظم الأيام، يوم النحر الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر) ويوم القر هو اليوم الذي يلي يوم النحر، لأن الناس يقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا من الطواف والنحر واستراحوا.
7- ومن فضائل هذه الأيام أنها هي الأيام التي أعطاها الله لموسى - عليه السلام - كي يتم ميقاته أربعين ليلة، قال - تعالى -: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) (الأعراف: 142)
وقد ورد هذا عند مجاهد ومسروق، فالحمد لله الذي هدانا لهذه الأيام وأضلهم عنها، فنحن أولى بموسى - عليه السلام - منهم.
8- ومن فضل هذه الأيام أيضاً ما أشار إليه الحافظ ابن حجر من أن هذه الأيام مكان اجتماع أمهات العبادة، وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتيسر هذا في أي وقت من أوقات العام إلا في هذه الأيام.
9- والمشهور أن ميزة هذه العشر في أيامها، وفضيلة عشر رمضان في لياليها، هذا الذي عليه الأكثر، لكن يعترض على هذا الرأي أن الله قد أقسم بليالي هذه العشر فدل ذلك على أن للياليها فضيلة أيضًا والراجح في هذا ما ذكره ابن رجب الحنبلي من أن مجموع هذه العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها، وهى ليلة القدر، هذا هو الراجح في التفضيل بينهما، والله أعلم.
10- ومن فضائل هذه الأيام أن العمل فيها له منزلة عظيمة وفضل كبير عند الله - تعالى -، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعنى أيام العشر، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشئ ".
وفضل العمل في هذه الأيام يدل على فضيلتها في نفسها، وعن أنس قال: كان يقال: أيام العشر بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم.
وعن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة يصام نهارها ويحرس ليلها إلا أن يختص امرؤ بشهادة.
وفي الحديث إشارة إلى عظيم فضل الجهاد، ومعرفة الصحابة لذلك، وفيه أيضاً بيان لفضيلة هذه الأيام المباركة، وفضل العمل فيها، فإن العمل فيها يفضل الجهاد في غيرها، أما في باقي أيام السنة فإن الجهاد أفضل الأعمال.
فلنحرص على الخير في هذه الأيام حتى نكون أهلاً بقبول دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا، فإن نبينا - عليه السلام - يدعو لنا من غير أن يرانا، والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - طيب النفس قلت: يا رسول الله، ادع الله لي فقال: " اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وما أسرت وما أعلنت، فضحكت عائشة حتى سقطت في حجرها من الضحك، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيسرك دعائي؟ فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك، فقال والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة ".
فتأمل يا عبد الله، نبيك يدعو لك بالمغفرة بدون أن يراك، فاحرص على أسباب المغفرة حتى تسعد بجواره في جنات النعيم.
ثانياً: عمل الخير في هذه الأيام :
من عرف عظمة الشئ بذل في سبيله العظيم، وإذا عرفنا عظمة هذه الأيام وفضلها وشرفها فإنه يلزمنا أن نقوم بحقها، فإن الله - تعالى -يحب ذوى الهمم العالية، كما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يحب معالى الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ".
فلنبذل الوسع ونشمر في الطاعة، ولننظر في سير سلفنا الصالح رضوان الله عليهم: فقد كان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه.
وكان يوصى إخوانه قائلاً: (لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر، تعجبه العبادة)
فاجتهدوا وجدوا وابدأو الشهر بدعوة صادقة عند رؤية الهلال: (اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربى وربك الله) .
فإن الله إذا استجاب هذه الدعوة وفقنا إلى الخيرات في هذه الليالي والأيام المباركات، والله يوفقنا وإياكم.
وسوف أستعرض في السطور التالية أهم فضائل الأعمال في هذه الأيام، والأمر على سبيل التمثيل، وإلا فأبواب الخير كثيرة، والله المستعان.
1- ذكر الله كثيرا:
المؤمن ذاكر لله في كل أحواله، لا يفتر عن الذكر في أي حال وهو يقتفي في ذلك أثر القدوة والمعلم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يذكر الله على كل أحواله.
والذكر في هذه الأيام أشد استحباباً، قال - تعالى -(ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) [الحج: 28] والراجح أن الأيام المعلومات هي أيام العشر كما سبق، وفي حديث ابن عمر يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " وقد سبق تخريجه.
وفي صحيح البخاري: أن أبا هريرة وعبد الله بن عمر كانا يأتيان السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس معهما، ولا يأتيان لشئ إلا لذلك.
وقد كان يكبر في هذه الأيام أيضا جماعة من السلف منهم سعيد بن جبير ومجاهد وابن أبى ليلى وغيرهم.
فهذه أيام الذكر والطاعة، فلا يفوتنك الخير فيها حتى لا تندم يوم لا ينفع الندم، ففي الحديث (ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة) .
فأهل الذكر هم أهل الخير كله، وهم السابقون بالخيرات، المحترزون من الشيطان بالحصن الحصين، الداخلون في حمى رب العالمين الناجون من عذاب الجحيم قال - عليه السلام - " ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله "
يتبع