ابو وليد البحيرى
2019-06-24, 03:40 PM
اللغة العربية !
تنعى حظّها بين أهلها
حافـظ إبراهيـم
رجَعْـتُ لنَفْسِي فاتَّهَمـتُ حَصاتِـي
ونادَيْتُ قَوْمِي فآحْتَسَبْتُ حَياتِـي([1])
رَمَوْني بُعُقْمٍ في الشَّبـابِ وليْتَنـي
عَقِمتُ فلَـمِ أَجَزَعْ لَقْول عُداتـي([2])
وَلَـدْتُ ولَّمـا لَـم أَجِـدْ لَعرائِسِـي
رِجـالاً وأَكْـفـاءً وَأَدْتُ بَناتـي([3])
وسِعْـتُ كِتـابَ الله لَفْظـاً وغايـةً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظـاتِ([4])
فكيف أَضِيقُ اليومَ عنَ وَصْفِ آلَـةٍ
وتَنْسِيـقِ أسـمـاءٍ لمُخْترعَـاتِ
أنا البَحْـرُ في أَحْشائِه الدُّرُّ كامِـنٌ
فهل سَأَلوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتـيِ
فيـا وَيْحَكُمْ أَبْلَـى وتَبْلَى مَحاسِنـي
ومنكْم وإنْ عَـزَّ الدّواءُ أساتِـي([5])
فـلا تَكِلُـوني للـزّمـانِ فـإنّنـي
أَخافُ عليكمْ أنْ تَحِيـنَ وَفَاتِـي ([6])
أَرَى لرِجـالِ الغَـرْبِ عِزّاً ومَنْعَـةً
وكـم عَـزَّ أَقوامٌ بِعـزِّ لُغـاتِ([7])
أَتَـوْا أَهْلَهُـمْ بالمُعْجِـزاتِ تَفَـنُّنـاً
فـيـا لَيْتَكُـمْ تأتـونَ بالكَلِمَـاتِ
أَيُطْرِبُكُـمْ مِنْ جانِبِ الغَربِ ناعِـبٌ
يُنادِى بِوَأْدِي في رَبِيـعِ حياتِـي([8])
ولو تَزْجُـرُونَ الطَّيْرَ يوماً عَلِمْتُـمُ
بما تَحْتَـه مِنْ عَثْـرَةٍ وشَتـاتِ([9])
سَقَى اللهُ في بَطْـنِ الجَزِيرةِ أَعْظُماً
يَعِـزُّ عليهـا أنْ تَلِيـنَ قَناتِـي([10])
حَفِظْـنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتـه
لـهـنّ بقَلْـبٍ دائـمٍ الحَسَـراتِ
وفَاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ
حَياءً بتلكَ الأَعْظُـمِ النَّخِـراتِ([11])
أَرَى كـلَّ يـومٍ بالجَرائِـدِ مَـزْلَقـاً
مِنَ القَبْـر يُدْنيني بغَيْـرِ أَنـاةِ([12])
وأَسْمَعُ للكُتّـابِ في مِصْـرَ ضَجّـةً
فأَعْلَـمُ أنّ الصّائحِـين نُعاتِـي([13])
أيَهْجُرُني قَوِمي ـ عفا اللهُ عَنْهُمُ ـ
إلى لُغَـةٍ لَـمْ تتصِـلْ بـرُواةِ ([14])
سَـرَتْ لُوثَةُ الإِفْرَنْجِ فيها كماً سَرَى
لُعابُ الأَفاعي في مَسِيلِ فُـرات ([15])
فجاءَتْ كثَـوْبٍ ضَمَّ سَبْعِـين رُقْعَـةً
مُـشَكَّلَـةَ الأَلْـوانِ مُخْتَلِـفـاتِ
إِلى مَعْشَـرِ الكُتّـابِ والجَمْعُ حافِـلٌ
بَسَطْتُ رَجائي بَعْدَ بَسْطِ شَكاتِي([16])
فإمّا حياةٌ تَبْعَـثُ المَيْـتَ في البِلـى
وتُنْبِتُ في تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفاتـي([17])
وإمّـا مَمـاتٌ لا قِيـامـةَ بَـعْـدَهُ
مَماتٌ لَعَمـري لَمْ يُقَـسْ بمَمـاتِ
(1) رجعت لنفسي ، أي تأملت . والحصاة : الرأي والعقل . واحتسبت حياتي : عددتها عند الله فيما يدخر . يقول على لسان اللغة العربية : إنني عدت إلى نفسي وفكرت فيما آل إليه أمري ، فأسأت الظن بمقدرتي ، كدت أُصدِّق ما رموني به من القصور ، وناديت الناطقين بي أن ينصروني فلم أجد منهم سميعاً ، فادخرت حياتي عند الله .
