المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المختصر في تفسير القرآن الكريم .. (متجدد)



الصفحات : [1] 2 3

ابو وليد البحيرى
2019-05-27, 03:16 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
التفسير منقول من موقع طريق الاسلام
الحلقة (1)
(سورة الفاتحة)
مقاصد وتفسير وفوائد


سورة الفاتحة
مَكيّة

(مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ)
تحقيق التوجه لله تعالى بكمال العبودية له وحده.
(التَّفْسِيرُ)
سُمِّيت سورةَ الفاتحة لافتتاح كتاب الله بها، وتسمَّى أم القرآن لاشتمالها على موضوعاته؛ من توحيد لله، وعبادة، وإشارة إلى قصص وغير ذلك، وهي أعظم سورة في القرآن، وهي السَّبعُ المثاني.

1- باسم الله أبدأ قراءة القرآن، مستعينًا به تعالى متبركًا بذكر اسمه. وقد تضمنت البسملة ثلاثة من أسماء الله الحسنى، وهي: 1- "الله"؛ أي: المعبود بحق، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه. 2- "الرَّحْمَن"؛ أي: ذو الرحمة الواسعة. فهو الرحمن بذاته. 3- "الرَّحِيم"؛ أي: ذو الرحمة الواصلة. فهو يرحم برحمته من شاء من خلقه ومنهم المؤمنون من عباده.


2- جميع أنواع المحامد من صفات الجلال والكمال هي له وحده دون من سواه؛ إذ هو رب كل شيء وخالقه ومدبره. و "العالمون" جمعُ "عالَم" وهم كل ما سوى الله تعالى.

3- ثناء على الله تعالى بعد حمده في الآية السابقة.

4- تمجيد لله تعالى بأنه المالك لكل ما في يوم القيامة، حيث لا تملك نفس لنفس شيئًا. فـ "يوم الدين": يوم الجزاء والحساب.

5- نخصُّك وحدك بأنواع العبادة والطاعة، فلا نشرك معك غيرك، ومنك وحدك نطلب العون في كل شؤوننا، فبيَدِكَ الخير كله، ولا مُعين سواك.

6- دُلَّنا إلَى الصراط المستقيم، واسلكْ بنا فيه، وثبِّتنا عليه، وزدنا هدى. و"الصراط المستقيم" هو الطريق الواضح الَّذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام الَّذي أرسل الله به محمدًا -صلى الله عليه وسلم-.

7- طريق الذين أنعمت عليهم من عبادك بهدايتهم؛ كالنبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا، غير طريق المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه كاليهود، وغير طريق الضالين عن الحق الذين لم يهتدوا إليه لتفريطهم في طلب الحق والاهتداء إليه كالنصارى.

(مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ)
• افتتح الله تعالى كتابه بالبسملة؛ ليرشد عباده أن يبدؤوا أعمالهم وأقوالهم بها طلبًا لعونه وتوفيقه.
• من هدي عباد الله الصالحين في الدعاء البدء بتمجيد الله والثناء عليه سبحانه ثم ليشرع في الطلب.
• تحذير المسلمين من التقصير في طلب الحق كالنصارى الضالين، أو عدم العمل بالحق الَّذي عرفوه كاليهود والمغضوب عليهم.
• دلَّت السورة على أن كمال الإيمان يكون بإخلاص العبادة لله تعالى وطلب العون منه وحده دون سواه.

والله اعلم.

ابو وليد البحيرى
2019-05-27, 04:55 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (2)
(سورة البقرة)
مدنية
البقرة (الم..... واولائك هم المفلحون)
مقاصد وفوائد وتفسير



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/353.jpg
مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ:
إعداد الأمة لعمارة الأرض والقيام بدين الله، وبيان أقسام الناس، وفيها أصول الإيمان وكليات الشريعة.

التَّفْسِيرُ
سُمِّيت سورة البقرة بهذا الاسم لورود قصة بقرة بني إسرائيل فيها، وفيها إشارة إلى وجوب المسارعة إلى تطبيق شرع الله، وعدم التلكؤ فيه كما حصل من يهود.

1-{الم} هذه من الحروف التي افتُتِحت بها بعض سور القرآن، وهي حروفٌ هجائية لا معنى لها في نفسها إذا جاءت مفردة هكذا (أ، ب، ت، إلخ)، ولها حكمةٌ ومَغْزًى؛ حيث لا يوجد في القرآن ما لا حكمة له، ومن أهم حِكَمها الإشارة إلى التحدي بالقرآن الَّذي يتكوَّن من الحروف نفسها التي يعرفونها ويتكلمون بها؛ لذا يأتي غالبًا بعدها ذكرٌ للقرآن الكريم، كما في هذه السورة.


2- ذلك القرآن العظيم لا شك فيه، لا من جهة تنزيله، ولا من حيث لفظه ومعناه، فهو كلام الله، يهدي المتقين إلى الطريق الموصل إليه.

3- 4- الذين يؤمنون بالغيب وهو كل ما لا يُدرك بالحواس وغاب عنّا، مما أخبر الله عنه أو أخبر عنه رسوله، كاليوم الآخر، وهم الذين يقيمون الصلاة بأدائها وفق ما شرع الله من شروطها، وأركانها، وواجباتها، وسننها، وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله، بإخراج الواجب كالزكاة، أو غير الواجب كصدقة التطوع؛ رجاء ثواب الله، وهم الذين يؤمنون بالوحي الَّذي أنزل الله عليك -أيها النبي- والذي أنزل على سائر الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - من قبلك دون تفريق، وهم الذين يؤمنون إيمانًا جازمًا بالآخرة وما فيها من الثواب والعقاب.
5 - هؤلاء المُتَّصِفون بهذه الصفات على تَمكُّنٍ من طريق الهداية، وهم الفائزون في الدنيا والآخرة بنَيلهم ما يرجون ونجاتهم مما يخافون.

مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ
• الثقة المطلقة في نفي الرَّيب دليل على أنَّه من عند الله؛ إذ لا يمكن لمخلوق أن يدعي ذلك في كلامه.
• لا ينتفع بما في القرآن الكريم من الهدايات العظيمة إلا المتقون لله تعالى المعظمون له.
• من أعظم مراتب الإيمانِ الإيمانُ بالغيب؛ لأنه يتضمن التسليم لله تعالى في كل ما تفرد بعلمه من الغيب، ولرسوله بما أخبر عنه سبحانه.
• كثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والزكاة؛ لأنَّ الصلاة إخلاص للمعبود، والزكاة إحسان للعبيد، وهما عنوان السعادة والنجاة.
• الإيمان بالله تعالى وعمل الصالحات يورثان الهداية والتوفيق في الدنيا، والفوز والفلاح في الأُخرى.

ابو وليد البحيرى
2019-05-28, 07:31 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (3)
(سورة البقرة)
مدنية

سورة البقرة (ان الذين كفروا .. .. .. مهتدين) فوائد وتفسير



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/374.jpg
ولما بيَّن الله صفات المؤمنين المتقين الذين صلح ظاهرهم وباطنهم، ذكر صفات الكافرين الذين فسد ظاهرهم وباطنهم، فقال:

6- إن الذين كفروا مستمرون على ضلالهم وعنادهم، فإنذارك لهم وعدمه سواء.

7- لأن الله طبع على قلوبهم فأغلقها على ما فيها من باطل، وطبع على سمعهم فلا يسمعون الحق سماع قَبول وانقياد، وجعل على أبصارهم غطاء فلا يبصرون الحق مع وضوحه، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
ولما بيَّن الله صفات الكافرين الذين فسد ظاهرهم وباطنهم؛ بيَّن صفات المنافقين الذين فسد باطنهم وصلح ظاهرهم فيما يبدو للناس، فقال:

8- ومن الناس طائفة يزعمون أنهم مؤمنون، يقولون ذلك بألسنتهم خوفًا على دمائهم وأموالهم، وهم في الباطن كافرون.

9- يخادعون الله والمؤمنين بإظهار الإيمان وإبطان الكفر، وهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم فقط، ولكنهم لا يشعرون بذلك؛ لأن الله تعالى يعلم السر وأخفى، وقد أَطْلَع المؤمنين على صفاتهم وأحوالهم.

10- والسبب أن في قلوبهم شكًّا، فزادهم الله شكًّا إلى شكِّهم، والجزاء من جنس العمل، ولهم عذاب أليم في الدرك الأسفل من النار، بسبب كذبهم على الله وعلى الناس، وتكذيبهم بما جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم-.

11- وإذا نُهوا عن الإفساد في الأرض بالكفر والذنوب وغيرها، أنكروا وزعموا أنهم هم أصحاب الصلاح والإصلاح.

12- والحقيقة أنهم هم أصحاب الإفساد، ولكنهم لا يشعرون بذلك، ولا يشعرون أن فعلهم عين الفساد.

13- وإذا أمروا بالإيمان كما آمن أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم-؛ أجابوا على سبيل الاستنكار والاستهزاء بقولهم: أنؤمن كإيمان خِفافِ العقول؟! والحق أنهم هم السفهاء، ولكنهم يجهلون ذلك.
14- وإذا التقوا المؤمنين قالوا: صدَّقنا بما تؤمنون به؛ يقولون ذلك خوفًا من المؤمنين، وإذا انصرفوا عن المؤمنين إلى رؤسائهم منفردين بهم، قالوا مؤكدين ثباتهم على متابعتهم لهم: إنا معكم على طريقتكم، ولكنا نوافق المؤمنين ظاهرًا سخرية بهم واستهزاءً.

15- الله يستهزئ بهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين، جزاءً لهم من جنس عملهم، ولهذا أجرى لهم أحكام المسلمين في الدنيا، وأما في الآخرة فيجازيهم على كفرهم ونفاقهم، وكذلك يملي لهم ليتمادوا في ضلالهم وطغيانهم، فيبقوا حائرين مترددين.
16- أولئك هم السفهاء لأنهم استبدلوا الكفر بالإيمان، فما ربحت تجارتهم؛ لخسارتهم الإيمان بالله، وما كانوا مهتدين إلى الحق.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن من طبع الله على قلوبهم بسبب عنادهم وتكذيبهم لا تنفع معهم الآيات وإن عظمت.
• أن إمهال الله تعالى للظالمين المكذبين لم يكن عن غفلة أو عجز عنهم، بل ليزدادوا إثمًا، فتكون عقوبتهم أعظم.

ابو وليد البحيرى
2019-06-01, 10:56 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (4)
(سورة البقرة)
مدنية

سورة البقرة (مثلهم كمثل الذي .. .. .. اعدت للكافرين) فوائد وتفسير





تفسيرٍ مختصَرٍ يجمَعُ بين وضوح العبارة وسهولتها الاقتصار على تفسير الآيات شرح المفردات القرآنية الغريبة تحرِّي المعنى الأرجح تباع منهج سلف الأمة رضوان الله عليهم في التفسير.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/1.jpg
17- ضرب الله لهؤلاء المنافقين مثلين: مثلًا ناريًّا، ومثلًا مائيًّا، فأما مثلهم الناري: فهم كمثل من أوقد نارًا ليستضيء بها، فلما سطع نورها وظن أنَّه ينتفع بضوئها خمدت، فذهب ما فيها من إشراق، وبقي ما فيها من إحراق، فبقي أصحابها في ظلمات لا يرون شيئًا، ولا يهتدون سبيلًا.


18- فهم صمٌّ لا يسمعون الحق سماع قبول، بُكْمٌ لا ينطقون به، عمي عن إبصاره، فلا يرجعون عن ضلالهم.
19- وأما مثلهم المائي: فهم كمثل مطر كثير، من سحاب فيه ظلمات متراكمة ورعد وبرق، نزل على قوم فأصابهم ذعر شديد، فجعلوا يسدُّون آذانهم بأطراف أصابعهم، من شدة صوت الصواعق خوفًا من الموت، والله محيط بالكافرين لا يعجزونه.


20- يكاد البرق من شدة لمعانه وسطوعه يأخذ أبصارهم، كلما ومض البرق لهم وأضاء تقدموا، وإذا لم يضئ بقوا في الظلام، فلم يستطيعوا التحرك، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم بقدرته الشاملة لكل شيء؛ فلا تعود إليهم؛ لإعراضهم عن الحق. فكان المطر مثلًا للقرآن، وصوت الصواعق مثلًا لما فيه من الزواجر، وضوء البرق مثلًا لظهور الحق لهم أحيانًا، وجعل سد الآذان من شدة الصواعق، مثلًا لإعراضهم عن الحق وعدم الاستجابة له، ووجه الشبه بين المنافقين وأصحاب المَثَلَين؛ هو عدم الاستفادة، ففي المثل الناري: لم يستفد مستوقدها غير الظلام والإحراق، وفي المثل المائي: لم يستفد أصحاب المطر إلا ما يروِّعهم ويزعجهم من الرعد والبرق، وهكذا المنافقون لا يرون في الإسلام إلا الشدة والقسوة.
ولما ذكر الله أنواع الناس من مؤمنين وكافرين ومنافقين؛ ناداهم جميعًا داعيًا إياهم إلى إفراده بالعبادة، فقال:

21- يا أيها الناس اعبدوا ربكم وحده دون سواه؛ لأنه الَّذي خلقكم وخلق الأمم السابقة لكم، رجاء أن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية؛ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

22- فهو الَّذي جعل لكم الأرض بساطًا ممهدًا، وجعل السماء من فوقها مُحكمة البنيان، وهو المنعم بإنزال المطر، فأنبت به مختلف الثمار من الأرض، لتكون رزقًا، فلا تجعلوا لله شركاء وأمثالا وأنتم تعلمون أنَّه لا خالق إلا الله عز وجل.

23- وإن كنتم-يا أيها الناس- في شك من القرآن المُنزل على عبدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-، فنتحداكم أن تعارضوه بالإتيان بسورة واحدة مماثلة له، ولو كانت أقصر سورة منه، ونادوا من استطعتم من أنصاركم إن كنتم صادقين فيما تدَّعونه.

24- فإن لم تفعلوا ذلك-ولن تقدروا عليه أبدًا- فاتقوا النار التي توقد بالناس المستحقين للعذاب، وبأنواع الحجارة مما كانوا يعبدونه وغيرها، هذه النار قد أعدها الله وهيأها للكافرين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]


• أن الله تعالى يخذل المنافقين في أشد أحوالهم حاجة وأكثرها شدة؛ جزاء نفاقهم وإعراضهم عن الهدى.
• من أعظم الأدلة على وجوب إفراد الله بالعبادة أنَّه تعالى هو الَّذي خلق لنا ما في الكون وجعله مسخَّرًا لنا.
• عجز الخلق عن الإتيان بمثل سورة من القرآن الكريم يدل على أنَّه تنزيل من حكيم عليم.

ابو وليد البحيرى
2019-06-14, 08:46 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (5)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/130.jpg


25 - وإذا كان الوعيد السابق للكافرين؛ فبشِّر -أيها النبي- المؤمنين بالله الذين يعملون الصالحات؛ بما يسرُّهم من جنات تجري الأنهار من تحت قصورها وأشجارها، كلما أُطعموا من ثمارها الطيبة رزقًا؛ قالوا من شدة الشّبَهِ بثمار الدنيا: هذا مثل الثمار التي رزقنا من قبل، وقُدمت لهم ثمار متشابهة في شكلها واسمها حتَّى يُقْبلُوا عليها بحكم المعرفة بها، ولكنها مختلفة في طَعمها ومذاقها، ولهم في الجنّة أزواج مبرَّأة من كل ما تنفر منه النفس، ويُسْتَقْذَر طبعًا مما يُتَصَوَّر في أهل الدنيا، وهم في نعيم دائم لا ينقطع، بخلاف نعيم الدنيا المنقطع.
26 - إن الله سبحانه وتعالى: لا يستحي من ضرب الأمثال بما شاء، فيضرب المثل بالبعوضة، فما فوقها في الكِبَر أو دونها في الصِّغَر، والناس أمام هذا نوعان: مؤمنون وكافرون، فأما المؤمنون فيصدقون ويعلمون أن من وراء ضرب المثل بها حكمة، وأما الكافرون فيتساءلون على سبيل الاستهزاء عن سبب ضرب الله الأمثال بهذه المخلوقات الحقيرة؛ كالبعوض، والذباب، والعنكبوت، وغيرها، فيأتي الجواب من الله: إن في هذه الأمثال هداياتٍ وتوجيهاتٍ واختبارًا للناس، فمنهم من يضلُّهم الله بهذه الأمثال لإعراضهم عن تدبرها، وهم كثير، ومنهم من يهديهم بسبب اتعاظهم بها، وهم كثير، ولا يضل إلا من كان مستحقًّا للضلال، وهم الخارجون عن طاعته؛ كالمنافقين.
27 - الذين ينقضون عهد الله الذي أخذه عليهم بعبادته وحده واتباع رسوله الَّذي أخبرت به الرسل قبله. هؤلاء الذين يتنكرون لعهود الله يتصفون بأنهم يقطعون ما أمر الله بوصله كالأرحام، ويسعون لنشر الفساد في الأرض بالمعاصي، فهؤلاء هم الناقصة حظوظهم في الدنيا والآخرة.
28 - إن أمركم -أيها الكفار- لعجب! كيف تكفرون بالله، وأنتم تشاهدون دلائل قدرته في أنفسكم، فقد كنتم عدمًا لا شيء، فأنشأكم وأحياكم، ثم هو يميتكم الموتة الثانية، ثم يحييكم الحياة الثانية، ثم يرجعكم إليه ليحاسبكم على ما قدمتم.
29 - والله وحده الَّذي خلق لكم جميع ما في الأرض من أنهار وأشجار وغير ذلك مما لا يُحْصَى عدده، وأنتم تنتفعون به وتستمتعون بما سخَّره لكم، ثم ارتفع على السماء فخلقهن سبع سماوات مستويات، وهو الَّذي أحاط علمه بكل شيء.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من كمال النعيم في الجنّة أن ملذاتها لا يكدرها أي نوع من التنغيص، ولا يخالطها أي أذى.
• الأمثال التي يضربها الله تعالى لا ينتفع بها إلا المؤمنون؛ لأنهم هم الذين يريدون الهداية بصدق، ويطلبونها بحق.
• من أبرز صفات الفاسقين نقضُ عهودهم مع الله ومع الخلق، وقطعُهُم لما أمر الله بوصله، وسعيُهُم بالفساد في الأرض.
• الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة؛ لأن الله تعالى امتنَّ على عباده بأن خلق لهم كل ما في الأرض.

ابو وليد البحيرى
2019-06-14, 08:50 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (6)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/131.jpg



30 - يخبر الله تعالى أنَّه سبحانه قال للملائكة: إنه سيجعل في الأرض بشرًا يخلُف بعضهم بعضًا، للقيام بعمارتها على طاعة الله، فسأل الملائكةُ ربَّهم -سؤال استرشاد واستفهام- عن الحكمة من جعل بني آدم خلفاء في الأرض، وهم سيفسدون فيها، ويريقون الدماء ظلمًا، قائلين: ونحن أهل طاعتك، نُنَزّهُك حامدين لك، ومعظّمين جلالك وكمالك، لا نفتُرُ عن ذلك، فأجابهم الله عن سؤالهم: إني أعلم ما لا تعلمون من الحِكَم الباهرة في خلقهم، والمقاصد العظيمة من اسَتخلافهم.
31 - ولبيان منزلة آدم عليه السلام علَّمه الله تعالى أسماء الأشياء كلها من الحيوان والجماد؛ ألفاظها ومعانيها، ثم عرض تلك المسمَّيات على الملائكة قائلًا: أخبروني بأسمائها إن كنتم صادقين فيما تقولون؛ أنكم أكرم من هذا المخلوق وأفضل منه.
32 - قالوا -مُعْترِفين بنقصهم مُرْجِعين الفضل إلى الله-: نُنَزّهُك ونعظِّمك يا ربَّنا عن الاعتراض عليك في حُكمك وشرعك، فنحن لا نعلم شيئًا إلا ما رزقتنا علمه، إنك أنت العليم الَّذي لا يخفى عليك شيء، الحكيم الَّذي تضع الأمور في مواضعها من قدرك وشرعك.
33 - وعندئذ قال الله تعالى لآدم: أخبرهم بأسماء تلك المسمَّيات، فلما أخبرهم كما علَّمه ربه، قال الله للملائكة: ألم أقل لكم: إني أعلم ما خفي في السماوات وفي الأرض، وأعلم ما تُظْهرون من أحوالكم وما تحدِّثُون به أنفسكم.
34 - يبين الله تعالى أنَّه أمر الملائكة بالسجود لآدم سجود تقدير واحترام، فسجدوا مسارعين لامتثال أمر الله، إلا ما كان من إبليس الَّذي كان من الجن، فامتنع اعتراضًا على أمر الله له بالسجود وتكَبُّرًا على آدم، فصار بذلك من الكافرين بالله تعالى.
35 - وقلنا: يا آدم اسكن أنت وزوجك -حواء- الجنّة، وكُلا منها أكلًا هنيئًا واسعًا لا مُنَغِّص فيه، في أي مكان من الجنّة، وإياكما أن تقربا هذه الشجرة التي نهيتكما عن الأكل منها، فتكونا من الظالمين بعصيان ما أمرتكم به.
36 - فلم يزل الشيطان يوسوس لهما ويزين؛ حتَّى أوقعهما في الزلل والخطيئة بالأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها، فكان جزاؤهما أن أخرجهما الله من الجنّة التي كانا فيها، , وقال الله لهما وللشيطان: انزلوا إلى الأرض، بعضكم أعداء بعض، ولكم في تلك الأرض استقرار وبقاء وتَمَتُّعٌ بما فيها من خيرات إلى أن تنتهي آجالكم، وتقوم الساعة.
37 - فأخذ آدم ما ألقى الله اليه من كلمات، وألهمه الدعاء بهن، وهي المذكورة في قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] فقبل الله توبته، وغفر له، فهو سبحانه كثير التوبة على عباده، رحيمٌ بهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الواجب على المؤمن إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض خلقه وأَمْرِهِ أن يسلِّم لله في خلقه وأَمْرِهِ.
• رَفَعَ القرآن الكريم منزلة العلم، وجعله سببًا للتفضيل بين الخلق.
• الكِبْرُ هو رأس المعاصي، وأساس كل بلاء ينزل بالخلق، وهو أول معصية عُصِيَ الله بها.

ابو وليد البحيرى
2019-06-14, 08:53 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (7)
(سورة البقرة)
مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/132.jpg

38 - قلنا لهم: انزلوا جميعًا من الجنّة إلى الأرض، فإن جاءتكم هداية على أيدي رسلي، فمن اتبعها وآمن برسلي فلا خوف عليهم في الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
39 - وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا؛ فأولئك هم أصحاب النار المقيمون فيها.
40 - يا أبناء نبي الله يعقوب تذكروا نعم الله المتتالية عليكم واشكروها والتزموا بالوفاء بعهدي إليكم؛ من الإيمان بي وبرسلي، والعمل بشرائعي، فإن وفيتم به أوفيت بعهدي لكم فيما وعدتكم به؛ من الحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الحسن يوم القيامة، وإياي وحدي فخافوني ولا تنقضوا عهدي.
41 - وآمِنوا بالقرآن الذى أنزلته على محمد - صلى الله عليه وسلم - مواففًا لما جاء في التوراة قبل تحريفها في شأن توحيد الله، ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، واحذروا من أن تكونوا أول فريق يكفر به، ولا تستبدلوا بآياتي التي أنزلتها ثمنًا قليلًا من جاه ورئاسة، واتقوا غضبي وعذابي.
42 - ولا تخلطوا الحق -الَّذي أنزلته على رسلي- بما تفترون من أكاذيب، ولا تكتموا الحق الَّذي جاء في كتبكم من صفة محمد - صلى الله عليه وسلم -، مع علمكم به ويقينكم منه.
43 - وأدّوا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها وسننها، وأخرجوا زكاة أموالكم التي جعلها الله في أيديكم، واخضعوا لله مع الخاضعين له من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
44 - ما أقبح أن تأمروا غيركم بالإيمان وفعل الخير، وتُعرضوا أنتم عنه ناسين أنفسكم، وأنتم تقرؤون التوراة، عالِمين بما فيها من الأمر باتباع دين الله، وتصديق رسله، أفلا تنتفعون بعقولكم؟!
45 - واطلبوا العون على كل أحوالكم الدينية والدنيوية؛ بالصبر وبالصلاة التي تقربكم إلى الله وتصلكم به، فيعينكم ويحفظكم ويذهب ما بكم من ضر، وإن الصلاة لشاقة وعظيمة إلا على الخاضعين لربهم.
46 - وذلك لأنهم هم الذين يوقنون أنهم واردون على ربهم وملاقوه يوم القيامة، وأنهم إليه راجعون ليجازيهم على أعمالهم.
47 - يا أبناء نبي الله يعقوب، اذكروا نعمي الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم، واذكروا أني فضَّلتكم على أهل زمانكم المعاصرين لكم بالنبوة والملك.
48 - واجعلوا بينكم وبين عذاب يوم القيامة وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي، ذلك اليوم الَّذي لا تغني فيه نفس عن نفس شيئًا، ولا تُقْبَلُ فيه شفاعة أحد بدفع ضر أو جلب نفع إلا بإذن من الله، ولا يؤخذ فداء ولو كان ملء الأرض ذهبًا، ولا ناصر لهم في ذلك اليوم، فإذا لم ينفع شافع ولا فداء ولا ناصر، فأين المفر؟!

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعَظم الخذلان أن يأمر الإنسان غيره بالبر، وينسى نفسه.
• الصبر والصلاة من أعظم ما يعين العبد في شؤونه كلها.
• في يوم القيامة لا يَدْفَعُ العذابَ عن المرء الشفعاءُ ولا الفداءُ ولا ينفعه إلا عمله الصالح.

ابو وليد البحيرى
2019-06-14, 08:56 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (8)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/133.jpg



49 - واذكروا يا بني إسرائيل حين أنقذناكم من أتباع فرعون الذين كانوا يذيقونكم أصناف العذاب؛ حيث يقتلون أبناءكم ذبحًا، حتَّى لا يكون لكم بقاء، ويتركون بناتكم أحياءً حتَّى يكن نساء ليخدمنهم؛ إمعانًا في إذلالكم وإهانتكم، وفي إنجائكم من بطش فرعون وأتباعه اختبار عظيم من ربكم؛ لعلكم تشكرون.
50 - واذكروا من نعمنا عليكم أن شققنا لكم البحر فجعلناه طريقًا يابسًا تسيرون فيه، فأنجيناكم، وأغرقنا عدوكم فرعون وأتباعه أمام أعينكم وأنتم تنظرون إليهم.
51 - واذكروا من هذه النعم مواعدَتَنا موسى أربعين ليلةً لِيَتِمَّ فيها إنزال التوراة نورًا وهدى، ثم كان منكم إلا أن عبدتم العجل في تلك المدة، وأنتم ظالمون بفعلكم هذا.
52 - ثم تجاوزنا عنكم بعد توبتكم، فلم نؤاخذكم لعلكم تشكرون الله بحسن عبادته وطاعته.
53 - واذكروا من هذه النعم أن آتينا موسى عليه السلام التوراة فرقانًا بين الحق والباطل وتمييزًا بين الهدى والضلال لعلكم تهتدون بها إلى الحق.
54 - واذكروا من هذه النعم أن وفقكم الله للتوبة من عبادة العجل، حيث قال موسى عليه السلام لكم: إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل إلهًا تعبدونه، فتوبوا وارجعوا إلى خالقكم ومُوجدكم، وذلك بأن يقتل بعضكم بعضًا؛ والتوبة على هذا النحو خير لكم من التمادي في الكفر المؤدي إلى الخلود في النار، فقمتم بذلك بتوفيق من الله وإعانة، فتاب عليكم؛ لأنه كثير التوبة رحيم بعباده.
55 - واذكروا حين قال آباؤكم مخاطبين موسى عليه السلام بجرأة: لن نؤمن لك حتَّى نرى الله عِيَانًا لا يُحْجب عنّا، فأخذتكم النار المحرقة، فقتلتكم وبعضكم ينظر إلى بعض.
56 - ثم أحييناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون الله على إنعامه عليكم بذلك.
57 - ومن نعمنا عليكم أن أرسلنا السحاب يظلكم من حر الشمس لمّا تُهْتُم في الأرض، وأنزلنا عليكم من نعمنا شرابًا حلوًا مثل العسل، وطائرًا صغيرًا طيب اللحم يشبه السُّمَانى، وقلنا لكم: كلوا من طيبات ما رزقناكم. وما نقصونا شيئًا بجحدهم هذه النعم وكفرانها، ولكن ظلموا أنفسهم بنقص حظها من الثواب وتعريضها للعقاب.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عِظَمُ نعم الله وكثرتها على بني إسرائيل، ومع هذا لم تزدهم إلا تكبُّرًا وعنادًا.
• سَعَةُ حِلم الله تعالى ورحمته بعباده، وإن عظمت ذنوبهم.
• الوحي هو الفَيْصَلُ بين الحق والباطل.

ابو وليد البحيرى
2019-06-14, 08:59 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (9)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/134.jpg

58 - واذكروا من نعم الله عليكم حين قلنا لكم: ادخلوا بيت المقدس، وكلوا مما فيه من الطيبات من أي مكان شئتم أكلًا هنيئًا واسعًا، وكونوا في دخولكم راكعين خاضعين لله، واسألوا الله قائلين: ربنا حُطَّ عنا ذنوبنا؛ نستجب لكم، وسنزيد الذين أحسنوا في أعمالهم ثوابًا على إحسانهم.
59 - فما كان من الذين ظلموا منهم إلا أن بدلوا العمل، وحرّفوا القول، فدخلوا يزحفون على أدبارهم، وقالوا: حَبَّة في شعرة، مستهزئين بأمر الله تعالى؛ فكان الجزاء أن أنزل الله على الظالمين منهم عذابًا من السماء بسبب خروجهم عن حد الشرع ومخالفة الأمر.
60 - واذكروا من نعم الله عليكم لمّا كنتم في التِّيه، ونالكم العطش الشديد، فتضرّع موسى عليه السلام إلى ربه وسأله أن يسقيكم؛ فأمرناه أن يضرب بعصاه الحجر؛ فلما ضربه تفجرت منه اثنتا عشرة عينًا بعدد قبائلكم، وانبعث منها الماء، وبيّنا لكل قبيلة مكان شربها الخاص بها، حتَّى لا يقع نزاع بينهم، وقلنا لكم: كلوا واشربوا من رزق الله الَّذي ساقه إليكم بغير جهد منكم ولا عمل، ولا تسعوا في الأرض مفسدين فيها.
61 - واذكروا حين كفرتم نعمة ربكم فمَلِلْتُم من أكل ما أنزل الله عليكم من المَنِّ والسَّلْوى، وقلتم: لن نصبر على طعام واحد لا يتغير، فطلبتم من موسى عليه السلام أن يدعو الله أن يخرج لكم من نبات الأرض من بقولها وخُضَرها وقِثَّائها (يشبه الخيار لكنه أكبر) وحبوبها وعدسها وبصلها؛ طعامًا؛ فقال موسى عليه السلام- مستنكرًا طلبكم أن تستبدلوا الَّذي طلبتم وهو أقل وأدنى، بالمَنِّ والسَّلْوى وهو خير وأكرم، وقد كان يأتيكم دون عناء وتعب-: انزلوا من هذه الأرض إلى أي قرية، فستجدون ما سألتم في حقولها وأسواقها. وباتباعهم لأهوائهم وإعراضهم المتكرر عما اختاره الله لهم؛ لازمهم الهوان والفقر والبؤس، ورجعوا بغضب من الله؛ لإعراضهم عن دينه، وكفرهم بآياته، وقتلهم أنبياءه ظلمًا وعدوانًا؛ كل ذلك بسبب أنهم عصوا الله وكانوا يتجاوزون حدوده.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• كل من يتلاعب بنصوص الشرع ويحرّفها فيه شَبَهٌ من اليهود، وهو مُتوعَّد بعقوبة الله تعالى.
• عِظَمُ فضل الله تعالى على بني إسرائيل، وفي مقابل ذلك شدة جحودهم وعنادهم وإعراضهم عن الله وشرعه.
• أن من شؤم المعاصي وتجاوز حدود الله تعالى ما ينزل بالمرء من الذل والهوان، وتسلط الأعداء عليه.

ابو وليد البحيرى
2019-06-14, 09:02 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (10)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/135.jpg

62 - إن مَن آمن مِن هذه الأمة، وكذلك من آمن من الأمم الماضية قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - من يهود ونصارى وصابئة -وهم طائفة من أتباع بعض الأنبياء من تحقق فيهم الإيمان بالله وباليوم الآخر- فلهم ثوابهم عند ربهم، ولا خوف عليهم مما يستقبلونه في الآخرة، ولا يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
63 - واذكروا ما أخذنا عليكم من العهد المؤكد، من الإيمان بالله ورسله، ورفعنا الجبل فوقكم تخويفًا لكم وتحذيرًا من ترك العمل بالعهد، آمرين لكم بأخذ ما أنزلنا عليكم من التوراة بجد واجتهاد, دون تهاون وكسل، واحفظوا ما فيه وتدبروه؛ لعلكم بفعل ذلك تتقون عذاب الله تعالى.
64 - فما كان منكم إلا أن أعرضتم وعصبتم بعد أخذ العهد المؤكد عليكم، ولولا فضل الله عليكم بالتجاوز عنكم، ورحمته بقبول توبتكم؛ لكنتم من الخاسرين بسبب ذلك الإعراض والعصيان.
65 - ولقد علمتم خبر أسلافكم علمًا لا لبس فيه؛ حيث اعتدوا بالصيد يوم السبت الَّذي حُرِّم عليهم الصيد فيه، فاحتالوا على ذلك بنصب الشباك قبل يوم السبت، واستخراجها يوم الأحد؛ فجعل الله هؤلاء المتحايلين قردة منبوذين عقوبة لهم على تحايلهم.
66 - فجعلنا هذه القرية المعتدية عبرة لما جاورها من القرى، وعبرة لمن يأتي بعدها؛ حتَّى لا يعمل بعملها فيستحق عقوبتها، وجعلناها تذكرة للمتقين الذين يخافون عقاب الله وانتقامه مِمَّن يتعدى حدوده.
67 - واذكروا من خبر أسلافكم ما جرى بينهم وبين موسى عليه السلام، حيث أخبرهم بأمر الله لهم أن يذبحوا بقرة من البقر، فبدلًا من المسارعة قالوا مُتَعنِّتِين: أتجعلنا موضعًا للاستهزاء! فقال موسى: أعوذ بالله أن أكون من الذين يَكْذِبُون على الله، ويستهزئون بالناس.
68 - قالوا لموسى: ادعُ لنا ربك حتَّى يبين لنا صفة البقرة التي أَمَرَنا بذبحها، فقال لهم: إن الله يقول: إنها بقرة ليست كبيرة السن ولا صغيرة، ولكن وسط بين ذلك، فبادِروا بامتثال أمر ربكم.
69 - فاستمروا في جدالهم وتعنُّتهم قائلين لموسى عليه السلام: ادعُ ربك حتى يبين لنا ما لونها، فقال لهم موسى: إن الله يقول: إنها بقرة صفراء شديدة الصُّفْرة، تُعجب كل من ينظر إليها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الحُكم المذكور في الآية الأولى لِمَا قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما بعد بعثته فإن الدين المَرْضِيَّ عند الله هو الإسلام، لا يقبل غيره، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
• قد يُعَجِّلُ الله العقوبة على بعض المعاصي في الدنيا قبل الآخرة؛ لتكون تذكرة يتعظ بها الناس فيحذروا مخالفة أمر الله تعالى.
• أنّ من ضيَّق على نفسه وشدّد عليها فيما ورد موسَّعًا في الشريعة، قد يُعاقَبُ بالتشديد عليه.

ابو وليد البحيرى
2019-06-21, 03:02 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (11)
(سورة البقرة)
مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/191.jpg

70 - ثم تمادوا في تعنُّتهم قائلين: ادعُ لنا ربك حتَّى يبين لنا مزيدًا من صفاتها؛ لأن البقر المتصف بالصفات المذكورة كثير لا نستطيع تعيينها من بينها. مؤكدين أنهم -إن شاء الله- مهتدون إلى البقرة المطلوب ذبحها.
71 - فقال لهم موسى: إن الله يقول: إن صفة هذه البقرة أنها غير مذلّلة بالعمل في الحراثة، ولا في سقاية الأرض، وهي سالمة من العيوب، ليس فيها علامة من لون آخر غير لونها الأصفر، وعندئذ قالوا: الآن جئت بالوصف الدقيق الَّذي يعيِّن البقرة تمامًا، وذبحوها بعد أن أوشكوا ألا يذبحوها بسبب الجدال والتعنت.
72 - واذكروا حين قتلتم واحدًا منكم فتدافعتم، كلٌّ يدفع عن نفسه تهمة القتل، ويرمي بها غيره، حتَّى تنازعتم، والله مُخرج ما كنتم تخفونه من قتل ذلك البريء.
73 - فقلنا لكم: اضربوا القتيل بجزء من البقرة التي أُمِرْتم بذبحها؛ فإن الله سيُحييه ليخبر مَن القاتل! ففعلوا ذلك فأخبر بقاتله. ومثل إحياء هذا الميت يحيي الله الموتى يوم القيامة، ويريكم الدلائل البينة على قدرته، لعلكم تعقلونها فتؤمنون حقًّا بالله تعالى.
74 - ثم قست قلوبكم من بعد هذه المواعظ البليغة والمعجزات الباهرة، حتَّى صارت مثل الحجارة، بل أشد صلابة منها؛ فهي لا تتحول عن حالها أبدًا، وأما الحجارة فتتغير وتتحول، فإن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يتشفق فيخرج منه الماء ينابيع جارية في الأرض، ينتفع بها الناس والدواب، ومنها ما يسقط من أعالي الجبال خشية من الله ورهبة، وليست كذلك قلوبكم، وما الله بغافل عما تعملون، بل هو عالم به، وسيجازيكم عليه.
75 - أفترجون -أيها المؤمنون- بعد أن علمتم حقيقة حال اليهود وعنادهم أن يؤمنوا، ويستجيبوا لكم؟! وقد كان جماعة من علمائهم يسمعون كلام الله المنزل عليهم في التوراة؛ ثم يغيِّرون ألفاظها ومعانيها بعد فهمهم لها ومعرفتهم بها، وهم يعلمون عِظَم جريمتهم.
76 - من تناقضات اليهود ومكرهم أنهم إذا لقي بعضُهم المؤمنين اعترفوا لهم بصدق النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحة رسالته وهو ما تشهد له التوراة، ولكن حين يخلو اليهود بعضهم ببعض يتلاومون فيما بينهم بسبب هذه الاعترافات؛ لأن المسلمين يقيمون عليهم بها الحجة فيما صدر عنهم من الاعتراف بصدق النبوة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن بعض قلوب العباد أشد قسوة من الحجارة الصلبة؛ فلا تلين لموعظة، ولا ترق لذكرى.
• أن الدلائل والبينات -وإن عظمت- لا تنفع إن لم يكن القلب مستسلمًا خاشعًا لله.
• كشفت الآيات حقيقة ما انطوت عليه أنفس اليهود، حيث توارثوا الرعونة والخداع والتلاعب بالدين.

ابو وليد البحيرى
2019-06-21, 03:05 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (12)
(سورة البقرة)
مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/192.jpg

77 - هؤلاء اليهود يسلكون هذا المسلك المَشِين وكأنهم يغفُلون عن أن الله يعلم ما يخفون من أقوالهم وأفعالهم وما يعلنون منها، وسيظهرها لعباده ويفضحهم.
78 - ومن اليهود طائفة، لا يعلمون التوراة إلا تلاوة، ولا يفهمون ما دلت عليه، وليس معهم إلا أكاذيب أخذوها من كبرائهم، يظنون أنها التوراة التي أنزلها الله.
79 - فهلاك وعذاب شديد ينتظر هؤلاء الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون -كذبًا-: هذا من عند الله؛ ليستبدلوا بالحق واتباع الهدى ثمنًا زهيدًا في الدنيا، مثل المال والرئاسة، فهلاك وعذاب شديد لهم على ما كتبته أيديهم مما يَكْذِبون به على الله، وهلاك وعذاب شديد لهم على ما يكسبونه من وراء ذلك من مال ورئاسة.
80 - وقالوا -كذبًا وغرورًا-: لن تمسَّنا النار ولن ندخلها إلا أيامًا قليلة، قل -أيها النبي- لهؤلاء: هل أخذنم على ذلك وعدًا مؤكدًا من الله؟ فإن كان لكم ذلك؛ فإن الله لا يخلف عهده، أم أنكم تقولون على الله -كذبًا وزورًا- ما لا تعلمون؟
81 - ليس الأمر كما يتوهم هؤلاء؛ فإن الله يعذب كل من كسب سيئة الكفر، وأحاطت به ذنوبه من كل جانب؛ ويجازيهم بدخول النار وملازمتها، ماكثين فيها أبدًا.
82 - والذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحة، ثوابهم عند الله دخول الجنّة وملازمتها، ماكثين فيها أبدًا.
83 - واذكروا -يا بني إسرائيل- العهد المؤكد الَّذي أخذناه عليكم، بأن توحِّدوا الله ولا تعبدوا معه غيره، وبأن تحسنوا إلى الوالدين والأقارب واليتامى والمساكين المحتاجين، وبأن تقولوا للناس كلامًا حسنًا، أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر بلا غلظة وشدة، وبأن تؤدوا الصلاة تامة على نحو ما أمرتكم، وبأن تؤتوا الزكاة بصرفها لمستحقيها طيّبة بها أنفسكم، فما كان منكم بعد هذا العهد إلا أن انصرفتم مُعرضين عن الوفاء بما أخذ عليكم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بعض أهل الكتاب يدّعي العلم بما أنزل الله، والحقيقة أن لا علم له بما أنزل الله، وإنما هو الوهم والجهل.
• من أعظم الناس إثمًا من يكذب على الله تعالى ورسله، فينسب إليهم ما لم يكن منهم.
• مع عظم المواثيق التي أخذها الله تعالى على اليهود وشدة التأكيد عليها، لم يزدهم ذلك إلا إعراضًا عنها ورفضًا لها.

ابو وليد البحيرى
2019-06-21, 03:10 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (13)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/193.jpg

84 - واذكروا العهد المؤكد الَّذي أخذناه عليكم في التوراة من تحريم إراقة بعضكم دماء بعض، وتحريم إخراج بعضكم بعضًا من ديارهم، ثم اعترفتم بما أخذناه عليكم من عهد بذلك، وأنتم تشهدون على صحته.
85 - ثم أنتم تخالفون هذا العهد؛ فيقتل بعضكم بعضًا، وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم مستعينين عليهم بالأعداء ظلمًا وعدوانًا، وإذا جاؤوكم أسرى في أيدي الأعداء سعيتم في دفع الفدية لتخليصهم من أسرهم، مع أن إخراجهم من ديارهم محرَّم عليكم، فكيف تؤمنون ببعض ما في التوراة من وجوب فداء الأسرى، وتكفرون ببعض ما فيها من صيانة الدماء ومنع إخراج بعضكم بعضًا من ديارهم؟! فليس للذي يفعل ذلك منكم جزاء إلا الذل والمهانة في الحياة الدنيا، وأما في الآخرة فإنه يُرَدّ إلى أشد العذاب، وليس الله بغافل عما تعملون، بل هو مطلع عليه، وسيجازيكم به.
86 - أولئك الذين استبدلوا الحياة الدنيا بالآخرة، إيثارًا للفاني على الباقي، فلا يُخَفف عنهم العذاب في الآخرة، وليس لهم ناصر ينصرهم يومئذ.
87 - ولقد آتينا موسى التوراة، وأتبعناه برسل من بعده على أثره، وآتينا عيسى بن مريم الآيات الواضحة المبيِّنةَ لصدقه؛ كإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وقويناه بالملَكِ جبريل عليه السلام، أفكلما جاءكم -يا بني إسرائيل- رسول من عند الله بما لا يوافق أهواءكم استكبرتم على الحق، وتعاليتم على رسل الله؛ ففريقًا منهم تكذِّبون، وفريقًا تقتلون؟!
88 - لقد كانت حجة اليهود في عدم اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - قولهم: إن قلوبنا مُغَلّفة لا يصل اليها شيء مما تقول ولا تفهمه، وليس الحال كما زعموا، بل طرَدَهم الله من رحمته بكفرهم فلا يؤمنون إلا بقليل مما أنزل الله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعظم الكفر: الإيمان ببعض ما أنزل الله والكفر ببعضه؛ لأن فاعل ذلك قد جعل إلهه هواه.
• عِظَم ما بلغه اليهود من العناد، واتباع الهوى، والتلاعب بما أنزل الله تعالى.
• فضل الله تعالى ورحمته بخلقه، حيث تابع عليهم إرسال الرسل وإنزال الكتب لهدايتهم للرشاد.
• أن الله يعاقب المعرضين عن الهدى المعاندين لأوامره بالطبع على قلوبهم وطردهم من رحمته؛ فلا يهتدون إلى الحق، ولا يعملون به.

ابو وليد البحيرى
2019-06-21, 03:14 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (14)
(سورة البقرة)
مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/194.jpg

89 - ولما جاءهم القرآن الكريم من عند الله وهو موافق لما في التوراة والإنجيل في الأصول العامة الصحيحة، وكانوا من قبل نزوله يقولون: سننتصر على المشركين ويُفْتح لنا حين يُبْعث نبي فنؤمن به ونتبعه، فلما جاءهم القرآن ومحمد - صلى الله عليه وسلم - على الصفة التي عرفوها والحق الَّذي علموه؛ كفروا به، فلعنة الله على الكافرين بالله ورسوله.
90 - بئس الَّذي استبدلوا به حظ أنفسهم من الإيمان بالله ورسله؛ فكفروا بما أنزل الله وكذبوا رسله، ظلمًا وحسدًا بسبب إنزال النبوة والقرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم -، فاستحقوا غضبًا مضاعفًا من الله تعالى بكفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبسبب تحريفهم التوراة من قبل. وللكافرين بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - عذاب مُذِلٌّ يوم القيامة.
91 - وإذا قيل لهؤلاء اليهود: آمنوا بما أنزل الله على رسوله من الحق والهدى، قالوا: نؤمن بما أُنزل على أنبيائنا، ويكفرون بما سواه مما أُنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، مع أن هذا القرآن هو الحق الموافق لما معهم من الله، ولو كانوا يؤمنون بما أُنزل عليهم حقًّا لآمنوا بالقرآن. قل -أيها النبي- جوابًا لهم: لِمَ تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين حقًّا بما جاؤوكم به من الحق؟!
92 - ولقد جاءكم رسولكم موسى عليه السلام بالآيات الواضحات الدالة على صدقه؛ ثم بعد ذلك جعلتم العجل إلهًا تعبدونه بعد ذهاب موسى لميقات ربه، وأنتم ظالمون لإشراككم بالله، وهو المستحق للعبادة وحده دون سواه.
93 - واذكروا حين أخذنا عليكم عهدًا مؤكدًا باتباع موسى عليه السلام، وقبول ما جاء به من عند الله، ورفعنا فوقكم الجبل تخويفًا لكم، وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم من التوراة بجد واجتهاد، واسمعوا سماع قبول وانقياد، وإلا أسقطنا الجبل عليكم، فقلتم: سمعنا بآذاننا وعصينا بأفعالنا، وتمكنت عبادة العجل في قلوبهم بسبب كفرهم.
قل -أيها النبي-: بئس الَّذي يأمركم به هذا الإيمان من الكفر بالله إن كنتم مؤمنين؛ لأن الإيمان الحق لا يكون معه كفر.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• اليهود أعظم الناس حسدًا؛ إذ حملهم حسدهم على الكفر بالله وردِّ ما أنزل، بسبب أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن منهم.
• أن الإيمان الحق بالله تعالى يوجب التصديق بكل ما أَنزل من كتب، وبجميع ما أرسل من رسل.
• من أعظم الظلم الإعراض عن الحق والهدى بعد معرفته وقيام الأدلة عليه.
• من عادة اليهود نقض العهود والمواثيق، وهذا ديدنهم إلى اليوم.

ابو وليد البحيرى
2019-06-21, 03:17 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (15)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/195.jpg

94 - قل -أيها النبي-: إن كانت لكم -يا يهود- الجنّة في الدار الآخرة خالصة لا يدخلها غيركم من الناس؛ فتمنوا الموت واطلبوه؛ لتنالوا هذه المنزلة بسرعة، وتستريحوا من أعباء الحياة الدنيا وهمومها، إن كنتم صادقين في دعواكم هذه.
95 - ولن يتمنوا الموت أبدًا؛ بسبب ما قدموه في حياتهم من الكفر بالله، وتكذيب رسله، وتحريف كتبه، والله عليم بالظالمين منهم ومن غيرهم، وسيجازي كلًّا بعمله.
96 - ولتَجِدَنَّ -أيها النبي- اليهودَ أشدَّ الناس حرصًا عَلى الحياة مهما كانت حقيرة ذليلة، بل هم أحرص من المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث والحساب، ومع كونهم أهلَ كتاب، ويؤمنون بالبعث والحساب؛ فإن الواحد منهم يحب أن يبلغ عمره ألف سنة، وليس بمُبْعِدِه عن عذاب الله طول عمره مهما بلغ، والله مطَّلع على أعمالهم بصير بها، لا يخفى عليه منها شيء، وسيجازيهم بها.
97 - قل -أيها النبي- لمن قال من اليهود: "إن جبريل عدونا من الملائكة": من كان معاديًا لجبريل فإنه هو الَّذي نَزَلَ بالقرآن على قلبك بإذن من الله، مصدقًا لما سبق من الكتب الإلهية؛ كالتوراة والإنجيل، ودالًّا على الخير، ومبشرًا للمؤمنين بما أعده الله لهم من النعيم، فمن كان معاديًا لمن هذه صفته وعمله فهو من الضالين.
98 - من كان معاديًا لله وملائكته ورسله، ومعاديًا للمَلَكين المُقَرّبَيْن: جبريل وميكائيل؛ فإن الله عدو للكافرين منكم ومن غيركم، ومن كان الله عدوه فقد عاد بالخسران المبين.
99 - ولقد أنزلنا إليك -أيها النبي- علامات واضحات على صدقك فيما جئت به من النبوة والوحي، وما يكفر بها مع وضوحها وبيانها إلا الخارجون عن دين الله.
100 - ومن سوء حال اليهود أنهم كلما أخذوا على أنفسهم عهدًا -ومن جملته الإيمان بما دلت عليه التوراة من نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - نقضه فريق منهم، بل أكثر هؤلاء اليهود لا يؤمنون بما أنزل الله تعالى حقيقة؛ لأن الإيمان يحمل على الوفاء بالعهد.
101 - ولما جاءهم محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولًا من عند الله وهو موافق لما في التوراة من صفته، أعرض فريق منهم عما دلت عليه، وطرحوها وراء ظهورهم غير مبالين بها، مشابهين حال الجاهل الَّذي لا ينتفع بما فيها من الحق والهدى، فلا يبالي بها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• المؤمن الحق يرجو ما عند الله من النعيم المقيم، ولهذا يفرح بلقاء الله ولا يخشى الموت.
• حِرص اليهود على الحياة الدنيا حتَّى لو كانت حياة حقيرة مهينة غير كريمة.
• أنّ من عادى أولياء الله المقربين منه فقد عادى الله تعالى.
• إعراض اليهود عن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعدما عرفوا تصديقه لما في أيديهم من الكتب.
• أنّ من لم ينتفع بعلمه صح أن يوصف بالجهل؛ لأنه شابه الجاهل في جهله.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 04:56 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (16)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/276.jpg

102 - ولما تركوا دين الله اتبعوا بدلًا عنه ما تَتَقَوَّلُهُ الشياطين كذبًا على مُلك نبي الله سليمان عليه السلام، حيث زعمت أنَّه ثَبّت ملكه بالسحر، وما كفر سليمان بتعاطي السحر -كما زعمت اليهود- ولكن الشياطين كفروا حيث كانوا يعلمون الناس السحر، ويعلمونهم السحر الَّذي أُنزل على الملَكين: هاروت وماروت، بمدينة بابل بالعراق، امتحانًا وابتلاء للناس، وما كان هذان الملكان يُعَلِّمان أيّ أحد السحر حتَّى يحذّراه ويبيِّنا له بقولهما: إنما نحن ابتلاء وامتحان للناس فلا تكفر بتعلمك السحر، فمن لم يقبل نصحهما تعلَّم منهما السحر، ومنه نوع يفرق بين الرجل وزوجته، بزرع البغضاء بينهما، وما يضر أولئك السحرة أيَّ أحد إلا بإذن الله ومشيئته، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولقد علم أولئك اليهود أن من استبدل السحر بكتاب الله ما له في الآخرة من حظ ولا نصيب، ولبئس ما باعوا به أنفسهم حيث استبدلوا السحر بوحي الله وشرعه، ولو كانوا يعلمون ما ينفعهم ما أقدموا على هذا العمل المَشِين والضلال المبين.
103 - ولو أن اليهود آمنوا بالله حقًّا، واتقوه بفعل طاعته وترك معصيته؛ لكان ثواب الله خيرًا لهم مما هم عليه، لو كانوا يعلمون ما ينفعهم.
104 - يوجه الله تعالى المؤمنين إلى حسن اختيار الألفاظ قائلًا لهم: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا كلمة: {رَاعِنَا}؛ أي: راع أحوالنا؛ لأن اليهود يحرفونها ويخاطبون بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقصدون بها معنًى فاسدًا وهو الرعونة، فنهى الله عن هذه الكلمة سدًّا لهذا الباب، وأمر عباده أن يقولوا بدلًا عنها: {انْظُرْنَا}؛ أي: انتظرنا نفهم عنك ما تقول، وهي كلمة تؤدي المعنى بلا محذور. وللكافرين بالله عذاب مؤلم موجع.
105 - ما يحب الكفار -أيًّا كانوا: أهل كتاب أو مشركين- أن يُنَزَّلَ عليكم أيّ خير من ربكم، قليلًا كان أو كثيرًا، والله يختص برحمته من النبوة والوحي والإيمان من يشاء من عباده، والله صاحب الفضل العظيم، فلا خيرَ ينالُ أحدًا من الخلق إلا منه، ومن فضله بَعْثُ الرسول وإنزالُ الكتاب.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• سوء أدب اليهود مع أنبياء الله حيث نسبوا إلى سليمان عليه السلام تعاطي السحر، فبرّأه الله منه، وأَكْذَبَهم في زعمهم.
• أن السحر له حقيقة وتأثير في العقول والأبدان، والساحر كافر , وحكمه القتل.
• لا يقع في ملك الله تعالى شيء من الخير والشر إلا بإذنه وعلمه تعالى.
• سد الذرائع من مقاصد الشريعة، فكل قول أو فعل يوهم أمورًا فاسدة يجب تجنبه والبعد عنه.
• أن الفضل بيد الله تعالى وهو الَّذي يختص به من يشاء برحمته وحكمته.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:01 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (17)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/277.jpg

106 - يبين الله تعالى أنَّه حين يرفع حكم آية من القرآن أو يرفع لفظها فبنساها الناس، فإنه سبحانه يأتي بما هو أنفع منها في العاجل والآجل، أو بما هو مماثل لها، وذلك بعلم الله وحكمته، وأنت تعلم -أيها النبي- أن الله على كل شيء قدير، فيفعل ما يشاء، وَيحْكُمُ ما يريد.
107 - قد علمت -أيها النبي- أن الله هو مالك السماوات والأرض، يحكم ما يريد، فيأمر عباده بما شاء، وينهاهم عما شاء، ويُقرِّر من الشرع ما شاء وينسخ ما شاء، وما لكم بعد الله من ولي يتولى أموركم، ولا نصير يدفع عنكم الضر، بل الله هو ولي ذلك كله والقادر عليه.
108 - ليس من شأنكم -أيها المؤمنون- أن تسألوا رسولكم -سؤال اعتراض وتعَنُّت- كما سأل قوم موسى نبيهم من قبل؛ كقولهم: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] ومن يستبدل الكفر بالإيمان فقد ضل عن الطريق الوسط الَّذي هو الصراط المستقيم.
109 - تمنى كثير من اليهود والنصارى أن يردوكم من بعد إيمانكم كفارًا كما كنتم تعبدون الأوثان، بسبب الحسد الَّذي في أنفسهم، يتمنون ذلك بعدما تبين لهم أن الَّذي جاء به النبي حق من الله، فاعفوا -أيها المؤمنون- عن أفعالهم، وتجاوزوا عن جهلهم وسوء ما في نفوسهم، حتَّى يأتي حكم الله فيهم -وقد أتى أمر الله هذا وحكمه، فكان الكافر يخيَّر بين الإسلام أو دفع الجزية أو القتال- إن الله على كل شيء قدير، فلا يعجزونه.
ثم بعد أمر الله تعالى المؤمنين بالصبر على الأذى أمرهم بالثبات على دينهم، وتقوية إيمانهم؛ فقال:

110 - أدّوا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها وسننها، وأخرجوا زكاة أموالكم إلى مستحقيها، ومهما تعملوا من عمل صالح في حياتكم، فتقدموه قبل مماتكم ذخرًا لأنفسكم؛ تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة، فيجازيكم به، إن الله بما تعملون بصير فيجازي كلا بعمله.
111 - وقالت كل طائفة من اليهود والنصارى: إن الجنّة خاصة بهم، فقال اليهود: لن يدخلها إلا من كان يهوديًّا، وقال النصارى: لن يدخلها إلا من كان نصرانيًّا، تلك أمنياتهم الباطلة وأوهامهم الفاسدة، قل -أيها النبي- رادًّا عليهم: هاتوا حجتكم على ما تزعمون إن كنتم صادقين حقًّا في دعواكم.
112 - إنما يدخل الجنّة كل من أخلص لله متوجهًا إليه، وهو -مع إخلاصه- محسن في عبادته باتباع ما جاء به الرسول فذاك الَّذي يدخل الجنّة من أي طائفة كان، وله ثوابه عند ربه، ولا خوف عليهم فيما يستقبلون من الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا. وهي أوصاف لا تتحقق بعد مجيء النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إلّا في المسلمين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• أن الأمر كله لله، فيبدل ما يشاء من أحكامه وشرائعه، ويبقي ما يشاء منها، وكل ذلك بعلمه وحكمته.
• حَسَدُ كثير من أهل الكتاب هذه الأمة، لما خصَّها الله من الإيمان واتباع الرسول، حتَّى تمنوا رجوعها إلى الكفر كما كانت.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:04 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (18)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/278.jpg

113 - وقالت اليهود: ليست النصارى على دين صحيح، وقالت النصارى: ليست اليهود على دين صحيح، وهم جميعًا يقرؤون الكتب التي أنزلها الله عليهم وما فيها من الأمر بالإيمان بكل الأنبياء دون تفريق، مشابهين في فعلهم هذا قول الذين لا يعلمون من المشركين؛ حين كذَّبوا بالرسل كلهم وبما أُنزل عليهم من الكتب، فلهذا يحكم الله بين المُختَلِفين جميعًا يوم القيامة، بحكمه العدل الذي أخبر به عباده: بأنه لا فوز إلا بالإيمان بكل ما أنزل الله تعالى.
114 - لا أحد أشدّ ظلمًا من الَّذي منع أن يذكر اسم الله في مساجده، فَمَنَعَ الصلاة والذكر وتلاوة القرآن فيها، وسعى جاهدًا متسبّبًا في خرابها وإفسادها؛ بهدمها أو المنع من أداء العبادة فيها، أولئك الساعون في خرابها ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين ترجف أفئدتهم؛ لما هم عليه من الكفر والصد عن مساجد الله، لهم في الحياة الدنيا ذل وهوان على أيدي المؤمنين، ولهم في الآخرة عذاب عظيم على منعهم الناس من مساجد الله.
115 - ولله ملك المشرق والمغرب وما بينهما، يَأمُر عباده بما شاء، فحيثما تتوجهون فإنكم تستقبلون الله تعالى، فإنْ أمركم باستقبال بيت المقدس أو الكعبة، أو أخطأتم في القبلة، أو شق عليكم استقبالها؛ فلا حرج عليكم؛ لأن الجهات كلها لله تعالى، إن الله واسع يسع خلقه برحمته وتيسيره، عليم بنياتهم وأفعالهم.
116 - وقال اليهود والنصارى والمشركون: اتخذ الله له ولدًا! تنزّه وتقدّس عن ذلك، فهو الغني عن خلقه، وإنما يتخذ الولد من يحتاج إليه، بل له سبحانه وتعالى: ملك ما في السماوات والأرض، كل الخلائق عبيد له سبحانه، خاضعون له، يتصرف فيهم بما يشاء.
117 - والله سبحانه مُنشئ السماوات والأرض وما فيهما على غير مثال سابق، وإذا قدّر أمرًا وأراده فإنما يقول لذلك الأمر: {كُن}؛ فيكون على ما أراد الله أن يكون، لا رادَّ لأمره وقضائه.
118 - وقال الذين لا يعلمون من أهل الكتاب والمشركين عنادًا للحق: لِمَ لا يكلمنا الله دون واسطة، أو تأتينا علامة حسية خاصة بنا؟ ومثل قولهم هذا قالت الأمم المكذبة من قبلُ لرسلها، وإن اختلفت أزمنتهم وأمكنتهم، قد أوضحنا الآيات لقوم يوقنون بالحق إذا ظهر لهم، لا يعتريهم شك، ولا يمنعهم عناد.
119 - إنا أرسلناك -أيها النبي- بالدين الحق الَّذي لا مرية فيه؛ لتبشر المؤمنين بالجنّة، وتنذر الكافرين بالنار، وليس عليك إلا البلاغ المبين، ولن يسألك الله عن الذين لم يؤمنوا بك من أصحاب الجحيم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• الكفر ملة واحدة وإن اختلفت أجناس أهله وأماكنهم، فهم يتشابهون في كفرهم وقولهم على الله بغير علم.
• أعظم الناس جُرْمًا وأشدهم إثمًا من يصد عن سبيل الله، ويمنع من أراد فعل الخير.
• تنزه الله تعالى عن الصاحبة والولد، فهو سبحانه لا يحتاج لخلقه.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:08 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (19)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/279.jpg

120 - يخاطب الله نبيه موجهًا محذرًا قائلًا له: لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتَّى تترك الإسلام، وتتبع ما هم عليه، ولئن حصل هذا منك أو من أحد من أتباعك بعد الَّذي جاءك من الحق الواضح فلن تجد من الله مناصرة أو معونة، وهذا من باب بيان خطورة ترك الحق ومجاراة أهل الباطل.
121 - يتحدث القرآن الكريم عن طائفة من أهل الكتاب يعملون بما في أيديهم من كتب منزلة ويتبعونها حقَّ اتباعها، هؤلاء يجدون في هذه الكتب علامات دالة على صدق النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ولهذا سارعوا إلى الإيمان به، وطائفة أخرى أصرت على كفرها فكان لها الخسران.
122 - يا بني إسرائيل، اذكروا نعمتي الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم، واذكروا أني فضلتكم على أهل زمانكم بالنبوة والملك.
123 - واجعلوا بينكم وبين عذاب يوم القيامة وقايةً؛ باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، فإنه لا تُغْنِي -في ذلك اليوم- نفسٌ عن نفس شيئًا، ولا يُقْبل منها فيه أي فداء مهما عظم، ولا تنفعها فيه شفاعة من أحد مهما علا مكانه، وليس لها نصير ينصرها من دون الله.
124 - واذكر حين اختبر الله إبراهيم عليه السلام بما أمره به من أحكام وتكاليف، فقام بها وأتم أداءها على أكمل وجه، قال الله لنبيه إبراهيم: إني جاعلك للناس قدوة يُقْتدَى بك في أفعالك وأخلاقك، قال إبراهيم: واجعل -يا رب- من ذريتي كذلك أئمة يقتدي بهم الناس، قال الله مجيبًا إياه: لا ينال عهدي لك بالإمامة في الدين الظالمين من ذريتك.
125 - واذكر حين جعل الله البيت الحرام مرجعًا للناس تتعلق به قلوبهم، كلما رحلوا عنه رجعوا إليه، وجعله أمنًا لهم، لا يُعتَدى عليهم فيه. وقال للناس: اتخذوا من الحَجَر -الَّذي كان يقف عليه إبراهيم وهو يبني الكعبة- مكانًا للصلاة. وأوصينا إبراهيم وابنه إسماعيل بتطهير البيت الحرام من الأقذار والأوثان وتهيئته لمن أراد التعبد فيه بالطواف والاعتكاف والصلاة وغيرها.
126 - واذكر -أيها النبي- حين قال إبراهيم وهو يدعو ربه: رب اجعل مكة بلدًا آمنًا، لا يُتعرض فيه لأحد بسوء، وارزق أهله من أنواع الثمرات، واجعله رزقًا خاصًّا بالمؤمنين بك وباليوم الآخر، قال الله: ومن كفر منهم فإني أمتعه بما أرزقه في الدنيا متاعًا قليلًا، ثم في الآخرة ألجِئه مُكرهًا إلى عذاب النار، وبئس المصير الَّذي يرجع إليه يوم القيامة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• أن المسلمين مهما فعلوا من خير لليهود والنصارى؛ فلن يرضوا حتَّى يُخرجوهم من دينهم، ويتابعوهم على ضلالهم.
• الإمامة في الدين لا تُنَال إلا بصحة اليقين والصبر على القيام بأمر الله تعالى.
• بركة دعوة إبراهيم عليه السلام للبلد الحرام، حيث جعله الله مكانًا آمنًا للناس، وتفضّل على أهله بأنواع الأرزاق.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:11 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (20)
(سورة البقرة)
مدنية



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/280.jpg

127 - واذكر -أيها النبي- حين كان يرفع إبراهيم وإسماعيل أسس الكعبة، وهما يقولان -في خضوع وتذلل-: ربنا تقبل منا أعمالنا -ومنها بناء هذا البيت- إنك أنت المجيب لدعائنا، العليم بنياتنا وأعمالنا.
128 - ربنا واجعلنا مُستَسلِمَين لأمرك، خاضعَين لك، لا نشرك معك أحدًا، واجعل من ذريتنا أمة مستسلمة لك، وعرِّفنا عبادتك كيف تكون، وتجاوز عن سيئاتنا وتقصيرنا في طاعتك؛ إنك أنت التواب على من تاب من عبادك، الرحيم بهم.
129 - ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم من ذرية إسماعيل، يتلو عليهم آياتك المنزلة، ويعلمهم القرآن والسُّنَّة، ويطهرهم من الشرك والرذائل؛ إنك أنت القوي الغالب، الحكيم في أفعالك وأحكامك.
130 - ولا أحد ينصرف عن دين إبراهيم عليه السلام إلى غيره من الأديان إلا من ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال، ورضي لها بالهوان. ولقد اخترناه في الدنيا رسولًا وخليلًا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين الذين أدوا ما أوجب الله عليهم، فنالوا أعلى الدرجات.
131 - اختاره الله لمسارعته إلى الإسلام حين قال له ربه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطاعة، فقال مجيبًا ربه: أسلمت لله خالق العباد ورازقهم ومدبر شؤونهم.
132 - ووصّى إبراهيمُ أبناءه بهذه الكلمة: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، ووصّى بها كذلك يعقوبُ أبناءه؛ قالا مناديين أبناءهما: إن الله اختار لكم دين الإسلام، فاستمسكوا به حتَّى يأتيكم الموت، وأنتم مسلمون لله ظاهرًا وباطنًا.
133 - أم كنتم حاضرين خبر يعقوب حين حضرته الوفاة، حين قال لأبنائه سائلًا إياهم: ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا جوابًا لسؤاله: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، إلهًا واحدًا لا شريك له، ونحن له وحده مستسلمون ومنقادون.
134 - تلك أمة قد مضت فيمن مضى قبلكم من الأمم، وأفضت إلى ما قدمت من عمل، فلها ما كسبت من حَسن أو سيئ ولكم ما كسبتم، ولا تُسْألون عن أعمالهم، ولا يُسْألون عن أعمالكم، ولا يؤاخَذ أحدٌ بذنب غيره، بل يُجازَى كل واحد بما قدم، فلا يشغلكم عمل من مضى قبلكم عن النظر في عملكم، فإن أحدًا لن ينفعه بعد رحمة الله غير عمله الصالح.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• المؤمن المتقي لا يغتر بأعماله الصالحة، بل يخاف أن ترد عليه، ولا تقبل منه، ولهذا يُكْثِرُ سؤالَ الله قَبولها.
• بركة دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، حيث أجاب الله دعاءه وجعل خاتم أنبيائه وأفضل رسله من أهل مكة.
• دين إبراهيم عليه السلام هو الملة الحنيفية الموافقة للفطرة، يرغب عنها ولا يزهد فيها إلا الجاهل المخالف لفطرته.
• مشروعية الوصية للذرية باتباع الهدى، وأخذ العهد عليهم بالتمسك بالحق والثبات عليه.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:15 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (21)
(سورة البقرة)
مدنية




http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/281.jpg



135 - وقال اليهود لهذه الأمة: كونوا يهودًا تسلكوا سبيل الهداية، وقال النصارى: كونوا نصارى تسلكوا سبيل الهداية. قل -أيها النبي- مجيبًا إياهم: بل نتبع دين إبراهيم، المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، ولم يكن ممن أشركوا مع الله أحدًا.
136 - قولوا -أيها المؤمنون- لأصحاب هذه الدعوى الباطلة من يهود ونصارى: آمنا بالله وبالقرآن الَّذي أنزل إلينا، وآمنا بما أنزل على إبراهيم وأبنائه إسماعيل وإسحاق ويعقوب، وآمنا بما أنزل على الأنبياء من ولد يعقوب، وآمنا بالتوراة التي آتاها الله موسى، والإنجيل الَّذي آتاه الله عيسى، وآمنا بالكتب التي آتاها الله الأنبياء جميعًا، لا نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض، بل نؤمن بهم جميعًا، ونحن له سبحانه وحده منقادون خاضعون.
137 - فإن آمن اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار إيمانًا مثل إيمانكم؛ فقد اهتدوا إلى الطريق المستقيم الَّذي ارتضاه الله، وإن أعرضوا عن الإيمان بأن كذبوا بالأنبياء كلهم أو ببعضهم فإنما هم في اختِلاف وعِداء، فلا تحزن -أيها النبي- فإن الله سيكفيك أذاهم، ويمنعك من شرهم، وينصرك عليهم، فهو السميع لأقوالهم، والعليم بنياتهم وأفعالهم.
138 - الزموا دين الله الَّذي فطركم عليه ظاهرًا وباطنًا، فلا أحسن دينًا من دين الله، فهو موافق للفطرة، جالب للمصالح، مانع للمفاسد، وقولوا: نحن عابدون لله وحده لا نشرك معه غيره.
139 - قل -أيها النبي-: أتجادلوننا -يا أهل الكتاب- في أنكم أولى بالله ودينه منّا؛ لأن دينكم أقدم وكتابكم أسبق، فإن ذلك لا ينفعكم، فالله هو ربنا جميعًا لا تختصون به، ولنا أعمالنا التي لا تُسألون عنها، ولكم أعمالكم التي لا نُسأل عنها، وكلٌّ سيُجْزَى بعمله، ونحن مخلصون لله في العبادة والطاعة لا نشرك به شيئًا.
140 - أم تقولون -يا أهل الكتاب-: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأنبياء من ولده يعقوب، كانوا على ملة اليهودية أو النصرانية؛ قل -أيها النبي- مجيبًا إياهم: أأنتم أعلم أم الله؟! فإن زعموا أنهم كانوا على ملَّتهم فقد كذبوا؛ لأن مبعثهم وموتهم كان قبل نزول التوراة والإنجيل! وعُلم بذلك أن ما يقولونه كذب على الله ورسله، وأنهم كتموا الحق الَّذي نزل عليهم، ولا أحد أشد ظلمًا من الَّذي كتم شهادة ثابتةً عنده عَلِمَها من الله، كفعل أهل الكتاب، وليس الله بغافل عن أعمالكم، وسيجازيكم عليها.
141 - تلك أمة قد مضت من قبلكم، وأفضت إلى ما قدمت من عمل، فلها ما كسبت من الأعمال، ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عن أعمالهم، ولا يسألون عن أعمالكم، فلا يؤخذ أحد بذنب أحد، ولا ينتفع بعمل غيره، بل كلٌّ سيجازى على ما قدم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• أن دعوى أهل الكتاب أنهم على الحق لا تنفعهم وهم يكفرون بما أنزل الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -.
• سُمِّي الدين صبغة لظهور أعماله وسَمْته على المسلم كما يظهر أثر الصبغ في الثوب.
• أن الله تعالى قد رَكَزَ في فطرةِ خلقه جميعًا الإقرارَ بربوبيته وألوهيته، وإنما يضلهم عنها الشيطان وأعوانه.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:19 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (22)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/282.jpg



142 - سيقول الجهال خِفَافُ العقول من اليهود، ومَنْ على شاكلتهم من المنافقين: ما صرف المسلمين عن قبلة بيت المقدس التي كانت قبلتهم من قبل؟! قل -أيها النبي- مجيبًا إياهم ملك المشرق والمغرب وغيرهما من الجهات، يوجه من شاء من عباده إلى أي جهة شاء، وهو سبحانه يهدي من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
143 - وكما جعلنا لكم قبلة ارتضيناها لكم؛ جعلناكم أمة خيارًا عدولًا، وسطًا بين الأمم كلها، في العقائد والعبادات والمعاملات؛ لتكونوا يوم القيامة شهداء لرسل الله أنهم بلّغوا ما أمرهم الله بتبليغه لأممهم، وليكون الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - كذلك شهيدًا عليكم أنَّه بلغكم ما أُرْسِل به إليكم. وما جعلنا تحويل القبلة التي كنت تتجه إليها؛ وهي بيت المقدس، إلا لنعلم -علمَ ظهورٍ يترتب عليه الجزاء- من يرضى بما شرعه الله، ويُذعن له، فيتبع الرسول، ومن يرتد عن دينه، ويتبع هواه، فلا يُذعن لما شرعه الله. ولقد كان أمر تحويل القبلة الأولى عظيمًا إلا على الذين وفقهم الله للإيمان به، وبأن ما يشرعه لعباده إنما يشرعه لِحِكَمٍ بالغة. وما كان الله ليضيع إيمانكم بالله، ومنه صلاتكم التي صلَّيتموها قبل تحويل القبلة، إن الله بالناس لرؤوف رحيم، فلا يشق عليهم، ولا يضيع ثواب أعمالهم.
144 - قد رأينا -أيها النبي- تحوُّل وجهك ونظرك إلى جهة السماء، ترقُّبًا وتحريًا لنزول الوحي بشأن القبلة وتحويلها إلى حيث تُحب، فلنُوَجِّهنك إلى قبلة ترتضيها وتحبها -وهي بيت الله الحرام- بدل بيت المقدس الآن، فاصرف رجهك إلى جهة بيت الله الحرام بمكة المكرمة، وأينما كنتم -أيها المؤمنون- فتوجهوا إلى جهته عند أداء الصلاة. وإن الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ليعلمون أن تحويل القبلة هو الحق المنزل من خالقهم ومدبر أمرهم؛ لثبوته في كتابهم، وليس الله بغافل عما يعمل هؤلاء المعرضون عن الحق، بل هو سبحانه عالم بذلك، وسيجازيهم عليه.
145 - واللهِ لئن جئتَ -أيها النبي- الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى مصحوبًا بكل آية وبرهان على أن تحويل القبلة حق؛ ما توجهوا إلى قبلتك عنادًا لما جئت به، وتكبرًا عن اتباع الحق، وما أنت بمتوجه إلى قبلتهم بعد أن صرفك الله عنها، وما بعضهم بمتوجه إلى قبلة بعضهم؛ لأن كلا منهم يكفِّر الفريق الآخر، ولئن اتبعت أهواء هؤلاء في شأن القبلة وغيرها من الشرائع والأحكام من بعد ما جاءك من العلم الصحيح الَّذي لا مرية فيه؛ إنك حينئذ لمن الظالمين بترك الهدى، واتباع الهوى. وهذا الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - للدلالة على شناعة متابعتهم، وإلا فإن الله قد عصم نبيه من ذلك، فهو تحذير لأمته من بعده.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• أن الاعتراض على أحكام الله وشرعه والتغافل عن مقاصدها دليل على السَّفَه وقلَّة العقل.
• فضلُ هذه الأمة وشرفها، حيث أثنى عليها الله ووصفها بالوسطية بين سائر الأمم.
• التحذير من متابعة أهل الكتاب في أهوائهم؛ لأنهم أعرضوا عن الحق بعد معرفته.
جواز نَسْخِ الأحكام الشرعية في الإسلام زمن نزول الوحي، حيث نُسِخَ التوجه إلى بيت المقدس، وصار إلى المسجد الحرام.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:22 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (23)
(سورة البقرة)
مدنية


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/283.jpg

146 - الذين آتيناهم الكتاب من علماء اليهود والنصارى؛ يعرفون أمر تحويل القبلة الَّذي هو من علامات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - عندهم، كما يعرفون أولاده. ويميزونهم من غيرهم، ومع ذلك فإن طائفة منهم ليكتمون الحق الَّذي جاء به، حسدًا من عند أنفسهم، يفعلون ذلك ويعلمون أنَّه الحق.
147 - هذا هو الحق من ربك فلا تكونن -أيها الرسول- من الشاكِّين في صحته.
148 - ولكل أمة من الأمم جهة يتجهون إليها حسية كانت أو معنوية، ومن ذلك اختلاف الأمم في قبلتهم وما شرع الله لهم، فلا يضر تنوع وجهاتهم إن كان بأمر الله وشرعه، فتسابقوا أنتم -أيها المؤمنون- إلى فعل الخيرات التي أُمرتم بفعلها، وسيجمعكم الله من أي مكان كنتم فيه يوم القيامة؛ ليجازيكم على عملكم، إن الله على كل شيء قدير، فلا يعجزه جمعكم ولا مجازاتكم.
149 - ومن أي مكان خرجتَ وأينما كنت -أيها النبي- أنت وأتباعك، وأردت الصلاة، فاستقبل جهة المسجد الحرام، فإنه الحق المُوحى به إليك من ربك , وما الله بغافل عما تعملون، بل هو مطلع عليه وسيجازيكم به.
150 - ومن أي مكان خرجت -أيها النبي- وأردت الصلاة، فاستقبل جهة المسجد الحرام، وبأي مكان كنتم -أيها المؤمنون- فاستقبلوا بوجهكم جهته إذا أردتم الصلاة؛ لئلا يكون للناس حجة يحتجون بها عليكم، إلا الذين ظلموا منهم، فإنهم سيبقون على عنادهم، ويحتجون عليكم بأوهى الحجج، فلا تخشوهم واخشوا ربكم وحده، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فإن الله قد شرع استقبال الكعبة من أجل أن يتم نعمته عليكم بتمييزكم عن سائر الأمم، ولأجل هدايتكم إلى أشرف قبلة للناس.
151 - كما أنعمنا عليكم نعمة أخرى؛ حيث أرسلنا إليكم رسولًا من أنفسكم، يقرأ عليكم آياتنا، ويطهركم بما يأمركم به من الفضائل والمعروف، وما ينهاكم عنه من الرذائل والمنكر، ويعلمكم القرآن والسُّنَّة، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من أمور دينكم ودنياكم.
152 - فاذكروني بقلوبكم وجوارحكم؛ أذكركم بالثناء عليكم والحفظ لكم، فالجزاء من جنس العمل، واشكروا لي نعمي التي أنعمت بها عليكم، ولا تكفروني بجحودها، واستعمالها فيما حُرِّم عليكم.
153 - يا آيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر والصلاة على القيام بطاعتي والتسليم لأمري، إن الله مع الصابرين يوفقهم ويعينهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• إطالة الحديث في شأن تحويل القبلة؛ لما فيه من الدلالة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
• ترك الجدال والاشتغالُ بالطاعات والمسارعة إلى الله أنفع للمؤمن عند ربه يوم القيامة.
• أن الأعمال الصالحة الموصلة إلى الله متنوعة ومتعددة، ولا بأس أن يختار المؤمن ما يميل إليه منها، ويناسب حاله.
• عظم شأن ذكر الله جلَّ وعلا حيث يكون ثوابه ذكر العبد في الملأ الأعلى.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:25 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (24)
(سورة البقرة)
مدنية



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/284.jpg



154 - ولا تقولوا -أيها المؤمنون- في شأن من يقتلون في الجهاد في سبيل الله: إنهم أموات ماتوا كما يموت غيرهم، بل هم أحياء عند ربهم، ولكن لا تدركون حياتهم؛ لأنها حياة خاصة لا سبيل لمعرفتها إلا بوحي من الله تعالى.
155 - ولنَمْتحِننّكم بأنواع من المصائب؛ بشيء من الخوف من أعدائكم، وبالجوع لقلة الطعام، وبنقص في الأموال لذهابها أو مشقة الحصول عليها، وبنقص في الأنفس بسبب الآفات التي تهلك الناس، أو بالشهادة في سبيل والله، وبنقص من الثمرات التي تنبتها الأرض، وبشّر -أيها النبي- الصابرين على تلك المصائب بما يسرهم في الدنيا والآخرة.
156 - الذين إذا أصابتهم مصيبة من تلك المصائب قالوا برضًا وتسليم: إنا ملكٌ لله يتصرف فينا بما يشاء، وإنا إليه عائدون يوم القيامة، فهو الَّذي خلقنا وتفضل علينا بمختلف النعم، وإليه مرجعنا ونهاية أمرنا.
157 - أولئك المتصفون بهذه الصفة لهم ثناء من الله عليهم في ملأ الملائكة الأعلى ورحمة تنزل عليهم، وأولئك هم المهتدون إلى طريق الحق.
158 - إن الجبلين المعروفين بالصفا والمروة قرب الكعبة من معالم الشريعة الظاهرة، فمن قصد البيت لأداء نسك الحج أو نسك العمرة؛ فلا إثم عليه أن يسعى بينهما. وفى نفي الإثم هنا طمأنةٌ لمن تَحَرَّج من المسلمين من السعي بينهما اعتقادًا أنَّه من أمر الجاهلية، وقد بيَّن تعالى أن ذلك من مناسك الحج. ومن فعَلَ المستحبات من الطاعات متطوعًا بها مخلصًا؛ فإن الله شاكر له، يقبلها منه، ويجازيه عليها، وهو العليم بمن يفعل الخير، ويستحق الثواب.
159 - إن الذين يخفون ما أنزلنا من البينات الدالة على صدق النبي وما جاء به، من اليهود والنصارى، من بعد ما أظهرناه للناس في كتبهم؛ أولئك يطردهم الله من رحمته، ويدعو عليهم الملائكة والأنبياء والناس أجمعون بالطرد من رحمته.
160 - إلا الذين رجعوا إلى الله نادمين على كتمان تلك الآيات الواضحات، وأصلحوا أعمالهم الظاهرة والباطنة، وبيَّنوا ما كتموه من الحق والهدى، فأولئك أقبل رجوعهم إلى طاعتي، وأنا التواب على من تاب من العباد، الرحيم بهم.
161 - إن الذين كفروا وماتوا على الكفر قبل أن يتوبوا منه أولئك عليهم لعنة الله بطردهم من رحمته، وعليهم دعاء الملائكة والناس كلهم بالطرد من رحمة الله والإبعاد منها.
162 - ملازمين هذه اللعنة، لا يُخَفف عنهم العذاب، ولو يومًا واحدًا، ولا يُمْهلون يوم القيامة.
163 - ومعبودكم الحق -أيها الناس- واحد متفرّد في ذاته وصفاته، لا معبود بحق غير الرحمن ذو الرحمة الواسعة، الرحيم بعباده، حيث أنعم عليهم النعم التي لا تحصى.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الابتلاء سُنَّة الله تعالى في عباده، وقد وعد الصابرين على ذلك بأعظم الجزاء وأكرم المنازل.
• مشروعية السعي بين الصفا والمروة لمن حج البيت أو اعتمر.
• من أعظم الآثام وأشدها عقوبة كتمان الحق الَّذي أنزله الله، والتلبيس على الناس، وإضلالهم عن الهدى الَّذي جاءت به الرسل.