(2) العداة : الأعداء : يقول : اتهموني بأني لا ألد على حين أني في ريعان شبابي ، وليتني كنت كما قالوا فلا يحزنني قولهم . وكني بالعقم هنا عن ضيق اللغة وجمودها .
(3) يريد " بالعرائس " الألفاظ المجلوة الحسنة . ووأد البنت : دفنها حية .
(4) الآي : جمع آية .
(5) الأساة : جمع الآسى ، وهو الطبيب .
(6) تكلوني : تتركوني . وتحين : تحل .
(7) يقال : هو في منعة ، أي في قوم يمنعونه ويحمونه .
(8) الناعب : المصوت بما هو مستنكره . ربيع الحياة : أيام الشباب والقوّة .
(9) زجر الطير ، وهو أن ترمي الطائر بحصاة أو تصبح به ، فإن ولاك في طيرانه ميامنه تفاءلت به خيراً ، وإن ولاك مياسره تطيرت منه . والعثرة : السقوط . والشتات : التفرق . يقول : لو استنبأتم الغيب بزجر الطير ، كما كان يفعل العرب ، لعلمتم ما يجر دفني عليكم من السقوط والانحلال .
(10) القناة : الرمح . ولينها : كناية عن الضعف . ويريد " بالأعظم " : من دفن في الجزيرة من العرب الأوّلين .
(11) النخرات : البالية المتفتتة .
(12) المزلق : مكان الانزلاق ، أي السقوط والزلل . والأناة : التأني والإبطاء . ويريد وصف لغة الجرائد اذ ذاك بالضعف .
(13) النعاة : جمع ناع ، وهو المخبر بالموت .
(14) لم تتصل برواة ، أي لم يأخذها الخلف عن السلف بطريق الرواية التي تحفظها من التغيير كما هو الشأن في العربية . ويشير إلى تلك اللغة المرقعة التي كانت مستعملة أيام نشر هذه القصيدة .
(15) اللوثة ( بالضم) : عدم الإبانة . ولعاب الأفاعي : سمها . والفرات : الماء العذب .
(16) الشكاة : الشكوى .
(17) تبعث الميت : تحييه . والرموس : القبور ، الواحد رمس . والرفات : كل ما تكسر وبلي : يريد ما بقى من الجسد بعد الموت .
تنعى حظّها بين أهلها
حافـظ إبراهيـم
رجَعْـتُ لنَفْسِي فاتَّهَمـتُ حَصاتِـي
ونادَيْتُ قَوْمِي فآحْتَسَبْتُ حَياتِـي([1])
رَمَوْني بُعُقْمٍ في الشَّبـابِ وليْتَنـي
عَقِمتُ فلَـمِ أَجَزَعْ لَقْول عُداتـي([2])
وَلَـدْتُ ولَّمـا لَـم أَجِـدْ لَعرائِسِـي
رِجـالاً وأَكْـفـاءً وَأَدْتُ بَناتـي([3])
وسِعْـتُ كِتـابَ الله لَفْظـاً وغايـةً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظـاتِ([4])
فكيف أَضِيقُ اليومَ عنَ وَصْفِ آلَـةٍ
وتَنْسِيـقِ أسـمـاءٍ لمُخْترعَـاتِ
أنا البَحْـرُ في أَحْشائِه الدُّرُّ كامِـنٌ
فهل سَأَلوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتـيِ
فيـا وَيْحَكُمْ أَبْلَـى وتَبْلَى مَحاسِنـي
ومنكْم وإنْ عَـزَّ الدّواءُ أساتِـي([5])
فـلا تَكِلُـوني للـزّمـانِ فـإنّنـي
أَخافُ عليكمْ أنْ تَحِيـنَ وَفَاتِـي ([6])
أَرَى لرِجـالِ الغَـرْبِ عِزّاً ومَنْعَـةً
وكـم عَـزَّ أَقوامٌ بِعـزِّ لُغـاتِ([7])
أَتَـوْا أَهْلَهُـمْ بالمُعْجِـزاتِ تَفَـنُّنـاً
فـيـا لَيْتَكُـمْ تأتـونَ بالكَلِمَـاتِ
أَيُطْرِبُكُـمْ مِنْ جانِبِ الغَربِ ناعِـبٌ
يُنادِى بِوَأْدِي في رَبِيـعِ حياتِـي([8])
ولو تَزْجُـرُونَ الطَّيْرَ يوماً عَلِمْتُـمُ
بما تَحْتَـه مِنْ عَثْـرَةٍ وشَتـاتِ([9])
سَقَى اللهُ في بَطْـنِ الجَزِيرةِ أَعْظُماً
يَعِـزُّ عليهـا أنْ تَلِيـنَ قَناتِـي([10])
حَفِظْـنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتـه
لـهـنّ بقَلْـبٍ دائـمٍ الحَسَـراتِ
وفَاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ
حَياءً بتلكَ الأَعْظُـمِ النَّخِـراتِ([11])
أَرَى كـلَّ يـومٍ بالجَرائِـدِ مَـزْلَقـاً
مِنَ القَبْـر يُدْنيني بغَيْـرِ أَنـاةِ([12])
وأَسْمَعُ للكُتّـابِ في مِصْـرَ ضَجّـةً
فأَعْلَـمُ أنّ الصّائحِـين نُعاتِـي([13])
أيَهْجُرُني قَوِمي ـ عفا اللهُ عَنْهُمُ ـ
إلى لُغَـةٍ لَـمْ تتصِـلْ بـرُواةِ ([14])
سَـرَتْ لُوثَةُ الإِفْرَنْجِ فيها كماً سَرَى
لُعابُ الأَفاعي في مَسِيلِ فُـرات ([15])
فجاءَتْ كثَـوْبٍ ضَمَّ سَبْعِـين رُقْعَـةً
مُـشَكَّلَـةَ الأَلْـوانِ مُخْتَلِـفـاتِ
إِلى مَعْشَـرِ الكُتّـابِ والجَمْعُ حافِـلٌ
بَسَطْتُ رَجائي بَعْدَ بَسْطِ شَكاتِي([16])
فإمّا حياةٌ تَبْعَـثُ المَيْـتَ في البِلـى
وتُنْبِتُ في تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفاتـي([17])
وإمّـا مَمـاتٌ لا قِيـامـةَ بَـعْـدَهُ
مَماتٌ لَعَمـري لَمْ يُقَـسْ بمَمـاتِ
(1) رجعت لنفسي ، أي تأملت . والحصاة : الرأي والعقل . واحتسبت حياتي : عددتها عند الله فيما يدخر . يقول على لسان اللغة العربية : إنني عدت إلى نفسي وفكرت فيما آل إليه أمري ، فأسأت الظن بمقدرتي ، كدت أُصدِّق ما رموني به من القصور ، وناديت الناطقين بي أن ينصروني فلم أجد منهم سميعاً ، فادخرت حياتي عند الله .
(2) العداة : الأعداء : يقول : اتهموني بأني لا ألد على حين أني في ريعان شبابي ، وليتني كنت كما قالوا فلا يحزنني قولهم . وكني بالعقم هنا عن ضيق اللغة وجمودها .
(3) يريد " بالعرائس " الألفاظ المجلوة الحسنة . ووأد البنت : دفنها حية .
(4) الآي : جمع آية .
(5) الأساة : جمع الآسى ، وهو الطبيب .
(6) تكلوني : تتركوني . وتحين : تحل .
(7) يقال : هو في منعة ، أي في قوم يمنعونه ويحمونه .
(8) الناعب : المصوت بما هو مستنكره . ربيع الحياة : أيام الشباب والقوّة .
(9) زجر الطير ، وهو أن ترمي الطائر بحصاة أو تصبح به ، فإن ولاك في طيرانه ميامنه تفاءلت به خيراً ، وإن ولاك مياسره تطيرت منه . والعثرة : السقوط . والشتات : التفرق . يقول : لو استنبأتم الغيب بزجر الطير ، كما كان يفعل العرب ، لعلمتم ما يجر دفني عليكم من السقوط والانحلال .
(10) القناة : الرمح . ولينها : كناية عن الضعف . ويريد " بالأعظم " : من دفن في الجزيرة من العرب الأوّلين .
(11) النخرات : البالية المتفتتة .
(12) المزلق : مكان الانزلاق ، أي السقوط والزلل . والأناة : التأني والإبطاء . ويريد وصف لغة الجرائد اذ ذاك بالضعف .
(13) النعاة : جمع ناع ، وهو المخبر بالموت .
(14) لم تتصل برواة ، أي لم يأخذها الخلف عن السلف بطريق الرواية التي تحفظها من التغيير كما هو الشأن في العربية . ويشير إلى تلك اللغة المرقعة التي كانت مستعملة أيام نشر هذه القصيدة .
(15) اللوثة ( بالضم) : عدم الإبانة . ولعاب الأفاعي : سمها . والفرات : الماء العذب .
(16) الشكاة : الشكوى .
(17) تبعث الميت : تحييه . والرموس : القبور ، الواحد رمس . والرفات : كل ما تكسر وبلي : يريد ما بقى من الجسد بعد الموت .