ابو وليد البحيرى
2019-06-30, 05:28 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (25)
(سورة البقرة)
مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/06/285.jpg

164 - إن في خلق السماوات والأرض وما فيهما من عجائب الخلق، وفي تعاقب الليل والنهار، وفي السفن التي تجري في مياه البحار حاملة ما ينفع الناس من طعام ولباس وتجارة، وغيرها مما يحتاجون إليه، وفيما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بما ينبت فيها من الزرع والكلأ، وفيما نشره فيها من كائنات حية، وفي تحويل الرياح من جهة لجهة، وفي السحاب المذلل بين السماء والأرض، إن في كل ذلك لدلائل واضحة على وحدانيته سبحانه لمن يعقلون الحُجج، ويفهمون الأدلة والبراهين.
165 - ومع تلك الآيات الواضحة فإن من الناس من يتخذ من دون الله آلهة يجعلونهم نظراء لله تعالى، يحبونهم كما يحبون الله، والذين آمنوا أشد حبًّا لله من هؤلاء لمعبوداتهم؛ لأنهم لا يشركون مع الله أحدًا، ويحبونه في السراء والضراء، وأما أولئك فإنهم يحبون آلهتهم في حال السراء، أما في الضراء فلا يدعون إلا الله. ولو يرى الظالمون بشركهم وارتكاب السيئات حالَهم في الآخرة حين يشاهدون العذاب؛ لعلموا أن المتفرد بالقوة جميعًا هو الله، وأنه شديد العذاب لمن عصاه، لو يرون ذلك لما أشركوا معه أحدًا.
166 - وذلك حين يتبرأ الرؤساء المتبوعون من الضعفاء الذين اتبعوهم؛ لِما يشاهدونه من أهوال يوم القيامة وشدائده، وقد تقطعت بهم كل أسباب النجاة ووسائلها.
167 - وقال الضعفاء والأتباع: ليت لنا رجعة إلى الدنيا فنتبرأ من رؤسائنا كما تبرؤوا منا، وكما أراهم الله العذاب الشديد في الآخرة يريهم عاقبة متابعتهم لرؤسائهم على الباطل نَدَامات وأحزانًا، وليسوا بخارجين أبدًا من النار.
168 - يا أيها الناس كلوا مما في الأرض من حيوان ونبات وأشجار، مما كان كسبه حلالًا وكان طيبًا في نفسه غير خبيث، ولا تتبعوا مسالك الشيطان التي يستدرجكم بها، إنه لكم عدو واضح العداوة، ولا يجوز لعاقل أن يتبع عدوه الَّذي يحرص على إيذائه وضلاله!
169 - فهو إنما يأمركم بما يسوء من الآثام وما يعظم من الذنوب، وبأن تقولوا على الله في العقائد والشرائع بغير علم جاءكم عن الله أو رسله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• المؤمنون بالله حقًّا هم أعظم الخلق محبة لله، لأنهم يطيعونه على كل حال في السراء والضراء، ولا يشركون معه أحدًا.
• في يوم القيامة تنقطع كل الروابط، ويَبْرَأ كل خليل من خليله، ولا يبقى إلا ما كان خالصًا لله تعالى.
• التحذير من كيد الشيطان لتنوع أساليبه وخفائها وقربها من مشتهيات النفس.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:21 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (26)
(سورة البقرة)
مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/23.jpg

170 - وإذا قيل لهؤلاء الكفار: اتبعوا ما أنزل الله من الهدى والنور، قالوا معاندين: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من المعتقدات والتقاليد، أيتبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون شيئًا من الهدى والنور، ولا يهتدون إلى الحق الَّذي يَرْضَى الله عنه؟!
171 - ومثل الذين كفروا في اتباعهم لآبائهم كالراعي الَّذي يصيح مناديًا على بهائمه، فتسمع صوته، ولا تفهم قوله، فهم صُمٌّ عن سماع الحق سماعًا ينتفعون به، بُكمٌ قد خرست ألسنتهم عن النطق بالحق، عُميٌ عن إبصاره، ولهذا لا يعقلون الهدى الَّذي تدعوهم إليه.
172 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، كلوا من الطيبات التي رزقكم الله وأباحها لكم، واشكروا لله ظاهرًا وباطنًا ما تفضل به عليكم من النعم، ومِن شُكره تعالى أن تعملوا بطاعته، وأن تجتنبوا معصيته، إن كنتم حقًّا تعبدونه وحده، ولا تشركون به شيئًا.
173 - إنما حرم الله عليكم من الأطعمة ما مات بغير ذكاة شرعية، والدم المسفوح السائل، ولحم الخنزير، وما ذُكِر عليه غيرُ اسم الله عند تذكيته، فإذا اضطر الإنسان إلى أَكْل شيء وهو غير ظالم بالأكل منها دون حاجة، ولا متجاوز لحد الضرورة؛ فلا إثم عليه ولا عقوبة، إن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم، ومن رحمته أنَّه تجاوز عن أَكْل هذه المحرمات عند الاضطرار.
174 - إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب وما فيها من: دلالة على الحق ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، كما يفعل اليهود والنصارى، ويشترون بكتمانهم لها عِوَضًا قليلًا كرئاسة أو جاه أو مال؛ أولئك ما يأكلون في بطونهم حقيقة إلا ما يكون سببًا لتعذيبهم بالنار، ولا يكلمهم الله يوم القيامة بما يحبون، بل بما يسوؤهم، ولا يطهرهم ويُثْني عليهم، ولهم عذاب أليم.
175 - أولئك المتصفون بكتمان العلم الَّذي يحتاج إليه الناس هم الذين استبدلوا الضلالة بالهدى لمّا كتموا العلم الحق، واستبدلوا عذاب الله بمغفرته، فما أصبرهم على فعل ما يسبب لهم دخول النار، كأنهم لا يبالون بما فيها من عذاب لصبرهم عليها.
176 - ذلك الجزاء على كتمان العلم والهدى بسبب أن الله نزَّل الكُتب الإلهية بالحق، وهذا يقتضي أن تُبيَّن ولا تُكْتَم. بيان الذين اختلفوا في الكتب الإلهية فآمنوا ببعضها وكتموا بعضها لفي جانب بعيد عن الحق.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أكثر ضلال الخلق بسبب تعطيل العقل، ومتابعة من سبقهم في ضلالهم، وتقليدهم بغير وعي.
• عدم انتفاع المرء بما وهبه الله من نعمة العقل والسمع والبصر، يجعله مثل من فقد هذه النعم.
• من أشد الناس عقوبة يوم القيامة من يكتم العلم الَّذي أنزله الله، والهدى الَّذي جاءت به رسله تعالى.
• من نعمة الله تعالى على عباده المؤمنين أن جعل المحرمات قليلة محدودة، وأما المباحات فكثيرة غير محدودة.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:26 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (27)
(سورة البقرة)
مدنية

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/24.jpg

177 - ليس الخير المَرضي عند الله مجرد الاتجاه إلى جهة المشرق أو المغرب والاختلاف في ذلك، ولكنّ الخير كلَّ الخير فيمن آمن بالله إلهًا واحدًا، وآمن بيوم القيامة، وبجميع الملائكة، وبجميع الكتب المنزلة، وبجميع الأنبياء دون تفريق، وأنفق المال مع حبه والحرص عليه على ذوي قرابته، ومن فقد أباه دون سن البلوغ، وذوي الحاجة، والغريب الَّذي انقطع في السفر عن أهله ووطنه، والذين تعرض لهم حاجةٌ توجب سؤال الناس، وصرف المال في تحرير الرقاب من الرق والأسر، وأقام الصلاة بالإتيان بها تامة على ما أمر الله، ودفع الزكاة الواجبة، والذين يوفون بعهدهم إذا عاهدوا، والذين يصبرون على الفقر والشدة، وعلى المرض، وفي وقت شدة القتال فلا يفرون، أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا الله في إيمانهم وأعمالهم، وأولئك هم المتقون الذين امتثلوا ما أمرهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم الله عنه.
178 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، فُرِضَ عليكم في شأن الذين يقتلون غيرهم عمدًا وعدوانًا، معاقبةُ القاتل بمثل جنايته، فالحر يُقتل بالحر، والعبد يُقتل بالعبد، والأنثى تُقتل بالأنثى، فإن عفا المقتول قبل موته أو عفا ولي المقتول مقابل الدية -وهي مقدار من المال يدفعه القاتل مقابل العفو عنه- فعلى من عَفا اتباعُ القاتل في طلب الدية بالمعروف لا بالمَنِّ والأذى وعلى القاتل أداء الدية بإحسان، من غير مماطلة وتسويف، وذلك العفو وأَخْذ الدية تخفيف من ربكم عليكم، ورحمة بهذه الأمة، فمن اعتدى على القاتل بعد العفو وقبول الدية؛ فله عذاب أليم من الله تعالى.
179 - ولكم فيما شرعه الله من القصاص حياة لكم؛ بحقن دمائكم، ودفع الاعتداء بينكم، يدرك ذلك أهل العقول الذين يتقون الله تعالى بالانقياد لشرعه والعمل بامره.
180 - فُرِضَ عليكم إذا حضر أحدَكم علاماتُ الموت وأسبابُه، إن ترك مالًا كثيرًا أن يوصي للوالدين ولذوي القرابة بما حَدَّه الشرع وهو ألا يزيد عن ثلث المال، وفِعْلُ هذا حقٌّ مؤكد على المتقين لله تعالى. وقد كان هذا الحكم قبل نزول آيات المواريث، فلما نزلت آيات المواريث بيَّنت مَن يرث الميت ومقدار ما يرث.
181 - فمن غيّر في الوصية بزيادة أو نقص أو منع بعد علمه بالوصية؛ فإنما يكون إثم ذلك التبديل على المغيّرين لا على الموصي، إن الله سميع لأقوال عبيده، عليم بأفعالهم، لا يفوته شيء من أحوالهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• البِرُّ الَّذي يحبه الله يكون بتحقيق الإيمان والعمل الصالح، وأما التمسك بالمظاهر فقط فلا يكفي عنده تعالى.
• من أعظم ما يحفظ الأنفس، ويمنع من التعدي والظلم؛ تطبيق مبدأ القصاص الَّذي شرعه الله في النفس وما دونها.
• عِظَمُ شأن الوصية، ولا سيما لمن كان عنده شيء يُوصي به، وإثمُ من غيَّر في وصية الميت وبدَّل ما فيها.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:29 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (28)
(سورة البقرة)
مدنية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/25.jpg

182 - فمن علم من صاحب الوصية ميلًا عن الحق، أو جَوْرًا في الوصية؛ فأصلح ما أفسد الموصِي بنصحه، وأصلح بين المختلفين على الوصية، فلا إثم عليه، بل هو مأجور على إصلاحه، إن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.
183 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله فُرضَ عليكم الصيام من ربكم كما فُرِضَ على الأمم من قبلكم؛ لعلكم تتقون الله بأن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بالأعمال الصالحة ومن أعظمها الصيام.
184 - الصيام المفروض عليكم أن تصوموا أيامًا قليلة من السَّنَةِ، فمن كان منكم مريضًا مرضًا يشق معه الصوم، أو مسافرًا؛ فله أن يفطر، ثم عليه أن يقضي بقدر ما أفطر من الأيام. وعلى الذين يستطيعون الصيام فدية إذا أفطروا، وهي إطعام مسكينٍ عن كل يوم يفطرون فيه. وصومكم خير لكم من الإفطار وإعطاء الفدية، إن كنتم تعلمون ما في الصوم من الفضل. وكان هذا الحكم أول ما شرع الله الصيام، فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم، ثم أوجب الله الصيام بعد ذلك، وفرضه على كل بالغ قادر.
185 - شهر رمضان الَّذي بدأ فيه نزول القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة القدر، أنزله الله هدايةً للناس، فيه دلائل الواضحات من الهدى، والفرقان بين الحق والباطل، فمن حضر شهر رمضان وهو مقيم صحيح فليصمه وجوبًا، ومن كان مريضًا يشق عليه الصوم أو مسافرًا؛ فله أن يفطر، وإذا أفطر فالواجب عليه أن يقضي تلك الأيام التي أفطرها، يريد الله بما شرع لكم أن يسلك بكم سبيل اليسر لا العسر، ولتكملوا عدة صوم الشهر كله، ولتكبروا الله بعد ختام شهر رمضان ويوم العيد على أن وفقكم لصومه، وأعانكم على إكماله ولعلكم تشكرون الله على هدايتكم لهذا الدين الَّذي ارتضاه لكم.
186 - وإذا سألك -أيها النبي- عبادي عن قربي وإجابتي لدعائهم؛ فإني قريب منهم، عالم بأحوالهم، سامع لدعائهم، فلا يحتاجون إلى وسطاء، ولا إلى رفع أصواتهم، أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني مخلصًا في دعائه، فلينقادوا لي ولأوامري، وليثبتوا على إيمانهم؛ فإن ذلك أنفع وسيلة لإجابتي، لعلهم يسلكون بذلك سبيل الرشد في شؤونهم الدينية والدنيوية.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• فَضَّلَ الله شهر رمضان بجعله شهر الصوم بإنزال القرآن فيه، فهو شهر القرآن؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتدارس القرآن مع جبريل في رمضان، ويجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره.
• شريعة الإسلام قامت في أصولها وفروعها على التيسير ورفع الحرج، فما جعل الله علينا في الدين من حرج.
• قُرْب الله تعالى من عباده، وإحاطته بهم، وعلمه التام بأحوالهم؛ ولهذا فهو يسمع دعاءهم ويجيب سؤالهم.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:32 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (29)
(سورة البقرة)
مدنية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/26.jpg

187 - قد كان في أول الأمر يحرم على الرجل إذا نام في ليلة الصيام ثم استيقظ قبل الفجر أن يأكل أو يقرب أهله، فنسخ الله ذلك، وأباح الله لكم -أيها المؤمنون- في ليالي الصيام جماع نسائكم، فهن ستر وإعفاف لكم، وأنتم ستر وإعفاف لهن، لا يستغني بعضكم عن بعض، عَلِمَ الله أنكم كنتم تخونون أنفسكم بفعل ما نهاكم عنه، فرحمكم وتاب عليكم، وخفف عنكم، فالآن جامعوهن، واطلبوا ما قدّر الله لكم من الذرية، وكلوا واشربوا في الليل كله، حتَّى يتبين لكم طلوع الفجر الصادق ببياض الفجر وانفصاله عن سواد الليل، ثم أكملوا الصيام بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر حتَّى تغيب الشمس، ولا تجامعوا النساء وأنتم معتكفون في المساجد؛ لأن ذلك يبطله. تلك الأحكام المذكورة هي حدود الله بين الحلال والحرام فلا تقربوها أبدًا؛ فإن من اقترب من حدود الله يوشك أن يقع في الحرام، وبمثل هذا البيان الواضح الجلي لتلك الأحكام يبين الله آياته للناس لعلهم يتقونه بفعل ما أمر وترك ما نهى.
188 - ولا يأخذ بعضكم مال بعضكم بوجه غير مشروع، كالسرقة والغَصْب والغش، ولا تخاصموا بها إلى الحكام لتأخذوا طائفة من أموال الناس متلبّسين بالمعصية، وأنتم تعلمون أن الله حرم ذلك، فالإقدام على الذنب مع العلم بتحريمه أشد قُبْحًا وأعظم عقوبة.
189 - يسألونك -أيها الرسول- عن تكوين الأهلة وتغير أحوالها، قل مجيبًا إياهم عن حكمة ذلك: إنها مواقيت للناس، يعرفون بها أوقات عباداتهم؛ كأشهر الحج، وشهر الصيام، وتَمَام الحَوْل في الزكاة، ويعرفون أوقاتهم في المعاملات؛ كتحديد آجال الديات والديون. وليس البر والخير أن تأتوا البيوت من ظهورها عند إحرامكم بالحج أو العمرة -كما كنتم تزعمون في الجاهلية- ولكن البر حقيقةً برُّ من اتقى الله في الظاهر والباطن، ولكن مجيئكم للبيوت من أبوابها، فهو أيسر لكم وأبعد عن المشقة؛ لأن الله لم يكلفكم بما فيه عسر ومشقة عليكم، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية من العمل الصالح، لعلكم تفلحون بنيل ما ترغبون فيه، والنجاة مما ترهبون منه.
190 - وقاتلوا -ابتغاء رفع كلمة الله- الذين يقاتلونكم من الكفار ليصدوكم عن دين الله، ولا تتجاوزوا حدود الله بقتل الصبيان والنساء والشيوخ، أو بالتمثيل بالقتلى ونحو ذلك، إن الله لا يحب المتجاوزين لحدوده فيما شرع وحكم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• مشروعية الاعتكاف، وهو لزوم المسجد للعبادة؛ ولهذا يُنهى عن كل ما يعارض مقصود الاعتكاف، ومنه مباشرة المرأة.
• النهي عن أكل أموال الناس بالباطل، وتحريم كل الوسائل والأساليب التي تقود لذلك، ومنها الرشوة.
• تحريم الاعتداء والنهي عنه؛ لأن هذا الدين قائم على العدل والإحسان.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:35 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (30)
(سورة البقرة)
مدنية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/27.jpg




191 - واقتلوهم حيث لقيتموهم، وأخرجوهم من المكان الَّذي أخرجوكم منه، وهو مكة، والفتنة الحاصلة بصَدِّ المؤمن عن دينه ورجوعه إلى الكفر أعظم من القتل. ولا تبدؤوهم بقتال عند المسجد الحرام تعظيمًا له حتَّى يبدؤوكم بالقتال فيه، فإن بدؤوا بالقتال في المسجد الحرام فاقتلوهم، ومثل هذا الجزاء -وهو قتلهم إذا اعتدوا في المسجد الحرام- يكون جزاء الكافرين.
192 - فإن انتهوا عن قتالكم وكفرهم فانتهوا عنهم، إن الله غفور لمن تاب فلا يؤاخذهم بذنوبهم السابقة، رحيم بهم لا يعاجلهم بالعقوبة.
193 - وقاتلوا الكفار حتَّى لا يكون منهم شرك ولا صَدٌّ للناس عن سبيل الله ولا كفر، ويكون الدين الظاهر دين الله، فإن انتهوا عن كفرهم وصدهم عن سبيل الله فاتركوا قتالهم، فإنه لا عدوان إلا على الظالمين بالكفر والصد عن سبيل الله.
194 - الشهر الحرام الَّذي مكّنَكم الله فيه من دخول الحرم وأداء العمرة سنةَ سَبع، هو عِوَض عن الشهر الحرام الَّذي صدكم فيه المشركون عن الحرم سنةَ سِتٍّ، والحُرمات -كحرمة البلد الحرام والشهر الحرام والإحرام- يجري فيها القصاص من المعتدين، فمن اعتدى عليكم فيها فعاملوه بمثل فعله، ولا تتجاوزوا حد المماثلة، إن الله لا يحب المتجاوزين لحدوده وخافوا الله في تجاوز ما أذن لكم فيه، واعلموا أن الله مع المتقين له بالتوفيق والتأييد.
195 - وأنفقوا المال في طاعة الله من الجهاد وغيره، ولا تلقوا بأنفسكم إلى الهلاك، بأن تتركوا الجهاد والبذل في سبيله، أو بأن تلقوا بأنفسكم فيما يكون سببًا لهلاككم، وأحسنوا في عباداتكم ومعاملاتكم وأخلاقكم، إن الله يحب المحسنين في كل شؤونهم، فيعظم لهم الثواب، ويوفقهم للرشاد.
196 - وأدوا الحج والعمرة تامَّين، مبتغين وجه اللهِ تعالى، فإذا مُنِعْتُم من إتمامهما بمرض أو بعدوٍّ؛ فعليكم بذبح ما تيسر من الهدي -من الإبل أو البقر أو الغنم- لتتحلَّلوا من إحرامكم. ولا تحلقوا رؤوسكم أو تقصروها حتَّى يبلغ الهدي الموضع الَّذي يحل فيه ذبحه، فإن كان ممنوعًا من الحرم فليذبح حيث مُنع، وإن كان غير ممنوع من الحرم فليذبح في الحرم يوم النحر وما بعده من أيام التشريق. فمن كان منكم مريضًا، أو به أذى من شعر رأسه؛ كقمل ونحوه، فَحَلَق رأسه بسبب ذلك، فلا حرج عليه، وعليه أن يفدي عن ذلك؛ إما بصيام ثلاثة أيام، أو بإطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو بذبح شاة توزع على فقراء الحرم، فإذا كنتم غير خائفين فمن استمتع منكم بأداء العمرة في أشهر الحج، وتمتع بما حرُمَ عليه من محظورات الإحرام إلى أن يحرم بالحج من عامه؛ فليذبح ما تيسر له من شاة أو يشترك سبعة في ذبح بعير أو بقرة، فإذا لم يقدر على الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام من أيام المناسك بدلًا منه، وعليه صيام سبعة أيام بعد رجوعه إلى أهله، ليكون مجموع الأيام عشرة كاملة، ذلك التمتع مع وجوب الهدي أو الصيام للعاجز عن الهدي هو لغير أهل الحرم ومن يقيم قريبًا من الحرم؛ لأنهم لا حاجة بهم إلى التمتع فهم لوجودهم بالحرم يكفيهم مطلق الطواف عن التمتع بالعمرة إلى الحج، واتقوا الله باتباع ما شرع، وتعظيم حدوده، واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• مقصود الجهاد وغايته جَعْل الحكم لله تعالى وإزالة ما يمنع الناس من سماع الحق والدخول فيه.
• ترك الجهاد والقعود عنه من أسباب هلاك الأمة؛ لأنه يؤدي إلى ضعفها وطمع العدو فيها.
• وجوب إتمام الحج والعمرة لمن شرع فيهما، وجواز التحلل منهما بذبح هدي لمن مُنِع عن الحرم.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:38 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (31)
(سورة البقرة)
مدنية



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/28.jpg




197 - وقت الحج أشهر معلومات، تبدأ بشهر شوال، وتنتهي بعشر ذي الحجة، فمن أوجب على نفسه الحج في هذه الأشهر وأحرم به؛ حَرُمَ عليه الجماع ومقدماته، ويتأكد في حقه حُرْمة الخروج عن طاعة الله بارتكاب المعاصي؛ لعظم الزمان والمكان، ويحرم عليه الجدال المؤدي إلى الغضب والخصومة، وما تفعلوا من خير يعلمه الله فيجازيكم به. واستعينوا على أداء الحج بأخذ ما تحتاجون إليه من طعام وشراب، واعلموا أن خير ما تستعينون به في كل شؤونكم هو تقوى الله تعالى، فخافوني بامتثال أوامري واجثناب نواهيّ يا ذوي العقول السليمة.
198 - ليس عليكم إثم أن تطلبوا الرزق الحلال بالتجارة وغيرها في أثناء الحج، فإذا دفعتم من عرفات بعد وقوفكم فيها يوم التاسع، متوجهين إلى مزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة؛ فاذكروا الله بالتسبيح والتهليل والدعاء عند المشعر الحرام بمزدلفة، واذكروا الله لهدايته لكم إلى معالم دينه، ومناسك حج بيته، فقد كنتم من قبل ذلك من الغافلين عن شريعته.
199 - ثم ادفعوا من عرفات كما كان يصنع الناس المقتدون بإبراهيم عليه السلام، لا كما كان يصنع من لا يقف بها من أهل الجاهلية، واطلبوا المغفرة من الله على تقصيركم في أداء ما شرع، إن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.
200 - فإذا أنهيتم أعمال الحج، وفرغتم منها فاذكروا الله، وأكثروا من الثناء عليه، كفَخْرِكم بآبائكم وثنائكم عليهم، أو أشد ذكرًا لله من ذكر آبائكم؛ لأن كل نعمة تتنعّمون بها هي منه سبحانه وتعالى، والناس مختلفون، فمنهم الكافر المشرك الَّذي لا يؤمن إلا بهذه الحياة الدنيا، فلا يسأل ربه إلا نعيمها وزينتها من الصحة والمال والولد، وليس لهم نصيب مما أعد الله لعباده المؤمنين في الآخرة، لرغبتهم في الدنيا وإعراضهم عن الآخرة.
201 - وفريق من الناس مؤمن بالله يؤمن بالآخرة، فيسأل ربه نعيم الدنيا والعمل الصالح فيها، كما يسأله الفوز بالجنّة والسلامة من عذاب النار.
202 - أولئك الداعون بخَيْرَي الدنيا والآخرة لهم حظٌّ من ثواب عظيم بما اكتسبوا من الأعمال الصالحة في الدنيا، والله سريع الحساب للأعمال.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• يجب على المؤمن التزود في سفر الدنيا وسفر الآخرة، ولذلك ذكر الله أن خير الزاد هو التقوى.
• مشروعية الإكثار من ذكر الله تعالى عند إتمام نسك الحج.
• اختلاف مقاصد الناس؛ فمنهم من جعل همّه الدنيا، فلا يسأل ربه غيرها، ومنهم من يسأله خير الدنيا والآخرة، وهذا هو الموفَّق.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:41 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (32)
(سورة البقرة)
مدنية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/29.jpg

203 - واذكروا الله بالتكبير والتهليل في أيام قلائل؛ هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، فمن تعجَّل وخرج من منى بعد الرمي في اليوم الثاني عشر فله ذلك، ولا إثم عليه؛ لأن الله خفف عنه، ومن تأخر إلى الثالث عشر حتَّى يرمي فله ذلك، ولا حرج عليه، وقد جاء بالأكمل، واتبع فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، كل ذلك لمن اتقى الله في حجه فجاء به كما أمر الله، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأيقنوا أنكم إليه وحده ترجعون وتصيرون، فيجازيكم على أعمالكم.
204 - ومن الناس منافق يعجبك -أيها النبي- كلامه في هذه الدنيا، فتراه حسن المنطق، حتَّى لتظن صدقه ونصحه، وإنما قَصْده حفظُ نفسه وماله، ويُشهِد الله -وهو كاذب- على ما في قلبه من إيمان وخير، وهو شديد الخصومة والعداوة للمسلمين.
205 - وإذا أدبر عنك وفارقك سعى مجتهدًا في الأرض من أجل أن يُفسد بالمعاصي، ويُتْلِف الزرع، ويقتل المواشي، والله لا يحب الفساد في الأرض، ولا يحب أهله.
206 - وإذا قيل لذلك المفسد -على سبيل النصح-: اتق الله بتعظيم حدوده واجتناب نواهيه، منعته الأَنَفَةُ والكِبْر عن الرجوع إلى الحق، وتمادى في الإثم، فجزاؤه الَّذي يكفيه دخول جهنم، ولبئس المستقر والمقام لأهلها.
207 - ومن الناس مؤمن يبيع نفسه، فيبذلها طاعة لربه، وجهادًا في سبيله وطلبًا لمرضاته، والله واسع الرحمة بعباده، رؤوف بهم.
208 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله ادخلوا في الإسلام جميعه، ولا تتركوا منه شيئًا، كما يفعل أهل الكتاب من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه، ولا تتبعوا مسالك الشيطان؛ لأنه لكم عدو واضح العداوة مُظْهِرُها.
209 - فإن وقع منكم زلل وميل من بعد ما جاءتكم الدلائل الواضحات التي لا لَبس فيها؛ فاعلموا أن الله عزيز في قدرته وقهره، حكيم في تدبيره وتشريعه، فخافوه وعَظِّموه.
210 - ما ينتظر هؤلاء المتبعون مسالك الشيطان المائلون عن طريق الحق إلا أن يأتيهم الله يوم القيامة إتيانًا يليق بجلاله سبحانه، في ظُلَل من السحاب للقضاء بينهم، وتأتيهم الملائكة محيطة بهم من كل جانب، وعندئذ يُقضى أمر الله فيهم، ويُفرغُ منه، وإلى الله سبحانه وحده ترجع أمور الخلائق وشؤونهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• التقوى حقيقةً لا تكون بكثرة الأعمال فقط، وإنما بمتابعة هدي الشريعة والالتزام بها.
• الحكم على الناس لا يكون بمجرد أشكالهم وأقوالهم، بل بحقيقة أفعالهم الدالة على ما أخفته صدورهم.
• الإفساد في الأرض بكل صوره من صفات المتكبرين التي تلازمهم، والله تعالى لا يحب الفساد وأهله.
• لا يكون المرء مسلمًا حقيقة لله تعالى حتَّى يُسَلِّم لهذا الدين كله، ويقبله ظاهرًا وباطنًا.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:44 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (33)
(سورة البقرة)
مدنية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/30.jpg


211 - اسأل -أيها النبي- بني إسرائيل سؤال توبيخ لهم: كم بيَّن الله تعالى لكم من آية واضحة دالة على صدق الرسل! فكذبتموها وأعرضتم عنها، ومن يبدل نعمة الله كفرًا وتكذيبًا بعد معرفتها وظهورها؛ فإن الله شديد العقاب للكافرين المكذبين.
212 - حُسِّن للذين كفروا بالله الحياة الدنيا وما فيها من مُتَع زائلة، وملذات منقطعة، ويستهزئون بالذين آمنوا بالله واليوم الآخر، والذين اتقوا الله بفعل أوامره وترك نواهيه فوق هؤلاء الكافرين في الآخرة، حيث ينزلهم الله في جنات عدن، والله يعطي من يشاء من خلقه بلا عدّ ولا حساب.
213 - كان الناس أمة واحدة متفقين على الهدى، على دين أبيهم آدم، حتَّى أضلتهم الشياطين، فاختلفوا بين مؤمن وكافر، فلأجل ذلك بعث الله الرسل مبشرين أهل الإيمان والطاعة بما أعبد الله لهم من رحمته، ومنذرين أهل الكفر بما أوعدهم الله به من شديد عقابه، وأنزل مع رسله الكتب مشتملة على الحق الَّذي لا شك فيه؛ ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه. وما اختلف في التوراة إلا الذين أعطوا علمها من اليهود بعدما جاءتهم حجج الله أنَّه حق من عنده لا يسعهم الاختلاف فيه، ظلمًا منهم، فوفّق الله المؤمنين لمعرفة الهدى من الضلال بإذنه وإرادته، والله يهدي من يشاء إلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه، وهو طريق الإيمان.
214 - أم ظننتم -أيها المؤمنون- أن تدخلوا الجنّة ولم يصبكم ابتلاءٌ مثل ابتلاء الماضين من قبلكم، حيث أصابهم شدة الفقر والمرض، وزلزلتهم المخاوف، حتَّى بلغ بهم البلاء أن يستعجلوا نصر الله، فيقول الرسول والمؤمنون معه: متى يأتى نصر الله؛ ألا إن نصر الله قريب من المؤمنين به، المتوكلين عليه.
215 - يسألك أصحابك -أيها النبي-: ماذا ينفقون من أموالهم المتنوعة، وأين يضعونها؟ قل مجيبًا إياهم: ما أنفقتم من خير -وهو الحلال الطيب- فليصرف للوالدين، وللأدنى منكم من قراباتكم بحسب الحاجة، وللمحتاج من اليتامى، وللمُعدمين. الذين ليس لهم مال، وللمسافر الَّذي انقطع له السفر عن أهله ووطنه، وما تفعلوا -أيها المؤمنون- من خير قليلًا كان أو كثيرًا فإن الله به عليم، لا يخفى عليه منه شيء، وسيجازيكم عليه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• ترك شَكر الله تعالى على نعمه وترك استعمالها في طاعته يعرضها للزوال ويحيلها بلاءً على صاحبها.
• الأصل أن الله خلق عباده على فطرة التوحيد والإيمان به، وإبليس وأعوانه هم الذين صرفوهم عن هذه الفطرة إلى الشرك به.
• أعظم الخذلان الَّذي يؤدي للفشل أن تختلف الأمة في كتابها وشريعتها، فيكفّر بعضُها بعضًا، ويلعن بعضُها بعضًا.
• الهداية للحق الَّذي يختلف فيه الناس، ومعرفة وجه الصواب بيد الله، ويُطلب منه تعالى بالإيمان به والانقياد له.
• الابتلاء سُنَّة الله تعالى في أوليائه، فيبتليهم بقدر ما في قلوبهم من الإيمان به والتوكل عليه.
• من أعظم ما يعين على الصبر عند نزول البلاء، الاقتداء بالصالحين وأخذ الأسوة منهم.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:46 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (34)
(سورة البقرة)
مدنية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/31.jpg

216 - فُرِض عليكم -أيها المؤمنون- القتال في سبيل الله وهو مكروه للنفس بطبعها، لما فيه من بذل المال والنفس، ولعلكم تكرهون شيئًا وهو في الواقع خير ونفع لكم؛ كالقتال في سبيل الله، فمع عِظم ثوابه فيه النصر على الأعداء ورفع كلمة الله، ولعلكم تحبون شيئًا وهو شر ووبال عليكم؛ كالجلوس عن الجهاد، فإن فيه الخذلان وتسلط الأعداء، والله يعلم علمًا تامًّا خير الأمور وشرها، وأنتم لا تعلمون ذلك، فاستجيبوا لأمره؛ ففيه الخير لكم.
217 - يسألك الناس -أيها النبي- عن حكم القتال في الأشهر الحرم: ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب، قل مجيبًا إياهم: القتال في هذه الأشهر عظيم عند الله ومستنكر، كما أن ما يقوم به المشركون من صد عن سبيل الله مستقبح كذلك، ومنع المؤمنين عن المسجد الحرام، وإخراج أهل المسجد الحرام منه أعظم عند الله من القتال في الشهر الحرام، والشرك الَّذي هم فيه أعظم من القتل. ولا يزال المشركون على ظلمهم يقاتلونكم -أيها المؤمنون- حتَّى يردوكم عن دينكم الحق إلى دينهم الباطل إن استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ومن يرجع منكم عن دينه، ويمت وهو على الكفر بالله؛ فقد بطل عمله الصالح، ومآله في الآخرة دخول النار وملازمتها أبدًا.
218 - إن الذين آمنوا بالله ورسوله، والذين تركوا أوطانهم مهاجرين إلى الله ورسوله، وقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا؛ أولئك يطمعون في رحمة الله ومغفرته، والله غفور لذنوب عباده رحيم بهم.
219 - يسألك أصحابك -أيها النبي- عن الخمر (وهي: كل ما غطى العقل وأذهبه)؛ يسألونك عن حكم شربها وبيعها وشرائها؟ ويسألونك عن حكم القِمار (وهو: ما يُؤخذ من المال عن طريق المنافسات التي فيها عوض من الطرفين المشترِكَين في المنافسة)؟ قل مجيبًا إياهم: فيهما مضار ومفاسد دينية ودنيوية كثيرة؛ من ذهاب العقل والمال، والوقوع في العداوة والبغضاء، وفيهما منافع قليلة كالمكاسب المالية، وضررهما والإثم الحاصل بهما أكبر من نفعهما، وما كان ضرّه أكثر من نفعه؛ فإن العاقل يجتنبه، وهذا البيان من الله فيه تمهيد لتحريم الخمر.
ويسألك أصحابك -أيها النَّبي- عن قدر ما ينفقونه من أموالهم على وجه التطوع والتبرع؟ قل مجيبًا إياهم: أنفقوا من أموالكم الَّذي يزيد عن حاجتكم (وقد كان هذا أول الأمر، ثم شرع الله بعد ذلك الزكاة الواجبة في أموال مخصوصة وأنصبة معينة)، وبمثل هذا البيان الَّذي لا لبس فيه يبين الله لكم أحكام الشرع لعلكم تتفكرون.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• الجهل بعواقب الأمور قد يجعل المرء يكره ما ينفعه ويحب ما يضره، وعلى المرء أن يسأل الله الهداية للرشاد.
• جاء الإسلام بتعظيم الحرمات والنهي عن الاعتداء عليها، ومن أعظمها صد الناس عن سبيل الله تعالى.
• لا يزال الكفار أبدًا حربًا على الإسلام وأهله حتَّى يخرجوهم من دينهم، والله موهن كيد الكافرين.
• الإيمان بالله تعالى، والهجرة إليه، والجهاد في سبيله؛ أعظم الوسائل التي ينال بها المرء رحمة الله ومغفرته.
• حرّمت الشريعة كل ما فيه ضرر غالب وإن كان فيه بعض المنافع؛ مراعاة لمصلحة العباد.

ابو وليد البحيرى
2019-07-07, 02:50 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (35)
(سورة البقرة)
مدنية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/32.jpg

220 - شرع ذلك لكي تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة. ويسألك أصحابك -أيها النبي- عن قيامهم بالولاية على اليتامى: كيف يتصرفون في التعامل معهم؟ وهل يخلطون أموالهم معهم في النفقة والمطاعمة والمساكنة؟ قل مجيبًا إياهم: تفضلكم عليهم بإصلاح أموالهم من غير عوض أو مخالطة في أموالهم؛ خير لكم عند الله وأعظمُ أجرًا، وهو خير لهم في أموالهم؛ لما فيه من حفظ أموالهم عليهم، وإنْ تشاركوهم بضم ما لهم إلى ما لكم في المعاش والمسكن ونحو ذلك؛ فلا حرج في ذلك، فهم إخوانكم في الدين، والإخوة يعين بعضهم بعضًا، ويقوم بعضهم على شؤون بعض، والله يعلم من يريد الإفساد من الأولياء بمشاركة اليتامى أموالهم ممن يريد الإصلاح، ولو شاء أن يشق عليكم في شأن اليتامى لشقّ عليكم، ولكنه سبحانه وتعالى يسر لكم سبيل التعامل معهم؛ لأن شريعته مبنية على اليسر، إن الله عزيز لا يغالبه شيء، حكيم في خَلْقِه وتدبيره وتشريعه.
221 - ولا تتزوجوا -أيها المؤمنون- المشركات بالله حتَّى يؤمنّ بالله وحده، ويدخلن في دين الإسلام، وإنَّ امرأة مملوكة مؤمنة بالله ورسوله خير من امرأة حرة تعبد الأوثان، ولو أعجبتكم بجمالها ومالها، ولا تزوِّجوا المسلمات رجالًا مشركين، ولعبد مملوك مؤمن بالله ورسوله خير من حر مشرك، ولو أعجبكم، أولئك المتصفون بالشرك -رجالًا ونساءً- يدعون بأقوالهم وأفعالهم إلى ما يقود إلى دخول النار، والله يدعو إلى الأعمال الصالحة التي تقود إلى دخول الجنّة والمغفرة من الذنوب بإذنه وفضله، ويبين آياته للناس لعلهم يعتبرون بما دلت عليه فيعملون بها.
222 - ويسألك أصحابك -أيها النبي- عن الحيض (وهو دم طبيعي يخرج من رحم المرأة في أوقات مخصوصة)؟ قل مجيبًا إياهم: الحيض أذى للرجل والمرأة، فاجتنبوا جماع النساء في وقته، ولا تقربوهن بالوطء حتَّى ينقطع الدم عنهن، ويتطهرن منه بالغُسل، فإذا انقطع وتطهرن منه فجامعوهن على الوجه الَّذي أباح لكم: طاهرات في قُبُلهن، إن الله يحب المكثرين من التوبة من المعاصي، والمبالغين في الطهارة من الأخباث.
223 - زوجاتكم محل زرع لكم يلدن لكم الأولاد؛ كالأرض التي تخرج الثمار، فأتوا محل الزرع -وهو القُبل- من أي جهة شئتم وكيفما شئتم إذا كان في القُبل، وقدموا لأنفسكم بفعل الخيرات، ومنه أن يجامع الرجل امرأته بقصد التقريب إلى الله، ورجاء الذرية الصالحة، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ومنها ما شرع لكم في شأن النساء، واعلموا أنكم ملاقوه يوم القيامة، واقفون بين يديه، ومجازيكم على أعمالكم، وبشّر -أيها النبي- المؤمنين بما يسرهم عند لقاء ربهم من النعيم المقيم، والنظر إلى وجهه الكريم.
224 - ولا تجعلوا الحلف بالله حجة مانعة، من فعل البر والتقوى والإصلاح بين الناس، بل إذا حلفتم على ترك البر؛ فافعلوا البر وكفِّروا عن أيمانكم، والله سميع لأقوالكم، عليم بأفعالكم، وسيجازيكم عليها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]

• تحريم النِّكَاح بين المسلمين والمشركين، وذلك لبُعد ما بين الشرك والإيمان.
• دلت الآية على اشتراط الولي عند عقد النِّكَاح؛ لأن الله تعالى خاطب الأولياء لمّا نهى عن تزويج المشركين.
• حث الشريعة على الطهارة الحسية من النجاسات والأقذار، والطهارة المعنوية من الشرك والمعاصي.
• ترغيب المؤمن في أن يكون نظره في أعماله -حتَّى ما يتعلق بالملذات- إلى الدار الآخرة، فيقدم لنفسه ما ينفعه فيها.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:02 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (36)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/98.jpg

225 - لا يحاسبكم الله بسبب الأيمان التي تجري على ألسنتكم من غير قصد؛ كقول أحدكم: لا والله، وبلى والله، فلا كفارة عليكم ولا عقوبة في ذلك، ولكن يحاسبكم على ما قصدتموه من تلك الأيمان، والله غفور لذنوب عباد، حليم لا يعاجلهم بالعقوبة.
226 - للذين يحلفون على ترك جماع نسائهم انتظار مدة لا تزيد عن أربعة أشهر، ابتداء من حلفهم، وهو ما يُعرف بالإيلاء، فإن رجعوا إلى جماع نسائهم بعد حلفهم على تركه في مدة أربعة أشهر فما دون؛ فإن الله غفور يغفر لهم ما حصل منهم، ورحيم بهم حيث شرع الكفارة مخرجًا من هذا اليمين.
227 - وإن قصدوا الطلاق باستمرارهم على ترك جماع نسائهم وعدم الرجوع إليه فإن الله سميع لأقوالهم التي منها الطلاق، عليم بأحوالهم ومقاصدهم، وسيجازيهم عليها.
228 - والمطلقات ينتظرن بأنفسهن ثلاث حيض لا يتزوجن خلالها، ولا يجوز لهن أن يُخفين ما خلق الله في أرحامهن من الحمل، إن كن صادقات في الإيمان بالله واليوم الآخر، وأزواجهن المطلقون لهن أحق بمراجعتهن في مدة العدة، إن قصدوا بالمراجعة الألفة وإزالة ما وقع بسبب الطلاق، وللزوجات من الحقوق والواجبات مثل الَّذي لأزواجهن عليهن بما تعارف عليه الناس، وللرجال درجة أعلى عليهن، من القِوَامة وأمر الطلاق، والله عزيز لا يغلبه شيء، حكيم في شرعه وتدبيره.
229 - الطلاق الَّذي يمتلك فيه الزوج الرجعة طلقتان، بأن يطلق، ثم يراجع، ثم يطلق، ثم يراجع، ثم بعد الطلقتين إما أن يمسكها في عصمته مع المعاشرة بالمعروف، أو يطلقها الثالثة مع الإحسان إليها وأداء حقوقها، ولا يحِلُّ لكم -أيها الأزواج- أن تأخذوا مما دفعتم إلى زوجاتكم من المهر شيئًا، إلا أن تكون المرأة كارهة لزوجها بسبب خُلُقه أو خَلْقه، ويظن الزوجان بسبب هذا الكُره عدم وفائهما بما عليهما من الحقوق، فليعرضا أمرهما على من له بهما صلة قرابة أو غيرها، فإن خاف الأولياء عدم قيامهما بالحقوق الزوجية بينهما، فلا حرج عليهما أن تَخْلَع المرأة نفسها بمال تدفعه لزوجها مقابل طلاقها. تلك الأحكام الشرعية هي الفاصلة بين الحلال والحرام، فلا تتجاوزوها، ومن يتجاوز حدود الله بين الحلال والحرام؛ فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بإيرادها موارد الهلاك، وتعريضها لغضب الله وعقابه.
230 - فإن طلقها زوجها طلقة ثالثة لم يحل له نكاحها من جديد حتَّى تتزوج رجلًا غيره زواجًا صحيحًا لرغبة لا لقصد التحليل، ويجامعها في هذا النِّكَاح، فإن طلقها الزوج الثانى أو توفي عنها؛ فلا إثم على المرأة وزوجها الأول أن يتراجعا بعقد ومهر جديدين، إن غلب على ظنهما أنهما يقومان بما يلزمهما من الأحكام الشرعية، وتلك الأحكام الشرعية يبينها الله لأناس يعلمون أحكامه وحدوده؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيَّن الله تعالى أحكام النِّكَاح والطلاق بيانًا شاملًا حتَّى يعرف الناس حدود الحلال والحرام فلا يتجاوزوها.
• عظَّم الله شأن النِّكَاح وحرم التلاعب فيه بالألفاظ فجعلها ملزمة، وألغى التلاعب بكثرة الطلاق والرجعة فجعل لها حدًّا بطلقتين رجعيتين ثم تحرم عليه إلا أن تنكح زوجًا غيره ثم يطلقها.
• المعاشرة الزوجية تكون بالمعروف، فإن تعذر ذلك فلا بأس من الطلاق، ولا حرج على أحد الزوجين أن يطلبه.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:06 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (37)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/99.jpg

231 - وإذا طلقتم نساءكم فقاربْنَ انتهاء عدتهن؛ فلكم أن تُراجعوهن أو تتركوهن بالمعروف دون رجعة حتَّى تنقضي عدتهن، ولا تُراجعوهن لأجل الاعتداء عليهن والإضرار بهن كما كان يُفعل في الجاهلية، ومن يفعل ذلك بقصد الإضرار بهن؛ فقد ظلم نفسه بتعريضها للإثم والعقوبة، ولا تجعلوا آيات الله محل استهزاء بالتلاعب بها والتجرؤ عليها، واذكروا نعم الله عليكم، ومن أعظمها ما أنزل عليكم من القرآن والسُّنَّة، يذكركم بهذا ترغيبًا لكم وترهيبًا، وخافوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واعلموا أن الله بكل شيء عليم، فلا يخفى عليه شيء، وسيجازيكم بأعمالكم.
232 - وإذا طلقتم نساءكم أقل من ثلاث طلقات، وانتهت عدتهن، فلا تمنعوهن -أيها الأولياء- حينئذ من العودة إلى أزواجهن بعقد ونكاح جديد إذا رغبن في ذلك، وتراضين مع أزواجهن عليه، ذلك الحكم المتضمن النهي عن منعهن يُذكَّر به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر، ذلكم أكثر نماء للخير فيكم، وأشد طُهْرًا لأعراضكم وأعمالكم من الأدناس، والله يعلم حقائق الأمور وعواقبها وأنتم لا تعلمون ذلك.
233 - والوالدات يرضعن أولادهن سنتين كاملتين , ذلك التحديد بسنتين لمن قصد إكمال مدة الرضاعة، وعلى والد الطفل نفقة الوالدات المرضعات المطلقات ولباسهن، بحسب ما تعارف عليه الناس مما لا يخالف الشرع، لا يكلف الله نفسًا أكثر من سعتها وقدرتها، ولا يحل لأحد الأبوين أن يتخذ الولد وسيلة إضرار للآخر، وعلى وارث الطفل إذا عُدِمَ الأب، وكان الطفل ليس له مال مثل ما على الأب من الحقوق. فإن أراد الأبوان فطام الولد قبل تمام السنتين فلا إثم عليهما في ذلك، إذا كان بعد تشاورهما وتراضيهما على ما فيه مصلحة المولود، وإن أردتم أن تطلبوا لأولادكم مرضعات غير الأمهات؛ فلا إثم عليكم إذا سلمتم ما اتفقتم عليه مع المرضعة من أجرة بالمعروف بلا نقص أو مماطلة، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واعلموا أن الله بما تعملون بصير، فلا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجازيكم على ما قدمتم من أعمال.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• نهي الرجال عن ظلم النساء سواء كان بِعَضْلِ مَوْلِيَّتِه عن الزواج، أو إجبارها على ما لا تريد.
• حَفِظَ الشرع للأم حق الرضاع، وإن كانت مطلقة من زوجها، وعليه أن ينفق عليها ما دامت ترضع ولده.
• نهى الله تعالى الزوجين عن اتخاذ الأولاد وسيلة يقصد بها أحدهما الإضرار بالآخر.
• الحث على أن تكون كل الشؤون المتعلقة بالحياة الزوجية مبنية على التشاور والتراضي بين الزوجين.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:10 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (38)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/100.jpg

234 - والذين يموتون ويتركون وراءهم زوجات غير حوامل؛ ينتظرن بأنفسهن وجوبًا مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، يمتنعن فيها عن الخروج من بيت الزوج، وعن الزينة والزواج، فإذا انقضت هذه المدة؛ فلا إثم عليكم -أيها الأولياء- فيما فعلن بأنفسهن مما كان ممنوعًا عليهن في تلك المدة، على الوجه المعروف شرعًا وعرفًا، والله بما تعملون خبير لا يخفى عليه شيء من ظاهركم وباطنكم، وسيجازيكم عليه.
235 - ولا إثم عليكم في التلميح بالرغبة في خطبة المعتدة من وفاة أو طلاق بائن، دون التصريح بالرغبة؛ كأن يقول: إذا انقضت عِدَّتُكِ فأخبريني، ولا إثم عليكم فيما أخفيتم في أنفسكم من الرغبة في نكاح المعتدة بعد انقضاء عدتها، علم الله أنكم ستذكرونهن لشدة رغبتكم فيهن، فأباح لكم التلميح دون التصريح، واحذروا أن تتواعدوا سرًّا على النِّكَاح وهن في مدة العدة، إلا وفق المعروف من القول وهو التعريض، ولا تُبرموا عقد النِّكَاح في زمن العدة، واعلموا أن الله يعلم ما تضمرونه في أنفسكم مما أباح لكم وحرم عليكم فاحذروه، ولا تخالفوا أمره، واعلموا أن الله غفور لمن تاب من عباده، حليم لا يعاجل بالعقوبة.
236 - لا إثم عليكم إن طلقتم زوجاتكم اللائي عقدتم عليهن قبل أن تجامعوهن وقبل أن توجبوا مهرًا محددًا لهن، فإذا طلقتموهن على هذه الحال فلا يجب لهن عليكم مهر، وإنما يجب إعطاؤهن شيئًا يتمتعن به، ويجبر كسر نفوسهن، بحسب الاستطاعة سواء كان مُوسَّعًا عليه كثير المال أو مُضَيّقًا عليه قليل المال، وهذا العطاء حق ثابت على المحسنين في أفعالهم ومعاملاتهم.
237 - وإن طلقتم زوجاتكم اللائي عقدتم عليهن قبل جماعهن وقد أوجبتم لهن مهرًا محددًا، فيجب عليكم دفع نصف المهر المسمى إليهن، إلا أن يسمحن لكم عنه -إن كنّ رشيدات- أو يسمح الأزواج أنفسهم ببذل المهر كاملًا لهن، وأن تتسامحوا في الحقوق بينكم أقرب إلى خشية الله وطاعته، ولا تتركوا -أيها الناس- تفضل بعضكم على بعض، والمسامحة في الحقوق، فإن الله بما تعملون بصير، فاجتهدوا في بذل المعروف لتنالوا ثواب الله عليه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• مشروعية العِدة على من توفي عنها زوجها بأن تمتنع عن الزينة والزواج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام.
• معرفة المؤمن باطلاع الله عليه تَحْمِلُه على الحذر منه تعالى والوقوف عند حدوده.
• الحث على المعاملة بالمعروف بين الأزواج والأقارب، وأن يكون العفو والمسامحة أساس تعاملهم فيما بينهم.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:13 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (39)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/101.jpg

238 - حافظوا على الصلوات بأدائها تامة كما أمر الله، وحافظوا على الصلاة الوسطى بين الصلوات وهي صلاة العصر، وقوموا لله في صلاتكم مطيعين خاشعين.
239 - فإن خفتم من عدوٍّ ونحوه، فلم تقدروا على أدائها تامة فصلوا مشاة على أرجلكم أو راكبين على الإبل والخيل ونحوها، أو على أي صفة تقدرون عليها، فإذا زال الخوف عنكم فاذكروا الله كما علَّمكم، ومنه ذِكرُه في الصلاة على كمالها وتمامها، واذكروه أيضًا لتعليمه إياكم ما لم تكونوا تعلمونه من النور والهدى.
240 - والذين يموتون منكم ويتركون وراءهم أزواجًا عليهم أن بوصوا لهن بأن يُمتَّعن بالسكنى والنفقة عامًا كاملًا لا يُخرجهن ورثتكم؛ جبرًا لهن لما أصابهن، ووفاء للميت، فإن خرجن قبل إكمال العام من تلقاء أنفسهن فلا إثم عليكم ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من التزين والتطيب، والله عزيز لا غالب له، حكيم في تدبيره وشرعه وقدره. هذا وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن حكمِ هذه الآية منسوخ بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
241 - وللمطلقات متاع يمتَّعن به من كسوة أو مال أو غير ذلك، جبرًا لخواطرهن المنكسرة بالطلاق، وفق المعروف من مراعاة حال الزوج من قلة أو كثرة، وهذا الحكم حق ثابت على المتقين لله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه.
242 - مثل ذلك البيان السابق يبين الله لكم -أيها المؤمنون- آياته المشتملة على حدوده وأحكامه؛ لعلكم تعقلونها وتعملون بها، فتنالون الخير في الدنيا والآخرة.
243 - ألم يبلغ علمك -أيها النبي- خبر الذين خرجوا من بيوتهم وهم خلق كثير خوفًا من الموت بسبب الوباء أو غيره، وهم طائفة من بني إسرائيل، فقال لهم الله: موتوا فماتوا، ثم أعادهم أحياء، ليبين لهم أن الأمر كله بيده سبحانه، وأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، إن الله لذو عطاء وفضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على نعمه.
244 - وقاتلوا -أيها المؤمنون- أعداء الله، نصرة لدينه ورفعة لكلمته، واعلموا أن الله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأفعالكم، وسيجازيكم عليها.
245 - من ذا الَّذي يعمل عمل المُقرض، فينفق ماله في سبيل الله بنية حسنة ونفس طيبة، ليعود عليه أضعافًا كثيرة، والله يضيِّق في الرزق والصحة وغيرها، ويوسع في ذلك كله بحكمته وعدله، وإليه وحده ترجعون في الآخرة، فيجازيكم على أعمالكم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الحث على المحافظة على الصلاة وأدائها تامة الأركان والشروط، فإن شق عليه صلَّى على ما تيسر له من الحال.
• رحمة الله تعالى بعباده ظاهرة، فقد بين لهم آياته أتم بيان للإفادة منها.
• أن الله تعالى قد يبتلي بعض عباده فيضيِّق عليهم الرزق، ويبتلي آخرين بسعة الرزق، وله في ذلك الحكمة البالغة.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:16 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (40)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/102.jpg

246 - ألم يبلغ علمك -أيها النبي- خبر الأشراف من بني إسرائيل بعد زمن موسى عليه السلام، حين قالوا لنبي لهم: أقم لنا مَلِكًا نقاتل معه في سبيل الله، فقال لهم نبيهم: لعلكم إن فرض الله عليكم القتال ألا تقاتلوا في سبيل الله! قالوا منكرين ظنه فيهم: أي مانع يمنعنا من القتال في سبيل الله مع وجود ما يقتضي ذلك منا؟ فقد أَخرجَنا أعداؤنا من أوطاننا، وأسروا أبناءنا، فنقاتل لاستعادة أوطاننا وتخليص أَسْرَانا، فلما فرض الله عليهم القتال أعرضوا إذ لم يوفّوا بما وعدوا به إلا قلة منهم، والله عليم بالظالمين المعرضين عن أمره، الناقضين لعهده، وسيجازيهم على ذلك.
247 - وقال لهم نبيهم: إن الله قد أقام لكم طالوت ملكًا عليكم لتقاتلوا تحت رايته، قال أشرافهم مستنكرين هذا الاختيار ومعترضين عليه: كيف يكون له المُلك علينا، ونحن أولى بالمُلك منه؛ إذ لم يكن من أبناء الملوك، ولم يُعْطَ مالًا واسعًا يستعين به على الملك؟! قال لهم نبيهم: إن الله اختاره عليكم، وزاده عليكم سعة في العلم وقوة في الجسم، والله يؤتي ملكه من يشاء بحكمته ورحمته، والله واسع الفضل يعطي من يشاء، عليم بمن يستحقه من خلقه.
248 - وقال لهم نبيهم: إن علامة صدق اختياره ملكًا عليكم؛ أن يَرُد الله عليكم التابوت -وكان صندوقًا يعظمه بنو إسرائيل أُخذ منهم- فيه طمأنينة تصاحبه، وفيه بقايا مما تركه آل موسى وآل هارون، مثل العصا، وبعض من الألواح، إن في ذلك لعلامة بينة لكم إن كنتم مؤمنين حقًّا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• التنبيه إلى أهم صفات القائد التي تؤهله لقيادة الناس؛ وهي العلم بما يكون قائدًا فيه، والقوة عليه.
• إرشاد من يتولى قيادة الناس إلى ألا يغتر بأقوالهم حتَّى يبلوهم، ويختبر أفعالهم بعد أقوالهم.
• أن الاعتبارات التي قد تشتهر بين الناس في وزن الآخرين والحكم عليهم قد لا تكون هي الموازين الصحيحة عند الله تعالى، بل هو سبحانه يصطفي من يشاء من خلقه بحكمته وعلمه.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:19 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (41)
(سورة البقرة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/103.jpg

249 - فلما خرج طالوت بالجنود عن البلد قال لهم: إن الله مختبركم بنهر، فمن شرب منه فليس على طريقتي، ولا يصاحبني في قتال، ومن لم يشرب منه فإنه على طريقتي، ويصاحبني في القتال، إلا من اضطر فشرب مقدار غرفة بكفِّ يده فلا شيء عليه، فشرب الجنود إلا قليلًا منهم صبروا على عدم الشرب مع شدة العطش، فلما جاوز طالوت النهر هو والمؤمنون معه، قال بعض جنوده: لا قدرة لنا اليوم على قتال جالوت وجنوده، وعندئذ قال الذين يوقنون أنهم ملاقو الله يوم القيامة: كم من طائفة مؤمنة قليلة العدد غلبت طائفة كافرة كثيرة العدد بإذن الله وعونه، فالعبرة في النصر بالإيمان لا بالكثرة، والله مع الصابرين من عباده يؤيدهم وينصرهم.
250 - ولما خرجوا ظاهرين لجالوت وجنوده توجهوا إلى الله بالدعاء قائلين: ربنا صُبَّ على قلوبنا الصبر صبًّا، وثبت أقدامنا حتَّى لا نَفِرّ ولا ننهزم أمام عدونا، وانصرنا بقوتك وتأييدك على القوم الكافرين.
251 - فهزموهم بإذن الله، وقتل داودُ قائدَهم جالوت، وآتاه الله الملك والنبوة، وعلمه مما يشاء من أنواع العلوم، فجمع له بين ما يصلح الدنيا والآخرة. ولولا أن من سُنَّة الله أن يردَّ ببعض الناس فساد بعضهم؛ لفسدت الأرض بتسلط المفسدين فيها، ولكن الله ذو فضل على جميع المخلوقات.
253 - تلك آيات الله الواضحة البينة نتلوها عليك -أيها النبي- متضمنة صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام، وإنك لمن المرسلين من رب العالمين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من حكمة القائد أن يُعرِّض جيشه لأنواع الاختبارات التي يتميز بها جنوده ويعرف الثابت من غيره.
• العبرة في النصر ليست بمجرد كثرة العدد والعدة فقط، وإنما معونة الله وتوفيقه أعظم الأسباب للنصر والظفر.
• لا يثبت عند الفتن والشدائد إلا من عَمَرَ اليقينُ بالله قلوبَهم، فمثل أولئك يصبرون عند كل محنة، ويثبتون عند كل بلاء.
• الضراعة إلى الله تعالى بقلب صادق متعلق به من أعظم أسباب إجابة الدعاء، ولا سيما في مواطن القتال.
• من سُنَّة الله تعالى وحكمته أن يدفع شر بعض الخلق وفسادهم في الأرض ببعضهم.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:23 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (42)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/104.jpg

253 - أولئك الرسل الذين ذكرناهم لك، فضَّلنا بعضهم على بعض في الوحي والأتباع والدرجات، منهم من كَلَّمَه الله مثل موسى عليه السلام، ومنهم من رفعه درجات عالية مثل محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ أُرسِل للناس كلهم، وخُتِمَت به النبوة، وفُضِّلَت أمته على الأمم، وآتينا عيسى بن مريم المعجزات الواضحات الدالة على نبوته؛ كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأيدناه بجبريل عليه السلام تَقْويةً له على القيام بأمر الله تعالى. ولو شاء الله ما اقتتل الذين جاؤوا من بعد الرسل من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحة، ولكن اختلفوا فانقسموا؛ فمنهم من آمن بالله، ومنهم من كفر به، ولو شاء الله ألا يقتتلوا ما اقتتلوا، ولكن الله يفعل ما يريد، فيهدي من يشاء إلى الإيمان برحمته وفضله، ويضل من يشاء بعدله وحكمته.
254 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، أنفقوا مما رزقناكم من مُختلف الأموال الحلال، من قبل أن يأتي يوم القيامة، حينئذ لا بيع فيه يكتسب منه الإنسان ما ينفعه، ولا صداقة تنفعه في وقت الشدة، ولا وساطة تَدفع ضرًّا أو تَجلب نفعًا إلا بعد أن ياذن الله لمن يشاء ويرضى، والكافرون هم الظالمون حقًّا لكفرهم بالله تعالى.
255 - الله الذي لا إله يُعبد بحقٍّ إلا هو وحده دون سواه، الحي حياة كاملة لا موت فيها ولا نقص، القيوم الَّذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع خلقه، وبه قامت جميع المخلوقات فلا تستغني عنه في كل أحوالها، لا يأخذه نعاس ولا نوم؛ لكمال حياته وقيوميته، له وحده ملك ما في السماوات وما في الأرض، لا يملك أحد أن يشفع عنده لأحد إلا بعد إذنه ورضاه، يعلم ما مضى من أمور خلقه مما وقع، وما يستقبلونه مما لم يقع، ولا يحيطون بشيء من علمه تعالى إلا بما شاء أن يطلعهم عليه، أحاط كرسيه -وهو: موضعِ قَدَميِ الرب- بالسماوات والأرض على سَعَتِهما وعِظَمِهما، ولا يُثْقِلُه أو يشق عليه حفظهما، وهو العَليُّ بذاته وقدْرِه وقهْرِه، العظيم في ملكه وسلطانه.
256 - لا إكراه لأحد على الدخول في دين الإسلام؛ لأنه الدين الحق البيِّن فلا حاجة به إلى إكراه أحد عليه، قد تميز الرُّشد من الضلال، فمن يكفر بكل ما يعبد من دون الله ويتبرأ منها، ويؤمن بالله وحده؛ فقد استمسك من الدين بأقوى سبب لا ينقطع للنجاة يوم القيامة، والله سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم، وسيجازيهم عليها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن الله تعالى قد فاضل بين رسله وأنبيائه، بعلمه وحكمته سبحانه.
• إثبات صفة الكلام لله تعال على ما يليق بجلاله، وأنه قد كلَّم بعض رسله كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
• الإيمان والهدى والكفر والضلال كلها بمشيئة الله وتقديره، فله الحكمة البالغة، ولو شاء لهدى الخلق جميعًا.
• آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله، لما تضمنته من ربوبية الله وألوهيته وبيان أوصافه عز وجل.
• اتباع الإسلام والدخول فيه يجب أن يكون عن رضًا وقَبول، فلا إكراه في دين الله تعالى.
• الاستمساك بكتاب الله وسُنَّة رسوله أعظم وسيلة للسعادة في الدنيا، والفوز في الآخرة.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:26 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (43)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/105.jpg

257 - الله يتولى الذين آمنوا به، يوفقهم وينصرهم، ويخرجهم من ظلمات الكفر والجهل، إلى نور الإيمان والعلم، والذين كفروا أولياؤهم الأنداد والأوثان، الذين زينوا لهم الكفر، فأخرجوهم من نور الإيمان والعلم إلى ظلمات الكفر والجهل، أولئك أصحاب النار هم فيها ماكثون أبدًا. ولما ذكر الله الفريقين ضرب مثالين على الفريقين فقال:
258 - هل رأيت -أيها النبي- أعجب من جرأة الطاغية الذي جادل إبراهيم -عليه السلام- في ربوبية الله وتوحيده، وقد وقع منه ذلك لأن الله آتاه المُلك فطغى، فبيّن له إبراهيم صفات ربه قائلًا: ربي الذي يحيي الخلائق ويُمِيتُها، قال الطاغية عنادًا: أنا أُحيي وأُميت بأن أقتل من أشاء وأعفو عمن أشاء، فأتاه إبراهيم -عليه السلام- بحجة أخرى أعظم، قال له: إن ربي الذي أعبده يأتي بالشمس من جهة المشرق، فأت بها أنت من جهة المغرب، فما كان من الطاغية إلا أن تحيَّر وانقطع، وغُلب من قوة الحجة، والله لا يوفق الظالمين لسلوك سبيله؛ لظلمهم وطغيانهم.
259 - أو هل رأيت مِثْلَ الذي مَرَّ على قرية سقطت سقوفها، وتهدمت جدرانها، وهلك سكانها، فأصبحت موحشة مُقْفرة، قال هذا الرجل متعجبًا: كيف يحيي الله أهل هذه القرية بعد موتها؟! فأماته الله مدة مئة عام، ثم أحياه، وسأله فقال له: كم مكثت ميتًا؟ قال مجيبًا: مكثت مدة يوم أو بعض يوم. قال له: بل مكثت مئة سنة تامة، فانظر إلى ما كان معك من الطعام والشراب، فها هو ذا باقٍ على حاله لم يتغير، مع أن أسرع ما يصيبه التغير الطعام والشراب، وانظر إلى حمارك الميت، ولنجعلك علامة بينة للناس دالة على قدرة الله على بعثهم، فانظر إلى عظام حمارك التي تفرقت وتباعدت، كيف نرفعها ونضم بعضها إلى بعض، ثم نكسوها بعد ذلك اللحم، ونعيد فيها الحياة، فلما رأى ذلك تبين له حقيقة الأمر، وعلم قدرة الله، فقال معترفًا بذلك: أعلم أن الله على كل شيء قدير.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعظم ما يميز أهل الإيمان أنهم على هدى وبصيرة من الله تعالى في كل شؤونهم الدينية والدنيوية، بخلاف أهل الكفر.
• من أعظم أسباب الطغيان الغرور بالقوة والسلطان حتى يعمى المرء عن حقيقة حاله.
• مشروعية مناظرة أهل الباطل لبيان الحق، وكشف ضلالهم عن الهدى.
• عظم قدرة الله تعالى؛ فلا يُعْجِزُهُ شيء، ومن ذلك إحياء الموتى.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:29 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (44)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/106.jpg

260 - واذكر -أيها النبي- حين قال إبراهيم -عليه السلام-: يا رب أرني ببصري كيف يكون إحياء الموتى؟! قال الله: أوَلم تؤمن بهذا الأمر؟ قال إبراهيم: بلى قد آمنت، ولكن زيادة في طمأنينة قلبي، فأمره الله وقال له: خذ أربعة من الطير، فاضممهنَّ إليك وقطِّعْهنَّ، ثم اجعل على كل جبل من الجبال التي حولك جزءًا منهن، ثم نادِهن يأتينك سعيًا مسرعات قد عادت إليهن الحياة. واعلم يا إبراهيم أن الله عزيز في ملكه، حكيم في أمره وشرعه وخلقه.
261 - مَثَل ثواب المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة يضعها الزارع في أرض طيبة فتنبت سبع سنابل، في كل سنبلة منها مئة حبة، والله يضاعف الثواب لمن يشاء من عباده، فيعطيهم أجرهم دون حساب، والله واسع الفضل والعطاء، عليم بمن يستحق المضاعفة.
262 - الذين يبذلون أموالهم في طاعة الله ومرضاته يُتْبعون بذلهم بما يبطل ثوابه من المَنِّ على الناس بالقول أو الفعل، لهم ثوابهم عند ربهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا هم يحزنون على ما مضى لعظم نعيمهم.
263 - قول كريم تُدخِل به السرور على قلب مؤمن، وعفو عمن أساء إليك؛ أفضل من صدقة يتبعها إيذاء بالمنِّ على المتصدَّق عليه، والله غني عن عباده، حليم لا يعاجلهم بالعقوبة.
264 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، لا تفسدوا ثواب صدقاتكم بالمَنِّ على المتصدَّق عليه وإيذائه، فإن مَثلَ من يفعل ذلك مَثلُ الذي يبذل أمواله بقصد أن يراه الناس ويمدحوه، وهو كافر لا يؤمن بالله ولا بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب، فمَثَلُ هذا مَثَلُ حجر أملس فوقه تراب، فأصاب ذلك الحجر مطر غزير، فأزاح الترابَ عن الحجر وتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك المُراؤون يذهب ثواب أعمالهم ونفقاتهم ولا يبقى منها عند الله شيء، والله لا يهدي الكافرين إلى ما يرضيه تعالى وينفعهم في أعمالهم ونفقاتهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• مراتب الإيمان بالله ومنازل اليقين به متفاوتة لا حد لها، وكلما ازداد العبد نظرًا في آيات الله الشرعية والكونية زاد إيمانًا ويقينًا.
• بَعْثُ الله تعالى للخلق بعد موتهم دليل ظاهر على كمال قدرته وتمام عظمته سبحانه.
• فضل الإنفاق في سبيل الله وعظم ثوابه، إذا صاحبته النية الصالحة، ولم يلحقه أذى ولا مِنّة محبطة للعمل.
• من أحسن ما يقدمه المرء للناس حُسن الخلق من قول وفعل حَسَن، وعفو عن مسيء.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:33 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (45)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/107.jpg

265 - ومثل المؤمنين الذين يبذلون أموالهم طلبًا لرضوان الله، مطمئنةً أنفسُهم بصدق وعد الله غيرَ مكرهة، كمثل بستان على مكان مرتفع طيب، أصابه مطر فزير، فأنتج ثمرًا مضاعفًا، فان لم يصبه مطر كزير أصابه مطر خفيف فاكتفى به لطيب أرضه، وكذلك نففات المخلصين يقبلها الله ويضاعف أجرها وإن كانت قليلة، والله بما تعملون بصير، فلا يخفى عليه حال المخلصين والمرائين، وسيجازي كلا بما يستحق.
ثم ضرب تعالى مثالًا يصور به حال المنفق ماله رياءً فقال:

266 - أيرغب أحدكم في أن يكون له بستان فيه نخل وعنب تجري في خلاله المياه العذبة، له فيه من كل أنواع الثمرات الطيبة، وأصاب صاحبَه الكِبَرُ فأصبح شيخًا لا يقدر على العمل والكسب، وله أبناء صغار ضعفاء لا يستطيعون العمل، فأصابت البستانَ ريح شديدة فيها نار شديدة فاحترق البستان كله، وهو أحوج ما يكون إليه لكبره وضعف ذريته؟! فحال المنفق ماله رياء للناس مثل هذا الرجل؛ يَرِدُ على الله يوم القيامة بلا حسنات، في وقت هو أشد ما يكون حاجة لها. مثل هذا البيان يبين الله لكم ما ينفعكم في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون فيه.
267 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، أنفقوا من المال الحلال الطيب الذي كسبتموه، وأنفقوا مما أخرجنا لكم من نبات الأرض، ولا تقصدوا إلى الرديء منه فتنفقوه، ولو أعطي لكم ما أخذتموه إلا إذا تغاضيتم عنه مكرهين على رداءته، فكيف ترضون لله ما لا ترضون لأنفسكم؟! واعلموا أن الله غني عن نفقاتكم، محمود في ذاته وأفعاله.
ولما أمرهم بإنفاق الطيب حذرهم من كيد الشيطان ووساوسه، فقال:

268 - الشيطان يخوفكم من الفقر، ويحثكم على البخل، ويدعوكم إلى ارتكاب الآثام والمعاصي، والله يعدكم مغفرة عظيمة لذنوبكم، ورزقًا واسعًا، والله واسع الفضل، عليم بأحوال عباده.
269 - يؤتي السداد في القول والإصابة في العمل من يشاء من عباده، ومن يعط ذلك فقد أعطي خيرًا كثيرًا، ولا يتذكر ويتعظ بآيات الله إلا أصحاب العقول الكاملة التي تستضيء بنوره، وتهتدي بهديه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• المؤمنون بالله تعالى حقًّا واثقون من وعد الله وثوابه، فهم ينفقون أموالهم ويبذلون بلا خوف ولا حزن ولا التفات إلى وساوس الشيطان كالتخويف بالفقر والحاجة.
• الإخلاص من أعظم ما يبارك الأعمال وينميها.
• أعظم الناس خسارة من يرائي بعمله الناس؛ لأنه ليس له من ثواب على عمله إلا مدحهم وثناؤهم.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:36 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (46)
(سورة البقرة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/108.jpg

270 - وما أنفقتم من نفقةٍ قليلةً كانت أو كثيرة ابتغاء مرضاة الله، أو التزمتم فعل طاعة لله من عند أنفسكم لم تكلفوا بها؛ فإن الله يعلم ذلك كله، فلا يضيع عنده شيء منه، وسيجازيكم عليه أعظم الجزاء، وليس للظالمين المانعين لما يجب عليهم، المتعدين الله، أنصار يدفعون عنهم عذاب يوم القيامة.
271 - إن تُظْهِروا ما تبذلون من الصدقة بالمال فَنِعْم الصدقة صدقتكم، وإن تخفوها وتعطوها الفقراء فهو خير لكم من إظهارها؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص. وفي صدقات المخلصين ستر لذنوبهم ومغفرة لها، والله بما تعملون خبير، فلا يخفى عليه شيء من أحوالكم.
272 - ليس عليك -أيها النبي- هدايتهم لقبول الحق والانقياد له وحملهم عليه، وإنما تجب عليك دلالتهم إلى الحق وتعريفهم به، فإن التوفيق للحق والهداية إليه بيد الله، وهو يهدي من يشاء. وما تنفقوا من خير فنفعه عائد إليكم؛ لأن الله غني عنه، ولتكن نفقتكم خالصة لله، فالمؤمنون حقًّا لا ينفقون إلا طلبًا لمرضاة الله، وما تنفقوا من خير قليلًا كان أو كثيرًا فإنكم تُعْطَونَ ثوابه تامًا غير منقوص، فإن الله لا يظلم أحدًا.
ولما ذكر الإنفاق في سبيله ودعا المؤمنين إليه بيَّن لهم المصارف التي ينفقون فيها، فقال:

273 - اجعلوها للفقراء الذين منعهم الجهاد في سبيل الله من السفر طلبًا للرزق، يظنهم الجاهل بحالهم أغنياء لتعففهم عن السؤال ويعرفهم المطلع عليهم بعلاماتهم، من الحاجة الظاهرة على أجسامهم وثيابهم، ومن صفاتهم أنهم ليسوا كسائر الفقراء الذين يسألون الناس مُلِحِّين في مسألتهم، وما تنفقوا من مال وغيره فإن الله به عليم، وسيجازيكم عليه أعظم الجزاء.
274 - الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله في الليل والنهار، سرًّا وعلانية بلا رياء ولا سمعة، فلهم ثوابهم عند ربهم يوم القيامة، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمرهم، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا، فضلًا من الله ونعمة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إذا أخلص المؤمن في نفقاته وصدقاته فلا حرج عليه في إظهارها وإخفائها بحسب المصلحة، وإن كان الإخفاء أعظم أجرًا وثوابًا لأنها أقرب للإخلاص.
• دعوة المؤمنين إلى الالتفات والعناية بالمحتاجين الذين تمنعهم العفة من إظهار حالهم وسؤال الناس.
• مشروعية الإنفاق في سبيل الله تعالى في كل وقت وحين، وعظم ثوابها، حيث وعد تعالى عليها بعظيم الأجر في الدنيا والآخرة.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:40 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (47)
(سورة البقرة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/109.jpg

ولمَّا رغَّب تعالى في الإنفاق في سبيله لما فيه من التعاون والتكافل بين المسلمين؛ حذَّر مما يناقض ذلك وهو الربا، فقال:

275 - الذين يتعاملون بالربا ويأخذونه لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلا مثل ما يقوم الذي به مس من الشيطان، فيقوم من قبره يخبط كما يخبط من به صرع في قيامه وسقوطه؛ ذلك بسبب أنهم استحلوا أكل الربا، ولم يفرقوا بين الربا وبين ما أحل الله من مكاسب البيع، فقالوا: إنما البيع مثل الربا في كونه حلالًا، فكل منهما يؤدي إلى زيادة المال ونمائه، فرد الله عليهم وأبطل قياسهم وأكذبهم، وبيَّن أنه تعالى أحل البيع لما فيه من نفع عام وخاص، وحرم الربا لما فيه من ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل بلا مقابل، فمن جاءته موعظة من ربه فيها النهي والتحذير من الربا، فانتهى عنه وتاب إلى الله منه، فله ما مضى من أخذه للربا لا إثم عليه فيه، وأمره إلى الله فيما يستقبل بعد ذلك، ومن عاد إلى أخذ الربا بعد أن بلغه النهي من الله، وقامت عليه الحجة؛ فقد استحق دخول النار والخلود فيها. وهذا الخلود في النار المقصود به البقاء الطويل فيها، فإن الخلود الدائم فيها لا يكون إلا للكفار، أما أهل التوحيد فلا يخلدون فيها. ولما ذكر الله الإنفاق في سبيله وأَخذ الربا، بيَّن الفرق بينهما في الجزاء، فقال:
276 - يُهلك الله المال الربوي ويُذهِبُه، إما حسًّا بتلفه ونحو ذلك، أو معنًى بنزع البركة منه، ويزيد الصدقات وينمِّيها بمضاعفة ثوابها، فالحسنة بعشر أمثالها الى سَبع مِئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويبارك في أموال المتصدقين، والله لا يحب كل من كان كافرًا عنيدًا، مستحلا للحرام، متماديًا في المعاصي والآثام.
277 - إن الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، وعملوا الأعمال الصالحة، وأدوا الصلاة تامة على ما شرع الله، وآتوا زكاة أموالهم لمن يستحقها؛ لهم ثوابهم عند ربهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمورهم، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا ونعيمها.
278 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، خافوا الله بأن تمتثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه، واتركوا المطالبة بما بقي لكم من أموال ربوية عند الناس، إن كنتم مؤمنين حقا بالله وبما نهاكم عنه من الربا.
279 - فإن لم تفعلوا ما أُمِرتم به فاعلموا واستيقنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم إلى الله وتركتم الربا فلكم قَدْرُ ما أقرضتم من: رؤوس أموالكم، لا تَظلِمون أحدًا بأخذ زيادة على رأس مالكم، ولا تُظلَمون بالنقص منها.
280 - وإن كان من تطالبونه بالدَّين معسرًا لا يجد سداد دينه، فأخِّروا مطالبته إلى أن يتيسر له المال، ويجد ما يقضي به الدين، وأن تتصدقوا عليه بترك المطالبة بالدين أو إسقاط بعضه عنه، خير لكم إن كنتم تعلمون فضل ذلك عند الله تعالى.
281 - وخافوا عذابَ يوم ترجعون فيه جميعًا إلى الله، وتقومون بين يديه، ثم تُعطى كل نفس جزاء ما كسبت من خير أو شر، لا يُظلمون بنقص ثواب حسناتهم، ولا بزيادة العقوبة على سيئاتهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعظم الكبائر أكل الربا، ولهذا توعد الله تعالى آكله بالحرب وبالمحق في الدنيا والتخبط في الآخرة.
• الالتزام بأحكام الشرع في المعاملات المالية ينزل البركة والنماء فيها.
• فضل الصبر على المعسر، والتخفيف عنه بالتصدق عليه ببعض الدَّين أو كله.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:43 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (48)
(سورة البقرة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/110.jpg

283 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، إذا تعاملتم بالدَّيْنِ، بأن دَايَنَ بعضكم بعضًا إلى مدة محددة فاكتبوا ذلك الدَّيْنَ، وليكتب بينكم كاتب بالحق والإنصاف الموافق للشرع، ولا يمتنع الكاتب أن يكتب الدَّين بما يوافق ما علَّمه الله من الكتابة بالعدل، فلْيَكتبْ ما يُمْلِيه الذي عليه الحق، حتى يكون ذلك إقرارًا منه، وليتق الله ربه، ولا يَنقُص من الدَّين شيئًا في قدره أو نوعه أو كيفيته، فإن كان الذي عليه الحق لا يحسن التصرف، أو كان ضعيفًا لصغره أو جنونه أو كان لا يستطيع الإملاء لخَرَسِه ونحو ذلك، فلْيقُم بالإملاء عنه وليُّه المسؤول عنه بالحق والإنصاف. واطلبوا شهادة رجلين عاقلين عدلين، فإن لم يوجد رجلان فاستشهدوا رجلًا وامرأتين ترضون دينهم وأمانتهم، حتى إذا نسيت إحدى المرأتين ذكّرتها أختها، ولا يمتنع الشهود إذا طُلِب منهم الشهادة على الدَّين، وعليهم أداؤها إذا دُعوا لذلك، ولا يُصِبْكم الملل من كتابة الدَّين قليلًا كان أو كثيرًا إلى مدته المحددة، فكتابة الدَّين أعدل في شرع الله، وأبلغ في إقامة الشهادة وأدائها، وأقرب إلى نفي الشك في نوع الدَّين ومقداره ومدته، إلا إذا كان التعاقد بينكم على تجارة في سلعة حاضرة وثمن حاضر؛ فلا حرج في ترك الكتابة حينئذ لعدم الحاجة إليها، ويشرع لكم الإشهاد منعًا لأسباب النزاع، ولا يجوز الإضرار بالكُتّابِ والشهود، ولا يجوز لهم الإضرار بمن طلب كتابتهم أو شهادتهم، وأن يقع منكم الإضرار فإنه خروج عن طاعة الله إلى معصيته. وخافوا الله -أيها المؤمنون- بأن تمتثلوا ما أمركم به، وتجتنبوا ما نهاكم عنه، ويعلِّمكم الله ما فيه صلاح دنياكم وآخرتكم، والله بكل شيء عليم، فلا يخفى عليه شيء.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• مشروعية توثيق الدَّين وسائر المعاملات المالية دفعًا للاختلاف والتنازع.
• وجوب تسمية الأجل في جميع المداينات وأنواع الإجارات.
• ثبوت الولاية على القاصرين إما بسبب عجزهم، أو ضعف عقلهم، أو صغر سنهم.
• مشروعية الإشهاد على الإقرار بالديون والحقوق.
• أن من تمام الكتابة والعدل فيها أن يحسن الكاتب الإنشاء والألفاظ المعتبرة في كل معاملة بحسبها.
• لا يجوز الإضرار بأحد بسبب توثيق الحقوق وكتابتها، لا من جهة أصحاب الحقوق، ولا من جهة من يكتبه ويشهد عليه.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:46 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (49)
(سورة البقرة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/111.jpg

283 - وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبًا يكتب لكم وثيقة الدَّين، فيكفي أن يُعْطي الذي عليه الحق رهنًا يقبضه صاحب الحق، يكون ضمانًا لحقه، إلى أن يقضي المدين ما عليه من دَين، فإن وَثِقَ بعضكم ببعض لم تلزم كتابة ولا إشهاد ولا رهن، ويكون الدَّين حينئذ أمانة في ذمة المَدِين يجب عليه أداؤه لدائنه، وعليه أن يتقي الله في هذه الأمانة فلا ينكر منها شيئًا، فإن أنكر كان على من شهد المعاملة أن يؤدي الشهادة، ولا يجوز له أن يكتمها، ومن يكتمها فإن قلبه قلب فاجر، والله بما تعملون عليم، لا يخفى عليه شيء، وسيجازيكم على أعمالكم.
284 - لله وحده ما في السماوات وما في الأرض خلفًا وملكًا وتدبيرًا، وإن تُظهروا ما في قلوبكم أو تخفوه يعلمه الله، وسيحاسبكم عليه، فيغفر بعد ذلك لمن يشاء فضلًا ورحمة، ويعذب من يشاء عدلًا وحكمة، والله على كل شيء قدير.
285 - آمن الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أُنزل إليه من ربه، والمؤمنون آمنوا كذلك، كلهم جميعًا آمنوا بالله، وآمنوا بجميع ملائكته، وجميع كتبه التي أنزلها على الأنبياء، وجميع رسله الذين أرسلهم، آمنوا بهم قائلين: لا نفرق بين أحد من رسل الله، وقالوا: سمعنا ما أمرتنا به ونهيتنا عنه، وأطعناك بفعل ما أمرت به وترك ما نهيت عنه، ونسألك أن تغفر لنا يا ربنا، فإن مرجعنا إليك وحدك في كل شؤوننا.
286 - لا يكلف الله نفسًا إلا ما تطيق من الأعمال؛ لأن دين الله مبني على اليسر فلا مشقة فيه، فمن كسب خيرًا فله ثواب ما عمل لا يُنْقَصُ منه شيء، ومن كسب شرًّا فعليه جزاء ما اكتسب من ذنب لا يحمله عنه غيره. وقال الرسول والمؤمنون: ربنا لا تعاقبنا إن نسينا أو أخطانا في فعل أو قول بلا قصد منا، ربنا ولا تكلِّفنا ما يشق علينا ولا نطيقه، كما كلَّفت من قبلنا ممن عاقبتهم على ظلمهم كاليهود، ولا تحمِّلنا ما يشق علينا ولا نطيقه من الأوامر والنواهي، وتجاوز عن ذنوبنا، واغفر لنا، وارحمنا بفضلك، أنت ولينا وناصرنا فانصرنا على القوم الكافرين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• جواز أخذ الرهن لضمان الحقوق في حال عدم القدرة على توثيق الحق، إلا إذا وَثِقَ المتعاملون بعضهم ببعض.
• حرمة كتمان الشهادة وإثم من يكتمها ولا يؤديها.
• كمال علم الله تعالى واطلاعه على خلقه، وقدرته التامة على حسابهم على ما اكتسبوا من أعمال.
• في الآية تقرير لأركان الإيمان وبيان لأصوله.
• قام هذا الدين على اليسر ورفع الحرج والمشقة عن العباد، فلا يكلفهم الله إلا ما يطيقون، ولا يحاسبهم على ما لا يستطيعون.

ابو وليد البحيرى
2019-07-20, 03:53 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (50)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/112.jpg

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
الثبات على الإسلام بعد كماله وبيانه، وردّ شبهات أهل الكتاب وخاصة النصارى.


[التَّفْسِيرُ]
هي سورة مدنية، سُمِّيت سورة آل عمران لذكر آل عمران فيها في الآية (33) من السورة.
1 - {الم} هذه الحروف المقطعة تقدّم نَظيرُها في سورة البقرة، وفيها إشارة إلى عجز العرب عن الإتيان بمثل هذا القرآن مع أنه مؤلف من مثل هذه الحروف التى بُدِأت بها السورة، والتي يُركّبون منها كلامهم.
2 - الله الذي لا إله يعبد بحق إلا هو وحده دون سواه، الحي حياة كاملة لا موت فيها ولا نقص، القيُّوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع خلقه، وبه قامت جميع المخلوقات فلا تستغني عنه في كل أحوالها.
3 - 4 - نزَّل عليك -أيها النبي- القرآن بالصدق في الأخبار والعدل في الأحكام، موافقًا لما سبقه من الكتب الإلهية، فلا تعارض بينها، وأنزل التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى - عليه السلام - مِن قبل تنزيل القرآن عليك، وهذه الكتب الإلهية كلها هداية وإرشاد للناس إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأنزل الفرقان الذي يعرف به الحق من الباطل والهدى من الضلال. والذين كفروا بآيات الله التي أنزلها عليك لهم عذاب شديد. والله عزيز لا يُغالبه شيء ذو انتقام ممن كذَّب رسله وخالف أمره.

5 - إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء, قد أحاط بالأشياء كلها ظاهرها وباطنها.
6 - هو الذي يخلقكم صورًا شتى في بطون أمهاتكم كيف يشاء، من ذكرٍ أو أنثى، وحسن أو قبيح، وأبيض أو أسود. لا معبود بحق غيره، العزيز الذي لا يُغَالَب، الحكيم في خلقه وتدبيره وشرعه.
7 - هو الذي أنزل عليك -أيها النبي- القرآن، منه آيات واضحة الدلالة، لا لبس فيها، هي أصل الكتاب ومعظمه، وهي المرجع عند الاختلاف، ومنه آيات أُخر محتملة لأكثر من معنى، يلتبس معناها على أكثر الناس، فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق فيتركون المُحْكم، ويأخذون بالمتشابه المُحْتمل؛ يبتغون بذلك إثارة الشبهة وإضلال الناس، ويبتغون بذلك تأويلها بأهوائهم على ما يوافق مذاهبهم الفاسدة، ولا يعلم حقيقة معانى هذه الآيات وعاقبتها التي تؤول إليها إلا الله. والراسخون في العلم المتمكنون منه يقولون: آمنا بالقرآن كله؛ لأنه كله من عند ربنا، ويفسرون المتشابه بما أُحْكِم منه. وما يتذكر ويتعظ إلا أصحاب العقول السليمة.
8 - وهؤلاء الراسخون يقولون: ربنا لا تُمِل قلوبنا عن الحق بعد أن هديتنا إليه، وسلَّمنا مما أصاب المنحرفين المائلين عن الحق، وهب لنا رحمة واسعة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتعصمنا بها من الضلال، إنك -يا ربنا- الوهاب كثير العطاء.
9 - ربنا إنك ستجمع الناس جميعًا إليك لحسابهم في يوم لا شك فيه، فهو آت لا محالة، إنك -يا ربنا - لا تخلف الميعاد.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أقام الله الحجة وقطع العذر عن الخلق بإرسال الرسل وإنزال الكتب التي تهدي للحق وتحذر من الباطل.
• كمال علم الله تعالى وإحاطته بخلقه، فلا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء, سواء كان ظاهرًا أو خفيًّا.
• من أصول أهل الإيمان الراسخين في العلم أن يفسروا ما تشابه من الآيات بما أحْكِم منها.
• مشروعية دعاء الله تعالى وسؤاله الثبات على الحق، والرشد في الأمر، ولا سيما عند الفتن والأهواء.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:20 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (51)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/161.jpg

10 - إن الذين كفروا بالله وبرسله لن تمنع عنهم أموالهم ولا أولادهم عذابَ الله، لا في الدنيا ولا في الآخرة، أولئك المتصفون بتلك الصفات هم حطب جهنم الذي توقد به يوم القيامة.
11 - وشأن هؤلاء الكافرين كشأن آل فرعون ومَن قبلهم من الذين كفروا بالله وكذبوا بآياته، فعذبهم الله بسبب ذنوبهم، ولم تنفعهم أموالهم ولا أولادهم، والله شديد العقاب لمن كفر به، وكذب بآياته.
12 - قل -أيها الرسول- للذين كفروا على اختلاف دياناتهم: سيغلبكم المؤمنون، وتموتون على الكفر، ويجمعكم الله إلى نار جهنم، وبئس الفراش لكم.
13 - قد كان لكم دلالة وعبرة في فرقتين التقتا للقتال يوم بدر، إحداهما فرقة مؤمنة وهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، تقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، والأخرى فرقة كافرة وهم كفار مكة الذين خرجوا فخرًا ورياءً وعصبية، يراهم المؤمنون ضِعْفيهم حقيقةً رأي عين، فنصر الله أولياءه، والله يؤيد بنصره من يشاء، إن في ذلك لعبرة وعظة لأصحاب البصائر، ليعلموا أن النصر لأهل الإيمان وإن قَلَّ عددهم، وأن الهزيمة لأهل الباطل وإن كثر عددهم.
14 - يخبر الله تعالى أنه حَسَّن للناس -ابتلاءً لهم- حب الشهوات الدنيوية: مثل النساء، والبنين، والأموال الكثيرة المجتمعة من الذهب والفضة، والخيل المُعلَّمة الحسان، والأنعام من الإبل والبقر والغنم، وزراعة الأرض، ذلك متاع الحياة الدنيا يُتَمتَّعُ به فترة ثم يزول، فلا ينبغي للمؤمن أن يتعلق به، والله عنده وحده حسن المرجع، وهو الجنة التي عرضها السماوات والأرض.
ولما كانت شهوات الدنيا منقطعة نبَّه الله إلى ما هو خير من ذلك فقال:

15 - قل -أيها الرسول-: "خبركم بخير من تلك الشهوات؟ للذين اتقوا الله بفعل طاعته وترك معصيته جناتٌ تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، خالدين فيها لا يدركهم موت ولا فناء، ولهم فيها أزواج مطهرات من كل سوء في خَلْقِهن وأخلاقهن، ولهم مع ذلك رضوان من الله يحل عليهم فلا يسخط عليهم أبدًا، والله بصير بأحوال عباده، لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيهم عليها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن غرور الكفار بأموالهم وأولادهم لن يغنيهم يوم القيامة من عذاب الله تعالى إذا نزل بهم.
• النصر حقيقة لا يتعلق بمجرد العدد والعُدة، وانما بتأييد الله تعالى وعونه.
• زَيَّن الله تعالى للناس أنواعًا من شهوات الدنيا ليبتليهم، وليعلم تعالى من يقف عند حدوده ممن يتعداها.
• كل نعيم الدنيا ولذاتها قليل زائل، لا يقاس بما في الآخرة من النعيم العظيم الذي لا يزول.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:24 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (52)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/162.jpg

16 - أهل الجنة هؤلاء هم الذين يقولون في دعائهم لربهم: ربنا إننا آمنا بك، وبما أنزلت على رسلك، واتبعنا شريعتك؛ فَاغْفِرْ لنا ما ارتكبنا من ذنوب، وجنِّبنا عذاب النار.
17 - وهم الصابرون على فعل الطاعات وترك السيئات، وعلى ما يصيبهم من البلاء، وهم الصادقون في أقوالهم وأعمالهم، وهم المطيعون لله طاعة تامة، وهم المنفقون أموالهم في سبيل الله، وهم المستغفرون آخر الليل؛ لأن الدعاء فيه أقرب للإجابة، ويخلو فيه القلب من الشواغل.
18 - شهد الله على أنه هو الإله المعبود بحق دون سواه، وذلك بما أقام من الآيات الشرعية والكونية الدالة على أُلوهيته، وشهد على ذلك الملائكة، وشهد أهل العلم على ذلك ببيانهم للتوحيد ودعوتهم إليه، فشهدوا على أعظم مشهود به وهو توحيد الله وقيامه تعالى بالعدل في خلقه وشرعه , لا إله إلا هو العزيز الذي لا يغالبه أحد، الحكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.
19 - إن الدين المقبول عند الله هو الإسلام، وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية؛ والإيمان بالرسل جميعًا إلى خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي ختم الله به الرسالات، فلا يَقْبَلُ غير شريعته. وما اختلف اليهود والنصارى في دينهم وافترقوا شيعًا وأحزابًا إلا من بعد ما قامت عليهم الحجة بما جاءهم من العلم، حسدًا وحرصًا على الدنيا. ومن يكفر بآيات الله المنزلة على رسوله فإن الله سريع الحساب لمن كفر به وكذّب رسله.
20 - فإن جادلوك -أيها الرسول- في الحق الذي نزل عليك، فقل مجيبًا إياهم: أسلمت أنا ومن تبعني من المؤمنين لله تعالى، وقل -أيها الرسول- لأهل الكتاب والمشركين: أأسلمتم لله تعالى مخلصين له متبعين لما جِئتُ به؛ فإن أسلموا لله واتبعوا شريعتك فقد سلكوا سبيل الهدى، وإن أعرضوا عن الإسلام فليس عليك إلا أن تبلغهم ما أرسلت به، وأمرهم إلى الله، فهو تعالى بصير بعباده، وسيجازي كل عامل بما عمل.
21 - إن الذين يكفرون بحجج الله التي أنزلها عليهم، ويقتلون أنبياءه بغير حق، وإنما ظلمًا وعدوانًا، ويقتلون الذين يأمرون بالعدل من الناس، وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، بشِّر هؤلاء الكفار القتلة بعذاب أليم.
22 - أولئك المتصفون بتلك الصفات قد بطلت أعمالهم فلا ينتفعون بها في الدنيا ولا في الآخرة، لعدم إيمانهم بالله، وما لهم من ناصرين يدفعون عنهم العذاب.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعظم ما يُكفِّر الذنوب ويقي عذاب النار الإيمان بالله تعالى واتباع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
• أعظم شهادة وحقيقة هي ألوهية الله تعالى ولهذا شهد الله بها لنفسه، وشهد بها ملائكته، وشهد بها أولو العلم ممن خلق.
• البغي والحسد من أعظم أسباب النزاع والصرف عن الحق.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:28 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (53)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/163.jpg

23 - ألم تنظر -أيها النبي- إلى حال اليهود الذين آتاهم الله حظًّا من العلم بالتوراة وما دلَّت عليه من نبوتك، يُدْعَون إلى الرجوع إلى كتاب الله التوراة ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، ثم ينصرف فريق من علمائهم ورؤسائهم وهم مُعْرِضون عن حكمه إذ لم يوافق أهواءهم، وكان الأولى بهم -وهم يزعمون اتباعهم له- أن يكونوا أسرع الناس إلى التحاكم إليه.
24 - ذلك الانصراف عن الحق والإعراض عنه لأنهم كانوا يدَّعون أن النار لن تمسهم يوم القيامة إلا أيامًا قليلة، ثم يدخلون الجنة، فغَرَّهم هذا الظن الذي اختلقوه من الأكاذيب والأباطيل فتجرؤوا على الله ودينه.
25 - فكيف يكون حالهم وندمهم؟! سيكون غاية في السوء إذا جمعناهم للحساب في يوم لا شك فيه وهو يوم القيامة، وأعطيت كل نفس جزاء ما عملت على قدر ما تستحق، من غير ظلم بنقص حسناتها، أو زيادة سيئاتها.
26 - قل -أيها الرسول- مُثْنيًا على ربك ومعظِّمًا له: اللهُمَّ أنت مالك الملك كله في الدنيا والآخرة، تؤتي الملك من تشاء من خلقك، وتنزعه ممن تشاء، وتُعز من تشاء منهم، وتذل من تشاء، وكل ذلك بحكمتك وعدلك، وبيدك وحدك الخير كله، وأنت على كل شيء قدير.
27 - ومن مظاهر قدرتك أنك تدخل الليل في النهار فيطول وقت النهار، وتدخل النهار في الليل فيطول وقت الليل، وتخرج الحي من الميت؛ كإخراج المؤمن من الكافر، والزرع من الحب، وتخرج الميت من الحي، كالكافر من المؤمن، والبيضة من الدجاجة، وترزق من تشاء رزقًا واسعًا من غير حساب وعدّ.
28 - لا تتخذوا -أيها المؤمنون- الكافرين أولياء تحبونهم وتنصرونهم من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فقد برئ من الله وبرئ الله منه، إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فلا حرج أن تتقوا أذاهم بإظهار اللين في الكلام واللطف في الفعال، مع إضمار العداوة لهم، ويحذركم الله نفسه فخافوه، ولا تتعرضوا لغضبه بارتكاب المعاصي، وإلى الله وحده رجوع العباد يوم القيامة لمجازاتهم على أعمالهم.
29 - قل -أيها النبي-: إن تُخفوا ما في صدوركم مما نهاكم الله عنه كموالاة الكفار، أو تظهروا ذلك يعلمه الله، ولا يخفى عليه منه شيء، ويعلم ما في السماوات وما في الأرض، والله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن التوفيق والهداية من الله تعالى، والعلم -وإن كثر وبلغ صاحبه أعلى المراتب- إن لم يصاحبه توفيق الله لم ينتفع به المرء.
• أن الملك لله تعالى، فهو المعطي المانع، المعز المذل، بيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فلا يُسأل أحد سواه.
• خطورة تولي الكافرين، حيث توعَّد الله فاعله بالبراءة منه وبالحساب يوم القيامة.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:32 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (54)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/164.jpg

30 - يوم القيامة تلقى كلُّ نفس عملها من الخير قد أُتي به لا نقص فيه، والذي عملت من السوء تتمنى أن بينها وبينه زمنًا بعيدًا، وأنى لها ما تمنت! ويحذركم الله نفسه، فلا تتعرضوا لغضبه بارتكاب الآثام، والله بالعباد، ولهذا يحذرهم ويخوفهم.
31 - قل -أيها الرسول-: إن كنتم تحبون الله حقًّا فاتبعوا ما جئت به ظاهرًا وباطنًا، تنالوا محبة الله، ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور تاب من عباده رحيم بهم.
32 - قل -أيها الرسول-: أطيعوا الله وأطيعوا رسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فإن أعرضوا عن ذلك فإن الله لا يحب الكافرين المخالفين لأمره وأمر رسوله.
33 - إن الله اختار آدم - عليه السلام - فأسجد له ملائكته، واختار نوحًا فجعله أول رسول إلى أهل الأرض، واختار آل إبراهيم فجعل النبوة باقية في ذريته، واختار آل عمران؛ اختار كل هؤلاء وفضلهم على أهل زمانهم.
34 - هؤلاء المذكورون من الأنبياء وذرياتهم المُتّبِعون لطريقتهم هم ذرية بعضها متسلسل من بعض في توحيد الله وعمل الصالحات، يتوارثون من بعضهم المكارم والفضائل، والله سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم؛ ولهذا يختار من يشاء منهم، ويصطفي منهم من يشاء.
35 - اذكر -أيها الرسول- إذا قالت امرأة عمران والدة مريم - عليها السلام -: يا رب إني أوجبت على نفسي أن أجعل ما في بطني من حمل خالصًا لوجهك، محرَّرًا من كل شيء ليخدمك ويخدم بيتك، فتقبل مني ذلك، إنك أنت السميع لدعائي، العليم بنيِّتي.
36 - فلما تم حملُها وضعت ما في بطنها، وقالت معتذرة -وقد كانت ترجو أن يكون الحمل ذكرًا-: يا رب إني ولدتها أنثى، والله أعلم بما ولدت، وليس الذكر الذي كانت ترجوه كالأنثى التي وُهِبت لها في القوة والخِلْقَة. وإني سمَّيتها مريم، وإني حَصَّنتها بك هي وذريتها من الشيطان المطرود من رحمتك.
37 - فتقبَّل الله نذرها بقَبول حسن، وأنشأها نشاةً حسنة، وعطف عليها قلوب الصالحين من عباده، وجعل كفالتها إلى زكريا. وكان زكريا كلما دخل عليها مكان العبادة وجد عندها رزقًا طيبًا ميسَّرًا، فقال مخاطبًا إياها: يا مريم، من أين لك هذا الرزق؟ قالت مجيبة إياه: هذا الرزق من عند الله، إن الله يرزق من يشاء رزقًا واسعًا بغير حساب.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عظم مقام الله وشدة عقوبته تجعل العاقل على حذر من مخالفة أمره تعالى.
• برهان المحبة الحقة لله ولرسوله باتباع الشرع أمرًا ونهيًا، وأما دعوى المحبة بلا اتباعٍ فلا تنفع صاحبها.
• أن الله تعالى يختار من يشاء من عباده ويصطفيهم للنبوة والعبادة بحكمته ورحمته، وقد يخصهم بآيات خارقة للعادة.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:37 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (55)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/165.jpg

38 - عند ذلك الذي رآه زكريا من رزق الله تعالى لمريم بنت عمران على غير المعتاد من سُننه تعالى في الرزق؛ رجا أن يرزقه الله ولدًا مع الحال التي هو عليها من تقدم سنِّه وعُقْم امرأته، فقال: يا رب، هب لي ولدًا طيبًا، إنك سميعٌ لدعاء من دعاك، مجيب له.
39 - فنادته الملائكة مخاطبة له وهو في حال قيامه للصلاة في مكان عبادته بقولها: إن الله يُبشرك بولد يولد لك اسمه يحيى، من صفته أن يكون مصدقًا بكلمة من الله، وهو عيسى بن مريم -لأنه خُلِق خلقًا خاصًّا بكلمة من الله- ويكون هذا الولد سيدًا على قومه في العلم والعبادة، مانعًا نفسه وحابسها عن الشهوات ومنها قُرْبان النساء، متفرغًا لعبادة ربه، ويكون -أيضًا- نبيًّا من الصالحين.
40 - قال زكريا لمَّا بشرته الملائكة بيحيى: يا رب، كيف يكون لي ولد بعد أن صرت شيخًا، وامرأتي عقيم لا يولد لها! قال الله جوابًا على قوله: مَثَلُ خَلْق يحيى على كبر سنِّك وعُقْم زوجك؛ كخلق الله ما يشاء مما يخالف المألوف عادة؛ لأن الله على كل شيءٍ قدير، يفعل ما يشاء بحكمته وعلمه.
40 - قال زكريا: يا رب، اجعل لي علامة على حمل امرأتي مني، قال الله: علامتك التي طلبتَ هي: ألا تستطيع كلام الناس ثلاثة أيام بلياليهن إلا بالإشارة ونحوها، من غير خلل يصيبك، فأكثِرْ مِن ذكر الله وتسبيحه في آخر النهار وأوله.

42 - واذكر -أيها الرسول- حين قالت الملائكة لمريم - عليها السلام -: إن الله اختارك لما تتصفين به من صفات حميدة، وطَهَّرك من النقائص، واختارك على نساء العالمين في زمانك.
43 - يا مريم، أطيلي القيام في الصلاة، واسجدي لربك، واركعي له مع الراكعين من عباده الصالحين.
44 - ذلك المذكور من خبر زكريا ومريم - عليهما السلام - من أخبار الغيب نوحيه إليك -أيها الرسول- وما كنت عند أولئك العلماء والصالحين حين اختصموا فيمن هو أحق بتربية مريم، حتى لجؤوا للقرعة فألقوا أقلامهم، ففاز قلم زكريا - عليه السلام -.
45 - اذكر -أيها الرسول- إذ قالت الملائكة: يا مريم، إن الله يبشّرك بولد يكون خَلْقُه من غير أب، وإنما بكلمة من الله بأن يقول له: "كن"، فيكون ولدًا بإذن الله، واسم هذا الولد: المسيح عيسى بن مريم، له مكانة عظيمة في الدنيا وفي الآخرة، ومن المقربين إليه تعالى.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عناية الله تعالى بأوليائه، فإنه سبحانه يجنبهم السوء، ويستجيب دعاءهم.
• فَضْل مريم - عليها السلام - حيث اختارها الله على نساء العالمين، وطهَّرها من النقائص، وجعلها مباركة.
• كلما عظمت نعمة الله على العبد عَظُم ما يجب عليه من شكره عليها بالقنوت والركوع والسجود وسائر العبادات.
• مشروعية القُرْعة عند الاختلاف فيما لا بَيِّنة عليه ولا قرينة تشير إليه.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:40 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (56)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/166.jpg

46 - ويكلم الناس وهو طفل صغير قبل أوان الكلام، ويكلمهم وهو كبير قد كَملت قوَّتُه ورجولته، يخاطبهم بما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم، وهو من الصالحين في أقوالهم وأعمالهم.
47 - قالت مريم مستغربةً أن يكون لها ولد من غير زوج: كيف يكون لي ولد لم يقربني بشر لا في حلالٍ ولا في حرام؟! قال لها الملَك: مِثلُ ما خلق الله لك ولدًا من غير أب، يخلق ما يشاء مما يخالف المألوف والعادة، فإذا أراد أمرًا قال له: "كن" فيكون، فلا يعجزه شيء.
48 - ويُعلمه الكتابة والإصابة والتوفيق في القول والعمل، ويعلمه التوراة التي أنزلها على موسى - عليه السلام -، ويعلمه الإنجيل الذي سينزله عليه.
49 - ويجعله -كذلك- رسولًا إلى بني إسرائيل، حيث يقول لهم: إني رسول الله إليكم قد جئتكم بعلامة دالة على صدق نبوتي هي: أني أُصوِّر لكم من مادة الطين مثل شكل الطير، فأنفخ فيه فيصير طيرًا حيًّا بإذن الله، وأشفي من وُلد أعمى فيبصر، ومن أصيب ببَرَصٍ فيعود جلده سليمًا، وأُحْيي من كان ميتًا، كل ذلك بإذن الله، وأخبركم بما تأكلون وبما تخبئون في بيوتكم من طعام وتخفونه، إن فيما ذكرته لكم من هذه الأمور العظيمة التي لا يقدر عليها البشر؛ لعلامة ظاهرة على أني رسول من الله إليكم، إن كنتم تريدون الإيمان، وتصدقون بالبراهين.
50 - وجئتكم -كذلك- مصدقًا لما نزل قبلي من التوراة، وجئتكم لأحل لكم بعض ما حُرِّم عليكم من قبلُ، تيسيرًا وتخفيفًا عليكم، وجئتكم بحجة واضحة على صحة ما قلت لكم، فاتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه.
51 - ذلك لأن الله ربي وربكم، فهو وحده المُستحِقُّ أن يُطاع ويُتقى، فاعبدوه وحده، هذا الذي أمرتكم به من عبادة الله وتقواه هو الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.
52 - فلما علم عيسى - عليه السلام - منهم الإصرار على الكفر، قال مخاطبًا بني إسرائيل: من ينصرني في الدعوة إلى الله؟ قال الأصفياء من أتباعه: نحن أنصار دين الله، آمنا بالله واتبعناك، واشهد - يا عيسى - بأنا منقادون لله بتوحيده وطاعته.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• شرف الكتابة والخط وعلو منزلتهما، حيث بدأ الله تعالى بذكرهما قبل غيرهما.
• من سنن الله تعالى أن يؤيد رسله بالآيات الدالة على صدقهم، مما لا يقدر عليه البشر.
• جاء عيسى - عليه السلام - بالتخفيف على بني إسرائيل فيما شُدِّد عليهم في بعض شرائع التوراة، وفي هذا دلالة على وقوع النسخ بين الشرائع.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:44 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (57)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/167.jpg

53 - وقال الحواريون كذلك: ربنا آمنا بما أنزلت من الإنجيل، واتبعنا عيسى - عليه السلام -، فاجعلنا مع الشاهدين بالحق الذين آمنوا بك وبرسلك.
54 - ومَكَر الكافرون من بني إسرائيل حيث سعوا في قتل عيسى - عليه السلام -، فمكر الله بهم فتركهم في ضلالهم، وألقى شَبَهَ عيسى - عليه السلام - على رجل آخر، والله خير الماكرين؛ لأنه لا أشد من مكره تعالى بأعدائه.
55 - ومكر الله بهم -أيضًا- حين قال مخاطبًا عيسى - عليه السلام -: يا عيسى، إني قابضك من غير موت، ورافعٌ بدنك وروحك إلي، ومُنزِّهك من رِجْس الذين كفروا بك ومُبعِدك عنهم، وجاعل الذين اتبعوك على الدين الحق -ومنه الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فوق الذين كفروا بك إلى يوم القيامة بالبرهان والعزة، ثم إليَّ وحدي رجوعكم يوم القيامة، فأحكم بينكم بالحق فيما كنتم فيه تختلفون.
56 - فأما الذين كفروا بك وبالحق الذي جئتهم به فأُعذبهم عذابًا شديدًا في الدنيا بالقتل والأسر والذل وغيرها، وفي الآخرة بعذاب النار، وما لهم من ناصرين يدفعون عنهم العذاب.
57 - وأما الذين آمنوا بك وبالحق الذي جئتهم به، وعملوا الصالحات من صلاة وزكاة وصيام وصلة وغيرها؛ فإن الله يعطيهم ثواب أعمالهم تامة لا يُنقِصُ منها شيئا، وهذا الحديث عن أتباع المسيح قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بشَّر به المسيحُ نفسُه، والله لا يحب الظالمين، ومن أعظم الظلم الشرك بالله تعالى وتكذيب رسله.
58 - ذلك الذي نقرؤه عليك من خبر عيسى - عليه السلام - من العلامات الواضحات الدالة على صحة ما أُنزل إليك، وهو ذِكْر للمتقين، محكم لا يأتيه الباطل.
59 - إن مثل خلق عيسى - عليه السلام - عند الله كمثل خلق آدم من تراب، من غير أب ولا أم، وإنما قال الله له: كن بشرًا فكان كما أراد تعالى، فكيف يزعمون أنه إله بحجة أنه خُلِق من غير أب، وهم يقرون بأن آدم بشر، مع أنه خُلِق من غير أب ولا أم؟!
60 - الحق الذي لا شك فيه في شأن عيسى - عليه السلام - هو الذي نزل عليك من ربك، فلا تكن من الشاكين المُتردِّدين، بل عليك الثبات على ما أنت عليه من الحق.
61 - فمن جادلك -أيها الرسول- من نصارى نجران في أمر عيسى زاعمًا أنه ليس عبدًا لله من بعد ما جاءك من العلم الصحيح في شأنه؛ فقل لهم: تعالوا نُنَادِ للحضور أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ونجتمع كلنا، ثم نتضرع إلى الله بالدعاء أن ينزل لعنته على الكاذبين منا ومنكم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من كمال قدرته تعالى أنه يعاقب من يمكر بدينه وبأوليائه، فيمكر بهم كما يمكرون.
• بيان المعتقد الصحيح الواجب في شأن عيسى - عليه السلام -، وبيان موافقته للعقل فهو ليس بدعًا في الخلقة، فآدم المخلوق من غير أب ولا أم أشد غرابة والجميع يؤمن ببشريته.
• مشروعية المُباهلة بين المتنازعين على الصفة التي وردت بها الآية الكريمة.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:47 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (58)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/168.jpg

62 - إن هذا الذي ذكرنا لك من شأن عيسى - عليه السلام - هو الخبر الحق الذي لا كذب فيه ولا شك، وما من معبود بحق إلا الله وحده، وإن الله لهو العزيز في ملكه، الحكيم في تدبيره وأمره وخلقه.
63 - فإن أعرضوا عما جئت به، ولم يتبعوك؛ فذلك من فسادهم، والله عليم بالمفسدين في الأرض، وسيجازيهم على ذلك.
64 - قل -أيها الرسول-: تعالوا يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، نجتمع على كلمة عدلٍ نستوي فيها جميعًا: أن نُفرد الله بالعبادة فلا نعبد معه أحدًا سواه مهما كانت منزلته، وعلت مكانته، ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا يُعبدون ويُطاعون من دون الله، فإن انصرفوا عن هذا الذي تدعوهم إليه من الحق والعدل فقولوا لهم - أيها المؤمنون -: اشهدوا بأنا مستسلمون لله منقادون له تعالى بالطاعة.
65 - يا أهل الكتاب لِمَ تجادلون في ملّة إبراهيم -عليه السلام-؛ فاليهودي يزعم أن إبراهيم كان يهوديًّا، والنصراني يزعم أنه كان نصرانيًّا، وأنتم تعلمون أن اليهودية والنصرانية لم تظهر إلا بعد موته بوقت طويل، أفلا تدركون بعقولكم بطلان قولكم وخطأ زعمكم؟!
66 - ها أنتم - يا أهل الكتاب - جادلتم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما لكم به علم من أمر دينكم وما أُنزِل عليكم، فَلِم تجادلون فيما ليس لكم به علم من أمر إبراهيم -عليه السلام- ودينه، مما ليس في كتبكم ولا جاءت به أنبياؤكم؟! والله يعلم حقائق الأمور وبواطنها وأنتم لا تعلمون.
67 - ما كان إبراهيم -عليه السلام- على الملة اليهودية، ولا على النصرانية، ولكن كان مائلًا عن الأديان الباطلة، مسلمًا لله موحدًا له تعالى، وما كان من المشركين به كما يزعم مشركو العرب أنهم على ملته.
68 - إن أحق الناس بالانتساب إلى إبراهيم، هم الذين اتبعوا ما جاء به في زمانه، وأحق الناس أيضًا بذلك هذا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، والذين آمنوا به من هذه الأمة، والله ناصر المؤمنين به وحافظهم.
69 - يتمنى أحبارٌ من أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يضلوكم - أيها المؤمنون - عن الحق الذي هداكم الله له، وما يضلون إلا أنفسهم؛ لأن سعيهم في إضلال المؤمنين يزيد في ضلالهم هم، وما يعلمون عاقبة أفعالهم.
70 - يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى لِمَ تكفرون بآيات الله التي أنزلت عليكم وما فيها من: دلالةِ على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنتم تشهدون أنه الحق الذي دلت عليه كتبكم؟!

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن الرسالات الإلهية كلها اتفقت على كلمة عدل واحدة، وهي: توحيد الله تعالى والنهي عن الشرك.
• أهمية العلم بالتاريخ؛ لأنه قد يكون من الحجج القوية التي تُرَدُّ بها دعوى المبطلين.
• أحق الناس بإبراهيم -عليه السلام- من كان على ملته وعقيدته، وأما مجرد دعوى الانتساب إليه مع مخالفته فلا تنفع.
• دَلَّتِ الآيات على حرص كفرة أهل الكتاب على إضلال المؤمنين من هذه الأمة حسدًا من عند أنفسهم.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:51 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (59)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/169.jpg

71 - يا أهل الكتاب لم تخلطون الحق الذي أُنزل في كتبكم بالباطل من عندكم، وتخفون ما فيها من الحق والهدى، ومنه صحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنتم تعلمون الحق من الباطل والهدى من الضلال؟!
72 - وقالت جماعة من علماء اليهود: آمِنوا في الظاهر بالقرآن الذي أُنزِل على المؤمنين أول النهار، واكفروا به آخره، لعلهم يشُكُّون في دينهم بسبب كفركم به بعد إيمانكم فيرجعون عنه قائلين: هم أعلم منا بكتب الله وقد رجعوا عنه.
73 - وقالوا أيضًا: ولا تؤمنوا وتتبعوا إلا لمن كان تابعًا لدينكم، قل -أيها الرسول-: إن الهدى إلى الحق هو هدى الله تعالى لا ما أنتم عليه من تكذيب وعناد مخافة أن يؤتى أحد من الفضل مثل ما أوتيتم، أو مخافة أن يحاجوكم عند ربكم إن أقررتم بما أنزل عليهم، قل -أيها الرسول-: إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده، لا يقتصر فضله على أمة دون أمة، والله واسع الفضل عليم بمن يستحقه.
74 - يختص برحمته من يشاء من خلقه، فيتفضل عليه بالهداية والنبوة وأنواع العطاء، والله ذو الفضل العظيم الذي لا حدّ له.
75 - ومن أهل الكتاب مَنْ إن تأمنه على مال كثير يؤدِّ إليك ما ائتمنته عليه، ومنهم من إن تَسْتأمِنه على مال قليل لا يؤدِّ إليك ما ائتمنته عليه إلا إن ظللت تُلحُّ عليه بالمطالبة والتقاضي، ذلك من أجل قولهم وظنهم الفاسد: ليس علينا في العرب وأكل أموالهم إثم؛ لأن الله أباحها لنا، يقولون هذا الكذب وهم يعلمون افتراءهم على الله.
76 - ليس الأمر كما زعموا، بل عليهم حرج، ولكن من أوفى بعهده مع الله من الإيمان به وبرسله ووفى بعهده مع الناس فأدى الأمانة، واتقى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ فإن الله يحب المتقين وسيجازيهم على ذلك أكرم الجزاء.
77 - إن الذين يستبدلون بوصية الله إليهم باتباع ما أنزله في كتابه وأرسل به رسله، وبأيمانهم التي قطعوها بالوفاء بعهد الله، يستبدلون بها عوضًا قليلًا من متاع الدنيا، لا نصيب لهم من ثواب الآخرة، ولا يكلمهم الله بما يسرهم، ولا ينظر إليهم نظر رحمة يوم القيامة، ولهم عذاب أليم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من علماء أهل الكتاب من يخدع أتباع ملتهم، ولا يبين لهم الحق الذي دلت عليه كتبهم، وجاءت به رسلهم.
• من وسائل الكفار الدخول في الدين والتشكيك فيه من الداخل.
• الله تعالى هو الوهاب المتفضل، يعطي من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله وحكمته، ولا ينال فضله إلا بطاعته.
• كل عِوَضٍ في الدنيا عن الإيمان بالله والوفاء بعهده -وإن كان عظيمًا- فهو قليل حقير أمام ثواب الآخرة ومنازلها.

ابو وليد البحيرى
2019-07-29, 06:56 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (60)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/07/170.jpg

78 - وإن من اليهود لطائفة يَحْرِفون ألسنتهم بذكر ما ليس من التوراة المنزلة من عند الله، لتظنوا أنهم يقرؤون التوراة، وما هو من التوراة، بل هو من كذبهم وافترائهم على الله، ويقولون: ما نقرؤه منزل من عند الله، وليس هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون كذبهم على الله ورسله.
79 - ما كان ينبغي لبشر أن يؤتيه الله كتابًا منزلًا من عنده، ويرزقه العلم والفهم، ويختاره نبيًّا؛ ثم يقول للناس: كونوا عبادًا لي من دون الله، ولكن يقول لهم: كونوا علماء عاملين مربين للناس مصلحين لأمورهم بسبب تعليمكم الكتاب المنزل للناس، وبما كنتم تدرسونه منه حفظًا وفهمًا.
80 - ولا ينبغي له - كذلك - أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا تعبدونهم من دون الله، أيجوز منه أن يأمركم بالكفر بالله بعد انقيادكم إليه واستسلامكم له؟!
81 - واذكر -أيها الرسول- حين أخذ الله العهد المؤكد على النبيين قائلًا لهم: مهما أعطيتكم من كتاب أنزله عليكم، وحكمة أعلمكم إياه وبلغ أحدكم ما بلغ من المكانة والمنزلة، ثم جاءكم رسول من عندي - وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - مصدق لما معكم من الكتاب والحكمة؛ لتؤمنن بما جاء به، ولتنصرنه متبعين له، فهل أقررتم - أيها الأنبياء - بذلك، وأخذتم على ذلك عهدى الشديد؟ فأجابوا قائلين: أقررنا به، قال الله: اشهدوا على أنفسكم وعلى أممكم، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم.
82 - فمن أعرض بعد هذا العهد المؤكد بالشهادة من الله ورسله؛ فأولئك هم الخارجون عن دين الله وطاعته.
83 - أفغير دين الله الذي اختار لعباده - وهو الإسلام - يَطْلُبُ هؤلاء الخارجون عن دين الله وطاعته؟! وله - سبحانه - انقاد واستسلم كل من في السماوات والأرض من الخلائق، طوعًا له كحال المؤمنين، وكَرْهًا كحال الكافرين، ثم إليه تعالى يرجع الخلائق كلهم يوم القيامة للحساب والجزاء.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ضلال علماء اليهود ومكرهم في تحريفهم كلام الله، وكذبهم على الناس بنسبة تحريفهم إليه تعالى.
• كل من يدعي أنه على دين نبي من أنبياء الله إذا لم يؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام فهو ناقض لعهده مع الله تعالى.
• أعظم الناس منزلةً العلماءُ الربانيون الذين يجمعون بين العلم والعمل، ويربون الناس على ذلك.
• أعظم الضلال الإعراض عن دين الله تعالى الذي استسلم له سبحانه الخلائق كلهم بَرُّهم وفاجرهم.

ابو وليد البحيرى
2019-08-17, 11:48 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (61)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/73.jpg

84 - قل -أيها الرسول-: آمنا بالله إلهًا، وأطعناه فيما أمرنا به، وآمنا بالوحي الذي أنزله علينا، وبما أنزله على إبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب، وبما أنزله على الأنبياء من ولد يعقوب، وبما أوتي موسى وعيسى والنبيون جميعًا من الكتب والآيات من ربهم لا نفرق بينهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض، ونحن منقادون لله وحده مستسلمون له تعالى.
85 - ومن يطلب دينًا غير الدين الذي ارتضاه الله وهو دين الإسلام؛ فلن يقبل الله ذلك منه، وهو في الآخرة من الخاسرين لأنفسهم بدخولهم النار.
86 - كيف يوفق الله للإيمان به وبرسوله قومًا كفروا بعد إيمانهم بالله وشهادتهم أن ما جاء به الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - حق، وجاءتهم البراهين الواضحة على صحة ذلك؟! والله لا يوفق للإيمان به القوم الظالمين الذين اختاروا الضلال بدلًا عن الهدى.
87 - إن جزاء أولئك الظالمين الذين اختاروا الباطل أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فهم مُبعَدُون عن رحمة الله مطرودون.
88 - خالدين في النار لا يخرجون منها، ولا يُخَفف عنهم عذابها، ولا هم يُؤخَّرون ليتوبوا ويعتذروا.
89 - إلا الذين رجعوا إلى الله بعد كفرهم وظلمهم، وأصلحوا عملهم؛ فإن الله غفور لمن تاب من عباده رحيم بهم.
90 - إن الذين كفروا بعد إيمانهم، واستمروا على كفرهم حتى ماتوا؛ لن تقبل منهم التوبة عند حضور الموت لذهاب وقتها، وأولئك هم الضالون عن الصراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى.
91 - إن الذين كفروا وماتوا على كفرهم؛ فلن يُقْبل من أحدهم وزن الأرض ذهبًا ولو قدّمه مقابل انفكاكه من النار، أولئك الذين لهم عذاب أليم، وما لهم من ناصرين يوم القيامة يدفعون عنهم العذاب.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• يجب الإيمان بجميع الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى، وجميع ما أنزل عليهم من الكتب، دون تفريق بينهم.
• لا يقبل الله تعالى من أحد دينًا أيًّا كان بعد بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا الإسلام الذي جاء به.
• مَنْ أصرَّ على الضلال، واستمر عليه، فقد يعاقبه الله بعدم توفيقه إلى التوبة والهداية.
• باب التوبة مفتوح للعبد ما لم يحضره الموت، أو تشرق الشمس من مغربها، فعندئذ لا تُقْبل منه التوبة.
• لا ينجي المرء يوم القيامة من عذاب النار إلا عمله الصالح، وأما المال فلو كان ملء الأرض لم ينفعه شيئًا.

ابو وليد البحيرى
2019-08-17, 11:57 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (62)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/74.jpg

92 - لن تدركوا -أيها المؤمنون- ثواب أهل البر ومنزلتهم حتى تنفقوا في سبيل الله من أموالكم التي تحبونها، وما تنفقوا من شيء قليلًا كان أو كثيرًا فإن الله عليم بنياتكم وأعمالكم، وسيجازي كلًّا بعمله.
93 - جميع الأطعمة الطيبة كانت حلالًا لبني إسرائيل، ولم يُحَرَّم عليهم منها إلا ما حرَّمه يعقوب على نفسه قبل نزول التوراة، لا كما تزعم اليهود أن ذلك التحريم كان في التوراة، قل لهم -أيها النبي-: فأحضروا التوراة واقرؤوها إن كنتم صادقين في هذا الذي تدَّعونه، فبهتوا، ولم يأتوا بها. وهو مثال يدل على افتراء اليهود على التوراة وتحريف مضمونها.
94 - فمن افترى الكذب على الله بعد ظهور الحجة؛ بأن ما حَرَّمه يعقوب - عليه السلام - حَرَّمه على نفسه من غير تحريم من الله؛ فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بترك الحق بعد ظهور حجته.
95 - قل -أيها النبي-: صدق الله فيما أخبر به عن يعقوب - عليه السلام -، وفي كل ما أنزل وشرع، فاتبعوا دين إبراهيم -عليه السلام-، فقد كان مائلًا عن الأديان كلها إلى دين الإسلام، ولم يشرك مع الله غيره أبدًا.
96 - إن أول بيت بني في الأرض للناس جميعًا من أجل عبادة الله هو بيت الله الحرام الذي بمكة، وهو بيت مبارك، كثير المنافع الدينية والدنيوية، وفيه هداية للعالمين جميعًا.
97 - في هذا البيت علامات ظاهرات على شرفه وفضله؛ كالمناسك والمشاعر، ومن هذه العلامات الحَجَر الذي قام عليه ابراهيم لما أراد رفع جدار الكعبة، ومنها أن من دخله يزول الخوف عنه ولا يناله أذى. ويجب لله على الناس قَصْد هذا البيت لأداء مناسك الحج، لمن كان منهم قادرًا على الوصول إليه، ومن كفر بفريضة الحج فإن الله غني عن هذا الكافر وعن العالمين أجمعين.
98 - قل -أيها النبي-: يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى لِمَ تجحدون البراهين على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنها براهين جاءت بها التوراة والإنجيل؟! والله مطلع على عملكم هذا شاهد عليه، وسيجازيكم به.
99 - قل -أيها النبي-: يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى لِمَ تمنعون عن دين الله مَنْ آمن به من الناس تطلبون لدين الله ميلًا عن الحق إلى الباطل، ولأهله ضلالًا عن الهدى، وأنتم شهداء على أن هذا الدين هو الحق مصدق لما في كتبكم؟! وليس الله بغافل عما تعملون من الكفر به، والصد عن سبيله، وسيجازيكم به.
100 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، إن تطيعوا طائفة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى فيما يقولونه، وتقبلون رأيهم فيما يزعمونه؛ يُرْجِعُوكم إلى الكفر بعد الإيمان بسبب ما فيهم من الحسد والضلال عن الهدى.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• كَذِبُ اليهود على الله تعالى وأنبيائه، ومن كذبهم زعمهم أن تحريم يعقوب - عليه السلام - لبعض الأطعمة نزلت به التوراة.
• أعظم أماكن العبادة وأشرفها البيت الحرام، فهو أول بيت وضع لعبادة الله، وفيه من الخصائص ما ليس في سواه.
• ذَكَرَ الله وجوب الحج بأوكد ألفاظ الوجوب تأكيدًا لوجوبه.

ابو وليد البحيرى
2019-08-18, 12:04 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (63)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/75.jpg

101 - وكيف تكفرون بالله بعد إيمانكم به، وأنتم معكم السبب الأعظم للثبات على الإيمان! فآيات الله تُقْرأ عليكم، ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يُبيِّنها لكم، ومن يَسْتمْسِك بكتاب الله وسُنَّة رسوله؛ فقد وفّقه الله إلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه.
102 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، خافوا ربكم حق المَخَافة، وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وشكره على نعمه، واستمسكوا بدينكم حتى يأتيكم الموت وأنتم على ذلك.
103 - وتَمسَّكوا -أيها المؤمنون- بالكتاب والسُّنَّة، ولا ترتكبوا ما يوقعكم في التفرق، واذكروا إنعام الله عليكم حين كنتم أعداءً قبل الإسلام تتقاتلون على أقل الأسباب، فجمع بين قلوبكم بالإسلام، فصرتم بفضله إخوانًا في الدين، متراحمين متناصحين، وكنتم قبل ذلك مُشْرِفين على دخول النار بكفركم، فأنجاكم الله منها بالإسلام وهداكم للإيمان. وكما بيَّن لكم الله هذا يبين لكم ما يصلح أحوالكم في الدنيا والآخرة، لتهتدوا إلى طريق الرشاد وتسلكوا سبيل الاستقامة.
104 - ولتكن منكم -أيها المؤمنون- جماعة يدعون إلى كل خير يحبه الله، ويأمرون بالمعروف الذي دل عليه الشرع وحسَّنه العقل، وينهون عن المنكر الذي نهى عنه الشرع وقبَّحه العقل، والمتصفون بهذه الصفة هم أهل الفوز التام في الدنيا والآخرة.
105 - ولا تكونوا -أيها المؤمنون- مثل أهل الكتاب الذين تفرقوا فصاروا أحزابًا وشيعًا، واختلفوا في دينهم من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحة من الله تعالى، وأولئك المذكورون لهم عذاب عظيم من الله.
106 - يقع عليهم هذا العذاب العظيم يوم القيامة، حين تَبْيَضُّ وجوه أهل الإيمان من الفرح والسعادة، وتَسْودُّ وجوه الكافرين من الحزن والكآبة، فأما الذين اسودَّت وجوههم في ذلك اليوم العظيم فيقال توبيخًا لهم: أكفرتم بتوحيد الله وعهدِه الذي أخذ عليكم بألا تشركوا به شيئًا، بعد تصديقكم وإقراركم؟! فذوقوا عذاب الله الذي أعده لكم بسبب كفركم.
107 - وأما الذين ابيضت وجوههم فمقامهم في جنات النعيم، خالدين فيها أبدًا، في نعيم لا يزول ولا يحول.
108 - تلك الآيات المتضمنة وعدَ الله ووعيدَه نقرؤها عليك -أيها النبي- بالصدق في الأخبار، والعدل في الأحكام، وما الله يريد ظلمًا لأي أحد من العالمين، بل لا يعذب أحدًا إلا بما كسبت يده.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• متابعة أهل الكتاب في أهوائهم تقود إلى الضلال والبعد عن دين الله تعالى.
• الاعتصام بالكتاب والسُّنَة والاستمساك بهديهما أعظم وسيلة للثبات على الحق، والعصمة من الضلال والافتراق.
• الافتراق والاختلاف الواقع في هذه الأمة في قضايا الاعتقاد فيه مشابهة لمن سبق من أهل الكتاب.
• وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن به فلاح الأمة وسبب تميزها.

ابو وليد البحيرى
2019-08-18, 12:10 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (64)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/76.jpg

109 - ولله تعالى وحده مُلْكُ ما في السماوات وما في الأرض، خَلْقًا وأَمْرًا، واليه تعالى مصير أمر كل خلقه فيجازي كلًّا منهم على قدر استحقاقه.
110 - كنتم - يا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير الأمم التي أخرجها الله للناس في إيمانكم وعملكم، وأنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف الذي: دل عليه الشرع وحسَّنه العقل، وتنهون عن المنكر الذي نهى عنه الشرع وقبَّحه العقل، وتؤمنون بالله إيمانًا جازمًا يصدقه العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لكان ذلك خيرًا لهم في دنياهم وآخرتهم. من أهل الكتاب قليل يؤمنون بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأكثرهم هم الخارجون عن دين الله وشريعته.
111 - ومهما كان منهم من عداوة فلن يضروكم - أيها المؤمنون - في دينكم ولا في أنفسكم إلا أذى بألسنتهم، من الطعن في الدين، والاستهزاء بكم ونحو ذلك، وإن قاتلوكم يَفِرُّوا منهزمين أمامكم، ولا يُنْصَرون عليكم أبدًا.
112 - جُعِل الهوان والصَّغار محيطًا باليهود مشتملًا عليهم أينما وُجِدوا، فلا يَأمَنون إلا بعهد أو أمن من الله تعالى أو من الناس، ورجعوا بغضب من الله، وجُعِلت عليهم الحاجة والفاقة محيطة بهم، ذلك الذي جُعل عليهم بسبب كفرهم بآيات الله، وقَتْلهم لأنبيائه ظلمًا، وذلك - أيضًا - بسبب عصيانهم وتجاوزهم لحدود الله. ولمَّا بيَّن الله حال غالب أهل الكتاب، بيَّن حال طائفة منهم مستقيمة على الحق قائمة به فقال:
113 - ليس أهل الكتاب متساوين في حالهم، بل منهم طائفة مستقيمة على دين الله، قائمة بأمر الله ونهيه، يقرؤون آيات الله في ساعات الليل وهم يُصَلُّون لله، كانت هذه الفئة قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن أدرك منهم هذه البعثة أسلم.
114 - يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانًا جازمًا، ويأمرون بالمعروف والخير، وينهون عن المنكر والشر، ويبادرون إلى أفعال الخيرات، ويغتنمون مواسم الطاعات، أولئك المتصفون بهذه الصفات من عباد الله الذين صلحت نياتهم وأعمالهم.
115 - وما يفعله هؤلاء من خير قليلًا كان أو كثيرًا فلن يضيع عليهم ثوابه، ولن ينقص أجره، والله عليم بالمتقين الذين يمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه، لا يخفى عليه من أعمالهم شيء، وسيجازيهم عليها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أعظم ما يميز هذه الأمة وبه كانت خيريتها -بعد الإيمان بالله- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• قضى الله تعالى بالذل على أهل الكتاب لفسقهم وإعراضهم عن دين الله، وعدم وفائهم بما أخذ عليهم من العهد.
• أهل الكتاب ليسوا على حال واحدة؛ فمنهم القائم بأمر الله، المتبع لدينه، الواقف عند حدوده، وهؤلاء لهم أعظم الأجر والثواب. وهذا قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ابو وليد البحيرى
2019-08-18, 12:15 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (65)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/77.jpg


116 - إن الذين كفروا بالله ورسله لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا، لن ترد عنهم عذابه، ولن تجلب لهم رحمته، بل ستزيدهم عذابًا وحسرة، وأولئك هم أصحاب النار الملازمون لها.
117 - مثل ما ينفقه هؤلاء الكافرون في وجوه البر، وما ينتظرونه من ثوابها؛ كمثل ريح فيها برد شديد أصابت زرْعَ قوم ظلموا أنفسهم بالمعاصي وغيرها، فأتلفت زرعهم، وقد رجوا منه خيرًا كثيرًا، فكما أتلفت هذه الريح الزرع فلم يُنتفع به، كذلك الكفر يبطل ثواب أعمالهم التي يرجونها، والله لم يظلمهم -تعالى عن ذلك- وإنما ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم به وتكذيبهم رسله.
118 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، لا تتخذوا أَخلّاء وأصفياء من غير المؤمنين، تُطْلِعونهم على أسراركم وخَواصِّ أحوالكم، فهم لا يُقَصِّرون في طلب مضرتكم وفساد حالكم، يتمنون حصول ما يضركم ويشق عليكم، قد ظهرت الكراهية والعداوة على ألسنتهم، بالطعن في دينكم، والوقيعة بينكم، وإفشاء أسراركم، وما تكتمه صدورهم من الكراهية أعظم، قد بينا لكم -أيها المؤمنون- البراهين الواضحة على ما فيه مصالحكم في الدنيا والآخرة، إن كنتم تعقلون عن ربكم ما أنزل عليكم.
119 - ها أنتم - يا هؤلاء المؤمنون - تحبون أولئك القوم، وترجون لهم الخير، وهم لا يحبونكم، ولا يرجون لكم الخير، بل يبغضونكم، وأنتم تؤمنون بالكُتُبِ كُلها، ومنها كتبهم، وهم لا يؤمنون بالكتاب الذي أنزله الله على نبيكم، وإذا التقوكم قالوا بألسنتهم: صَدَّقْنا، وإذا انفرد بعضهم ببعض عَضُّوا أطراف أصابعهم غَمًا وغيظًا لما أنتم عليه من الوحدة، واجتماع الكلمة، وعزة الإسلام، ولما هم عليه من الذلة. قل - أيها النبي - لأولئك القوم: ابقوا على ما أنتم عليه حتى تموتوا غَمًّا وغيظًا، إن الله عليم بما في الصدور من الإيمان والكفر، والخير والشر.
120 - إن تصبكم -أيها المؤمنون- نعمة من نصر على عدو، أو زيادة في مال وولد؛ يصبهم الهم والحزن، وإن تصبكم مصيبة من نصر عدو أو نقص في مال وولد، يفرحوا بذلك، ويشمتوا بكم، وإن تصبروا على أوامره وأقداره، وتتقوا غضبه عليكم؛ لا يضركم مكرهم وأذاهم، إن الله بما يعملون من الكيد محيط، وسيردهم خائبين.
121 - واذكر -أيها النبي- حين خرجت أول النهار من المدينة لقتال المشركين في أُحد، حيث أَخَذْتَ تُنْزِلُ المؤمنين مواقعهم من القتال، فبيّنت لكل واحد منزله، والله سميع لأقوالكم، عليم بأفعالكم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• نَهْي المؤمنين عن موالاة الكافرين وجَعْلهم أَخِلّاء وأصفياء يُفْضَى إليهم بأحوال المؤمنين وأسرارهم.
• من صور عداوة الكافرين للمؤمنين فرحهم بما يصيب المؤمنين من بلاء ونقص، وغيظهم إن أصابهم خير.
• الوقاية من كيد الكفار ومكرهم تكون بالصبر وعدم إظهار الخوف، ثم تقوى الله والأخذ بأسباب القوة والنصر.

ابو وليد البحيرى
2019-08-18, 12:19 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (66)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/78.jpg

122 - اذكر -أيها النبي- ما وقع لفرقتين من المؤمنين من بني سَلِمَة، وبني حارثة، حين ضعفوا، وهَمُّوا بالرجوع حين رجع المنافقون، والله ناصر هؤلاء بتثبيتهم على القتال وصرفهم عما هَمُّوا به، وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون في كل أحوالهم.
123 - ولقد نصركم الله على المشركين في معركة بدر وأنتم مستضعفون وذلك لقلة عددكم وعتادكم، فاتقوا الله لعلكم تشكرون نعمه عليكم.
124 - اذكر -أيها النبي- حين قلت للمؤمنين مثبتًا لهم في معركة بدر بعدما سمعوا بمَدَدٍ يأتي للمشركين: ألن يكفيكم أن يعينكم الله بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين منه سبحانه لتقويتكم في قتالكم؟!
125 - بلى، إن ذلك يكفيكم. ولكم بشارة بعون آخر من الله: إن صبرتم على القتال، واتقيتم الله، وجاء المدد إلى أعدائكم من ساعتهم مسرعين إليكم، إن حصل ذلك فإن ربكم سيعينكم بخمسة آلاف من الملائكة معلمين أنفسهم وخيولهم بعلامة ظاهرة.
126 - وما جعل الله هذا العون وهذا الإمداد بالملائكة إلا خبرًا سارًّا لكم، تطمئن قلوبكم به، وإلا فإن النصر حقيقة لا يكون بمجرد هذه الأسباب الظاهرة، وإنما النصر حقًّا من عند الله العزيز الذي لا يغالبه أحد، الحكيم في تقديره وتشريعه.
127 - هذا النصر الذي تحقق لكم في غزوة بدر أراد به أن يهلك طائفة من الذين كفروا بالقتل، ويخزي طائفة أخرى، ويغيظهم بهزيمتهم، فيرجعوا بفشل وذل.
128 - لما دعا الرسول على رؤساء المشركين بالهلاك بعد ما وقع منهم في أُحد؛ قال الله له: ليس لك من أمرهم شيء، بل الأمر لله، فاصبر إلى أن يقضي الله بينكم، أو يوفقهم للتوبة فيسلموا، أو يستمروا على كفرهم فيعذبهم، فإنهم ظالمون مستحقون للعذاب.
129 - ولله ما في السماوات وما في الأرض خَلْقًا وتدبيرًا، يغفر الذنوب لمن يشاء من عباده برحمته، ويعذب من يشاء بعد الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.
130 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، تجنَّبوا أخذ الربا زيادة مضاعفة على رؤوس أموالكم التي أقرضتموها، كما يفعل أهل الجاهلية، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لعلكم تنالون ما تطلبون من خير الدنيا والآخرة.
131 - واجعلوا بينكم وبين النار التي أعدها الله للكافرين به وقاية؛ وذلك بعمل الصالحات وترك المحرمات.
132 - وأطيعوا الله ورسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، لعلكم تنالون الرحمة في الدنيا والآخرة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• مشروعية التذكير بالنعم والنقم التي تنزل بالناس حتى يعتبر بها المرء.
• من أعظم أسباب تَنَزُّل نصر الله على عباده ورحمته ولطفه بهم: التزامُ التقوى، والصبر على شدائد القتال.
• الأمر كله لله تعالى، فيحكم بما يشاء، ويقضي بما أراد، والمؤمن الحق يُسَلِّم لله تعالى أمره، وينقاد لحكمه.
• الذنوب -ومنها الربا- من أعظم أسباب خِذلان العبد، ولا سيما في مواطن الشدائد والصعاب.
• مجيء النهي عن الربا بين آيات غزوة أُحد ليشعر بشمول الإسلام في شرائعه وترابطها بحيث يشير إلى بعضها في وسط الحديث عن بعض.

ابو وليد البحيرى
2019-08-18, 12:24 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (67)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/79.jpg

133 - وبادروا وسابقوا إلى فعل الخيرات، والتقرب إلى الله بأنواع الطاعات؛ لتنالوا مغفرة من الله عظيمة، وتدخلوا جنة عرضها السماوات والأرض، هَيَّأها الله للمتقين من عباده.
134 - المتقون هم الذين يبذلون أموالهم في سبيل الله، في حال اليسر والعسر، والمانعون غضبهم مع القدرة على الانتقام، والمتجاوزون عمن ظلمهم، والله يحب المحسنين المتصفين بمثل هذه الأخلاق.
135 - وهم الذين إذا فعلوا كبيرة من الذنوب، أو نقصوا حظ أنفسهم بارتكاب ما دون الكبائر، ذكروا الله تعالى، وتذكروا وعيده للعاصين، ووَعْده للمتقين، فطلبوا من ربهم نادمين ستر ذنوبهم وعدم مؤاخذتهم بها؛ لأنه لا يغفر الذنوب إلا الله وحده، ولم يصروا على ذنوبهم، وهم يعلمون أنهم مذنبون، وأن الله يغفر الذنوب جميعًا.
136 - أولئك المتصفون بهذه الصفات الحميدة، والخصال المجيدة، ثوابهم أن يستر الله ذنوبهم، ويتجاوز عنها، ولهم في الآخرة جنات تجري من تحت قصورها الأنهار، مقيمين فيها أبدًا، ونِعْم ذلك الجزاء للعاملين بطاعة الله.
137 - ولما ابتُلي المؤمنون بما نزل بهم يوم أُحد قال الله معزيًا لهم: قد مضت من قبلكم سُنن إلهية في إهلاك الكافرين، وجعل العاقبة للمؤمنين بعد ابتلائهم، فسيروا في الأرض فانظروا معتبرين كيف كان مصير المكذبين لله ورسله، خلت ديارهم، وزال ملكهم.
138 - هذا القرآن الكريم بيان للحق وتحذير من الباطل للناس أجمعين، وهو دلالة إلى الهدى، وزاجر للمتقين؛ لأنهم هم المنتفعون بما فيه من الهدى والرشاد.
139 - ولا تضعفوا -أيها المؤمنون- ولا تحزنوا على ما أصابكم يوم أُحد -ولا ينبغي ذلك لكم، فأنتم الأعلون بإيمانكم، والأعلون بعون الله ورجائكم نصره، إن كنتم مؤمنين بالله ووعده لعباده المتقين.
140 - إن أصابكم -أيها المؤمنون- جِرَاح وقَتْل يوم أُحد، فقد أصاب الكفار جرَاح وقَتْل مثل ما أصابكم، والأيام يصرفها الله بين الناس مؤمنهم وكافرهم بما شاء من نصر وهزيمة؛ لحِكَم بالغَة؛ منها: ليَظْهَر المؤمنون حقيقةً من المنافقين، ومنها: ليُكْرِم من يشاء بالشهادة في سبيله، والله لا يحب الظالمين لأنفسهم بترك الجهاد في سبيله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الترغيب في المسارعة إلى عمل الصالحات اغتنامًا للأوقات، ومبادرة للطاعات قبل فواتها.
• من صفات المتقين التي يستحقون بها دخول الجنة: الإنفاق في كل حال، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، والإحسان إلى الخلق.
• النظر في أحوال الأمم السابقة من أعظم ما يورث العبرة والعظة لمن كان له قلب يعقل به.

ابو وليد البحيرى
2019-08-18, 12:27 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (68)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/80.jpg

141 - ومن هذه الحكم تَطْهيرُ المؤمنين من ذنوبهم، وتخليص صَفِّهم من المنافقين، وليُهْلِك الكافرين ويمحوهم.
142 - أظننتم -أيها المؤمنون- أنكم تدخلون الجنة دون ابتلاء وصبرٍ يظهر به المجاهدون في سبيل الله حقيقةً، والصابرون على البلاء الذي يصيبهم فيه؟!
143 - ولقد كنتم -أيها المؤمنون- تتمنون لقاء الكفار لتنالوا الشهادة في سبيل الله، كما نالها إخوانكم في يوم بدر من قبل أن تلاقوا أسباب الموت وشدته، فها قد رأيتم في يوم أُحد ما تمنيتم، وأنتم تنظرون له عيانًا.
ولما شاع في الناس يوم أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قُتِل، أنزل الله معاتبًا من قعد من المؤمنين عن القتال بسبب ذلك فقال:

144 - وما محمد إلا رسول من جنس من سبقه من رسل الله الذين ماتوا أو قتلوا، أفإن مات هو أو قتل ارتددتم عن دينكم، وتركتم الجهاد؟! ومن يرتد منكم عن دينه فلن يضر الله شيئًا؛ إذ هو القوي العزيز، وإنما يضر المرتد نفسه بتعريضها لخسارة الدنيا والآخرة، وسيجزي الله الشاكرين له أحسن الجزاء بثباتهم على دينه، وجهادهم في سبيله.
145 - وما كانت نفس لتموت إلا بقضاء الله، بعد أن تستوفي المدة التي كتبها الله وجعلها أجلًا لها، لا تزيد عنها ولا تنقص. ومن يُرِد ثواب الدنيا بعمله نعطه بقدر ما قُدِّر له منها، ولا نصيب له في الآخرة، ومن يُرِد بعمله ثواب الله في الآخرة نعطه ثوابها، وسنجزي الشاكرين لربهم جزاءً عظيمًا.
146 - وكم من نبي من أنبياء الله قاتل معه جماعات من أتباعه كثيرة، فما جَبُنُوا عن الجهاد لما أصابهم من قتل وجراح في سبيل الله، وما ضعفوا عن قتال العدو، وما خضعوا له، بل صبروا وثبتوا، والله يحب الصابرين على الشدائد والمكاره في سبيله.
147 - وما كان قول هؤلاء الصابرين لمَّا نزل بهم هذا البلاء إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا وتجاوُزَنا الحدود في أمرنا، وثبت أقدامنا عند ملاقاة عدونا، وانصرنا على القوم الكافرين بك.
148 - فآتاهم الله ثواب الدنيا بنصرهم والتمكين لهم، وآتاهم الثواب الحسن في الآخرة بالرضا عنهم، والنعيم المقيم في جنات النعيم، والله يحب المحسنين في عبادتهم ومعاملتهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الابتلاء سُنَّة إلهية يتميز بها المجاهدون الصادقون الصابرون من غيرهم.
• يجب ألا يرتبط الجهاد في سبيل الله والدعوة إليه بأحد من البشر مهما علا قدره ومقامه.
• أعمار الناس وآجالهم ثابتة عند الله تعالى، لا يزيدها الحرص على الحياة، ولا ينقصها الإقدام والشجاعة.
• تختلف مقاصد الناس ونياتهم، فمنهم من يريد ثواب الله، ومنهم من يريد الدنيا، وكل سيُجازَى على نيَّته وعمله.

ابو وليد البحيرى
2019-08-18, 12:32 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (69)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/81.jpg

149 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، إن تطيعوا الذين كفروا من اليهود والنصارى والمشركين، فيما يأمرونكم به من الضلال، يُرْجِعُوكم بعد إيمانكم إلى ما كنتم عليه كفارًا، فترجعوا خاسرين في الدنيا والآخرة.
150 - هؤلاء الكافرون لن ينصروكم إذا أطعتموهم، بل الله هو ناصركم على أعدائكم، فأطيعوه، وهو سبحانه خير الناصرين، فلا تحتاجون لأحد بعده.
151 - سنلقي في قلوب الذين كفروا بالله الخوف الشديد، حتى لا يستطيعوا الثبات لقتالكم بسبب إشراكهم بالله آلهةً عبدوها بأهوائهم، لم ينزل عليهم بها حجة، ومُسْتقرُّهم الذي يرجعون إليه في الآخرة هو النار، وبئس مستقر الظالمين النار.
152 - ولقد أنجزكم الله ما وعدكم به من النصر على أعدائكم يوم أُحد، حين كنتم تقتلونهم قتلًا شديدًا بإذنه تعالى، حتى إذا جَبُنْتُم وضعفتم عن الثبات على ما أمركم به الرسول واختلفتم بين البقاء في مواقعكم أو تركها وجمع الغنائم، وعصيتم الرسول في أمره لكم بالبقاء في مواقعكم على كل حال، وقع ذلك منكم من بعد ما أراكم الله ما تحبونه من النصر على أعدائكم، منكم من يريد غنائم الدنيا، وهم الذين تركوا مواقعهم، ومنكم من يريد ثواب الآخرة، وهم الذين بقوا في مواقعهم مطيعين أمر الرسول، ثم حَوَّلكم الله عنهم، وسلَّطهم عليكم؛ ليختبركم، فيظهر المؤمن الصابر على البلاء ممَّن زلت قدمه، وضعفت نفسه، ولقد عفا الله عنكم ما ارتكبتموه من المخالفة لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحب فضل عظيم على المؤمنين حيث هداهم للإيمان، وعفا عنهم سيئاتهم، وأثابهم على مصائبهم.
153 - اذكروا -أيها المؤمنون- حين كنتم تُبْعِدون في الأرض هاربين يوم أحد، لما أصابكم الفشل بمخالفة أمر الرسول، ولا ينظر أحد منكم لأحد، والرسول يدعوكم من خلفكم بينكم وبين المشركين قائلًا: إليَّ عبادَ الله، إليَّ عبادَ الله، فجازاكم الله على هذا ألمًا وضيقًا بما فاتكم من النصر والغنيمة، يتبعه ألم وضيق، وبما شاع بينكم من قَتْل النبي، وقد أنزل بكم هذا لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من النصر والغنيمة، ولا ما أصابكم من قتل وجراح، بعدما علمتم أن النبي لم يُقْتل، حيث هانت عليكم كل مصيبة وألم، والله خبير بما تعملون، لا يخفى عليه شيء من أحوال قلوبكم، ولا أعمال جوارحكم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• التحذير من طاعة الكفار والسير في أهوائهم، فعاقبة ذلك الخسران في الدنيا والآخرة.
• إلقاء الرعب في قلوب أعداء الله صورةٌ من صور نصر الله لأوليائه المؤمنين.
• من أعظم أسباب الهزيمة في المعركة التعلق بالدنيا والطمع في مغانمها، ومخالفة أمر قائد الجيش.
• من دلائل فضل الصحابة أن الله يعقب بالمغفرة بعد ذكر خطئهم.

ابو وليد البحيرى
2019-08-18, 12:36 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (70)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/08/82.jpg




154 - ثم أنزل عليكم بعد الألم والضيق طمأنينة وثقة، جَعلت طائفة منكم -وهم الواثقون بوعد الله- يغطيهم النعاس مما في قلوبهم من أمن وسكينة، وطائفة أخرى لم ينلهم أمن ولا نعاس، وهم المنافقون الذين لا هَمَّ لهم إلا سلامة أنفسهم، فهم في قلق وخوف، ويظنون بالله ظن السوء، من أن الله لا ينصر رسوله ولا يؤيد عباده، كظن أهل الجاهلية الذين لم يَقْدُروا الله حق قدره، يقول هؤلاء المنافقون لجهلهم بالله: ليس لنا من رأيٍ في أمر الخروج إلى القتال، ولو كان لنا ما خرجنا، قل - أيها النبي - مجيبًا هؤلاء: إن الأمر كله لله، فهو الذي يُقدِّر ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو من قدَّر خروجكم. وهؤلاء المنافقون يخفون في أنفسهم من الشك وظن السوء ما لا يظهرون لك، حيث يقولون: لو كان لنا في الخروج رأي ما قُتِلنا في هذا المكان، قل -أيها النبي- ردًّا عليهم: لو كنتم في بيوتكم بعيدين عن مواطن القتل والموت؛ لخرج من كَتبَ الله عليه القتل منكم إلى حيث يكون قَتْلهم. وما كتب الله ذلك إلا ليختبر ما في صدوركم من نيات ومقاصد، ويميز ما فيها من إيمان ونفاق، والله عليم بالذي في صدور عباده لا يخفى عليه شيء منها.
155 - إن الذين انهزموا منكم - يا أصحاب محمد - يوم التقى جَمْعُ المشركين في أُحدٍ بجمع المسلمين، إنما حملهم الشيطان على الزلل بسبب بعض ما اكتسبوه من المعاصي، ولقد عفا الله عنهم فلم يؤاخذهم بها فضلًا منه ورحمة، إن الله غفور لمن تاب، حليم لا يعاجل بالعقوبة.
156 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، لا تكونوا مثل الكفار من المنافقين، ويقولون لأقاربهم إذا سافروا يطلبون رزقًا، أو كانوا غُزَاة فماتوا أو قتلوا: لو كانوا عندنا ولم يخرجوا، ولم يغزوا لم يموتوا ولم يقتلوا، جعل الله هذا الاعتقاد في قلوبهم ليزدادوا ندامة وحزنًا في قلوبهم، والله وحده هو الذي يحيي ويميت بمشيئته، لا يمنع قَدَرَه قعود ولا يُعَجلُه خروج، والله بما تعملون بصير، لا تخفى عليه أعمالكم، وسيجازيكم عليها.
157 - ولئن قتلتم في سبيل الله أو متُّم -أيها المؤمنون- ليَغْفرنَّ الله لكم مغفرة عظيمة، ويرحمكم رحمة منه، هي خير من هذه الدنيا وما يجمع أهلها فيها من نعيمها الزائل.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الجهل بالله تعالى وصفاته يُورث سوء الاعتقاد وفساد الأعمال.
• آجال العباد مضروبة محدودة، لا يُعجِّلها الإقدام والشجاعة، ولايؤخرها الجبن والحرص.
• من سُنَّة الله تعالى الجارية ابتلاء عباده؛ ليميز الخبيث من الطيب.
• من أعظم المنازل وأكرمها عند الله تعالى منازل الشهداء في سبيله.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 02:54 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (71)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/53.jpg

158 - ولئن مُتُّم على أي حال كان موتكم، أو قُتِلتم؛ فإلى الله وحده ترجعون جميعًا؛ ليجازيكم على أعمالكم.
159 - فبسبب رحمة من الله عظيمة كان خُلُقك -أيها النبي- سهلًا مع أصحابك، ولو كنت شديدًا في قولك وفعلك، قاسي القلب لتفرقوا عنك، فتجاوز عنهم تقصيرهم في حقك، واطلب لهم المغفرة، واطلب رأيهم فيما يحتاج إلى مشورة، فإذا عقدت عزمك على أمر بعد المشاورة فامض فيه، وتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين عليه فيوفقهم ويؤيدهم.
160 - إن يؤيدكم الله بإعانته ونصره فلا أحد يغلبكم، ولو اجتمع عليكم أهل الأرض، وإذا ترك نصركم ووَكَلكم إلى أنفسكم فلا أحد يستطيع أن ينصركم من بعده، فالنصر بيده وحده، وعلى الله فليعتمد المؤمنون لا على أحد سواه.
161 - ما كان لنبي من الأنبياء أن يخون بأخذ شيء من الغنيمة غير ما اختصه به الله، ومن يَخُنْ منكم بأخذ شيء من الغنيمة، يُعاقَب بأن يُفضح يوم القيامة، فيأتي حاملًا ما أخذه أمام الخلق، ثم تُعطى كل نفس جزاء ما اكتسبته تامًّا غير منقوص، وهم لا يُظلمون بزيادة سيئاتهم، ولا بنقص حسناتهم.
162 - لا يستوي عند الله من اتبع ما ينال به رضوان الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن كفر بالله وعَمِلَ السيئات، فرجع بغضب شديد من الله، ومستقره جهنم وساءت مرجعًا ومستقرًا.
163 - هم متفاوتون في منازلهم في الدنيا والآخرة عند الله، والله بصير بما يعملون، لا يخفى عليه شيء، وسيجازي كلًّا بعمله.
164 - لقد أنعم الله على المؤمنين وأحسن إليهم حين بعث فيهم رسولًا من جنسهم، يقرأ عليهم القرآن، ويطهِّرهم من الشرك والأخلاق الرذيلة، ويعلمهم القرآن والسُّنَّة، وقد كانوا من قبل بعثة هذا الرسول في ضلال واضح عن الهدى والرشاد.
165 - أعندما أصابتكم -أيها المؤمنون- مصيبة حين هُزمتم في أُحد، وقُتِل منكم من قُتِل، قد أصبتم من عدوكم ضِعْفَيها من القتلى والأسرى يوم بدر، قلتم: من أين أصابنا هذا ونحن مؤمنون، ونبي الله فينا؟! قل -أيها النبي-: ما أصابكم من ذلك جاءكم بسببكم حين تنازعتم، وعصيتم الرسول، إن الله على كل شيء قدير؛ فينصر من يشاء، ويخذل من يشاء.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• النصر الحقيقي من الله تعالى، فهو القوي الذي لا يُحارَب، والعزيز الذي لا يُغالَب.
• لا تستوي في الدنيا حال من اتبع هدى الله وعمل به وحال من أعرض وكذب به، كما لا تستوي منازلهم في الآخرة.
• ما ينزل بالعبد من البلاء والمحن هو بسبب ذنوبه، وقد يكون ابتلاءً ورَفْع درجات، والله يعفو ويتجاوز عن كثير منها.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:00 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (72)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/54.jpg

166 - وما حدث لكم من القَتْل والجِرَاح والهزيمة يوم أحد حين التقى جمعكم وجَمْعُ المشركين، فهو بإذن الله وقدره؛ لحكمة بالغة حتى يظهر المؤمنون الصادقون.
167 - وليظهر المنافقون الذين لمَّا قيل لهم: قاتلوا في سبيل الله، أو ادفعوا بتكثيركم سواد المسلمين؛ قالوا: لو نعلم أنه يكون قتال لاتبعناكم لكنه لا نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتال، هم في حالهم وقتئذٍ أقرب إلى ما يدل على كفرهم مما يدل على إيمانهم، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، والله أعلم بما يُبْطِنونه في صدورهم، وسيعاقبهم عليه.
168 - هم الذين تخلَّفوا عن القتال، وقالوا لقراباتهم الذين أصيبوا يوم أُحد: لو أنهم أطاعونا ولم يخرجوا للقتال لَمَّا قتلوا، قل - أيها النبي - ردًّا عليهم: فادفعوا عن أنفسكم الموت إذا نزل بكم إن كنتم صادقين فيما ادعيتموه من أنهم لو أطاعوكم ما قتلوا، وأن سبب نجاتكم من الموت هو القعود عن الجهاد في سبيل الله.
169 - ولا تظنن -أيها النبي- أن الذين قُتلوا في الجهاد في سبيل الله أموات، بل هم أحياء حياة خاصة عند ربهم في دار كرامته، يرزقون من أنواع النعيم الذي لا يعلمه إلا الله.
170 - قد غمرتهم السعادة، وشملتهم الفرحة، بما مَنَّ الله عليهم من فضله، ويأملون وينتظرون أن يلحق بهم إخوانهم الذين بقوا في الدنيا، أنهم إن قتلوا في الجهاد فسينالون من الفضل مثلهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
171 - ويفرحون مع هذا بثواب كبير ينتظرهم من الله، وزيادة على الثواب عظيمة، وأنه تعالى لا يُبْطل أجر المؤمنين به، بل يوفيهم أجورهم كاملة، ويزيدهم عليها.
172 - الذين استجابوا لأمر الله ورسوله عندما دُعوا إلى الخروج للقتال في سبيل الله، وملاقاة المشركين في غزوة "حمراء الأسد" التي أعقبت أُحُدًا بعدما أصابتهم الجروح يوم أُحُد، فلم تمنعهم جروحهم من تلبية نداء الله ورسوله. للذين أحسنوا منهم في أعمالهم، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أجر عظيم من الله، وهو الجنة.
173 - الذين قال لهم بعض المشركين: إن قريشًا بقيادة أبي سفيان قد جمعوا لكم جموعًا كثيرة لقتالكم والقضاء عليكم فاحذروهم واتقوا لقاءهم، فزادهم هذا الكلام والتخويف تصديقًا بالله وثقة بوعده، فخرجوا إلى لقائهم وهم يقولون: يكفينا الله تعالى، وهو نِعْمَ من نفوِّض إليه أمرنا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من سنن الله تعالى أن يبتلي عباده؛ ليتميز المؤمن الحق من المنافق، وليُعلم الصادق من الكاذب.
• عِظَم منزلة الجهاد والشهادة في سبيل الله وثواب أهله عند الله تعالى حيث ينزلهم الله تعالى بأعلى المنازل.
• فضل الصحابة وبيان علو منزلتهم في الدنيا والآخرة؛ لما بذلوه من أنفسهم وأموالهم في سبيل الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:03 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (73)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/55.jpg

174 - فرجعوا بعد خروجهم إلى "حمراء الأسد" بثواب عظيم من الله، وزيادة في درجاتهم، وسلامة من عدوهم فلم يصبهم قَتْل ولا جِرَاح، واتبعوا ما يرضي الله عنهم من التزام طاعته والكف عن معصيته، والله صاحب فضل عظيم على عباده المؤمنين.
175 - إنما المُخوِّف لكم الشيطان، يرهبكم بأنصاره وأعوانه، فلا تجبنوا عنهم، فإنهم لا حول لهم ولا قوة، وخافوا بالتزام طاعته، إن كنتم مؤمنين به حقًّا.
176 - ولا يُوقِعْك في الحزن -أيها الرسول- الذين يسارعون في الكفر مرتدين على أعقابهم من أهل النفاق، فإنهم لن ينالوا الله بأي ضرر، وإنما يضرون أنفسهم ببعدهم عن الإيمان بالله وطاعته، يريد الله بخذلانهم وعدم توفيقهم ألا يكون لهم نصيب في نعيم الآخرة، ولهم فيها عذاب عظيم في النار.
177 - إن الذين استبدلوا الكفر بالإيمان لن يضروا الله أي شيء، إنما يضرون أنفسهم، ولهم عذاب أليم في الآخرة.
178 - ولا يظنن الذين كفروا بربهم، وعاندوا شرعه، أن إمهالهم وإطالة عمرهم على ما هم عليه من كفرٍ خيرٌ لأنفسهم، ليس الأمر كما ظنوا، وإنما نمهلهم ليزدادوا إثمًا بكثرة المعاصي على إثمهم، ولهم عذاب مُذِلّ.
179 - ما كان من حكمة الله أن يَدَعَكم -أيها المؤمنون- على ما أنتم عليه من اختلاط بالمنافقين وعدم تمايز بينكم، وعدم تبين المؤمنين حقًّا، حتى يميزكم بأنواع التكاليف والابتلاءات، ليظهر المؤمن الطيب من المنافق الخبيث. وما كان من حكمة الله أن يطلعكم على الغيب فتُميزوا بين المؤمن والمنافق، ولكن الله يختار من رسله من يشاء، فيطلعه على بعض الغيب؛ كما أطلع نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على حال المنافقين، فحقِّقوا إيمانكم بالله ورسوله، وأن تؤمنوا حقًّا وتتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فلكم ثواب عظيم عند الله.
180 - ولا يظنن الذين يبخلون بما آتاهم الله من النعمٍ تفضُّلًا منه، فيمنعون حق الله فيها، لا يظنُّوا أن ذلك خير لهم، بل هو شر لهم؛ لأن ما بخلوا به سيكون طَوْقًا يُطَوَّقون به يوم القيامة في أعناقهم يعذبون به، ولله وحده يؤول ما في السماوات والأرض، وهو الحي بعد فناء خلقه كلهم، والله عليم بدقائق ما تعملون، وسيجازيكم عليه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ينبغي للمؤمن ألا يلتفت إلى تخويف الشيطان له بأعوانه وأنصاره من الكافرين، فإن الأمر كله لله تعالى.
• لا ينبغي للعبد أن يغتر بإمهال الله له، بل عليه المبادرة إلى التوبة، ما دام في زمن المُهلة قبل فواتها.
• البخيل الذي يمنع فضل الله عليه إنما يضر نفسه بحرمانها المتاجرة مع الله الكريم الوهاب، وتعريضها للعقوبة يوم القيامة.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:08 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (74)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/56.jpg



181 - لقد سمع الله قول اليهود حين قالوا: "إن الله فقير حيث طلب منا القرض، ونحن أغنياء بما عندنا من أموال" سنكتب ما قالوا من الإفك والفرية على ربهم وقتلهم أنبياءهم بغير حق، ونقول لهم: ذوقوا العذاب المحرق في النار.
182 - ذلك العذاب بسبب ما قدمت أيديكم -أيها اليهود- من المعاصي والمخازي، وبأن الله ليس يظلم أحدًا من عبيده.
183 - وهم الذين قالوا كذبًا وافتراء: إن الله أوصانا في كتبه وعلى ألسنة أنبيائه ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بما يصدق قوله، وذلك بأن يتقرب إلى الله بصدقة تُحْرقُها نار تنزل من السماء، فكذبوا على الله في نسبة الوصية إليه، وفي حصر دلائل صدق الرسل فيما ذكروا، ولهذا أمر الله نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم: قد جاءكم رسل من قبلي بالبراهين الواضحة على صدقهم، وبالذي ذكرتم من القُربان الذي تحرقه نار من السماء، فلِمَ كذبتموهم وقتلتموهم إن كنتم صادقين فيما تقولون؟!
184 - فإن كذبوك -أيها النبي- فلا تحزن، فهي عادة الكافرين، فقد كُذب رسل كثر من قبلك، جاؤوا بالأدلة الواضحة، وبالكتب المشتملة على المواعظ والرقائق، والكتاب الهادي بما فيه من الأحكام والشرائع.
185 - كل نفس مهما تكن لا بد أن تذوق الموت، فلا يغتر مخلوق بهذه الدنيا، وفي يوم القيامة تعطون أجور أعمالكم كاملة غير منقوصة، فمن أبعده الله عن النار وأدخله الجنة؛ فقد نال ما يرجو من الخير، ونجا مما يخاف من الشر، وما الحياة الدنيا إلا متاع زائل، ولا يتعلق بها إلا المخدوع.
186 - لتُختبرنّ -أيها المؤمنون- في أموالكم، بأداء الحقوق الواجبة فيها، وبما ينزل بها من مصائب، ولتختبرُنَّ في أنفسكم بالقيام بتكاليف الشريعة، وما ينزل بكم من أنواع البلاء، ولتسمعُنّ من الذين أُعطوا الكتب من قبلكم ومن الذين أشركوا شيئًا كثيرًا مما يؤذيكم من الطعن فيكم وفي دينكم، وإن تصبروا على ما يصيبكم من أنواع المصائب والابتلاءات، وتتقوا الله بفعل ما أمر وتَرْك ما نهى، فإن ذلك من الأمور التي تحتاج إلى عزم، ويتنافس فيها المتنافسون.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من سوء فعال اليهود وقبيح أخلاقهم اعتداؤهم على أنبياء الله بالتكذيب والقتل.
• كل فوز في الدنيا فهو ناقص، وإنما الفوز التام في الآخرة، بالنجاة من النار ودخول الجنة.
• من أنواع الابتلاء الأذى الذي ينال المؤمنين في دينهم وأنفسهم من قِبَل أهل الكتاب والمشركين، والواجب حينئذ الصبر وتقوى الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:11 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (75)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/57.jpg

187 - واذكر, -أيها النبي- حين أخذ الله العهد المؤكد على علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ لتُوضِّحُنَّ للناس كتاب الله، ولا تكتمون ما فيه من الهدى، ولا ما دل عليه من نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فما كان منهم إلا أن طرحوا العهد، ولم يلتفتوا إليه، فكتموا الحق وأظهروا الباطل، واستبدلوا بعهد الله ثمنًا زهيدًا، كالجاه والمال الذي قد ينالونه، فبئس هذا الثمن الذي يستبدلونه بعهد الله.
188 - لا تظنن - يا أيها النبي - أن الذين يفرحون بما فعلوا من القبائح، ويحبون أن يمدحهم الناس بما لم يفعلوه من الخير، لا تظننهم بمَنْجاة من العذاب وسلامة، بل محلهم جهنم، ولهم فيها عذاب موجع.
189 - ولله وحده دون غيره ملك السماوات والأرض وما فيهما خَلْقًا وتدبيرًا، والله على كل شيء قدير.
190 - إن في إيجاد السماوات والأرض من عَدَم على غير مثال سابق، وفي تعاقب الليل والنَّهار، وتفاوتهما طولًا وقِصَرًا؛ لدلائلَ واضحة لأصحاب العقول السليمة، تدلهم على خالق الكون المستحق للعبادة وحده.
191 - وهم الذين يذكرون الله على كل
أحوالهم، في حال قيامهم، وحال جلوسهم،
وفي حال اضطجاعهم، ويُعْمِلون فكرَهم في خلق السماوات والأرض؛ قائلين: يا ربنا، ما خلقت هذا الخلق العظيم عبثًا، تنزَّهت عن العبث، فجنِّبنا عذاب النار بتوفيقنا للصالحات وحِفْظِنا من السيئات.

192 - فإنك -يا ربنا- من تدخل النار من خلقك فقد أهنته وفضحته، وليس للظالمين يوم القيامة من أعوان يمنعون عنهم عذاب الله وعقابه.
193 - ربنا إننا سمعنا داعيًا للإيمان - وهو نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - يدعو قائلًا: آمنوا بالله ربكم إلهًا واحدًا، فآمنا بما يدعو إليه، واتبعنا شريعته، فاستر ذنوبنا فلا تفضحنا، وتجاوز عن سيئاتنا فلا تؤاخذنا بها، وتوفنا مع الصالحين بتوفيقنا لفعل الخيرات وترك السيئات.
194 - ربنا وأعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك، من الهداية والنصر في الدنيا، ولا تفضحنا يوم القيامة بدخول النار، إنك - يا ربنا - كريم لا تُخْلف وعدك.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من صفات علماء السوء من أهل الكتاب: كَتْم العلم، واتباع الهوى، والفرح بمدح الناس مع سوء سرائرهم وأفعالهم.
• التفكر في خلق الله تعالى في السماوات والأرض وتعاقب الأزمان يورث اليقين بعظمة الله وكمال الخضوع له -عَزَّ وَجَلَّ-.
• دعاء الله وخضوع القلب له تعالى من أكمل مظاهر العبودية.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:15 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (76)
(سُوْرَةُ آلِ عِمْرَانَ)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/58.jpg

195 - فأجاب ربهم دعاءهم: بأني لا أضيع ثواب أعمالكم قَلَّت أو كثرت، سواء كان العامل ذكرًا أو أنثى، فحكم بعضكم من بعض في الملة واحد، لا يُزاد لذَكَرٍ، ولا يُنقص لأنثى، فالذين هاجروا في سبيل الله، وأخرجهم الكفار من ديارهم، وأصابهم الأذى بسبب طاعتهم لربهم، وقاتلوا في سبيل الله وقُتِلُوا لتكون كلمة الله هي العليا -لأغفِرن لهم سيئاتهم يوم القيامة، ولأتجاوزن عنها، ولأُدخلنهم جنات تجري الأنهار من تحت قصورها، ثوابًا من عند الله، والله عنده الجزاء الحسن الذي لا مثل له.
196 - لا يخدعنك -أيها النبي- تنقُّل الكافرين في البلاد، وتَمَكُّنهم منها، وسعة تجاراتهم وأرزاقهم فتشعر بالهَمِّ والغم من حالهم.
197 - فهذه الدنيا متاع قليل لا دوام له، ثم بعد ذلك يكون مصيرهم الذي يرجعون إليه يوم القيامة: جهنم، وبئس الفِراشُ لهم النار.
198 - لكنِ الذين اتقوا ربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه لهم جنات تجري الأنهار من تحت قصورها، ماكثين فيها أبدًا، جزاءً مُعَدًّا لهم من عند الله تعالى، وما أعده الله للصالحين من عباده خير وأفضل مما يتقلب فيه الكفار من ملذات الدنيا.
199 - ليس أهل الكتاب سواء، فإن منهم طائفة يؤمنون بالله وبما أنزل إليكم من الحق والهدى، ويؤمنون بما أنزل إليهم في كتبهم، لا يفرقون بين رسل الله، خاضعين متذللين لله، رغبة فيما عنده، لا يستبدلون بآيات الله ثمنًا قليلًا من متاع الدنيا، أولئك الموصوفون بهذه الصفات لهم ثوابهم العظيم عند ربهم، إن الله سريع الحساب على الأعمال سريع الجزاء عليها.
20 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، اصبروا على تكاليف الشريعة، وعلى ما يعرض لكم من مصائب الدنيا، وغالبوا الكفار في الصبر فلا يكونوا أشد صبرًا منكم، وأقيموا على الجهاد في سبيل الله، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لعلكم تنالون مطلوبكم بالسلامة من النار ودخول الجنة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأذى الذي ينال المؤمن في سبيل الله فيضطره إلى الهجرة والخروج والجهاد من أعظم أسباب تكفير الذنوب ومضاعفة الأجور.
• ليستِ العبرة بما قد يُنَعَّم به الكافر في الدنيا من المال والمتاع وإن عَظُم؛ لأن الدنيا زائلة، وإنما العبرة بحقيقة مصيره في الآخرة في دار الخلود.
• من أهل الكتاب من يشهدون بالحق الذي في كتبهم، فيؤمنون بما أنزل إليهم وبما أنزل على المؤمنين، فهؤلاء لهم أجرهم مرتين.
• الصبر على الحق، ومغالبة المكذبين به، والجهاد في سبيله، هو سبيل الفلاح في الآخرة

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:21 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (77)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/59.jpg

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
تنظيم المجتمع المسلم من داخله من خلال حفظ الحقوق الاجتماعية والمالية، إزالةً لرواسب الجاهلية وتركيزًا على حقوق النساء والضعفاء.

[التَّفْسِيرُ]
سُمِّيت بذلك لذكر النساء فيها وتفصيل كثير من أحكامهن.


1 - يا أيها الناس، اتقوا ربكم، فهو الذي خلقكم من نفس واحدة هي أبوكم آدم، وخلق من آدم زوجه حواء أمكم، ونشر منهما في أقطار الأرض بشرًا كثيرًا ذكورًا وإناثًا، واتقوا الله الذي يسأل بعضكم بعضًا به بأن يقول: أسألك بالله أن تفعل كذا، واتقوا قَطْع الأرحام التي تربط بينكم، إن الله كان عليكم رقيبًا، فلا يفوته شيء من أعمالكم، بل يحصيها ويجازيكم عليها.
2 - وأعطوا -أيها الأوصياء- اليتامى (وهم: من فقدوا آباءهم ولم يبلغوا الحُلم) أموالِهم كاملة إذا بلغوا وكانوا راشدين، ولا تتبدّلوا الحرام بالحلال؛ بأن تأخذوا الجيِّد النفيس من أموال اليتامى، وتدفعوا بدله الرديء الخسيس من أموالكم، ولا تأخذوا أموال اليتامى مضمومة إلى أموالكم، إن ذلك كان ذنبًا عظيمًا عند الله.
3 - وإن خفتم ألا تعدلوا إذا تزوجتم اليتيمات اللاتي تحت ولايتكم، إما خوفًا من نقص مهرهن الواجب لهن، أو إساءة معاملتهن، فدعوهن وتزوجوا الطيبات من النساء غيرهن، إن شئتم تزوجتم اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، فإن خفتم ألا تعدلوا بينهن فاقتصروا على واحدة، أو استمتعوا بما ملكت أيمانكم من الإماء؛ إذ لا يجب لهن مثل ما يجب للزوجات من الحقوق، ذلك الذي ورد في الآية في شأن اليتامى والاقتصار على نكاح واحدة أو الاستمتاع بالإماء أقرب إلى ألا تَجُورُوا وتميلوا.
4 - وأعطوا النساء مهورهن عطية واجبة، فإن طابت نفوسهن بشيء من المهر لكم بلا إكراه؛ فكلوه سائغًا لا تنغيص فيه.
5 - ولا تعطوا -أيها الأولياء- الأموال للذين لا يحسنون التصرف، فهذه الأموال جعلها الله سببًا تقوم به مصالح العباد وأمور معاشهم، وهؤلاء ليسوا أهلًا للقيام على الأموال وحفظها، وأنفقوا عليهم واكسوهم منها، وقولوا لهم قولًا طيبًا، وعِدُوهم مَوعِدَةً حسنة بأن تعطوهم مالهم إذا بلغوا الرشد وحُسْنَ التصرف.
6 - واختبروا - أيها الأولياء - اليتامى إذا وصلوا سن البلوغ، بإعطائهم جزءًا من مالهم يتصرفون فيه، فإن أحسنوا التصرف فيه، وتبين لكم رشدهم؛ فسلموا إليهم أموالهم كاملة غير منقوصة، ولا تأكلوا أموالهم متجاوزين الحد الذي أباحه الله لكم من أموالهم عند الحاجة، ولا تبادروا بأكلها خشية أن يأخذوها إذا بلغوا، ومن كان منكم له مال يُغْنيه فليمتنع عن الأخذ من مال اليتيم، ومن كان منكم فقيرًا لا مال له فليأكل بقدر حاجته، وإذا سلمتم إليهم أموالهم بعد البلوغ وتبين الرشد منهم؛ فاشهدوا على ذلك التسليم حفظًا للحقوق، ومنعًا لأسباب الاختلاف، وكفى الله شاهدا على ذلك، ومحاسبًا للعباد على أعمالهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأصل الذي يرجع إليه البشر واحد، فالواجب عليهم أن يتقوا ربهم الذي خلقهم، وأن يرحم بعضهم بعضًا.
• أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الضعفة من النساء واليتامى، بأن تكون المعاملة معهم بين العدل والفضل.
• جواز تعدد الزوجات إلى أربع نساء، بشرط العدل بينهن، والقدرة على القيام بما يجب لهن.
• مشروعية الحَجْر على السفيه الذي لا يحسن التصرف, لمصلحته، وحفظًا للمال الذي تقوم به مصالح الدنيا من الضياع.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:24 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (78)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/60.jpg

7 - للرجال حظ مما تركه الوالدان والأقربون كالإخوة والأعمام بعد موتهم، قليلًا كان أو كثيرًا، وللنساء حظ مما تركه هؤلاء؛ خلافًا لما كان عليه أمر الجاهلية من حرمان النساء والأطفال من الميراث، هذا النصيب حق مُبيَّن المقدارِ مفروضٌ من الله تعالى.
8 - وإذا حضر قَسْمَ التركة من لا يرث من الأقارب واليتامى والفقراء؛ فأعطوهم -على سبيل الاستحباب- من هذا المال قبل قسمته ما تطيب به نفوسكم، فهم مُتشوِّفون إليه، وقد جاءكم بلا عناء، وقولوا لهم قولًا حسنًا لا قبح فيه.
9 - وَلْيَخَف الذين لو ماتوا وتركوا خلفهم أولادًا صغارًا ضعافًا، خافوا عليهم من الضياع، فليتقوا الله فيمن تحت ولايتهم من الأيتام بترك ظلمهم، حتى ييسر الله لهم بعد موتهم من يحسن لأولادهم كما أحسنوا هم، وليحسنوا في حق أولاد من يحضرون وصيته بأن يقولوا لهم قولًا مصيبًا للحق بألا يظلم في وصيته حقَّ ورثته من بعده، ولا يحرم نفسه من الخير بترك الوصية.
10 - إن الذين يأخذون أموال اليتامى، ويتصرفون فيها ظلمًا وعدوانًا، إنما يأكلون في أجوافهم نارًا تلتهب عليهم، وستحرقهم النار يوم القيامة.
11 - يعهد الله إليكم ويأمركم في شأن ميراث أولادكم؛ أن الميراث يُقسم بينهم للابن مثل نصيب البنتين، فإن ترك الميّت بنات دون ولد ذكر؛ فللبنتين فأكثر الثلثان مما ترك، وإن كانت بنتًا واحدة فلها نصف ما ترك، ولكل واحد من أبوي الميّتِ سدس ما ترك؛ إن كان له ولد ذكرًا كان أو أنثى، وإن لم يكن له ولد وله وارث له غير أبويه؛ فللأم الثلث، وباقي الميراث لأبيه، وإن كان للميّتِ إخوة اثنان فأكثر ذكورًا كانوا أو إناثًا أشقاء أو غير أشقاء؛ فلأمه السدس فرضًا، والباقي للأب تعصيبًا، ولا شيء للإخوة، ويكون هذا القسم للميراث بعد تنفيذ الوصية التي أوصى بها الميِّت بشرط ألا تزيد وصيته عن ثلث ماله، وبشرط قضاء الدَّين الذي عليه، وقد جعل الله تعالى قسمة الميراث على هذا؛ لأنكم لا تدرون مَنْ مِن الآباء والأبناء أقرب لكم نفعًا في الدنيا والآخرة، فقد يظن الميتُ بأحد ورثته خيرًا؛ فيعطيه المال كله، أو يظن به شرًّا فيحرمه منه، وقد يكون الحال خلاف ذلك، والذي يعلم ذلك كله هو الله الذي لا يخفى عليه شي، ولذلك قسم الميراث على ما بيَّن، وجعله فريضة منه واجبة على عباده، إن الله كان عليمًا لا يخفى عليه شيء من مصالح عباده، حكيمًا في شرعه وتدبيره.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• دلَّت أحكام المواريث على أن الشريعة أعطت الرجال والنساء حقوقهم مراعيةً العدل بينهم وتحقيق المصلحة بينهم.
• التغليظ الشديد في حرمة أموال اليتامى، والنهي عن التعدي عليها، وعن تضييعها على أي وجه كان.
• لمَّا كان المال من أكثر أسباب النزاع بين الناس تولى الله تعالى قسمته في أحكام المواريث.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:27 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (79)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/61.jpg

12 - ولكم - أيها الأزواج - نصف ما تركت زوجاتكم؛ إن لم يكن لهن ولد -ذكرًا كان أو أنثى- منكم أو من غيركم، فإن كان لهن ولد -ذكرًا كان أو أنثى- فلكم الربع مما تركن من المال يقسم لكم ذلك بعد تنفيذ وصيتهن، وقضاء ما عليهن من دين.
وللزوجات الربع مما تركتم - أيها الأزواج - إن لم يكن لكم ولد -ذكرًا كان أو أنثى- منهن أو من غيرهن، فإن كان لكم ولد -ذكرًا كان أو أنثى- فلهن الثمن مما تركتم، يُقسم لهن ذلك بعد تنفيذ وصيتكم، وقضاء ما عليكم من دَين. وإن مات رجل ليس له والد ولا ولد أو ماتت امرأة ليس لها والد ولا ولد، وكان للميت منهما أخ لأم أو أخت لأم؛ فلكل واحد من أخيه لأمه أو أخته لأمه السدس فرضًا، فإن كان الإخوة لأم أو الأخوات لأم أكثر من واحد؛ فلجميعهم الثلث فرضًا يشتركون فيه، يستوي في ذلك ذكرهم وأنثاهم، وإنما يأخذون نصيبهم هذا بعد تنفيذ وصية الميت، وقضاء ما عليه من دَين، بشرط أن تكون وصيته لا تُدْخِل الضرر على الورثة؛ كان تكون وصية بأكثر من ثلث ماله، هذا الحكم الذي تضمَّنته الآية عهد من الله إليكم أوجبه عليكم، والله عليم بما يصلح عباده في الدنيا والآخرة، حليم لا يعاجل العاصي بالعقوبة.

13 - تلك الأحكام المذكورة في شأن اليتامى وغيرهم، شرائعُ الله التي شرعها لعباده ليعملوا بها، ومن يطع الله ورسوله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ يدخله الله جنات تجري الأنهار من تحت قصورها، ماكثين فيها لا يلحقهم فناء، وذلك الجزاء الإلهي هو الفلاح العظيم الذي لا يضاهيه فلاح.
14 - ومن يعص الله ورسوله بتعطيل أحكامه وترك العمل بها، أو الشك فيها، ويتجاوز حدود ما شرعه؛ يدخله نارًا ماكثًا فيها، وله فيها عذاب مُذِلٍّ.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• لا تُقْسم الأموال بين الورثة حتى يُقضى ما على الميت من دين، ويخرج منها وصيته التي لا يجوز أن تتجاوز ثلث ماله.
• التحذير من التهاون في قسمة المواريث؛ لأنها عهدُ الله ووصيته لعباده المؤمنين؛ فلا يجوز تركها أو التهاون فيها.
من علامات الإيمان امتثال أوامر الله، وتعظيم نواهيه، والوقوف عند حدوده.
• من عدل الله تعالى وحكمته أن من أطاعه وعده بأعظم الثواب، ومن عصاه وتعدَّى حدوده توعده بأعظم العقاب.

ابو وليد البحيرى
2019-09-09, 03:31 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (80)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/62.jpg



15 - واللاتي يرتكبن فاحشة الزنى من نسائكم محصنات وغير محصنات فاستشهدوا عليهن أربعة رجال مسلمين عدول، فإن شهدوا عليهن بارتكابها فاحبسوهن في البيوت عقوبة لهن، حتى تنقضي حياتهن بالموت، أو يجعل الله لهن طريقًا غير طريق الحبس. ثم بَيّن الله السبيل لهم بعد ذلك، فشرع جلد البكر الزانية مئة جلدة وتغريب عام، ورجم المُحصَنة.
16 - واللذان يرتكبان فاحشة الزنى من الرجال -مُحْصَنيْن أو غير محصَنَيْن- فعاقبوهما باللسان واليد بما يحقق الإهانة والزجر، فإن أقلعا عمَّا كانا عليه، وصلحت أعمالهما؛ فأعرضوا عن أذاهما؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، إن الله كان توابًا على من تاب من عباده رحيمًا بهم.
والاكتفاء بهذا النوع من العقاب كان في أول الأمر، ثم نُسِخ بعد ذلك بجلد البكْر وتغريبه، وبرجم المُحصَن.

17 - إنما يقبل الله توبة الذين أقدموا على ارتكاب الذنوب والمعاصي بجهل منهم لعاقبتها وشؤمها -وهذا شأن كل مرتكبِ ذنبٍ متعمدًا كان أو غير متعمد- ثم يرجعون منيبين إلى ربهم قبل معاينة الموت، فأولئك يقبل الله توبتهم، ويتجاوز عن سيئاتهم، وكان الله عليمًا بأحوال خلقه، حكيمًا في تقديره وتشريعه.
18 - ولا يقبل الله توبة الذين يُصرُّون على المعاصي، ولا يتوبون منها إلى أن يعانوا سكرات الموت، فعندئذ يقول الواحد منهم: إني تبت الآن مما ارتكبته من المعاصي. ولا يقبل الله - كذلك - توبة الذين يموتون وهم مُصِرُّون على الكفر، أولئك العصاة المُصِرُّون على المعاصي، والذين يموتون وهم على كفرهم؛ أعددنا لهم عذابًا أليمًا.
19 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله , لا يجوز لكم أن ترثوا نساء آبائكم كما يُورثُ المال وتتصرفوا فيهن بالزواج بهن، أو تزويجهن ممن تشاؤون، أو منعهن من الزواج. ولا يجوز لكم إمساك أزواجكم اللاتي تكرهونهن للإضرار بهن، حتى يتنازلن لكم عن بعض ما أعطيتموهن من مهر وغيره، إلا أن يرتكبن فاحشة واضحة كالزنى، فإذا فعلن ذلك جاز لكم إمساكهن والتضييق عليهن حتى يفتدين منكم بما أعطيتموهن، وصاحبوا نساءكم صحبة طيبة، بكف الأذى وبذل الإحسان، فإن كرهتموهن لأمر دنيوي فاصبروا عليهن؛ فلعل الله يجعل فيما تكرهون خيرًا كثيرًا في الحياة الدنيا والآخرة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ارتكاب فاحشة الزنى من أكثر المعاصي خطرًا على الفرد والمجتمع؛ ولهذا جاءت العقوبات عليها شديدة.
• لُطْف الله ورحمته بعباده حيث فتح باب التوبة لكل مذنب، ويسَّر له أسبابها، وأعانه على سلوك سبيلها.
• كل من عصى الله تعالى بعمد أو بغير عمد فهو جاهل بقدر من عصاه جل وعلا، وجاهل بآثار المعاصي وشؤمها عليه.
• من أسباب استمرار الحياة الزوجية أن يكون نظر الزوج متوازنًا، فلا يحصر نظره فيما يكره، بل ينظر

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 02:50 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (81)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/97.jpg
أيضا إلى ما فيه من خير وقد يجعل الله فيه خيرًا كثيرًا.

20 - وإن أردتم -أيها الأزواج- تطليق امرأة، واستبدال غيرها بها؛ فلا حرج عليكم في ذلك، وإن كنتم أعطيتم التي عزمتم على فراقها مالًا كثيرًا مهرًا لها؛ فلا يجوز لكم أخذ شيء منه، فإنَّ أَخْذ ما أعطيتموهن يُعدُّ افتراءً مبينًا وإثمًا واضحًا!
21 - وكيف تأخذون ما أعطيتموهن من المهر بعد الذي حصل بينكم من علاقة ومودة واستمتاع واطلاع على الأسرار، فإن الطمع بما في أيديهن من مال بعد هذا أمر مُنكَر ومستقبَح، وقد أخذن منكم عهدًا موثَّقًا شديدًا، وهو استحلالهن بكلمة الله تعالى وشرعه.
22 - ولا تنزوَّجوا ما تزوجه آباؤكم من النساء؛ فإن ذلك محرَّم، إلا ما سبق من ذلك قبل الإسلام فلا مؤاخذة عليه، ذلك أن تزوج الأبناء من زوجات آبائهم أمر يعظم قُبْحُه، وسبب غضب الله على فاعله، وساء طريقًا لمن سلكها.
23 - حَرَّم الله عليكم نكاح أمهاتكم وإن عَلَوْن؛ أي أم الأم وجدتها من جهة الأب أو الأم، وبناتكم وإن نزلن؛ أي بنتها وبنت بنتها، وكذلك بنات الابن وبنات البنت وإن نزلن، وأخواتكم من أبويكم أو من أحدهما، وعماتكم، وكذلك عمات آبائكم وأمهاتكم وإن عَلَوْن، وخالاتكم، وكذلك خالات أمهاتكم وآبائكم وإن علَوْن، وبنات الأخ وبنات الأخت، وأولادهن وإن نزلوا، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات زوجاتكم سواء دخلتم بهن أو لم تدخلوا بهن، وبنات زوجاتكم من غيركم اللاتي ينشأن ويتربين في بيوتكم غالبًا، وكذلك إذا لم يتربين فيها، إن كنتم دخلتم بأمهاتهن، وأما إذا لم تدخلوا بهن فلا حرج عليكم في نكاح بناتهن، وحرم عليكم نكاح زوجات أبنائكم الذين من أصلابكم، ولو لم يدخلوا بهن، ويدخل في هذا الحكم زوجات أبنائكم من الرضاعة، وحرم عليكم الجمع بين الأختين من النسب أو الرضاعة إلا ما مضى من ذلك في الجاهلية فقد عفا الله عنه، إن الله كان غفورًا لعباده التائبين إليه، رحيمًا بهم. وثبت في السُّنَّة تحريم الجمع كذلك بين المرأة وعمتها أو خالتها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إذا دخل الرجل بامرأته فقد ثبت مهرها، ولا يجوز له التعدي عليه أو الطمع فيه، حتى لو أراد فراقها وطلاقها.
• حَرَّم الله تعالى نكاح زوجات الآباء؛ لأنه فاحشة تمقتها العقول الصحيحة والفطر السليمة.
• بيَّن الله تعالى بيانًا مفصلًا من يحل نكاحه من النساء ومن يحرم، سواء أكان بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع، تعظيمًا لها، وصيانة لها من الاعتداء.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 02:53 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (82)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/98.jpg




24 - وحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء، إلا ما ملكتموهن بالسبي في الجهاد في سبيل الله، فيحل لكم وطؤهن بعد استبراء أرحامهن بحيضة، فرض الله ذلك عليكم فرضًا، وأحل الله ما عدا ذلكم من النساء، أن تطلبوا بأموالكم إحصان أنفسكم وإعفافها بالحلال غير قاصدين الزنى، فمن تمتعتم بهن بالنكاح فأعطوهن مهورهن التي جعلها الله فريضة واجبة عليكم، ولا إثم عليكم فيما وقع عليه تراضيكم من بعد تحديد المهر الواجب من زيادة عليه أو مسامحة في بعضه، إن الله كان عليمًا بخلقه لا يخفى عليه منهم شيء، حكيمًا في تدبيره وتشريعه.
25 - ومن لم يستطع منكم - أيها الرجال - لقلة ماله أن يتزوج الحرائر من النساء جاز له نكاح الإماء المملوكات لغيركم، إن كن مؤمنات فيما يظهر لكم، والله أعلم بحقيقة إيمانكم وبواطن أحوالكم، وأنتم وهنَّ سواء في الدين والإنسانية، فلا تَسْتنكِفوا عن الزواج منهن، فتزوجوهن بإذن مالكيهن، وآتوهن مهورهن دون نقص أو مماطلة، هذا إن كن عفيفات غير زانيات علنًا، ولا متخذات أَخِلَاء للزنى بهن سرًّا، فإذا تزوجن، ثم ارتكبن فاحشة الزنى فحدُّهن نصف عقوبة الحرائر: خمسين جلدة، ولا رجم عليهن، بخلاف المحصنات من الحرائر إذا زنين. ذلك المذكور من إباحة نكاح الإماء المؤمنات العفيفات رخصة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنى، ولم يقدر على الزواج من الحرائر، على أن الصبر عن نكاح الإماء أولى؛ لتجنيب الأولاد الاسترقاق، والله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم، ومن رحمته أن شرع لهم نكاح الإماء حال العجز عن نكاح الحرائر عند خشية الزنى.
26 - يريد الله سبحانه بتشريعه هذه الأحكام لكم أن يبين لكم معالم شرعه ودينه، وما فيه مصالحكم في الدنيا والآخرة، ويريد أن يرشدكم إلى طرق الأنبياء من قبلكم في التحليل والتحريم، وشمائلهم الكريمة، وسيرهم الحميدة لتتبعوهم، ويريد أن يرجع بكم عن معصيته إلى طاعته، والله عليم بما فيه مصلحة عباده فيشرعه لهم، حكيم في تشريعه وتدبيره لشؤونهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• حُرْمة نكاح المتزوجات: حرائر أو إماء حتى تنقضي عدتهن أيًا كان سبب العدة.
• أن مهر المرأة يتعين بعد الدخول بها، وجواز أن تحط بعض مهرها إذا كان بطيب نفس منها.
• جواز نكاح الإماء المؤمنات عند عدم القدرة على نكاح الحرائر؛ إذا خاف على نفسه الوقوع في الزنى.
• من مقاصد الشريعة بيان الهدى والضلال، وإرشاد الناس إلى سنن الهدى التي تردهم إلى الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 02:57 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (83)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/99.jpg

27 - والله يريد أن يتوب عليكم، ويتجاوز عن سيئاتكم، ويريد الذين يسيرون خلف ملذاتهم، أن تبعدوا عن طريق الاستقامة بُعدًا شديدًا.
28 - يريد الله أن يخفف عنكم فيما شرع، فلا يكلفكم ما لا تطيقون؛ لأنه عالم بضعف الإنسان في خَلْقه وخُلُقه.
29 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبَعوا رسوله، لا يأخذ بعضكم مال بعض بالباطل، كالغصب والسرقة والرشوة وغيرها، إلا أن تكون الأموال أموال تجارة صادرة عن تراضي المتعاقدين، فيحل لكم أكلها والتصرف فيها، ولا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل أحدكم نفسه، ولا يُلْقِ بها إلى التهلكة، إن الله كان بكم رحيمًا، ومن رحمته حَرَّم دمائكم وأموالكم وأعراضكم.
30 - ومن يفعل ذلك الذي نهيتكم عنه فيأكل مال غيره أو يتعدى عليه بقتل ونحوه عالمًا متعديًا لا جاهلًا أو ناسيًا؛ فسيدخله الله نارًا عظيمة يوم القيامة، يعاني حرها، ويقاسي عذابها، وكان ذلك على الله هينًا؛ لأنه قادر لا يعجزه شيء.
31 - إن تبتعدوا -أيها المؤمنون- عن فعل كبائر المعاصي مثل الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وأكل الربا؛ نتجاوز عما ترتكبونه من صغائرها بتكفيرها ومحوها، وندخلكم مكانًا كريمًا عند الله، وهو الجنة.
32 - ولا تتمنَّوا -أيها المؤمنون- ما فضل الله به بعضكم على بعض؛ لئلا يؤدي إلى السخط والحسد، فلا ينبغي للنساء أن يرتجين ما خص الله به الرجال فإن لكل فريق حظًّا من العمل الذي يلائمه، واطلبوا مِن الله أن يزيدَكم مِن عطائه؛ إن الله عليم بكل شيء؛ فأعطى كل نوع ما يناسبه من العمل.
33 - ولكل واحد منكم جعلنا له عَصَبَة يرثون مما ترك الوالدان والأقربون من ميراث. والذين عقدتم معهم الأيمان المؤكدة على الحِلْف والنصرة فأعطوهم نصيبهم من الميراث، إن الله كان على كل شيء شهيدًا، ومن ذلك شهادته على أيمانكم وعهودكم هذه، والتوارث بالحِلْف كان في صدر الإسلام، ثم نُسِخ.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• سعة رحمة الله بعباده؛ فهو سبحانه يحب التوبة منهم، والتخفيف عنهم، وأما أهل الشهوات فإنما يريدون بهم ضلالًا عن الهدى.
• حفظت الشريعة حقوق الناس؛ فحرمت الاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض، ورتبت أعظم العقوبة على ذلك.
• الابتعاد عن كبائر الذنوب سبب لدخول الجنة ومغفرة للصغائر.
• الرضا بما قسم الله، وترك التطلع لما في يد الناس؛ يُجنب المرء الحسد والسخط على قدر الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 03:00 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (84)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/100.jpg
34 - شؤونهن، بسبب ما خصَّهم الله به من الفضل عليهن، وبسبب ما يجب عليهم من النفقة والقيام عليهن، والصالحات من النساء مطيعات لربهن، مطيعات لأزواجهن، حافظات لهم في غيبتهم بسبب توفيق الله لهن، واللاتي تخافون ترفُّعهن عن طاعة أزواجهن في قول أو فعل، فابدؤوا -أيها الأزواج- بتذكيرهن وتخويفهن من الله، فإن لم يستجبن فاهجروهن في الفراش، بأن يوليها ظهره، ولا يجامعها، فإن لم يستجبن فاضربوهن ضربًا غير مبرِّح، فإن رجعن إلى الطاعة؛ فلا تعتدوا عليهن بظلم أو معاتبة، إن الله كان ذا علوٍّ على كل شيء، كبيرًا في ذاته وصفاته فخافوه.
35 - وإن خفتم -يا أولياء الزوجين- أن يصل الخلاف بينهما إلى العداوة والتدابر، فابعثوا رجلًا عدلًا من أهل الزوج، ورجلًا عدلًا من أهل الزوجة؛ ليحكما بما فيه المصلحة من التفريق أو التوفيق بينهما، والتوفيق أحب وأولى، فإن أرا ده الحَكَمان وسلكا الأسلوب الأمثل إليه يوفق الله بين الزوجين، ويرتفع الخلاف بينهما، إن الله لا يخفى عليه شيء من عباده، وهو عليم بدقائق ما يخفونه في قلوبهم.
36 - واعبدوا الله وحده بالانقياد له، ولا تعبدوا معه سواه، وأحسنوا إلى الوالدين بإكرامهما وبرِّهما، وأحسنوا إلى الأقارب واليتامى والفقراء، وأحسنوا إلى الجار ذي القرابة، والجار الذي لا قرابة له، وأحسنوا إلى الصاحب المرافق لكم، وأحسنوا إلى المسافر الغريب الذي انقطعت به السبل، وأحسنوا إلى مماليككم، إن الله لا يحب من كان معجبًا بنفسه، متكبرًا على عباده، مادحًا لنفسه على وجه الفخر على الناس.
37 - ولا يحب الله الذين يمنعون ما أوجب الله عليهم من الإنفاق مما أعطاهم من رزقه، ويأمرون بقولهم وفعلهم غيرَهم بذلك، ويخفون ما آتاهم الله من فضله من الرزق والعلم وغيره، يبينون للناس الحق، بل يكتمونه، ويظهرون الباطل، وهذه الخصال من خصال الكفر، وقد هيأنا للكافرين عذابًا مخزيًا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ثبوت قِوَامة الرجال على النساء بسبب تفضيل الله لهم باختصاصهم بالولايات، وبسبب ما يجب عليهم من الحقوق، وأبرزها النفقة على الزوجة.
• التحذير من البغي وظلم المرأة في التأديب بتذكير العبد بقدرة الله عليه وعلوه سبحانه.
• التحذير من ذميم الأخلاق، كالكبر والتفاخر والبخل وكتم العلم وعدم تبيينه للناس.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 03:03 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (85)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/101.jpg



38 - وهيأنا العذاب كذلك للذين ينفقون أموالهم من أجل أن يراهم الناس ويمدحوهم، وهم لا يؤمنون بالله، ولا بيوم القيامة؛ أعددنا لهم ذلك العذاب المخزى، وما أضلهم إلا متابعتهم للشيطان، ومن يكن الشيطان له صاحبًا ملازمًا فساء صاحبًا.
39 - وماذا يضر هؤلاء لو أنهم آمنوا بالله حقًّا وبيوم القيامة، وأنفقوا أموالهم في سبيل الله مخلصين له؟! بل في ذلك الخير كله، وكان الله بهم عليمًا، لا يخفى عليه حالهم، وسيجازي كلًّا بعمله.
40 - إن الله تعالى عدل لا يظلم عباده شيئًا، فلا ينقص من حسناتهم مقدار نملة صغيرة، ولا يزيد في سيئاتهم شيئًا، وإن تكن زنة الذرَّة حسنة يضاعف ثوابها فضلًا منه، ويؤت من عنده مع المضاعفة ثوابًا عظيمًا.
41 - فكيف يكون الأمر يوم القيامة حين نجيء بنبي كل أمة يشهد عليها بما عملت، ونجيء بك -أيها الرسول- على أمتك شاهدًا؟!
42 - في ذلك اليوم العظيم يود الذين كفروا بالله وعصوا رسوله لو صاروا ترابًا فكانوا سواءً هم والأرض، ولا يُخفون عن الله شيئًا مما عملوا؛ لأن الله يختم على ألسنتهم فلا تنطق، ويأذن لجوارحهم فتشهد عليهم بعملهم.
43 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، لا تصلُّوا وأنتم في حال سكر حتى تصحوا من سكركم، وتميزوا ما تقولون -وكان هذا قبل تحريم الخمر مطلقًا- ولا تصلُّوا وأنتم في حال جنابة، ولا تدخلوا المساجد في حالها إلا مُجْتازين دون بقاء فيها؛ حتى تغتسلوا، وإن أصابكم مرض لا يمكن استعمال الماء معه، أو كنتم مسافرين، أو أحدث أحدكم، أو جامعتم النساء؛ فلم تجدوا ماءً -فاقصدوا ترابًا طاهرًا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، إن الله كان عفوًّا عن تقصيركم، غفورًا لكم.
44 - ألم تعلم -أيها الرسول- أمر اليهود الذين أعطاهم الله حظًّا من العلم بالتوراة يستبدلون الضلال بالهدى، وهم حريصون على إضلالكم -أيها المؤمنون- عن الصراط المستقيم الذي جاء به الرسول؛ لتسلكوا طريقهم المعْوجّ؟!

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من كمال عدله تعالى وتمام رحمته أنه لا يظلم عباده شيئًا مهما كان قليلًا، ويتفضل عليهم بمضاعفة حسناتهم.
• من شدة هول يوم القيامة وعظم ما ينتظر الكافر يتمنى أن يكون ترابًا.
• الجنابة تمنع من الصلاة والبقاء في المسجد، ولا بأس من المرور به دون مُكْث فيه.
• تيسير الله على عباده بمشروعية التيمم عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 03:06 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (86)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/102.jpg



45 - والله -عز وجل- أعلم منكم بأعدائكم -أيها المؤمنون- فأخبركم بهم وبيَّن لكم عداوتهم، وكفى بالله وليًّا يحفظكم من بأسهم، وكفى بالله نصيرًا يمنعكم من كيدهم وأذاهم وينصركم عليهم.
46 - من اليهود قوم سوء يغيرون الكلام الذي أنزله الله، فيُؤوِّلونه على غير ما أنزل الله، ويقولون للرسول - صلى الله عليه وسلم - حين يأمرهم بأمر: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، ويقولون مستهزئين: اسمع ما نقول لا سَمِعْتَ؛ ويوهمون بقولهم: "راعنا" أنهم يريدون: راعنا سمعك، وإنما يريدون الرعونة؛ يلوون بها ألسنتهم، يريدون الدعاء عليه - صلى الله عليه وسلم -، ويقصدون القدح في الدين، ولو أنهم قالوا: سمعنا قولك، وأطعنا أمرك، بدلًا من قولهم: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، وقالوا: اسمع، بدل قولهم: اسمع لا سمعت، وقالوا: انتظرنا نفهم عنك ما تقول، بدل قولهم: راعنا؛ لكان ذلك خيرًا لهم مما قالوه أولًا، وأعدل منه؛ لما فيه من حسن الأدب اللائق بجناب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لعنهم الله، فطردهم من رحمته بسبب كفرهم، فلا يؤمنون إيمانًا ينفعهم.
47 - يا أيها الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى، آمنوا بما أنزلنا على محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي جاء مصدقًا لما معكم من التوراة والإنجيل، من قبل أن نمحو ما في الوجوه من الحواس، ونجعلها ناحية أدبارهم، أو نطردهم من رحمة الله كما طردنا منها أصحاب السبت الذين اعتدوا بالصيد فيه بعد نهيهم عنه، فمسخهم الله قردة، وكان أمره تعالى وقدره واقعًا لا محالة.
48 - إن الله لا يغفر أن يُشرك به شيء من مخلوقاته، ويتجاوز عما دون الشرك والكفر من المعاصي لمن يشاء بفضله، أو يعذب بها من شاء منهم بقدر ذنوبهم بعدله، ومن يُشرك مع الله غيره فقد اختلق إثمًا عظيمًا لا يُغفر لمن مات عليه.
4 - ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك الذين يثنون ثناء تزكية على أنفسهم وأعمالهم؟ بل الله وحده هو الذي يثني على من شاء من عباده ويزكيهم؛ لأنه عالم بخفايا القلوب، ولن ينقصوا شيئًا من ثواب أعمالهم ولو كان قدر الخيط الذي في نواة التمر.

50 - انظر أيها الرسول كيف يختلقون على الله الكذب بثنائهم على أنفسهم! وكفى بذلك ذنبًا مبينًا عن ضلالهم.
60 - ألم تعلم -أيها الرسول- وتتعجب من حال اليهود الذين آتاهم الله حظًّا من العلم، يؤمنون بما اتخذوه من معبودات من دون الله، ويقولون -مصانعةً للمشركين-: إنهم أهدى طريقًا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -؟!

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• كفاية الله للمؤمنين ونصره لهم تغنيهم عما سواه.
• بيان جرائم اليهود، كتحريفهم كلام الله، وسوء أدبهم مع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتحاكمهم إلى غير شرعه سبحانه.
• بيان خطر الشرك والكفر، وأنه لا يُغْفر لصاحبه إذا مات عليه، وأما ما دون ذلك فهو تحت مشيئة الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 03:09 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (87)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/103.jpg




52 - أولئك الذين يعتقدون هذا الاعتقاد الفاسد هم الذين طردهم الله من رحمته، ومن يطرده الله فلن تجد له نصيرًا يتولاه.
53 - ليس لهم نصيبٌ من الملك، ولو كان لهم هذا لَمَا أعطوا أحدًا منه شيئًا، ولو كان قدر النقطة التي في ظهر نواة التمر.
54 - بل يحسدون محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على ما آتاهم الله من النبوة والايمان والتمكين في الأرض. فَلِمَ يحسدونهم وقد سبق أن آتينا ذرية إبراهيم الكتاب المنزل، وما أوحيناه اليهم سوى الكتاب، وآتيناهم ملكًا واسعًا على الناس؟!
55 - من أهل الكتاب من آمن بما أنزل الله على إبراهيم -عليه السلام- وعلى أنبيائه من زريته، ومنهم من أعرض عن الإيمان به، وهذا موقفهم مما أُنزِل على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، والنار هي العذاب المكافئ لمن كفر منهم.
56 - إن الذين كفروا بآياتنا سوف ندخلهم يوم القيامة نارًا تحيط بهم، كلما أحرقت جلودهم بدلناهم جلودًا أخرى غيرها؛ ليستمر عليهم العذاب، إن الله كان عزيزًا لا يغالبه شيء، حكيمًا فيما يدبره ويقضي به.
57 - والذين آمنوا بالله واتبعوا رسله، وعملوا الطاعات سندخلهم يوم القيامة جنات تجري من تحت قصورها الأنهار، ماكثين فيها أبدًا، لهم في هذه الجنات زوجات مطهرات من كل قذر، وسندخلهم ظلًّا ممتدًا كثيفًا لا حر فيه ولا برد.
58 - إن الله يأمركم أن توصلوا كل ما ائتمنتم عليه إلى أصحابه، ويأمركم إذا قضيتم بين الناس أن تقسطوا ولا تميلوا وتجوروا في الحكم، إن الله نِعْم ما يُذَكِّرُكم به ويرشدكم إليه في كل أحوالكم، إن الله كان سميعًا لأقوالكم، بصيرًا بأفعالكم.
59 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، أطيعوا الله وأطيعوا رسوله، بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى، وأطيعوا ولاة أموركم ما لم يأمروا بمعصية، فإن اختلفتم في شيء فارجعوا فيه إلى كتاب الله وسُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك الرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة خير من التمادي في الخلاف والقول بالرأي، وأحسن عاقبة لكم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعظم أسباب كفر أهل الكتاب حسدهم المؤمنين على ما أنعم الله به عليهم من النبوة والتمكين في الأرض.
• الأمر بمكارم الأخلاق من المحافظة على الأمانات، والحكم بالعدل.
• وجوب طاعة ولاة الأمر ما لم يأمروا بمعصية، والرجوع عند التنازع إلى حكم الله ورسوله تحقيقًا لمعنى الإيمان.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 03:12 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (88)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/104.jpg




60 - ألم ترَ -أيها الرسول- تناقض المنافقين من اليهود الذين يَدَّعون كذبًا أنهم آمنوا بما أُنزِل عليك وما أُنزِل على الرسل من قبلك، يريدون أن يتحاكموا في نزاعاتهم إلى غير شرع الله مما وضعه البشر، وقد أمروا أن يكفروا بذلك. ويريد الشيطان أن يبعدهم عن الحق إبعادًا شديدًا لا يهتدون معه.
61 - وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: تعالوا إلى ما أنزل الله في كتابه من الحكم، وإلى الرسول ليحكم بينكم في خصامكم، رأيتهم -أيها الرسول- يعرضون عنك إلى التحاكم إلى غيرك إعراضًا تامًّا.
62 - فكيف يكون حال المنافقين إذا حدثت لهم مصائب بسبب ما ارتكبوه من الذنوب، ثم جاؤوك -أيها الرسول- معتذرين إليك يحلفون بالله: ما قصدنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان والتوفيق بين المتنازعين؟! وهم كاذبون في ذلك؛ فإن الإحسان هو في تحكيم شرع الله على عباده.
63 - أولئك الذين يعلم الله ما يضمرون في قلوبهم من النفاق والقصد الرديء، فاتركهم -أيها الرسول- وأعرض عنهم، وبيِّن لهم حكم الله مرغبًا ومرهِّبًا وقل لهم قولًا بالغًا بلوغًا شديدًا متغلغلًا في نفوسهم.
64 - وما أرسلنا من رسول إلا لأجل أن يُطاع فيما يأمر به بمشيئة الله وتقديره، ولو أنهم حين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي جاؤوك -أيها الرسول- في حياتك مُقِرِّين بما ارتكبوه نادمين تائبين، وطلبوا المغفرة من الله، وطلبتَ المغفرة لهم؛ لوجدوا الله توابًا عليهم رحيمًا بهم.
65 - فليس الأمر كما زعم هؤلاء المنافقون. ثم أقسم الله بذاته -عز وجل- أنهم لا يكونون مصدقين حقًّا حتى يتحاكموا إلى الرسول في حياته والى شرعه بعد وفاته في كل ما يحصل بينهم من خلافٍ، ثم يرضون بحكم الرسول، ولا يكون في صدورهم ضيق منه ولا شك فيه، ويُسلِّموا تسليمًا تامًّا بانقياد ظواهرهم وبواطنهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الاحتكام إلى غير شرع الله والرضا به مناقض للإيمان بالله تعالى، ولا يكون الإيمان التام إلا بالاحتكام إلى الشرع، مع رضا القلب والتسليم الظاهر والباطن بما يحكم به الشرع.
• من أبرز صفات المنافقين عدم الرضا بشرع الله، وتقديم حكم الطواغيت على حكم الله تعالى.
• النَّدْب إلى الإعراض عن أهل الجهل والضلالات، مع المبالغة في نصحهم وتخويفهم من الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 03:15 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (89)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/105.jpg




66 - 68 - ولو أنا فرضنا عليهم قَتْل بعضهم بعضًا، أو الخروج من ديارهم؛ ما امتثل أمرنا منهم إلا عدد قليل، فليحمدوا الله أنه لم يكلفهم ما يشق عليهم، ولو أنهم فعلوا ما يذكرون به من طاعة الله لكان خيرًا من المخالفة، وأشد رسوخًا لإيمانهم، ولآتيناهم من عندنا ثوابًا عظيمًا، ولوفقناهم إلى الطريق الموصل إلى الله وجنته.
69 - ومن يطع الله والرسول فهو مع من أنعم الله عليهم بدخول الجنة من الأنبياء والصديقين الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، وعملوا به، والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، والصالحين الذين صلحت ظواهرهم وبواطنهم فصلحت أعمالهم، ما أحسن أولئك من رفقاء في الجنة.
70 - ذلك الثواب المذكور تَفَضَّل من الله على عباده، وكفى بالله عليمًا بأحوالهم، وسيجازي كلًّا بعمله.
71 - يا أيها الدين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، خذوا الحذر من أعدائكم باتخاذ الأسباب المعينة على قتالهم، فأخرجوا إليهم جماعة بعد جماعة، وأخرجوا إليهم جميعًا، كل ذلك حسب ما فيه مصلحتكم، وما فيه النكاية بأعدائكم.
72 - وإنَّ منكم - أيها المسلمون - أقوامًا يتباطؤون عن الخروج لقتال أعدائكم لجبنهم، ويبطِّئون غيرهم، وهم المنافقون وضعيفو الإيمان، فإن نالكم قتل أو هزيمة قال أحدهم فرحًا بسلامته: قد تفضل الله علي فلم أحضر القتال معهم فيصيبني ما أصابهم.
73 - ولئن نالكم -أيها المسلمون- فضل من الله بنصر أو غنيمة ليقولَنَّ هذا المتخلف عن الجهاد: كأنه ليس منكم ولم تكن بينكم وبينه محبة وصحبة: يا ليتني كنت معهم في قتالهم هذا فأظفر بعظيم ما ظفروا به.
74 - فليقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، المؤمنون الصادقون الذين يبيعون الحياة الدنيا رغبة عنها، بالآخرة رغبة فيها، ومن يقاتل في سبيل الله لتكون كلمته هي العليا فيُقتلْ شهيدًا، أو يظهَرْ على عدوه، ويظفر به، فسيعطيه الله ثوابًا عظيمًا، وهو الجنة ورضوان الله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• فعل الطاعات من أهم أسباب الثبات على الدين.
• أخذ الحيطة والحذر باتخاذ جميع الأسباب المعينة على قتال العدو، لا بالقعود والتخاذل.
• الحذر من التباطؤ عن الجهاد وتثبيط الناس عنه؛ لأن الجهاد أعظم أسباب عزة المسلمين ومنع تسلط العدو عليهم.

ابو وليد البحيرى
2019-09-20, 03:17 PM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (90)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/106.jpg



75 - وما المانع لكم -أيها المؤمنون- من الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، ولاستنقاذ المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال الذين يدعون الله قائلين: يا ربنا، أخرجنا من مكة لظلم أهلها بالشرك بالله والاعتداء على عباده، واجعل لنا من عندك من يتولى أمرنا بالرعاية والحفظ، ونصيرًا يدفع عنا الضر.
76 - المؤمنون الصادقون يقاتلون في سبيل الله لإعلاء كلمته، والكافرون يقاتلون في سبيل آلهتهم، فقاتلوا أعوان الشيطان، فإنكم إن قاتلتموهم غلبتموهم؛ لأن تدبير الشيطان كان ضعيفًا لا يضر المتوكلين على الله تعالى.
77 - ألم تعلم -أيها الرسول- شأن بعض أصحابك الذين سألوا أن يُفرض عليهم الجهاد، فقيل لهم: امنعوا أيديكم عن القتال، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة -وكان ذلك قبل فرض الجهاد- فلما هاجروا إلى المدينة، وصار للإسلام منعة، وفُرِض القتال؛ شَقَّ ذلك على بعضهم، فصاروا يخافون الناس كخوفهم من الله أو أشد، وقالوا: يا ربنا، لم فرضت علينا القتال؟ هلَّا أخرته مدة قريبة حتى نتمتع بالدنيا، قل لهم -أيها الرسول-: متاع الدنيا مهما بلغ قليل زائل، والآخرة خير لمن اتقى الله تعالى لدوام ما فيها من النعيم، ولا تُنْقصون من أعمالكم الصالحة أي شيء، ولو كان قَدْر الخيط الذي في نواة التمرة.
78 - حيثما تكونوا يلحقكم الموت إذا حضر أجلكم، ولو كنتم في قصور منيعة بعيدة عن ساحة القتال، وإن يَنَل هؤلاء المنافقين ما يسرهم من ولد ورزق كثير قالوا: هذه من عند الله، وإن يَنَلْهم شدة في ولدٍ أو رزق تشاءموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: هذه السيئة بسببك، قل -أيها الرسول- ردًّا على هؤلاء: كل من السراء والضراء بقضاء الله وقدره، فما لهؤلاء الذين يصدر عنهم هذا القول لا يكادون يفهمون كلامك لهم؟!
79 - ما نالك -يا ابن آدم- مما يسرك من رزق وولد فهو من الله، تفضل به عليك، وما نالك مما يسوؤك في رزقك وولدك فهو من نفسك بسبب ما ارتكبته من المعاصي. وقد بعثناك -أيها النبي- لجميع الناس رسولًا من الله تبلغهم رسالة ربك، وكفى بالله شاهدًا على صدقك فيما تبلغه عنه، بما آتاك من أدلة وبراهين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب القتال لإعلاء كلمة الله ونصرة المستضعفين، وذم الخوف والجبن والاعتراض على أحكام الله.
• الدار الآخرة خير من الدنيا وما فيها من متاع وشهوات لمن اتقى الله تعالى وعمل بطاعته.
• الخير والشر كله بقدر الله، وقد يبتلي الله عباده ببعض السوء في الدنيا لأسباب، منها: ذنوبهم ومعاصيهم.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:13 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (91)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/7.jpg




80 - من يطع الرسول بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه؛ فقد استجاب لأمر الله، ومن أعرض عن طاعتك -أيها الرسول- فلا تحزن عليه، فما أرسلناك مراقبًا عليه تحفظ أعماله، وإنما نحن من يحصي عمله ويحاسبه.
81 - ويقول المنافقون لك بألسنتهم: نطيع أمرك ونمتثله، فإذا خرجوا من عندك دَبَّر جماعة منهم على وجه الخفاء خلاف ما أظهروا لك، والله يعلم ما يدبِّرون، وسيجازيهم على كيدهم هذا، فلا تلتفت لهم؛ فلن يضروك شيئًا، وفوِّض أمرك إلى الله، واعتمد عليه، وكفى بالله وكيلًا تعتمد عليه.
82 - لِمَ لا يتأمل هؤلاء القرآن ويدرسونه حتى يثبت لهم أنه لا يوجد فيه اختلاف ولا اضطراب؟! وحتى يعلموا صدق ما جئت به، ولو كان من عند غير الله تعالى لوجدوا فيه اضطرابًا في أحكامه واختلافًا كثيرًا في معانيه.
83 - وإذا جاء هؤلاء المنافقين أمر مما فيه أمن المسلمين وسرورهم، أو خوفهم وحزنهم؛ أفشوه ونشروه، ولو تأنّوا وأرجعوا الأمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أهل الرأي والعلم والنصح؛ لأدرك أهل الرأي والاستنباط ما ينبغي أن يُعمل بشأنه من نشر أو كتمان، ولولا فضل الله عليكم بالاسلام ورحمته بكم بالقرآن -أيها المؤمنون- فعافاكم مما ابتلى به هؤلاء المنافقين؛ لاتبعتم وساوس الشيطان إلا قليلًا منكم.
84 - فقاتل -أيها الرسول- في سبيل الله لإعلاء كلمته، ولا تُسأل عن غيرك ولا تُلزم به؛ لأنك لا تكلف إلا حمل نفسك على القتال، ورغب المؤمنين في القتال وحثهم عليه، عسى الله أن يدفع بقتالكم قوة الكافرين، والله أشد قوة، وأشد عقوبة.
85 - من يسعى لجلب الخير للغير؛ يكن له حظ من الثواب، ومن يسعى لجلب الشر للغير؛ يكن له حظ من الإثم، وكان الله على كل ما يعمله الإنسان شهيدًا وسيجازيه عليه. فمن كان منكم سببًا في حصول خير فله منه حظ ونصيب، ومن كان سببًا في حصول شر فإنه يناله منه شيء.
86 - وإذا سلَّم عليكم أحدٌ فردوا السلام عليه بأفضل مما سلَّم عليكم، أو ردوا عليه بمثل ما قال، والرد بالأحسن أفضل، إن الله كان على ما تعملون حفيظًا، وسيجازي كلًّا بعمله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تدبر القرآن الكريم يورث اليقين بأنه تنزيل من الله؛ لسلامته من الاضطراب، ويظهر عظيم ما تضمنه من الأحكام.
• لا يجوز نشر الأخبار التي تنشأ عنها زعزعة أمن المؤمنين، أو دب الرعب بين صفوفهم.
• التحدث بقضايا المسلمين والشؤون العامة المتصلة بهم يجب أن يصدر من أهل العلم وأولي الأمر منهم.
• مشروعية الشفاعة الحسنة التي لا إثم فيها ولا اعتداء على حقوق الناس، وتحريم كل شفاعة فيها إثم أو اعتداء.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:17 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (92)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/8.jpg


87 - الله لا معبود بحق غيره، ليجمعنّ أولكم وآخركم يوم القيامة الذي لا شك فيه؛ لمجازاتكم على أعمالكم، ولا أحد أصدق حديثًا من الله.
88 - ما شأنكم -أيها المؤمنون- صرتم فريقيْن مختلفيْن في شأن التعامل مع المنافقين: فريق يقول بقتالهم لكفرهم، وفريق يقول بترك قتالهم لإيمانهم؟! فما كان لكم أن تختلفوا بشأنهم، والله ردهم إلى الكفر والضلال بسبب أعمالهم، أتريدون أن تهدوا من لم يوفقه الله إلى الحق؟! ومن يضلل الله فلن تجد له طريقًا إلى الهداية.
89 - تمنَّى المنافقون لو تكفرون بما أنزل عليكم كما كفروا فتكونون مستوين معهم في الكفر، فلا تتخذوا منهم أولياء لعداوتهم حتى يهاجروا في سبيل الله من دار الشرك إلى بلاد الإسلام دلالة على إيمانهم، فإن أعرضوا واستمروا على حالهم فخذوهم واقتلوهم أينما وجدتموهم، ولا تتخذوا منهم وليًّا يواليكم على أموركم، ولا نصيرًا يعينكم على أعدائكم.
90 - إلا من وصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم عقد مؤكد على ترك القتال، أو من جاؤوكم وقد ضاقت صدورهم فلا يريدون قتالكم ولا قتال قومهم، ولو شاء الله لمكنهم منكم فقاتلوكم، فاقبلوا من الله عافيته، ولا تتعرضوا لهم بقتل ولا أسر، فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم، وانقادوا إليكم مصالحين تاركين قتالكم، فما جعل الله لكم عليهم طريقًا بقتلهم أو أسرهم.
91 - ستجدون -أيها المؤمنون- فريقًا آخر من المنافقين يظهرون لكم الإيمان ليأمنوا على أنفسهم، ويظهرون لقومهم من الكفار الكفر إذا رجعوا إليهم ليأمنوهم، كلما دُعُوا إلى الكفر بالله والشرك به وقعوا فيه أشد الوقوع، فهؤلاء إذا لم يتركوا قتالكم، وينقادوا إليكم مصالحين، ويكفوا أيديهم عنكم؛ فخذوهم واقتلوهم أينما وجدتموهم، وأولئك الذين هذه صفتهم جعلنا لكم على أخذهم وقتلهم حجة واضحة؛ لغدرهم ومكرهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• خفاء حال بعض المنافقين أوقع الخلاف بين المؤمنين في حكم التعامل معهم.
• بيان كيفية التعامل مع المنافقين بحسب أحوالهم ومقتضى المصلحة معهم.
• عدل الإسلام في الكف عمَّن لم تقع منه أذية متعدية من المنافقين.
• يكشف الجهاد في سبيل الله أهل النفاق بسبب تخلفهم عنه وتكلف أعذارهم.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:21 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (93)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/9.jpg

92 - وما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا أن يقع ذلك منه على وجه الخطأ، ومن قتل مؤمنًا على وجه الخطأ فعليه عتق نفس مملوكة مؤمنة كفارة عن فعله، وعلى قرابة القاتل الذين يرثونه دية مُسَلَّمَة إلى ورثة القتيل، إلا أن يعفوا عن الدية فتسقط، فإن كان القتيل من قوم محاربين لكم وهو مؤمن؛ فيجب على القاتل عتق نفس مملوكة مؤمنة، ولا دية عليه، وإن كان القتيل غير مؤمن لكنه من قوم بينكم وبينهم عهد مثل أهل الذمة، فعلى قرابة القاتل الذين يرثونه دية مُسَلَّمَة إلى ورثة القتيل، وعلى القاتل عتق نفس مملوكة مؤمنة كفارة عن فعله، فإن لم يجد من يعتقه أو لا يستطيع أن يدفع ثمنه، فعليه صيام شهرين متصلين بلا انقطاع لا يفطر فيهما، ليتوب الله عليه مما فعل، وكان الله عليمًا بأعمال عباده ونياتهم، حكيمًا في تشريعه وتدبيره.
93 - ومن يقتل مؤمنًا على وجه القصد بغير حق؛ فجزاؤه دخول جهنم خالدًا فيها، وغضب الله عليه، وطرده من رحمته، وأعد له عذابًا عظيمًا لاقترافه هذا الذنب الكبير.
94 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، إذا خرجتم للجهاد في سبيل الله فتثبتوا في أمر من تقاتلون، ولا تقولوا لمن أظهر لكم ما يدل على إسلامه: لست مؤمنًا، وإنما حملك على إظهار الإسلام الخوف على دمك ومالك، فتقتلوه تطلبون بقتله متاع الدنيا الزهيد كالغنيمة منه، فعند الله مغانم كثيرة، وهي خير وأعظم من هذا، كذلك كنتم من قبل مثل هذا الذي يخفي إيمانه من قومه، فمنَّ الله عليكم بالإسلام فعصم دماءكم فتثبتوا، إن الله لا يخفى عليه شيء من عملكم وإن دق، وسيجازيكم به.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• جاء القرآن الكريم معظِّمًا حرمة نفس المؤمن، وناهيًا في انتهاكها، ومرتبًا على ذلك أشد العقوبات.
• من عقيدة أهل السنة والجماعة أن المؤمن القاتل لا يُخلد أبدًا في النار، وإنما يُعذب فيها مدة طويلة ثم يخرج منها برحمة الله تعالى.
• وجوب التثبت والتبين في الجهاد، وعدم الاستعجال في الحكم على الناس حتى لا يُعتدى على البريء.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:25 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (94)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/10.jpg

95 - لا يستوي المؤمنون القاعدون عن الجهاد في سبيل الله غير أصحاب الأعذار كالمرضى والمكفوفين، والمجاهدون في سبيل الله ببذل أموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين ببذل أموالهم وأنفسهم على القاعدين عن الجهاد درجة، ولكل من المجاهدين والقاعدين عن الجهاد لعذر أجره الذي يستحقه، وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين بإعطائهم ثوابًا عظيمًا من عنده.
96 - هذا الثواب منازل بعضها فوق بعض، مع مغفرة ذنوبهم ورحمته بهم، وكان الله غفورًا لعباده رحيمًا بهم.
97 - إن الذين توفاهم الملائكة وهم ظالمون لأنفسهم بترك الهحرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، تقول لهم الملائكة حال قبض أرواحهم توبيخًا لهم: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ فيجيبون معتذرين: كنا ضعفاء لا حول لنا ولا قوة نرد بها عن أنفسنا، فتقول لهم الملائكة توبيخًا لهم: ألم تكن بلاد الله واسعة فتخرجوا إليها لتأمنوا على دينكم وأنفسكم من الإذلال والقهر؟! فاولئك الذين لم يهاجروا مثواهم الذي يستقرون فيه هو النار مرجعًا مآبًا لهم.
98 - 99 - ويُسْتثنى من هذا الوعيد الضعفاء أصحاب الأعذار رجالًا كانوا أو نساءً أو أطفالًا، ممن لا قوة لهم يدفعون بها عنهم الظلم والقهر، ولا يهتدون إلى طريقة للتخلص مما هم فيه من القهر، فأولئك عسى الله برحمته ولطفه أن يعفو عنهم، وكان الله عفوًا عن عباده غفورًا لمن تاب منهم.
ولما ذكر الوعيد على ترك الهجرة مع القدرة عليها رغَّب فيها، فقال:

100 - ومن يهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ابتغاء مرضاة الله يجد في الأرض التي هاجر إليها مُتحوِّلًا وأرضًا غير أرضه التي ترك، ينال فيها العزة والرزق الواسع، ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله، ثم ينزل به الموت قبل وصوله إلى مُهاجَره، ففد ثبت أجره على الله، ولا يضره أنه لم يصل إلى مُهاجَره، وكان الله غفورًا لمن تاب من عباده رحيمًا بهم.
101 - وإذا سافرتم في الأرض فليس عليكم إثم في قصر الصلاة الرباعية من أربع ركعات إلى ركعتين، إن خفتم أن يلحقكم مكروه من الكافرين، إن عداوة الكافرين لكم عداوة ظاهرة بينة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• فضل الجهاد في سبيل الله وعظم أجر المجاهدين، وأن الله وعدهم منازل عالية في الجنة لا يبلغها غيرهم.
• أصحاب الأعذار يسقط عنهم فرض الجهاد مع ما لهم من أجر إن حسنت نيتهم.
• فضل الهجرة إلى بلاد الإسلام، ووجوبها على القادر إن كان يخشى على دينه في بلده.
• مشروعية قصر الصلاة في حال السفر.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:28 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (95)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/11.jpg

102 - إذا كنت -أيها الرسول- في الجيش وقت قتال العدو، فاردت أن تصلي بهم، فقسِّم الجيش جماعتين: تقوم جماعة منهم تصلي معك، وليأخذوا أسلحتهم معهم في صلاتهم، ولتكن الجماعة الأخرى في حراستكم، فإذا صلت الجماعة الأولى ركعة مع الإمام أتمت لنفسها الصلاة، فإذا صلوا فليكونوا من ورائكم تجاه العدو، ولتأت الجماعة التي كانت في الحراسة ولم يصلوا، فليصلوا ركعة مع الإمام، فإذا سلّم الإمام أتموا ما بقي من صلاتهم، وليأخذوا حذرهم من عدوهم، وليحملوا أسلحتهم، فإن الذين كفروا يتمنون أن تغفلوا عن أسلحتكم وأمتعتكم إذا صليتم فيحملون عليكم حملة واحدة، ويأخذونكم في غفلتكم، ولا إثم عليكم إن أصابكم أذى بسبب المطر أو كنتم مرضى ونحوه، أن تضعوا أسلحتكم فلا تحملوها، واحترزوا من عدوكم بما تستطيعون، إن الله هيَّأ للكافرين عذابًا مذلًّا لهم.
103 - فإذا فرغتم -أيها المؤمنون- من الصلاة فأذكروا الله بالتسبيح والتحميد والتهليل في كل أحوالكم قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم، فإذا زال عنكم الخوف وأمنتم فأدوا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها ومستحباتها على ما أُمرتم، إن الصلاة كانت على المؤمنين فريضة محددة بوقت، لا يجوز تأخيرها عنه إلا لعذر، هذا في حالة الإقامة، أما في حالة السفر فلكم الجمع والقصر.
104 - ولا تضعفوا -أيها المؤمنون- ولا تكسلوا في طلب عدوكم من الكافرين، فإن كنتم تتوجعون لما يصيبكم من القتل والجراح فإنهم كذلك يتوجعون كما تتوجعون، ويصيبهم مثل ما يصيبكم، فلا يكن صبرهم أعظم من صبركم، فإنكم ترجون من الله من الثواب والنصر والتأييد ما لا يرجونه، وكان الله عليمًا بأحوال عباده، حكيمًا في تدبيره وتشريعه.
105 - إنا أنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن مشتملًا على الحق؛ لتفصل بين الناس في كل شؤونهم بما علمك الله وألهمك لا بهواك ورأيك، ولا تكن للخائنين لأنفسهم وأمانتهم مدافعًا ترد عنهم من طالبهم بالحق.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• مشروعية صلاة الخوف وبيان أحكامها وصفتها.
• الأمر بالأخذ بالأسباب في كل الأحوال، وأن المؤمن لا يعذر في تركها حتى لو كان في عبادة.
• مشروعية دوام ذكر الله تعالى على كل حال, فهو حياة القلوب وسبب طمأنينتها.
• النهي عن الضعف والكسل في حال قتال العدو، والأمر بالصبر على قتاله.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:32 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (96)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/12.jpg

106 - واطلب المغفرة والعفو من الله، إن الله كان غفورًا لمن تاب إليه من عباده، رحيمًا به.
107 - ولا تخاصم عن أي شخص يخون ويبالغ في إخفاء خيانته، والله لا يحب هؤلاء الخونة الكاذبين.
108 - يستترون من الناس عند ارتكابهم معصية خوفًا وحياء، ولا يستترون من الله، وهو معهم بإحاطته بهم، لا يخفى عليه منهم شيء حين يدَبِّرون خفية ما لا يرضى من القول، كالدفاع عن المذنب واتهام البريء، وكان الله بما يعملون في السر والعلن محيطًا، لا يخفى عليه شيء، وسيجازيهم على أعمالهم.
109 - ها أنتم -يا من يهمكم أمر هؤلاء الذين يرتكبون جرمًا- خاصمتم عنهم في الحياة الدنيا لتثبتوا براءتهم، وتدفعوا عنهم العقوبة، فمن الذي يجال الله عنهم يوم القيامة وقد علم حقيقة حالهم؟! ومن الذي يكون وكيلًا عليهم في ذلك اليوم؟! ولا شك أن أحدًا لا يستطيع ذلك.
110 - ومن يعمل عملًا سيئًا، أو يظلم نفسه باقتراف المعاصي، ثم يطلب المغفرة من الله مقرًّا بذنبه نادمًا عليه مقلعًا عنه، يجد الله أبدًا غفورًا لذنوبه رحيمًا به.
111 - ومن يرتكب إثمًا صغيرًا أو كبيرًا فإنما عقوبته عليه وتتجاوزه إلى غير، وكان الله عليمًا بأعمال العباد، حكيمًا في تدبيره وتشريعه.
112 - ومن يرتكب خطيئة على غير عمد، أو إثمًا بعمد، ثم يتهم به إنسانا بريئًا من ذلك الذنب، فقد تَحمَّل بفعله ذلك كذبًا شديدًا وإثمًا بينًا.
113 - ولولا فضل الله عليك -أيها الرسول- بعصمتك لعزمت جماعة من هؤلاء الذين يخونون أنفسهم أن يضلوك عن الحق فتحكم بغير القسط، وما يضلون حقيقة إلا أنفسهم؛ لأن عاقبة ما اقترفوه من محاولة الإضلال راجع عليهم، وأنزل الله عليك القرآن والسنَّة، وعلَّمك من الهدى والنور ما لم تكن تعلم قبل ذلك، وكان فضل الله عليك بالنبوة والعصمة عظيمًا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• النهي عن المدافعة والمخاصمة عن المبطلين؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
• ينبغي للمؤمن الحق أن يكون خوفه من الله وتعظيمه والحياء منه فوق كل أحد من الناس.
• سعة رحمة الله ومغفرته لمن ظلم نفسه، مهما كان ظلمه إذا صدق في توبته، ورجع عن ذنبه.
• التحذير من اتهام البريء وقذفه بما لم يكن منه؛ وأنَّ فاعل ذلك قد وقع في أشد الكذب والإثم.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:35 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (97)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/13.jpg
114 - لا خير في كثير من الكلام الذي يُسِرُّه الناس، ولا نفع منه، إلا إن كان كلامهم أمرًا بصدقة، أو معروف جاء به الشرع ودل عليه العقل، أو دعوة إلى الإصلاح بين المتنازعين، ومن يفعل ذلك طلبًا لرضا الله فسوف نؤتيه ثوابًا عظيمًا.
115 - ومن يعاند الرسول ويخالفه فيما جاء به من بعد ما اتضح له الحق، ويتبع طريقًا غير طريق المؤمنين، نتركه وما اختار لنفسه، ولا نوفقه للحق لإعراضه عن عمد وندخله نار جهنم يُعاني حرَّها وساءت مرجعًا لأهلها.
116 - إن الله لا يغفر أن يُشرك به، بل يُخلد المشرك في النار، ويغفر ما دون الشرك من المعاصي لمن يشاء برحمته وفضله، ومن يشرك مع الله أحدًا فقد تاه عن الحق وبعد عنه بعدًا كثيرًا؛ لأنه سَوَّى بين الخالق والمخلوق.
117 - ما يعبد هؤلاء المشركون ويدعون مع الله إلا أوثانًا مسمَّاة بأسماء الإناث كاللات والعُزَّى، لا نفع لها ولا ضرّ، وما يعبدون في الحقيقة إلا شيطانًا خارجًا عن طاعة الله لا خير فيه؛ لأنه هو الذي أمرهم بعبادة الأوثان.
118 - ولذلك طرده الله من رحمته. وقال هذا الشيطان لربه حالفًا: لأجعلنَّ لي من عبادك قسمًا معلومًا أغويهم عن الحق.
119 - ولأصدنهم عن صراطك المستقيم، ولأمنيُنَّهم بالوعود الكاذبة التي تزين لهم ضلالهم، ولآمرنَّهم بتقطيع آذان الأنعام لتحريم ما أحل الله منها، ولآمرنهم بتغيير خلق الله وفطرته، ومن يتخذ الشيطان وليًّا يتولاه ويطيعه فقد خسر خسرانًا بينًا بموالاة الشيطان الرجيم.
120 - يعدهم الشيطان الوعود الكاذبة، ويُمنيهم الأماني الباطلة، وما يعدهم في الواقع إلا باطلًا لا حقيقة له.
121 - أولئك المتبعون لخطوات الشيطان وما يمليه عليهم مستقرهم نار جهنم لا يجدون عنها مهربًا يلجؤون إليه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أكثر تناجي الناس لا خير فيه، بل ربما كان فيه وزر، وقليل من كلامهم فيما بينهم يتضمن خيرًا ومعروفًا.
• معاندة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومخالفة سبيل المؤمنين نهايتها البعد عن الله ودخول النار.
• كل الذنوب تحت مشيئة الله، فقد يُغفر لصاحبها، إلا الشرك، فلا يغفره الله أبدًا.
• غاية الشيطان صرف الناس عن عبادة الله تعالى، ومن أعظم وسائله تزيين الباطل بالأماني الغرارة والوعود الكاذبة.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:39 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (98)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/14.jpg


ولما ذكر الله جزاء أتباع الشيطان ذكر جزاء أتباع الرسل؛ فقال:

122 - والذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحة المقرِّبة إليه سندخلهم جنات تجري الأنهار من تحت قصورها، ماكثين فيها أبدًا، وعدًا من الله ووعده تعالى حق، فهو لا يخلف الميعاد، ولا أحد أصدق من الله قولًا.
123 - ليس أمر النجاة والفوز تابعًا لما تتمنون -أيها المسلمون- أو لما يتمناه أهل الكتاب، بل الأمر تابع للعمل، فمن يعمل منكم عملًا سيئًا يجازَ به يوم القيامة، ولا يجد له من دون الله وليًّا يجلب له النفع، ولا نصيرًا يدفع عنه الضر.
124 - ومن يعمل من الأعمال الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن بالله تعالى حقًّا فأولئك الذين جمعوا بين الإيمان والعمل يدخلون الجنة، ولا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئًا، ولو كان شيئًا قليلًا قدر النقرة التي تكون في ظهر نواة التمر.
125 - ولا أحد أحسن دينًا ممن استسلم لله ظاهرًا وباطنًا وأخلص نيته له، وأحسن في عمله باتباع ما شرع، واتبع دين إبراهيم الذي هو أصل دين محمد - صلى الله عليه وسلم - مائلًا عن الشرك والكفر إلى التوحيد والإيمان. واصطفى الله نبيه إبراهيم -عليه السلام- بالمحبة التامَّة من بين سائر خلقه.
126 - ولله وحده ملك ما في السماوات وما في الأرض، وكان الله محيطًا بكل شيء من خلقه علمًا وقدرة وتدبيرًا.
127 - ويسألونك -أيها الرسول- في أمر النساء وما يجب لهن وعليهن، قل: الله يبين لكم ما سألتم عنه، ويبين لكم ما يتلى عليكم في القرآن، في شأن اليتامى من النساء اللاتي تحت ولايتكم، ولا تؤتونهن ما فرض الله لهن من المهر أو الميراث، ولا ترغبون في نكاحهن، وتمنعونهن من النكاح طمعًا في أموالهن، ويبين لكم ما يجب في المستضعفين من الصغار، من إعطائهم حقهم من الميراث، وألا تظلموهم بالاستيلاء على أموالهم، ويبين لكم وجوب القيام على اليتامى بالعدل بما يصلح شأنهم في الدنيا والآخرة، وما تفعلوا من خير لليتامى وغيرهم فإن الله عليم به، وسيجازيكم به.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ما عند الله من الثواب لا يُنال بمجرد الأماني والدعاوى، بل لا بد من الإيمان والعمل الصالح.
• الجزاء من جنس العمل، فمن يعمل سوءًا يُجْز به، ومن يعمل خيرًا يُجْز بأحسن منه.
• الإخلاص والاتباع هما مقياس قبول العمل عند الله تعالى.
• عَظّمَ الإسلام حقوق الفئات الضعيفة من النساء والصغار، فحرم الاعتداء عليهم، وأوجب رعاية مصالحهم في ضوء ما شرع.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:42 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (99)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/15.jpg
128 - وإن خافت امرأة من زوجها ترفُّعًا عنها وعدم رغبة فيها فلا إثم عليهما أن يتصالحا بأن تتنازل عن بعض الحقوق الواجبة لها كحق النفقة والمبيت، والصلح هنا خير لهما من الطلاق، وقد جُبِلت النفوس على الحرص والبخل، فلا ترغب في التنازل عما لها من حق، فينبغي للزوجين علاج هذا الخلق بتربية النفس على التسامح والإحسان. وإن تحسنوا في كل شؤونكم، وتتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فإن الله كان بما تعملون خبيرًا، لا يخفى عليه شيء، وسيجازيكم به.
129 - ولن تستطيعوا -أيها الأزواج- أن تعدلوا العدل التام مع الزوجات في الميل القلبي، ولو حرصتم على ذلك؛ بسبب أمور ربما تكون خارجة عن إرادتكم، فلا تميلوا كل الميل عن التي لا تحبونها فتتركوها مثل المعلقة لا هي ذات زوج يقوم بحقها، ولا غير ذات زوج فتتطلع للزواج، وإن تصلحوا ما بينكم بأن تحمِلوا أنفسكم على ما لا تهواه من القيام بحق الزوجة، وتتقوا الله فيها، فإن الله كان غفورًا رحيمًا بكم.
130 - وإن تفرق الزوجان بطلاق أو خُلْع أغْنَى الله كلًّا منهما من فضله الواسع، فيغني الرجل بزوجة خير له منها، ويغني المرأة بزوج خير لها منه، وكان الله واسع الفضل والرحمة، حكيمًا في تدبيره وتقديره.
131 - ولله وحده ملك ما في السماوات وما في الأرض وملك ما بينهما، ولقد عَهِدنا إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وعَهِدنا إليكم بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وإن تكفروا بهذا العهد فلن تضروا إلا أنفسكم، فالله غني عن طاعتكم، فله ملك ما في السماوات وما في الأرض، وهو الغني عن جميع خلقه، المحمود على جميع صفاته وأفعاله.
132 - ولله وحده ملك ما في السماوات وما في الأرض، المستحق أن يطاع، وكفى بالله متوليًا تدبير كل شؤون خلقه.
133 - إن يشا يُهْلِككم -أيها الناس- ويأت بآخرين غيركم يطيعون الله ولا يعصونه، وكان الله على ذلك قديرًا.
134 - من كان منكم -أيها الناس- يريد بعمله ثواب الدنيا فقط، فليعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة، فيطلب ثوابهما منه، وكان الله سميعًا لأقوالكم، بصيرًا بأفعالكم، وسيجازيكم عليها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• استحباب المصالحة بين الزوجين عند المنازعة، وتغليب المصلحة بالتنازل عن بعض الحقوق إدامة لعقد الزوجية.
• أوجب الله تعالى العدل بين الزوجات خاصة في الأمور المادية التي هي في مقدور الأزواج، وتسامح الشرع حين يتعذر العدل في الأمور المعنوية، كالحب والميل القلبي.
• لا حرج على الزوجين في الفراق إذا تعذرت العِشْرة بينهما.
• الوصية الجامعة للخلق جميعًا أولهم وآخرهم هي الأمر بتقوى الله تعالى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي.

ابو وليد البحيرى
2019-10-04, 04:45 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (100)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/16.jpg
135 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، كونوا قائمين بالعدل في كل أحوالكم، مؤدِّين الشهادة بالحق مع كل أحد، ولو اقتضى ذلك أن تُقِرُّوا على أنفسكم بالحق، أو على والديكم أو الأقربين منكم، ولا يحملنَّكم فقر أحد أو غناه على الشهادة أو تركها، فالله أولى بالفقير والغني منكم وأعلم بمصالحهما، فلا تتبعوا الأهواء في شهادتكم لئلا تميلوا عن الحق فيها، وإن حرفتم الشهادة بأدائها على غير وجهها، أو أعرضتم عن أدائها؛ فإن الله كان بما تعملون خبيرًا.
136 - يا أيها الذين آمنوا اثبتوا على إيمانكم بالله وبرسوله، وبالقرآن الذي أنزله على رسوله، وبالكتب التي أنزلها على الرسل من قبله، ومن يكفر بالله وبملائكته وبكتبه وبرسله وبيوم القيامة؛ فقد بعُد عن الطريق المستقيم بُعْدًا عظيمًا.
137 - إن الذين تكرر منهم الكفر بعد الإيمان، بأن دخلوا في الإيمان ثم ارتدوا عنه، ثم دخلوا فيه، ثم ارتدوا عنه، وأصروا على الكفر وماتوا عليه؛ لم يكن الله ليغفر لهم ذنوبهم، ولا ليوفقهم إلى الطريق المستقيم الموصل إليه تعالى.
138 - بشِّر -أيها الرسول- المنافقين الذين يُظهرون الإيمان، ويُبطنون الكفر، بأن لهم عند الله يوم القيامة عذابًا موجعًا.
139 - هذا العذاب لأنهم اتخذوا الكفار أنصارًا وأعوانًا من دون المؤمنين، وإنه لعجب ذلك الذي جعلهم يوالونهم، أيطلبون عندهم القوة والمنعة ليرتفعوا بها؟! فإن القوة والمنعة كلها لله.
140 - وقد نزل الله عليكم -أيها المؤمنون- في القرآن الكريم أنكم إذا جلستم في مجلس وسمعتم فيه من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها؛ فيجب عليكم ترك القعود معهم والانصراف عن مجالستهم، حتى يتحدثوا في حديث غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها، إنكم إذا جالستموهم حال الكفر بآيات الله والاستهزاء بها بعد سماعكم ذلك مثلهم في مخالفة أمر الله؛ لأنكم عصيتم الله بجلوسكم كما عصوا الله بكفرهم، إن الله سيجمع المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويضمرون الكفر مع الكافرين في نار جهنم يوم القيامة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب العدل في القضاء بين الناس وعند أداء الشهادة، حتى لو كان الحق على النفس أو على أحد من القرابة.
• على المؤمن أن يجتهد في فعل ما يزيد إيمانه من أعمال القلوب والجوارح، ويثبته في قلبه.
• عظم خطر المنافقين على الإسلام وأهله؛ ولهذا فقد توعدهم الله بأشد العقوبة في الآخرة.
• إذا لم يستطع المؤمن الإنكار على من يتطاول على آيات الله وشرعه، فلا يجوز له الجلوس معه على هذه الحال.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 04:36 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (101)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/56.jpg


141 - الذين ينتظرون ما يحصل لكم من خير أو شر، فإن كان لكم نصر من الله وغنمتم قالوا لكم: ألم نكن معكم، شهدنا ما شهدتم؟! لينالوا من الغنيمة، وإن كان للكافرين حظ قالوا لهم: ألم نتول شؤونكم ونُحِطْكم إحاطة العناية والنصرة ونحمكم من المؤمنين بإعانتكم وتخذيلهم؟! فالله يحكم بينكم جميعًا يوم القيامة، فيجازي المؤمنين بدخول الجنة، ويجازي المنافقين بدخول الدرك الأسفل من النار، ولن يجعل الله بفضله للكافرين تسلطًا على المؤمنين، بل سيجعل العاقبة للمؤمنين.
142 - إن المنافقين يخادعون الله بإظهار الإسلام وإضمار الكفر، وهو خادعهم؛ لأنه عصم دماءهم مع علمه بكفرهم، وأعد لهم أشد العقوبة في الآخرة، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى كارهين لها، ولا يذكرون الله إلا قليلًا إذا رأوا المؤمنين.
143 - هؤلاء المنافقون مترددون في حَيرة، فلا هم مع المؤمنين ظاهرًا وباطنًا ولا مع الكافرين، بل ظاهرهم مع المؤمنين وباطنهم مع الكافرين، ومن يضلل الله فلن تجد له -أيها الرسول- طريقًا لهدايته من الضلال.
144 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله،
لا تتخذوا الكافرين بالله أصفياء توالونهم من دون المؤمنين، أتريدون بفعلكم هذا أن تجعلوا لله عليكم حجة بينة دالة على استحقاقكم العقاب؟!

145 - إن المنافقين سيجعلهم الله في المكان الأسفل من النار يوم القيامة، ولن تجد لهم نصيرًا يدفع عنهم العذاب.
146 - إلا الذين رجعوا إلى الله بالتوبة من نفاقهم، وأصلحوا باطنهم، وتمسكوا بعهد الله، وأخلصوا عملهم لله بلا رياء، فأولئك المتصفون بهذه الصفات مع المؤمنين في الدنيا والآخرة، وسوف يعطي الله المؤمنين ثوابًا جزيلًا.
147 - لا حاجة لله في تعذيبكم إن شكرتم له وآمنتم به، فهو تعالى البر الرحيم، وإنما يعذبكم بذنوبكم، فإن أصلحتم العمل، وشكرتموه على نعمه، وآمنتم به ظاهرًا وباطنًا فلن يعذبكم، وكان الله شاكرًا لمن اعترف بنعمه فيجزل لهم الثواب عليها، عليمًا بإيمان خلقه، وسيجازي كلًّا بعمله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان صفات المنافقين، ومنها: حرصهم على حظ أنفسهم سواء كان مع المؤمنين أو مع الكافرين.
• أعظم صفات المنافقين تَذَبْذُبُهم وحيرتهم واضطرابهم، فلا هم مع المؤمنين حقًّا ولا مع الكافرين.
• النهي الشديد عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
• أعظم ما يتقي به المرء عذاب الله تعالى في الآخرة هو الإيمان والعمل الصالح.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 04:39 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (102)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/57.jpg

148 - لا يحب الله الجهر بقول السوء، بل يبغضه ويتوعّد عليه، لكن من ظُلم جاز له أن يجهر بقول السوء؛ للشكاية من ظالمه والدعاء عليه ومجازاته بمثل قوله، لكنَ صَبْرَ المظلوم أولى من جهره بالسوء، وكان الله سميعًا لأقوالكم، عليمًا بنياتكم، فاحذروا قول السوء أو قصده.
149 - إن تُظْهرُوا أي خير قولي أو فعلي، أو تستروه، أو تَتجاوزوا عمن أساء إليكم؛ فإن الله كان عفوًا قديرًا، فليكن العفو من أخلاقكم، لعل الله أن يعفو عنكم.
150 - إن الذين يكفرون بالله ويكفرون برسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله وبين رسله؛ بأن يؤمنوا به، ويكذبوا بهم، ويقولون: نؤمن ببعض الرسل، ونكفر ببعضهم، ويريدون أن يتخذوا طريقا بين الكفر والإيمان يتوهمون أنها تنجيهم.
151 - أولئك الذين يسلكون هذا المسلك هم الكافرون حقًّا؛ ذلك أنَّ من كفر بالرسل أو ببعضهم فقد كفر بالله وبرسله، وأعددنا للكافرين عذابًا مذلًّا لهم يوم القيامة، عقابًا لهم على تكبرهم عن الإيمان بالله وبرسله.
ولما ذكر الله جزاء الكافرين ذكر بعده جزاء المؤمنين فقال:

152 - والذين آمنوا بالله ووحدوه، ولم يشركوا به أحدًا، وصَدقُوا برسله جميعًا، ولم يفرقوا بين أحد منهم كما يفعله الكافرون، بل آمنوا بهم جميعًا؛ أولئك سوف يعطيهم الله أجرًا عظيمًا جزاء إيمانهم وأعمالهم الصالحة التابعة منه، وكان الله غفورًا لمن تاب من عباده، رحيمًا بهم.
153 - يسألك -أيها الرسول- اليهود أن تنزل عليهم كتابًا من السماء جملة واحدة كما وقع لموسى، يكون علامة لصدقك، فلا تستعظم منهم ذلك، فقد سأل أسلافهم موسى أعظم مما سألك هؤلاء، حيث سألوه أن يريهم الله عيانًا، فَصُعِقُوا عقابًا لهم على ما ارتكبوه، ثم أحياهم الله، فعبدوا العجل من دون الله من بعد ما جاءتهم الأيات الواضحة الدالة على وحدانية الله وتفرده بالربوبية والألوهية، ثم تجاوزنا عنهم، وأعطينا موسى حجة واضحة على قومه.
154 - ورفعنا فوقهم الجبل بسبب أخذ العهد المؤكد عليهم تخويفًا ليعملوا بما فيه، وقلنا لهم بعد رفعه: ادخلوا باب بيت المقدس سُجَّدًا بانحناء الرؤس، فدخلوا يزحفون على أدبارهم، وقلنا لهم: لا تعتدوا بالإقدام على الصيد يوم السبت، فما كان منهم إلا أن اعتدوا فاصطادوا، وأخذنا عليهم عهدًا موثقًا شديدًا بذلك، فنقضوا العهد المأخوذ عليهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• يجوز للمظلوم أن يتحدث عن ظلمه وظالمه لمن يُرْجى منه أن يأخذ له حقه، وإن قال ما لا يسر الظالم.
• حض المظلوم على العفو -حتى وإن قدر- كما يعفو الرب -سبحانه- مع قدرته على عقاب عباده.
• لا يجوز التفريق بين الرسل بالإيمان ببعضهم دون بعض، بل يجب الإيمان بهم جميعًا.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 04:43 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (103)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/58.jpg (https://imgur.com/Wpkohqj)


155 - فطردناهم من رحمتنا بسبب نقضهم العهد المؤكد عليهم، وبسبب كفرهم بآيات الله، وجراءتهم على قتل الأنبياء، وبقولهم لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: قلوبنا في غطاء، فلا تعي ما تقول، والأمر ليس كما قالوا، بل ختم الله على قلوبهم فلا يصل إليها خير، فلا يؤمنون إلا إيمانًا قليلًا لا ينفعهم.
156 - وطردناهم من الرحمة بسبب كفرهم، وبسبب رميهم مريم -عليها السلام- بالزنى زورًا وبهتانًا.
157 - ولعناهم بقولهم مفتخرين كذبًا: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله. وما قتلوه كما ادعوا وما صلبوه، ولكن قتلوا رجلًا ألقى الله شَبَهَ عيسى عليه وصلبوه، فظنوا أن المقتول هو عيسى -عليه السلام-. والذين ادعوا قتله من اليهود والذين أسلموه إليهم من النصارى، كلاهما في حيرة من أمره وشك، فليس لهم به علم، وإنما يتبعون الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا، وما قتلوا عيسى، وما صلبوه قطعًا.
158 - بل نجَّاه الله من مكرهم، ورفعه الله بجسمه روحه إليه، وكان الله عزيزًا في ملكه، لا يغالبه أحد، حكيمًا في تدبيره وقضائه وشرعه.
159 - وما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى -عليه السلام- بعد نزوله آخر الزمان وقبل موته، ويوم القيامة يكون عيسى -عليه السلام- شاهدًا على أعمالهم؛ ما يوافق الشرع منها وما يخالف.
160 - فبسبب ظلم اليهود حَرَّمْنَا عليهم بعض المآكل الطيبة التي كانت حلالًا لهم، فحرمنا عليهم كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما، وبسبب صدهم أنفسهم وصدهم غيرهم عن سبيل الله، حتى صار الصد عن الخير سجية لهم.
161 - وبسبب تعاملهم بالربا بعد أن نهاهم الله عن تناوله، وبسبب أخذ أموال الناس بغير حق شرعي، وأعددنا للكافرين منهم عذابًا موجعًا.
ولما ذكر مثالب أهل الكتاب ذكر المؤمنين منهم فقال:
162 - لكنِ الثابتون المتمكنون في العلم من اليهود، والمؤمنون يُصَدِّقُون بما أنزله الله عليك -أيها الرسول- من القرآن، ويُصَدقُون بما أنزل من الكتب على من قبلك من الرسل كالتوراة والإنجيل، ويقيمون الصلاة، ويعطون زكاة أموالهم، ويصدقون بالله إلهًا واحدًا لا شريك له، ويصدقون بيوم القيامة؛ أولئك المتصفون بهذه الصفات سنعطيهم ثوابًا عظيمًا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الختم على القلوب سبب لحرمانها من الفهم.
• بيان عداوة اليهود لنبي الله عيسى -عليه السلام-، حتى إنهم وصلوا لمرحلة محاولة قتله.
• بيان جهل النصارى وحيرتهم في مسألة الصلب، وتعاملهم فيها بالظنون الفاسدة.
• بيان فضل العلم، فإن من أهل الكتاب من هو متمكن في العلم حتى أدى به تمكنه هذا للإيمان بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 04:47 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (104)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/59.jpg

163 - إنا أوحينا إليك -أيها الرسول- كما أوحينا إلى الآنبياء من قبلك، فلست بِدْعًا من الرسل فقد أوحينا إلى نوح، وأوحينا إلى الأنبياء الذين جاؤوا من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم، وإلى ابنيه: إسماعيل واسحاق، وإلى يعقوب بن إسحاق، وإلى الأسباط، (وهم الأنبياء الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة من أبناء يعقوب -عليه السلام-)، وأعطينا داود كتابًا هو الزبور.
164 - وأرسلنا رسلًا قصصناهم عليك في القرآن، وأرسلنا رسلًا لم نقصصهم عليك فيه، وتركنا ذكرهم فيه لحكمة، وكلَّم الله موسى بالنبوة -دون وساطة- تكليمًا حقيقيًّا يليق به سبحانه وتعالى تكريمًا لموسى.
165 - أرسلناهم مبشرين بالثواب الكريم من آمن بالله، ومُخوِّفين من كفر به من العذاب الأليم، حتى لا تكون للناس حجة على الله بعد إرسال الرسل يعتذرون بها، وكان الله عزيزًا في ملكه حكيمًا في قضائه.
166 - إنْ كان اليهود يكفرون بك فإن الله يصدقك بصحة ما أنزل إليك -أيها الرسول- من القرآن، أنزل فيه علمه الذي أراد أن يُطْلِعَ العباد عليه مما يحبه ويرضاه أو يكرهه ويأباه، والملائكة يشهدون بصدق ما جئت به مع شهادة الله، وكفى بالله شهيدًا، فشهادته كافية عن شهادة غيره.
167 - إن الذين كفروا بنبوتك، وصدوا الناس عن الإسلام قد بَعُدُوا عن الحق بُعْدًا شديدًا.
168 - إن الذين كفروا بالله وبرسله، وظلموا أنفسهم ببقائها على الكفر، لم يكن الله ليغفر لهم ما هم مصرُّون عليه من الكفر، ولا ليرشدهم إلى طريق تنجيهم من عذاب الله.
169 - إلا الطريق المؤدية إلى دخول جهنم ماكثين فيها دائمًا، وكان ذلك على الله هينًا، فهو لا يعجزه شيء.
170 - يا أيها الناس قد جاءكم لرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق من الله تعالى، فآمنوا بما جاءكم به يكن خيرًا لكم في الدنيا والآخرة، وإن تكفروا بالله فإن الله غني عن إيمانكم، ولا يضره كفركم، فله ملك ما في السماوات، وله ملك ما في الأرض وما بينهما، وكان الله عليمًا بمن يستحق الهداية فييسرها له، وبمن لا يستحقها فيُعْميه عنها، حكيمًا في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إثبات النبوة والرسالة في شأن نوح وإبراهيم وغيرِهما مِن ذرياتهما ممن ذكرهم الله وممن لم يذكر أخبارهم لحكمة يعلمها سبحانه.
• إثبات صفة الكلام لله تعالى على وجه يليق بذاته وجلاله، فقد كلّم الله تعالى نبيه موسى -عليه السلام-.
• تسلية النبي محمد عليه الصلاة والسلام ببيان أن الله تعالى يشهد على صدق دعواه في كونه نبيًّا، وكذلك تشهد الملائكة.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 04:50 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (105)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/60.jpg


171 - قل -أيها الرسول- للنصارى أهل الإنجيل: لا تتجاوزوا الحد في دينكم، ولا تقولوا على الله في شأن عيسى -عليه السلام- إلا الحق، إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله أرسله بالحق، خَلقَهُ بكلمته التي أرسل بها جبريل -عليه السلام- إلى مريم، وهي قوله: كُنْ، فكان، وهي نفخة من الله نفخها جبريل بأمر من الله، فآمِنوا بالله ورسله جميعًا دون تفريق بينهم، ولا تقولوا: الآلهة ثلاثة، انتهوا عن هذه المقولة الكاذبة الفاسدة يكن انتهاؤكم عنها خيرًا لكم في الدنيا والآخرة، إنما الله إله واحد تنزه عن الشريك وعن الولد، فهو غني، له ملك السماوات وملك الأرض وملك ما فيهما، وحَسْبُ ما في السماوات والأرض بالله قيمًا ومدبرًا لهم.
172 - لن يأنف عيسى بن مريم ويمتنع أن يكون عبدًا لله، ولا الملائكة الذين قربهم الله له، ورفع منزلتهم أن يكونوا عبادًا لله، فكيف تتخذون عيسى إلهًا؟! وكيف يتخذ المشركون الملائكة آلهة؟! ومن يأنف عن عبادة الله، ويترفع عنها فإن الله سيحشر الجميع إليه يوم القيامة، ويجازي كلًّا بما يستحق.
ولما بين أن الجميع سيحشره الله إليه فصَّل جزاءهم في قوله:

173 - فأما الذين آمنوا بالله وصدقوا برسله، وعملوا الأعمال الصالحات مخلصين لله عاملين وفق ما شرع، فسيعطيهم ثواب أعمالهم غير منقوص، وسيزيدهم على ذلك من فضله واحسانه، وأما الذين أَنِفُوا عن عبادة الله وطاعته وترفعوا تكبرًا، فيعذبهم عذابًا موجعًا، ولا يجدون من دون الله من يتولاهم فيجلب لهم النفع، ولا من ينصرهم فيدفع عنهم الضر.
174 - يا أيها الناس قد جاءكم من ربكم حجة جلية تقطع العذر وتزيل الشبهة -وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنزلنا إليكم ضياءً واضحًا، وهو هذا القرآن.
175 - فأما الذين آمنوا بالله وتمسكوا بالقرآن الذي أنزل على نبيهم فسيرحمهم الله بدخول الجنة، ويزيدهم ثوابًا ورَفْع درجات، ويوفقهم لسلوك الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وهو الطريق الموصل إلى جنات عدن.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان أَن المسيح بشر، وأن أمه كذلك، وأن الضالين من النصارى غلوا فيهما حتى أخرجوهما من حد البشرية.
• بيان بطلان شرك النصارى القائلين بالتثليث، وتنزيه الله تعالى عن أن يكون له شريك أو شبيه أو مقارب، وبيان انفراده -سبحانه- بالوحدانية في الذات والأسماء والصفات.
• إثبات أن عيسى -عليه السلام- والملائكة جميعهم عباد مخلوقون لا يستكبرون عن الاعتراف بعبوديتهم لله تعالى والانقياد لأوامره، فكيف يسوغ اتخاذهم آلهة مع كونهم عبيدًا لله تعالى؟!
• في الدين حجج وبراهين عقلية تدفع الشبهات، ونور وهداية تدفع الحيرة والشهوات.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 04:56 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (106)
(سُوْرَةُ النساء)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/61.jpg


176 - يسألونك -أيها الرسول- أن تفتيهم بشأن ميراث الكلالة، وهو من يموت ولم يترك أبًا ولا ولدًا، قل: الله يبين الحكم بشأنها: إن مات شخص ليس له والد ولا ولد، وله أخت شقيقة أو أخت لأبيه فلها نصف ما ترك من المال فرضًا، وأخوه الشقيق أو لأب يرث ما ترك من مال تعصيبًا إن لم يكن معه صاحب فرض، فإن كان معه صاحب فرض ورث الباقي بعده، فإن تعددت الأخوات الشقيقات أو لأب -بأن كانتا اثنتين فأكثر- ورثتا أو ورثن الثلثين فرضًا، وإن كان الإخوة الأشقاء أو لأب فيهم الذكور والإناث ورثوا بالتعصيب تبعًا لقاعدة: اللذكر مثل حظ الأنثيين) بأن يُضعف نصيب الذكر منهم على نصيب الأنثى. يبين الله لكم حكم الكلالة وغيره من أحكام الميراث حتى لا تضلوا في أمرها، والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء.
سورة المائدة
مدنية

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
الوفاء بالعقود والتزام الشرائع والحدود وإكمال الدين.

[التَّفْسِيرُ]
1 - يا أيها الذين آمنوا أتموا كل العهود الموثقة بينكم وبين خالقكم وبينكم وبين خلقه، وقد أحل الله لكم -رحمة بكم- بهيمة الأنعام: (الإبل، والبقر، والغنم) إلا ما يُقْرَأ عليكم تحريمه، وإلا ما حَرَّمَ عليكم من الصيد البري في حال الاحرام بحج أو عمرة، إن الله يحكم ما يريد من تحليل وتحريم وفق حكمته، فلا مُكْرهَ له، ولا معترض على حكمه.

2 - يا أيها الذين آمنوا لا تستحلوا حرمات الله التي أمركم بتعظيمها، وكُفوا عن محظورات الإحرام: كلبس المخيط، وعن محرمات الحَرَم كالصيد، ولا تستحلوا القتال في الأشهر الحرم، وهي (ذو القعدة، ذو والحجة، والمحرم، ورجب)، ولا تستحلُّوا ما يهدى إلى الحرم من الأنعام ليذبح لله هناك بغصب ونحوه، أو مَنْع من وصوله إلى محله، ولا تستحلُّوا البهيمة عليها قلادة من صوف وغيره للإشعار بأنه هدي، ولا تستحلوا قاصدي بيت الله الحرام يطلبون ربح التجارة ومرضاة الله، وإذا حللتم من الإحرام بحج أو عمرة، وخرجتم من الحرم فاصطادوا إن شئتم، ولا يحملنكم بغض قوم لصدهم لكم عن المسجد الحرام على الجَور وترك العدل فيهم، وتعاونوا -أيها المؤمنون- على فعل ما أُمِرْتم به، وترك ما نُهِيتُم عنه، وخافوا الله بالتزام طاعته والبعد عن معصيته، إن الله شديد العقاب لمن عصاه، فاحذروا من عقابه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عناية الله بجميع أحوال الورثة في تقسيم الميراث عليهم.
• الأصل هو حِلُّ الأكل من كل بهيمة الأنعام، سوى ما خصه الدليل بالتحريم، أو ما كان صيدًا يعرض للمحرم في حجه أو عمرته.
• النهي عن استحلال المحرَّمات، ومنها: محظورات الإحرام، والصيد في الحرم، والقتال في الأشهر الحُرُم، واستحلال الهَدْي بغصب ونحوه، أو مَنْع وصوله إلى محله.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 05:00 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (107)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/62.jpg

3 - حَرَّمَ الله عليكم ما مات من حيوان دون ذكاة، وحَرَّمَ عليكم الدم المسفوح ولحم الخنزير، وما ذُكِرَ عليه اسْمٌ غير اسم الله عند الذبح، والميتة بالخنق، والميتة بالضرب، والساقطة من مكان عالٍ، والميتة بنطح غيرها لها، وما افترسه سبُع مثل الأسد والنمر والذئب، إلا ما أدركتموه حيًّا من المذكورات وذكيتموه، فهو حلال لكم، وحرَّم عليكم ما كان ذبحه للأصنام، وحَرَّمَ عليكم أن تطلبوا ما قسم لكم من الغيب بالأقداح وهي حجارة أو سهام مكتوب فيها (أفعل) (لا تفعل) فيعمل بما يخرج له منها. فِعْل تلك المحرمات المذكورة خروج عن طاعة الله. اليوم يئس الذين كفروا من ارتدادكم عن دين الإسلام لما رأوا من قوته، فلا تخافوهم وخافوني وحدي، اليوم أكملت لكم دينكم الذي هو الإسلام، وأتممت عليكم نعمتي الظاهرة والباطنة، واخترت لكم الإسلام دينًا، فلا أقبل دينًا غيره، فمن أُلجئَ بسبب مجاعة إلى الأكل من الميتة غير مائل للإثم فلا إثم عليه في ذلك، إن الله غفور رحيم. ولما ذكر الله ما حرم أكله ذكر ما أباح أكله، فقال:
4 - يسألك -أيها الرسول- صحابتك ماذا أحل الله لهم أكله؟ قل -أيها الرسول-: أحل الله لكم ما طاب من المآكل، وأكل ما صادته المدرَّبات من ذوات الأنياب كالكلاب والفهود وذوات المخالب كالصقور، تعلِّمونها الصيد مما مَنَّ الله عليكم به من العلم بآدابه، حتى صارت إذا أُمِرَتِ ائتَمَرَتْ، وإذا زُجِرَتِ ازدجرت، فكلوا مما أمسكته من الصيد ولو قتلته، واذكروا اسم الله عند إرسالها، واتقوا الله بامتثال أوامر لكف عن نواهيه، إن الله سريع الحساب للأعمال.
5 - اليوم أَحَلَّ الله لكم أكل المستلذات، وأكل ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وأحل ذبائحكم لهم وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من المؤمنات، والحرائر العفائف من الذين أُعْطُوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى إذا أعطيتموهن مهورهن، وكنتم متعففين عن ارتكاب الفاحشة غير متخذين عشيقات ترتكبون الزنى معهن، ومن يكفر بما شرعه الله لعباده من الأحكام فقد بطل عمله لفقد شرطه الذي هو الإيمان، وهو يوم القيامة من الخاسرين لدخوله النار خالدًا فيها مخلدًا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تحريم ما مات دون ذكاة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما ذُكِرَ عليه اسْمٌ غير اسم الله عند الذبح، وكل ميت خنقًا، أو ضربًا، أو بسقوط من علو، أو نطحًا، أو افتراشا من وحش، ويُستثنى من ذلك ما أُدرِكَ حيًّا وذُكّيَ بذبح شرعي.
• حِلُّ ما صاد كل مدرَّبٍ ذي ناب أو ذي مخلب.
• إباحة ذبائح أهل الكتاب، وإباحة نكاح حرائرهم من العفيفات.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 05:05 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (108)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/63.jpg
6 - يا أيها الذين آمنوا، إذا أردتم القيام لأداء الصلاة، وكنتم مُحْدِثين حدثًا أصغر فَتَوَضَّؤُوا بأن تغسلوا وجوهكم، وتغسلوا أيديكم مع مرافقها، وتمسحوا برؤوسكم، وتغسلوا أرجلكم مع الكعبين الناتئين بمفصل الساق، وإن كنتم مُحْدِثِينَ حدثًا أكبر فاغتسلوا، وإن كنتم مرضى تخافون من زيادة المرض أو تأخُّر بُرْئِهِ، أو كنتم مسافرين في حال صحة، أو كنتم مُحْدِثِينَ حدثًا أصغر بقضاء الحاجة مثلًا، أو مُحْدِثِينَ حدثًا أكبر بمجامعة النساء، ولم تجدوا ماء بعد البحث عنه لتتطهروا به- فاقصدوا وجه الأرض، واضربوه بأيديكم، وامسحوا وجوهكم وامسحوا أيديكم منه، ما يريد الله أن يجعل عليكم ضيقًا في أحكامه بأن يلزمكم استعمال الماء المؤدي إلى ضرركم، فشرع لكم بديلًا عنه عند تعذره لمرض أو لفقد الماء إتمامًا لنعمته عليكم لعلكم تشكرون نعمة الله عليكم، ولا تكفرونها.
7 - واذكروا نعمة الله عليكم بالهداية للإسلام، واذكروا عهده الذي عاهدكم عليه حين قلتم لما بايعتم النبي - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والمكره: سمعنا قولك وأطعنا أمرك، واتقوا الله بامتثال أوامره -ومنها عهوده- واجتناب نواهيه، إن الله عليم بما في القلوب، فلا يخفى عليه منه شيء.
8 - يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله، كونوا قائمين بحقوق الله عليكم مبتغين بذلك وجهه، وكونوا شهداء بالعدل لا بالجور، ولا يحملنكم بُغْض قوم على ترك العدل، فالعدل مطلوب مع الصديق والعدو، فاعدلوا معهما، فالعدل أقرب إلى الخوف من الله، والجور أقرب إلى الجسارة عليه، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، إن الله خبير بما تعملون، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيجازيكم عليها.
9 - وَعَدَ الله -الذي لا يخلف الميعاد- الذين آمنوا بالله ورسله وعملوا الصالحات بالمغفرة لذنوبهم، وبالثواب العظيم وهو دخول الجنة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأصل في الطهارة هو استعمال الماء بالوضوء من الحدث الأصغر، والغسل من الحدث الأكبر.
• في حال تعذر الحصول على الماء، أو تعذّر استعماله لمرض مانع أو برد قارس، يشرع التيمم (بالتراب) لرفع حكم الحدث (الأصغر أو الأكبر).
• الأمر بتوخي العدل واجتناب الجور حتى في معاملة المخالفين.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 05:10 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (109)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/64.jpg


10 - والذين كفروا بالله، وكذبوا بآياته، أولئك هم أصحاب النار الذين يدخلونها عقوبة على كفرهم وتكذيبهم، ملازمين لها كما يلازم الصاحب صاحبه.
11 - يا أيها الذين آمنوا، اذكروا بقلوبكم وألسنتكم ما أنعم الله به عليكم من الأمن وإلقاء الخوف في قلوب أعدائكم حين قصدوا أن يمدوا أيديهم إليكم ليبطشوا بكم ويفتكوا، فصرفهم الله عنكم وعصمكم منهم، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون في تحصيل مصالحهم الدينية والدنيوية.
12 - ولقد أخذ الله العهد المؤكد على بني إسرائيل بما سيأتي ذكره قريبًا، وأقام عليهم اثني عشر رئيسًا، كل رئيس يكون ناظرًا على من تحته، وقال الله لبني إسرائيل: إني معكم بالنصر والتأييد إذا أديتم الصلاة على الوجه الأكمل، وأعطيتم زكاة أموالكم، وصَدَّقْتم برسلي جميعًا دون تفريق بينهم، وعظمتموهم، ونصرتموهم، وأنفقتم في وجوه الخير، فإذا قمتم بذلك كله لأكفرن عنكم السيئات التي ارتكبتموها، ولأدخلنكم يوم القيامة جنات تجري الأنهار من تحت قصورها، فمن كفر بعد أخذ هذا العهد الموثق عليه فقد تنكّب طريق الحق عالمًا عامدًا.
13 - فبسبب نقضهم العهد المأخوذ عليهم طردناهم من رحمتنا، وصيرنا قلوبهم غليظة صلبة لا يصل إليها خير، ولا تنفعها موعظة، يُحَرِّفُونَ الكلم عن مواضعه بالتبديل لألفاظه، وبالتأويل لمعانيه بما يوافق أهواءهم، وتركوا العمل ببعض ما ذُكِّرُوا به، ولا تزال -أيها الرسول- تكتشف منهم خيانة لله ولعباده المؤمنين، إلا قليلًا منهم وَفَّوْا بما أخذ عليهم من عهد، فاعفُ عنهم ولا تؤاخذهم، واصفح عنهم؛ فإن ذلك من الإحسان، والله يحب المحسنين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من عظيم إنعام الله عز وجل على النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه أن حماهم وكف عنهم أيدي أهل الكفر وضررهم.
• أن الإيمان بالرسل ونصرتهم وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على الوجه المطلوب، سببٌ عظيم
لحصول معية الله تعالى وحدوث أسباب النصرة والتمكين والمغفرة ودخول الجنة.
• نقض المواثيق الملزمة بطاعة الرسل سبب لغلظة القلوب وقساوتها.
• ذم مسالك اليهود في تحريف ما أنزل الله إليهم من كتب سماوية.

ابو وليد البحيرى
2019-10-11, 05:15 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (110)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/65.jpg



14 - وكما أخذنا على اليهود عهدًا مؤكدًا موثقًا أخذنا على الذين زَكَّوْا أنفسهم بأنهم أتباع عيسى -عليه السلام-، فتركوا العمل بجزء مما ذُكِّرُوا به، كما فعل أسلافهم من اليهود، وألقينا بينهم الخصومة والكراهة الشديدة إلى يوم القيامة، فأصبحوا متقاتلين متناحرين يُكَفِّرُ بعضهم بعضًا، وسوف يخبرهم الله بما كانوا يصنعون، ويجازيهم عليه.
ولما ذكر الله أهل الكتاب وما أخذ عليهم من العهود، ونقضهم لها، أمرهم بالإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال:

15 - يا أهل الكتاب من اليهود أصحاب التوراة، والنصارى أصحاب الإنجيل، قد جاكم رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يبين لكم الكثير مما كنتم تكتمونه من الكتاب المنزل عليكم، ويتجاوز عن كثير من ذلك مما لا مصلحة فيه إلا افتضاحكم، قد جاءكم القرآن كتابًا من عند الله، وهو نور يُسْتضاء به، وكتاب مبين لكل ما يحتاج إليه الناس في شؤونهم الدنيوية والأخروية.
16 - يهدي الله بهذا الكتاب من اتبع ما يرضيه من الإيمان والعمل الصالح إلى طُرقِ السلامة من عذاب الله، وهي الطرق الموصلة إلى الجنة، ويخرجهم من ظلمات الكفر والمعصية إلى نور الإيمان والطاعة بإذنه، ويوفقهم إلى الطريق القويم المستقيم طريق الإسلام.
17 - لقد كفر القائلون من النصارى بأن الله هو المسيح عيسى بن مريم، قل لهم -أيها الرسول-: من يقدر أن يمنع الله من إهلاك المسيح عيسى بن مريم ويهلك أمه، ويهلك من في الأرض كلهم إذا أراد إهلاكهم؟! وإذا لم يقدر أحد أن يمنعه من ذلك دل ذلك على أنه لا إله إلا الله، وأن الجميع: عيسى بن مريم وأمه وسائر الخلق هم خَلْقُ الله، ولله ملك السماوات والأرض وملك ما بينهما، يخلق ما يشاء، وممن شاء خلقه: عيسى -عليه السلام-؛ فهو عبده ورسوله، والله على كل شيء قدير.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تَرْك العمل بمواثيق الله وعهوده قد يوجب وقوع العداوة وإشاعة البغضاء والتنافر والتقاتل بين المخالفين لأمر الله تعالى.
• الرد على النصارى القائلين بأن الله تعالى تجسد في المسيح -عليه السلام-، وبيان كفرهم وضلال قولهم.
• من أدلة بطلان ألوهية المسيح أن الله تعالى إن أراد أن يهلك المسيح وأمه -عليه السلام- وجميع أهل الأرض فلن يستطيع أحد رده، وهذا يثبت تفرده سبحانه بالأمر وأنه لا إله غيره.
• من أدلة بطلان ألوهية المسيح أن الله تعالى يُذَكِّر بكونه تعالى {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [المائدة: 17]، فهو يخلق من الأبوين، ويخلق من أم بلا أب كعيسى -عليه السلام-، ويخلق من الجماد كحية موسى -عليه السلام-، ويخلق من رجل بلا أنثى كحواء من آدم -عليه السلام-.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 04:33 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (111)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/94.jpg


18 - وادَّعى كل من اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه، قل -أيها الرسول- ردًّا عليهم: لماذا يعذبكم الله بالذنوب التي ترتكبونها؟! فلو كنتم أحباءه كما زعمتم لما عذبكم بالقتل والمسخ في الدنيا، وبالنار في الآخرة؛ لأنه لا يعذب من أحب، بل أنتم بشر كسائر البشر، مَنْ أحسن منهم جازاه بالجنة، ومن أساء عاقبه بالنار، فالله يغفر لمن يشاء بفضله، ويعذب من يشاء بعدله، ولله وحده ملك السماوات والأرض وملك ما بينهما، وإليه وحده المرجع.
19 - يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، قد جاءكم رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد انقطاع من الرسل وشدة الحاجة إلى إرساله؛ لئلا تقولوا معتذرين: ما جاءنا رسول يبشرنا بثواب الله، وينذرنا عقابه، فقد جاءكم محمد - صلى الله عليه وسلم - مبشرًا بثوابه ومنذرًا عقابه، والله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء، ومن قدرته إرسال الرسل، وخَتْمهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
20 - واذكر -أيها الرسول- حين قال موسى لقومه بني إسرائيل: يا قوم، اذكروا بقلوبكم وألسنتكم نعمة الله عليكم حين جعل فيكم أنبياء يدعونكم إلى الهدى، وجعلكم ملوكًا تملكون أمر أنفسكم بعد أن كنتم مملوكين مُسْتعبدين، وأعطاكم من نعمه ما لم يعط أحدًا من العالَمِين في زمانكم.
21 - قال موسى: يا قوم، ادخلوا الأرض المطهرة: (بيت المقدس وما حوله) التي وعدكم الله بدخولها وقتال مَن فيها من الكافرين، ولا تنهزموا أمام الجبارين، فيكون مآلكم الخسران في الدنيا والآخرة.
22 - قال له قومه: يا موسى، إن في الأرض المقدسة قومًا أولي قوة وأولي بأس شديد، وهذا يمنعنا من دخولها، فلن ندخلها ما دام هؤلاء فيها؛ لأنه لا حول لنا ولا قوة بقتالهم، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون فيها.
23 - قال رجلان من أصحاب موسى ممن يخشون الله ويخافون عقابه، أنعم الله عليهما بالتوفيق لطاعته، يحضَّان قومهما على امتثال أمر موسى -عليه السلام-: ادخلوا على الجبابرة باب المدينة، فإذا اقتحمتم الباب، ودخلتموه فإنكم -بإذن الله- ستغلبونهم وثوقًا بسُنَّة الله بترتيب النصر على اتخاذ الأسباب من الإيمان بالله واعداد الوسائل المادية، وعلى الله وحده اعتمدوا وتوكلوا إن كنتم مؤمنين حقًّا، فالإيمان يستلزم التوكل عليه سبحانه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تعذيب الله تعالى لكفرة بني إسرائيل بالمسخ وغيره يوجب إبطال دعواهم في كونهم أبناء الله وأحباءه.
• التوكل على الله تعالى والثقة به سبب لاستنزال النصر.
• جاءت الآيات لتحذر من الأخلاق الرديئة التي كانت عند بني إسرائيل.
• الخوف من الله سبب لنزول النعم على العبد، ومن أعظمها نعمة طاعته سبحانه.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 04:36 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (112)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/95.jpg


24 - قال قوم موسى من بني إسرائيل مُصِرِّينَ على مخالفة أمر نبيهم موسى -عليه السلام-: إنا لن ندخل المدينة ما دام الجبارون فيها، فاذهب أنت -يا موسى- وربك فقاتلا الجبارين، أما نحن فسنبقى مقيمين في مكاننا متخلفين عن القتال معكما.
25 - قال موسى لربه: يا رب لا سلطان لي على أحد إلا على نفسي وأخي هارون، فافصل بيننا وبين القوم الخارجين عن طاعتك وطاعة رسولك.
26 - قال الله لنبيه موسى -عليه السلام-: إن الله حرَّم دخول الأرض المقدسة على بني إسرائيل مدة أربعين سنة، يضلون هذه المدة في الصحراء حيارى لا يهتدون، فلا تأسف -يا موسى- على القوم الخارجين عن طاعة الله، فإن ما يصيبهم من عقاب هو بسبب معاصيهم وذنوبهم.
27 - واقصص -أيها الرسول- على هؤلاء. الحسدة الظالمين من اليهود خبر ابْنَي آدم، وهما قابيل وهابيل، بالصدق الذي لا مرية فيه، حين قَدمَا قُرْبانًا يتقرب به كل منهما إلى الله سبحانه، فَقَبِلَ الله القُرْبان الذي قدمه هابيل؛ لأنه من أهل التقوى، ولم يقبل قربان قابيل؛ لأنه ليس من أهل التقوى، فاستنكر قابيل قبول قُرْبان هابيل حسدًا، وقال: لأقتلنك يا هابيل، فقال هابيل: إنما يقبل الله قُرْبان من اتقاه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
28 - لئن مَدَدتَّ يدك إليّ تقصد قتلي فلست مجازيك بمثل صنيعك، ذلك ليس جبنًا مني، ولكني أخاف الله رب المخلوقات.
29 - فقال له مرهبًا: إني أريد أن ترجع بإثم قتلي ظلمًا وعدوانًا إلى آثامك السابقة، فتكون من أصحاب النار الذين يدخلونها يوم القيامة، ذلك الجزاء جزاء المعتدين، وأنا لا أريد أن أرجع بإثم قتلك فأكون منهم.
30 - فزيَّنتْ لقابيل نفسُه الأمارة بالسوء قتلَ أخيه هابيل ظلمًا فقتله، فأصبح بسبب ذلك من الناقصين أنفسهم حظوظهم في دنياهم وأخراهم.
31 - فأرسل الله غرابًا يثير الأرض أمامه ليدفن فيها غرابًا ميتًا؛ ليعلمه كيف يستر بدن أخيه، فأصبح من المتحسرين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• مخالفة الرسل توجب العقاب، كما وقع لبني إسرائيل؛ إذ عاقبهم الله تعالى بالتيه.
• قصة ابني آدم ظاهرها أن أول ذنب وقع في الأرض -في ظاهر القرآن- هو الحسد والبغي، والذي أدى به للظلم وسفك الدم الحرام الموجب للخسران.
• الندامة عاقبة مرتكبي المعاصي.
• أن من سَنَّ سُنَّة قبيحة أو أشاع قبيحًا وشجَّع عليه، فإن له مثل سيئات من اتبعه على ذلك.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 04:40 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (113)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/96.jpg
32 - من أجل قَتْل قابيل أخاه أعلمنا بني إسرائيل أن من قَتَل نفسًا بغير سبب من قِصاص أو إفساد في الأرض بالكفر أو الحِرابة، فكأنما قتل الناس جميعًا؛ لأنه لا فرق عنده بين البريء والجاني. ومن امتنع عن قتل نفس حرَّمها الله تعالى معتقدًا حرمة قتلها ولم يقتل؛ فكأنما أحيا الناس جميعًا؛ لأن صنيعه فيه سلامتهم جميعًا، ولقد جاءت رسلُنا إلى بني إسرائيل بالحجج الواضحة والبراهين الجلية، ومع هذا فإن كثيرًا منهم متجاوزون لحدود الله بارتكاب المعاصي، ومخالفة رسلهم.
33 - ما عاقبة الذين يحاربون الله ورسوله، ويبارزونه بالعداوة والإفساد في الأرض بالقتل وأخذ الأموال وقطع الطريق؛ إلا أن يُقْتَلُوا من غير صلب، أو يقتلوا مع الصلب على خشبة ونحوها، أو تقطع يد أحدهم اليمنى مع الزجل اليسرى، ثم إن عاد قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى، أو يغرَّبوا في البلاد؛ ذلك العقاب لهم فضيحة في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
34 - إلا الذين تابوا من هؤلاء المحاربين من قبل قدرتكم -يا أولي الأمر- عليهم، فاعلموا أن الله غفور لهم بعد التوبة، رحيم بهم، ومن رحمته بهم إسقاط العقاب عنهم.
35 - يا أيها الذين آمنوا، اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واطلبوا القرب منه بأداء ما أمركم به، والبعد عما نهاكم عنه، وجاهدوا الكفار ابتغاء مرضاته؛ لعلكم تنالون ما تطلبونه، وتُجَنَّبُون ما ترهبونه إذا قمتم بذلك.
36 - إن الذين كفروا بالله وبرسله، لو قُدِّرَ أن لكل منهم ملك ما في الأرض جميعًا ومثله معه فقدموه ليفكوا أنفسهم من عذاب الله يوم القيامة، ما قُبِلَ منه ذلك الفداء، ولهم عذاب مُوجع.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• حرمة النفس البشرية، وأن من صانها وأحياها فكأنما فعل ذلك بجميع البشر، وأن من أتلف نفسًا بشرية أو آذاها من غير حق فكأنما فعل ذلك بالناس جميعًا.
• عقوبة الذين يحاربون الله ورسوله ممن يفسدون بالقتل وانتهاب الأموال وقطع الطرف هي: القتل بلا صلب، أو مع الصلب، أو قطع الأطراف من خلاف، أو بتغريبهم من البلاد؛ وهذا على حسب ما صدر منهم.
• توبة المفسدين من المحاربين وقاطعي الطريق قبل قدرة السلطان عليهم توجب العفو.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 04:44 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (114)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/97.jpg

37 - يريدون الخروج من النار إذا دخلوها، وأنى لهم ذلك؟! فلن يخرجوا منها، ولهم فيها عذاب دائم.
ولمَّا ذكر الله حكم من يجاهر بأخذ أموال الناس بَيَّنَ حكم من يأخذها خفية وهو السارق، فقال:
38 - والسارق والسارقة فاقطعوا -أيها الحكام- اليد اليمنى لكل منهما مجازاة لهما وعقوبة من الله على ما ارتكباه من أخذ أموال الناس بغير حق، وترهيبًا لهما ولغيرهما، والله عزيز لا يغلبه شي، حكيم في تقديره وتشريعه.
39 - فمن تاب إلى الله من السرقة، وأصلح عمله، فإن الله يتوب عليه تفضُّلًا منه؛ ذلك أن الله غفور لذنوب من تاب من عباده، رحيم بهم، لكن لا يسقط عنهم الحد بالتوبة إذا وصل الأمر إلى الحكام.
40 - لقد علمتَ -أيها الرسول- أن الله له ملك السماوات والأرض يتصرف فيهما بما يشاء، وأنه يعذب من يشاء بعدله، ويغفر لمن يشاء بفضله، إن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء.
41 - يا أيها الرسول، لا يحزنك الذين يسارعون في إظهار أعمال الكفر ليغيظوك من المنافقين الذين يُظْهِرُونَ الإيمان، ويبطنون الكفر. ولا يحزنك اليهود الذين يُصْغُون لكذب كبارهم ويقبلونه، مقلِّدين لزعمائهم الذين لم يأتوك إعراضًا منهم عنك، يُبَدِّلُونَ كلام الله في التوراة بما يوافق أهواءهم، يقولون لأتباعهم: إن وافق حكم محمد أهواءكم فاتبعوه، وإن خالفها فاحذروا منه، ومن يرد الله إضلاله من الناس فلن تجد -أيها الرسول- من يدفع عنه الضلال ويهديه إلى سبيل الحق، أولئك المتصفون بهذه الصفات من اليهود والمنافقين هم الذين لم يرد الله تطهير قلوبهم من الكفر، لهم في الدنيا خزي وعار ولهم في الآخرة عذاب عظيم، وهو عذاب النار.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• حكمة مشروعية حد السرقة: لردع السارق عن التعدي على أموال الناس، وتخويف من عداه من الوقوع في مثل ما وقع فيه.
• قَبول توبة السارق ما لم يبلغ السلطان وعليه إعادة ما سرق، فإذا بلغ السلطان وجب الحكم، ولا يسقط بالتوبة.
• يحسن بالداعية إلى الله ألَّا يحمل همًّا وغمًا بسبب ما يحصل من بعض الناس مِن كُفر ومكر وتآمر؛ لأن الله تعالى يبطل كيد هؤلاء.
• حِرص المنافقين على إغاظة المؤمنين بإظهار أعمال الكفر مع ادعائهم الإسلام.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 04:48 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (115)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/98.jpg


42 - هؤلاء اليهود كثيرو الاستماع للكذب، كثيرو الأكل للمال الحرام كالربا، فإن تحاكموا إليك -أيها الرسول- فافصل بينهم إن شئت، اترك الفصل بينهم إن شئت، فأنت مُخير بين الأمرين، وإن تركت الفصل بينهم فلن يستطيعوا أن يضروك بشيء، وإن فصلت بينهم فافصل بينهم بالعدل، وإن كانوا ظَلَمة وأعداء، إن الله يحب العادلين في حكمهم، ولو كان المتحاكمون أعداء للحاكم.
43 - وإنَّ أَمْرَ هؤلاء لعجب، فهم يكفرون بك، ويتحاكمون إليك طمعًا في حكمك بما يوافق أهواءهم، وهم عندهم التوراة التي يزعمون الإيمان بها، فيها حكم الله، ثم يعرضون عن حكمك إذا لم يوافق أهواءهم، فجمعوا بين الكفر بما في كتابهم، والإعراض عن حكمك، وما صنيع هؤلاء بصنيع المؤمنين، فليسوا إذن من المؤمنين بك وبما جئت به.
44 - إنا أنزلنا التوراة على موسى -عليه السلام-، فيها إرشاد ودلالة على الخير، ونور يُسْتضاء به، يحكم بها أنبياء بني إسرائيل الذين انقادوا لله بالطاعة، ويحكم بها العلماء والفقهاء الذين يُرَبُّونَ الناس لما استحفظهم الله على كتابه، وجعلهم أمناء عليه يحفظونه من التحريف والتبديل، وهم شهداء عليه بأنه حق، وإليهم يرجع الناس في أمره، فلا تخافوا -أيها اليهود- الناس وخافوني وحدي، ولا تأخذوا بدلًا من الحكم بما أنزل الله ثمنًا قليلًا من رئاسة أو جاه أو مال، ومن لم يحكم بما أنزل الله من الوحي مستحلًّا ذلك، أو مفضلًا عليه غيره، أو مساويًا له معه فأولئك هم الكافرون حقًّا.
45 - وفرضنا على اليهود في التوراة أنَّ من قتل نفسًا متَعمِّدًا بغير حق قُتِلَ بها، ومن قلع عينًا متَعمِّدًا قُلِعَتْ عينه، ومن جدع أنفًا متَعمدًا جُدِعَ أنفه، ومن قطع أذنًا متَعمِّدًا قُطِعَتْ أذنه، ومن قلع سنا متَعمدًا قُلِعَتْ سنه، وكتبنا عليهم أن في الجروح يُعاقَب الجاني بمثل جنايته، ومن تطوع بالعفو عن الجاني كان عفوه كفارة لذنوبه؛ لعفوه عمن ظلمه، ومن لم يحكم بما أنزل الله في شأن القصاص وفي شأن غيره، فهو متجاوز لحدود الله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تعداد بعض صفات اليهود، مثل الكذب وأكل الربا ومحبة التحاكم لغير الشرع؛ لبيان ضلالهم وللتحذير منها.
• بيان شرعة القصاص العادل في الأنفس والجراحات، وهي أمر فرضه الله تعالى على من قبلنا.
• الحث على فضيلة العفو عن القصاص، وبيان أجرها العظيم المتمثّل في تكفير الذنوب.
• الترهيب من الحكم بغير ما أنزل الله في شأن القصاص وغيره.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 04:52 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (116)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/99.jpg


46 - وأتبعنا آثار أنبياء بني إسرائيل بعيسى بن مريم مؤمنًا بما في التوراة، وحاكمًا بها، وأعطيناه الإنجيل مشتملًا على الهداية للحق، وعلى ما يزيل الشبهات من الحجج، ويحل المشكلات من الأحكام، وموافقًا لما نزل من قبله من التوراة إلا في القليل مما نسخه من أحكامها، وجعلنا الإنجيل هدًى يُهْتدى به، وزاجرًا عن ارتكاب ما حرمه عليهم.
47 - ولْيؤمِنِ النصارى بما أنزل الله في الإنجيل، وليحكموا به -فيما جاء به من صدق قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - إليهم-، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الخارجون عن طاعة الله، التاركون للحق، المائلون إلى الباطل.
ولَمَّا ذكر الله التوراة والإنجيل ومدحهما، ذكر القرآن ومدحه فقال:
48 - وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن بالصدق الذي لا شك ولا ريب أنه من عند الله، مصدقًا لما سبقه من الكتب المنزلة، ومؤتمَنًا عليها، فما فقه منها فهو حق، وما خالفه فهو باطل، فاحكم بين الناس بما أنزل الله عليك فيه، ولا تتبع أهواءهم التي أخذوا بها، تاركًا ما أنزل عليك من الحق الذي لا شك فيه، وقد جعلنا لكل أمة شريعة من الأحكام العملية وطريقة واضحة يهتدون بها، ولو شاء الله توحيد الشرائع لوحَّدها، ولكنه جعل لكل أمة شريعة؛ ليختبر الجميع فيظهر المطيع من العاصي، فسارعوا إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، فإلى الله وحده رجوعكم يوم القيامة، وسينبئكم بما كنتم تختلفون فيه، وسيجازيكم على ما قدمتم من أعمال.
49 - وأن احكم بينهم -أيها الرسول- بما أنزل الله إليك، ولا تتبع آراءهم النابعة من اتباع الهوى، واحذرهم أن يضلوك عن بعض ما أنزل الله عليك، فلن يألوا جهدًا في سبيل ذلك، فإن أعرضوا عن قبول الحكم بما أنزل الله إليك فاعلم أنما يريد الله أن يعاقبهم ببعض ذنوبهم عقوبة دنيوية، ويعاقبهم على جميعها في الآخرة، وإن كثيرًا من الناس لخارجون عن طاعة الله.
50 - أَيُعْرضون عن حكمك طالبين حكم أهل الجاهلية من عبدة الأوثان الذين يحكمون تبعًا لأهوائهم؟! فلا أحد أحسن حكمًا من الله عند أهل اليقين الذين يعقلون عن الله ما أنزل على رسوله، لا أهل الجهل والأهواء الذين لا يقبلون إلا ما يوافق أهواءهم وإن كان باطلًا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأنبياء متفقون في أصول الدين مع وجود بعض الفروق بين شرائعهم في الفروع.
• وجوب تحكيم شرع الله والإعراض عمّا عداه من الأهواء.
• ذم التحاكم إلى أحكام أهل الجاهلية وأعرافهم.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 04:56 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (117)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/100.jpg
51 - يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله لا تجعلوا من اليهود والنصارى حلفاء وأصفياء توالونهم، فاليهود إنما يوالون أهل ملَّتهم، والنصارى إنما يوالون أهل ملتهم، وكِلا الفريقين تجمعهم معاداتكم، ومن يتولهم منكم فإنه في عِدادهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين بسبب موالاتهم للكفار.
52 - فترى -أيها الرسول- المنافقين ضعفاء الإيمان يبادرون إلى موالاة اليهود والنصارى قائلين: نخاف أن يظفر هؤلاء وتكون لهم الدولة فينالنا منهم مكروه، فلعل الله يجعل الظفر لرسوله وللمؤمنين، أو يأتي بأمر من عنده تندفع به صَوْلة اليهود ومن يواليهم، فيصبح المسارعون إلى موالاتهم نادمين على ما أخفوه من النفاق في قلوبهم؛ لبطلان ما تعلقوا به من أسباب واهية.
53 - ويقول المؤمنون متعجبين من حال هؤلاء المنافقين: أهؤلاء الذين حلفوا مؤكدين أيمانهم: إنهم لمعكم -أيها المؤمنون- في الإيمان والنصرة والموالاة؟! بطلت أعمالهم، فأصبحوا خاسرين بفوات مقصودهم، وما أعد لهم من عذاب.
54 - يا أيها الذين آمنوا، من يرجع منكم عن دينه إلى الكفر فسوف يأتي الله بقوم بدلًا منهم يحبهم ويحبونه لاستقامتهم، رحماء بالمؤمنين أشداء على الكافرين، يجاهدون بأموالهم وأنفسهم لتكون كلمة الله هي العليا، ولا يخشون تعنيف من يعنفهم؛ لتقديمهم رضا الله على رضا المخلوقين، ذلك من عطاء الله الذي يعطيه من يشاء من عبا والله واسع الفضل والإحسان، عليم بمن يستحق فضله فيمنحه إياه ومن لا يستحقه فيحرمه.
ولما نهى الله عن موالاة اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار، أخبر بمن يَتَعيَّن على المؤمنين موالاتهم، فقال:

55 - ليس اليهود ولا النصارى ولا غيرهم من الكفار، أولياءكم، بل إنَّ وليكم وناصركم الله ورسوله، والمؤمنون الذين يؤدون الصلاة كاملة، ويعطون زكاة أموالهم وهم خاضعون لله أذلاء.
56 - ومن يَتَوَلَّ الله ورسوله والمؤمنين بالنصرة فهو من حزب الله، وحزب الله هم الغالبون؛ لأن الله ناصرهم.
57 - يا أيها الذين آمنوا، لا تتخذوا الذين يسخرون من دينكم، ويتلاعبون به من الذين أعْطُوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى والمشركين حلفاء وأصفياء، واتقوا الله باجتناب ما نهاكم عنه من موالاتهم إن كنتم مؤمنين به، وبما أنزله عليكم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• التنبيه علي عقيدة الولاء والبراء التي تتلخص في الموالاة والمحبة لله ورسوله والمؤمنين، وبغض أهل الكفر وتجنب محبتهم.
• من صفات أهل النفاق: موالاة أعداء الله تعالى.
• التخاذل والتقصير في نصرة الدين قد ينتج عنه استبدال المُقَصِّر والإتيان بغيره، ونزع شرف نصرة الدين عنه.
• التحذير من الساخرين بدين الله تعالى من الكفار وأهل النفاق، وموالاتهم.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 04:59 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (118)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/101.jpg


58 - وكذلك يسخرون ويلعبون إذا أَذنْتُم للصلاة التي هي أعظم قربة، ذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون عن الله معاني عبادته وشرائعه التي شرعها للناس.
59 - قل -أيها الرسول- للمستهزئين من أهل الكتاب: هل تعيبون علينا إلا إيماننا بالله وبما أنزل إلينا، وبما أنزل على من قبلنا، وإيمانَنَا أن أكثركم خارجون عن طاعة الله بتركهم للإيمان وامتثال الأوامر؟! فما تعيبونه علينا مَحْمَدَةٌ لنا، وليس مَذَمَّةً.
60 - قل -أيها الرسول-: هل أخبركم بمن هم أولى بالعيب، وأشد عقابًا من هؤلاء، إنهم أسلافهم الذين طردهم الله من رحمته، وصيرهم بعد المسخ قردة وخنازير، وجعل منهم عُبَّادًا للطاغوت، والطاغوت هو كل من يُعْبد من دون الله راضيًا، أولئك المذكورون شر منزلة يوم القيامة، وأضل سعيًا عن الطريق المستقيم.
61 - وإذا جاءكم -أيها المؤمنون- المنافقون منهم أظهروا لكم الإيمان نفاقًا منهم، والواقع أنهم عند دخولهم وخروجهم مُتلبسون بالكفر لا ينفكون عنه، والله أعلم بما يُضْمرونه من الكفر إن أظهروا الإيمان لكم، وسيجازيهم على ذلك.
62 - وترى -أيها الرسول- كثيرًا من اليهود والمنافقين يُبادرون إلى ارتكاب المعاصي مثل الكذب والاعتداء على الآخرين بظلمهم وأكل أموال الناس بالحرام، ساء ما يعملون.
63 - هلَّا يزجرهم أئمتهم وعلماؤهم عما يسارعون إليه من قول الكذب وشهادة الزور وكل أموال الناس بالباطل، لقد ساء صنيع أئمتهم وعلمائهم الذين لا ينهونهم عن المنكر.
64 - وقالت اليهود لَمَّا أصابهم جَهْدٌ وجَدْبٌ: يد الله مقبوضة عن بذل الخير والعطاء، أمسك عنا ما عنده، ألا حُبِسَتْ أيديهم عن فعل الخير والعطاء، وطُرِدُوا من رحمة الله بقولهم هذا، بل يداه عز وجل مبسوطتان بالخير والعطاء، ينفق كيف يشاء، يبسط ويقبض، لا حاجر عليه ولا مُكْره له، ولا يزيد اليهود ما أنزل إليك -أيها الرسول- إلا تجاوزًا للحد وجحودًا؛ ذلك لِمَا هم عليه من الحسد، وأَلقينا بين طوائف اليهود العداوة والبغضاء، كلما جمعوا للحرب، وأعدوا لها عدة، أو تآمروا لإشعالها شَتَّتَ الله جمعهم، وأذهب قوتهم، ولا يزالون يجتهدون في ارتكاب ما فيه فساد في الأرض من السعي لإبطال الإسلام والكيد له والله لا يحب أهل الفساد.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ذمُّ العالم على سكوته عن معاصي قومه وعدم بيانه لمنكراتهم وتحذيرهم منها.
• سوء أدب اليهود مع الله تعالى، ذلك لأنهم وصفوه سبحانه بأنه مغلول اليد للخير.
• إثبات صفة اليدين، على وجه يليق بذاته وجلاله وعظيم سلطانه.
• الإشارة لما وقع فيه بعض طرائف اليهود من الشقاق والاختلاف والعداوة بينهم نتيجة لكفرهم وميلهم عن الحق.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 05:03 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (119)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/102.jpg
65 - ولو أن اليهود والنصارى آمنوا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، واتَّقَوا الله باجتناب المعاصي، لَكَفَّرْنَا عنهم المعاصي التي ارتكبوها ولو كانت كثيرة، ولأدخلناهم يوم القيامة جنات النعيم، يتنعمون بما فيها من نعيم لا ينقطع.
66 - ولو أن اليهود عملوا بما في التوراة، وعملوا جميعًا لما أنزل عليهم من القرآن - وأن النصارى, عملوا بما في الإلجيل، ليسَّرتُ لهم أسباب الرزق من إنزال المطر وإنبات الأرض، ومن أهل الكتاب المعتدلُ الثابت على الحق، والكثير منهم ساء عمله لعدم إيمانهم.
67 - يا أيها الرسول أخبر بما أُنْزِلَ إليك من ربك كاملًا، ولا تكتم منه شيئًا، فإن كتمت منه شيئًا فما أنت بمبلِّغ رسالة ربك (وقد بَلَّغَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل ما أُمِرَ بتبليغه، فمن زعم خلاف ذلك فقد أعظم الفِرْية على الله)، والله يحميك من الناس بعد اليوم، فلا يستطيعون الوصول إليك بسوء، فما عليك إلا البلاغ، والله لا يوفق للرشد الكافرين الذين لا يريدون الهداية.
68 - قل -أيها الرسول-: لستم -أيها اليهود والنصارى- على شيء من الدين المعتدِّ به حتى تعملوا بما في التوراة والإنجيل، وتعملوا بما أنزل عليكم من القرآن الذي لا يصحّ إيمانكم إلا بالإيمان به، والعمل بما فيه، وليزيدنَّ كثيرًا من أهل الكتاب الذي أُنزِل إليك من ربك طغيانًا إلى طغيان، وكفرًا إلى كفر؛ لِمَا هم عليه من الحسد، فلا تأسف على هؤلاء الكافرين، وفيمن اتبعك من المؤمنين غنية وكفاية.
69 - إن المؤمنين واليهود والصابئين وهم طائفة من أتباع بعض الأنبياء والنصارى، من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل الأعمال الصالحة، فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
70 - لقد أخذنا العهود المؤكدة على بني إسرائيل بالسمع والطاعة، فنقضوا ما أخِذَ عليهم منها، واتبعوا ما تمليه أهواؤهم من الإعراض عما جاءتهم به رسلهم، ومن تكذيبهم بعضًا وقتلهم بعضا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• العمل بما أنزل الله تعالى سبب لتكفير السيئات ودخول الجنة وسعة الأرزاق.
• توجيه الدعاة إلى أن التبليغ المُعتَدَّ به والمُبْرِئ للذمة هو ما كان كاملًا غير منقوص، وفي ضوء ما ورد به الوحي.
• لا يُعْتد بأي معتقد ما لم يُقِمْ صاحبه دليلًا على أنه من عند الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-10-22, 05:06 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (120)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/10/103.jpg
71 - وظنوا أن نقضهم للعهود والمواثيق، وتكذيبهم، وقتلهم الأنبياء لا يترتب عليه ضرر بهم، فترتب عليه ما لم يظنوه، فَعَمُوا عن الحق، فلا يهتدون إليه، وصَمُّوا عن سماعه سماع قبول، ثم تاب الله عليهم تفضلًا منه، ثم عَمُوا بعد ذلك عن الحق، وصَموا عن سماعه، حدث ذلك لكثير منهم، والله بصير بما يعملونه، لا يخفى عليه منه شيء، وسيجازيهم عليه.
72 - لقد كفر النصارى القائلون بأن الله هو المسيح عيسى بن مريم؛ لنسبتهم الألوهية لغير الله، مع أن المسيح ابن مريم نفسه قال لهم: يا بني إسرائيل اعبدوا الله وحده، فهو ربي وربكم، فنحن في عبوديته سواء، ذلك أن من يشرك بالله غيره فإن الله قد منع عليه دخول الجنة أبدًا، ومستقره نار جهنم، وما له ناصر عند الله ولا معين، ولا منقذ ينقذه مما ينتظره من العذاب.
73 - لقد كفر النصارى القائلون: إن الله مُؤَلَّفٌ من ثلاثة، هم: الأب والابن , وروح القدس، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، فليس الله بمتعدد، إنما هو إله واحد لا شريك له، وإن لم يكفوا عن هذه المقالة الشنيعة لَيَنَالَنَّهُم عذاب موجع.
74 - أفلا يرجع هؤلاء عن مقالتهم هذه تائبين إلى الله منها، ويطلبون منه المغفرة على ما ارتكبوه من الشرك به؟! والله غفور لمن تاب من أي ذنب كان، ولو كان الذنب الكفر به، رحيم بالمؤمنين.
75 - ليس المسيح عيسى بن مريم إلا رسولًا من بين الرسل، يجري عليه ما جرى عليهم من الموت، وأمه مريم -عليهما السلام- كثيرة الصدق والتصديق، وهما يأكلان الطعام لحاجتهما إليه، فكيف يكونان إلهين مع حاجتهما للطعام؟! فانظر -أيها الرسول- نظر تأمل: كيف نوضح لهم الآيات الدالة على الوحدانية، وعلى بطلان ما هم عليه من المغالاة في نسبة الألوهية لغيره سبحانه، وهم مع ذلك يتنكرون لهذه الآيات، ثم انظر نظر تأمُّل: كيف يُصْرَفُونَ عن الحق صرفًا مع هذه الآيات الواضحة الدالة على وحدانية الله.
76 - قل -أيها الرسول- مُحتجًّا عليهم في عبادتهم لغير الله: أتعبدون ما لا يجلب لكم نفعًا، ولا يدفع عنكم ضرًّا؟! فهو عاجز، والله منزه عن العجز، والله هو وحده السميع لأقوالكم، فلا يفوته منها شيء، العليم بأفعالكم، فلا يخفى عليه منها شيء، وسيجازيكم عليها.
77 - قل -أيها الرسول- للنصارى: لا تتجاوزوا الحد فيما أمِرْتُمْ به من اتباع الحق، ولا تبالغوا في تعظيم مَنْ أُمِرْتُمْ بتعظيمه -مثل الأنبياء- فتعتقدوا فيهم الألوهية كما فعلتم بعيسى بن مريم، بسبب اقتدائكم بأسلافكم من أهل الضلال الذين أضلُّوا كثيرًا من الناس، وضلوا عن طريق الحق.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان كفر النصارى في زعمهم ألوهية المسيح -عليه السلام-، وبيان بطلانها، والدعوةُ للتوبة منها.
• من أدلة بشرية المسيح وأمه: أكلهما للطعام، وفعل ما يترتب عليه.
• عدم القدرة على كف الضر وإيصال النفع من الأدلة الظاهرة على عدم استحقاق بعض المعبودين للالوهية؛ لكونهم عاجزين.
• النهي عن الغلو وتجاوز الحد في معاملة الصالحين من خلق الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 02:46 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (121)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/12.jpg


78 - يخبر الله سبحانه أنه طَرَدَ الكافرين من بني إسرائيل من رحمته في الكتاب الذي أنزله على داود وهو الزبور، وفي الكتاب الذي أنزله على عيسى بن مريم وهو الإنجيل، ذلك الطرد من الرحمة بسبب ما ارتكبوه من المعاصي والاعتداء على حُرُمات الله.
79 - كانوا لا ينهى بعضهم بعضًا عن ارتكابه المعصية، بل يجاهر العصاة منهم بما يقترفونه من المعاصي والمنكَرات؛ لأنه لا مُنْكِرَ يُنكر عليهم، لَسَاءَ ما كانوا يفعلون من ترك النهي عن المنكر.
80 - تشاهد -أيها الرسول- كثيرًا من الكفرة من هؤلاء اليهود يحبون الكافرين ويميلون إليهم، ويعادونك ويعادون الموحِّدين، ساء ما يُقْدِمُونَ عليه من موالاتهم الكافرين، فإنها سبب غضب الله عليهم، وإدخاله إياهم النار خالدين فيها، لا يخرجون منها أبدًا.
81 - ولو كان هؤلاء اليهود يؤمنون بالله حقًّا، ويؤمنون بنبيِّه، ما جعلوا من المشركين أولياء يحبُّونهم ويميلون إليهم دون المؤمنين؛ لأنهم نُهُوا عن اتخاذ الكافرين أولياء، ولكنَّ كثيرًا من هؤلاء اليهود خارجون عن طاعة الله وولايته، وولاية المؤمنين.
82 - لتجِدنَّ -أيها الرسول- أعظم الناس عداوة للمؤمنين بك، وبما جئت به اليهودَ؛ لِمَا هم عليه من الحقد والحسد والكبر، وعبدةَ الأصنام، وغيرهم من المشركين بالله، ولتجِدنَّ أقربهم محبة للمؤمنين بك، وبما جئت به الذين يقولون عن أنفسهم: إنهم نصارى، وقرب مودة هؤلاء للمؤمنين لأن منهم علماء وعنادًا، وأنهم متواضعون، غير متكبرين؛ لأن المتكبر لا يصل الخير إلى قلبه.
83 - وهؤلاء -كالنجاشي وأصحابه- قلوبهم لَيِّنَة، حيث إنهم يبكون خشوعًا عند سماع ما أُنْزِلَ من القرآن لَمَّا عرفوا أنه من الحق؛ لمعرفتهم بما جاء به عيسى -عليه السلام-، يقولون: يا ربنا آمنا بما أنزلت على رسولك محمد عسي -عليه السلام-، فاكتبنا -يا ربنا- مع أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- التي تكون حجة على الناس يوم القيامة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب لِلَّعْنِ والطرد من رحمة الله تعالى.
• من علامات الإيمان: الحب في الله والبغض في الله.
• موالاة أعداء الله توجب غضب الله عز وجل على فاعلها.
• شدة عداوة اليهود والمشركين لأهل الإسلام، وفي المقابل وجود طوائف من النصارى يدينون بالمودة للإسلام؛ لعلمهم أنه دين الحق.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 02:50 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (122)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/13.jpg

84 - وأي سبب يحول بيننا وبين الإيمان بالله وما أنزله من الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -؟! ونحن نرجو دخول الجنة مع الأنبياء وأتباعهم المطيعين لله الخائفين من عذابه.
85 - فجازاهم الله على إيمانهم واعترافهم بالحق جنات تجري الأنهار من تحت قصورها وأشجارها ماكثين فيها أبدًا، وذلك جزاء المحسنين في اتباعهم للحق وانقيادهم دون قيد أو شرط.
86 - والذين كفروا بالله وبرسوله، وكذبوا بآيات الله التي أنزلها على رسوله، أولئك الملازمون للنار المتاججة، لا يخرجون منها أبدًا.
87 - يا أيها الذين آمنوا، لا تُحَرِّمُوا المستلذات المباحة من المآكل والمشارب والمناكح، لا تُحَرِّمُوها تزهدًا أو تعبدًا، ولا تتجاوزوا حدود ما حرم الله عليكم، إن الله لا يحب المتجاوزين بل يبغضهم.
88 - وكلوا مما يسوقه الله إليكم من رزقه حال كونه حلالًا طيبًا , لا إن كان حرامًا كالمأخوذ غَصْبًا أو مُسْتخبثًا، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فهو الذي تؤمنون به، إيمانكم به يوجب عليكم أن تتقوه.
89 - لا يحاسبكم الله -أيها المؤمنون- بما يجري على ألسنتكم من الحَلِفِ من غير قصد، وإنما يحاسبكم بما عزمتم عليه، وعَقَدتُّمُ القلوب عليه وحنثتم، فيمحو عنكم إثم ما عزمتم عليه من أيمان ونطقتموه إذا حنثتم أحد ثلاثة أشياء على التخيير هي: إطعام عشرة مساكين من أوسط طعام أهل بلدكم، لكل مسكين نصف صاع، أو كسوتهم بما يُعْتبر عُرْفًا كسوة، أو إعتاق رقبة مؤمنة، فإذا لم يجد المكفِّر عن يمينه أحد هذه الأشياء الثلاثة كَفَّر عنها بصيام ثلاثة أيام، ذلك المذكور هو كفارة أيمانكم -أيها المؤمنون- إذا أقسمتم بالله وحنثتم، وصونوا أيمانكم عن الحلف بالله كذبًا، وعن كثرة القسم بالله، وعن عدم الوفاء بالقسم ما لم يكن عدم الوفاء خيرًا، فافعلوا الخير، وكَفِّرُوا عن أيمانِكم، كما بَيَّن الله لكم كفارة اليمين يُبَيِّنُ الله لكم أحكامه المبينة للحلال والحرام، لعلكم تشكرون الله على أن علّمكم ما لم تكونوا تعلمون.
90 - يا أيها الذين آمنوا، إنما المُسْكر الذي يُذْهِبُ العقل، والقمار المشتمل على عوض من الجانبين، والحجارة التي يَذْبَحُ عندها المشركون تعظيمًا لها أو ينصبونها لعبادتها، والقِدَاح التي كانوا يطلبون بها ما قسم لهم من الغيب، كل ذلك إثم من تَزْيِين الشيطان، فابتعدوا عنه لعلكم تفوزون بحياة كريمة في الدنيا وبنعيم الجنة في الآخرة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأمر بتوخي الطيب من الأرزاق وترك الخبيث.
• عدم المؤاخذة على الحلف عن غير عزم للقلب، والمؤاخذة على ما كان عن عزم القلب ليفعلنّ أو لا يفعلنّ.
• بيان أن كفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة مؤمنة، فإذا لم يستطع المكفِّر عن يمينه الإتيان بواحد من الأمور السابقة، فليكفِّر عن يمينه بصيام ثلاثة أيام.
• قوله تعالى: " ... إنَّمَا الخمرُ ... " هي آخر آية نزلت في الخمر، وهي نص في تحريمه.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 02:54 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (123)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/14.jpg


91 - إنما يقصد الشيطان من تَزْيِين المسكر والقمار إيقاع العداوة والبغضاء بين القلوب، والصرف عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم -أيها المؤمنون- تاركون هذه المنكرات؛ لا شك أن ذلك هو اللائق بكم، فانتهوا.
92 - وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول بامتثال ما أمر الشرع به، واجتناب ما نهى عنه، واحذروا من المخالفة، فإن أعرضتم عن ذلك فاعلموا أنما على رسولنا التبليغ لِمَا أمره الله بتبليغه، وقد بَلغَ، فإن اهتديتم فلأنفسكم، وإن أسأتم فعليها.
ولَمَّا نزل تحريم الخمر تمنى بعض المؤمنين معرفة حال إخوانهم الذين ماتوا مسلمين قبل تحريمها؛ فنزلت الآية التالية:

93 - ليس على الذين آمنوا بالله، وعملوا الأعمال الصالحة تقربًا إليه؛ إثم فيما تناولوه من الخمر قبل تحريمها، إذا اجتنبوا المحرمات، مُتَّقين سخط الله عليهم، مؤمنين به، قائمين بالأعمال الصالحة، ثم ازدادوا مراقبة لله حتى أصبحوا يعبدونه كأنهم يرونه، والله يحب الذين يعبدونه كأنهم يرونه؛ لما هم فيه من استشعار رقابة الله الدائمة، وذلك ما يقود المؤمن إلى إحسان عمله وإتقانه.
94 - يا أيها الذين آمنوا، لبختبرنَّكم الله بشيء يسوقه إليكم من الصيد البري وأنتم مُحْرِمون، تتناولون الصغار منه بايديكم، والكبار برماحكم، ليعلم الله -علمَ ظهورٍ يحاسب عليه العباد- من يخافه بالغيب لكمال إيمانه بعلم الله، فيمسك عن الصيد خوفًا من خالقه الذي لا يخفى عليه عمله، فمن تجاوز الحد، واصطاد وهو مُحْرِم بحج أو عمرة فله عذاب موجع يوم القيامة؛ لِمَا ارتكبه من مخالفة ما نهى الله عنه.
95 - يا أيها الذين آمنوا، لا تقتلوا الصيد البري وأنتم مُحْرِمون بحج أو عمرة، ومن قتله منكم متعمدًا فعليه جزاء مماثل لِمَا قتله من الصيد من الإبل أو البقر أو الغنم، يحكم به رجلان متصفان بالعدالة بين المسلمين، وما حكما به يُفْعَلُ به ما يُفْعَلُ بالهدي من الإرسال إلى مكة وذبحه في الحرم، أو قيمة ذلك من الطعام تُدْفع لفقراء الحرم، لكل فقير نصف صاع أو صيام يوم مقابل كل نصف صاع من الطعام، كل ذلك ليذوق قاتل الصيد عاقبة ما أقدم عليه من قتله. تجاوز الله عما مضى من قتل صيد الحرم وقتل المحرم صيد البر قبل تحريمه، ومن عاد إليه بعد التحريم انتقم الله منه بأن يعذبه على ذلك، والله قوي منيع، ومن قوته أنه ينتقم ممن عصاه إن شاء، لا يمنعه منه مانع.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عدم مؤاخذة الشخص بما لم يُحَرم أو لم يبلغه تحريمه.
• تحريم الصيد على المحرِم بالحج أو العمرة، وبيان كفارة قتله.
• من حكمة الله عز وجل في التحريم: ابتلاء عباده، وتمحيصهم، وفي الكفارة: الردع والزجر.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 02:57 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (124)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/15.jpg


96 - أحلَّ الله لكم صيد الحيوانات المائية، وما يقذفه البحر لكم حيًّا أو ميتًا منفعة لمن كان منكم مقيمًا أو مسافرًا يتزود به، وحَرَّمَ عليكم صيد البر أما دومتم محرمين بحج أو عمرة واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فهو الذي إليه وحده ترجعون يوم القيامة، فيجازيكم على أعمالكم.
97 - جعل الله الكعبة البيت المُحَرَّم قيامًا للناس، به تقوم مصالحهم الدينية من الصلاة والحج والعمرة، ومصالحهم الدنيوية بالأمن في الحرم وجباية ثمرات كل شيء إليه، وجعل الأشهر الحرم وهي: (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) قيامًا لهم بأمنهم فيها من قتال غيرهم لهم، والهدي والقلائد المُشْعَرَة بأنها مسوقة إلى الحرم قيامًا لهم بأمن أصحابها من التعرض لهم بأذى، ذلك الذي منّ الله به عليكم لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأن الله بكل شيء عليم فإن تشريعه لذلك -لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل حصولها- دليل على علمه بما يصلح للعباد.
98 - اعلموا -أيها الناس- أن الله شديد العقاب لمن عصاه، وغفور لمن تاب، رحيم به.
99 - ليس على الرسول إلا تبليغ ما أمره الله بتبليغه، فليس عليه توفيق الناس إلى الهداية، فذلك بيد الله وحده والله يعلم ما تظهر وما تخفونه من الهداية أو الضلال، وسيجازيكم على ذلك.
100 - قل -أيها الرسول-: لا يستوي الخبيث من كل شيء مع الطيب من كل شيء، ولو أعجبك كثرة الخبيث، فإن كثرته لا تدل على فضله، فاتقوا الله -يا أصحاب العقول- بترك الخبيث وفعل الطيب لعلكم تفوزون بالجنة.
101 - يا أيها الذين آمنوا، لا تسألوا رسولكم عن أشياء لا حاجة لكم بها، وليست مما يعينكم على أمر دينكم، إن تظهر لكم تسُؤكم لما فيها من المشقة، وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نُهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على الرسول تُبيَّن لكم، وذلك على الله يسير، فقد تجاوز الله عن أشياء سكتَ عنها القرآن، فلا تسألوا عنها، فإنكم إن سألتم عنها نزل عليكم التكليف بحكمها.
102 - قد سأل عن مثلها قوم ممن سبقوكم، فلما كُلِّفُوا بها لم يعملوا بها، فأصبحوا كافرين بسببها.
103 - أحل الله الأنعام، فلم يُحَرِّمْ منها ما حَرَّمَهُ المشركون على أنفسهم لأصنامهم من البَحِيرة وهي الناقة التي تُقْطَعُ أذنها إذا أنجبت عددا معينًا، والسائبة وهي الناقة التي إذا بلغت سِنًا معينة تتْرَكُ لأصنامهم، والوصِيلة وهي الناقة التي تصل إنجاب أنثى بأنثى، والحامي وهو فحل الإبل إذا نتج عدد من الإبل من صلبه، لكن الكفار زعموا كذبًا وبهتانًا أن الله حرَّم المذكورات، وأكثر الكافرين لا يميزون بين الحق والباطل والحلال والحرام.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأصل في شعائر الله تعالى أنها جاءت لتحقيق مصالح العباد الدنيوية والأخروية, ودفع المضار عنهم.
• عدم الإعجاب بالكثرة، فإن كثرة الشيء ليست دليلًا على حِلِّه أو طِيبه، وإنما الدليل يكمن في الحكم الشرعي.
• من أدب المُسْتفتي: تقييد السؤال بحدود معينة، فلا يسوغ السؤال عما لا حاجة للمرء ولا غرض له فيه.
• ذم مسالك المشركين فيما اخترعوه وزعموه من محرمات الأنعام كـ: البَحِيرة، والسائبة، والوصِيلة، والحامي.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 03:01 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (125)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/16.jpg


104 - وإذا قيل لهؤلاء المفترين على الله الكذب بتحريم بعض الأنعام: تعالوا إلى ما أنزل الله من القرآن، وإلى سُنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتعرفوا الحلال من الحرام، قالوا: يكفينا ما أخذناه ثناه عن أسلافنا من الاعتقادات والأقوال والأفعال، كيف يكفيهم ذلك وقد كان أسلافهم لا يعلمون شيئًا، ولا يهتدون إلى الحق؟! فلا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلًا، فهم جهلة ضالون.
105 - يا أيها الذين آمنوا، عليكم أنفسكم فالزموها بالقيام بما يُصْلحها، لا يضركم من ضل من الناس ولم يستجب لكم، إذا اهتديتم أنتم، ومن اهتدائكم أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر، إلى الله وحده رجوعكم يوم القيامة، فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا، ويجازيكم عليه.
106 - يا أيها الذين آمنوا، إذا اقترب موت أحدكم بظهور علامة من علامات الموت فليُشْهِد على وصيته عَدْلَيْنِ مِن المسلِمِين أو رجلين من الكفار عند الاحتياج لفقد غيرهما من المسلمين، إن سافرتم فنزل بكم الموت، وإن حدث ارتياب في شهادتهما فَقِفُوهما بعد إحدى الصلوات، فيحلفان بالله: لا يبيعان حظهما من الله بعوض، ولا يُحَابيان به قريبًا، ولا يكتمان شهادة لله عندهما، وأنهما إن فعلا ذلك كانا من المذنبين العاصين لله.
107 - فإن تَبيَّن بعد التحليف كذبهما في الشهادة أو اليمين، أو ظهرت خيانتهما، فليشهد أو يحلف اثنان يقومان مقامهما من أقرب الناس إلى الميت على ما هو حق، فيحلفان بالله لشهادتنا على كذبهما وخيانتهما أحق من شهادتهما على صدقهما وأمانتهما، وما حلفنا زورًا، إنا إن شهدنا زورًا لمن الظالمين المتجاوزين لحدود الله.
108 - ذلك المذكور من تحليف الشاهدَيْن بعد الصلاة عند الشك في شهادتهما، ومِنْ ردِّ شهادتهما وأقرب إلى إتيانهما بالشهادة على الوجه الشرعي للإتيان بها، فلا يحرفان الشهادة أو يبدلانها أو يخونان، وأقرب إلى أن يخافا أن ترد أيمان الورثة بعد أيمانهما، فيحلفون على خلاف ما شهدا به فَيَفْتَضِحَان، واتقوا الله بترك الكذب والخيانة في الشهادة واليمين، واسمعوا ما أُمِرْتُمْ به سماعًا يصحبه قبول، والله لا يوفق الخارجين عن طاعته.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إذا ألزم العبد نفسه بطاعة الله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر بحسب طاقته، فلا يضره بعد ذلك ضلال أحد، ولن يُسْأل عن غيره من الناس، وخاصة أهل الضلال منهم.
• الترغيب في كتابة الوصية، مع صيانتها بإشهاد العدول عليها.
• بيان الصورة الشرعية لسؤال الشهود عن الوصية.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 03:04 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (126)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/17.jpg


109 - اذكروا -أيها الناس- يوم القيامة حيث يجمع الله أممكم لرسل، فيقول لهم: ماذا أجابتكم به أممكم التي أرسلتكم إليها؟ قالوا مُفوِّضين الجواب إلى الله: لا علم لنا، وإنما العلم لك -ربنا- إنك أنت وحدك من تعلم الأمور الغائبة.
110 - واذكر حين قال الله مخاطبًا عيسى -عليه السلام-: يا عيسى بن مريم، اذكر نعمتي عليك حين خلقتك من غير أب، واذكر نعمتي على أمك مريم -عليها السلام- حين اصطفيتها على نساء زمانها، واذكر مما أنعمت به عليك حين قَوَّيتك بجبريل -عليه السلام-، تُكلِّم الناس -وأنت رضيع- بدعوتهم إلى الله، وتكلمهم في كهولتك بما أرسلتك به إليهم، ومما أنعمت به عليك أن علمتك الخط، وعلمتك التوراة التي أنزلت على موسى -عليه السلام-، والإنجيل الذي أنزل عليك، وعلمتك أسرار الشرع وفوائده وحِكَمه، ومما أنعمت به عليك أنك تصوّر من الطين مثل صورة طير، ثم تنفخ فيه فيكون طيرًا، وأنك تشفي مَن وُلدَ أعمى من عماه، وتشفي الأبرص، فيصير سليم الجلد، وتحي الموتى بدعائك الله أن يحييهم، كل ذلك بإذني، ومما أنعمت به عليك أن دفعت عنك بني إسرائيل لَما هَموا بقتلك حين جئتهم بالمعجزات الواضحة، فما كان منهم إلا أن كفروا بها، وقالوا: ما هذا الذي جاء به عيسى إلا سحر واضح.
111 - واذكر مما أنعمت به عليك أن يَسَّرْتُ لك أعوانًا حين ألهمت الحواريين أن يؤمنوا بي وبك، فانقادوا لذلك واستجابوا، لوا: آمنا، واشهد -يا ربنا- باننا مسلمون لك منقادون.
112 - واذكر حين قال الحواريون: هل يستطيع ربك إذا دعوتَه أن يُنَزِّلَ مائدة من السماء؛ فأجابهم عيسى -عليه السلام- بأنْ أمرهم بتقوى الله وترك طلب ما سألوا، إذ لعل فيه فتنة لهم، وقال لهم: توكلوا على ربكم في طلب الرزق إن كنتم مؤمنين.
113 - قال الحواريون لعيسى: نريد أن نأكل من هذه المائدة، وتطمئن قلوبنا بكمال قدرة الله، وبأنك رسوله، ونعلم علم اليقين أنك صَدَقْتَنَا فيما جئت به من عند الله، ونكون عليها من الشاهدين لمن لم يحضرها من الناس.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إثبات جمع الله للخلق يوم القيامة جليلهم وحقيرهم.
• إثبات بشرية المسيح -عليه السلام- إثبات آياته الحسية من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص التي أجراها الله على يديه.
• بيان أن آيات الأنبياء تهدف لتثبيت الأتباع وإفحام المخالفين، وأنها ليست من تلقاء أنفسهم، بل تأتي بإذن الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 03:08 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (127)
(سُوْرَةُ المائدة)
مدنية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/18.jpg


114 - فأجاب عيسى طلبهم، ودعا الله قائلًا: ربنا أنزل علينا مائدةَ طعامٍ نتخذ من يوم نزولها عيدًا نعظمه شكرًا لك، وتكون علامة وبرهانًا على وحدانيتك، وعلى صدق ما بُعِثْتُ به، وارزقنا رزقًا يعيننا على عبادتك، وأنت -يا ربنا- خير الرازقين.
115 - فاستجاب الله دعاء عيسى -عليه السلام-، وقال: إني مُنَزِّلٌ هذه المائدة التي طلبتم إنزالها عليكم، فمن كفر بعد إنزالها فلا يلومن إلا نفسه، فسأعذبه عذابًا شديدًا لا أعذبه أحدًا؛ لأنه شاهد الآية الباهرة، فكان كفره كفر عناد، وحقَّقَ الله لهم وعده فأنزلها عليهم.
116 - واذكر حين يقول الله يوم القيامة مخاطبًا عيسى بن مريم -عليه السلام-: يا عيسى بن مريم، هل قلت للناس: صَيروني وأمي معبودَيْن من دون الله؟ فأجاب عيسى مُنَزِّهًا ربه: لا ينبغي لي أن أقول لهم إلا الحق، وإن قُدِّرَ أني قلت ذلك فقد علمتَهُ لأنه لا يخفى عليك شيء، تعلم ما أضمره في نفسي، ولا أعلم ما في نفسك، إنك وحدك من تعلم كل غائب وكل خفي وكل ظاهر.
117 - قال عيسى لربه: ما قلتُ للناس إلا ما أمرتَني بقوله من أمرهم بإفرادك بالعبادة، وكنتُ رَقِيبًا على ما يقولون طيلة وجودي بين أظهرهم، فلما أنهيتَ مدة بقائي بينهم برفعي إلى السماء حيًّا كنتَ -يا رب- أنت الحفيظ لأعمالهم، وأنت على كل شيءشهيد، لايغيب عنك شيء، فلا يخفى عليك ما قلت لهم، وما قالوا بعدي.
118 - إنْ تعذبهم -يا رب- فإنهم عبادك تفعل بهم ما تشاء، وإن تَمْنُن على من آمن منهم بالمغفرة فلا مانع لك من ذلك، فانت العزيز الذي لا يُغَالَب، الحكيم في تدبيرك.
119 - قال الله لعيسى -عليه السلام-: هذا يوم ينفع صادقي النيات والأعمال والأقوال صدقُهم، لهم جنات تجري الأنهار من تحت قصورها وأشجارها ماكثين فيها أبدًا، لا يعتريهم موت، رضي الله عنهم فلا يسخط عليهم أبدًا، ورضوا عنه لما نالوه من النعيم المقيم، ذلك الجزاء والرضا عنهم هو الفوز العظيم، فلا فوز يدانيه.
120 - لله وحده ملك السماوات والأرض، فهو خالقهما ومدبر أمرهما، وله ملك ما فيهن من جميع المخلوقات، وهو على كل شيء قدير، فلا يعجزه شيء.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• توعد الله تعالى كل من أصرَّ على كفره وعناده بعد قيام الحجة الواضحة عليه.
• تَبْرئة المسيح -عليه السلام- من ادعاء النصارى بأنه أبلغهم أنه الله أو أنه ابن الله أو أنه ادعى الربوبية أو الألوهية.
• أن الله تعالى يسأل يوم القيامة عظماء الناس وأشرافهم من الرسل، فكيف بمن دونهم درجة؟!
• علو منزلة الصدق، وثناء الله تعالى على أهله، وبيان نفع الصدق لأهله يوم القيامة.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 03:12 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (128)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/19.jpg
[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
تقرير عقيدة التوحيد بالبراهين العقلية ونقض الاعتقادات الشركية.


[التَّفْسِيرُ]
1 - الوصف بالكمال المطلق، والثناء بالمحاسن العليا مع المحبة، ثابت لله الذي خلق السماوات وخلق الأرض من غير مثال سابق، وخلق الليل والنهار يَتَعاقبان، الليل خلقه للظلام، والنهار خلقه للنور، ومع هذا فالذين كفروا يُسوُّون به غيره، ويجعلونه شريكًا له.
2 - هو سبحانه الذي خلقكم -أيها الناس- من طين حين خلق أباكم آدم -عليه السلام- منه، ثم ضرب سبحانه مدة لإقامتكم في الحياة الدنيا، وضرب أجلًا آخر لا يعلمه إلا هو لبَعْثكم يوم القيامة، ثم أنتم تشكّون في قدرته سبحانه على البعث.
3 - وهو سبحانه المعبود بحق في السماوات والأرض، لا يخفى عليه شيء، فهو يعلم ما تخفون من النيات والأقوال والأعمال، ويعلم ما تعلنون من ذلك، وسيجازيكم عليها.
4 - وما تأتي المشركين من حجة من عند ربهم إلا تركوها غير مبالين بها، فقد جاءتهم الحجج الواضحة والبراهين الجلية الدالة على توحيد الله، وجاءتهم الآيات الدالة على صدق رسله، ومع ذلك أعرضوا عنها غير عابثين بِها.
5 - وهم إن أعرضوا عن تلك الحجج الواضحة والبراهين الجلية فقد أعرضوا عما هو أوضح، فقد كَذّبُوا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من القرآن، وسيعرفون أن ما كانوا يستهزئون به مما جاءهم به هو الحق حين يرون العذاب يوم القيامة.
6 - ألم يعلم هؤلاء الكافرون سُنَّة الله في إهلاك الأمم الظالمة؟! فقد أهلك الله من قبلهم أممًا كثيرة أعطاهم من أسباب القوة والبقاء في الأرض ما لم يعط هؤلاء الكافرين، وأنزل عليهم الأمطار المتتابعة، وأجرى لهم الأنهار تجري من تحت مساكنهم، فعصوا الله، فأهلكهم بما ارتكبوه من المعاصي، وخلق من بعدهم أممًا أخرى.
7 - ولو نزَّلنا عليك -أيها الرسول- كتابًا مكتوبًا في أوراق، وشاهدوه بأعينهم، وتأكدوا منه بتحسسِهم الكتاب بأيديهم؛ لَمَا آمنوا به جحودًا منهم وتَعَنًّتًا، ولقالوا: لا يعدو ما جئت به أن يكون سحرًا واضحًا، فلن نؤمن به.
8 - وقال هؤلاء الكافرون: لو أنزل الله مع محمد ملكا يكلمنا ويشهد أنه رسول لآمنَّا. ولو أنزلنا ملكًا على الوصف الذي أرادوا لأهلكناهم إذا لم يؤمنوا، ولا يُمْهَلُونَ للتوبة إذا نَزَلَ.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• شدة عناد الكافرين، وبيان إصرارهم على الكفر على الرغم من قيام الحجة عليهم بأدلة الحسية.
• التأمل في سنن الله تعالى في السابقين لمعرفة أسباب هلاكهم والحذر منها.
• من رحمة الله بعباده أن لم ينزل لهم رسولًا من الملائكة لأنهم لا يمهلون للتوبة إذا نزل.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 03:15 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (129)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/20.jpg


9 - ولو جعلنا المرسل إليهم ملكًا لجعلناه في صورة رجل ليتمكنوا من سماعه والتلقي عنه؛ إذا لا يستطيعون ذلك مع الملك على هيئته التي خلقه الله عليها، ولو جعلناه في صورة رجل لاشتبه عليهم أمره.
10 - فإنْ يستهزئ هؤلاء بطلبهم إنزال ملك معك فقد استهزأت أمم من قبلك برسلها، فأحاط بهم العذاب الذي كانوا ينكرونه ويستهزئون به عند تخويفهم منه.
11 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المكذبين المستهزئين: سيروا في الأرض، ثم تأملوا كيف كانت نهاية المكذبين لرسل الله، فقد حل بهم عقاب الله بعدما كانوا فيه من القوة والمنعة.
12 - قل لهم -أيها الرسول-: لمن مُلْكُ السماوات ومُلْكُ الأرض ومُلْكُ ما بينهما؟ قل: مُلْكُهَا كلها لله، كتب على نفسه الرحمة تفضلًا منه على عباده، فلا يعاجلهم بالعقوبة، حتى إذا لم يتوبوا جمعهم جميعًا يوم القيامة، هذا اليوم الذي لا شك فيه. الذين خسروا أنفسهم بالكفر بالله لا يؤمنون فينقذوا أنفسهم من الخسران.
13 - ولله وحده ملك كل شيء، مما استقر في الليل والنهار، وهو السميع لأقوالهم، العليم بأفعالهم، وسيجازيهم عليها.
14 - قل -أيها الرسول- للمشركين الذين يعبدون مع الله غيره من الأصنام وغيرها: أَيُعْقل أن أتخذ غير الله ناصرًا أواليه وأستنصره؟! وهو الذي خلق السماوات والأرض على غير مثال سابق، فلم يُسْبَقْ إلى خلقهما، وهو الذي يرزق من يشاء من عباده، ولا أحد من عباده يرزقه، فهو الغني عن عباده، وعباده مفتقرون إليه، قل -أيها الرسول-: إني أمرني ربي سبحانه أن أكون أول من انقاد لله وخضع له من هذه الأمة، ونهاني أن أكون من الذين يشركون معه غيره.
15 - قل -أيها الرسول-: إني أخاف إن عصيت الله بارتكاب ما حَرمَ علي من الشرك وغيره، أو تَرْكِ ما أمرني به من الإيمان وغيره من الطاعات، أن يعذبني عذابًا عظيمًا يوم القيامة.
16 - مَن يُبْعِد الله عنه ذلك العذاب يوم القيامة، فقد فاز برحمة الله له، وتلك النجاة عن العذاب هي الفوز الواضح الذي لا يُدَانيه فوز.
17 - وإن يَنَلْكَ -يا ابن آدم- من الله بلاء فلا دافع للبلاء عنك إلا الله، وإن يَنَلْكَ منه خير فلا مانع له من ذلك، ولا رَادَّ لفضله، فهو القادر على كل شيء ولا يعجزه شيء.
18 - وهو الغالب على عباده المذلِّل لهم، العالي عليهم من كل وجه الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه أحد، الجميع له خاضعون، فوق عباده كما يليق به سبحانه، وهو الحكيم في خلقه وتدبيره وشرعه، الخبير فلا يخفى عليه شيء.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان حكمة الله تعالى في إرسال كل رسول من جنس من يرسل إليهم؛ ليكون أبلغ في السماع والوعي والقبول عنه.
• الدعوة للتأمل في أن تكرار سنن الأوّلين في العصيان قد يقابله تكرار سنن الله تعالى في العقاب.
• وجوب الخوف من المعصية ونتائجها.
• أن ما يصيب البشر من بلاء ليس له صارف إلا الله، وأن ما يصيبهم من خير فلا مانع له إلا الله، فلا رَادَّ لفضله، ولا مانع لنعمته.

ابو وليد البحيرى
2019-11-06, 03:18 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (130)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/21.jpg


19 - قل -أيها الرسول- للمشركين المكذبين بك: أي شيء أجلّ وأعظم شهادة على صدقي؟ قل: الله أَجَلُّ شيء وأعظم شهادة على صدقي، هو شهيد بيني وبينكم، يعلم ما جئتكم به، وما ستردون به، وقد أوحى الله إليّ هذا القرآن لأُخَوِّفَكُم به، وأُخَوِّفَ به من بلغه من الإنس والجن، إنكم -أيها المشركون- تؤمنون أن مع الله معبودات أخرى، قل -أيها الرسول-: لا أشهد على ما أقررتم به لبطلانه، إنما الله إله واحد لا شريك له، وإني بريء من كل ما تشركونه معه.
20 - اليهود الذين أعطيناهم التوراة والنصارى الذين أعطيناهم الإنجيل يعرفون النبي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - معرفة تامة، كما يعرفون أبناءهم من أبناء غيرهم، فأولئك الذين خسروا أنفسهم بإدخالها النار، فهم لا يؤمنون.
21 - لا أحد أعظم ظلمًا ممن نسب لله شريكًا، فعبده معه، أو كَذّبَ بآياته التي أنزلها على رسوله، إن الظالمين بنسبة الشريك إلى الله وتكذيب آياته لا يفوزون أبدًا إن لم يتوبوا.
22 - واذكر يوم القيامة حين نجمعهم جميعًا، لا نغادر منهم أحدًا، ثم نقول للذين عبدوا مع الله غيره توبيخًا لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم تدعون كاذبين أنهم شركاء لله؟!
23 - ثم لم يكن اعتذارهم بعد هذا الاختبار إلا أن تبرّؤوا من معبوداتهم، وقالوا كذبًا: والله ربنا ما كنا في الدنيا مشركين بك، بل كنا مؤمنين بك، موحدين لك.
24 - انظر -يا محمد- كيف كَذَبَ هؤلاء على أنفسهم بنفيهم الشرك عن أنفسهم، وغاب عنهم وخذلهم ما كانوا يختلقونه من الشركاء مع الله في حياتهم الدنيا؟!
25 - ومن المشركين من يستمع إليك -أيها الرسول- إذا قرأت القرآن، لكنهم لا ينتفعون بما يستمعون إليه؛ لأنا جعلنا على قلوبهم أغطية حتى لا يفقهوا القرآن، بسبب عنادهم وإعراضهم، وجعلنا في آذانهم صَمَمًا عن السماع النافع، ومهما يروا من الدلالات الواضحة والحجج الجلية لا يؤمنوا بها، حتى إذا جاؤوك يخاصمونك في الحق بالباطل يقولون: ليس الذي جئت به إلا مأخوذًا عن كتب الأوائل.
26 - وهم ينهون الناس عن الإيمان بالرسول، ويبتعدون عنه، فلا يتركون من ينتفع به، ولا ينتفعون هم به، وما يُهلكون بصنيعهم هذا إلا أنفسهم، وما علموا أن ما يقومون به إهلاك لها.
27 - ولو ترى -أيها الرسول- حين يُعْرَضون يوم القيامة على النار، فيقولون تحسُّرًا: يا ليتنا نُرَد إلى الحياة الدنيا، ولا نكَذِّبَ بآيات الله، ونكونَ من المؤمنين بالله- لرأيت عَجَبًا من سوء حالهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان الحكمة في إرسال النبي عليه الصلاة والسلام بالقرآن، من أجل البلاغ والبيان، وأعظم ذلك الدعوة لتوحيد الله.
• نفي الشريك عن الله تعالى، ودحض افتراءات المشركين في هذا الخصوص.
• بيان معرفة اليهود والنصارى للنبي عليه الصلاة والسلام، برغم جحودهم وكفرهم.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 01:42 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (131)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/37.jpg


28 - ليس الأمر كما قالوا من أنهم لو رُدُّوا لآمنوا، بل ظهر لهم ما كانوا يسترون من قولهم: (والله ما كنا مشركين)، حين شهدت عليهم جوارحهم، ولو قُدِّرَ أنهم رجعوا إلى الدنيا لرجعوا إلى ما نهوا عنه من الكفر والشرك، وإنهم لكاذبون في وعدهم بالإيمان إذا رجعوا.
29 - وقال هؤلاء المشركون: لا حياة إلا الحياة التى نحن فيها، ولسنا مبعوثين للحساب.
30 - ولو ترى -أيها الرسول- حين أوقِفَ منكرو البعث بين يدي ربهم لرأيت العجب من سوء حالهم حين يقول لهم الله: أليس هذا البعث الذي كنتم تكذبون به حقًّا ثابتًا لا مرية فيه ولا شك؟! قالوا: أقسمنا بربنا الذي خلقنا إنه لحق ثابت لا شك فيه، فيقول لهم الله عند ذلك: فذوقوا العذاب بسبب كفركم بهذا اليوم؛ فكنتم به تكذبون في الحياة الدنيا.
31 - قد خسر الذين كَذّبُوا بالبعث يوم القيامة واستبعدوا الوقوف بين يدي الله، حتى إذا جاءتهم الساعة فجأة من غير سابق علم قالوا من شدة الندم: يا لحسرتنا وخيبة أملنا لِمَا قَصَّرْنَا في جنب الله من الكفر به وعدم الاستعداد ليوم القيامة، وهم يحملون سيئاتهم فوق ظهورهم، ألا قَبُحَ ما يحملون من تلك السيئات.
32 - وليست الحياة الدنيا التي تركنون إليها إلا لعبًا وغرورًا لمن لا يعمل فيها بما يرضي الله، وأما الدار الآخرة فهي خير للذين يتقون الله بفعل ما أمر به من الإيمان والطاعة، وتَرْكِ ما نهى عنه من الشرك والمعصية، أفلا تعقلون -أيها المشركون- ذلك؟! فتؤمنوا وتعملوا الصالحات.
33 - نحن نعلم أنك -أيها الرسول- يحزنك تكذيبهم لك في الظاهر، فاعلم أنهم لا يكذبونك في أنفسهم؛ لعلمهم بصدقك وأمانتك، ولكنهم قوم ظالمون ينكرون أمرك ظاهرًا وهم يوقنون به في أنفسهم.
34 - ولا تحسب أن هذا التكذيب خاص بما جئت به، فقد كُذبَتْ رسل من قبلك، وآذاهم أقوامهم، فواجهوا ذلك بالصبر على الدعوة والجهاد في سبيل الله حتى جاءهم النصر من الله، ولا مُبدِّل لما كتبه الله من النصر، ووعد به رسله، ولقد جاءك -أيها الرسول- من أخبار من قبلك من الرسل وما لاقوه من أقوامهم وما حباهم الله من النصر على أعدائهم لإهلاكهم.
35 - وإن كان شق عليك -أيها الرسول- ما تلاقيه من تكذيبهم وإعراضهم عما جئتهم به من الحق، فإن استطعت أن تطلب نفقًا في الأرض أو مِصْعَدًا إلى السماء فتأتيهم بحجة وبرهان غير الذي أيدناك به فأفعل، ولو شاء الله جمْعَهم على الهدى الذي جئت به لَجَمَعَهُم، لكنه لم يشأ ذلك لحكمة بالغة، فلا تكوننَّ من الجاهلين بذلك، فتذهب نفسك حسرات على أنهم لم يؤمنوا.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من عدل الله تعالى أنه يجمع العابد والمعبود والتابع والمتبوع في عَرَصات القيامة ليشهد بعضهم على بعض.
• ليس كل من يسمع القرآن ينتفع به، فربما يوجد حائل مثل ختم القلب أو الصَّمَم عن الانتفاع أو غير ذلك.
• بيان أن المشركين وإن كانوا يكذبون في الظاهر فهم يستيقنون في دواخلهم بصدق النبي عليه الصلاة والسلام.
• تسلية النبي عليه الصلاة والسلام ومواساته بإعلامه أن هذا التكذيب لم يقع له وحده، بل هي طريقة المشركين في معاملة الرسل السابقين.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 01:46 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (132)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/38.jpg


36 - إنما يجيبك قابلًا ما جئت به من يسمعون الكلام ويفهمونه، والكفار موتى لا شأن لهم، فقد ماتت قلوبهم، والموتى يبعثهم الله يوم القيامة، ثم إليه وحده يرجعون ليجازيهم على ما قدموا.
37 - وقال المشركون مُتَعَنِّتينَ ومُماطِلين بالإيمان: هلَّا أنزِل على محمد آية خارقة تكون برهانًا من ربه على صدقه فيما جاء به؟ قل -أيها الرسول-: إن الله قادر على تنزيل آية حسبما يريدون، ولكن أكثر هؤلاء المشركين المطالبين بإنزال آية لا يعلمون أن إنزال الآيات يكون وفق حكمته تعالى، وليس وفق ما يطالبون به، فلو أنزلها ثم لم يؤمنوا لأهلكهم.
38 - وما من حيوان يتحرك فوق الأرض، ولا طائر يطير في السماء إلا أجناس مثلكم -يا بني آدم- في الخلق والرزق، ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئًا إلا أثبتناه، والجميع علمهم عند الله، ثم إلى ربهم وحده يوم القيامة يجمعون لفصل القضاء، فيجازي كلًّا بما يستحقه.
39 - والذين كذبوا بآياتنا مِثْلُ الصم الذين لا يسمعون، والبكم الذين لا يتكلمون، وهم مع ذلك في الظلمات لا يبصرون، فأنى لمن هذه حاله أن يهتدي؟! من يشأ الله إضلاله من الناس يضلله، ومن يشأ هدايته يَهْدِهِ بأن يجعله على طريق مستقيم لا اعوجاج فيه.
40 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أخبروني إن جاءكم عذاب من الله أو جاءتكم الساعة التي وُعِدتُّم أنها آتية؛ أتطلبون إذ ذاك غير الله ليكشف ما ينزل بكم من البلاء والشدة، إن كنتم صادقين في ادعاء أن معبوداتكم تجلب نفعًا أو تدفع ضرًّا؟!
41 - الحق أنكم لا تدعون إذ ذاك غير الله الذي خلقكم، فيصرف عنكم البلاء، ويرفع عنكم الضر، فهو ولي ذلك والقادر عليه، وأما معبوداتكم التي أشركتموها مع الله فتتركونها؛ لعلمكم أنها لا تنفع ولا تضر.
42 - ولقد بعثنا إلى أمم من قبلك -أيها الرسول- رسلًا فكذبوهم، وأعرضوا عما جاؤوهم به، فعاقبناهم بالشدائد كالفقر وبما يضرّ أبدانهم كالمرض من أجل أن يخضعوا لربهم، ويتذللوا له.
43 - لو أنهم حين جاءهم بلاؤنا تذللوا لله، وخضعوا له ليكشف عنهم البلاء، لرحمناهم لكنهم لم يفعلوا ذلك، بل قست قلوبهم، فلم يعتبروا، ولم يتعظوا، وحَسَّنَ لهم الشيطان ما كانوا يرتكبون من الكفر والمعاصي، فاستمروا على ما كانوا عليه.
44 - فلما تركوا ما وُعِظُوا به من شدة الفقر والمرض، ولم يعملوا بأوامر الله، استدرجناهم بفتح أبواب الرزق عليهمُ وإغنائهم بعد الفقر، وصححنا أجسامهم بعد المرض حتى إذا أصابهم البَطَرُ، واستولى عليهم الإعجاب بما متعوا به جاءهم عذابنا فجأة، فإذا هم متحيرون يائسون مما يأملون.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تشبيه الكفار بالموتى؛ لأن الحياة الحقيقية هي حياة القلب بقَبوله الحق واتباعه طريق الهداية.
• من حكمة الله تعالى في الابتلاء: إنزال البلاء على المخالفين من أجل تليين قلوبهم وردِّهم إلى ربهم.
• وجود النعم والأموال بأيدي أهل الضلال لا يدل على محبة الله لهم، وإنما هو استدراج وابتلاء لهم ولغيرهم.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 01:49 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (133)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/39.jpg

45 - فَقُطِع آخر أهل الكفر باستئصالهم جميعًا بالإهلاك، ونَصْر رسل الله، والشكرُ والثناءُ لله وحده رب العالمين على إهلاكه أعداءه ونصره أولياءه.
46 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أخبروني إن أَصَمَّكم الله بسَلْب أسماعكم، وأعماكم بأخذ أبصاركم، وطبع على قلوبكم، فلم تفقهوا شيئًا؛ مَن معبود بحق يأتيكم بما فقدتموه من ذلك؟ تأمل -أيها الرسول- كيف نبين لهم الحجج، وننوع البراهين، ثم هم يعرضون عنها!
47 - قل لهم -أيها الرسول-: أخبروني إن جاءكم عذاب الله فجأة من غير شعور منكم به، أو جاءكم ظاهرًا عيانًا، فإنه لا يُؤخَذ بذلك العذاب إلا الظالمون بكفرهم بالله وتكذيب رسله.
48 - وما نرسل من نرسله من رسلنا إلا لإخبار أهل الإيمان والطاعة بما يسرهم من النعيم المقيم الذي لا ينفد ولا ينقطع، وتخويف أهل الكفر والعصيان من عذابنا الشديد، فمن آمن بالرسل، وأصلح عمله، فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه في آخرتهم، ولا هم يحزنون ويتحسرون على ما فاتهم من الحظوظ الدنيوية.
49 - والذين كَذّبُوا بآياتنا يصيبهم العذاب بسبب خروجهم عن طاعة الله.
50 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: لا أقول لكم: إن عندي خزائن الله من الرزق فأتصرف فيها بما شئت، ولا أقول لكم: إني أعلم من الغيب إلا ما أطلعني الله عليه من الوحي، ولا أقول لكم: إني ملك من الملائكة، فأنا رسول من الله، لا أتبع إلا ما يُوحِي إلي، ولا أدّعي ما ليس لي، قل -أيها الرسول- لهم: هل يستوي الكافر الذي عَمِيَتْ بصيرته عن الحق، والمؤمن الذي أبصر الحق وآمن به؛ أفلا تتأملون بعقولكم -أيها المشركون- فيما حولكم من الآيات.
51 - وخوِّف -أيها الرسول- بهذا القرآن الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم يوم القيامة، ليس لهم ولي غير الله يجلب لهم النفع، ولا شفيع يكشف عنهم الضر، لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فهؤلاء هم الذين ينتفعون بالقرآن.
52 - ولا تُبْعِدْ -أيها الرسول- عن مجلسك فقراء المسلمين الذين هم في عبادة دائمة لله في أول النهار وآخره مخلصين له العبادة، لا تبعدهم لتستميل أكابر المشركين، ليس عليك من حساب هؤلاء الفقراء شيء، إنما حسابهم عند ربهم، وما عليهم من حسابك شيء، إنك إن أبعدتهم عن مجلسك فإنك تكون من المتجاوزين لحدود الله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأنبياء بشر، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء البتة، ومهمتهم التبليغ، فهم لا يملكون تصرفًا في الكون، فلا يعلمون الغيب، ولا يملكون خزائن رزق ونحو ذلك.
• اهتمام الداعية باتباعه وخاصة أولئك الضعفاء الذين لا يبتغون سوى الحق، فعليه أن يقربهم، ولا يقبل أن يبعدهم إرضاء للكفار.
• إشارة الآية إلى أهمية العبادات التي تقع أول النهار وآخره.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 01:52 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (134)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/40.jpg

53 - وكذلك ابتلينا بعضهم ببعض، فجعلناهم متفاوتين في حظوظهم الدنيوية، ابتليناهم بذلك ليقول الكافرون الأغنياء لفقراء المؤمنين: أهؤلاء الفقراء تفضل الله عليهم بالهداية من بيننا؟! لو كان الإيمان خيرًا ما سبقونا إليه، فنحن أهل السَّبْق. أليس الله بأعلم بالشاكرين لنعمه، فَيُوَفِّقَهُم للإيمان، وأعلم بالكافرين لها فَيَخْذُلَهُم فلا يؤمنون؟! بلى إن الله أعلم بهم.
54 - وإذا جاءك -أيها الرسول- الذين يؤمنون بآياتنا الشاهدة على صدق ما جئت به، فَرُدَّ عليهم السلام إكرامًا لهم، وبشرهم بسعة رحمة الله، فقد أوجب الله على نفسه الرحمة إيجاب تَفَضُّل، فمن ارتكب منكم معصية في حال جهل وسفهٍ، ثم تاب من بعد ارتكابه لها، وأصلح عمله، فإن الله يغفر له ما ارتكبه، فالله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.
55 - وكما بينَّا لك ما ذكر نبين أدلتنا وحججتنا على أهل الباطل، ولإيضاح طريق المجرمين ومنهجهم؛ لاجتنابه والحذر منه.
56 - قل -أيها الرسول-: إني نهاني الله عن عبادة الذين تعبدونهم من دون الله، قل -أيها الرسول-: لا أتبع أهواءكم في عبادة غير الله، فأنا إن اتبعت أهواءكم في ذلك أكون ضالًّا عن طريق الحق، لا أهتدي إليه، وهذا شأن كل من اتبع الهوى دون برهان من الله.
57 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إني على برهان واضح من ربي، لا على هوى، وأنتم كذبتم بهذا البرهان، ليس عندي ما تستعجلون به من العذاب والآيات الخارقة التي طلبتموها، إنما ذلك بيد الله، فليس الحكم -ومن جملته ما طلبتم- إلا لله وحده، يقول الحق ويحكم به، وهو سبحانه خير من بيّن وميّز المُحِقَّ من المُبطِل.
58 - قل -أيها الرسول- لهم: لو كان عندي وفي قبضتي ما تستعجلون به من العذاب لأنزلته بكم، وعند ذلك يُقْضَى الأمر الذي بيني وبينكم، والله أعلم بالظالمين كم يُمْهلهم ومتى يعاقبهم.
59 - وعند الله وحده خزائن الغيب، لا يعلمها غيره، ويعلم كل ما في البر من مخلوقات من حيوان ونبات وجماد، ويعلم ما في البحر من حيوان ونبات، وما تسقط من ورقة في أي مكان، ولا توجد حبة مخبوءة في الأرض، ولا يوجد رطب، ولا يوجد يابس، إلا كان مثبتًا في كتاب واضح هو اللوح المحفوظ.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الله تعالى يجعل العباد بعضهم فتنة لبعض، فتتفاوت درجاتهم في الرزق وفي الكفر والإيمان، والكفر والإيمان ليس منوطًا بسعة الرزق وضيقه.
• من أخلاق الداعية طلاقة الوجه وإلقاء التحية والتبسط والسرور باصحابه.
• على الداعية اجتناب الأهواء في عقيدته ومنهجه وسلوكه.
• إثبات تفرد الله عز وجل بعلم الغيب وحده لا شريك له، وسعة علمه في ذلك، وأنه لا يفوته شيء ولا يعزب عنه من مخلوقاته شيء إلا وهو مثبت مدوَّن عنده سبحانه بأدق تفاصيله.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 01:55 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (135)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/41.jpg


60 - والله هو الذي يقبض أرواحكم عند النوم قبضًا مؤقتًا، وهو الذي يعلم ما كسبتم من الأعمال في النهار وقت نشاطكم، ثم يبعثكم في النهار بعد قبض أرواحكم بالنوم لتقوموا بأعمالكم، حتى تنتهي آجال حياتكم المقدرة عند الله، ثم إليه وحده رجوعكم بالبعث يوم القيامة، ثم يخبركم بما كنتم تعملونه في حياتكم الدنيا، ويجازيكم عليه.
61 - والله هو الغالب على عباده؛ المذلِّل لهم، العالي عليهم من كل وجه، الذي خضع له كل شي، فوق عباده فوقية تليق بجلاله سبحانه وتعالى، ويرسل عليكم -أيها الناس- ملائكة كرامًا تُحصي أعمالكم حتى ينتهي أجل أحدكم بقبض ملك الموت وأعوانه روحه، وهم لا يُقَصِّرون فيما أمِرُوا به.
62 - ثم رُدَّ جميع من قُبضَتْ أرواحهم إلى الله مالكهم الحق ليجازيهم على أعمالهم، الذي له القضاء النافذ والحكم العدل فيهم، وهو أسرع من عدّكم وأحصى أعمالكم.
63 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: من ينقذكم ويُسَلِّمُكم من المهالك التي تَلقَونها في ظلمات البر والبحر؟ تدعونه وحده متذللين مُسْتكينين في السر والعلن: لئن سلَّمَنا ربنا من هذه المهالك لنكونن من الشاكرين لنعمه علينا بألا نعبد غيره.
64 - قل لهم -أيها الرسول-: الله هو الذي ينقذكم منها، ويُسَلِّمُكُم من كل كرب، ثم أنتم بعد ذلك تشركون معه غيره في حالة السرّاء، فأي ظلم فوق ما تقومون به؟!
65 - قل لهم -أيها الرسول-: الله هو القادر على أن يرسل عليكم عذابًا يأتيكم من فوقكم مثل الحجارة والصواعق والطوفان، أو يأتيكم من تحتكم مثل الزلازل والخسف، أو يخالف بين قلوبكم، فيتبع كل منكم هواه، فيقاتل بعضكم بعضًا، تأمل -أيها الرسول- كيف ننوع لهم الأدلة والبراهين ونبينها لعلهم يفهمون أن ما جئْتَ به حق، وأن ما عندهم باطل.
66 - وكذب بهذا القرآن قومك، وهو الحق الذي لا مرية في أنه من عند الله، قل لهم -أيها الرسول-: لست موكلًا بالرقابة عليكم، فما أنا إلا منذر لكم بين يدي عذاب شديد.
67 - لكل خبر وقت يستقر فيه، ونهاية ينتهي إليها، ومن ذلك خبر مآلكم وعاقبتكم، فسوف تعلمون ذلك عندما تبعثون يوم القيامة.
68 - وإذا رأيت -أيها الرسول- المشركين يتكلمون في آياتنا بالسخرية والاستهزاء، فابتعد عنهم حتى يدخلوا في حديث خال من السخرية والاستهزاء بآياتنا، وإذا أنساك الشيطان وجلست معهم، ثم تذكرت فغادر مجلسهم ولا تجلس مع هؤلاء المعتدين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إثبات أن النومَ موتٌ، وأن الأرواح تُقْبض فيه، ثم تُرَد عند الاستيقاظ.
• الاستدلال على استحقاق الله تعالى لألوهية بدليل الفطرة، فإن أهل الكفر يؤمنون بالله تعالى ويرجعون لفطرتهم عند الاضطرار والوقوع في المهالك، فيسألون الله تعالى وحده.
• إلزام المشركين بمقتضى سلوكهم، وإقامة الدليل على انقلاب فطرتهم، بكونهم يستغيثون بالله في البحر عند الشدة، ويشركون به حين يسلمهم وينجيهم إلى البر.
• عدم جواز الجلوس في مجالس أهل الباطل واللغو، ومفارقتهم، وعدم العودة لهم إلا في حال إقلاعهم عن ذلك.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 01:59 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (136)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/42.jpg


69 - وليس على الذين يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه من حساب هؤلاء الظالمين من شيء، وإنما عليهم أن يَنْهَوْهُم عما يرتكبونه من منكر، لعلهم يتقون الله، فيمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه.
70 - ودع -أيها الرسول- هؤلاء المشركين الذين صيَّرُوا دينهم لعبًا وَلَهْوًا يسخرون منه ويستهزئون به، وخدعتهم الحياة الدنيا بما فيها من متع زائلة، وَعِظْ -أيها النبي- الناس بالقرآن حتى لا تُسْلَمَ نفس إلى الهلاك بسبب ما كسبته من سيئات، ليس لها من دون الله حليف تستنصر به، ولا وسيط يمنع عنها عذاب الله يوم القيامة، وإذا افتدت من عذاب الله بأي فداء لا يقبل منها، أولئك الذين أُسْلِمُوا إلى هلاك أنفسهم بسبب ما ارتكبوه من المعاصي لهم يوم القيامة شراب متناهي الحرارة، وعذاب موجع بسبب كفرهم.
71 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أنعبد من دون الله أوثانًا لا تملك نفعًا فتنفعنا ولا ضرًّا فتضرنا، ونرتد عن الإيمان بعد أن وفقنا الله له، فنكون مثل الذي أضلَّته الشياطين، فتركته حيران لا يهتدي سبيلًا، وله أصحاب على الطريق المستقيم يدعونه إلى الحق، وهو يمتنع عن إجابتهم إلى ما يدعونه إليه؟ قل لهم -أيها الرسول-: إنَّ هدى الله هو الهدى الحق، وقد أمرنا الله أن ننقاد له سبحانه وتعالى بالتزام توحيده وعبادته وحده، فهو رب العالمين.
72 - وقد أَمَرنا بإقامة الصلاة على الوجه الأكمل، وأَمَرنا بتقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فهو وحده الذي يُجْمَع العباد إليه يوم القيامة ليجازيهم على أعمالهم.
73 - وهو سبحانه وتعالى الذي خلق السماوات والأرض بالحق، يوم يقول الله للشيء: كن فيكون، حين يقول يوم القيامة: قوموا فيقومون، قوله الصدق الذي سيقع لا محالة، وله سبحانه وتعالى وحده الملك يوم القيامة حين يَنْفُخُ إسرافيل في القَرْن النفخة الثانية، عالم ما غاب وعالم ما شوهد وهو الحكيم في خلقه وتدبيره، الخبير الذي لا يخفى عليه شيء، فبواطن الأمور عنده كظواهرها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الداعية إلى الله تعالى ليس مسؤولًا عن محاسبة أحد، بل هو مسؤول عن التبليغ والتذكير.
• الوعظ من أعظم وسائل إيقاظ الغافلين والمستكبرين.
• من دلائل التوحيد: أن من لا يملك نفعًا ولا ضرًّا ولا تصرفًا، هو بالضرورة لا يستحق أن يكون إلهًا معبودًا.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 02:03 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (137)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/43.jpg


74 - واذكر -أيها الرسول- حين قال إبراهيم -عليه السلام- لأبيه المشرك آزر: يا أبت، أتجعل الأصنام آلهة تعبدها من دون الله؟! إني أراك وقومك الذين يعبدون الأوثان في ضلال بَيِّنٍ، وحيرة عن طريق الحق بسبب عبادتكم غير الله، فهو سبحانه المعبود بحق، وغيره معبود بالباطل.
75 - وكما أريناه ضلال أبيه وقومه نريه ملك السماوات والأرض الواسع؛ ليستدل بذلك الملك الواسع على وحدانية الله واستحقاقه العبادة وحده؛ ليكون من الموقنين بأن الله واحد لا شريك له، وأنه قادر على كل شيء.
76 - فحين أظلم عليه الليل، رأى كوكبًا، فقال: هذا ربي، فلما غاب الكوكب قال: لا أحب من يغيب؛ لأن الإله الحق حاضر لا يغيب.
77 - وحين رأى القمر طالعًا قال: هذا ربي، فلما غاب قال: لئن لم يوفقني الله لتوحيده وعبادته وحده لأكونن من القوم البعيدين عن دينه الحق.
78 - وحين رأى الشمس طالعة قال: هذا الطالع ربي، هذا الطالع أكبر من الكوكب ومن القمر، فلما غابت قال: يا قوم، إني بريء مما تشركون مع الله.
ولما تبرأ مما يعبدون من دون الله كأنهم سالوه: ما تعبد إذن؟ فقال:
79 - إني أخلصت ديني للذي خلق السماوات والأرض على غير مثال سابق، مائلًا عن الشرك إلى التوحيد الخالص، ولست من المشركين الذين يعبدون معه غيره.
80 - وخاصمه قومه المشركون في توحيد الله سبحانه، وخَوَّفُوهُ من أصنامهم، فقال لهم: أتخاصمونني في توحيد الله وإفراده بالعبادة، وقد وفقني ربي إليه، ولست أخاف من أصنامكم، فإنها لا تملك ضُرًّا فَتَضُرَّنِي ولا نفعًا فَتَنْفَعَنِي إلا أن يشاء الله، فما شاء الله كائن، ومع عِلْم الله كلَّ شيء فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، أفلا تتذكرون -يا قوم- ما أنتم عليه من الكفر بالله والشرك به فتؤمنوا بالله وحده؟!
81 - وكيف يقع مني خوف لما تعبدون من دون الله من أوثان، ولا يقع منكم أنتم خوف لشرككم بالله حين أشركتم معه ما خلقه دون برهان لكم على ذلك؟! فأي الْجَمْعَيْنِ: جَمْعِ الموحِّدين وجَمْعِ المشركين أولى بالأمن والسلامة؟ إن كنتم تعلمون أَوْلاهما فاتبعوه، وأَوْلاهما -دون ريب- هو جمع المؤمنين الموحدين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الاستدلال على الربوبية بالنظر في المخلوقات منهج قرآني.
• الدلائل العقلية الصريحة توصل إلى ربوبية الله.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 02:12 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (138)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/44.jpg


82 - الذين آمنوا بالله، واتبعوا ما شرع، ولم يخلطوا إيمانهم بشرك، لهم الأمن والسلامة وحدهم دون غيرهم، وهم موفقون، وفقهم ربهم لطريق الهداية.
83 - وتلك الحجة وهي قوله: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ...} التي غلب إبراهيم بها قومه حتى انقطعت حجتهم، هي حجتنا وفَّقْناه لمُحاجَّة قومه بها، وأعطيناه إياها، نرفع من نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة، إن ربك -أيها الرسول- حكيم في خلقه وتدبيره، عليم بعباده.
84 - ورزقنا إبراهيم ابنه إسحاق وحفيده يعقوب، ووفقنا كلًّا منهما للصراط المستقيم، ووفقنا نوحًا من قبلهم، ووفقنا لطريق الحق من ذرية نوح كلا من داود وابنه سليمان وأيوب ويوسف وموسى وأخيه هارون -عليهم السلام-، ومثل هذا الجزاء الذي جازينا به الأنبياء على إحسانهم نجازي به المحسنين من غيرهم على إحسانهم.
85 - ووفقنا كذلك كلا من زكريا ويحيى وعيسى بن مريم وإلياس -عليهم السلام-، وكل هؤلاء الأنبياء من الصالحين اختارهم الله رسلًا.
86 - ووفقنا كذلك إسماعيل واليسع ويونس ولوطًا -عليهم السلام-، وكل هؤلاء الأنبياء وعلى رأسهم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فضلناهم على العالمين.
87 - ووفقنا بعض آبائهم وبعض أبنائهم وبعض إخوانهم ممن شئنا توفيقه، واخترناهم، ووفقناهم لسلوك الطريق المستقيم الذي هو طريق توحيد الله وطاعته.
88 - ذلك الذي حصل لهم من التوفيق هو توفيق الله يوفق له من شاء من عباده، ولو أشركوا مع الله غيره لبطل عملهم؛ لأن الشرك مبطل للعمل الصالح.
89 - أولئك الأنبياء المذكورون هم الذين أعطيناهم الكتب، وأعطيناهم الحكمة، وأعطيناهم النبوة، فإن يكفر قومك بما أعطيناهم من هذه الثلاثة فقد هيأنا لها وأرصدنا قومًا ليسوا بكافرين بها، بل هم مؤمنون مستمسكون بها، وهم المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
90 - أولئك الأنبياء، ومن ذُكِرَ معهم من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم، هم أهل الهداية حقًّا، فَاتَّبِعْهُم وتَأسَّ بهم، وقل -أيها الرسول- لقومك: لا أطلب منكم على إبلاغ هذا القرآن جزاء، فالقرآن ليس إلا موعظة للعالمين من الإنس والجن ليسترشدوا به إلى الصراط المستقيم، والطريق الصحيح.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من فضائل التوحيد أنه يضمن الأمن للعبد، خاصة في الآخرة حين يفزع الناس.
• تُقَرِّر الآيات أن جميع من سبق من الأنبياء إنما بَلَّغوا دعوتهم بتوفيق الله تعالى لا بقدرتهم.
• الأنبياء يشتركون جميعًا في الدعوة إلى توحيد الله تعالى مع اختلاف تشريعاتهم في العبادة.
• الاقتداء بالأنبياء سنة محمودة، وخاصة في أصول التوحيد.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 02:15 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (139)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/45.jpg

91 - وما عَظَّمَ المشركون الله حق تعظيمه حين قالوا لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ما أنزل الله على بشر شيئًا من الوحي، قل لهم -أيها الرسول-: من الذي أنزل التوراة على موسى نورًا وهداية وإرشادًا لقومه؟ يجعلها اليهود في دفاتر يظهرون منها ما يوافق أهواءهم، ويكتمون ما يخالفها كصفة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعُلِّمْتُم أنتم -أيها العرب- من القرآن ما لم تعلموا أنتم ولا أسلافكم من قبل، قل لهم -أيها الرسول-: أنزلها الله، ثم اتركهم في جهلهم وضلالهم حتى يأتيهم اليقين.
92 - وهذا القرآن كتاب أنزلناه عليك -أيها النبي- وهو كتاب مبارك مصدق لما سبقه من الكتب السماوية، لتنذر به أهل مكة وسائر الناس في مشارق الأرض ومغاربها حتى يهتدوا، والذين يؤمنون بالحياة الآخرة ويؤمنون بهذا القرآن، ويعملون بما فيه، ويحافظون على صلاتهم بإقامة أركانها وفروضها ومستحباتها في أوقاتها المحددة لها شرعًا.
93 - لا أحد أعظم ظلمًا ممن اختلق على الله كذبًا بأن قال: ما أنزل الله على بشر من شيء, أو قال كذبًا: إن الله أوحى إليه، والله لم يوح إليه شيئًا، أو قال: سأنزل مثل ما أنزل الله من القرآن، ولو ترى -أيها الرسول- حين تصيب هؤلاء الظالمين سكرات الموت، والملائكة باسطو أيديهم إليهم بالتعذيب والضرب، يقولون لهم على سبيل التعنيف: أَخرجوا أنفسكم، فنحن نقبضها، في هذا اليوم تجزون عذابًا يهينكم ويذلكم بسبب ما كنتم تقولون على الله من الكذب بادعاء النبوة والوحي وإنزال مثل ما أنزل الله، وبسبب تكبركم عن الإيمان بآياته، لو ترى ذلك لرأيت أمرًا فظيعًا.
94 - ويقال لهم يوم البعث: ولقد أتيتمونا في هذا اليوم أفرادًا، لا مال معكم ولا رئاسة، كما أنشأناكم أول مرة حُفاة عراة غُرْلًا، وتركتم ما أعطيناكم من ذلك خلفكم في الدنيا رغمًا عنكم، وما نرى اليوم معكم آلهتكم الذين زعمتم أنهم وسطاء لكم، وزعمتم أنهم شركاء لله في استحقاق العبادة، لقد تقطع الوِصَال بينكم، وذهب عنكم ما كنتم تزعمون من شفاعتهم، وأنهم شركاء لله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إنزال الكتب على الأنبياء هو سُنَّة الله في المرسلين، والنبي عليه الصلاة والسلام واحد منهم.
• أعظم الناس كذبًا وفرية هو الذي يكذب على الله تعالى، فينسب أو ينفي ويثبت في حق الله تعالى أمرًا ليس عليه دليل صحيح.
• كل أحد يبعث يوم القيامة فردًا متجردًا عن المناصب والألقاب، فقيرًا، ويحاسب وحده.

ابو وليد البحيرى
2019-11-14, 02:20 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (140)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/46.jpg


إن الله وحده هو الذي يشق الحب فيخرج منه الزرع، ويشق النوى فمخرج منه النخل يخرج الحي من الميت؛ إذ يخرج الإنسان وسائر الحيوان من النطفة، ويخرج الميت من الحي؛ إذ يخرج النطفة من الإنسان والبيضة من الدجاج، ذلكم الذي يصنع هذا هو الله الذي خلقكم، فكيف تُصرفون -أيها المشركون- عن الحق مع ما تشاهدونه من بديع صنعه؟!

96 - وهو سبحانه وتعالى الذي يشق ضوء الصباح من ظلمة الليل، وهو الذي جعل الليل سكنًا للناس يسكنون فيه عن الحركة لطلب المعاش؛ ليستريحوا من تعبهم في طلبه في النهار، وهو الذي جعل الشمس والقمر يجريان بحساب مُقَدَّر، ذلك المذكور من بديع الصنْع هو تقدير العزيز الذي لا يغالبه أحد، العليم بخلقه وما يصلح لهم.
97 - وهو سبحانه وتعالى الذي خلق لكم -يا بني آدم- النجوم في السماء لتهتدوا بها في أسفاركم إذا اشتبهت عليكم الطرق في البر والبحر، قد بيَّنا الأدلة والبراهين الدالة على قدرتنا، لقوم يتدبرون تلك الأدلة والبراهين فيستفيدون منها.
98 - وهو سبحانه وتعالى الذي خلقكم من نفس واحدة هي نفس أبيكم آدم، فقد بدأ خلقكم بخلق أبيكم من طين، ثم خلقكم منه، وخلق لكم ما تستقرون فيه، كأرحام أمهاتكم، ومُسْتَودعًا تُسْتَوْدَعُونَ فيه، كأصلاب آبائكم، قد بيَّنا الآيات لقوم يفهمون كلام الله.
99 - وهو سبحانه وتعالى الذي أنزل من السماء ماء هو ماء المطر، فأنبتنا به كل صنف من أصناف النبات، فأخرجنا من النبات زرعًا وشجرًا أخضر، نخرج منه حبًّا يركلب بعضه بعضًا كما يقع في السنابل، ومن طَلْع النخل تخرج عذوقه قريبة ينالها القائم والقاعد، وأخرجنا بساتين من العنب، وأخرجنا الزيتون والرمان متماثلًا ورقهما، مختلفًا ثمرهما، انظروا -أيها الناس- إلى ثمره أول ما يبدو، إليه حين ينضج، إن في ذلكم -أيها الناس- لأدلة واضحة على قدرة الله لقوم يؤمنون بالله، فهم الذين يستفيدون من هذه الأدلة والبراهين.
100 - وصَيَّرَ المشركون الجن شركاء لله في العبادة حين اعتقدوا أنها تنفع وتضر، وقد أوجدهم الله، ولم يخلقهم غيره، فهو أولى بأن يُعبَدَ، واختلقوا بنين كما فعلت اليهود بعُزَير، والنصارى بعيسى، وبنات كما فعل المشركون بالملائكة، تنزَّهَ وتقدَّسَ عما يصفه به أهل الباطل.
101 - وهو سبحانه وتعالى خالق السماوات وخالق الأرض على غير مثال سابق، كيف يكون له ولد ولم تكن له زوجة؟! وهو قد خلق كل شيء، وهو بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الاستدلال ببرهان الخلق والرزق (تخليق النبات ونموه وتحول شكله وحجمه ونزول المطر) وببرهان الحركة (حركة الأفلاك وانتظام سيرها وانضباطها)؛ وكلاهما ظاهر مشاهَد -على انفراد الله سبحانه وتعالى بالربوبية واستحقاق الألوهية.
• بيان ضلال وسخف عقول المشركين في عبادتهم للجن.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 03:46 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (141)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/56.jpg


102 - ذلكم -أيها الناس- المتصف بتلك الصفات هو ربكم، فلا رب لكم غيره، ولا معبود بحق غيره، وهو موجد كل شيء، فاعبدوه, وحده، فهو المستحق للعبادة، وهو على كل شيء حفيظ.
103 - لا تحيط به الأبصار، وهو سبحانه يدرك الأبصار، ويحيط بها، وهو اللطيف بعباده الصالحين، الخبير بهم.
104 - قد جاءكم -أيها الناس- حجج واضحة وبراهين جلية من ربكم، فمن تَعَقَّلَها وأذعن فَنَفْعُ ذلك يعود إليه، ومن عمي عنها، ولم يَتَعَقّلْها، ولم يُذْعِن لها، فضرر ذلك مقصور عليه، ولست عليكم رقيبًا، أحصي أعمالكم، إنما أنا رسول من ربي، وهو الرقيب عليكم.
105 - وكما نَوَّعنا الأدلة والبراهين على قدرة الله نُنوِّع الآيات في الوعد والوعيد والوعظ، وسيقول المشركون: ليس هذا وحيًا، وإنما دَرَسْتَهُ عن أهل الكتاب من قبلك. ولنُبيِّن الحق للناس بتنويعنا لهذه الآيات للمؤمنين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهم الذين يقبلون الحق، ويتبعونه.
106 - اتبع -أيها الرسول- ما يوحيه إليك ربك من الحق، فهو سبحان لا معبود بحق غيره، ولا تشغل قلبك بالكافرين وعنادهم، فأمرهم إلى الله.
107 - ولو شاء الله ألا يشركوا به أحدًا ما أشركوا به أحدًا، وما جعلناك -أيها الرسول- رقيبًا تحصي عليهم أعمالهم، ولست عليهم بقيِّم، إنما أنت رسول الله وما عليك إلا البلاغ.
108 - ولا تسبوا -أيها المؤمنون- الأصنام التي يعبدها المشركون مع الله، وإن كانت أحقر شيء وأولاه بالسب؛ حتى لا يسب المشركون الله تطاولًا عليه، وجهلًا بما يليق به سبحانه، وكما زُيِّن لهؤلاء ما هم عليه من الضلال زَيَّنا لكل أمة عملهم، خيرًا كان أو شرًّا، فَأتَوْا ما زَيَّنا لهم منه، ثم إلى ربهم مرجعهم يوم القيامة، فيخبرهم بما كانوا يعملون في الدنيا، ويجازيهم عليه.
109 - وأقسم المشركون بالله أشد أيمانهم التي يقدرون عليها: لئن جاءهم محمد بآية من الآيات التي اقترحوها ليؤمِنُنَّ بها، قل لهم -أيها الرسول-: الآيات ليست عندي فأنزلها، إنما هي عند الله ينزلها متى شاء، وما يدريكم -أيها المؤمنون- أن هذه الآيات إذا جاءت وفق ما اقترحوه لا يؤمنون؛ بل يبقون على عنادهم وجحودهم؛ لأنهم لا يريدون الهداية.
110 - ونُقَلِّب أفئدتهم وأبصارهم بالحيلولة بينها وبين الاهتداء للحق، كما حُلْنَا بينهم وبين الإيمان بالقرآن أول مرة بسبب عنادهم، ونتركهم في ضلالهم وتمردهم على ربهم حيارى يتخبطون.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تنزيه الله تعالى عن الظلم الذي ترسِّخُه عقيدة (الجَبْر)، وبيان أن كفر العباد وشركهم أمر يحدث باختيارهم.
• ليس بمقدور نبي من الأنبياء أن يأتي بآية من عند نفسه، أو متى شاء، بل ذلك أمر مردود لله تعالى، فهو القادر وحده على ذلك، وهو الحكيم الذي يُقَدِّر نوع الآية ووقت إظهارها.
• النهي عن سب آلهة المشركين حذرًا من مفسدة أكبر وهي التعدي بالسب على جناب رب العالمين.
• قد يحول الله سبحانه وتعالى بين العبد والهداية، ويُصرِّف بصره وقلبه على غير الطاعة؛ عقوبة له على اختياره الكفر.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 03:51 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (142)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/57.jpg


111 - ولو أننا أجبناهم بالإتيان بما اقترحوه، فنزلنا عليهم الملائكة وشاهدوهم، وكلمهم الموتى، وأخبروهم بصدقك فيما جئت به، وجمعنا لهم كل شيء مما اقترحوه يواجهونه معاينة؛ ما كانوا ليؤمنوا بما جئت به، إلا من شاء الله له الهداية منهم، ولكن أكثرهم يجهلون ذلك، فلا يلجؤون إلى الله ليوفقهم للهداية.
112 - وكما ابتليناك بمعاداة هؤلاء المشركين لك ابتلينا كل نبي من قبلك، فجعلنا لكل واحد منهم أعداء من مَرَدَة الإنس، وأعداء من مَرَدَة الجن، يوسوس بعضهم لبعض فيزينون لهم الباطل ليخدعوهم، ولو شاء الله ألا يفعلوا ذلك ما فعلوه، ولكنه شاء لهم ذلك ابتلاء، فاتركهم وما يفترون من الكفر والباطل، ولا تعبأ بهم.
113 - ولِتَميل إلى ما يوسوس به بعضهم لبعض، قلوبُ الذين لا يؤمنون بالآخرة، وليقبلوه لأنفسهم، ويرتضوه لها، وليكتسبوا ما هم مكتسبون من المعاصي والآثام.
114 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين الذين يعبدون مع الله غيره: هل يعقل أن أقبل غير الله حكمًا بيني وبينكم؟ فالله هو الذي أنزل عليكم القرآن مُبينًا مُسْتوفِيًا لكل شيء، واليهود الذين أعطينا هم التوراة، والنصارى الذين أعطيناهم الإنجيل، يعلمون أن القرآن مُنزَّل عليك مشتملًا على الحق، لما وجدوه في كتابيهما من الدليل على ذلك، فلا تكونن من الشاكِّين فيما أوحينا إليك.
115 - وبَلَغَ القرآنُ غاية الصدق في الأقوال والأخبار، لا مُغيِّر لكلماته، وهو السميع لأقوال عباده، العليم بها، فلا يخفى عليه شيء منها، وسيجازي من يسعى لتبديل كلماته.
116 - ولو قُدِّر أنك أطعت -أيها الرسول- أكثر من في الأرض من الناس يضلونك عن دين الله، فقد جرت سُنَّة الله أن يكون الحق مع القلة، فأكثر الناس لا يتبعون إلا الظن الذي لا مستند له، حيث ظنوا أن معبوداتهم تقربهم إلى الله زُلفَى، وهم يكذبون في ذلك.
117 - إن ربك -أيها الرسول- أعلم بمن يضل عن سبيله من الناس، وهو أعلم بالمهتدين إليها، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
118 - فكلوا -أيها الناس- مما ذُكِر اسم الله عليه عند الذبح، إن كنتم مؤمنين حقًّا ببراهينه الواضحة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الهدف الأعظم للعبد اتباع الحق، ويطلبه بالطرق التي بينها الله، ويعمل بذلك، ويرجو عون ربه في اتباعه، ولا يتكل على نفسه وحوله وقوته.
• من إنصاف القرآن للقلة المؤمنة العالمة إسناده الجهل والضلال إلى أكثر الخلق.
• من سنّته تعالى في الخلق ظهور أعداء من الإنس والجنّ للأنبياء وأتباعهم؛ لأنّ الحقّ يعرف بضدّه من الباطل.
• القرآن صادق في أخباره، عادل في أحكامه، يُعْثَر في أخباره على ما يخالف الواقع، ولا في أحكامه على ما يخالف الحق.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 03:54 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (143)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/58.jpg


119 - ما الذي يمنعكم -أيها المؤمنون- من أن تأكلوا مما ذكِر اسمُ الله عليه، وقد بيَّن لكم الله ما حرمه عليكم، فيجب عليكم تركه، إلا إذا ألجأتكم إليه الضرورة، فالضرورة تبيح المحظور، وإن كثيرًا من المشركين ليبعدون أتباعهم عن الحق بسبب آرائهم الفاسدة جهلًا منهم، حيث يُحِلُّون ما حرَّم الله عليهم من الميتة وغيرها، ويحرِّمون ما أحل الله لهم من البَحِيرة والوَصِيلة والحامي وغيرها، إن ربك -أيها الرسول- هو أعلم بالمتجاوزبن لحدود الله، وسيجازيهم على تجاوزهم لحدوده.
120 - واتركوا -أيها الناس- ارتكاب المعاصي في العلانية والسر، إن الذين يرتكبون المعاصي في السر أو العلانية، سيجزيهم الله على ما اكتسبوه منها.
121 - ولا تأكلوا -أيها المسلمون- مما لم يُذكر اسم الله عليه، سواء ذُكِر عليه اسم غيره أو لا أن الأكل منه لخُروج عن طاعة الله إلى معصيته، وإن الشياطين ليُوسْوِسون إلى أوليائهم بإلقاء الشُّبَه ليجادلوكم في أكل الميتة، وإن أطعتموهم -أيها المسلمون- فيما يلقونه من الشُّبَه -لإباحة الميتة- كنتم أنتم وهم سواء في الشرك.
122 - وهل يستوي الذي كان قبل هداية الله له ميتًا -لما هو فيه من الكفر والجهل والمعاصي- فأحييناه بهدايته للإيمان والعلم والطاعة-: مع من هو في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي لا يستطيع الخروج منها، قد التبست عليه الطرق، وأظلمت عليه المسالك؟! كما حُسِّن لهؤلاء المشركين ما هم عليه من الشرك وأكل الميتة والجدال بالباطل حُسِّن للكافرين ما كانوا يعملون من المعاصي ليجازوا عليها يوم القيامة بالعذاب الأليم.
123 - ومثل ما حصل من أكابر المشركين في مكة من صدٍّ عن سبيل الله، جعلنا في كل قرية رؤساء وعظماء يعملون حيلهم وكيدهم في الدعوة إلى سبيل الشيطان ومحاربة الرسل وأتباعهم، والواقع أن مكرهم وكيدهم إنما يعود عليهم، ولكنهم لا يحسون بذلك لجهلهم واتباع أهوائهم.
124 - وإذا جاءت كُبراءَ الكفار آيةٌ من الآيات التي ينزلها الله على نبيه، قالوا: لن نؤمن حتى يعطينا الله مثل ما أعطى الأنبياء من النبوة والرسالة، فردَّ الله عليهم بأنه أعلم بمن هو صالح للرسالة والقيام بأعبائها، فيختصه بالنبوة والرسالة. سينال هؤلاء الطغاة ذلٌّ وإهانة لتكبُّرهم عن الحق، وعذاب شديد بسبب مكرهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأصل في الأشياء والأطعمة الإباحة، وأنه إذا لم يرد الشرع بتحريم شيء منها فإنه باق على الإباحة.
• كل من تكلم في الدين بما لا يعلمه، أو دعا الناس إلى شيء لا يعلم أنه حق أو باطل، فهو معتدٍ ظالم لنفسه وللناس، وكذلك كل من أفتى وليس هو بكفء للإفتاء.
• منفعة المؤمن ليست مقتصرة على نفسه، بل مُتَعدِّية لغيره من الناس.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 03:58 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (144)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/59.jpg


125 - فمن يرد الله أن يوفقه إلى طريق الهداية يفسح صدره ويهيئه لقبول الإسلام، ومن يرد أن يخذله ولا يوفِّقه للهداية يجعل صدره شديد الضيق عن قبول الحق، بحيث يمتنع دخول الحق إلى قلبه كامتناع ارتقائه إلى السماء وعجزه عن ذلك بذاته، وكما جعل الله حال الضال بهذه الحال من الضيق الشديد يجعل العذاب على الذين لا يؤمنون به.
126 - وهذا الدين الذي شرعناه لك -أيها الرسول- هو صراط الله المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، قد بيَّنا الآيات لمن له وَعْي وفهم يَعِي به عن الله.
127 - لهم دار يَسْلَمُون فيها من كل مكروه وهي الجنة، والله ناصرهم ومؤيدهم جزاءً على ما كانوا يعملون من الصالحات.
128 - واذكر -أيها الرسول- يوم يحشر الله الثَّقَلَيْن من الإنس والجن، ثم يقول الله: يا معشر الجن، قد أكثرتم من إضلال الإنس وصدهم عن سبيل الله، وقال أتباعهم من الإنس مجيبين ربهم: يا ربنا، تَمَتَّع كل منا بصاحبه، فالجني تمَتَّع بطاعة الإنسي له، والإنسي تَمَتَّع بنيل شهواته، وبلغنا الأجل الذي أجَّلت لنا، فهذا يوم القيامة، قال الله: النار مُسْتَقَرُّكم خالدين فيها إلا ما شاء الله من قَدْرِ مدة ما بين مبعثهم من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنم، فتلك المدة التي استثناها الله من خلودهم في النار، إن ربك -أيها الرسول- حكيم في تقديره وتدبيره، عليم بعباده، وبمن يستحق منهم العذاب.
129 - وكما وَلَّينا المَرَدَة من الجن، وسَلَّطناهم على بعض الناس ليضلوهم، نولي كل ظالم ظالمًا يحثه على الشر ويحضه عليه، وينفِّره عن الخير، ويزهِّده فيه؛ جزاءً لهم على ما كانوا يكسبون من المعاصي.
130 - ونقول لهم يوم القيامة: يا معشر الإنس والجن، ألم يأتكم رسل من جنسكم -فهم من الإنس- يتلون عليكم ما أنزل الله عليهم، ويخوِّفونكم لقاء يومكم هذا الذي هو يوم القيامة؟ قالوا: بلى، أقررنا اليوم على أنفسنا بأن رسلك قد بلّغونا، وأقررنا بلقاء هذا اليوم، لكن كذبنا رسلك، وكذبنا بلقاء هذا اليوم. وخدعتهم الحياة الدنيا بما فيها من زينة وزُخْرف ونعيم زائل، وأقروا على أنفسهم أنهم كانوا في الدنيا كافرين بالله وبرسله، ولن ينفعهم هذا الإقرار ولا الإيمان؛ لفوات وقته.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• سُنَّة الله في الضلال والهداية أنهما من عنده تعالى، أي بخلقه وإيجاده، وهما من فعل العبد باختياره بعد مشيئة الله.
• ولاية الله للمؤمنين بحسب أعمالهم الصالحة، فكلما زادت أعمالهم الصالحة زادت ولايته لهم والعكس.
• من سُنَّة الله أن يولي كل ظالم ظالمًا مثله، يدفعه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهِّده في الخير وينفِّره عنه.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 04:01 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (145)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/60.jpg


131 - ذلك الإعذار بإرسال الرسل إلى الإنس والجن لئلا يُعاقَب أحدٌ على ما جناه وهو لم يُرْسَل إليه رسول، ولم تبلغه دعوة، فلم نعذب أمة من الأمم إلا بعد إرسال الرسل إليهم.
132 - ولكل منهم درجات بحسب أعمالهم، فلا يستوي كثير الشر وقليله، التابع والمتبوع، كما لا يستوي ثواب الذين يعملون الصالحات، وليس ربك بغافل عما كانوا يعملونه، بل هو مطلع عليه، لا يخفى عليه منه شيء، وسيجازيهم على أعمالهم.
133 - وربُّك -أيها الرسول- هو الغني عن عباده، فلا يحتاج إليهم، ولا إلى عبادتهم، ولا يضره كفرهم، ومع غناه عنهم فهو ذو رحمة بهم، إن يشأ إهلاككم -أيها العباد العُصاة- يَسْتَأْصِلْكم بعذاب من عنده، ويوجد بعد إهلاككم من يشاء ممن يؤمنون به ويطيعونه، كما خلقكم أنتم من نسل قوم آخرين كانوا قبلكم.
134 - إن ما توعدون به -أيها الكفار- من البعث والنشور والحساب والعقاب لآتٍ لا مَحَالة، ولن تفوتوا ربكم بالهرب، فهو آخذ بنواصيكم، ومعذبكم بعذابه.
135 - قل -أيها الرسول-: يا قوم اثبتوا على طريقتكم وما أنتم عليه من الكفر والضلال، فقد أعذرت وأقمت الحجة عليكم بالبلاغ المبين، فلست مباليًا بكفركم وضلالكم، بل سأثبت على ما أنا عليه من الحق، فستعلمون من يكون له النصر في الدنيا، ومن يرث الأرض، ومن له الدار الآخرة، إنه لا يفوز المشركون لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل عاقبتهم الخسران، وإن تمتعوا بما تمتعوا به في الدنيا.
136 - وابتدع المشركون بالله أن جعلوا لله مما خلق من الزروع والأنعام قِسْمًا، فزعموا أنه لله، وقِسْمًا آخر لأوثانهم وأنصابهم، فما خصَّصوه لشركائهم لا يصل إلى المصارف التي شرع الله الصرف فيها كالفقراء والمساكين، وما خصَّصوه لله فهو يصل إلى شركائهم من الأوثان يصرف في مصالحها، ألا ساء حكمهم وقسمتهم.
137 - وكما حسَّن الشيطان للمشركين هذا الحكم الجائر حسَّن لكثير من المشركين شركاؤهم من الشياطين أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر؛ ليهلكوهم بالوقوع في قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بحق، وليخلطوا عليهم دينهم فلا يعرفون ما هو مشروع وما هو غير مشروع، ولو شاء الله ألا يفعلوا ذلك ما فعلوه، ولكنه شاء ذلك لحكمة بالغة، فاترك -أيها الرسول- هؤلاء المشركين وافتراءهم الكذب على الله، فإن ذلك لا يضرك، وسلِّم أمرهم لله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تفاوت مراتب الخلق في أعمال المعاصي والطاعات يوجب تفاوت مراتبهم في درجات العقاب والثواب.
• ذَمَّ الله المشركين بسبع صفات هي: الخسران والسفاهة وعدم العلم وتحريم ما رزقهم الله والافتراء على الله والضلال وعدم الاهتداء؛ فهذه أمور سبعة، وكل واحد منها سبب تام في حصول الذم.
• اتباع الشيطان موجب لانحراف الفطرة حتى تصل لاستحسان القبيح مثل قتل الأولاد ومساواة أصنامهم بالله سبحانه وتعالى.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 04:05 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (146)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/61.jpg


138 - وقال المشركون: هذه أنعام وزروع ممنوعة لا يأكل منها إلا من يشاؤون بزعمهم وافترائهم من خدَّام الأوثان وغيرهم، وهذه أنعام حُرِّمت ظهورها؛ فلا تُرْكَب، ولا يُحْمَل عليها، وهي البَحِيرة والسائبة والحامي، وهذه أنعام لا يذكرون اسم الله عليها عند الذبح، وإنما يذبحونها باسم أصنامهم؛ ارتكبوا ذلك كله كذبًا على الله أن ذلك من عنده، سيجزيهم الله بعذابه بسبب ما كانوا يفترون عليه.
139 - وقالوا: ما في بطون هذه السَّوائب والبَحَائر من الاجنة إن وُلِد حيًّا حلال على ذكورنا، محَرَّم على نسائنا، وإن وُلِد ما في بطونها من الأجنة ميتًا فالذكور والإناث فيه شركاء. سيجزيهم الله تعالى بقولهم هذا ما يستحقون، إنه حكيم في تشريعه وتدبيره شؤون خلقه، عليم بهم.
140 - قد هلك الذين قتلوا أولادهم لِخفَّةِ عقولهم ولجهلهم، وحرَّموا ما رزقهم الله من الأنعام ناسبين ذلك إلى الله كذبًا، قد بَعُدوا عن الصراط المستقيم، وما كانوا مهتدين إليه.
141 - والله سبحانه هو الذي خلق بساتين مبسوطة على وجه الأرض دون ساق، ومرفوعة عليها ذات ساق، وهو الذي خلق النخل، وخلق الزرع مختلفًا ثمره في الشكل والطعم، وهو الذي خلق الزيتون والرمان ورقهما متشابه، وطعمهما غير متشابه، كلوا -أيها الناس- من ثمره إذا أثمر، وأدُّوا زكاته يوم حصاد، ولا تتجاوزوا الحدود الشرعية في الأكل والإنفاق، فالله لا يحب المتجاوزين لحدوده فيهما ولا في غيرهما، بل يبغضه، إن الذي خلق ذلك كله هو الذي أباحه لعباده، فليس للمشركين تحريمه.
142 - وهو الذي أنشأ لكم من الأنعام ما هو صالح لأن يُحْمَل عليه ككبار الإبل، وما ليس صالحًا لذلك كصغاره وكالغنم، كلوا -أيها الناس- مما رزقكم الله من هذه الأشياء التي أباحها لكم، ولا تتبعوا خطوات الشيطان في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله كما يفعله المشركون، إن الشيطان لكم -أيها الناس- عدو واضح العداوة حيث يريد منكم أن تعصوا الله بذلك.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأهواء سبب تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله.
• وجوب الزكاة في الزروع والثمار عند حصادها، مع جواز الأكل منها قبل إخراج زكاتها، ولا يُحْسَب من الزكاة.
• التمتع بالطيبات مع عدم الإسراف ومجاوزة الحد في الأكل والإنفاق.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 04:09 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (147)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/62.jpg


143 - خَلَق لكم ثمانية أصناف؛ من الضأن زوجين: ذكرًا وأنثى، ومن المعز اثنين، قل -أيها الرسول- للمشركين-: هل حرّم الله تعالى الذَّكرَيْن منهما لعلة الذكورة؟ فإن قالوا: نعم فقل لهم: لِمَ تحرمون الإناث؟ أم أنه حَرَّم الأُنْثَيَيْن لِعِلَّة الأنوثة؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: لِمَ تُحرِّمون الذَّكَرَيْن؟ أم أنه حَرَّم ما اشتملت عليه أرحام الأنْثَيَيْن لِعِلَّة اشتمال الرحم عليه؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: لِمَ تُفرِّقون بين ما اشتملت عليه الأرحام بتحريم ذكوره تارة وتحريم إناثه تارة، أخبروني -أيها المشركون- بما تستندون عليه من علم صحيح إن كنتم صادقين في دعواكم أن تحريم ذلك من الله.
174 - وبقية الأصناف الثمانية هي: زوجان من الإبل، وزوجان من البقر، قل -أيها الرسول- للمشركين: آلله حرَّم ما حرم منها لذكورته، أم لأنوثته، أم لاشتمال الرحم عليه؟ أم كنتم -أيها المشركون- حاضرين -بزعمكم- حين وصَّاكم الله بتحريم ما حرَّمتم من هذه الأنعام؟! فلا أحد أعظم ظلمًا، ولا أكبر جرمًا ممن افترى على الله الكذب، فنسب إليه تحريم ما لم يحرم؛ ليضل الناس عن الصراط المستقيم بغير علم يستند إليه، إن الله لا يوفق للهداية الظالمين بافترائهم الكذب على الله.
145 - قل -أيها الرسول- لا أجد فيما أوحاه الله إليَّ شيئًا محرمًا إلا ما مات دون ذكاة، أو كان دمًا سائلًا، أو كان لحم خنزير فإنه نجس حرام، أو كان مما ذُبح على غير اسم الله كالمذبوح لأصنامهم، فمن ألجأته الضرورة إلى الأكل من هذه المحرمات لشدة الجوع غير طالب تَلذُّذًا بأكلها، وغير متجاوز حد الضرورة فلا إثم عليه في ذلك، إن ربك -أيها الرسول- غفور للمضطر إن أكل منها، رحيم به.
ولمَّا ذكر الله ما حرَّمه على الأمة ذكر ما حرَّمه على اليهود؛ ليبيِّن أن ما حرَّمه المشركون من الأنعام لا يستندون فيه على ما جاء من عند الله، وإنما يتبعون فيه إملاء الشيطان فقال:
146 - وحرَّمنا على اليهود ما لم تتفرَّق أصابعه كالإبل والنعام، وحرمنا عليهم شحوم البقر والغنم إلا ما علق بظهورهما، أو ما حملته الأمعاء، أو ما اختلط بعظم كالألية والجَنْب، وقد جازيناهم على ظلمهم بتحريم ذلك عليهم، وإنا لصادقون في كل ما نخبر به.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيات دليل على إثبات المناظرة في مسائل العلم، وإثبات القول بالنظر والقياس.
• الوحي وما يستنبط منه هو الطريق لمعرفة الحلال والحرام.
• إن من الظلم أن يُقْدِم أحد على الإفتاء في الدين ما لم يكن قد غلب على ظنه أنه يفتي بالصواب الذي يرضي الله.
• من رحمة الله بعباده الإذن لهم في تناول المحرمات عند الاضطرار.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 04:12 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (148)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/63.jpg


147 - فإن كذبوك -أيها الرسول- ولم يصدقوا بما جئت به من ربك فقل ترغيبًا لهم: ربكم ذو رحمة واسعة، ومن رحمته بكم إمهاله لكم، وعدم معاجلته لكم بالعذاب، وقل لهم تحذيرًا لهم: إنَّ عذابه لا يُرَد عن القوم الذين يرتكبون المعاصي والآثام.
148 - سيقول المشركون محتجِّين بمشيئة الله وقدره على صحة إشراكهم بالله: لو شاء الله ألا نشرك نحن ولا آباؤنا بالله لما أشركنا به، ولو شاء الله ألا نحرِّم ما حرَّمناه على أنفسنا لَمَا حرَّمناه. وبمثل حجتهم الداحضة كذَّب الذين من قبلهم برسلهم قائلين: لو شاء الله ألا نكذِّب بهم لما كذبنا بهم، واستمروا على هذا التكذيب حتى ذاقوا عذابنا الذي أنزلناه عليهم، قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: هل عندكم من دليل يدل على أن الله رضي منكم أن تشركوا به وأن تحللوا ما حرمه وتحرموا ما أحله؟ فمجرد وقوع ذلك منكم ليس دليلًا على رضاه عنكم، إنكم لا تتبعون في ذلك إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا، وما أنتم إلا تكذبون.
149 - قل -أيها الرسول- للمشركين: إن لم تكن لكم حجج إلا هذه الحجج الواهية فإن لله الحجة القاطعة التي تنقطع عندها معاذيركم التي تقدمونها، وتبطل بها شبهكم التي تتعلقون بها، فلو شاء الله توفيقكم جميعًا للحق -أيها المشركون- لوفَّقكم له.
150 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما أحل الله، ويدَّعون أن الله هو الذي حرمه: أحضروا شهودكم الذين يشهدون أن الله حرم هذه الأشياء التي حرمتموها، فإن شهدوا بغير علم على أن الله حرمها فلا تصدقهم -أيها الرسول- في شهادتهم؛ لأنها شهادة زور، ولا تتبع أهواء الذين يُحكِّمون أهواءهم، فقد كذبوا بآياتنا حين حَرَّموا ما أحل الله لهم، ولا تتبع الذين لا يؤمنون بالآخرة، وهم بربهم يشركون فيساوون به غيره، وكيف يُتَّبَع من هذا مسلكه مع ربه؟!
151 - قل -أيها الرسول- للناس: تعالوا أقرأ عليكم ما حرمه الله، حرم عليكم أن تشركوا به شيئًا من مخلوقاته، وأن تعقُّوا آباءكم، بل يجب عليكم الإحسان إليهم، وأن تقتلوا أولادكم بسبب الفقر، كما كان يفعل أهل الجاهلية، نحن نرزقكم ونرزقهم، وحرم أن تقربوا الفواحش ما أُعْلِن منها وما أُسِرَّ به، وأن تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، كالزنى بعد الإحصان، والردة بعد الإسلام، ذلكم المذكور وصَّاكم به لعلكم تعقلون عن الله أوامره ونواهيه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الحذر من الجرائم الموصلة لبأس الله؛ لأنه لا يُرَدُّ بأسه عن القوم المجرمين إذا أراده.
• الاحتجاج بالقضاء والقدر بعد أن أعطى الله تعالى كل مخلوق قُدْرة وإرادة يتمكَّن بهما من فعل ما كُلِّف به؛ ظُلْمٌ مَحْض وعناد صرف.
• دَلَّتِ الآيات على أنه بحسب عقل العبد يكون قيامه بما أمر الله به.
• النهي عن قربان الفواحش أبلغ من النهي عن مجرد فعلها، فإنه يتناول النهي عن مقدماتها ووسائلها الموصلة إليها.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 04:15 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (149)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/64.jpg

152 - وحَرَّم أن تتعرضوا لمال اليتيم -وهو الذي فقد أباه قبل البلوغ- إلا بما فيه صَلاح ونفع له وزيادة لماله حتى يبلغ ويُؤنَس منه الرُّشد، وحَرَّم عليكم التَّطْفيف في الكيل والميزان، بل يجب عليكم العدل في الأخذ والإعطاء في البيع والشراء، لا نكلف نفسًا إلا طاقتها، فما لا يمكن الاحتراز منه من الزيادة أو النقصان في المكاييل وغيرها لا مؤاخذة فيه، وحَرَّم عليكم أن تقولوا غير الصواب في خبر أو شهادة دون مُحَاباة قريب أو صديق، وحَرَّم عليكم نَقْض عهد الله إن عاهدتم الله أو عاهدتم بالله، بل يجب عليكم الوفاء بذلك، ذلك المتقدم أَمَرَكم الله به أمرًا مؤكدًا؛ رجاء أن تتذكروا عاقبة أمركم.
153 - وحَرَّم عليكم أن تتبعوا سُبُل الضلال وطرقه، بل يجب عليكم اتباع طريق الله المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وطرق الضلال تؤدي بكم إلى التفرق والبعد عن طريق الحق، ذلك الاتباع لطريق الله المستقيم هو الذي وصَّاكم الله به؛ رجاء أن تتَّقوه بامتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه.
154 - ثم بعد الإخبار بما ذُكِر نخبر أنَّا أعطينا موسى التوراة تمامًا للنعمة جزاءً على إحسانه العمل، وتبيينًا لكل شيء يحتاج إليه في الدين، ودلالة على الحق ورحمة رجاء أن يؤمنوا بلقاء ربهم يوم القيامة فيستعدوا له بالعمل الصالح.
155 - وهذا القرآن كتاب أنزلناه كثير البركة، لما يشتمل عليه من المنافع الدينية والدنيوية، فاتبعوا ما أنزل فيه، واحذروا مخالفته رجاء أن ترحموا.
156 - لئلا تقولوا -يا مشركي العرب-: إنما أنزل الله التوراة والإنجيل على اليهود والنصارى من قبلنا، ولم يُنزل علينا كتابًا، وإنا لا ندري تلاوة كتبهم لأنها بلُغتهم، وليست بلُغتنا.
157 - ولئلا تقولوا: لو أنزل الله علينا كتابًا كما أنزله على اليهود والنصارى لكُنَّا أكثر استقامة منهم، فقد جاءكم كتاب أنزله الله على نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - بلسانكم، وذلك حجة واضحة وإرشاد إلى الحق ورحمة للأمة، فلا تعتذروا بالأعذار الواهية، وتتعللوا بالعلل الباطلة، ولا أحد أعظم ظلمًا ممن كذَّب بآيات الله وانصرف عنها، سنعاقب الذين ينصرفون عن آياتنا عقابًا شديدًا بإدخالهم في نار جهنم جزاءً على انصرافهم وإعراضهم عنها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• لا يجوز التصرف في مال اليتيم إلا في حدود مصلحته، ولا يُسلَّم ماله إلّا بعد بلوغه الرُّشْد.
• سبل الضلال كثيرة، وسبيل الله وحده هو المؤدي إلى النجاة من العذاب.
• اتباع هذا الكتاب علمًا وعملًا من أعظم أسباب نيل رحمة الله.

ابو وليد البحيرى
2019-11-20, 04:19 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (150)
(سُوْرَةُ الأنعام)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/65.jpg


158 - ما ينتظر المكذبون إلا أن يأتيهم ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم في الدنيا، أو يأتي ربك يوم الفصل في الآخرة -أيها الرسول- لفصل القضاء بينهم، أو يأتي بعض آيات ربك الدالة على الساعة، يوم يأتي بعض آيات ربك -كطلوع الشمس من مغربها- لا ينفع كافرًا إيمانه، ولا ينفع مؤمنًا لم يعمل خيرًا من قبله عملُه، قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين المكذبين: انتظروا أحد هذه الأشياء، إنا منتظرون.
159 - إن الذين جعلوا دينهم متفرقًا من اليهود والنصارى، حيث أخذوا بعضه وتركوا بعضه، وكانوا فِرَقًا مختلفين، لستَ -أيها الرسول- منهم في شيء، فأنت بريء مما هم عليه من الضلال، وليس عليك إلا إنذارهم، فأَمْرهم موكول إلى الله، ثم هو يوم القيامة يخبرهم بما كانوا يعملون في الدنيا فيجازيهم عليه.
160 - من أتى يوم القيامة من المؤمنين بحسنة ضاعفها الله له عشر حسنات، ومن أتى بسيئة فلن يُعَاقَب إلا بمثلها في الخِفَّة والعِظَم، لا أكثر منها، وهم يوم القيامة لا يُظْلمون بنقص ثواب الحسنات، ولا بزيادة عقاب السيئات.
161 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين المكذبين: إنني أرشدني ربي إلى طريق مستقيم هو طريق الدين القائم بمصالح الدنيا والآخرة، وهو ملة إبراهيم المائل إلى الحق، والذي لم يكن من المشركين قط.
162 - قل -أيها الرسول-: إن صلاتي وذَبْحي لله وعلى اسم الله، لا على غيره، وحياتي وموتي، كل ذلك لله رب المخلوقات وحده، وليس لغيره نصيب في ذلك.
163 - وهو سبحانه لا شريك له، ولا معبود بحق غيره، وبهذا التوحيد الخالص من الشرك أمرني الله، وأنا أول المستسلمين له من هذه الأمة.
164 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أغير الله أطلب ربًّا وهو سبحانه وتعالى رب كل شيء؟! فهو رب المعبودات التي تعبدونها من دو ولا يحمل بريء ذنب فيره، ثم إلى ربكم رجوعكم يوم القيامة فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه في الدنيا من أمر الدين.
165 - والله هو الذي جعلكم تخلفون من سبقكم في الأرض؛ للقيام بعمارتها، ورفع بعضكم في الخلق والرزق وغيرهما فوق بعض درجات؛ ليختبركم فيما آتاكم من ذلك، إن ربك -أيها الرسول- سريع العقاب، فكل ما هو آت فهو قريب، وإنه لغفور لمن تاب من عباده رحيم به.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف.
• من تمام عدله تعالى وإحسانه أنه يجازي بالسيئة مثلها، وبالحسنة عشرة أمثالها، وهذا أقل ما يكون من التضعيف.
• الدين الحق القَيِّم يتطَلَّب تسخير كل أعمال العبد واهتماماته لله عز وجل، فله وحده يتوجه العبد بصلاته وعبادته ومناسكه وذبائحه وجميع قرباته وأعماله في حياته وما أوصى به بعد وفاته.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 04:58 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (151)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/76.jpg


[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
بيان سُنَّة الصراع بين الإيمان والكفر وعاقبته من خلال عرض سِيَر الأنبياء مع أقوامهم.


[التَّفْسِيرُ]
1 - {المص} تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
2 - القرآن الكريم كتابٌ أنزله الله عليك -أيها الرسول- فلا يكن في صدرك منه ضيق ولا شك، أنزله إليك لتخوِّف به الناس، وتقيم به الحجة، ولتذكِّر به المؤمنين، فهم الذين ينتفعون بالذكرى.
3 - اتبعوا -أيها الناس- الكتاب الذي أنزله ربكم عليكم، وسُنَّة نبيكم، ولا تتبعوا أهواء من ترونهم أولياءَ من شياطين أو أحبار سوء، تتولّونهم تاركين ما أنزل عليكم لأجل ما تُمْليه أهواؤهم، إنكم قليلًا ما تتذكرون؛ إذ لو تذكرتم لَمَا آثرتم على الحق غيره، ولاتَّبعتم ما جاء به رسولكم، وعملتم به، وتركتم ما سواه.
4 - ما أكثر القرى التي أهلكناها بعذابنا لما أصرَّت على كفرها وضلالها، فنزل عليها عذابنا الشديد في حال غفلتها ليلًا أو نهارًا، فلم يستطيعوا دفع العذاب عن أنفسهم، ولم تدفعه عنهم آلهتهم المزعومة.
5 - فما كان منهم بعد نزول العذاب إلا أن أَقرُّوا على أنفسهم بظلمهم بالكفر بالله.
6 - فلنسألنَّ يوم القيامة الأمم التي أرسلنا إليها رسلنا عما أجابوا به الرسل، ولنسألن الرسل عن تبليغ ما أُمِروا بتبليغه، وعما أجابتهم به أممهم.
7 - فلنقُصَّنَّ على جميع الخلق أعمالهم التي عملوها في الدنيا بعلم منا، فقد كنا عالمين بأعمالهم كلها، لا يغيب عنا منها شيء، وما كنا غائبين عنهم في أي وقت من الأوقات.
8 - ووزن الأعمال يوم القيامة يكون بالعدل الذي لا جَوْر معه ولا ظلم، فمن رجحت عند الوزن كفَّة حسناته على كفة سيئاته فأولئك هم الذين فازوا بالمطلوب، ونجوا من المرهوب.
9 - ومن رجحت عند الوزن كفّة سيئاته على كفة حسناته فأولئك الذين خسروا أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك يوم القيامة، بسبب جحدهم بآيات الله.
10 - ولقد مَكَّناكم -يا بني آدم- في الأرض، وجعلنا لكم فيها أسبابًا للعيش، فكان عليكم أن تشكروا الله على ذلك، لكن شكركم كان قليلًا.
11 - ولقد أنشأنا -أيها الناس- أباكم آدم، ثم صوَّرناه في أحسن صورة، وأحسن تقويم، ثم أَمَرْنا الملائكة بالسجود إكرامًا له، فامتثلوا وسجدوا، إلا إبليس أبى أن يسجد تكبرًا وعنادًا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من مقاصد إنزال القرآن الإنذار للكافرين والمعاندين، والتذكير للمؤمنين.
• أنزل الله القرآن إلى المؤمنين ليتبعوه ويعملوا به، فإن فعلوا ذلك كملت تربيتهم، وتمت عليهم النعمة، وهُدُوا لأحسن الأعمال والأخلاق.
• الوزن يوم القيامة لأعمال العباد يكون بالعدل والقسط الذي لا جَوْر فيه ولا ظلم بوجه.
• هَيَّأ الله الأرض لانتفاع البشر بها، بحيث يتمكَّنون من البناء عليها وحَرْثها، واستخراج ما في باطنها للانتفاع به.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:03 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (152)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية
https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/77.jpg


12 - قال الله تعالى توبيخًا لإبليس: أي شيء منعك من امتثال أمري لك بالسجود لآدم؛ قال إبليس مجيبًا ربه: منعني أني أفضل منه، فقد خلقتني من نار، وخلقته هو من طين، والنار أشرف من الطين.
13 - قال الله له: اهبط من الجنة، فليس لك أن تتكبر فيها؛ لأنها دار الطيِّبين الطاهرين، فما يجوز لك أن تكون فيها، إنك -يا إبليس- من الحقيرين الذليلين، وإن كنت ترى نفسك أنك أشرف من آدم.
14 - قال إبليس: يا رب، أمهلني إلى يوم البعث حتى أغوي من أستطيع إغواءه من الناس.
15 - قال له الله: إنك -يا إبليس- من المُمْهَلين الذين كتبت عليهم الموت يوم النفخة الأولى في الصور حين يموت الخلق كلهم، ويبقى خالقهم وحده.
16 - قال إبليس: بسبب إضلالك إياى حتى تركتُ امتثال أمرك بالسجود لآدم لأُقْعُدَنَّ لبني آدم على صراطك المستقيم؛ لأصرفهم وأضلهم عنه كما ضَلَلْتُ أنا عن السجود لأبيهم آدم.
17 - ثم لآتِينَّهم من جميع الجهات بالتزهيد في الآخرة، والترغيب في الدنيا، وإلقاء الشبهات، وتحسين الشهوات، ولا تجد -يا رب- أكثرهم شاكرين لك؛ لما أمليه عليهم من الكفر.
18 - قال الله له: اخرج -يا إبليس- من الجنة مذمومًا مطرودًا من رحمة الله، ولأملأن جهنم يوم القيامة منك ومن كل من اتبعك واطاعك وعصى أمر ربه.
19 - وقال الله لآدم: يا آدم، اسكن أنت وزوجتك حواء الجنة، فكُلا مما فيها من الطيبات ما شئتما، ولا تأكلا من هذه الشجرة (شجرة عَيَّنها الله لهما) فإنكما إن أكلتما منها بعد نهيي لكما كنتما من المتجاوزين لحدود الله.
20 - فألقى لهما كلامًا خفيًّا إبليس؛ ليُظْهِر لهما ما سُتِر عنهما من عوراتهما، وقال لهما: ما نهاكما الله عن الأكل من هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا مَلَكَين، وإلا كراهة أن تكونا من الخالدين في الجنة.
21 - وحلف لهما بالله: إني لكما -يا آدم وحواء- لمن الناصحين فيما أشرت عليكما به.
22 - فَحَطَّهما من المنزلة التي كانا فيها بخداع منه وغرور، فلما أكلا من الشجرة التي نُهِيا عن الأكل منها ظهرت لهما عوراتهما مكشوفة، فأخذا يُلْزِقان عليهما من ورق الجنة؛ ليسترا عوراتهما، وناداهما ربهما قائلًا: ألم أنهكما عن الأكل من هذه الشجرة، وأقل لكما محذرًا لكما: إن الشيطان عدو لكما بيِّن العداوة؟!

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• دلَّت الآيات على أن من عصى مولاه فهو ذليل.
• أعلن الشيطان عداوته لبني آدم، وتوعد أن يصدهم عن الصراط المستقيم بكل أنواع الوسائل والأساليب.
• خطورة المعصية وأنها سبب لعقوبات الله الدنيوية والأخروية.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:07 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (153)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/78.jpg


23 - قال آدم وحواء: يا ربنا، ظلمنا أنفسنا بارتكاب ما نهيتنا عنه من الأكل من الشجرة، وإن لم تغفر لنا ذنوبنا وترحمنا برحمتك، لنكوننَّ من الخاسرين بإضاعتنا حظنا في الدنيا والآخرة.
24 - قال الله لآم وحواء وإبليس: اهبطوا من الجنة إلى الأرض، وسيكون بعضكم عدوًّا لبعض، ولكم في الأرض مكان استقرار إلى وقت معلوم، وتمتُّعٌ بما فيها إلى أجل مسمى.
25 - قال الله مخاطبًا آدم وحواء وذريتهما: في هذه الأرض تَحْيَوْنَ مدة ما قدر الله لكم من آجال، وفيها تموتون وتدفنون، ومن قبوركم تخرجون للبعث.
26 - يا بني آدم، قد جعلنا لكم لباسًا ضروريًّا لستر عوراتكم، وجعلنا لكم لباسًا كماليًّا تتجَمَّلون به في الناس، ولباس التقوى -التي هي امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه- خير من هذا اللباس الحسي، ذلك المذكور من اللباس من آيات الله الدالة على قدرته، لعلكم تتذكرون نعمه عليكم فتشكرونها.
27 - يا بني آدم، لا يَغُرَّنَّكم الشيطان بتزيين المعصية بترك اللباس الحسي لستر العورة أو ترك لباس التقوى، فقد خدع أبويكم بتزيين الأكل من الشجرة حتى كان مآل ذلك أن أخرجهما من الجنة، وبدت لهما عوراتهما، إن الشيطان وذريته يرونكم ويشاهدونكم وأنتم لا ترونهم ولا تشاهدونهم، فيلزمكم الحذر منه ومن ذريته، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون بالله، وأما المؤمنون الذين يعملون الصالحات فلا سبيل لهم عليهم.
28 - وإذا ارتكب المشركون أمرًا بالغ النكر كالشرك والطواف بالبيت عراة وغيرهما، اعتذروا بأنهم وجدوا آباءهم يرتكبونها، وأن الله أمرهم بذلك، قل -يا محمد- ردًّا عليهم: إن الله لا يأمر بالمعاصي، بل ينهى عنها، فكيف تَدَّعون ذلك عليه؟ أتقولون -أيها المشركون- على الله ما لا تعلمون كذبًا وافتراءً؟!
29 - قل -يا محمد- لهؤلاء المشركين: إن الله أمر بالعدل، ولم يأمر بالفحشاء والمنكر، وأمر أن تخلصوا له العبادة عمومًا، وعلى وجه الخصوص في المساجد، وأن تدعوه وحده مخلصين له الطاعة، كما خلقكم من عدم أول مرة يعيدكم أحياء مرة أخرى، فالقادر على بدء خلقكم قادر على إعادتكم وبعثكم.
30 - وقد جعل الله الناس فريقين: فريقًا منكم هداه، ويسَّر له أسباب الهداية، وصرف عنه موانعها، وفريقًا آخر وجبت عليهم الضلالة عن طريق الحق، ذلك أنهم صيَّروا الشياطين أولياء من دون الله، فانقادوا لهم جهلًا، وهم يظنون أنهم مهتدون إلى الصراط المستقيم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أَشبَهَ آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والإقلاع -إذا صدرت منه الذنوب- اجتباه ربه وهداه. ومن أشْبَهَ إبليس -إذا صدر منه الذنب بالإصرار والعناد- فإنه لا يزداد من الله إلا بُعْدًا.
• اللباس نوعان: ظاهري يستر العورةَ، وباطني وهو التقوى الذي يستمر مع العبد، وهو جمال القلب والروح.
• كثير من أعوان الشيطان يدعون إلى نزع اللباس الظاهري؛ لتنكشف العورات، فيهون على الناس فعل المنكرات وارتكاب الفواحش.
• أن الهداية بفضل الله ومَنِّه، وأن الضلالة بخذلانه للعبد إذا تولَّى -بجهله وظلمه- الشيطانَ، وتسبَّب لنفسه بالضلال.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:11 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (154)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/79.jpg


31 - يا بني آدم، البسوا ما يستر عوراتكم، وما تتجملون به من اللباس النظيف الطاهر عند الصلاة والطواف، وكلوا واشربوا ما شئتم من الطيبات التي أحلها الله، ولا تتجاوزوا حد الاعتدال في ذلك، ولا تتجاوزوا الحلال إلى الحرام، إن الله لا يحب المتجاوزين لحدود الاعتدال.
32 - قل -أيها الرسول- ردًّا على المشركين الذين يُحَرِّمون ما أحل الله من اللباس والطيبات من المأكولات وغيرها: من الذي حَرَّم عليكم اللباس الذي هو زينة لكم؛ ومن الذي حَرَّم عليكم الطيبات من المأكولات والمشروبات وغيرها مما رزقكم الله؛ قل -أيها الرسول-: إن تلك الطيبات للمؤمنين في الحياة الدنيا، وإن شَرَكَهم غيرهم فيها في الدنيا فهي خاصة بهم يوم القيامة، لا يَشْركهم فيها كافر؛ لأن الجنة محرمة على الكافرين، مثل هذا التفصيل نُفَصِّل الآيات لقوم يدركون؛ لأنهم الذين ينتفعون بها.
33 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما أحل الله: إن الله إنما حرم على عباده الفواحش، وهي قبائح الذنوب، ظاهرة كانت أو باطنة , وحرم المعاصي كلها، والاعتداء ظلمًا على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وحرم عليكم أن تشركوا مع الله غيره مما ليس لكم حجة فيه، وحرم عليكم القول عليه بغير علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه.
34 - ولكل جيل وقرن مدة وميقات محدد لآجالهم، فإذا جاء ميقاتهم المُقَدَّر لا يتأخرون عنه زمنا وإن قل، ولا يتقدمون عليه.
35 - يا بني آم إذا جاءكم رسل مني من أقوامكم يتلون عليكم ما أنزلت عليهم من كتبي فأطيعوهم، واتبعوا ما جاؤوا به، فالذين يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ويصلحون أعمالهم، لا خوف عليهم يوم القيامة، ولا هم يحزنزن على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
36 - وأما الكافرون الذين كذبوا بآياتنا، ولم يؤمنوا بها، وتَرَفَعوا تكبُّرًا عن العمل بما جاءتهم به رسلهم، فإنهم أصحاب النار الملازمون لها الماكثون فيها أبدًا.
37 - لا أحد أظلم من الذي يفتري على الله الكذب بنسبة الشريك إليه أو النقص أو القول عليه بما لم يقله، أو كذَّب بآياته الجلية الهادية إلى صراطه المستقيم، أولئك المتصفون بذلك ينالهم حظهم المكتوب لهم في اللوح المحفوظ من ملذات الدنيا، حتى إذا جاءهم ملك الموت وأعوانه من الملائكة لقبض أرواحهم قالوا لهم توبيخًا لهم: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله؟! ادعوها لتنفعكم، قال المشركون للملائكة: لقد ذهبت عنا الآلهة التي كنا نعبد وغابت، فلا ندري أين هي، وأقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين، لكن إقرارهم في ذلك الحين حجة عليهم، ولن ينفعهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• المؤمن مأمور بتعظيم شعائر الله من خلال ستر العورة والتجمل في أثناء صلاته وخاصة عند التوجه للمسجد.
• من فسر القرآن بغير علم أو أفتى بغير علم أو حكم بغير علم فقد قال على الله بغير علم وهذا من أعظم المحرمات.
• في الآيات دليل على أن المؤمنين يوم القيامة لا يخافون ولا يحزنون، ولا يلحقهم رعب ولا فزع، وإذا لحقهم فمآلهم الأمن.
• أظلم الناس من عطَّل مراد الله تعالى من جهتين: جهة إبطال ما يدل على مراده، وجهة إيهام الناس بأن الله أراد منهم ما لا يريده الله.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:16 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (155)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/80.jpg


38 - قالت لهم الملائكة: ادخلوا -أيها المشركون- في جملة أمم قد مضت من قبلكم على الكفر والضلال من الجن والإنس في النار، كلما دخلت أمة من الأمم لعنت أختها التي سبقتها إلى النار، حتى إذا تلاحقوا فيها، واجتمعوا كلهم قالت أُخْراهم دخولًا وهم السَّفَلة والأتباع، لأولاهم وهم الكُبراء والسادة: يا ربنا، هؤلاء الكُبراء هم الذين أضلونا عن طريق الهداية، فعاقبهم عقابًا مضاعفًا لتزيينهم الضلال لنا، قال الله ردًّا عليهم: لكل طائفة منكم نصيب من العذاب مضاعف، ولكنكم تجهلون ذلك ولا تدركونه.
39 - وقال السادة المتبوعون لأتباعهم: ليس لكم -أيها الأتباع- علينا من فضل تستحقون به تخفيف العذاب عنكم، فالعبرة بما كسبتم من الأعمال، ولا عذر لكم في اتباع الباطل، فذوقوا -أيها الأتباع- العذاب مثلما ذقناه بسبب ما كنتم تكسبون من الكفر والمعاصي.
40 - إن الذين كذبوا بآياتنا الواضحة، وتكبروا عن الانقياد والإذعان لها آيسون من كل خير، فلا تفتح أبواب السماء لأعمالهم بسبب كفرهم، ولا لأرواحهم إذا ماتوا، ولا يدخلون الجنة أبدًا حتى يدخل الجمل -وهو من أعظم الحيوانات- في ثقب الإبرة الذي هو من أضيق الأشياء، وهذا من المستحيل، فالمُعَلّق عليه وهو دخولهم الجنة مستحيل، ومثل هذا الجزاء يجزي الله من عظمت ذنوبه.
41 - لهؤلاء المكذبين المتكبرين من جهنم فراش يفترشونه، ولهم من فوقهم أغطية من نار، ومثل هذا الجزاء نجزي المتجاوزين لحدود الله بكفرهم به وإعراضهم عنه.
42 - والذين آمنوا بربهم وعملوا من الأعمال الصالحة ما يستطيعون -ولا يكلف الله نفسًا فوق ما تستطيعه- أولئك أصحاب الجنة يدخلونها ماكثين فيها أبدًا.
43 - ومن تمام نعيمهم في الجنة أن نزع الله ما في قلوبهم من البغضاء والحقد، وأجرى الأنهار من تحتهم، وقالوا معترفين لله بإنعامه عليهم: الحمد لله الذي وفقنا لهذا العمل الصالح الذي أنالنا هذه المنزلة، وما كنا لنوفق إليه من تلقاء أنفسنا لولا أن الله وفقنا إليه، لقد جاءت رسل ربنا بالحق الذي لا مرية فيه والصدق في الوعد والوعيد، ونادى فيهم منادٍ: أن هذه هي الجنة التي أخبرَتْكم بها رسلي في الدنيا، أعقبكم الله إياها بما كنتم تعملون من الأعمال الصالحة، التي تريدون بها وجه الله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الموت التي كانت بين المكذبين في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنة.
• أرواح المؤمنين تفتح لها أبواب السماء حتى تَعْرُج إلى الله، وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوانه.
• أرواح المكذبين المعرضين لا تفتح لها أبواب السماء، وإذا ماتوا وصعدت فهي تستأذن فلا يؤذن لها، فهي كما لم تصعد في الدنيا بالإيمان بالله ومعرفته ومحبته، فكذلك لا تصعد بعد الموت، فإن الجزاء من جنس العمل.
• أهل الجنة نجوا من النار بعفو الله، وأدخلوا الجنة برحمة الله، واقتسموا المنازل وورثوها بالأعمال الصالحة وهي من رحمته، بل من أعلى أنواع رحمته.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:22 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (156)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/81.jpg


44 - ونادى أهل الجنة الملازمون لها أهل النار الملازمين لها بعد دخول كل منهما منزله المُعَد له: إنا قد لقينا ما وعدنا ربنا من الجنة واقعًا متحققًا، فقد أدخلنا إياها فهل لقيتم -أيها الكفار- ما توعدكم الله به من النار واقعًا متحققًا؟ قال الكفار: لقد وجدنا ما توعدنا به من النار حقًّا، فنادى مُنادٍ داعيًا الله أن يطرد الظالمين من رحمته، فقد فتح لهم أبواب رحمته فأعرضوا عنها في الحياة الدنيا.
45 - هؤلاء الظالمون هم الذين كانوا يعرضون عن سبيل الله بأنفسهم، ويحملون غيرهم على معْوَجه حتى لا يسلكها الناس، وهم بالآخرة كافرون غير مستعدين لها.
46 - وبين هذين الفريقين: أصحاب الجنة وأصحاب النار حاجز مرتفع يسمَّى الأعراف، وعلى هذا الحاجز المرتفع رجال استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم يعرفون أصحاب الجنة بعلاماتهم كبياض الوجوه، وأصحاب النار بعلاماتهم كسوادها , ونادى هؤلاء الرجال أصحاب الجنة تكريمًا لهم قائلين: سلام عليكم. وأصحاب الجنة لم يدخلوا بعد، وهم يأملون دخولها برحمة من الله.
47 - وإذا حُوِّلت أبصار أصحاب الأعرافِ إلى أصحاب النار، وشاهدوا ما هم فيه من العذاب الشديد، قالوا داعين الله: يا ربنا، لا تصيرنا مع القوم الظالمين بالكفر والشرك بك.
48 - ونادى أصحاب الأعراف رجالًا من أهل النار من الكفار يعرفونهم بعلاماتهم كسواد وجوههم وزرقة عيونهم قائلين لهم: لم ينفعكم تكثركم بالمال والرجال، وما نفعكم إعراضكم عن الحق تكبرًا واستعلاء.
49 - وقال الله موبخًا الكفار: أهؤلاء هم الذين حلفتم أن لا ينالهم الله برحمة من عنده؟! وقال الله للمؤمنين: ادخلوا -أيها المؤمنون- الجنة لا خوف عليكم فيما تستقبلونه، ولا أنتم تحزنون على ما فاتكم من حظوظ الدنيا لما لقيتم من النعيم المقيم.
50 - ونادى أصحابُ النار أصحاب الجنة ملتمسين منهم قائلين: أوسعوا صب الماء علينا -يا أصحاب الجنة-، أو مما رزقكم الله من الطعام، قال أصحاب الجنة: إن الله حرمهما على الكافرين بسبب كفرهم، وإنا لن نُسْعِفكم بما حرمه الله عليكم.
51 - هؤلاء الكافرون هم الذين جعلوا دينهم سخرية وعبثًا، وخدعتهم الحياة الدنيا بزُخْرفها وزينتها، فيوم القيامة ينساهم الله، ويتركهم يقاسون العذاب كما نسوا لقاء يوم القيامة فلم يعملوا له، ولم يستعدوا، ولجحودهم بحجج الله وبراهينه وإنكارهم لها مع علمهم بأنها حق.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عدم الإيمان بالبعث سبب مباشر للإقبال على الشهوات.
• يتيقن الناس يوم القيامة تحقق وعد الله لأهل طاعته، وتحقق وعيده للكافرين.
• الناس يوم القيامة فريقان: فريق في الجنة وفريق في النار، وبينهما فريق في مكان وسط لتساوي حسناتهم وسيئاتهم، ومصيرهم إلى الجنة.
• على الذين يملكون المال والجاه وكثرة الأتباع أن يعلموا أن هذا كله لن يغني عنهم من الله شيئًا، ولن ينجيهم من عذاب الله.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:25 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (157)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/82.jpg


52 - ولقد جئناهم بهذا القرآن الذي هو كتاب منزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد بيَّناه على علم منا بما نبينه، وهو هاد للمؤمنين إلى طريق الرشد والحق، ورحمة بهم لما فيه من الدلالة على خيري الدنيا والآخرة.
53 - ما ينتظر الكفار إلا وقوع ما أخبروا بوقوعه من العذاب الأليم الذي يؤول إليه أمرهم في الآخرة، يوم يأتي ما أخبروا به من ذلك، وما أخبر به المؤمنون من الثواب، يقول الذين نسوا القرآن في الدنيا، ولم يعملوا بما جاء فيه: لقد جاءت رسل ربنا بالحق الذي لا مرية فيه، ولا شك أنه من عند الله، فليت لنا وسطاء يشفعون لنا عند الله ليعفينا من العذاب، أو ليتنا نرجع إلى الحياة الدنيا لنعمل عملًا صالحًا ننجو به بدل ما كنا نعمل من السيئات، قد خسر هؤلاء الكافرون أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك بسبب كفرهم، وغاب عنهم من كانوا يعبدونهم من دون الله، فلم ينفعوهم.
54 - إن ربكم -أيها الناس- هو الله الذي خلق السماوات وخلق الأرض على غير مثال سابق في ستة أيام، ثم علا وارتفع سبحانه على العرش علوا يليق بجلاله لا ندرك كيفيته، يُذْهِب ظلام الليل بضياء النهار، وضياء النهار بظلام الليل، وكل منهما يطلب الآخر طلبًا سريعًا بحيث لا يتأخر عنه، فإذا ذهب هذا دخل هذا، وخلق سبحانه الشمس، وخلق القمر، وخلق النجوم مُدلَّلات مُهَيَّآت، ألا لله وحده الخلق كله، فمن خالق غيره؟! وله الأمر وحده، وعظم خيره وكثر إحسانه، فهو المتصف بصفات الجلال والكمال، رب العالمين.
55 - ادعوا -أيها المؤمنون- ربكم بتذلل تام وتواضع خفية وسرًّا، مخلصين في الدعاء غير مرائين ولا مشركين به سبحانه غيره في الدعاء، إنه لا يحب المتجاوزين لحدوده في الدعاء، ومن أعظم التجاوز لحدوده في الدعاء دعاء غيره معه كما يفعل المشركون.
56 - ولا تفسدوا في الأرض بارتكاب المعاصي بعد أن أصلحها الله بإرسال الرسل عليهم السلام وإعمارها بطاعته وحده، وادعوا الله وحده مستشعرين الخوف من عقابه، ومنتظرين حصول ثوابه، إن رحمة الله قريب من المحسنين، فكونوا منهم.
57 - والله سبحانه هو الذي يرسل الرياح مُبَشِّرات بالمطر، حتى إذا حملت الرياح السحاب المُثْقَل بالماء سُقنا السحاب إلى بلد مُجْدِب فأنزلنا بالبلد الماء، فأخرجنا بالماء من جميع أنواع الثمار، مثل إخراج الثمر على تلك الصورة نخرج الموتى من قبورهم أحياء، فعلنا ذلك رجاء أنكم -أيها الناس- تتذكرون قدرة الله وبديع صنعه، وأنه قادر على إحياء الموتى.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• القرآن الكريم كتاب هداية فيه تفصيل ما تحتاج إليه البشرية، رحمة من الله وهداية لمن أقبل عليه بقلب صادق.
• خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام لحكمة أرادها سبحانه، ولو شاء لقال لها: كن فكانت.
• يتعين على المؤمنين دعاء الله تعالى بكل خشوع وتضرع حتى يستجيب لهم بفضله.
• الفساد في الأرض بكل صوره وأشكاله منهيٌّ عنه.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:29 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (158)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/83.jpg


58 - والأرض الطيبة تُخْرِج نباتها بإذن الله إخراجًا حسنًا تامًّا، وهكذا المؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها، فتنتج عملًا صالحًا، والأرض السَّبْخة المالحة لا تُخْرِج نباتها إلا عسرًا لا خير فيه، وهكذا الكافر لا ينتفع بالمواعظ، فلا تنتج عنده عملًا صالحًا ينتفع به، مثل هذا التنويع البديع ننوع البراهين والحجج لإثبات الحق لقوم يشكرون نعم الله، فلا يكفرونها، ويطيعون ربهم.
59 - لقد بعثنا نوحًا رسولًا إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله، وترك عبادة غيره، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده، فليس لكم معبود بحق غيره، إني أخاف عليكم -يا قوم- عذابَ يوم عطيم في حال إصراركم على الكفر.
60 - قال له سادة قومه وكبراؤهم: إنا لنراك -يا نوح - في بعد عن الصواب واضح.
61 - قال نوح لكبراء قومه: لست ضالًّا كما زعمتم، وإنما أنا على هدى من ربي، فأنا رسول إليكم من الله ربي وربكم ورب العالمين كلهم.
62 - أبلِّغكم ما أرسلني الله به إليكم مما أوحى إلي، وأريد لكم الخير بترغيبكم في امتثال أمر الله وما يترتب عليه من ثواب، وترهيبكم من ارتكاب نواهيه وما يترتب عليه من العقاب، وأعلم من الله سبحانه ما لا تعلمون مما علمني عن طريق الوحي.
63 - أأثار عجبكم واستغرابكم أن جاءكم وحي وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم تعرفونه؟! فقد نشأ فيكم، ولم يكن كذابًا ولا ضالًّا، وليس من جنس آخر، جاءكم ليخوفكم من عقاب الله إن كذبتم وعصيتم، ولتتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ورجاء أن تُرحموا إن آمنتم به.
64 - فكذَّبه قومه، ولم يؤمنوا به، بل استمروا على كفرهم، فدعا عليهم أن يهلكهم الله، فسلمناه وسلمنا الذين معه في السفينة من المؤمنين من الغرق، وأهلكنا الذين كذبوا بآياتنا واستمروا على تكذيبهم بالغرق بالطوفان المنزل عقابًا لهم، إن قلوبهم كانت عميًا عن الحق.
65 - وأرسلنا إلى قبيلة عاد رسولا منهم، هو هود عليه السلام، قال: يا قوم اعبدوا الله وحده، فليس لكم معبود بحق غيره، أفلا تتقونه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه لتسلموا من عذابه؟!
66 - قال الكبراء والسادة من قومه الذين كفروا بالله وكذبوا رسوله: إنا لنعلم أنك -يا هود- في خفة عقل وطيش حين تدعونا إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، وإنا لنعتقد جازمين أنك من الكاذبين فيما تدعيه من أنك مرسل.
67 - قال هود ردًّا على قومه: يا قوم ليس بي خفة عقل وطيش، بل إني رسول من ربِّ العالمين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأرض الطيبة مثال للقلوب الطيبة حين ينزل عليها الوحي الذي هو مادة الحياة، وكما أن الغيث مادة الحياة، فإن القلوب الطيبة حين يجيئها الوحي، تقبله وتعلمه وتنبت بحسب طيب أصلها، وحسن عنصرها، والعكس.
• الأنبياء والمرسلون يشفقون على الخلق أعظم من شفقة آبائهم وأمهاتهم.
• من سُنَّة الله إرسال كل رسول من قومه وبلسانهم؛ تأليفًا لقلوب الذين لم تفسد فطرتهم، وتيسيرًا على البشر.
• من أعظم السفهاء من قابل الحق بالرد والإنكار، وتكبر عن الانقياد للعلماء والنصحاء، وانقاد قلبه وقالبه لكل شيطان مريد.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:33 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (159)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/84.jpg


68 - أبلغكم ما أمرني الله بتبليغه إليكم من توحيده وشرعه، وأنا لكم ناصح فيما أُمِرت بتبليغه أمين، لا أزيد فيه ولا أنقص.
69 - أوَأَثار عجبكم واستغرابكم أن جاءكم تذكير من ربكم على لسان رجل من جنسكم، ليس من جنس الملائكة أو الجن لينذركم؟! واحمدوا ربكم واشكروه على أن مَكَّن لكم في الأرض، وجعلكم تخلفون قوم نوح الذين أهلكهم الله بكفرهم، واشكروا الله أن خصَّكم بعظم الأجسام والقوة وشدة البطش، واذكروا نعم الله الواسعة عليكم رجاء أن تفوزوا بالمطلوب، وتنجوا من المرهوب.
70 - قال قومه له: أجئتنا -يا هود- لتأمرنا بعبادة وحده، ولنترك ما كان يعبده آباؤنا؟! فأتنا بما تعدنا به من العذاب إن كنت صادقًا فيما تدعيه.
71 - فرد عليهم هود قائلًا: لقد استوجبتم عذاب الله وغضبه فهو واقع بكم لا محالة، أتجادلونني في أصنام سمَّيتموها أنتم وآباؤكم آلهة، وليس لها حقيقة؟! فما نَزَّل الله حجة تحتجون بها على ما تدعون لها من الألوهية، فانتظروا ما طلبتم تعجيله لكم من العذاب، وأنا معكم من المنتظرين، فهو واقع.
72 - فسلَّمنا هودًا عليه السلام ومن كان معه من المؤمنين برحمة منا، واستأصلنا بالهلاك الذين كذبوا بآياتنا، وما كانوا مؤمنين، بل كانوا مكذبين، فاستحقوا العذاب.
73 - ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحًا يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته، قال لهم صالح: يا قوم، اعبدوا الله وحده، فليس لكم معبود غيره يستحق العبادة، قد جاءكم آية واضحة من الله على صدق ما جئتكم به، يتمثل في ناقة تخرج من صخرة، لها وقت تشرب فيه، ولكم شِرْب يوم معلوم، فاتركوها تأكل في أرض الله، فليس عليكم من مؤونتها شيء، ولا تصيبوها بأذى، فيصيبكم بسبب إيذائها عذاب موجع.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ينبغي التّحلّي بالصبر في الدعوة إلى الله تاسيًا بالأنبياء عليهم السلام.
• من أولويات الدعوة إلى الله الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ورفض الإشراك به ونبذه.
• الاغترار بالقوة المادية والجسدية يصرف صاحبها عن الاستجابة لأوامر الله ونواهيه.
• النبي يكون من جنس قومه، لكنه من أشرفهم نسبًا، وأفضلهم حسبًا، وأكرمهم مَعْشرًا، وأرفعهم خُلُقًا.
• الأنبياء ورثتهم يقابلون السّفهاء بالحِلم، ويغضُّون عن قول السّوء بالصّفح والعفو والمغفرة.

ابو وليد البحيرى
2019-11-27, 05:54 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (160)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/11/85.jpg


74 - تذكروا نعمة الله عليكم حين تخلفون قوم عاد، وأنزلكم في أرضكم تتمتعون بها، وتدركون مطالبكم، وذلك بعد إهلاك عاد بعد تماديهم في الكفر والتكذيب، تبنون في سهول الأرض القصور، وتقطعون الجبال لتصنعوا بيوتًا لكم، فاذكروا نعم الله عليكم لتشكروا الله عليها، واتركوا السعي في الأرض بالفساد، وذلك بترك الكفر بالله وترك المعاصي.
75 - قال السادة والرؤساء ممن استكبروا من قومه للمؤمنين من قومه الذين يستضعفونهم: أتعلمون -أيها المؤمنون- أن صالحًا رسول من الله حقًّا؟ فأجابهم المؤمنون المستضعفون: إنا بالذي أرسل به صالح إلينا مصدقون ومقرّون ومنقادون، وبشرعه عاملون.
76 - قال المُسْتَعلون من قومه: إنا بالذي صدقتم به -أيها المؤمنون- كافرون، فلن نؤمن به، ولن نعمل بشرعه.
77 - فنحروا الناقة التي نهاهم أن يمسوها بإيذاء، مستكبرين عن امتثال أمر الله، وقالوا مستهزئين مُسْتبعِدين لما توعدهم به صالح: يا صالح، جئنا بما توعدتنا به من العذاب الأليم إن كنت من رسل الله حقًّا.
78 - فجاء الكافرين ما استعجلوه من العذاب، حيث أخذتهم الزلزلة الشديدة، فأصبحوا صرعى ملتصقة وجوههم ورُكَبُهم بالأرض، لم ينج منهم أحد من الهلاك.
79 - فأعرض صالح عليه السلام عن قومه بعد اليأس من استجابتهم، وقال لهم: يا قوم، لقد أوصلت لكم ما أمرني الله بتبليغه إليكم، ونصحتكم مرغِّبًا لكم ومرهِّبًا، ولكنكم قوم لا تحبون الناصحين الحريصين على دلالتكم على الخير وإبعادكم عن الشر.
80 - واذكر لوطًا حين قال مستنكرًا على قومه: أتأتون الفعلة المنكرة المُسْتَقبحة وهي إتيان الذكور؟! هذه الفعلة التي ابتدعتموها، فلم يسبقكم إلى ارتكابها أحد!
81 - إنكم لتأتون الرجال لقضاء الشهوة دون النساء اللائي خُلِقن لقضائها، فلم تتبعوا في فعلتكم هذه عقلًا ولا نقلًا ولا فطرة، بل أنتم متجاوزون لحدود الله بخروجكم عن حد الاعتدال البشري، وانحرافكم عما تقتضيه العقول السليمة، والفطر الكريمة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الاستكبار يتولد غالبًا من كثرة المال والجاه، وقلة المال والجاه تحمل على الإيمان والتصديق والانقياد غالبًا.
• جواز البناء الرفيع كالقصور ونحوها؛ لأن من آثار النعمة: البناء الحسن مع شكر المنعم.
• الغالب في دعوة الأنبياء أن يبادر الضعفاء والفقراء إلى الإصغاء لكلمة الحق التي جاؤوا بها، وأما السادة والزعماء فيتمردون وششعلون عليها.
• قد يعم عذاب الله المجتمع كله إذا كثر فيه الخَبَث، وعُدم فيه الإنكار.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:11 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (161)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/9.jpg


82 - وما كان ردَّ قومه المرتكبين لهذه الفاحشة عما أنكره عليهم إلا أن قالوا معرضين عن الحق: أخرجوا لوطًا وأهله من قريتكم؛ إنهم أناس يتَنَزَّهون عن عملنا هذا، فلا يليق بنا أن يبقوا بين ظهرانينا.
83 - فسلمناه وأهله حيث أمرناهم بالخروج ليلًا من القرية التي سيقع عليها العذاب، إلا امرأته صارت مع الباقين مع قومها، فأصابها ما أصابهم من العذاب.
84 - وأمطرنا عليهم مطرًا عظيمًا، حيث رميناهم بحجارة من طين، وقلبنا القرية، فجعلنا عاليها سافلها، فتأمل -أيها الرسول- كيف كان عاقبة قوم لوط المجرمين؟ فقد كانت عاقبتهم الهلاك والخزي الدائم.
85 - ولقد أرسلنا إلى قبيلة مَدْين أخاهم شعيبًا عليه السلام، فقال لهم: يا قوم، اعبدوا الله وحده ما لكم من معبود يستحق العبادة غيره، قد جاءكم برهان من الله واضح، وحجة جليَّة على صدق ما جئتكم به من ربي، أدوا إلى الناس حقوقهم بإكمال الكيل وإكمال الوزن، ولا تنقصوا الناس بعيب سلعهم، والتزهيد فيها، أو المخادعة لأصحابها، ولا تفسدوا في الأرض بالكفر وارتكاب المعاصي بعد إصلاحها ببعثة الأنبياء من قبل، ذلك المذكور خير لكم وأنفع إن كنتم مؤمنين؛ لما فيه من ترك المعاصي اجتنابًا لنهي الله عنها، ولما فيه من التقرب إلى الله بفعل ما أمر به.
86 - ولا تقعدوا بكل طريق تهددون من سلكه من الناس لتسلبوا أموالهم، وتصدوا عن دين الله من أراد الاهتداء به، طالبين أن تكون سبيل الله معوجة حتى لا يسلكها الناس، واذكروا نعمة الله عليكم لتشكروها له، فقد كان عددكم قليلًا فكثَّركم، وتأملوا كيف كان عاقبة المفسدين في الأرض من قبلكم، فإن عاقبتهم كانت الهلاك والدمار.
87 - وإن كان جماعة منكم آمنوا بما جئت به من ربي، وجماعة أخرى لم يؤمنوا بذلك فانتظروا -أيها المكذبون- ما يفصل الله بينكم وهو خير من يفصل وأعدل من يقضي.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• اللواطَ فاحشة تدلُّ على انتكاس الفطرة، وناسب أن يكون عقابهم من جنس عملهم فنكس الله عليهم قراهم.
• تقوم دعوة الأنبياء -ومنهم شعيب عليه السلام - على أصلين: تعظيم أمر الله: ويشمل الإقرار بالتوحيد وتصديق النبوة. والشفقة على خلق الله: ويشمل ترك البَخْس وترك الإفساد وكل أنواع الإيذاء.
• الإفساد في الأرض بعد الإصلاح جُرْم اجتماعي في حق الإنسانية؛ لأن صلاح الأرض بالعقيدة والأخلاق فيه خير للجميع، وإفساد الأرض عدوان على الناس.
• من أعظم الذنوب وأكبرها وأشدها وأفحشها أخذُ ما لا يحقُّ أخذه شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر؛ فإنه غصب وظلم وعسف على الناس وإذاعة للمنكر وعمل به ودوام عليه واقرار له.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:12 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (162)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/10.jpg


88 - قال الكبراء والرؤساء الذين استكبروا من قوم شعيب لشعيب عليه السلام: لنخرجنك -يا شعيب- من قريتنا هذه أنت ومن معك من الذين صَدَّقُوا بك، أو لترجعنّ إلى ديننا، قال لهم شعِيب مفكرًا ومتعجبًا: أنتابعكم على دينكم وملَّتكم حتى لو كنا كارهين لها لِعِلْمِنا ببطلان ما أنتم عليه؟!
89 - قد اختلقنا على الله كذبًا إن نحن اعتقدنا ما أنتم عليه من شرك وكفر بعد أن سلَّمَنا الله بفضله منه، وما يصح ولا يستقيم لنا أن نرجع إلى ملَّتكم الباطلة إلا أن يشاء الله ربنا، لخضوع الجميع لمشيئته سبحانه، أحاط ربنا بعلم كل شيء، لا يخفى عليه منه شيء، على الله وحده اعتمدنا ليثبتنا على الصراط المستقيم، ويعصمنا من طرق الجحيم، يا ربنا، احكم بيننا وبين قومنا الكافرين بالحق، فانصر صاحب الحق المظلوم على الظالم المعاند، فأنت -يا ربنا- خير الحاكمين.
90 - وقال الكبراء والرؤساء الكافرون من قومه الرافضون لدعوة التوحيد مُحذِّرين من شعيب ودينه: لئن دخلتم -يا قومنا- في دين شعيب، وتركتم دينكم ودين آبائكم إنكم بذلك لها لكون.
91 - فأخذتهم الزلزلة الشديدة، فأصبحوا هَلْكى في ديارهم، منكبّين على ركبهم ووجوههم، ميتين هامدين في دارهم.
92 - الذين كَذَّبُوا شعيبًا هلكوا جميعًا، وصاروا كأنهم لم يقيموا بدارهم ولم يتمتعوا فيها، الذين كذبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين؛ لأنهم خسروا أنفسهم وما ملكوا، ولم يكن المؤمنون من قومه هم الخاسرين كما ادعى هؤلاء الكافرون المكذبون.
93 - وأعرض عنهم نبيهم شعيب عليه السلام لَمَّا هلكوا، وقال مخاطبًا إياهم: يا قوم، لقد أبلغتكم ما أمرني ربي بإبلاغه إليكم، ونصحت لكم فلم تقبلوا نصحي، ولم تنقادوا لإرشادي، فكيف أحزن على قوم كافرين بالله مصرِّين على كفرهم؟!
94 - وما أرسلنا في قرية من القرى نبيًّا من أنبياء الله، فكَذَّبَ أهلها وكفروا، إلا أخذناهم بالبؤس والفقر والمرض رجاء أن يتذللوا لله فيتركوا ما هم عليه من الكفر والاستكبار. وهذا تحذير لقريش ولكل من كفر وكذب بذكر سُنَّة الله في الأمم المكذبة.
95 - ثم بدلناهم بعد الأخذ بالبؤس والمرض خيرًا وسعة وأمنًا حتى كثرت أعدادهم، ونمت أموالهم، وقالوا: ما أصابنا من الشر والخير هو عادة مُطَّرِدة أصابت أسلافنا من قبل، ولم يدركوا أن ما أصابهم من نِقَم يُراد به الاعتبار، وما أصابهم من نعم يُراد به الاستدراج، فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم لا يشعرون بالعذاب ولا يترقبونه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من مظاهر إكرام الله لعباده الصالحين أنه فتح لهم أبواب العلم ببيان الحق من الباطل، وبنجاة المؤمنين، وعقاب الكافرين.
• من سُنَّة الله في عباده الإمهال؛ لكي يتعظوا بالأحداث، ويُقْلِعوا عما هم عليه من معاص وموبقات.
• الابتلاء بالشدة قد يصبر عليه الكثيرون، ويحتمل مشقاته الكثيرون، فأما الابتلاء بالرخاء فالذين يصبرون عليه قليلون.





(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:12 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (163)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/11.jpg


96 - ولو أن أهل هذه القرى التي أرسلنا إليها رسلنا صَدَّقُوا ما جاءتهم به رسلهم، واتقوا ربهم بترك الكفر والمعاصي وامتثال أوامره لفتحنا عليهم أبواب الخير من كل جهة، ولكنهم لم يصدقوا ولم يتقوا، بل كذبوا بما جاءت به رسلهم، فأخذناهم بالعذاب فجأة بسبب , كانوا يكسبونه من الآثام والذنوب.
97 - أفأمن أهل هذه القرى الْمُكَذِّبَةِ أن يأتيهم عذابنا ليلًا وهم نائمون مستغرقون في راحتهم وهدوئهم؟
98 - أَوَأمنوا أن يأتيهم عذابنا أول النهار، وهم لاهون غافلون لانشغالهم بدنياهم؟
99 - انظروا إلى ما منحهم الله من الإمهال، وأنعم عليهم به من القوة وسعة الرزق استدراجًا لهم؛ أفأمن هؤلاء المكذبون من أهل تلك القرى مكر الله وتدبيره الخفي؟ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الهالكون، وأما الموفقون فإنهم يخافون مكره، فلا يغترون بما أنعم به عليهم، وإنما يرون مِنَّته عليهم، فيشكرونه.
100 - أَوَلم يتبين للذين يستخلفون في الأرض بعد إهلاك أسلافهم من الأمم بسبب ذنوبهم، ثم لم يعتبروا بما حل بهم، بل عملوا أعمالهم، ألم يتبين لهؤلاء أن الله لو شاء إصابتهم بذنوبهم لأصابهم بها كما هي سُنَّته؟ ويختم على قلوبهم فلا تتعظ بموعظة، ولا تنفعها ذكرى.
101 - تلك القرى السابقة -وهي قرى أقوام نوح وهود وصالح ولوط وشعيب- نتلو عليك ونخبرك -أيها الرسول- من أخبارها وما كانت عليه من تكذيب وعناد وما حل بها من هلاك؛ ليكون ذلك عبرة لمن يعتبر، وموعظة لمن يتعظ، ولقد جاءت أهل هذه القرى رسلهم بالبراهين الواضحة على صدقهم، فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما سبق في علم الله أنهم يكذبون به. ومثل ختم الله على قلوب أهل هذه القرى المكذبين برسلهم يختم الله على قلوب الكافرين بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فلا يهتدون للإيمان.
102 - وما وجدنا لأكثر الأمم التي أُرْسِلَ إليها الرسل من وفاء والتزام بما أوصاهم الله، ولم نجد لهم انقيادًا لأوامره، وإنما وجدنا أكثرهم خارجين عن طاعة الله.
103 - ثم أرسلنا بعد أولئك الرسل موسى عليه السلام بحججنا وأدلتنا البينة الدالة على صدقه إلى فرعون وقومه، فما كان منهم إلا أن جحدوا تلك الآيات وكفروا بها، فتأمل -أيها الرسول- كيف كان عاقبة فرعون وقومه، فقد أهلكهم الله بالغرق، وأتبعهم اللعنة في الدنيا والآخرة.
104 - وقال موسى لَمَّا بعثه الله إلى فرعون وجاءه: يا فرعون، إني مرسَل من خالق الخلق أجمعين ومالكهم ومدبر أمورهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الإيمان والعمل الصالح سبب لإفاضة الخيرات والبركات من السماء والأرض على الأمة.
• الصلة وثيقة بين سعة الرزق والتقوى، وإنْ أنعم الله على الكافرين فإن هذا استدراج لهم ومكر بهم.
• على العبد ألا يأمن من عذاب الله المفاجئ الذي قد يأتي في أية ساعة من ليل أو نهار.
• يقص القرآن أخبار الأمم السابقة من أجل تثبيت المؤمنين وتحذير الكافرين.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:13 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (164)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/12.jpg


105 - قال موسى: ولما كنتُ مرسلًا منه فأنا جدير بألا أقول عليه إلا الحق، قد جئتكم بحجّة واضحة تدلّ على صدقي وأني مرسل من ربي إليكم، فأطلق معي بني إسرائيل مما كانوا فيه من الأسر والقهر.
106 - قال فرعون لموسى: إن كنت أتيت بآية كما تزعم فأْتِ بها إن كنت صادقًا في دعواك.
107 - فرمى موسى عصاه فتحولت حية عظيمة ظاهرة لمن يشاهدها.
108 - وأخرج يده وأظهرها من فتحة قميصه من عند صدره أو من تحت إبطه فخرجت بيضاء من غير برص، تتلألأ للناظرين لشدة بياضها.
109 - وقال الكبراء والرؤساء لما شاهدوا انقلاب عصا موسى حية وصيرورة يده بيضاء من غير برص: ليس موسى إلا ساحرًا قوي العلم بالسحر.
110 - يقصد بما يقوم به أن يخرجكم من أرضكم هذه، وهي مصر، ثم استشاررهم فرعون بشأن موسى عليه السلام قائلًا لهم: ماذا تشيرون به عليَّ من الرأي؟
111 - قالوا لفرعون: أَخِّرْ موسى وأخاه هارون، وابْتَعِث في مدائن مصر من يجمع السحرة فيها.
112 - يَأْتِكَ هؤلاء الذين أرسلتهم لجمع السحرة من المدائن بكل ساحر ماهر بالسحر قوي في صناعته.
113 - فبعث فرعون من يجمع السحرة، فلما جاء السحرة فرعون سألوه: هل لهم مكافاة إن غلبوا موسى بسحرهم وانتصروا عليه؟
114 - فأجابهم فرعون بقوله: نعم، إن لكم مكافأة وأجرًا، وستكونون من القريبين بالمناصب.
115 - قال السحرة واثقين بنصرهم على موسى باستعلاء وتكبر: اختر -يا موسى- ما شئت من ابتدائك بإلقاء ما تريد إلقاءه أو ابتدائنا بذلك.
116 - فأجابهم موسى واثقًا بنصر ربه له غير مبال بهم: ارموا حبالكم وعصيكم، فلما ألقوها سحروا أعين الناس بصرفها عن صحة إدراكها، ورَعَبُوهم، وجاؤوا بسحر قوي في أعين الناظرين.
117 - وأوحى الله إلى نبيه وكليمه موسى عليه السلام: أن ارم -يا موسى- عصاك، فرماها، فانقلبت العصا حية تبتلع حبالهم وعصيهم التي كانوا يستعملونها في قلب الحقائق، وإيهام الناس أنها حيات تسعى.
118 - فظهر الحق وتبين صدق ما جاء به موسى عليه السلام، وتبين بطلان ما صنعه السحرة من السحر.
119 - فَغُلِبُوا وهُزِموا، وانتصر موسى عليهم في ذلك المشهد، ورجعوا أذلاء مقهورين.
120 - فما كان من السحرة حين شاهدوا عظيم قدرة الله، ورأوا الآيات البينات، إلا أن خرُّوا سُجَّدًا له سبحانه وتعالى.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من حكمة الله ورحمته أن جعل آية كل نبي مما يدركه قومه، وقد تكون من جنس ما برعوا به.
• أنّ فرعون كان عبدًا ذليلًا مهينًا عاجزًا، وإلا لما احتاج إلى الاستعانة بالسحرة في دفع موسى عليه السلام.
• يدل على ضعف السحرة -مع اتصالهم بالشياطين التي تلبي مطالبهم- طلبهم الأجر والجاه عند فرعون.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:13 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (165)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/13.jpg


121 - قال السحرة: آمنا برب الخلق أجمعين.
122 - رب موسى وهارون عليهما السلام، فهو المستحق للعبادة دون غيره من الآلهة المزعومة.
123 - قال لهم فرعون متوعدًا إياهم بعد إيمانهم بالله وحده: صدَّقتم بموسى قبل أن آذن لكم؟ إن إيمانكم به وتصديقكم لِمَا جاء به موسى لخدعة ومكيدة دبَّرتموها أنتم وموسى لإخراج أهل المدينة منها، فسوف تعلمون -أيها السحرة- ما يحل بكم من عقاب وما يصيبكم من نكال.
124 - لأقطعن من كل واحد منكم يده اليمنى ورجله اليسرى أو يده اليسرى ورجله اليمنى، ثم لأعلقنَّكم جميعًا على جذوع النخل تنكيلًا بكم وترهيبًا لكل من يشاهدكم على هذه الحالة.
125 - قال السحرة ردًّا على وعيد فرعون: إنا إلى ربنا وحده راجعون، فلا نبالي بما تتوعد به.
126 - ولست تنكر منا وتجد علينا -يا فرعون- إلا تصديقنا بآيات ربنا لَمَّا جاءتنا على يد موسى، فإن كان هذا ذنبًا يُعَابُ به فهو ذنبنا، ثم توجهوا إلى الله بالدعاء قائلين في تضرع: يا ربنا، صُبَّ علينا الصبر حتى يغمرنا لنثبت على الحق، أَمِتْنَا مسلمين لك، منقادين لأمرك، متبعين لرسولك.
127 - وقال السادة والكبراء من قوم فرعون لفرعون، محرضين إياه على موسى ومن معه من المؤمنين: أتترك -يا فرعون- موسى وقومه لينشروا الفساد في الأرض، وليتركك أنت وآلهتك، ويدعو إلى عبادة الله وحده؟! قال فرعون: سَنُقَتِّلُ أبناء بني إسرائيل الذكور، ونستبقي نساءهم للخدمة، وإنا مستعلون عليهم بالقهر والغلبة والسلطان.
128 - قال موسى موصيًا قومه: يا قوم، اطلبوا العون من الله وحده في دفع الضر عنكم وجلب النفع إليكم، واصبروا على ما أنتم فيه من الابتلاء، فإن الأرض لله وحده، وليست لفرعون ولا غيره حتى يتحكم فيها، والله يداولها بين الناس حسب مشيئته، ولكن العاقبة الحسنة في الأرض للمؤمنين الذين يمتثلون أوامر ربهم ويجتنبون نواهيه، فهي لهم وإن أصابهم ما أصابهم من محن وابتلاءات.
129 - قال قوم موسى من بني إسرائيل لموسى عليه السلام: يا موسى ابْتُلِينَا على يد فرعون بقتل أبنائنا واستبقاء نسائنا من قبل مجيئك إلينا ومن بعده، قال لهم موسى عليه السلام ناصحًا لهم، ومُبَشِّرًا بالفرج: لعل ربكم يهلك عدوكم فرعون وقومه، ويُمَكِّن لكم في الأرض من بعدهم، فينظر ما تعملون بعد ذلك من شكر أو كفر.
130 - ولقد عاقبنا آل فرعون بالجدب والقحط، واختبرناهم بنقص ثمار الأرض وغَلَّاتِهَا؛ رجاء أن يتذكروا ويتعظوا بأن ما جاءهم من ذلك إنما هو عقاب لهم على كفرهم، فيتوبوا إلى الله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• موقف السّحرة وإعلان إيمانهم بجرأة وصراحة يدلّ على أنّ الإنسان إذا تجرّد عن هواه، وأذعن للعقل والفكر السّليم بادر إلى الإيمان عند ظهور الأدلّة عليه.
• أهل الإيمان بالله واليوم الآخر هم أشدّ الناس حزمًا، وأكثرهم شجاعة وصبرًا في أوقات الأزمات والمحن والحروب.
• المنتفعون من السّلطة يُحرِّضون ويُهيِّجون السلطان لمواجهة أهل الإيمان؛ لأن في بقاء السلطان بقاء لمصالحهم.
• من أسباب حبس الأمطار وغلاء الأسعار: الظلم والفساد.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:14 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (166)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/14.jpg


131 - فإذا جاء آلَ فرعون الخَصْبُ وصلاح الثمار ورخص الأسعار قالوا: اعْطِينَا هذه لاستحقاقنا لها واختصاصنا بها، وإن يَنَلْهُمْ أو تُصِبْهم مصيبة من جَدْب وقَحْط وكثرة أمراض وغيرها من الرزايا يتشاءموا بموسى ومن معه من بني إسرائيل، والحق أن ما يصيبهم من ذلك كله إنما هو بتقدير من الله سبحانه، وليس لهم ولا لموسى عليه السلام شأن فيه إلّا ما كان من دعاء موسى عليهم، ولكن أكثرهم لا يعلمون، فينسبونه إلى غير الله.
132 - وقال قوم فرعون لموسى عليه السلام عنادًا للحق: أي آية ودلالة جئتنا بها، وأي حجة أقمتها على بطلان ما عندنا لتصرفنا عنه، وعلى صدق ما جئت به؛ فلن نُصَدِّقَ بك.
133 - فأرسلنا عليهم الماء الكثير عقابًا لهم على تكذيبهم وعنادهم، فأغرق زروعهم وثمارهم، وأرسلنا عليهم الجراد فأكل محاصيلهم، وأرسلنا عليهم دويبة تسمى القمل تصيب الزرع أو تؤذي الإنسان في شعره، وأرسلنا عليهم الضفادع فملأت أوعيتهم، وأفسدت أطعمتهم، وأرّقَتْ مضاجعهم، وأرسلنا عليهم الدم فتحولت مياه آبارهم وأنهارهم دمًا، أرسلنا كل ذلك آيات مُبَيَّنَاتٍ مفرقات يتبع بعضها بعضًا، ومع كل ما أصابهم من العقوبات استعلوا عن الإيمان بالله والتصديق بما جاء به موسى عليه السلام، وكانوا قومًا يرتكبون المعاصي، ولا ينزعون عن باطل، ولا يهتدون إلى حق.
134 - ولما أصابهم العذاب بهذه الأمور اتجهوا إلى موسى عليه السلام، فقالوا له: يا موسى، ادع لنا ربك بما اختصك به من النبوة، وبما عهد إليك من رفع العذاب بالتوبة أن يرفع عنا ما أصابنا من العذاب، فإن رفعت عنا ذلك لنؤمننَّ بك، ولنرسلن معك بني إسرائيل، ونطلقهم.
135 - فلما رفعنا عنهم العذاب إلى مدة معلومة قبل إهلاكهم بالغرق إذا هم ينقضون ما أخذوه على أنفسهم من التصديق وإرسال بني إسرائيل، فاستمروا على كفرهم، وامتنعوا من إرسال بني إسرائيل مع موسى عليه السلام.
136 - فلما حل الأجل المحدد لإهلاكهم أنزلنا عليهم نقمتنا بإغراقهم في البحر بسبب تكذيبهم بآيات الله وإعراضهم عما دلت عليه من الحق الذي لا مرية فيه.
137 - وأورثنا بني إسرائيل الذين كان يستذلهم فرعون وقومه مشارق الأرض ومغاربها، والمقصود بذلك بلاد الشام، هذه البلاد التي بارك الله فيها بإخراج زروعها وثمارها على أكمل ما يكون، وتمت كلمة ربك -أيها الرسول- الحسنى وهي المذكورة في قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5]، فَمَكَّنَ الله لهم في الأرض بسبب صبرهم على ما أصابهم من أذى فرعون وقومه، ودمرنا ما كان يصنع فرعون من المزارع والمساكن، وما كانوا يبنون من القصور.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الخير والشر والحسنات والسيئات كلها بقضاء الله وقدره، لا يخرج منها شيء عن ذلك.
• شأن الناس في وقت المحنة والمصائب اللجوء إلى الله بدافع نداء الإيمان الفطري.
• يحسن بالمؤمن تأمل آيات الله وسننه في الخلق، والتدبر في أسبابها ونتائجها.
• تتلاشى قوة الأفراد والدول أمام قوة الله العظمى، والإيمان بالله هو مصدر كل قوة.
• يكافئ الله تعالى عباده المؤمنين الصابرين بأن يمكنهم في الأرض بعد استضعافهم.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:14 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (167)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/15.jpg


138 - وَعَبَرنا ببني إسرائيل البحر لَمَّا ضربه موسى بعصاه فانفلق، فمرّوا على قوم يقيمون على عبادة أصنام لهم يعبدونها من دون الله، فقال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: يا موسى، اجعل لنا صنمًا نعبده كما لهؤلاء أصنام يعبدونها من دون الله، قال لهم موسى: يا قوم، إنكم قوم تجهلون ما يجب لله من تعظيم وتوحيد، وما يليق به من شرك وعبادة لغيره.
139 - إن هؤلاء المقيمين على عبادة أصنامهم مُهْلَكٌ ما هم فيه من عباده غيره، وباطل جميع ما كانوا يعملون من طاعة لإشراكهم في العبادة مع الله غيره.
140 - قال موسى لقومه: يا قوم، كيف أطلب لكم إلهًا غير الله تعبدونه، وقد شاهدتم من آياته العظام ما شاهدتم، وهو سبحانه وتعالى فضَّلكم على العالمين في زمانكم بما أنعم به عليكم من إهلاك عدوكم، واستخلافكم في الأرض، والتمكين لكم فيها؟!
141 - واذكروا -يا بني إسرائيل- حين أنجيناكم بإنقاذكم من استذلال فرعون وقومه لكم، إذ كانوا يذيقونكم أنواع الهوان من تقتيل أبنائكم الذكور، واستبقاء نسائكم للخدمة، وفي إنقاذكم من فرعون وقومه اختبار عظيم من ربكم يقتضي منكم الشكر.
142 - وواعد الله رسوله موسى لمناجاته ثلاثين ليلة، ثم أكملها الله بزيادة عشر، فصارت أربعين ليلة، وقال موسى لأخيه هارون لما أراد الذهاب لمناجاة ربه: يا هارون، كن خليفة لي في قومي، وأصلح أمرهم بحسن السياسة والرفق بهم، ولا تسلك طريق المفسدين بارتكاب المعاصي، ولا تكن معينًا للعصاة.
143 - وحين جاء موسى لمناجاة ربه في الموعد المضروب له، وهو تمام أربعين ليلة، وكَلَّمَهُ ربه بما كَلَّمَهُ به من الأوامر والنواهي وغيرها، تاقت نفسه إلى رؤية ربه، فسأله أن ينظر إليه، فأجابه الله سبحانه وتعالى: لن تراني في الحياة الدنيا؛ لعدم قدرتك على ذلك، لكن انظر إلى الجبل إذا تجليتُ له فإن بقي مكانه لم يتأثر فسوف تراني، وإن صار مستويًا بالأرض فلن تراني في الدنيا، فلما تجلَّى الله للجبل جعله مستويًا بالأرض، وسقط موسى مَغْشِيًّا عليه، فلما أفاق من الغشْية التي أصابته قال: أنزِّهك -يا رب- تنزيهًا عن كل ما لا يليق بك، ها أنا تبت إليك مما سألتك من رؤيتك في الدنيا، وأنا أول المؤمنين من قومي.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تؤكد الأحداث أن بني إسرائيل كانوا ينتقلون من ضلالة إلى أخرى على الرغم من وجود نبي الله موسى بينهم.
• من مظاهر خذلان الأمة أن تُحَسِّن القبيح، وتُقَبِّح الحسن بمجرد الرأي والأهواء.
• إصلاح الأمة وإغلاق أبواب الفساد هدف سامٍ للأنبياء والدعاة.
• قضى الله تعالى ألا يراه أحد من خلقه في الدنيا، وسوف يكرم من يحب من عباده برؤيته في الآخرة.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:15 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (168)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/16.jpg


144 - قال الله لموسى: يا موسى، إني اخترتك وفضَّلتك على الناس برسالاتي حين أرسلتك إليهم، وفضَّلتك بكلامي لك دون واسطة، فخذ ما أعطيتك من هذا الشرف الكريم، وكن من الشاكرين لله على هذا العطاء العظيم.
145 - وكتبنا لموسى في ألواح من خشب أو غيره من كل ما يحتاجه بنو إسرائيل من أمور دينهم ودنياهم موعظة لمن يتعظ منهم، وتفصيلًا للأحكام التي يحتاج إلى تفصيلها، فخذ هذه التوراة -يا موسى- بجد واجتهاد، وَأمُرْ قومك بني إسرائيل أن يأخذوا بأحسن ما فيها مما أجره أعظم كفعل المأمور به على أكمل وجه، وكالصبر والعفو، سأريكم عاقبة من خالف أمري، وخرج عن طاعتي، وما يصير إليه من الهلاك والدمار.
146 - سأصرف عن الاعتبار بآياتي في الآفاق والأنفس، وعن فهم آيات كتابي؛ الذين يستعلون على عباد الله وعلى الحق بغير حق، وإن يروا كل آية لا يصدِّقوا بها؛ لاعتراضهم عليها وإعراضهم عنها، ولمُحَادَّتِهِم الله ورسوله، وإن يروا طريق الحق الْمُوصِلَ إلى مرضاة الله لا يسلكوه، ولا يرغبوا فيه، وإن يروا طريق الغواية والضلال الْمُوصِلَ إلى سخط الله يسلكوه، ذلك الذي أصابهم إنما أصابهم لتكذيبهم بآيات الله العظيمة الدالة على صدق ما جاء به الرسل، ولغفلتهم عن النظر فيها.
147 - والذين كذبوا بآياتنا الدالة على صدق رسلنا، وكذبوا بلقاء الله يوم القيامة، بطلت أعمالهم التي هي من جنس الطاعات، فلا يُثَابون عليها لفقد شرطها الذي هو الإيمان، ولا يجزون يوم القيامة إلا ما كانوا يعملونه من الكفر بالله والشرك به، وجزاء ذلك الخلود في النار.
148 - ووضع قوم موسى من بعد ذهابه لمناجاة ربه من حُلِيِّهم تمثالَ عِجْل لا روح فيه وله صوت، ألم يعلموا أن هذا العجل لا يكلمهم، ولا يرشدهم إلى طريق خير حسي أو معنوي، ولا يجلب لهم نفعًا أو يكشف عنهم ضرًّا؟ اتخذوه معبودًا وكانوا ظالمين لأنفسهم بذلك.
149 - ولما ندموا وتحَيَّروا وعلموا أنهم قد ضلوا عن الصراط المستقيم باتخاذهم العجل معبودًا مع الله تضرعوا إلى الله فقالوا: لئن لم يرحمنا ربنا بالتوفيق لطاعته، ويغفر لنا ما أقدمنا عليه من عبادة العجل، لنكونن من الذين خسروا دنياهم وآخرتهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• على العبد أن يكون من المُظْهِرين لإحسان الله وفضله عليه، فإن الشكر مقرون بالمزيد.
• على العبد الأخذ بالأحسن في الأقوال والأفعال.
• يجب تلقي الشريعة بحزم وجد وعزم على الطاعة وتنفيذ ما ورد فيها من الصلاح والإصلاح ومنع الفساد والإفساد.
• على العبد إذا أخطأ أو قصَّر في حق ربه أن يعترف بعظيم الجُرْم الذي أقدم عليه، وأنه لا ملجأ من الله في إقالة عثرته إلا إليه.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:16 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (169)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/17.jpg


150 - ولما عاد موسى من مناجاة ربه إلى قومه ممتلئًا عليهم غضبًا وحزنا لِمَا وجدهم عليه من عبادة العجل قال: بئست الحالة التي خلفتموني -يا قوم- بها بعد ذهابي عنكم؛ لِمَا تؤديه من الهلاك والشقاء، أَمللتم من انتظاري، فأقدمتم على عبادة العجل؟! ورمى الألواح من شدة ما أصابه من الغضب والحزن، وأمسك برأس أخيه هارون ولحيته يسحبه إليه لبقائه معهم وعدم تغييره لِمَا رآهم عليه من عبادة العجل، قال هارون معتذرًا إلى موسى مستعطفًا إياه: يا ابن أمي، إن القوم حسبوني ضعيفًا فاستذلوني، وأوشكوا أن يقتلوني، فلا تعاقبني بعقوبة تسرّ أعدائي، ولا تصيرني بسبب غضبك عليَّ في عداد الظالمين من القوم بسبب عبادتهم غير الله.
151 - فدعا موسى ربه: يا رب اغفر لي، ولأخي هارون، وأدخلنا في رحمتك واجعلها تحيط بنا من كل جانب، وأنت -يا ربنا- أرحم بنا من كل راحم.
152 - إن الذين صَيَّرُوا العجل إلهًا يعبدونه سيصيبهم غضب شديد من ربهم، وهوان في هذه الحياة لإغضابهم ربهم واستهانتهم به، وبمثل هذا الجزاء نجزي المختلقين الكذب على الله.
153 - والذين عملوا السيئات من الشرك بالله، وفعل المعاصي، ثم تابوا إلى الله بأن آمنوا به، وانتهوا عما كانوا يعملونه من المعاصي، إن ربك -أيها الرسول- من بعد هذه التوبة والرجوع من الشرك إلى الإيمان، ومن المعاصي إلى الطاعة، لغفور لهم بالستر والتجاوز، رحيم بهم.
154 - ولما سكن عن موسى عليه السلام الغضب وهدأ اْخذ الألواح التي رماها بسبب الغضب، وهذه الألواح مشتملة على الهداية من الضلال وبيان الحق، ومشتملة على الرحمة للذين يخشون ربهم، ويخافون عقابه.
155 - واصطفى موسى سبعين رجلًا من خيار قومه ليعتذروا إلى ربهم مما فعله سفهاؤهم من عبادة العجل، ووعدهم الله ميقاتًا يحضرون فيه، فلما حضروا تجرؤوا على الله، وطلبوا من موسى أن يريهم الله عيانًا، فأخذتهم الزلزلة فصعقوا من هولها وهلكوا، فتضرَّع موسى إلى ربه، فقال: يا رب، لو شئت إهلاكهم وإهلاكي معهم من قبل مجيئهم لأهلكتهم، أتهلكنا بسبب ما فعله خفاف العقول منا؟ فما قام به قومي من عبادة العجل ما هو إلا ابتلاء واختبار تضل به من تشاء، وتهدي من تشاء، أنت متولي أمرنا فاغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا برحمتك الواسعة، وأنت خير من غفر ذنبًا، وعفا عن إثم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيات دليل على أن الخطأ في الاجتهاد مع وضوح الأدلة لا يعذر فيه صاحبه عند إجراء الأحكام عليه، وهو ما يسميه الفقهاء بالتأويل البعيد.
• من آداب الدعاء البدء بالنفس، حيث بدأ موسى عليه السلام دعاءه فطلب المغفرة لنفسه تأدُّبًا مع الله فيما ظهر عليه من الغضب، ثم طلب المغفرة لأخيه فيما عسى أن يكون قد ظهر منه من تفريط أو تساهل في ردع عبدة العجل عن ذلك.
• التحذير من الغضب وسلطته على عقل الشخص، ولذلك نسب الله له فعل السكوت كأنه هو الآمر والناهي.
• ضرورة التوقي من غضب الله، وخوف بطشه، فانظر إلى مقام موسى عليه السلام عند ربه، وانظر خشيته من غضب ربه.

ابو وليد البحيرى
2019-12-04, 05:16 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (170)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/18.jpg


156 - واجعلنا من الذين أكرمتهم في هذه الحياة بالنعم والعافية ووفقتهم للعمل الصالح، وممن أعددت لهم الجنة من عبادك الصالحين في الآخرة، إنا تبنا إليك، ورجعنا مُقِرِّين بتقصيرنا، قال الله تعالى: عذابي أصيب به من أشاء ممن يعمل بأسباب الشقاء، ورحمتي شملت كل شيء في الدنيا؛ فلا مخلوق إلا وقد وصلت إليه رحمة الله، وغَمَره فضله وإحسانه، فسأكتب رحمتي في الآخرة للذين يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والذين يعطون زكاة أموالهم مستحقيها، والذين هم بآياتنا يؤمنون.
157 - الذين يتبعون محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وهو النبي الأمِّي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وإنما يوحي إليه ربه، وهو الذي يجدون اسمه وصفاته وما أنزل إليه مكتوبًا في التوراة المُنَزَّلة على موسى عليه السلام، والإنجيل المُنَزَّل على عيسى عليه السلام، يأمرهم بما عُرِف حسنه وصلاحه، وينهاهم عما عُرِف قبحه في العقول الصحيحة والفطر السليمة، ويبيح لهم المُسْتَلذَّات مما لا ضرر فيه من المطاعم والمشارب والمناكح، ويحرم عليهم المُسْتَخْبثات منها، ويزيل عنهم التكاليف الشاقة التي كانوا يُكلّفون بها، كوجوب قتل القاتل سواء كان القتل عمدًا أم خطأ، فالذين آمنوا به من بني إسرائيل ومن غيرهم، وعظَّموه ووقَّروه، ونصروه على من يعاديه من الكفار، واتبعوا القرآن الذي أنزل عليه كالنور الهادي؛ أولئك هم المفلحون الذين ينالون ما يطلبونه، ويُجَنَّبُونَ ما يرهبونه.
158 - قل -أيها الرسول-: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعًا، عربكم وعجمكم، الذي له وحده ملك السماوات، وله ملك الأرض، لا معبود بحق غيره سبحانه، يُحْيي الموتى، ويميت الأحياء، فآمنوا -أيها الناس- بالله، وآمنوا بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسوله النبي الذي لا يقرأ ولا يَكتب، وإنما جاء بوحي يوحيه إليه ربه، الذي يؤمن بالله، ويؤمن بما أنزِل إليه وما أنزِل على النبيين من قبله دون تفريق، واتَّبِعوه فيما جاء به من ربه؛ رجاء أن تهتدوا إلى ما فيه مصلحتكم في الدنيا والآخرة. ولمَّا ذكر الله ما ذكر عن بني إسرائيل من عبادة العجل ذكر سبحانه أن منهم أمة مخالفة لما عليه الذين عبدوا العجل، فقال:
159 - ومن قوم موسى من بني إسرائيل جماعة مستقيمة على الدين الصحيح، يدلون الناس عليه، ويحكمون بالعدل فلا يجورون.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تضمَّنت التوراة والإنجيل أدلة ظاهرة على بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى صدقه.
• رحمة الله وسعت كل شيء، ولكن رحمة الله عباده ذات مراتب متفاوتة، تتفاوت بحسب الإيمان والعمل الصالح.
• الدعاء قد يكون مُجْملًا وقد يكون مُفَصَّلًا حسب الأحوال، وموسى في هذا المقام أجمل في دعائه.
• من صور عدل الله عز وجل إنصافه للقِلَّة المؤمنة، فذكرَ صفات بني إسرائيل المنافية للكمال المناقضة للهداية، فربما توهَّم متوهِّم أن هذا يعم جميعهم، فَذَكَر تعالى أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:06 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (171)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/27.jpg


160 - وقسَّمنا بني إسرائيل اثنتي عشرة قبيلة، وأوحينا إلى موسى حين طلب منه قومه أن يدعو الله أن يسقيهم: أن اضرب -يا موسى- بعصاك الحجر، فضربه موسى، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا بعدد قبائلهم الاثنتي عشرة، قد علمت كل قبيلة منهم مَشْربها الخاص بها، فلا تشترك معها فيه قبيلة أخرى، وظللنا عليهم السحاب يسير بسيرهم، ويتوقف بتوقفهم، وأنزلنا عليهم من نعمنا شرابًا حلوًا مثل العسل وطائرًا صغيرًا طيب اللحم يشبه السُّمانى، وقلنا لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم، وما نقصونا شيئا بما وقع منهم من الظلم وكفران النعم، وعدم تقديرها حق قدرها، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بنقص حظوظها حين أوردوها موارد الهلاك بما ارتكبوه من مخالفة أمر الله والتنكر لنعمه.
161 - واذكر -أيها الرسول- حين قال الله لبني إسرائيل: ادخلوا بيت المقدس، وكلوا من ثمار قريته من أي مكان منه وفي أي وقت شئتم، وقولوا: يا ربنا، حُطَّ عنا خطايانا، وادخلوا الباب راكعين خاضعين لربكم؛ فإن فعلتم ذلك تجاوزنا عن ذنوبكم، وسنزيد المحسنين من خيري الدنيا والآخرة.
162 - فغَيَّر الظالمون منهم القول الذي أُمِرُوا به فقالوا: حَبَّة في شعيرة، عوضًا عما أُمِرُوا به من طلب المغفرة، وغيروا الفعل الذي أُمِرُوا به، فدخلوا يزحفون على أدبارهم بدلًا من الدخول خاضعين لله مُقْنِعي رؤوسهم، فأرسلنا عليهم عذابًا من السماء بسبب ظلمهم.
163 - واسأل -أيها الرسول- اليهود تذكيرًا لهم بما عاقب الله به أسلافهم عن قصة القرية التي كانت بقرب البحر حين كانوا يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت بعد نهيهم عنه حين ابتلاهم الله بأن صارت الأسماك تأتيهم ظاهرة على وجه البحر يوم السبت، وفي سائر الأيام لا تأتيهم، ابتلاهم الله بذلك بسبب خروجهم عن الطاعة وارتكابهم المعاصي، فاحتالوا لصيده بأن نصبوا شباكهم، وحفروا حفرهم، فكانت الحيتان تقع فيها يوم السبت، فإذا كان يوم الأحد أخذوها وأكلوها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الجحود والكفران سبب في الحرمان من النعم.
• من أسباب حلول العقاب ونزول العذاب التحايل على الشرع؛ لأنه ظلم وتجاوز لحدود الله.
• كتب الله على بني إسرائيل الذلة والمسكنة، وتأذَّن بأن يبعث عليهم كل مدة من يذيقهم العذاب بسبب ظلمهم وانحرافهم.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:10 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (172)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/28.jpg


164 - واذكر -أيها الرسول- حين كانت جماعة منهم تنهاهم عن هذا المنكر، وتحذرهم منه، فقالت لها جماعة أخرى: لِمَ تنصحون جماعةً اللهُ مُهْلِكها في الدنيا بما ارتكبته من المعاصي، أو معذبها يوم القيامة عذابًا شديدًا؟ قال الناصحون: نصيحتنا لهم معذرة إلى الله بفعل ما أمرنا به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا يؤاخذنا بترك ذلك، ولعلهم ينتفعون بالموعظة، فيُقْلِعون عما هم فيه من المعصية.
165 - فلمَّا أعرض العُصاة عما ذَكَّرَهُم به الواعظون، ولم يكفُّوا، أنجينا الذين نهوا عن المنكر من العذاب، وأخذنا الذين ظلموا باعتدائهم بالصيد يوم السبت بعذاب شديد بسبب خروجهم عن طاعة الله وإصرارهم على المعصية.
166 - فلما تجاوزوا الحد في عصيان الله تكبرًا وعنادًا، ولم يتعظوا، قلنا لهم: أيها العصاة، كونوا قردة أذلاء؛ فكانوا كما أردنا، إنما أَمْرُنا لشيء إذا أردناه أن نقول له: كن، فيكون.
167 - واذكر -أيها الرسول- إذ أعلم الله إعلامًا صريحًا لا لبس فيه ليُسَلِّطن على اليهود من يذلهم ويهينهم في حياتهم الدنيا إلى يوم القيامة، إن ربك -أيها الرسول- لسريع العقاب لمن عصاه، حتى إنه قد يُعجِّل له العقوبة في الدنيا، وانه لَغفوز لِذُنوب مَن تاب من عباده، رحيم بهم.
168 - وفرَّقناهم في الأرض، ومزَّقناهم فيها طوائف، بعد أن كانوا مجتمعين، منهم الصالحون القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، ومنهم المقتصدون، ومنهم المسرفون على أنفسهم بالمعاصي، واختبرناهم باليسر والعسر رجاء أن يرجعوا عما هم فيه.
169 - فجاء من بعد هؤلاء أهل سَوْءٍ يخلفونهم، أخذوا التوراة من أسلافهم، يقرؤونها ولا يعملون بما فيها، يأخذون متاع الدنيا الرديء رشوة لتحريفهم كتاب الله، والحكم بغير ما أنزل فيه، ويُمَنون أنفسهم بأن الله سيغفر لهم ذنوبهم، وإن يأتهم متاع دنيوي زهيد يأخذوه مرة بعد مرة، ألم يأخذ الله العهود والمواثيق على هؤلاء ألا يقولوا على الله إلا الحق دون تحريف أو تبديل؟! ولم يكن تركهم للعمل بالكتاب عن جهل، بل كان على علم، فقد قرأوا ما فيه وعَلِمُوهُ، فذنبهم أشد، والدار الآخرة وما في الدار الآخرة من نعيم دائم خير من ذلك المتاع الزائل للذين يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون هذا المتاع الزهيد أن ما أعده الله للمتقين في الآخرة خير وأبقى؟!
170 - والذين يتَمَسَّكون بالكتاب، ويعملون بما فيه، ويقيمون الصلاة بالمحافظة على أوقاتها وشروطها وواجباتها وسننها، سيجازيهم الله على أعمالهم، فالله لا يضيع أجرَ مَن عملُه صالح.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إذا نزل عذاب الله على قوم بسبب ذنوبهم ينجو منه من كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فيهم.
• يجب الحذر من عذاب الله؛ فإنه قد يكون رهيبًا في الدنيا، كما فعل سبحانه بطائفة من بني إسرائيل حين مَسَخَهم قردة بسبب تمردهم.
• نعيم الدنيا مهما بدا أنه عظيم فإنه قليل تافه بجانب نعيم الآخرة الدائم.
• أفضل أعمال العبد بعد الإيمان إقامة الصلاة؛ لأنها عمود الأمر.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:19 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (173)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/29.jpg


171 - واذكر -يا محمد- إذ اقتلعنا الجبل فرفعناه فوق بني إسرائيل لَمَّا امتنعوا من قَبول ما في التوراة، فصار الجبل كأنه سحابة تظل رؤوسهم، وأيقنوا أنه ساقط عليهم، وقيل لهم: خذوا ما أعطيناكم بجد واجتهاد وعزيمة، وتذكروا ما فيه من الأحكام التي شرعها الله لكم ولا تنسوه؛ رجاء أن تتقوا الله إذا قمتم بذلك.
172 - واذكر -يا محمد- إذ أخرج ربك من أصلاب بني آدم ذرياتهم، وقررهم بإثبات ربوبيته بما أودعه في فطرهم من الإقرار بأنه خالقهم وربهم قائلًا لهم: ألست بربكم؟ قالوا جميعًا: بلى أنت ربنا، قال: إنما امتحناكم وأخذنا عليكم الميثاق حتى لا تنكروا يوم القيامة حجة الله عليكم، وتقولوا: إنه لا علم لكم بذلك.
173 - أو تحتجوا بأن آباءكم هم الذين نقضوا العهد فأشركوا بالله، وأنكم كنتم مقلدين لآبائكم فيما وجدتموهم عليه من الشرك، فتقولوا: أفتؤاخذنا -يا ربنا- بما فعله آباؤنا الذين أبطلوا أعمالهم بالشرك بالله فتعذبنا؟ فلا ذنب لنا؛ لجهلنا وتقليدنا لآبائنا.
174 - وكما بينا الآيات في مصير الأمم المكذبة كذلك نبيِّنها لهؤلاء؛ رجاء أن يرجعوا عما هم عليه من الشرك إلى توحيد الله وعبادته وحده؛ كما جاء في العهد الذي قطعوه لله على أنفسهم.
175 - واقرأ -أيها الرسول- على بني إسرائيل خبر رجل منهم أعطيناه آياتنا فَعَلِمَهَا وفهم الحق الذي دلت عليه، ولكنه لم يعمل بها، بل تركها وانخلع منها، فلحقه الشيطان، وصار قرينًا له، فأصبح من الضالين الهالكين بعد أن كان من المهتدين الناجين.
176 - ولو شئنا نَفْعَه بهذه الآيات لرفعناه بها بأن نوفقه للعمل بها فيرتفع في الدنيا والآخرة، ولكنه اختار ما يؤدي إلى خذلانه حين مال إلى شهوات الدنيا مؤثرًا دنياه على آخرته، واتبع ما تهواه نفسه من الباطل، فمثله في شدة الحرص على الدنيا كمثل الكلب لا يزال لاهثًا في كل حال، إن كان رابضًا لهث، وإن طُرِدَ لهث، ذلك المثل المذكور مثل القوم الضالين بتكذيبهم بآياتنا، فاقصص -أيها الرسول- القصص عليهم، رجاء أن يتفكروا فينزجروا عما هم فيه من التكذيب والضلال.
177 - ليس أسوأ من القوم الذين كذبوا بحُجَجنا وبراهيننا، ولم يصدقوا بها، وهم بذلك يظلمون أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك.
178 - من يوفقه الله للهداية إلى صراطه المستقيم فهو المهتدي حقًّا؛ ومن يبعده عن الصراط المستقيم، فأولئك هم الناقصون أنفسهم حظوظهم حقًّا، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• المقصود من إنزال الكتب السماوية العمل بمقتضاها لا تلاوتها باللسان وترتيلها فقط، فإن ذلك نَبْذ لها.
• أن الله خلق في الإنسان من وقت تكوينه إدراك أدلة الوحدانية، فإذا كانت فطرته سليمة، ولم يدخل عليها ما يفسدها أدرك هذه الأدلة، وعمل بمقتضاها.
• في الآيات عبرة للموفَّقين للعمل بآيات القرآن؛ ليعلموا فضل الله عليهم في توفيقهم للعمل بها؛ لتزكو نفوسهم.
• في الآيات تلقين للمسلمين للتوجه إلى الله تعالى بطلب الهداية منه والعصمة من مزالق الضلال.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:26 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (174)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/30.jpg


179 - ولقد أنشأنا لجهنم كثيرًا من الجن، وكثيرًا من الإنس؛ لعلمنا بأنهم سيعملون بعمل أهلها، لهم قلوب لا يدركون بها ما ينفعهم ولا ما يضرهم، ولهم أعين لا يبصرون بها آيات الله في الأنفس والآفاق فيعتبرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات الله فيتدبرون ما فيها، أولئك المتصفون بهذه الصفات مثل البهائم في فقد العقل، بل هم أكثر بعدًا في الضلال من البهائم، أولئك هم الغافلون عن الإيمان بالله واليوم الآخر.
180 - ولله -سبحانه- الأسماء الحسنى التي تدل على جلاله وكماله، فتوسَّلوا بها إلى الله في طلب ما تريدون وأثنوا عليه بها، واتركوا الذين يميلون عن الحق في هذه الأسماء بجعلها لغير الله، أو نفيها عنه، أو تحريف معناها أو تشبيه غيره بها، سنجزي هؤلاء الذين يميلون بها عن الحقِّ: العذاب المؤلم بما كانوا يعملون.
181 - وممن خَلَقْنا جماعة يهتدون في أنفسهم بالحق، ويدعون إليه غيرهم فيهتدون، ويحكمون به بالعدل فلا يجورون.
182 - والذين كذبوا بآياتنا، ولم يؤمنوا بها، بل جحدوها، سنفتح لهم أبواب الرزق لا إكرامًا لهم، بل لاستدراجهم حتى يتمادوا فيما هم عليه من الضلال، ثم يصيبهم عذابنا على حين غِرَّة.
183 - وأؤخر عنهم العقوبة حتى يظنوا أنهم غير معاقبين، فيستمروا على تكذيبهم وكفرهم حتى يُضاعَف عليهم العذاب، إن كيدي قوي، فأظهر لهم الإحسان، وأريد بهم الخذلان.
184 - أَوَلَم يتفكر هؤلاء المكذبون بآيات الله وبرسوله، فَيُعْمِلُوا عقولهم ليتضح لهم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليس بمجنون، إنما هو رسول من الله بعثه محذرًا من عذاب الله تحذيرًا بيِّنًا.
185 - أَوَلَم ينظر هؤلاء نظر اعتبار إلى ملك الله في السماوات والأرض، وينظروا إلى ما خلق الله فيهما من حيوان ونبات وغيرهما، وينظروا في آجالهم التي عسى أن تكون نهايتها قَرُبَتْ فيتوبوا قبل فوات الأوان، فإذا لم يؤمنوا بالقرآن وما فيه من وعد ووعيد فبأي كتاب غيره يؤمنون؟!
186 - من يخذله الله عن الهداية إلى الحق، ويضله الله عن الصراط المستقيم، فلا هادي له يهديه إليه، ويتركهم الله في ضلالهم وكفرهم يتحيرون لا يهتدون إلى شيء.
187 - يسألك هؤلاء المكذبون المُتَعنِّتون عن القيامة: أي وقت تقع ويستقر العلم بها؟ قل -يا محمد-: ليس علمها عندي ولا عند غيري، وإنما علمها عند الله وحده يظهرها لوقتها المقدر لها إلا الله، خفي أمر ظهورها على أهل السماوات وأهل الأرض، لا تأتيكم إلا فجأة، يسألونك عن الساعة كأنك حريص على العلم بها، وما علموا أنك لا تسأل عنها لكمال علمك بربك، قل لهم -يا محمد-: إنما علم الساعة عند الله وحده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• خَلَق الله للبشر آلات الإدراك والعلم -القلوب والأعين والآذان- لتحصيل المنافع ودفع المضار.
• الدعاء بأسماء الله الحسنى سبب في إجابة الدعاء، فيُدْعَى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، مثل: اللهمَّ تب عَلَيَّ يا تواب.
• التفكر في عظمة السماوات والأرض، والتوصل بهذا التفكر إلى أن الله تعالى هو المستحق للألوهية دون غيره؛ لأنه المنفرد بالصنع.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:29 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (175)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/31.jpg


188 - قل -يا محمد-: لا أستطيع جلب خيرٍ لنفسي، ولا كشف سوء عنها، إلا ما شاء الله، وإنما ذلك إلى الله، ولا أعلم إلا ما علَّمني الله، فلا أعلم الغيب، ولو كنت أعلم الغيب لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تجلب لي المصالح، وتدفع عني المفاسد؛ لِعِلمي بالأشياء قبل كونها وعلمي لما تؤول إليه، لست إلا رسولًا من عند الله، أخَوِّفُ من عقابه الأليم، وأبَشِّرُ بثوابه الكريم قومًا يؤمنون بأني رسول منه سبحانه وتعالى، ويُصَدِّقُونَ بما جئت به.
189 - هو الذي أوجدكم -أيها الرجال والنساء- من نفس واحدة هي آدم عليه السلام، وخلق من آدم عليه السلام زوجته حواء، خلقها من ضلعه ليأنس إليها، ويطمئن بها، فلما جامع زوجٌ زوجته حملت حملًا خفيفًا لا تشعر به؛ لأنه كان في بدايته، واستمرت على حملها هذا تمضي في حوائجها لا تجد ثقلًا، فلما أثقلت به حين كبر في بطنها دعا الزوجان ربهما قائلين: لئن أعطيتنا -يا ربنا- ولدًا صالح الخلقة تامَّها لنكونن من الشاكرين لنعمك.
190 - فلما استجاب الله دعاءهما، وأعطاهما ولدًا صالحًا كما دَعَوَا صَيَّرَا لله شركاء فيما وهبهما فَعَبَّدَا ولدهما لغيره، وسَمَّيَاهُ عبد الحارث، فتعالى الله وتنزه عن كل شريك، فهو المنفرد بالربوبية والألوهية.
191 - أيجعلون هذه الأصنام وغيرها شركاء لله في العبادة، وهم يعلمون أنها لا تخلق شيئًا فتستحق العبادة، بل هي مخلوقة، فكيف يجعلونها شركاء لله؟!
192 - ولا تقدر هذه المعبودات نصر عابديها، ولا تقدر نصر أنفسها، فكيف يعبدونها؟!
193 - وإن تدعوا -أيها المشركون- هذه الأصنام التي تتخذونها آلهة من دون الله إلى الهدى لا يجيبوكم إلى ما دعوتموهم إليه ولا يتبعوكم، فسواء عندها دعاؤكم لها وسكوتكم عنها؛ لأنها مجرد جمادات، لا تعقل، ولا تسمع، ولا تنطق.
194 - إن الذين تعبدونهم -أيها المشركون- من دون الله هم مخلوقون لله، مملوكون له، فهم أمثالكم في ذلك مع أنكم أفضل حالًا؛ لأنكم أحياء تنطقون وتمشون وتسمعون وتبصرون، وأصنامكم ليست كذلك، فادعوهم وليردوا عليكم الجواب إن كنتم صادقين فيما تدَّعونه لهم.
195 - ألهؤلاء الأصنام الذين اتخذتموهم آلهة: أرجل يمشون بها فيسعون في حوائجكم؟ أم لهم أيد يدفعون بها عنكم بقوة؟ أم لهم أعين يبصرون بها ما كاب عنكم فيخبرونكم؟ أم لهم آذان يسمعون بها ما خفي عنكم فيوصلون علمه لكم؟ فإن كانت معطلة من ذلك كله فكيف تعبدونها رجاء جلب نفع أو دفع ضر؟! قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: ادعوا من ساويتموهم بالله، ثم احتالوا لضري، ولا تمهلوني.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيات بيان جهل من يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعوه لحصول نفع أو دفع ضر؛ لأن النفع إنما يحصل مِن قِبَلِ ما أرسل به من البشارة والنذارة.
• جعل الله بمنَّته من نوع الرجل زوجه؛ ليألفها ولا يجفو قربها ويأنس بها؛ لتتحقق الحكمة الإلهية في التناسل.
• لا يليق بالأفضل الأكمل الأشرف من المخلوقات وهو الإنسان أن يشتغل بعبادة الأخس والأرذل من الحجارة والخشب وغيرها من الآلهة الباطلة.
• الواجب على العاقل عبادة الله تعالى؛ لأنه هو الذي يحقق له منافع الدين بإنزال الكتاب المشتمل على العلوم العظيمة في الدّين، ومنافع الدّنيا بتولّي الصالحين من عباده وحفظه لهم ونصرته إياهم، فلا تضرّهم عداوة من عاداهم.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:32 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (176)
(سُوْرَةُ الأعراف)
مكية

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/32.jpg




196 - إن نصيري ومُعيني الله الذي يحفظني، فلا أرجو غيره، ولا أخاف شيئًا من أصنامكم، فهو الذي نزل عليَّ القرآن هدى للناس، وهو الذي يتولى الصالحين من عباده، فيحفظهم وينصرهم.
197 - والذين تدعونهم -أيها المشركون- من هذه الأصنام لا يقدرون على نصركم، ولا يقدرون على نصر أنفسهم، فهم عاجزون، فكيف تدعونه من دون الله؟!
198 - وإن تدعوا -أيها المشركون- أصنامكم التي تعبدونها من دون الله إلى الاستقامة لا يسمعوا دعاءكم، وتراهم يقابلونك بأعين مصورة، وهي جماد لا تبصر، فقد كانوا يصنعون تماثيل على هيئة بني آدم أو الحيوانات، ولها أيد وأرجل وأعين، لكنها جامدة، لا حياة فيها ولا حركة.
199 - اقبل -أيها الرسول- من الناس ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، ولا تكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، فإن ذلك ينفِّرهم، وَأْمُرْ بكل قول جميل وفعل حسن، وأعرض عن الجاهلين، فلا تقابلهم بجهلهم، فمن آذاك فلا تؤذه، ومَن حَرَمَكَ فلا تَحْرمْه.
200 - وإذا أحسسَت -أيها الرسول- أن الشيطان أصابك بوسوسة أو تَثْبيط عن فعل الخير فالتجئ إلى الله، واعتصم به، فإنه سميع لما تقوله، عليم بالتجائك، فسيحميك من الشيطان.
201 - إن الذين اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه إذا أصابتهم وسوسة من الشيطان فأذنبوا؛ تذكروا عظمة الله وعقابه للعصاة وثوابه للمطيعين، فتابوا من ذنوبهم، وأنابوا إلى ربهم، فإذا هم قد استقاموا على الحق، وصَحَوْا مما كانوا عليه، وانتهوا.
202 - وإخوان الشياطين من الفجار والكفار لا يزال الشياطين يزيدونهم في الضلال بذنب بعد ذنب، ولا يُمْسِكُ، لا الشياطين عن الإغواء والإضلال، ولا الفجار من الإنس عن الانقياد وفعل الشر.
203 - وإذا جئت -أيها الرسول- بآية كذبوك وأعرضوا عنها، وإن لم تأتهم بآية قالوا: هلَّا اخترعت آية من عندك واختلقتها، قل لهم -أيها الرسول-: ليس لي أن آتي بآية من تلقاء نفسي، ولا أتبع إلا ما يوحيه الله إلي، هذا القرآن الذي أقرؤه عليكم حجج وبراهين من الله خالقكم ومدبر شؤونكم، وإرشاد ورحمة للمؤمنين من عباده، وأما غير المؤمنين فهم ضُلَّالٌ أشقياء.
204 - وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا لقراءته، ولا تتكلموا، ولا تنشغلوا بغيره؛ رجاء أن يرحمكم الله.
205 - واذكر -أيها الرسول- الله ربك متذللًا متواضعًا خائفًا، واجعل دعاءك وسطًا بين رفع الصوت وخفضه في أول النهار وآخره لفضل هذين الوقتين، ولا تكن من الغافلين عن ذكر الله تعالى.
206 - إن الذين عند ربك -أيها الرسول- من الملائكة لا يترفعون عن عبادته سبحانه، بل ينقادون لها مذعنين لا يفترون، وهم يُنزِّهون الله بالليل والنهار عما لا يليق به، وله وحده يسجدون.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيات بشارة للمسلمين المستقيمين على صراط نبيهم - صلى الله عليه وسلم - بأن ينصرهم الله كما نصر نبيه وأولياءه.
• في الآيات جماع الأخلاق، فعلى العبد أن يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه.
• على العبد إذا مَسَّه سوء من الشيطان -فأذنب بفعل محرم، أو ترك واجب- أن يستغفر الله تعالى، ويستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الماحية.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:38 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (177)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/33.jpg

سورة الأنفال
- مَدنيّة-

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
بيان أحكام الجهاد وعوامل النصر والهزيمة من خلال غزوة بدر.


[التَّفْسِيرُ]
1 - يسألك أصحابك -أيها الرسول- عن الغنائم، كيف قسمتها؟ وعلى من تكون القسمة؟ قل -أيها الرسول- مجيبًا سؤالهم: الغنائم لله ورسوله، وحكمها لله ولرسوله في التصَرُّف والتوزيع، فما عليكم إلا الانقياد والاستسلام، فاتقوا الله -أيها المؤمنون- بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأصلحوا ما بينكم من التقاطع والتدابر بالتواد والتواصل وحسن الخلق والعفو، والْزَمُوا طاعة الله وطاعة رسوله إن كنتم مؤمنين حقًّا؛ لأن الإيمان يبعث على الطاعة والبعد عن المعصية. وكان هذا السؤال بعد وقعة بدر.
2 - إنما المؤمنون حقًّا الذين إذا ذكر الله سبحانه وتعالى خافت قلوبهم؛ فانساقت قلوبهم وأبدانهم للطاعة، وإذا قُرِئَتْ عليهم آيات الله تدبروها فازدادوا إيمانًا إلى إيمانهم، وعلى ربهم وحده يعتمدون في جَلْب مصالحهم ودَفْع مفاسدهم.
3 - الذين يداومون على أداء الصلاة بصفتها التامة في أوقاتها، رزقناهم يخرجون النفقات الواجبة والمستحبة.
4 - أولئك المتصفون بتلك الصفات هم المؤمنون حقًّا؛ لجمعهم بين خصال الإيمان والإسلام الظاهرة، وجزاؤهم منازل عالية عند ربهم، ومغفرة لذنوبهم ورزق كريم، وهو ما أعده الله لهم من النعيم.
5 - كما أن الله سبحانه وتعالى انتزع منكم قسمة الغنائم بعد اختلافكم في قسمتها وتنازعكم فيها، وجعلها إليه وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كذلك أمَرَكَ ربك -أيها الرسول- بالخروج من المدينة للقاء المشركين بوحي أنزله عليك، مع كراهة طائفة من المؤمنين لذلك.
6 - تُجَادِلُكَ -أيها الرسول الطائفة من المؤمنين في قتال المشركين بعدما اتضح لهم أنه واقع، كأنما يُسَاقون إلى الموت وهم ينظرون إليه عيانًا، وذلك لشدة كراهتهم للخروج للقتال؛ لأنهم لم يأخذوا له أهبته، ولم يعدوا له عدته.
7 - واذكروا -أيها المؤمنون المجادلون- إذ يعدكم الله أنه سيكون لكم الظفر بإحدى طائفتي المشركين، وهي إما العِير وما تحمله من أموال فتأخذونه غنيمة، وإما النفِير فتقاتلونهم وتُنْصَرُونَ عليهم، وتحبون أنتم أن تظفروا بالعِير لسهولة الاستيلاء عليها ويُسْرِه دون قتال، ويريد الله أن يحق الحق بأمركم بالقتال؛ لتقتلوا صناديد المشركين، وتأسروا كثيرًا منهم حتى تظهر قوة الإسلام.
8 - ليحق الله الحق بإظهار الإسلام وأهله، وذلك بما يظهره من الشواهد على صدقه، وليبطل سبحانه الباطل بما يظهر من البراهين على بطلانه، ولو كره المشركون ذلك، فالله مُظْهِره.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه ويُنمِّيه؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها.
• الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر، فأما إذا وضح وبان فليس إلا الانقياد والإذعان.
• أَمْر قسمة الغنائم متروك للرّسول - صلى الله عليه وسلم -، والأحكام مرجعها إلى الله تعالى ورسوله لا إلى غيرهما.
• إرادة تحقيق النّصر الإلهي للمؤمنين؛ لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:41 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (178)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/34.jpg


9 - واذكروا يوم بدر حين طلبتم الغوث من الله بالنصر على عدوكم، فاستجاب الله لكم بأنه ممدكم -أيها المؤمنون- ومعينكم بألف من الملائكة، متتابعين يتبع بعضهم بعضًا.
10 - وما جعل الله الإمداد بالملائكة إلا بشارة لكم -أيها المؤمنون- بأنه ناصركم على عدوكم، ولتسكن قلوبكم موقنة بالنصر، وليس النصر بكثرة العَدَدِ، وتوافر العُدَدِ، وإنما النصر من عند الله سبحانه، إن الله عزيز في ملكه، لا يغالبه أحد، حكيم في شرعه وقَدَرِهِ.
11 - اذكروا -أيها المؤمنون- إذ يُلْقِي الله النعاس عليكم أمنًا مما حصل لكم من الخوف من عدوكم، وينزل عليكم مطرًا من السماء؛ ليطهركم من الأحداث، وليزيل عنكم وساوس الشيطان، وليثبِّت به قلوبكم لتثبت أبدانكم عند اللقاء، وليثبِّت به الأقدام بتلْبيد الأرض الرملية حتى لا تسيخ فيها الأقدام.
12 - إذ يوحي ربك -أيها النبي- إلى الملائكة الذين أمد الله بهم المؤمنين في بدر: أني معكم -أيها الملائكة- بالنصر والتأييد، فَقَوُّوا عزائم المؤمنين على قتال عدوهم، سألقي في قلوب الذين كفروا الخوف الشديد؛ فاضربوا -أيها المؤمنون- أعناق الكافرين ليموتوا، واضربوا مفاصلهم وأطرافهم ليتعطلوا عن قتالكم.
13 - ذلك الواقع بالكفار من القتل وضرب الأطراف سببه أنهم خالفوا الله ورسوله، فلم يأتمروا بما أمروا به، ولم ينتهوا عما نهوا عنه، ومن يخالف الله ورسوله في ذلك فإن الله شديد العقاب له في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالنار.
14 - ذلكم العذاب المذكور لكم -أيها المخالفون لله ورسوله- فذوقوه مُعَجَّلًا لكم في الحياة الدنيا، وفي الآخرة لكم عذاب النار إن متم على كفركم وعنادكم.
15 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، إذا قابلتم المشركين في القتال متقاربين فلا تنهزموا عنهم، وتولوهم ظهوركم هاربين، ولكن اثبتوا في وجوههم، واصبروا على لقائهم، فالله معكم بنصره وتأييده.
16 - ومن يولهم ظهره فارًّا منهم غير منعطف لقتالهم بأن يريهم الفَرَّ مكيدة منه، وهو يريد الكَرَّ عليهم، أو غير مُنضم إلى جماعة من المسلمين حاضرة يستنجد بها؛ فقد رجع بغضب من الله، واستحقه، ومقامه في الآخرة جهنم، وبئس المصير مصيره، وبئس المُنْقَلب مُنْقَلبه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيات اعتناء الله العظيم بحال عباده المؤمنين، وتيسير الأسباب التي بها ثبت إيمانهم، وثبتت أقدامهم، وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية.
• أن النصر بيد الله، ومِن عنده سبحانه، وهو ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ مع أهمية هذا الإعداد.
• الفرار من الزحف من غير عذر من أكبر الكبائر.
• في الآيات تعليم المؤمنين قواعد القتال الحربية، ومنها: طاعة الله والرسول، والثبات أمام الأعداء، والصبر عند اللقاء، وذِكْر الله كثيرًا.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:45 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (179)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/35.jpg


17 - فلم تقتلوا -أيها المؤمنون- يوم بدر المشركين بحولكم وقوتكم، ولكن الله أعانكم على ذلك، وما رميت -أيها النبي- المشركين حين رميتهم، ولكن الله هو الذي رماهم حين أوصل رميتك إليهم، وليختبر المؤمنين بما أنعم عليهم من إظهارهم على عدوهم مع ما هم فيه من قلة العَدَدِ والعُدَدِ ليشكروه، إن الله سميع لدعائكم وأقوالكم، عليم بأعمالكم، وبما فيه صلاحكم.
18 - ذلك المذكور من قتل المشركين، ورميهم حتى انهزموا وولوا هاربين، والإنعام على المؤمنين بإظهارهم على عدوهم؛ هو من الله، والله مُضْعِف كيد الكافرين الذين يكيدونه للإسلام.
19 - إن تطلبوا -أيها المشركون- أن يوقع الله عذابه وبأسه على الظالمين المعتدين فقد أوقع الله عليكم ما طلبتم، فأنزل بكم ما كان نكالًا لكم وعبرة للمتقين، وإن تكفوا عن طلب ذلك فهو خير لكم، فربما أمهلكم ولم يعجل انتقامه منكم، وإن تعودوا إلى طلبه وإلى قتال المؤمنين نعد بإيقاع العذاب عليكم وبنصر المؤمنين، ولن تغني عنكم جماعتكم ولا أنصاركم ولو كانت كثيرة العَدَدِ والعُدَدِ مع قلة المؤمنين، وإن الله مع المؤمنين بالنصر والتأييد، ومن كان الله معه فلا غالب له.
20 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، أطيعوا الله وأطيعوا رسوله بامتثال أمره واجتناب نهيه، ولا تعرضوا عنه بمخالفة أمره وإتيان نهيه، وأنتم تسمعون آيات الله تقرأ عليكم.
21 - ولا تكونوا -أيها المؤمنون- مثل المنافقين والمشركين الذين إذا تُلِيت عليهم آيات الله قالوا: سمعنا بآذاننا ما يتلى علينا من القرآن، وهم لا يسمعون سماع تدبر واتعاظ؛ فينتفعوا بما سمعوه.
22 - إن شر من يَدِبّ على وجه الأرض من الخلق عند الله هم الصُّمُّ الذين لا يسمعون الحق سماع قَبول، البُكْم الذين لا ينطقون، فهم الذين لا يدركون عن الله أوامره ولا نواهيه.
23 - ولو علم الله أن في هؤلاء المشركين المكذبين خيرًا لأسمعهم سماعًا ينتفعون به، ويتعقَّلون عنده الحجج والبراهين، ولكنه علم أنه لا خير فيهم، ولو أنه سبحانه أسمعهم -على سبيل الفرض والتقدير- لتولوا عن الإيمان عنادًا، وهم معرضون.
24 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، استجيبوا لله ولرسوله بالانقياد لما أمرا به والاجتناب لِمَا نهيا عنه، إذا دعاكم لِمَا فيه حياتكم من الحق، وأيقنوا أن الله قادر على كل شي، فهو قادر أن يحول بينكم وبين الانقياد للحق إذا أردتموه بعد رفضكم له، فبادروا إليه، وأيقنوا أنكم إلى الله وحده تحشرون يوم القيامة، فيجازيكم على أعمالكم التي عملتموها في الدنيا.
25 - واحذروا -أيها المؤمنون- عذابًا لا ينال العاصي منكم وحده، بل يناله وينال غيره، وذلك حين يظهر الظلم فلا يُغَيَّرُ، وأَيْقِنُوا أن الله قوي العقاب لمن عصاه؛ فاحذروا من معصيته.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من كان الله معه فهو المنصور وإن كان ضعيفًا قليلًا عدده، وهذه المعية تكون بحسب ما قام به المؤمنون من أعمال الإيمان.
• المؤمن مطالب بالأخذ بالأسباب المادية، والقيام بالتكليف الذي كلفه الله، ثم يتوكل على الله، ويفوض الأمر إليه، أما تحقيق النتائج والأهداف فهو متروك لله عز وجل.
• في الآيات دليل على أن الله تعالى لا يمنع الإيمان والخير إلا عمَّن لا خير فيه، وهو الذي لا يزكو لديه هذا الإيمان ولا يثمر عنده.
• على العبد أن يكثر من الدعاء: يا مُقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مُصرِّف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك.
• أَمَرَ الله المؤمنين ألا يُقِرُّوا المنكر بين أظهرهم فيعُمَّهم العذاب.

ابو وليد البحيرى
2019-12-09, 02:49 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (180)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/36.jpg


36 - واذكروا -أيها المؤمنون- حين كنتم في مكة قليلي العدد، يستضعفكم أهلها، ويقهرونكم، تخافون أن يأخذكم أعداؤكم بسرعة، فضمكم الله إلى مأوى تأوون إليه وهو المدينة، وقَوَّاكم بالنصر على أعدائكم في مواطن الحرب التي منها بدر، ورزقكم من الطيبات، ومن جملتها الغنائم التي أخذتموها من أعدائكم، لعلكم تشكرون لله نعمه، فيزيدكم منها، ولا تكفرونها فيسلبها منكم، ويعذبكم.
27 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، لا تخونوا الله والرسول بترك الامتثال للأوامر وعدم اجتناب النواهي، ولا تخونوا ما ائْتُمِنْتُم عليه من الدين وغيره، وأنتم تعلمون أن ما قمتم به خيانة؛ فتكونوا من الخائنين. ولما كانت محبة الأموال والأولاد تدفع العبد إلى الخيانة أخبر الله أنهما فتنة، فقال:
28 - واعلموا -أيها المؤمنون- أن أموالكم وأولادكم إنما هي ابتلاء من الله لكم واختبار، فقد تصدُّكم عن العمل للآخرة، وتحملكم على الخيانة، واعلموا أن الله عنده ثواب عظيم، فلا تُفَوِّتُوا عليكم هذا الثواب بمراعاة أموالكم وأولادكم والخيانة من أجلهم.
29 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، اعلموا أنكم إن تتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه يجعل لكم ما تُفرِّقون به بين الحق والباطل، فلا يَلْتَبسان عليكم، ويَمْحُ عنكم ما اجترحتموه من السيئات، ويغفر لكم ذنوبكم، والله ذو الفضل العظيم، ومن فضله العظيم جنته التي أعدها للمتقين من عباده.
30 - واذكر -أيها الرسول- حين تَمَالأ عليك المشركون ليكيدوا لك بحبسك أو بقتلك أو نفيك من بلدك إلى بلد غيره، ويكيدونك ويرد الله كيدهم عليهم، ويمكر الله، والله خير الماكرين.
31 - وإذا قُرِئت عليهم آياتنا قالوا عنادًا للحق وترفعًا عليه: قد سمعنا مثل هذا من قبل، لو نشاء قول مثل هذا القرآن لقلناه، ما هذا القرآن الذي سمعناه إلا كاذيب الأولين؛ فلن نؤمن به.
32 - واذكر -أيها الرسول- إذا قال المشركون: اللَّهُمَّ إن كان ما جاء به محمد حقًّا فأسقط علينا حجارة من السماء تهلكنا، أو ائتنا بعذاب شديد. قالوا ذلك مبالغة في الجحود والإنكار.
33 - وما كان الله ليعذب أمتك -سواء من كان منهم من أمة الاستجابة أو من أمة الدعوة- بعذاب يستأصلهم وأنت -يا محمد- حي موجود بين ظهرانيهم، فوجودك بينهم أمان لهم من العذاب، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون الله من ذنوبهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الشكر نعمة عظيمة يزيد بها فضل الله تعالى، وينقص عند إغفالها.
• للأمانة شأن عظيم في استقامة أحوال المسلمين، ما ثبتوا عليها وتخلقوا بها، وهي دليل نزاهة النفس واعتدال أعمالها.
• ما عند الله من الأجر على كَفِّ النفس عن المنهيات، خير من المنافع الحاصلة عن اقتحام المناهي لأجل الأموال والأولاد.
• في الآيات بيان سفه عقول المعرضين؛ لأنهم لم يقولوا: اللَّهُمَّ إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه.
• في الآيات فضيلة الاستغفار وبركته، , وأنه من موانع وقوع العذاب.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 12:32 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (181)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/38.jpg

34 - وأي شيء يمنع من عذابهم وقد ارتكبوا ما يوجب عذابهم من منعهم الناس عن المسجد الحرام أن يطوفوا به أو يُصلُّوا فيه؟ وما كان المشركون أولياء الله، فليس أولياءَ الله إلا المتقون الذين يتقونه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون حين ادعوا أنهم أولياؤه، وهم ليسوا بأوليائه.
35 - وما كان صلاة المشركين عند المسجد الحرام إلا صَفِيرًا وتَصْفِيقًا، فذوقوا -أيها المشركون- العذاب بالقتل والأسر يوم بدر بسبب كفركم بالله، وتكذيبكم لرسوله.
36 - إن الذين كفروا بالله ينفقون أموالهم لمنع الناس عن دين الله، فسينفقونها ولن يتحقق لهم ما أرادوا، ثم تكون عاقبة إنفاقهم لأموالهم ندامة؛ لفواتها وفوات المقصود من إنفاقها، ثم يُغْلَبُونَ بانتصار المؤمنين عليهم، والذين كفروا بالله يُسَاقون إلى جهنم يوم القيامة، فيدخلونها خالدين فيها مخلدين.
37 - يُسَاق هؤلاء الكفار الذين ينفقون أموالهم للصد عن سبيل الله إلى نار جهنم ليفصل الله فريق الكفار الخبيث عن فريق المؤمنين الطيب، وليجعل الخبيث من الأشخاص والأعمال والأموال بعضه فوق بعض متراكبًا متراكمًا، فيجعله في نار جهنم، أولئك هم الخاسرون؛ لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
38 - قل -أيها الرسول- للذين كفروا بالله وبرسوله من قومك: إن يكفُّوا عن كفرهم بالله وبرسوله، وعن صدهم عن سبيل الله من آمن به؛ يغفر الله لهم ما قد سبق من ذنوبهم، فالإسلام يهدم ما قبله، وإن يعودوا إلى كفرهم فقد سبقت سُنَّة الله في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على كفرهم عاجلهم بالعقوبة.
39 - وقاتلوا -أيها المؤمنون- أعداءكم من الكفار حتى لا يكون شرك ولا صد للمسلمين عن دين الله، ويكون الدين والطاعة لله شريك له فيها، فإن انتهى الكفار عما كانوا عليه من الشرك والصد عن سبيل الله فدعوهم، فإن الله مطلع على أعمالهم، لا تخفى عليه خافية.
40 - وإن انصرفوا عما أُمِرُوا به من الانتهاء عن الكفر والصد عن سبيل الله، فَأَيْقِنُوا -أيها المؤمنون- أن الله ناصركم عليهم، نعم المولى لمن والاه، ونعم الناصر لمن نصره، فمن والاه فاز، ومن نصره انتصر.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الصد عن المسجد الحرام جريمة عظيمة يستحق فاعلوه عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة.
• عمارة المسجد الحرام وولايته شرف لا يستحقه إلّا أولياء الله المتقون.
• في الآيات إنذار للكافرين بأنهم لا يحصلون من إنفاقهم أموالهم في الباطل على طائل، وسوف تصيبهم الحسرة وشدة الندامة.
• دعوة الله تعالى للكافرين للتوبة والإيمان دعوة مفتوحة لهم على الرغم من استمرار عنادهم.
• من كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان الله عدوًّا له فلا عِزَّ له.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 12:36 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (182)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/39.jpg


41 - واعلموا -أيها المؤمنون- أن ما أخذتم من شيء من الكفار قهرًا في الجهاد في سبيل الله فإنه يقسم خمسة أخماس، أربعة أخماس منها تقسم على المجاهدين، والخمس الباقي يقسم خمسة أقسام: قسم لله ورسوله يصرف في المصارف العامة للمسلمين، وقسم لقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم وبني المطلب، وقسم لليتامى، وقسم للفقراء والمساكين، وقسم للمسافرين الذين انقطعت بهم السبل، إن كنتم آمنتم بالله، وبما أنزلنا على عبدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر الذي فَرَّق الله به بين الحق والباطل حين نصركم على أعدائكم، والله الذي نصركم قدير على كل شيء.
42 - واذكروا حين كنتم بالجانب الأدنى من الوادي مما يلي المدينة، والمشركون بالجانب الأقصى منه مما يلي مكة، والعِير في مكان أسفل منكم مما يلي ساحل البحر الأحمر، ولو تواعدتم أنتم والمشركون على أن تلتقوا في بدر لخالف بعضكم بعضًا، ولكنه سبحانه جمع بينكم في بدر على غير تواعد؛ ليُتِمّ أمرًا كان مفعولًا وهو نصر المؤمنين، وخذلان الكافرين، وإعزاز دينه وإذلال الشرك؛ ليموت من مات منهم بعد قيام الحجة عليه بنصر المؤمنين عليهم مع قلة عددهم وعدتهم، يعيش من عاش عن بينة وحجة أظهرها الله له، فلا يبقى لأحد على الله حجة يحتج بها، والله سميع لأقوال الجميع، عليم بأفعالهم، لا يخفى عليه منها شيء، وسيجازيهم عليها.
43 - اذكر -أيها الرسول- من نعم الله عليك وعلى المؤمنين إذ أراك الله المشركين في منامك قليلي العدد، فأطلعت المؤمنين على ذلك فاستبشروا به خيرًا، وقويت عزائمهم على لقاء عدوهم وقتاله، ولو أنه سبحانه أراك المشركين في منامك كثيرًا لضعفت عزائم أصحابك، وخافوا القتال، ولكنه سَلَّم من ذلك، فعصمهم من الفشل، فقلَّلهم في عين رسوله - صلى الله عليه وسلم -، إنه عليم بما تنطوي عليه القلوب، وبما تخفيه النفوس.
44 - واذكروا -أيها المؤمنون- إذ يريكم الله المشركين حين التقيتم بهم قليلًا، فجرأكم على الإقدام على قتالهم، ويقللكم في أعينهم فيتقدمون لقتالكم، ولا يفكرون في الرجوع ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا بالانتقام من المشركين بالقتل والأسر، والإنعام على المؤمنين بالنصر والظفر بالأعداء، وإلى الله وحده ترجع الأمور، فيجازي المسيء على إساءته، والمحسن على إحسانه.
45 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، إذا واجهتم جماعة من الكفار فاثبتوا عند لقائهم ولا تجبنوا، واذكروا الله كثيرًا وادعوه، فهو القادر على نصركم عليهم؛ رجاء أن يُنِيلكم ما تطلبون، ويجنبكم ما تحذرون.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الغنائم لله يجعلها حيث شاء بالكيفية التي يريد، فليس لأحد شأن في ذلك.
• من أسباب النصر تدبير الله للمؤمنين بما يعينهم على النصر، والصبر والثبات والإكثار من ذكر الله.
• قضاء الله نافذ وحكمته بالغة وهي الخير لعباد الله وللأمة كلها.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 12:41 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (183)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/40.jpg

46 - والزموا طاعة الله وطاعة رسوله في أقوالكم وأفعالكم وجميع أحوالكم، ولا تختلفوا في الرأي؛ فإن الاختلاف سبب لضعفكم وجبنكم، وذهاب قوتكم، واصبروا عند لقاء عدوكم، إن الله مع الصابرين بالنصر والتأييد والعون، ومن كان الله معه فهو الغالب والمنتصر لا محالة.
47 - ولا تكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من مكة كِبْرًا ومراءاة للناس، ويصدون الناس عن دين الله، ويمنعونهم من الدخول فيه، والله بما يعملون محيط، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، وسيجازيهم عليها.
48 - واذكروا -أيها المؤمنون- من نعم الله عليكم أن حسَّن الشيطان للمشركين أعمالهم، فشجعهم على ملاقاة المسلمين وقتالهم، وقال لهم: لا غالب لكم اليوم، وإني ناصركم، ومُجِيركم من عدوكم، فلما التقى الفريفان: فريق المؤمنين معهم الملائكة ينصرونهم، وفريق المشركِين معهم الشيطان الذي سيخذلهم؛ ولَّى الشيطان هاربًا، وقال للمشركين: إني بريء منكم، إني أرى الملائكة الذين جاؤوا لنصرة المؤمنين، إني أخاف أن يهلكني الله، والله شديد العقاب، فلا يقدر على تحمل عقابه أحد.
49 - واذكروا إذ يقول المنافقون وضعفة الإيمان: خدع هؤلاء المسلمين دينُهُم الذي يعدهم بالنصر على أعدائهم مع قلة العدد وضعف العدة، وكثرة عدد أعدائهم وقوة عتادهم، ولم يُدْرِكْ هؤلاء أن من يعتمد على ويثق بما وعد به من النصر فإن الله ناصره، ولن يخذله مهما كان ضعفه، والله عزيز لا يغالبه أحد، حكيم في قدره وشرعه.
50 - ولو تشاهد -أيها الرسول- الذين كفروا بالله وبرسله حين تقبض الملائكة أرواحهم، وتنتزعها وهم يضربون وجوههم إذا أقبلوا، ويضربون أدبارهم إذا ولوا هاربين، ويقولون لهم: ذوقوا -أيها الكافرون- العذاب المحرق، لو تشاهد ذلك لشاهدت أمرًا عظيمًا.
51 - ذلك العذاب المؤلم عند قبض أرواحكم -أيها الكفار-، والعذاب المحرق في قبوركم وفي الآخرة، سببه ما كسبت أيديكم في الدنيا، فالله لا يظلم الناس، وإنما يحكم بينهم بالعدل فهو الحَكَم العدل.
52 - وليس هذا العذاب النازل بهؤلاء الكافرين خاصًّا بهم، بل هو سُنَّة الله التي أمضاها على الكافرين في كل زمان ومكان، فقد أصاب آل فرعون والأمم من قبلهم حين كفروا بآيات الله سبحانه، فأخذهم الله بسبب ذنوبهم أخذ عزيز مقتدر، فأنزل بهم عقابه، إن الله قوي لا يقهر ولا يغلب، شديد العقاب لمن عصاه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• البَطَر مرض خطير ينْخَرُ في تكوين شخصية الإنسان، ويُعَجِّل في تدمير كيان صاحبه.
• الصبر يعين على تحمل الشدائد والمصاعب، وللصبر منفعة إلهية، وهي إعانة الله لمن صبر امتثالًا لأمره، وهذا مشاهد في تصرفات الحياة.
• التنازع والاختلاف من أسباب انقسام الأمة، وإنذار بالهزيمة والتراجع، وذهاب القوة والنصر والدولة.
• الإيمان يوجب لصاحبه الإقدام على الأمور الهائلة التي لا يُقْدِم عليها الجيوش العظام.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 12:45 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (184)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/41.jpg


53 - ذلك العقاب الشديد بسبب أن الله إذا أنعم على قوم نعمة من عنده لم ينزعها منهم حتى يغيروا أنفسهم من حالها الطيب من الإيمان والاستقامة وشكر النعم إلى حال سيئة من الكفر بالله ومعصيته وكفران نعمه، وأن الله سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم، لا يخفى عليه منها شيء.
54 - شأن هؤلاء الكافرين كشأن غيرهم ممن كفر بالله مثل آل فرعون والأمم المكذبة من قبلهم، كذبوا بآيات ربهم، فأهلكهم الله بسبب ما ارتكبوه من المعاصي، وأهلك الله آل فرعون بالغرق في البحر، وكل من آل فرعون والأمم من قبلهم كانوا ظالمين بسبب كفرهم بالله وشركهم به، فاستوجبوا بذلك عقابه سبحانه، فأوقعه عليهم.
55 - أن شَرَّ من يَدِبُّ على الأرض هم الذين كفروا بالله وبرسله، فهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية؛ لإصرارهم على الكفر، فقد تعطلت فيهم وسائل الهداية من عقل وسمع وبصر.
56 - الذين عقدت معهم العهود والمواثيق -كبني قريظة-، ثم ينقضون ما عاهدتهم عليه في كل مرة، وهم لا يخافون الله، فلا يوفون بعهودهم ولا يلتزمون بالمواثيق المأخوذة عليهم.
57 - فإن قابلت -أيها الرسول- هؤلاء الناقضين لعهودهم في الحرب فنكل بهم أشد تَنْكِيل حتى يسمع بذلك غيرهم، لعلهم يعتبرون بحالهم، فيهابون قتالك ومظاهرة أعدائك عليك.
58 - وإن خفت -أيها الرسول- من قوم عاهدتهم غشًّا ونقضًا للعهد بأمارة تظهر لك فأعلمهم بطَرْح عهدهم حتى يستووا معك في العلم بذلك، ولا تباغتهم قبل إعلامهم، فإن مباغتتهم قبل إعلامهم من الخيانة، والله لا يحب الخائنين، بل يمقتهم، فاحذر أنت من الخيانة.
59 - ولا يظنن الذين كفروا أنهم فاتوا عقاب الله وأفلتوا منه، إنهم لا يفوتونه ولا يفلتون من عقابه، بل هو مدركهم ولاحق بهم.
60 - وأعدُّوا -أيها المؤمنون- ما قدرتم على إعداده من العدد والعدة؛ كالرمي، وأعدوا لهم ما حبستم من الخيل في سبيل الله، تُخوِّفون أعداء الله وأعداءكم من الكافرين الذين يتربصون بكم الدوائر، وتُخوِّفون به قومًا آخرين، لا تعلمونهم، ولا تعلمون ما يضمرون لكم من عداوة، بل الله وحده هو الذي يعلمهم، ويعلم ما يضمرون في أنفسهم، وما تنفقوا من مال قل أو كثر يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويعطكم ثوابه كاملًا غير منقوص في الآخرة، فبادروا إلى الإنفاق في سبيله.
61 - وإن مالوا إلى الصلح وتَرْكِ قتالك، فَمِلْ -أيها الرسول- إليه، وعاهدهم، واعتمد على الله، وثق به، فلن يخذلك، إنه هو السميع لأقوالهم، العليم بنياتهم وأفعالهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، كما أنها زجر لمن عملها ألا يعاودها.
• من أخلاق المؤمنين الوفاء بالعهد مع المعاهدين، إلّا إن وُجِدت منهم الخيانة المحققة.
• يجب على المسلمين الاستعداد بكل ما يحقق الإرهاب للعدو من أصناف الأسلحة والرأي والسياسة.
• جواز السلم مع العدو إذا كان فيه مصلحة للمسلمين.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 12:50 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (185)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/42.jpg


62 - وإن قصدوا بميلهم للصلح وترك القتال أن يخدعوك -أيها الرسول- بذلك ليستعدوا لقتالك، فإن الله كافيك مكرهم وخداعهم، هو الذي قَوَّاك بنصره، وقَوَّاك بنصر المؤمنين لك من المهاجرين والأنصار.
63 - وجمع بين قلوب المؤمنين الذين نصرك بهم بعد أن كانت متفرقة، لو أنفقت ما في الأرض من مال لتجمع بين قلوبهم المتفرقة ما جمعت بينها، لكن الله وحده جمع بينها، إنه عزيز في ملكه لا يغالبه أحد، حكيم في قدره وتدبيره وشرعه.
64 - يا أيها النبي إن الله كافيك شر أعدائك، وكافي المؤمنين معك، فثق بالله واعتمد عليه.
65 - يا أيها النبي حُثَّ المؤمنين على القتال وحُضَّهم عليه بما يقوي عزائمهم وينشط هممهم، إن يكن منكم -أيها المؤمنون- عشرون صابرون على مقاتلة الكفار يغلبوا مئتين من الكفار، وإن تكن منكم مئة صابرة يغلبوا ألفًا من الكافرين؛ ذلك بأن الكافرين قوم لا يفهمون سُنَّة الله بنصر أوليائه، ودَحْر أعدائه، ولا يدركون المقصود من القتال، فهم يقاتلون من أجل العلو في الدنيا.
66 - الآن خفف الله عنكم -أيها المؤمنون- لما علمه من ضعفكم، فخفف عنكم لطفًا منه بكم، فأوجب على الواحد منكم أن يثبت أمام اثنين من الكفار بدل عشرة منهم، فإن يكن منكم مئة صابرة على قتال الكفار يغلبوا مئتين، وإن يكن منكم ألف صابرون يغلبوا ألفين من الكفار بإذن الله، والله مع الصابرين من المؤمنين بالتأييد والنصر.
67 - ما ينبغي لنبي أن يكون له أسرى من الكفار الذين يقاتلونه حتى يُكْثِر القتل فيهم؛ ليدخل الرعب في قلوبهم حتى لا يعودوا إلى قتاله، تريدون -أيها المؤمنون- باتخاذ أسرى بدر أخذ الفداء، والله يريد الآخرة التي تُنَال بنصر الدين واعزازه، والله عزيز في ذاته وصفاته وقهره، لا يغالبه أحد، حكيم في قدره وشرعه.
68 - لولا كتاب من الله سبق به قضاؤه وقدره أنه أحل لكم الغنائم، وأباح لكم فداء الأسرى لأصابكم عذاب شديد من الله بسبب ما أخذتم من الغنيمة والفداء من الأسرى قبل نزول وحي من الله بإباحة ذلك.
69 - فكلوا -أيها المؤمنون- مما أخذتم من الكفار من غنيمة فهو حلال لكم، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، إن الله غفور لعباده المؤمنين، رحيم بهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيات وَعْدٌ من الله لعباده المؤمنين بالكفاية والنصرة على الأعداء.
• الثبات أمام العدو فرض على المسلمين لا اختيار لهم فيه، ما لم يحدث ما يُرَخِّص لهم بخلافه.
• الله يحب لعباده معالي الأمور، ويكره منهم سَفْسَافَها، ولذلك حثهم على طلب ثواب الآخرة الباقي والدائم.
• مفاداة الأسرى أو المنّ عليهم بإطلاق سراحهم لا يكون إلا بعد توافر الغلبة والسلطان على الأعداء، وإظهار هيبة الدولة في وجه الآخرين.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 12:54 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (186)
(سُوْرَةُ الأنفال)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/43.jpg


70 - يا أيها النبي، قل لمن وقع في أيديكم من أسرى المشركين الذين أسرتموهم يوم بدر: إن يعلم الله في قلوبكم بصد الخير، وصلاح النية يعطكم خيرًا مما أُخِذ منكم من الفداء فلا تحزنوا على ما أُخِذ منكم منه، ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور لمن تاب من عباده، رحيم به، وقد تحقق وعد الله للعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره ممن أسلم.
71 - وإن يقصدوا -يا محمد- خيانتك بما يُظْهِرون لك من القول فقد خانوا الله من قبل، وقد نصرك الله عليهم، فَقُتِل منهم من قُتِل وأُسِر من أُسِر، فلينتظروا مثل ذلك إن عادوا، والله عليم بخلقه وبما يصلحهم، حكيم في تدبيره.
72 - إن الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله وعملوا بشرعه، وهاجروا من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، أو إلى مكان يعبدون الله فيه آمنين، وجاهدوا ببذل أموالهم وبذل أنفسهم لإعلاء كلمة الله، والذين أنزلوهم في منازلهم، ونصروهم -أولئك المهاجرون والذين نصروهم من أهل الدار بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة، والذين آمنوا بالله ولم يهاجروا من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ليس عليكم- أيها المؤمنون- أن تنصروهم وتحموهم حتى يهاجروا في سبيل الله، وإن ظلمهم الكفار فطلبوا منكم النصر فانصروهم على عدوهم، إلا إذا كان بينكم وبين عدوهم عهد لم ينقضوه، والله بما تعملون بصير، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيجازيكم عليها.
73 - والذين كفروا بالله يجمعهم الكفر، فيناصر بعضهم بعضًا، فلا يواليهم مؤمن، إن لم توالوا المؤمنين وتعادوا الكافرين تكن فتنة للمؤمنين حيث لم يجدوا من يناصرهم من إخوانهم في الدين، ويكن فساد في الأرض عظيم بالصد عن سبيل الله.
74 - والذين آمنوا بالله وهاجروا في سبيله، والذين آووا المهاجرين في سبيل الله ونصروهم، أولئك هم المتصفون بصفة الإيمان حقًّا، وجزاؤهم من الله مغفرة لذنوبهم، ورزق كريم منه، وهو الجنة.
75 - والذين آمنوا من بعد إيمان السابقين إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار، وهاجروا من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وجاهدوا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، أولئك منكم -أيها المؤمنون-، لهم ما لكم من الحقوق، وعليهم ما عليكم من الواجبات، وأصحاب القرابة في حكم الله بعضهم أولى ببعض في الإرث من التوارث بالإيمان والهجرة الذي كان موجودًا سابقًا، إن الله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء، فهو يعلم ما يصلح لعباده، فيشرعه لهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• يجب على المؤمنين ترغيب الأسرى في الإيمان.
• تضمنت الآيات بشارة للمؤمنين باستمرار النصر على المشركين ما داموا آخذين بأسباب النصر المادية والمعنوية.
• إن المسلمين إذا لم يكونوا يدًا واحدة على أهل الكفر لم تظهر شوكتهم، وحدث بذلك فساد كبير.
• فضيلة الوفاء بالعهود والمواثيق في شرعة الإسلام، وإن عارض ذلك مصلحة بعض المسلمين.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 12:59 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (187)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/44.jpg

سورة التوبة
- مَدَنيّة-

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
كشف أحوال الطوائف، بالمفاصلة مع الكافرين، وفضح المنافقين، وتمييز المؤمنين.


[التَّفْسِيرُ]
1 - هذه براءة من الله، ومن رسوله، وإعلان بنهاية العهود التي عاهدتم -أيها المسلمون- عليها المشركين في جزيرة العرب.
2 - فسيروا -أيها المشركون- في الأرض مدة أربعة أشهر آمنين، ولا عهد لكم بعدها ولا أمان، وأيقنوا أنكم لن تفلتوا من عذاب الله وعقابه إن استمررتم على كفركم به، وأيقنوا أن الله مُذِل الكافرين بالقتل والأسر في الدنيا، وبدخول النار يوم القيامة. ويشمل هذا من نقضوا عهدهم، ومن كان عهدهم مطلقًا غير مؤقت، وأما من له عهد مؤقت ولو كان أكثر من أربعة أشهر فإنه يُتَم له عهده إلى مدته.
3 - وإعلام من الله، وإعلام من رسوله إلى جميع الناس يوم النحر أن الله سبحانه بريء من المشركين، وأن رسوله بريء كذلك منهم، فإن تبتم -أيها المشركون- من شرككم فتوبتكم خير لكم، وإن أعرضتم عن التوبة فأيقنوا أنكم لن تفوتوا الله، ولن تفلتوا من عقابه، وأخبر -أيها الرسول- الذين كفروا بالله بما يسوؤهم، وهو عذاب موجع ينتظرهم.
4 - إلا الذين عاهدتم من المشركين، ووفوا بعهدكم، ولم ينقصوا منه شيئًا، فهم مُسْتَثنَوْنَ من الحكم السابق، فأكملوا لهم الوفاء بعهدهم حتى تنقضي مدته، إن الله يحب المتقين بامتثال أوامره ومنها الوفاء بالعهد، وباجتناب نواهيه ومنها الخيانة.
5 - فإذا انتهت الأشهر الحرم التي أَمَّنْتُم فيها أعداءكم فاقتلوا المشركين حيث لقيتموهم، وحاصروهم في مَعاقِلِهم، وترصَّدوا لهم طرقهم، فإن تابوا إلى الله من الشرك، وأقاموا الصلاة، وأعطوا زكاة أموالهم؛ فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام؛ فاتركوا قتالهم، إن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم به.
6 - وإن دخل أحد من المشركين مباح الدم والمال وطلب جوارك -أيها الرسول- فأجبه إلى طلبه حتى يسمع القرآن، ثم أوصله إلى مكان يأمن فيه، ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون حقائق هذا الدين، فإذا علموها من سماع قراءة القرآن ربما اهتدوا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيآت دليل واضح على حرص الإسلام على تسوية العلاقات الخارجية مع الأعداء على أساس من السّلم والأمن والتّفاهم.
• الإسلام يُقَدِّر العهود، ويوجب الوفاء بها، ويجعل حفظها نابعًا من الإيمان، وملازمًا لتقوى الله تعالى.
• أَنَّ إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة دليل على الإسلام، وأنهما يعصمان الدم والمال، ويوجبان لمن يؤدّيهما حقوق المسلمين من حفظ دمه وماله إلا بحق الإسلام؛ كارتكاب ما يوجب القتل من قتل النفس البريئة، وزنى الزّاني المُحْصَن، والرّدّة إلى الكفر بعد الإيمان.
• مشروعية الأمان؛ أي: جواز تأمين الحربي إذا طلبه من المسلمين؛ ليسمع ما يدلّ على صحّة الإسلام، وفي هذا سماحة وتكريم في معاملة الكفار، ودليل على إيثار السِّلم.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 01:04 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (188)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/45.jpg


7 - لا يصح أن يكون للمشركين بالله عهد وأمان عند الله وعند رسوله إلا عهد أولئك المشركين الذين عاهدتموهم -أيها المسلمون- عند المسجد الحرام في صلح الحديبية، فما أقاموا لكم على العهد الذي بينكم وبينهم ولم ينقضوه فأقيموا أنتم عليه ولا تنقضوه، إن الله يحب المتقين من عباده الذين يمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه.
8 - كيف يكون لهم عهد وأمان وهم أعداؤكم، وإن يظفروا بكم لا يراعوا فيكم الله ولا قرابة، ولا عهدًا، بل يسومونكم سوء العذاب؟! يرضونكم بالكلام الحسن الذي تنطق به ألسنتهم، لكن قلوبهم لا تطاوع ألسنتهم، فلا يَفُون بما يقولون، وأكثرهم خارجون عن طاعة الله لنقضهم العهد.
9 - اعتاضوا، واستبدلوا عن اتباع آيات الله التي منها الوفاء بالعهود ثمنًا حقيرًا من حطام الدنيا الذي يتوصلون به إلى شهواتهم وأهوائهم، فصدوا أنفسهم عن اتباع الحق، وأعرضوا عنه، وصدوا غيرهم عن الحق، إنهم ساء عملهم الذي كانوا يعملون.
10 - لا يراعون اللهَ ولا قرابة ولا عهدًا في مؤمنٍ؛ لما هم عليه من العداوة، فهم متجاوزون لحدود الله؛ لما يتصفون به من الظلم والعدوان.
11 - فإن تابوا إلى الله من كفرهم، ونطقوا بالشهادتين، وأقاموا الصلاة، وأعطوا زكاة أموالهم -فقد صاروا مسلمين، وهم إخوتكم في الدين، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، ولا يحل لكم قتالهم، فإسلامهم يعصم دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ونبين الآيات ونوضحها لقوم يعلمون، فهم الذين ينتفعون بها، وينفعون بها غيرهم.
12 - وإن نقض هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم على ترك القتال مدة معلومة عهودَهم ومواثيقَهم، وعابوا دينكم وانتقصوا منه فقاتلوهم، فهم أئمة الكفر وقادته، ولا عهود لهم، ولا مواثيق تحقن دماءهم، قاتلوهم رجاء أن ينتهوا عن كفرهم ونقضهم للعهود وانتقاصهم للدين.
13 - لمَ لا تقاتلون -أيها المؤمنون- قومًا نقضوا عهودهم ومواثيقهم، وسعوا في اجتماعهم في دار الندوة إلى إخراج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مكة، وهم بدؤوكم بالقتال أول مرة عندما أعانوا بَكْرًا حلفاء قريش على خُزَاعة حلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أتخافونهم، فلا تقدمون على قتالهم؟! فالله سبحانه أحق أن تخافوه إن كنتم مؤمنين حقًّا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• دلَّت الآيات على أن قتال المشركين الناكثين العهد كان لأسباب كثيرة، أهمها: نقضهم العهد.
• في الآيات دليل على أن من امتنع من أداء الصلاة أو الزكاة فإنه يُقاتَل حتى يؤديهما، كما فعل أبو بكر - رضي الله عنه -.
• استدل بعض العلماء بقوله تعالى: {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ} على وجوب قتل كل من طعن في الدّين عامدًا مستهزئًا به.
• في الآيات دلالة على أن المؤمن الذي يخشى الله وحده يجب أن يكون أشجع الناس وأجرأهم على القتال.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 01:08 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (189)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/46.jpg


14 - قاتلوا -أيها المؤمنون- هؤلاء المشركين، فإنكم إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، وذلك بقتلكم إياهم، ويذلهم بالهزيمة والأسر، وينصركم عليهم بجعل الغلبة لكم، ويبرئ داء صدور قوم مؤمنين لم يشهدوا القتال بما حصل لعدوهم من القتل والأسر والهزيمة ونصر المؤمنين عليهم.
15 - ويُبْعِد الغيظ عن قلوب عباده المؤمنين بما نالوه من النصر عليهم. ويتوب الله على من يشاء من هؤلاء المعاندين إن تابوا كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح، والله عليم بصدق التائب منهم، حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.
16 - أظننتم -أيها المؤمنون- أن يترككم الله دون ابتلاء؟! فالابتلاء سُنَّة من سننه، ستبتلون حتى يعلم الله علمًا ظاهرًا للعباد المجاهدين منكم بإخلاص لله، الذين لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين بطانة من الكفار يوالونهم، وأصفياء منهم يوادونهم، والله خبير بما تعملون، لا يخفى عليه منه شيء، وسيجازيكم على أعمالكم.
17 - ما ينبغى للمشركين أن يعمروا مساجد الله بالعبادة وأنواع الطاعة، وهم مُقِرُّون على أنفسهم بالكفر بما يظهرونه منه، أولئك بطلت أعمالهم لفقد شرط قبولها الذي هو الإيمان، وهم يوم القيامة سيدخلون النار ماكثين فيها أبدًا إلا إن تابوا من الشرك قبل موتهم.
18 - إنما يستحق عمارة المساجد ويقوم بحقها من آمن بالله وحده، ولم يشرك به أحدًا، وآمن بيوم القيامة، وأقام الصلاة وأعطى زكاة ماله، ولم يَخَفْ أحدًا إلا الله سبحانه، فهؤلاء هم الذين يُرْجى أن يكونوا مهتدين إلى الصراط المستقيم، وأما المشركون فهم أبعد ما يكونون عن ذلك.
19 - أجعلتم -أيها المشركون- القائمين على سقاية الحاج وعلى عمارة المسجد الحرام مثل من آمن بالله، ولم يشرك به أحدًا، وآمن بيوم القيامة، وجاهد بنفسه وماله لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، أجعلتموهم سواء في الفضل عند الله؟! لا يستوون أبدًا عند الله، والله لا يوفق الظالمين بالشرك، ولو كانوا يعملون أعمال خير كسقاية الحاج.
20 - الذين جمعوا بين الإيمان بالله والهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، والجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس أعظم رتبة عند الله من غيرهم، وأولئك المتصفون بتلك الصفات هم الظافرون بالجنة.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيات دلالة على محبة الله لعباده المؤمنين واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم.
• شرع الله الجهاد ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون إلا لدين الله من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان.
• عُمَّار المساجد الحقيقيون هم من وُصِفوا بالإيمان الصادق، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وبخشية الله التي هي أصل كل خير.
• الجهاد والإيمان بالله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة؛ لأن الإيمان أصل الدين، وأما الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الدين.

ابو وليد البحيرى
2019-12-14, 01:12 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (190)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/47.jpg

21 - يخبرهم الله ربهم بما يسرهم من رحمته، ومن إحلال رضوانه عليهم، فلا يسخط عليهم أبدًا، وبدخول جنات لهم فيها نعيم دائم لا ينقطع أبدًا.
22 - ماكثين في تلك الجنان مُكْثًا لا نهاية له، ثوابًا لهم على أعمالهم الصالحة التي كانوا يعملونها في الدنيا، إن الله عنده ثواب عظيم لمن امتثل أوامره، واجتنب نواهيه مخلصًا له الدين.
23 - يا أيها الذين أمنوا بالله واتبعوا ما جاء به رسوله، لا تصيِّروا آباءكم وإخوانكم في النسب وغيرهم من قرابتكم أصفياء توالونهم بإفشاء أسرار المؤمنين إليهم، والتشاور معهم؛ إن آثروا الكفر على الإيمان بالله وحده، ومن يصيِّرهم أولياء مع بقائهم على الكفر ويظهر لهم المودة فقد عصى الله، وظلم نفسه بإيرادها موارد الهلاك بسبب المعصية.
24 - قل -أيها الرسول-: إن كان آباؤكم -أيها المؤمنون- وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وأقرباؤكم، وأموالكم التي اكتسبتموه، وتجارتكم التي تحبون رواجها، وتخافون كسادها، وبيوتكم التي ترضون المقام فيها -إن كان كل أولئك أحب إليكم من الله ورسوله، ومن الجهاد في سبيله فانتظروا ما ينزله الله بكم من العقاب والنكال، والله لا يوفق الخارجين عن طاعته للعمل بما يرضيه.
25 - لقد نصركم الله -أيها المؤمنون- على عدوكم من المشركين في غزوات كثيرة على قلة عددكم وضعف عدتكم حين توكلتم على الله وأخذتم بالأسباب، ولم تُعْجَبوا بكثرتكم، فلم تكن الكثرة سبب نصركم عليهم، وأما يوم حنين حين أعجبتكم كثرتكم، فقلتم: لن نُغْلَب اليوم من قِلَّة، فلم تنفعكم كثرتكم التي أعجبتكم شيئًا، فتغلّب عليكم عدوكم، وضاقت عليكم الأرض على سعتها، ثم وليتم عن أعدائكم فارين منهزمين.
26 - ثم بعد فراركم من عدوكم أنزل الله الطمأنينة على رسوله، وأنزلها على المؤمنين، فثبتوا للقتال، وأنزل ملائكة لم تروهم، وعذَّب الذين كفروا بما حصل لهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذراري، وذلك الجزاء الذي جوزي به هؤلاء هو جزاء الكافرين المكذبين لرسولهم المعرضين عما جاء به.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• مراتب فضل المجاهدين كثيرة، فهم أعظم درجة عند الله من كل ذي درجة، فلهم المزية والمرتبة العلية، وهم الفائزون الظافرون الناجون، وهم الذين يبشرهم ربهم بالنعيم.
• في الآيات أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وتقديم هذه المحبة على محبة كل شيء.
• تخصيص يوم حنين بالذكر من بين أيام الحروب؛ لما فيه من العبرة بحصول النصر عند امتثال أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وحصول الهزيمة عند إيثار الحظوظ العاجلة على الامتثال.
• فضل نزول السكينة، فسكينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - سكينة اطمئنان على المسلمين الذين معه وثقة بالنصر، وسكينة المؤمنين سكينة ثبات وشجاعة بعد الجَزَع والخوف.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:05 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (191)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/64.jpg


27 - ثم إن من تاب من كفره وضلاله من بعد ذلك التعذيب فإن الله يتوب عليه، ويقبل توبته، والله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم، حيث يقبل منهم التوبة بعد الكفر وارتكاب المعاصي.
28 - يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله واتبعوا ما شرعه لهم، إنما المشركون نجس؛ لما فيهم من الكفر والظلم والأخلاق الذميمة والعادات السيئة؛ فلا يدخلوا الحرم المكي -ومن ضمنه المسجد الحرام- ولو كانوا حُجاجًا أو معتمرين بعد عامهم هذا الذي هو سنة تسع للهجرة، وإن خفتم -أيها المؤمنون- فقرًا بسبب انقطاع ما كانوا يجلبون إليكم من الأطعمة والتجارات المختلفة فإن الله سيكفيكم من فضله إن شاء، إن الله عليم بحالكم التي أنتم عليها، حكيم فيما يدبره لكم.
29 - قاتلوا -أيها المؤمنون- الكافرين الذين لا يؤمنون بالله إلهًا لا شريك له، يؤمنون بيوم القيامة، ولا يجتنبون ما حرمه الله ورسوله عليهم من الميتة ولحم الخنزير والخمر والربا، ولا يخضعون لما شرعه الله، من اليهود والنصارى حتى يعطوا الجزية بأيديهم أذلاء مقهورين.
30 - إن كلًّا من اليهود والنصارى مشركون، فاليهود أشركوا بالله لما ادعوا أن عُزيرًا ابنُ الله، والنصارى أشركوا به لما ادعوا أن المسيح عيسى ابنُ الله، ذلك القول الذي افتروه قالوه بأفواههم دون إقامة برهان عليه، وهم يشابهون في هذا القول قول المشركين من قبلهم الذين قالوا: إن الملائكة بناتُ الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، أهلكهم الله، كيف يُصْرَفون عن الحق البيِّن إلى الباطل؟!
31 - جعل اليهود علماءهم، والنصارى عُبَّادهم؛ أربابًا من دون الله، يحلون لهم ما حرمه الله عليهم، ويحرمون عليهم ما أحله الله لهم، وجعل النصارى المسيح عيسى بن مريم إلهًا مع الله، وما أمر الله علماء اليهود وعُبَّاد النصارى وما أمر عزيرًا وعيسى بن مريم إلا أن يعبدوه وحده، ولا يشركوا به شيئًا، فهو سبحانه إله واحد، لا معبود بحق سواه، تنزه سبحانه، وتقدس أن يكون له شريك كما يقول هؤلاء المشركون وغيرهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• في الآيات دليل على أن تعلق القلب بأسباب الرزق جائز، ولا ينافي التوكل.
• في الآيات دليل على أن الرزق ليس بالاجتهاد، وإنما هو فضل من الله تعالى تولى قسمته.
• الجزية واحد من خيارات ثلاثة يعرضها الإسلام على الأعداء، يقصد منها أن يكون الأمر كله للمسلمين بنزع شوكة الكافرين.
• في اليهود من الخبث والشر ما أوصلهم إلى أن تجرؤوا على الله، وتنقَّصوا من عظمته سبحانه.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:09 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (192)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/65.jpg


32 - يريد هؤلاء الكفار وغيرهم ممن هم على ملة من ملل الكفر بافتراءاتهم هذه وتكذيبهم بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يقضوا على الاسلام ويبطلوه، ويبطلوا ما جاء فيه من الحجج الواضحة والبراهين الجلية على توحيد الله، وأن ما جاء به رسوله حق، ويأبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يكمل دينه ويظهره، ويعليه على غيره، ولو كره الكافرون إكمال دينه وإظهاره وإعلاءه فإن الله مُتِمُّه ومُظْهِرُه ومُعْلِيه، وإذا أراد الله أمرًا بطلت إرادة غيره.
33 - والله سبحانه هو الذي أرسل رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن الذي هو هدى للناس، وبدين الحق الذي هو دين الإسلام ليُعْلِيه بما فيه من الحجج والبراهين والأحكام على غيره من الأديان، ولو كره المشركون ذلك.
34 - يا أيها الذين آمنوا، وعملوا بما شرعه الله لهم، إن كثيرًا من علماء اليهود، وكثيرًا من عُبَّاد النصارى، ليأخذون أموال الناس بغير حق شرعي، فهم يأخذونها بالرشوة وغيرها، وهم يمنعون الناس من الدخول في دين الله. والذين يجمعون الذهب والفضة، ولا يؤدون ما يجب عليهم من زكاتها، فأخبرهم -أيها الرسول- بما يسوؤهم يوم القيامة من عذاب موجع.
35 - يوم القيامة يوقد على ما جمعوه ومنعوا حقه في نار جهنم، فإذا اشتدت حرارتها وُضِعَت على جباههم وعلى جنوبهم وعلى ظهورهم، ويقال لهم على سبيل التوبيخ: هذه هي أموالكم التي جمعتموها ولم تؤدوا الحقوق الواجبة فيها، فذوقوا وبال ما كنتم تجمعونه ولا تؤدون حقوقه، وعاقبة ذلك.
36 - إن عدد شهور السنة في حكم الله وقضائه اثنا عشر شهرًا، فيما أثبته الله في اللوح المحفوظ أول ما خلق السماوات والأرض، من هذه الأشهر الاثني عشر أربعة أشهر حرَّم الله فيهن القتال، وهي ثلاثة سرد: (ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم)، وواحد فرد، وهو (رجب). ذلك المذكور من عدد شهور السنة، ومن تحريم أربعة منها، هو الدين المستقيم، فلا تظلموا في هذه الأشهر الحُرُم أنفسكم بإيقاع القتال فيها، وهتك حرمتها، وقاتلوا المشركين جميعًا كما أنهم يقاتلونكم جميعًا، واعلموا أن الله مع الذين يتقونه بامتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه بالنصر والتثبيت، ومن كان الله معه فلن يغلبه أحد.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• دين الله ظاهر ومنصور مهما سعى أعداؤه للنيل منه حسدًا من عند أنفسهم.
• تحريم أكل أموال الناس بالباطل، والصد عن سبيل الله تعالى.
• تحريم اكتناز المال دون إنفاقه في سبيل الله.
• الحرص على تقوى الله في السر والعلن، خصوصًا عند قتال الكفار؛ لأن المؤمن يتقي الله في كل أحواله.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:14 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (193)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/66.jpg


37 - إن التأخير لحرمة شهر مُحرَّم إلى شهر غير مُحرَّم وجَعْله مكانه -كما كان يفعل العرب في الجاهلية- زيادة في الكفر على كفرهم بالله؛ حيث كفروا بحكمه في الأشهر الحُرُم، يُضِل بها الشيطان الذين كفروا بالله حين سنَّ لهم هذه السُّنَّة السيئة، يحلون الشهر الحرام عامًا بإبداله بشهر من شهور الحل، ويبقونه على تحريمه عامًا ليوافقوا عدد الأشهر التي حرم الله وإن خالفوا أعيانها، فلا يحلون شهرًا إلا حرموا مكانه شهرًا، فيحلون بذلك ما حرمه الله من الأشهر الحرم، ويخالفون حكمه، حسَّن لهم الشيطان الأعمال السيئة فعملوها، ومنها ما ابتدعوه من النسيء، والله لا يوفق الكافرين المُصِرِّين على كفرهم.
38 - يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا بما شرعه لهم، ما شأنكم إذا دُعِيتم إلى الجهاد في سبيل الله لقتال عدوكم تباطأتم، وملتم إلى الاستقرار في مساكنكم؟! أرضيتم بمتاع الحياة الدنيا الزائلة ولذاتها المنقطعة عوضًا عن نعيم الآخرة الدائم الَّذي أعده الله للمجاهدين في سبيله؟! فما متاع الحياة الدنيا في جنب الآخرة إلا حقير، فكيف لعاقل أن يختار فانيًا على باق، وحقيرًا على عظيم؟!
39 - إن لم تخرجوا -أيها المؤمنون- للجهاد في سبيل الله لقتال عدوكم يعاقبكم الله بالقهر والإذلال وغيره، ويستبدل بكم قومًا مطيعين لله إذا استنفروا للجهاد نفروا، ولا تضروه شيئًا بمخالفتكم أمره، فهو غني عنكم، وأنتم الفقراء إليه، والله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء، فهو قادر على نصر دينه ونبيه من دونكم.
40 - إن لم تنصروا -أيها المؤمنون- رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتستجيبوا لدعوته للجهاد في سبيل الله، فقد نصره الله دون أن تكونوا معه حين أخرجه المشركون هو وأبا بكر رضي الله عنه - لا ثالث لهما حين كانا في غار ثور مستخفيَيْن من الكفار الذين كانوا يبحثون عنهما، حين يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبه أبي بكر الصديق حين خاف عليه أن يدركه المشركون: لا تحزن إن الله معنا بتأييده ونصره، فأنزل الله الطمأنينة على قلب رسوله، وأنزل عليه جنودًا لا تشاهدونهم وهم الملائكة يؤيدونه، وصيَّر كلمة المشركين السفلى، وكلمة الله هي العليا حين أعلى الإسلام، والله عزيز في ذاته وقهره وملكه يغالبه أحد، حكيم في تدبيره وقدره وشرعه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• العادات المخالفة للشرع بالاستمرار عليها دونما إنكار لها يزول قبحها عن النفوس، وربما ظُن أنها عادات حسنة.
• عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب، لما فيها من المضار الشديدة.
• فضيلة السكينة، وأنها من تمام نعمة الله على العبد في أوقات الشدائد والمخاوف التي تطيش فيها الأفئدة، وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه، وثقته بوعده الصادق، وبحسب إيمانه وشجاعته.
• أن الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصدِّيقين وخاصة عند الخوف على فوات مصلحة عامة.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:19 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (194)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/67.jpg


41 - سيروا -أيها المؤمنون- للجهاد في سبيل الله في العسر واليسر، شبابًا وشيوخًا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم، فإن ذلك الخروج والجهاد بالأموال والأنفس أكثر نفعًا في الحياة الدنيا والآخرة من القعود والتعلق بسلامة الأموال والأنفس، إن كنتم تعلمون ذلك فاحرصوا عليه.
42 - لو كان ما تدعون إليه الذين استأذنوك من المنافقين في التخلف غنيمة سهلة وسفرًا لا مشقة فيه لاتبعوك -أيها النبي- ولكن بَعُدَت عليهم المسافة التي دعوتهم لقطعها إلى العدو فتخلفوا، وسيحلف بالله هؤلاء المستأذنون من المنافقين في التخلف عندما ترجع إليهم قائلين: لو استطعنا الخروج إلى الجهاد معكم لخرجنا، يهلكون أنفسهم بتعريضها لعقاب الله بسبب تخلفهم وبسبب هذا الأيمان الكاذية، والله يعلم أنهم كاذبون. في دعواهم، وفي أيمانهم هذه.
43 - عفا الله عنك -أيها الرسول- اجتهادك في الإذن لهم في التخلف، فلم سمحت لهم فيه؟ حتَّى يتضح لك الصادقون في أعذارهم التي قدموها، والكاذبون فيها، فتأذن للصادقين منهم دون الكاذبين.
44 - ليس من شأن المؤمنين بالله، وبيوم القيامة إيمانًا صادقًا أن يطلبوا منك -أيها الرسول- الإذن في التخلف عن الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، بل شأنهم أن ينفروا متى استنفرتهم، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، والله عليم بالمتقين من عباده الذين لا يستأذنونك إلا لأعذار تمنعهم من الخروج معك.
45 - إن الذين يطلبون منك -أيها الرسول- الإذن في التخلف عن الجهاد في سبيل الله هم المنافقون الذين لا يؤمنون بالله ولا يؤمنون بيوم القيامة، وأصاب قلوبهم الشك في دين الله، فهم في شكهم يترددون حيارى لا يهتدون إلى الحق.
46 - ولو كانوا صادقين في دعوى أنهم يريدون الخروج معك للجهاد في سبيل الله لتأهبوا له بإعداد العدة، ولكن أبغض الله خروجهم معك، فثقل عليهم الخروج حتَّى آثروا القعود في منازلهم.
ولما كان تخلف هؤلاء قد يُحزن المؤمنين طمأنهم الله بأن خروجهم أكثر ضررًا من تخلفهم فقال:
47 - من الخير ألا يخرج هؤلاء المنافقون معكم، فهم إن خرجوا معكم ما زادوكم إلا فسادًا بما يقومون به من التخذيل وإلقاء الشبه، ولأسرعوا في صفوفكم بنشر النميمة لتفريقكم، وفيكم -أيها المؤمنون- من يستمع إلى ما يروِّجونه من الكذب، فيقبله وينشره، فينشأ الاختلاف بينكم، والله عليم بالظالمين من المنافقين الذين يلقون الدسائس والشكوك بين المؤمنين.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب الجهاد بالنفس والمال كلما دعت الحاجة .. الأيمان الكاذبة توجب الهلاك.
• وجوب الاحتراز من العجلة، ووجوب التثبت والتأني، وترك الاغترار بظواهر الأمور، والمبالغة في التفحص والتريث.
• من عناية الله بالمؤمنين تثبيطه المنافقين ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين، رحمة بالمؤمنين ولطفًا من أن يداخلهم من لا ينفعهم بل يضرهم.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:25 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (195)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/68.jpg


48 - لقد حرص هؤلاء المنافقون على الإفساد بتفريق كلمة المؤمنين، وتشتيت شملهم من قبل غزوة تبوك، ونوَّعوا وصرَّفوا لك -أيها الرسول- الأمور بتدبير الحيل، لعل حيلهم تؤثر في عزمك على الجهاد، حتَّى جاء نصر الله وتأييده لك، وأعز الله دينه وقهر أعداءه، وهم كارهون لذلك؛ لأنهم كانوا يرغبون في انتصار الباطل على الحق.
49 - ومن المنافقين من يعتذر بالأعذار المُخْتلَقَة فيقول: يا رسول الله، ائذن لي في التخلف عن الجهاد، ولا تحملني على الخروج معك حتَّى لا أصيب ذنبًا بسبب فتنة نساء العدو -الروم- إذا شاهدتهن. ألا قد وقعوا في فتنة أعظم مما زعموا، وهي فتنة النفاق، وفتنة التخلف، إن جهنم يوم القيامة لمحيطة بالكافرين، لا يفوتها منهم أحد، ولا يجدون عنها مهربًا.
50 - إن نالتك -يا رسول الله- نعمة من الله بما يسرك من نصر أو غنيمة كرهوا ذلك، وحزنوا له، وإن نالتك مصيبة من شدة أو انتصار عدو يقول هؤلاء المنافقون: قد احتطنا لأنفسنا، وأخذنا بالحزم حين لم نخرج للقتال كما خرج المؤمنون، فأصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، ثم ينصرف هؤلاء المنافقون إلى أهليهم مسرورين بالسلامة.
51 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المنافقين: لن ينالنا إلا ما كتبه الله لنا، فهو سبحانه سيدنا وملجؤنا الَّذي نلجأ إليه، ونحن متوكلون عليه في أمورنا، واليه وحده يفوض المؤمنون أمورهم، فهو كافيهم، ونعم الوكيل.
52 - قل -أيها الرسول- لهم: هل تنتظرون أن يقع لنا إلا النصر أو الشهادة؟! ونحن ننتظر أن ينزل بكم الله عذابًا من عنده يهلككم أو يعذبكم بأيدينا بقتلكم وأسركم إذا أذن لنا بقتالكم، فانتظروا عاقبتنا، إنا منتظرون عاقبتكم.
53 - قل -أيها الرسول- لهم: ابذلوا ما تبذلون من أموالكم طوعًا أو كرهًا، لن يتقبل منكم ما أنفقتم منها لكفركم وخروجكم عن طاعة الله.
54 - وما منعهم من قبول نفقاتهم إلا ثلاثة أمور: كفرهم بالله وبرسوله، وكسلهم وتثاقلهم إذا صَلَّوا، وأنهم لا ينفقون أموالهم طوعًا، وإنما ينفقونها كرهًا؛ لأنهم لا يرجون ثوابًا في صلاتهم، ولا في إنفاقهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• دأب المنافقين السعي إلى إلحاق الأذى بالمسلمين عن طريق الدسائس والتجسس.
• التخلف عن الجهاد مفسدة كبرى وفتنة عظمى محققة، وهي معصية لله ومعصية لرسوله.
• في الآيات تعليم للمسلمين ألا يحزنوا لما يصيبهم؛ لئلا يَهِنوا وتذهب قوتهم، وأن يرضوا بما قدَّر الله لهم، ويرجوا رضا ربهم؛ لأنهم واثقون بأن الله يريد نصر دينه.
• من علامات ضعف الإيمان وقلة التقوى التكاسل في أداء الصلاة والإنفاق عن غير رضا ورجاء للثواب.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:29 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (196)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/69.jpg


55 - فلا تعجبك -أيها الرسول- أموال المنافقين ولا أولادهم، ولا تستحسنها، فعاقبة أموالهم وأولادهم سيئة، فالله يجعلها عذابًا عليهم بالكد والتعب لتحصيلها، وبما ينزل من مصائب فيها إلى أن يخرج الله أرواحهم حال كفرهم فيعذبون بالخلود في الدرك الأسفل من النار.
56 - ويقسم المنافقون لكم -أيها المؤمنون- كاذبين: إنهم لمن جملتكم، وهم ليسوا منكم في بواطنهم، وإن أظهروا أنهم منكم، لكنهم قوم يخافون أن يحل بهم ما حل بالمشركين من القتل والسبي، فيظهرون الإسلام تقية.
57 - لو يجد هؤلاء المنافقون ملجأ من حصن يحفظون فيه أنفسهم، أو يجدون كهوفًا في الجبال يختبئون فيها، أو يجدون نفقًا يدخلون فيه لالتجؤوا إليه، ودخلوا فيه وهم مسرعون.
58 - ومن المنافقين من يعيبك -أيها الرسول- في قسمة الصدقات عندما لا ينالون منها ما يريدون، فإن أعطيتهم منها ما يطلبون رضوا عنك، وإن لم تعطهم ما يطلبون منها أظهروا التذمر.
59 - ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يعيبونك في قسمة الصدقات رضوا بما فرضه الله لهم، وبما أعطاهم رسوله منها، وقالوا: كافينا الله، سيعطينا الله من فضله ما شاء، وسيعطينا رسوله مما أعطاه الله، إنا إلى الله وحده راغبون أن يعطينا من فضله، لو أنهم فعلوا ذلك لكان خيرًا لهم من أن يعيبوك.
ولما عابوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قسمتها بيَّن لهم مصارفها ومستحقيها تبرئة لرسوله، فقال:

60 - إنما الزكوات الواجبة يجب أن تصرف للفقراء، وهم المحتاجون الذين لديهم مال من مهنة أو وظيفة، لكنه لا يكفيهم ولا يُتَنَبَّه لحالهم، والمساكين الذين لا يكادون يملكون شِيئًا ولا يَخْفوْنَ على الناس بسبب حالهم أو مقالهم، وللسعاة الذين يرسلهم الإمام لجمعها، وللكفار الذين يُتَأَلَّفون بها ليسلموا، أو لضعفة الإيمان ليقوى إيمانهم، أو لمن يُدْفع بها شره، وتصرف في الأرِقَّاء ليعتقوا بها، وللمدينين في غير إسراف ولا معصية إن لم يجدوا وفاء لما عليهم من دين، وتصرف في تجهيز المجاهدين في سبيل الله، وللمسافر الَّذي انقطعت نفقته. قَصْر صرف الزكوات على هؤلاء فريضة من الله، والله عليم بمصالح عباده، حكيم في تدبيره وشرعه.
61 - ومن المنافقين من يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكلام، فيقولون لمَّا شاهدوا حلمه - صلى الله عليه وسلم -: إنه يسمع من كلّ أحد ويصدقه، ولا يميز بين الحق والباطل، قل لهم -أيها الرسول-: إن الرسول لا يسمع إلا الخير، يصدق بالله، ويصدق ما يخبر به المؤمنون الصادقون ويرحمهم، فإن بعثته رحمة لمن آمن به، والذين يؤذونه - صلى الله عليه وسلم - بأي نوع من أنواع الإيذاء لهم عذاب موجع.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأموال والأولاد قد تكون سببًا للعذاب في الدنيا، وقد تكون سببًا للعذاب في الآخرة، فليتعامل العبد معهما بما يرضي مولاه، فتتحقق بهما النجاة.
• توزيع الزكاة موكول لاجتهاد ولاة الأمور يضعونها على حسب حاجة الأصناف وسعة الأموال.
• إيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق برسالته كفر، يترتب عليه العقاب الشديد.
• ينبغي للعبد أن يكون أذن خير لا أذن شر، يستمع ما فيه الصلاح والخير، ويعرض ترفعًا وإباء عن سماع الشر والفساد.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:38 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (197)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/70.jpg


62 - يقسم المنافقون بالله لكم -أيها المؤمنون- أنهم لم يقولوا شيئًا يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذلك ليرضوكم عنهم، والله ورسوله أولى بالإرضاء بالإيمان والعمل الصالح إن كان هؤلاء مؤمنين حقًّا.
63 - ألم يعلم هؤلاء المنافقون أنهم بعملهم هذا معادون لله ولرسوله، وأن من يعاديهما يدخل يوم القيامة نار جهنم ماكثًا فيها أبدًا؟! ذلك الهوان والذل الكبير.
64 - يخاف المنافقون أن ينزل الله على رسوله سورة تُطلِع المؤمنين على ما يضمرونه هم من الكفر، قل -أيها الرسول-: استمروا -أيها المنافقون- على سخريتكم وطعنكم في الدين، فالله مخرج ما تخافون بإنزال سورة أو بإخبار رسوله بذلك.
65 - ولئن سألت -أيها الرسول- المنافقين عما قالوا من الطعن وسب المؤمنين بعد إخبار الله لك به ليقولنّ: كنا في حديث نمزح فيه ولم نكن جادين، قل -أيها الرسول-: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟!
66 - لا تعتذروا بهذه الأعذار الكاذبة، فقد أظهرتم الكفر باستهزائكم بعد أن كنتم تضمرونه، إن نتجاوز عن فريق منكم لتركه النفاق وتوبته منه وإخلاصه لله، نعذب فريقًا منكم لإصرارهم على النفاق وعدم توبتهم منه.
67 - المنافقون رجالًا ونساءً متفقون في أحوال النفاق، وهم على النقيض من المؤمنين، فهم يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ويبخلون بأموالهم فلا ينفقونها في سبيل الله، تركوا الله أن يطيعوه، فتركهم الله من توفيقه، إن المنافقين هم الخارجون عن طاعة الله وطريق الحق إلى معصيته وطريق الضلال.
68 - وَعَدَ الله المنافقين والكفار الذين لم يتوبوا أن يدخلهم نار جهنم ماكثين فيها أبدًا، هي كافيتهم عقابًا، وطردهم الله من رحمته، ولهم عذاب مستمر.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• قبائح المنافقين كثيرة، ومنها الإقدام على الأيمان الكاذبة، ومعاداة الله ورسوله، والاستهزاء بالقرآن والنبي والمؤمنين، والتخوف من نزول سورة في القرآن تفضح شأنهم، واعتذارهم بأنهم هازلون لاعبون، وهو إقرار بالذنب، بل هو عذر أقبح من الذنب.
• لا يُقبل الهزل في الدين وأحكامه، ويعد الخوض بالباطل في كتاب الله ورسله وصفاته كفرًا.
• النّفاق: مرض عُضَال متأصّل في البشر، وأصحاب ذلك المرض متشابهون في كل عصر وزمان في الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف، وقَبْض أيديهم وإمساكهم عن الإنفاق في سبيل الله للجهاد، وفيما يجب عليهم من حق.
• الجزاء من جنس العمل، فالذي يترك أوامر الله ويأتي نواهيه يتركه من رحمته.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:43 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (198)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/71.jpg


69 - أنتم -يا معشر المنافقين- في الكفر والاستهزاء مثل الأمم المكذبة من قبلكم، كانوا أعظم قوة منكم وأكثر أموالًا وأولادًا، فتمتعوا بنصيبهم المكتوب لهم من ملذات الدنيا وشهواتها، فتمتعتم أنتم -أيها المنافقون- بنصيبكم المقدر لكم من ذلك مثل تَمَتُّع الأمم المكذبة السابقة بنصيبهم، وخضتم في التكذيب بالحق والطعن في الرسول مثل خوضهم في التكذيب به والطعن علي رسلهم، أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة هم الذين بطلت أعمالهم لفسادها عند الله بالكفر، وهم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك.
70 - ألم يأت هؤلاء المنافقين خبرُ ما فعلتْه الأممُ المكذِّبة، وما فُعِل بها من عقاب: قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم إبراهيم، وأصحاب مدين، وقرى قوم لوط؛ جاءتهم رسلهم بالبراهين الواضحة والحجج الجلية، فما كان الله ليظلمهم؛ فقد أنذرتهم رسلهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بما كانوا عليه من الكفر بالله وتكذيب رسله.
71 - والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أنصار بعض وأعوانهم؛ لجمع الإيمان بينهم، يأمرون بالمعروف؛ وهو كل محبوب لله تعالى من وجوه طاعته كالتوحيد والصلاة، وينهون عن المنكر؛ وهو كل ما أبغضه الله تعالى من المعاصي كالكفر والربا، ويؤدون الصلاة كاملة على أكمل وجه، ويطيعون الله، ويطيعون رسوله؛ أولئك المتصفون بهذه الصفات الحميدة سيدخلهم الله في رحمته، إن الله عزيز، لا يغالبه أحد، حكيم في خلقه وتدبيره وشرعه.
72 - وَعَدَ الله المؤمنين بالله والمؤمنات به أن يدخلهم يوم القيامة جنات تجري الأنهار من تحت قصورها ماكثين فيها دائمًا، لا يموتون فيها ولا ينقطع نعيمهم، هم أن يدخلهم مساكن حسنة في جنات إقامة، ورضوان يحله الله عليهم أكبر من ذلك كله، ذلك الجزاء المذكور هو الفوز العظيم الَّذي لا يدانيه فوز.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• سبب العذاب للكفار والمنافقين واحد في كل العصور، وهو إيثار الدّنيا على الآخرة والاستمتاع بها، وتكذيب الأنبياء والمكر والخديعة والغدر بهم.
• إهلاك الأمم والأقوام الغابرة بسبب كفرهم وتكذيبهم الأنبياء فيه عظة وعبرة للمعتبر من العقلاء.
• أهل الإيمان رجالًا ونساء أمة واحدة مترابطة متعاونة متناصرة، قلوبهم متحدة في التوادّ والتحابّ والتعاطف.
• رضا رب الأرض والسماوات أكبر من نعيم الجنات؛ لأن السعادة الروحانية أفضل من الجسمانية.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 02:48 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (199)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/72.jpg


73 - يا أيها الرسول، جاهد الكفار بقتالهم بالسيف، وجاهد المنافقين باللسان والحجة، واشدد على الفريقين؛ فهم أهل لذلك، ومقرهم يوم القيامة جهنم، المصير مصيرهم.
74 - يحلف المنافقون بالله كاذبين: ما قالوا ما بلغك عنهم من السب لك والعيب لدينك، ولقد قالوا ما بلغك عنهم مما يكفِّرهم، وأظهروا الكفر بعد إظهارهم الإيمان، ولقد هَمُّوا بما لم يظفروا به من الفتك بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وما أنكروا شيئًا إلا شيئًا لا يُنْكَر، وهو أن الله تفضل عليهم بإغنائهم من الغنائم التي منّ بها على نبيه، فإن يتوبوا إلى الله من نفاقهم تكن توبتهم منه خيرًا لهم من البقاء عليه، وإن يتولوا عن التوبة إلى الله يعذبهم عذابًا موجعًا في الدنيا بالقتل والأسر، ويعذبهم عذابًا موجعًا في الآخرة بالنار، وليس لهم ولي يتولاهم فينقذهم من العذاب، ولا ناصر يدفع عنهم العذاب.
75 - ومن المنافقين من عاهد الله قائلًا: لئن أعطانا الله من فضله لنتصدقن على المحتاجين، ولنكونن من الصالحين الذين صلحت أعمالهم.
76 - فلما أعطاهم الله سبحانه من فضله لم يفوا بما عاهدوا الله عليه، بل منعوا أموالهم فلم يتصدقوا بشيء، وتولوا وهم معرضون عن الإيمان.
77 - فجعل عاقبتهم نفاقًا ثابتًا في قلوبهم إلى يوم القيامة، عقابًا لهم على إخلافهم لعهد الله، وعلى كذبهم.
78 - ألم يعلم المنافقون أن الله يعلم ما يخفون من الكيد والمكر في مجالسهم، وأن الله سبحانه علام الغيوب؟ فلا يخفى عليه من أعمالهم شيء، وسيجازيهم عليها.
79 - الذين يعيبون المتطوعين من المؤمنين ببذل الصدقات اليسيرة، الذين لا يجدون إلا شيئًا قليلًا هو حاصل ما يقدرون عليه، فيسخرون منهم قائلين: ماذا تجدي صدقتهم؟! سخر الله منهم جزاء على سخريتهم بالمؤمنين، ولهم عذاب موجع.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب جهاد الكفار والمنافقين، فجهاد الكفار باليد وسائر أنواع الأسلحة الحربية، وجهاد المنافقين بالحجة واللسان.
• المنافقون من شرّ الناس؛ لأنهم غادرون يقابلون الإحسان بالإساءة.
• في الآيات دلالة على أن نقض العهد وإخلاف الوعد يورث النفاق، فيجب على المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه.
• في الآيات ثناء على قوة البدن والعمل، وأنها تقوم مقام المال، وهذا أصل عظيم في اعتبار أصول الثروة العامة والتنويه بشأن العامل.

ابو وليد البحيرى
2019-12-21, 03:11 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (200)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/73.jpg


80 - اطلب -أيها الرسول- المغفرة لهم، أو لا تطلبها لهم، فإن طلبتها سبعين مرة، فإنها على كثرتها لن توصل إلى مغفرة الله لهم؛ لأنهم كافرون بالله ورسوله، والله لا يوفق للحق الخارجين عن شرعه عن عمد وقصد.
81 - فرح المتخلفون من المنافقين عن غزوة تبوك بقعودهم عن الجهاد في سبيل الله مخالفين رسول الله، وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله كما يجاهد المؤمنون، وقالوا مثبطين لإخوانهم من المنافقين: لا تسيروا في الحرّ، وكانت غزوة تبوك في زمن الحرّ، قل لهم -أيها الرسول-: نار جهنم التي تنتظر المنافقين أشد حرًّا من هذا الحر الَّذي فروا منه لو يعلمون.
82 - فليضحك هؤلاء المنافقون المتخلفون عن الجهاد قليلًا في حياتهم الدنيا الفانية، وليبكوا كثيرًا في حياتهم الآخرة الباقية؛ جزاء على ما كانوا اكتسبوه من الكفر والمعاصي والآثام في الدنيا.
83 - فإن أعادك الله -أيها النبي- إلى فريق من هؤلاء المنافقين ثابت على نفاقه، فطلبوا منك الإذن بالخروج معك في غزوة أخرى، فقل لهم: لن تخرجوا- أيها المنافقون- معي في الجهاد في سبيل الله أبدًا عقوبة لكم، وحذرًا من المفاسد المترتبة على وجودكم معي، فقد رضيتم بالقعود والتخلف في غزوة تبوك، فاقعدوا وابقوا مع المتخلفين من المرضى والنساء والصبيان.
84 - ولا تصلّ -أيها الرسول- على أي ميت من موتى المنافقين أبدًا، ولا تقف على قبره للدعاء له بالمغفرة، ذلك لأنهم كفروا بالله وكفروا برسوله، وماتوا وهم خارجون عن طاعة الله، ومن كان كذلك لا يُصَلَّى عليه ولا يُدْعَى له.
85 - ولا تعجبك -أيها الرسول- أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم، إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا، وذلك بما يعانونه من المشاق في سبيلها، وما يصابون به من مصائب فيها، وأن تخرج أرواحهم من أجسادهم وهم على كفرهم.
86 - وإذا أنزل الله سورة على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - متضمنة للأمر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله طلب الإذن في التخلف عنك أصحاب الغنى واليَسَار منهم، وقالوا: اتركنا نتخلف مع أصحاب الأعذار كالضعفاء والزَّمْنَى.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الكافر لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام كافرًا.
• الآيات تدل على قصر نظر الإنسان، فهو ينظر غالبًا إلى الحال والواقع الَّذي هو فيه، ولا ينظر إلى المستقبل وما يتَمَخَّض عنه من أحداث.
• التهاون بالطاعة إذا حضر وقتها سبب لعقوبة الله وتثبيطه للعبد عن فعلها وفضلها.
• في الآيات دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين، وزيارة قبورهم والدعاء لهم بعد موتهم، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك في المؤمنين.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 04:31 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (201)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/78.jpg


87 - رَضِي هؤلاء المنافقون لأنفسهم الذلة والمهانة حين رَضُوا أن يتخلفوا مع أصحاب الأعذار، وختم الله على قلوبهم بسبب كفرهم ونفاقهم، فهم لا يعلمون ما فيه مصلحتهم.
88 - أما الرسول والمؤمنون معه فلم يتخلفوا عن الجهاد في سبيل الله مثل هؤلاء، وإنما جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وكان جزاؤهم عند الله حصول المنافع الدنيوية لهم كالنصر والغنائم، وحصول المنافع الأخروية، ومنها دخول الجنّة، وحصول الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب.
89 - هيأ الله لهم جنات تجري الأنهار من تحت قصورها ماكثين فيها أبدًا، لا يلحقهم فناء، ذلك الجزاء هو الفلاح العظيم الَّذي لا يدانيه فلاح.
90 - وجاء قوم من أعراب المدينة ومن حولها يعتذرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليأذن لهم في التخلف عن الخروج والجهاد في سبيل الله، وتخلف قوم آخرون لم يعتذروا أصلًا عن الخروج؛ لعدم تصديقهم للنبي ولعدم إيمانهم بوعد الله، سينال هؤلاء بسبب كفرهم هذا عذاب مؤلم موجع.
91 - ليس على النساء والصبيان والمرضى والعجزة والعمي والفقراء الذين لا يجدون ما ينفقونه من المال ليتجهزوا به، ليس على هؤلاء جميعًا إثم في التخلف عن الخروج؛ لأن أعذارهم قائمة، إذا أخلصوا لله ورسوله، وعملوا بشرعه، ليس على المحسنين من أصحاب هذه الأعذار طريق لإيقاع العقاب عليهم، والله غفور لذنوب المحسنين، رحيم بهم.
92 - ولا إثم كذلك على المتخلفين عنك الذين إن جاؤوك -أيها الرسول- يطلبون ما تحملهم عليه من الدواب وقلتَ لهم: لا أجد ما أحملكم عليه من الدواب؛ أدبروا عنك وأعينهم تسيل من الدمع أسفًا على أنهم لم يجدوا ما ينفقون من عند أنفسهم أو من عندك.
93 - لما بيَّن أن لا طريق لعقوبة أهل الأعذار ذكر من يستحق العقوبة والمؤاخذة، فقال: إنما الطريق بالعقوبة والمؤاخذة على أولئك الذين يطلبون منك -أيها الرسول- الإذن في التخلف عن الجهاد وهم قادرون عليه بوجود ما يتجهزون به، رضوا لأنفسهم الذلة والهوان بأن يبقوا مع الخوالف في البيوت، وختم الله على قلوبهم فلا تتأثر بموعظة، وهم بسبب هذا الختم لا يعلمون ما فيه مصلحتهم ليختاروه، وما فيه مفسدتهم ليتجنبوه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• المجاهدون سيحصِّلون الخيرات في الدنيا، وإن فاتهم هذا فلهم الفوز بالجنّة والنجاة من العذاب في الآخرة.
• الأصل أن المحسن إلى الناس تكرمًا منه لا يؤاخَذ إن وقع منه تقصير.
• أن من نوى الخير، واقترن بنيته الجازمة سَعْيٌ فيما يقدر عليه، ثم لم يقدر- فإنه يُنَزَّل مَنْزِلة الفاعل له.
• الإسلام دين عدل ومنطق؛ لذلك أوجب العقوبة والمأثم على المنافقين المستأذنين وهم أغنياء ذوو قدرة على الجهاد بالمال والنفس.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 04:35 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (202)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/79.jpg


94 - يُقَدِّم المنافقون المُتخلِّفون عن الجهاد أعذارًا واهية للمسلمين حين عودتهم من الجهاد، ويوجه الله نبيه والمؤمنين بالرد عليهم: لا تعتذروا بالأعذار الكاذبة، لن نصدقكم فيما أخبرتمونا به منها، قد أعلمنا الله شيئًا مما في نفوسكم، وسيرى الله ورسوله: هل ستتوبون، فيقبل الله توبتكم، أم تستمرون على نفاقكم؟ ثم ترجعون إلى الله الَّذي يعلم كل شيء، فيخبركم بما كنتم تعملون، ويجازيكم عليه، فبادروا إلى التوبة والعمل الصالح.
95 - سيقسم هؤلاء المُتخلِّفون بالله إذا رجعتم -أيها المؤمنون- إليهم تأكيدًا لأعذارهم الباطلة؛ لتكفّوا عن لومهم وتوبيخهم، فاتركوهم ترك ساخط واهجروهم، إنهم أنجاس خبثاء الباطن، ومستقرهم الَّذي يأوون إليه هو جهنم؛ جزاء لهم على ما يكسبونه من النفاق والآثام.
96 - يقسم هؤلاء المُتخلِّفون لكم- أيها المؤمنون- لترضوا عنهم، وتقبلوا أعذارهم، فلا ترضوا عنهم، فإن ترضوا عنهم فقد خالفتم ربكم، فإنه لا يرضى عن القوم الخارجين عن طاعته بالكفر والنفاق؛ فاحذروا -أيها المسلمون- أن ترضوا عمن لا يرضي الله عنه.
97 - أهل البادية إن كفروا أو نافقوا كان كفرهم أشد من كفر غيرهم من أهل الحضر، ونفاقهم أشد من نفاق أولئك، وهم أحرى بالجهل بالدين، وأحق بألا يعلموا الفرائض والسنن وضوابط الأحكام التي أنزلها على رسوله؛ لما هم عليه من الجفاء والغلظة وقلة المخالطة، والله عليم بأحوالهم، لا يخفى عليه منها شيء، حكيم في تدبيره وشرعه.
98 - ومن سكان البادية المنافقين من يعتقد أن ما ينفقه من مال في سبيل الله خسران وغرامة؛ لتوهمه أنَّه لا يؤجر إن أنفق، ولا يعاقبه الله إن أمسك، ولكنه مع هذا ينفق أحيانًا رياءً وتقية، وينتظر أن ينزل بكم -أيها المؤمنون- شر فيتخلص منكم، بل جعل الله ما يتمنونه أن يقع على المؤمنين من الشر ودوران الزمان بما لا تحمد عقباه واقعًا عليهم هم لا على المؤمنين، والله سميع لما يقولونه، عليم بما يضمرونه.
99 - ومن سكان البادية من يؤمن بالله، ويؤمن بيوم القيامة، ويجعل ما ينففه من مال في سبيل الله قربات يتقرب بها إلى الله، ووسيلة للظفر بدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستغفاره له، ألا إن إنفاقه في سبيل الله ودعاء الرسول له قربات له عند الله، سيجد ثوابها عنده بأن يدخله الله في رحمته الواسعة التي تشمل مغفرته وجنته، إن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ميدان العمل والتكاليف خير شاهد على إظهار كذب المنافقين من صدقهم.
• أهل البادية إن كفروا فهم أشد كفرًا ونفاقًا من أهل الحضر؛ لتأثير البيئة.
• الحض على النفقة في سبيل الله مع إخلاص النية، وعظم أجر من فعل ذلك.
• فضيلة العلم، وأن فاقده أقرب إلى الخطأ.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 04:41 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (203)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/80.jpg


100 - الذين بادروا أولًا إلى الإيمان من المهاجرين الذين هاجروا من ديارهم وأوطانهم إلى الله، ومن الأنصار الذين نصروا نبيه - صلى الله عليه وسلم -، والذين اتبعوا المهاجرين والأنصار السابقين إلى الإيمان بإحسان في الاعتقاد والأقوال والأفعال -رضي الله عنهم فقبل طاعتهم، ورضوا عنه لما أعطاهم من ثوابه العظيم، وأعدَّ لهم جنات تجري الأنهار تحت قصورها، ماكثين فيها أبدًا، ذلك الجزاء هو الفلاح العظيم.
101 - ومِمَّن هم قريبون من المدينة من سكان البادية منافقون، ومن أهل المدينة منافقون أقاموا على النفاق وثبتوا عليه، لا تعلمهم -أيها الرسول- الله هو الَّذي يعلمهم، سيعذبهم الله مرتين: مرة في الدنيا بانكشاف نفاقهم وقتلهم وأسرهم، ومرة في الآخرة بعذاب القبر، ثم يردون يوم القيامة إلى عذاب عظيم في الدرك الأسفل من النار.
102 - ومن أهل المدينة قوم آخرون تخلفوا عن الغزو من غير عذر، فأقروا على أنفسهم بأنهم لم يكن لهم عذر، ولم يأتوا بأعذار كاذبة، مزجوا أعمالهم الصالحة السابقة من القيام بطاعة الله، والتمسك بشرائعه، والجهاد في سبيله بعمل سيئ يرجون من الله أن يتوب عليهم، ويتجاوز عنهم، إن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.
103 - خذ -أيها الرسول- من أموالهم زكاة تطهرهم بها من دنس المعاصي والآثام، وتُنَمِّي حسناتهم بها، وادع لهم بعد أخذها منهم، إن دعاءك رحمة لهم وطمأنينة، والله سميع لدعائك، عليم بأعمالهم ونياتهم.
104 - ليعلم هؤلاء المتخلفون عن الجهاد والتائبون إلى الله أن الله يقبل التوبة من عباده التائبين إليه، وأنه يقبل الصدقات وهو غني عنها، ويثيب المتصدق على صدقته، وأنه سبحانه هو التواب على من تاب من عباده، الرحيم بهم.
105 - وقل -أيها الرسول- لهؤلاء المُتخَلِّفين عن الجهاد والتائبين من ذنبهم: اجبروا ضرر ما فاتكم، وأخلصوا أعمالكم لله، واعملوا بما يرضيه، فسيرى الله ورسوله والمؤمنون أعمالكم، وسترجعون يوم القيامة إلى ربكم الَّذي يهلم كل شيء، فيعلم ما تسرون وما تعلنون، وسيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا، ويجازيكم عليه.
106 - ومن المُتخَلِّفين عن غزوة تبوك قوم آخرون لم يكن لهم عذر، فهؤلاء مُؤخَّرون لقضاء الله وحكمه فيهم، يحكم فيهم بما يشاء: إما أن يعذبهم إن لم يتوبوا إليه، وإما أن يتوب عليهم إن تابوا، والله عليم بمن يستحق عقابه، وبمن يستحق عفوه، حكيم في شرعه وتدبيره، وهؤلاء هم: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• فضل المسارعة إلى الإيمان، والهجرة في سبيل الله، ونصرة الدين، واتباع طريق السلف الصالح.
• استئثار الله عز وجل بعلم الغيب، فلا يعلم أحد ما في القلوب إلا الله.
• الرجاء لأهل المعاصي من المؤمنين بتوبة الله عليهم ومغفرته لهم إن تابوا وأصلحوا عملهم.
• وجوب الزكاة وبيان فضلها وأثرها في تنمية المال وتطهير النفوس من البخل وغيره من الآفات.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 04:46 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (204)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/81.jpg

107 - ومن المنافقين أيضًا أولئك الذين ابتنوا مسجدًا لغير طاعة الله، بل للإضرار بالمسلمين، وإظهار الكفر بتقوية أهل النفاق، وللتفريق بين المؤمنين، وللإعداد والانتظار لمن حارب الله ورسوله من قبل بناء المسجد، وليحلفن هؤلاء المنافقون لكم: ما قصدنا إلا الرفق بالمسلمين، والله يشهد إنهم لكاذبون في دعواهم هذه.
108 - مسجد هذه صفته لا تستجب -أيها النبي- لدعوة المنافقين لك للصلاة فيه، فإن مسجد قباء الَّذي أُسِّس أول ما أُسِّس على التقوى أولى بأن تصلي فيه من هذا المسجد الَّذي أُسِّس على الكفر، في مسجد قباء رجال يحبون أن يتطهروا من الأحداث والأخباث بالماء، ومن المعاصي بالتوبة والاستغفار، والله يحب المتطهرين من الأحداث والأخباث والذنوب.
109 - أيستوي مَن أَسَّس بنيانه على تقوى من الله بامتثال أوامر جتناب نواهيه، ورضوان الله بالتوسع في أعمال البر مع من بنى مسجدًا للإضرار بالمسلمين وتقوية الكفر، والتفريق بين المؤمنين؟! لا يستويان أبدًا، فالأول بنيانه قوي متماسك لا يخشى عليه السقوط، وهذا مثله كمثل من بنى بنيانًا على شفير حفرة فتهدم وسقط، فانهار به بنيانه في قعر جهنم، والله لا يوفق القوم الظالمين بالكفر والنفاق وغير ذلك.
110 - لا يزال مسجدهم الَّذي بنوه ضرارًا شكًّا ونفاقًا ثابتًا في قلوبهم حتَّى تتقطع قلوبهم بالموت أو القتل بالسيف، والله عليم بأعمال عباده، حكيم فيما يحكم به من جزاء على الخير أو الشر.
ولما بيَّن الله فضائح المنافقين المتخلفين عن الجهاد ذكر جزاء المجاهدين في سبيله فقال:
111 - إن الله سبحانه اشترى من المؤمنين أنفسهم -مع أنهم ملكه؛ تفضُّلًا منه- بثمن غال هو الجنّة، حيث يقاتلون الكفار لتكون كلمة الله هي العليا، فيقتلون الكفار، ويقتلهم الكفار، وعبد الله بذلك وعدًا صدقًا في التوراة: كتاب موسى، والإنجيل: كتاب عيسى عليه السلام، والقرآن: كتاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد أوفى بعهده من الله سبحانه؛ فافرحوا وسروا -أيها المؤمنون- ببيعكم الَّذي بايعتم به الله، فقد ربحتم فيه ربحًا عظيمًا، وذلك البيع هو الفلاح العظيم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• محبة الله ثابتة للمتطهرين من الأنجاس البدنية والروحية.
• لا يستوي من عمل عملًا قصد به وجه الله؛ فهذا العمل هو الَّذي سيبقى ويسعد به صاحبه، مع من قصد بعمله نصرة الكفر ومحاربة المسلمين؛ وهذا العمل هو الَّذي سيفنى ويشقى به صاحبه.
• مشروعية الجهاد والحض عليه كانت في الأديان التي قبل الإسلام أيضًا.
• كل حالة يحصل بها التفريق بين المؤمنين فإنها من المعاصي التي يتعين تركها وإزالتها، كما أن كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وائتلافهم يتعين اتباعها والأمر بها والحث عليها.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 04:52 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (205)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/82.jpg


112 - هؤلاء الحاصلون على هذا الجزاء هم الراجعون مما كرهه الله وسخطه إلى ما يحبه ويرضاه، الذين ذلُّوا خشية لله وتواضعًا فجاوا في طاعته، الحامدون لربهم على كل حال، الصائمون، المصلون، الآمرون بما أمر الله به أو أمر به رسوله، الناهون عما نهى الله عنه ورسوله، الحافظون لأوامر الله بالاتباع، ولنواهيه بالاجتناب، وأَخْبِر -أيها الرسول- المؤمنين المتصفين بهذه الصفات بما يسرهم في الدنيا والآخرة.
113 - لا ينبغي للنبي ولا ينبغي للمؤمنين أن يطلبوا المغفرة من الله للمشركين، ولو كانوا أقرباءهم، من بعدِ ما اتضح لهم أنهم من أصحاب النار؛ لموتهم على الشرك.
114 - وما كان طلب إبراهيم المغفرة لأبيه إلا بسبب وعده إياه ليطلبنّها له؛ رجاء أن يسلم، فلما اتضح لإبراهيم أن أباه عدو لله لعدم نفع النصح فيه، أو لعلمه بوحي أنَّه يموت كافرًا تبرأ منه، وكان استغفاره له اجتهادًا منه، لا مخالفة لحكم أوحى الله إليه به، إن إبراهيم عليه السلام كثير التضرع إلى الله، كثير الصفح والتجاوز عن قومه الظالمين.
115 - وما كان الله ليحكم على قوم بالضلال بعد أن وفقهم للهداية حتَّى يبين لهم المحرمات التي يجب اجتنابها، فإن ارتكبوا ما حرم عليهم بعد بيان تحريمه حكم عليهم بالضلال، إن الله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء، وقد علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون.
116 - إن الله له ملك السماوات وملك الأرض، لا شريك له فيهما، لا يخفى عنه فيهما خافية، يُحْيِي من شاء إحياء، ويميت من شاء إماتته، وما لكم -أيها الناس- غير الله من ولي يتولى أموركم، وما لكم من نصير يدفع عنكم السوء، وينصركم على عدوكم.
117 - لقد تاب الله على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ أذن للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك، ولقد تاب على المهاجرين، وعلى الأنصار الذين لم يتخلفوا عنه، بل اتبعوه في غزوة تبوك مع شدة الحر وقلة ذات اليد وقوة الأعداء، بعدما كادت تميل قلوب طائفة منهم هَمُّوا بترك الغزو؛ لما هم فيه من الشدة العظيمة، ثم وفقهم الله للثبات والخروج إلى الغزو، وتاب عليهم، إنه سبحانه رؤوف بهم رحيم، ومن رحمته توفيقهم للتوبة وقبولها منهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بطلان الاحتجاج على جواز الاستغفار للمشركين بفعل إبراهيم عليه السلام.
• أن الذنوب والمعاصي هي سبب المصائب والخذلان وعدم التوفيق.
• أن الله هو مالك الملك، وهو ولينا، ولا ولي ولا نصير لنا من دونه.
• بيان فضل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على سائر الناس.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 04:56 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (206)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/83.jpg

118 - ولقد تاب الله على الثلاثة، وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية؛ الذين خُلِّفُوا عن التوبة وأُخِّرَ قبول توبتهم بعد تخلُّفهم عن الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس بهجرانهم، وأصابهم حزن وغم على ذلك حتَّى ضاقت عليهم الأرض على سعتها، وضاقت صدورهم بما حصل لهم من الوحشة، وعلموا أنْ لا ملجأ لهم يلجؤون إليه إلا إلى الله وحده، فرحمهم بتوفيقهم للتوبة، ثم قبل توبتهم، إنه هو التواب على عباده، الرحيم بهم.
119 - يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله وعملوا بشرعه، اتقوا الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وكونوا مع الصادقين في إيمانهم وأقوالهم وأعمالهم، فلا مَنْجاة لكم إلا في الصدق.
120 - ليس لأهل المدينة ولا لمن حولهم من سكان البادية أن يتخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى الجهاد بنفسه، وليس لهم أن يَشِحُّوا بانفسهم، ويصونوها عن نفسه - صلى الله عليه وسلم -، بل الواجب عليهم أن يبذلوا أنفسهم دون نفسه؛ ذلك لأنهم لا ينالهم عطش، ولا تعب، ولا مجاعة في سبيل الله، ولا ينزلون مكانًا يثير وجودهم به غيظ الكفار، ولا يصيبون من عدو قتلًا أو أسرًا أو غنيمة أو هزيمة -إلا كتب الله لهم بذلك ثواب عمل صالح يقبله منهم، إن الله لا يضيع أجر المحسنين، بل يوفيهم إياه كاملًا، ويزيدهم عليه.
121 - ولا يبذلون مالًا قليلًا كان أو كثيرًا، ولا يتجاوزون واديًا إلا كتب لهم ما عملوه من بذل ومن سفر ليكافئهم الله، فيعطيهم في الآخرة أجر أحسن ما كانوا يعملون.
122 - وما ينبغي للمؤمنين أن يخرجوا للقتال جميعًا حتَّى لا يُسْتَأصَلوا إذا ظهر عليهم عدوهم، فهلَّا خرج للجهاد فريق منهم، وبقي فريق ليرافقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتفقهوا في الدين بما يسمعونه منه - صلى الله عليه وسلم - من القرآن وأحكام الشرع، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما تعلموه؛ رجاء أن يحذروا من عذاب الله وعقابه، فيمتثلوا أوامره، ويجتنبوا نواهيه. وكان هذا في السرايا التي كان يبعثها رسول الله إلى النواحي، ويختار لها طائفة من أصحابه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب تقوى الله والصدق وأنهما سبب للنجاة من الهلاك.
• عظم فضل النفقة في سبيل الله.
• وجوب التفقُّه في الدين مثله مثل الجهاد، وأنه لا قيام للدين إلا بهما معًا.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 05:02 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (207)
(سُوْرَةُ التوبة)
مَدنيّة


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/84.jpg


123 - أمر الله تعالى المؤمنين بقتال من يجاورهم من الكفار؛ لما يسبِّبون من خطر على المؤمنين بسبب قربهم، وأمرهم كذلك أن يُظْهِروا قوة وشدة من أجل إرهابهم ودفع شرهم، والله تعالى مع المؤمنين المتقين بعونه وتأييده.
124 - وإذا أنزل الله سورة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمن المنافقين من يسأل مستهزئًا ساخرًا: أيكم زادته هذه السورة النازلة إيمانًا بما جاء به محمد؟ فأما الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله فقد زادهم نزول السورة إيمانًا إلى إيمانهم السابق، وهم مسرورون بما نزل من الوحي؛ لما فيه من منافعهم الدنيوية والأخروية.
125 - وأما المنافقون فإن نزول القرآن بما فيه من أحكام وقصص يزيدهم مرضًا وخبثًا بسبب تكذيبهم بما ينزل، فيزداد مرض قلوبهم بزيادة نزول القرآن؛ لأنهم كلما نزل شيء شكّوا بما فيه وماتوا على الكفر.
126 - أوَلَا ينظر المنافقون معتبرين بابتلاء الله لهم بكشف حالهم وفضح نفاقهم كل سنة مرة أو مرتين؟! ثم مع علمهم بأن الله تعالى هو فاعل ذلك بهم لا يتوبون إليه من كفرهم، ولا يقلعون عن نفاقهم، ولا هم يتذكرون ما حل بهم وأنه من الله!
127 - وإذا أنزل الله سورة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها ذكر أحوال المنافقين نظر بعض المنافقين إلى بعض قائلين: هل يراكم أحد؟ فإن لم يرهم أحد انصرفوا عن المجلس، ألا صرف الله قلوبهم عن الهداية والخير، وخذلهم بأنهم قوم لا يفهمون.
128 - لقد جاءكم -يا معشر العرب- رسول من جنسكم، فهو عربي مثلكم، شاقٌّ عليه ما يشقُّ عليكم، شديدة رغبته في هدايتكم والعناية بكم، وهو بالمؤمنين خاصة كثير العطف والرحمة.
129 - فإن أعرضوا عنك، ولم يؤمنوا بما جئت به، فقل لهم -أيها الرسول-: يكفيني الله الَّذي لا معبود بحقٍّ سواه، عليه وحده اعتمدت، وهو سبحانه رب العرش العظيم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب ابتداء القتال بالأقرب من الكفار إذا اتسعت رقعة الإسلام، ودعت إليه حاجة.
• بيان حال المنافقين حين نزول القرآن عليهم وهي الترقُّب والاضطراب.
• بيان رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمنين وحرصه عليهم.
• في الآيات دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، وأنه ينبغي للمؤمن أن يتفقد إيمانه ويتعاهده فيجدده وينميه؛ ليكون دائمًا في صعود.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 05:11 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (208)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/85.jpg


سورة يونس
مكية

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
مواجهة المكذبين للوحي بالحجج والبراهين ودعوتهم للإيمان ترغيبًا وترهيبًا.


[التَّفْسِيرُ]
1 - {الر} سبق الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة. هذه الآيات المتلوة في هذه السورة آيات القرآن المحكم المتقن المشتمل على الحكمة والأحكام.
2 - أكان باعثًا للناس على التعجب أن أنزلنا الوحي على رجل من جنسه؛ آمرين إياه أن يحذرهم من عذاب الله؟! وأخبرْ -أيها الرسول- الذين آمنوا بالله بما يسرهم؛ أن لهم منزلة عالية جزاء على ما قدموه من عمل صالح عند ربهم سبحانه، قال الكافرون: إن هذا الرجل الَّذي جاء بهذه الآيات لساحر ظاهر السحر.
3 - إن ربكم -أيها المتعجبون- هو الله الَّذي خلق السماوات على عظمها، والأرض على اتساعها في ستة أيام، ثم علا وارتفع على العرش، فكيف تعجبون من إرساله رجلا من جنسكم؟! وهو وحده الَّذي يقضي ويقدر في ملكه الواسع، وما لأحد أن يشفع لديه في شيء إلا بعد إذنه ورضاه عن الشافع، ذلكم المتصف بهذه الصفات هو الله ربكم، فأخلصوا له العبادة وحده، أفلا تتعظون بكل هذه البراهين والحجج على وحدانيته؟ فمن كان له أدنى اتعاظ علم ذلك، وآمن به.
4 - إليه وحده رجوعكم يوم القيامة؛ ليجازيكم على أعمالكم، وعد الله الناس بذلك وعدًا صادقًا لا يخلفه، إنه على ذلك قادر، يبدأ إيجاد المخلوق على غير مثال سابق، ثم يعيده بعد موته؛ ليجزي سبحانه الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات بالعدل فلا ينقص من حسناتهم، ولا يزيد في سيئاتهم، والذين كفروا بالله وبرسله لهم شراب من ماء متناهي الحرارة، يقطع أمعاءهم، ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم بالله وبرسله.
5 - هو الَّذي جعل الشمس تشع الضوء وتنشره، وجعل القمر نورًا يُسْتَنار به، وقَدَّرَ سيره بعدد منازله الثماني والعشرين، والمنزلة هي المسافة التي يقطعها كل يوم وليلة؛ لتعلموا -أيها الناس- بالشمس عدد الأيام، وبالقمر عدد الشهور والسنين، ما خلق الله السماوات والأرض وما فيهما إلا بالحق؛ ليظهر قدرته وعظمته للناس، يبين الله هذه الأدلة الواضحة والبراهين الجلية على وحدانيته لقوم يعلمون الاستدال بها على ذلك.
6 - إن في تَعَاقُب الليل والنهار على العباد. وما يصحب ذلك من ظلمة وضياء، وقصر أحدهما وطوله، والمخلوقات التي في السماوات والأرض لعلامات دالة على قدرة الله لقوم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إثبات نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن إرساله أمر معقول لا عجب فيه .. خلق السماوات والأرض ومن فيهما، وتدبير الأمر، وتقدير الأزمان واختلاف الليل والنهار كلها آيات عظيمة دالة على ألوهية الله سبحانه.
• الشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا لمن أذن له الله، ورضي قوله وفعله.
• تقدير الله عز وجل لحركة الشمس ولمنازل القمر يساعد على ضبط التاريخ والأيام والسنين.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 05:17 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (209)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/86.jpg


7 - إن الكافرين الذين لا يتوقعون لقاء الله فيخافوه أو يطمعوا فيه، وارتضوا الحياة الدنيا الفانية بدلًا من الحياة الأخروية الباقية، وسكنت أنفسهم إليها فرحة بها، والذين هم عن آيات الله ودلائله معرضون عنها لاهون.
8 - أولئك المتصفون بهذه الصفات مستقرهم الَّذي يأوون إليه هو النار؛ بسبب ما اكتسبوه من الكفر والتكذيب بيوم القيامة.
9 - إن الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات يرزقهم الله الهداية الى العمل الصالح الموصل إلى رضاه؛ بسبب إيمانهم، ثم يدخلهم الله يوم القيامة في جنات النعيم الدائم، تجري من تحتهم الأنهار.
10 - دعاؤهم في الجنّة هو تسبيح الله وتقديسه، وتحية الله لهم وتحية الملائكة وتحية بعضهم لبعض: سلام، وخاتمة دعائهم الثناء على الله رب المخلوقات كلها.
11 - ولو يُعَجِّل الله سبحانه استجابة دعاء الناس على أنفسهم وأولادهم وأموالهم بالشر عند الغضب، مثل ما يستجيب لهم في دعائهم بالخير -لهلكوا، ولكن الله يمهلهم، فيترك الذين لا ينتظرون لقاءه- لأنهم لا يخافون عقابًا ولا يرتجون ثوابًا- يتركهم مترددين حائرين مرتابين في يوم الحساب.
12 - وإذا أصاب الإنسانَ المسرف على نفسه مرض أو سوء حال، دعانا متذللًا متضرعًا مضطجعًا على جنبه أو قاعدًا أو قائمًا؛ رجاء أن يُزَال ما به من ضر، فلما استجبنا دعاءه، وأزلنا ما به من ضر مضى على ما كان عليه كأنه لم يدعنا لكشف ضر أصابه، كما زُيِّن لهذا المعرض الاستمرار في ضلاله زُيِّن للمتجاوزين للحدود بكفرهم ما كانوا يعملونه من الكفر والمعاصي، فلا يتركونه.
13 - ولقد أهلكنا الأمم من قبلكم -أيها المشركون- لتكذيبهم برسل الله وارتكابهم المعاصي، وقد جاءتهم رسلهم الذين أرسلناهم إليهم بالبراهين الواضحة الدالة على صدقهم فيما جاؤوا به من عند ربهم، فما استقام لهم أن يؤمنوا؛ لعدم استعدادهم للإيمان، فخذلهم الله، ولم يوفقهم له، كما جازينا تلك الأمم الظالمة نجزي أمثالهم في كل زمان ومكان.
14 - ثم صَيَّرناكم -أيها النَّاس- خَلَفًا لتلك الأمم المكذبة التي أهلكناها؛ لننظر كيف تعملون، هل تعملون خيرًا فتثابوا عليه، أم تعملون شرًّا فتعاقبوا عليه؟

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• لطف الله عز وجل بعباده في عدم إجابة دعائهم على أنفسهم وأولادهم بالشر.
• بيان حال الإنسان بالدعاء في الضراء والإعراض عند الرخاء والتحذير من الاتصاف بذلك.
• هلاك الأمم السابقة كان سببه ارتكابهم المعاصي والظلم.

ابو وليد البحيرى
2019-12-26, 05:20 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (210)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2019/12/87.jpg


15 - وإذا تُقْرأ عليهم الآيات القرآنية الواضحة الدالة على توحيد الله، قال منكرو البعث الذين لا يرجون ثوابًا، ولا يخافون عقابًا: جيء -يا محمد- بقرآن غير هذا القرآن المشتمل على سب عبادة الأصنام أو غيره بنَسْخ بعضه أو كله بما يوافق أهواءنا، قل لهم -أيها الرسول-: لا يصح أن أغيِّره أنا، ولا أستطيع -بالأوْلى- الإتيان بغيره، بل الله وحده هو الَّذي يبدل منه ما يشاء، فلست أتبع إلا ما يوحيه الله إلي، إني أخاف إن عصيت الله بإجابتكم إلى ما طلبتم عذاب يوم عظيم، وهو يوم القيامة.
16 - قل -أيها الرسول-: لو شاء الله ألا أقرأ القرآن عليكم ما قرأته عليكم، وما بلغتكم إياه، ولو شاء الله ما أَعْلَمَكم بالقرآن على لساني، فقد مكثت بينكم زمنًا طويلًا -هو أربعون سنة- لا أقرأ ولا أكتب، ولا أطلب هذا الشأن ولا أبحث عنه، أفلا تدركون بعقولكم أن ما جئتكم به هو من عند الله، ولا شأن لي فيه؟!
17 - فلا أحد أظلم ممن اختلق على الله كذبًا، فكيف لي أن أبدل القرآن افتراء عليه، إن الشأن أن المتجاوزين لحدود الله بالافتراء عليه لا يفوزون بمطلوبهم.
18 - ويعبد المشركون من دون الله آلهة مزعومة، لا تنفع ولا تضر، والمعبود بالحق ينفع ويضر متى شاء، ويقولون عن معبوداتهم: هؤلاء وسطاء يشفعون لنا عند الله فلا يعذبنا بذنوبنا، قل لهم -أيها الرسول-: أتخبرون الله العليم أن له شريكًا، وهو لا يعلم له شريكًا في السماوات ولا في الأرض، تَقَدَّس وتَنَزَّه عما يقوله المشركون من الباطل والكذب.
19 - وما كان الناس إلا أمة واحدة مؤمنة موحدة فاختلفوا، فمنهم من بقي مؤمنًا، ومنهم من كفر، ولولا ما مضى من قضاء الله أنَّه لا يحكم بينهم فيما اختلفوا فيه في الدنيا، وإنما يحكم بينهم فيه يوم القيامة، لولا ذلك لحكم بينهم في الدنيا فيما يختلفون فيه، فيتبين المهتدي من الضال.
20 - ويقول المشركون: هلَّا أُنْزِل على محمد آية من ربه دالة على صدقه؟ فقل لهم -أيها الرسول-: نزول الآيات غيب يختص الله بعلمه، فانتظروا ما اقترحتموه من الآيات الحسية، إني معكم من المنتظرين لها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عظم الافتراء على الله والكذب عليه وتحريف كلامه كما فعل اليهود بالتوراة.
• النفع والضر بيد الله عز وجل وحده دون ما سواه.
• بطلان قول المشركين بأن آلهتهم تشفع لهم عند الله.
• اتباع الهوى والاختلاف على الدين هو سبب الفرقة.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:06 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (211)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/1.jpg


21 - وإذا أذقنا المشركين نعمة من مطر وخصب بعد جدب وبؤس أصابهم، إذا لهم استهزاء وتكذيب بآياتنا، قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: الله أعجل مكرًا، وأسرع استدراجًا لكم وعقوبة، إن الحفظة من الملائكة يكتبون ما تُدَبِّرون من مكر، لا يفوتهم منه شيء، فكيف يفوت خالقَهم؟! وسيجازيكم الله على مكركم.
22 - الله هو الَّذي يُسَيِّركم -أيها الناس- في البر على أقدامكم وعلى دوابكم، وهو الَّذي يسيركم في البحر في السفن، حتَّى إذا كنتم في السفن في البحر، وجرت بهم بريح طيبة، فرح الركاب بتلك الريح الطيبة، فبينما هم في فرحهم جاءتهم ريح قوية الهبوب، وجاءهم موج البحر من كل جهة، وغلب على ظنهم أنهم هالكون، دعوا الله وحده، ولم يشركوا معه غيره قائلين: لئن أنقذتنا من هذه المحنة المهلكة لنكونن من الشاكرين لك على ما أنعمت به علينا.
23 - فلما استجاب دعاءهم، وأنقذهم من تلك المحنة، إذا هم يفسدون في الأرض بارتكاب الكفر والمعاصي والآثام. أفيقوا -أيها الناس- إنما عاقبة بَغْيكم السيئة على أنفسكم، فالله لا يضره بَغْيُكُم، تتمتعون به في الحياة الدنيا وهي فانية، ثم إلينا رجوعكم يوم القيامة، فنخبركم بما كنتم تعملون من المعاصي، ونجازيكم عليها.
24 - إنما مثل الحياة الدنيا التي تتمتعون فيها في سرعة انقضائها كمثل مطر اختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس من الحبوب والثمار، ومما تأكل الأنعام من الحشيش وغيره، حتَّى إذا أخذت الأرض لونها الزاهي، وتَجَمَّلت بما تنبته من أنواع النبات، وظن أهلها أنهم قادرون على حصاد ما أنبتت وقطافه، جاءها قضاؤنا بإهلاكها، فصيرناها محصودة كأن لم تكن عامرةً بالأشجار والنباتات في عهد قريب، كما بيَّنا لكم حال الدنيا وسرعة انقضائها نبين الأدلة والبراهين لمن يتفكرون ويعتبرون.
25 - والله يدعو جميع الناس إلى جنته التي هي دار السلام، يسلم فيها الناس من المصائب والهموم، ويسلمون من الموت، والله يوفق من شاء من عباده إلى دين الإسلام الموصل إلى دار السلام هذه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الله أسرع مكرًا بمن مكر بعباده المؤمنين.
• بغي الإنسان عائد على نفسه ولا يضر إلا نفسه.
• بيان حقيقة الدنيا في سرعة انقضائها وزوالها، وما فيها من النعيم فهو فانٍ.
• الجنّة هي مستقر المؤمن؛ لما فيها من النعيم والسلامة من المصائب والهموم.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:09 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (212)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/2.jpg





26 - للذين أحسنوا بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الطاعات، وترك ما حرم عليهم من المعاصي؛ المثوبة الحسنى، وهي الجنّة، ولهم زيادة عليها، وهي النظر إلى وجه الله الكريم، ولا يغشى وجوههم غبار، ولا يغشاها هوان ولا خزي، أولئك المتصفون بالإحسان أصحاب الجنّة هم فيها ماكثون.
37 - والذين عملوا السيئات من الكفر والمعاصي لهم جزاء السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الآخرة، وتغشى وجوههم ذلة وهوان، ليس لهم مانع يمنعهم من عذاب الله إذا أنزله بهم، كأنما ألبست وجوههم سوادًا من الليل المظلم من كثرة ما يغشاها من دخان النار وسوادها، أولئك المتصفون بتلك الصفات أصحاب النار هم فيها ماكثون أبدًا.
28 - واذكر -أيها الرسول- يوم القيامة حين نحشر جميع الخلائق، ثم نقول للذين أشركوا بالله في الدنيا: الزموا -أيها المشركون- مكانكم أنتم ومعبوداتكم التي كنتم تعبدونها من دون الله. ففرقنا بين المعبودين والعابدين، وتبرأ المعبودون من العابدين قائلين: لم تكونوا تعبدوننا في الدنيا.
29 - هنا تتبرأ منهم آلهتهم التي عبدوها من دون الله قائلة: فالله شاهد -وكفى به- أنّا لم نرض بعبادتكم لنا، ولم نأمركم بها، وأنا لم نشعر بعبادتكم.
30 - في ذلك الموقف العظيم تختبر كل نفس ما أمضت من عمل في حياتها الدنيا، وأرجع المشركون إلى ربهم الحق الَّذي هو الله الذي يتولى حسابهم، وذهب عنهم ما افتروه من شفاعة أصنامهم.
31 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين بالله: من يرزقكم من جهة السماء بإنزال المطر عليكم؟ ومن يرزقكم من الأرض بما ينبت فيها من نبات، وبما تحويه من معادن؟. ومن يُخْرِج الحي من الميت كالإنسان من النطفة، والطير من البيضة، ومن يُخْرِج الميت من الحي كالنطفة من الحيوان، والبيضة من الطير؟ ومن يدبر أمر السماوات والأرض وما فيهن من مخلوقات؟ فسيجيبون بأن فاعل ذلك كله هو الله، فقل لهم: أفلا تعلمون ذلك، وتتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؟!
32 - فذلكم -أيها الناس- الَّذي يفعل ذلك كله هو الله الحق خالقكم، ومدبر أمركم، فماذا بعد معرفة الحق غير البعد عنه والضياع؟! فاين تذهب عقولكم عن هذا الحق الجلي؟!
33 - كما ثبتت الربوبية الحقة لله وجبت -أيها الرسول- كلمة ربك القَدَرِية على الذين خرجوا عن الحق عنادًا أنهم لا يؤمنون.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• أعظم نعيم يُرَغَّب به المؤمن هو النظر إلى وجه الله تعالى.
• بيان قدرة الله، وأنه على كل شيء قدير.
• التوحيد في الربوبية والإشراك في الإلهية باطل، فلا بد من توحيدهما معًا.
• إذا قضى الله بعدم إيمان قوم بسبب معاصيهم فإنهم لا يؤمنون.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:13 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (213)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/3.jpg

34 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: هل من بين شركائكم الذين تعبدونهم من دون الله من يُنْشِئ الخلق على غير مثال سابق، ثم يبعثه بعد موته؟ قل لهم: الله يُنْشئُ الخلق على غير مثال سابق، ثم يبعثه بعد موته، فكيف تصرفون -أيها المشركون- عن الحق إلى الباطل؟!
35 - قل لهم -أيها الرسول-: هل من بين شركائكم الذين تعبدونهم من دون الله من يرشد إلى الحق؟ قل لهم: الله وحده يرشد إلى الحق، فهل من يرشد الناس إلى الحق، ويدعوهم إليه أولى بأن يتبع أم معبوداتكم التي لا تهتدي بنفسها إلا أن يهديها غيرها؟! فما لكم كيف تحكمون بالباطل حين تزعمون أنهم شركاء لله؟! تعالى الله عن قولكم علوا كبيرًا.
36 - وما يتبع معظم المشركين إلا ما لا علم لهم به، فما يتبعون إلا وهمًا وشكًّا، إن الشك لا يقوم مقام العلم، ولا يغني عنه، إن الله عليم بما يفعلونه، لا يخفى عليه شيء من أفعالهم، وسيجازيهم عليها.
37 - وما يصح لهذا القرآن أن يُخْتَلق، وينسب إلى غير الله لعجز الناس ضرورة عن الإتيان بمثله، ولكنَّه مصدق لما نزل من الكتب قبله، ومبيّن لما أجمل فيها من الأحكام، فهو لا شك فيه أنَّه منزل من رب المخلوقات سبحانه وتعالى.
38 - بل أيقول هؤلاء المشركون: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - اختلق هذا القرآن من نفسه، ونسبه إلى الله، قل -أيها الرسول- ردًّا عليهم: إن كنت قد أتيت به من عندي وأنا بشر مثلكم فأتوا أنتم بسورة من مثله، وادعوا من استطعتم دعاءه لمظاهرتكم إن كنتم صادقين فيما تدعونه من أن القرآن مختلق مكذوب، ولن تستطيعوا ذلك، وعدم قدرتكم -وأنتم أصحاب اللسان وأرباب الفصاحة- دال على أن القرآن منزل من عند الله.
39 - فلم يجيبوا، بل سارعوا بتكذيب القرآن قبل أن يتفهموه ويتدبروه، وقبل أن يحصل ما أنذروا به من العذاب، وقد اقترب إتيان ذلك، مثل هذا التكذيب كذبت الأمم السابقة، فنزل بها ما نزل من العذاب، فتأمل -أيها الرسول- كيف كانت نهاية الأمم المكذبة، فقد أهلكهم الله.
40 - ومن المشركين من سيؤمن بالقرآن قبل موته، ومنهم من لا يؤمن به عنادًا ومكابرة حتَّى يموت، وربك -أيها الرسول- أعلم بالمُصِرِّين على كفرهم، وسيجازيهم على كفرهم.
41 - فإن كذبك -أيها الرسول- قومك فقل لهم: لي ثواب عملي وأنا أتحمل تبعة عملي، ولكم ثواب عملكم وعليكم عقابه، أنتم بريئون من عقاب ما أعمل، وأنا بريء من عقاب ما تعملون.
42 - ومن المشركين من يستمع إليك -أيها الرسول- إذا قرأت القرآن استماعًا غير مقرون بقبول وإذعان، أفأنت تقدر على إسماع من سلب السمع؟! فكذلك لن تقدر على هداية هؤلاء الذين صموا عن سماع الحق فلا يعقلونه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الهادي إلى الحق هداية التوفيق هو الله وحده دون ما سواه.
• الحث على تطلب الأدلة والبراهين والهدايات للوصول للعلم والحق وترك الوهم والظن.
• ليس في مقدور أحد أن يأتي ولو بآية مثل القرآن الكريم إلى يوم القيامة.
• سفه المشركين وتكذيبهم بما لم يفهموه ويتدبروه.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:17 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (214)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/4.jpg


43 - ومن المشركين من ينظر إليك -أيها الرسول- ببصره الظاهر لا ببصيرته، أفأنت تستطيع تبصير الذين سلبت أبصارهم؟! إنك لا تستطيع ذلك، وكذلك لا تستطيع هداية فاقد البصيرة.
44 - إن الله تنزه عن ظلم عباده، فهو لا يظلمهم مثقال ذرة، ولكنهم هم الذين يظلمون أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك؛ بسبب التعصب للباطل والمكابرة والعناد.
45 - ويوم يحشر الله الناس يوم القيامة لحسابهم كان لم يمكثوا في حياتهم الدنيا وفي برزخهم إلا ساعة من نهار لا أَزْيدَ، يعرف بعضهم بعضًا فيها، ثم تنقطع معرفتهم لشدة ما شاهدوا من أهوال القيامة، قد خسر الذين يكذبون بلقاء ربهم يوم القيامة، وما كانوا مؤمنين في الدنيا بيوم البعث حتَّى يسلموا من الخسران.
46 - وإما نُرِينَّك -أيها الرسول- بعضًا مما وعدناهم به من العذاب قبل موتك، أو نتوفينك قبل ذلك، ففي كلتا الحالتين إلينا رجوعهم يوم القيامة، ثم الله مطلع على ما كانوا يعملون، لا يخفى عليه منه شيء، وسيجازيهم على أعمالهم.
47 - ولكل أمة من الأمم السابقة رسول أرسل إليهم، فإذا بلغهم ما أمر بتبليغه، وكذبوه حكم بينهم وبينه بالعدل، فنجاه الله بفضله، وأهلكهم بعدله، وهم لا يظلمون من جزاء أعمالهم شيئًا.
48 - ويقول هؤلاء الكفار معاندين ومتَحَدِّين: متى زمن ما وعدتمونا به من العذاب إن كنتم صادقين فيما تدعونه؟!
49 - قل لهم -أيها الرسول-: لا أملك لنفسي ضرًّا أضرها به أو أدفعه عنها ولا نفعًا أنفعها به، فكيف بنفع غيري أو ضره؟ إلا ما شاء الله من ذلك، فكيف لي أن أعلم غيبه؟ لكل أمة من الأمم توعدها الله بهلاكٍ زمنٌ محدد لهلاكها، لا يعلمه إلا الله، فإذا جاء زمن هلاكها لم تتأخر عنه وقتًا ما ولم تتقدم.
50 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المستعجلين للعذاب: أخبروني إن جاءكم عذاب الله في أي وقت من ليل أو نهار، ما الَّذي تستعجلونه من هذا العذاب؟!
51 - أبعد أن يقع عليكم العذاب الَّذي وُعِدتموه تؤمنون حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل؛ أتؤمنون الآن، وقد كنتم تستعجلون العذاب من قبل على وجه التكذيب به؟!
52 - ثم بعد إدخالهم في العذاب وطلبهم الخروج منه يقال لهم: ذوقوا العذاب الدائم في الآخرة، فهل تثابون إلا ما كنتم تعملون من الكفر والمعاصي؟!
53 - ويستخبرك -أيها الرسول- المشركون: أهذا العذاب الَّذي وُعِدْنا به حق؟ قل لهم: نعم، إنه -والله- لحق، ولستم بمُفْلِتين منه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الإنسان هو الَّذي يورد نفسه موارد الهلاك، فالله مُنَزَّه عن الظلم.
• مهمة الرسول هي التبليغ، والله يتولى حسابهم وعقابهم بحكمته فقد يعجله في حياة الرسول أو يؤخره لبعد وفاته.
• النفع والضر بيد الله عز وجل، فلا أحد من الخلق يملك لنفسه أو لغيره ضرًّا ولا نفعًا.
• لا ينفع الإيمان صاحبه عند معاينة الموت.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:20 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (215)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/5.jpg

54 - ولو أن لكل مشرك بالله جميع ما في الأرض من أموال نفيسة لجعله مقابل فكاكه من عذاب الله لو أتيح له أن يفتدي به، وأخفى المشركون الندم على كفرهم لمَّا شاهدوا العذاب يوم القيامة، وقضى الله بينهم بالعدل وهم لا يظلمون، وإنما يجزون على أعمالهم.
55 - ألا إن لله وحده ملك ما في السماوات وملك ما في الأرض، ألا إن وعبد الله بعقاب الكافرين واقع لا مرية فيه، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك فيشكُّون.
56 - هو سبحانه يبعث الموتى، ويميت الأحياء، واليه وحده ترجعون يوم القيامة، فيجازيكم على أعمالكم.
57 - يا أيها الناس، قد جاءكم القرآن فيه تذكير وترغيب وترهيب، وهو شفاء لما في القلوب من مرض الشك والارتياب، وإرشاد لطريق الحق، وفيه رحمة للمؤمنين، فهم المنتفعون به.
58 - قل -أيها الرسول- للناس: ما جاءكم به محمد - صلى الله عليه وسلم - من القرآن هو فضل من الله عليكم، ورحمة منه بكم، فبفضل الله عليكم ورحمته بكم بإنزال هذا القرآن فافرحوا لا بسواهما، فما جاءهم به محمد - صلى الله عليه وسلم - من ربه خير مما يجمعونه من حطام الدنيا الزائل.
59 - قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أخبروني عما مَنَّ الله به عليكم من إنزال الرزق، فعملتم فيه بأهوائكم، فحرَّمتم بعضه، وأحللتم بعضه، قل لهم: هل الله أباح لكم في تحليل ما أحللتم، وتحريم ما حرَّمتم، أم أنكم تختلقون عليه الكذب؟!
60 - وأي شيء يظنه مختلقو الكذب عليه واقعًا بهم يوم القيامة؟! أيظنون أن يغفر لهم؟! هيهات، إن الله لذو إفضال على الناس بإمهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة، ولكن أكثرهم جاحدون نعم الله عليهم فلا يشكرونها.
61 - وما تكون -أيها الرسول- في أمر من الأمور، وما تقرأ من قرآن، وما تعملون -أيها المؤمنون- من عمل إلا كنا نراكم عالمين بكم ونسمعكم حين تشرعون في العمل مندفعين فيه، وما يغيب عن علم ربك وزن ذرة في السماء أو في الأرض، ولا أصغر من وزنها ولا أكبر، إلا وهو مسجل في كتاب واضح لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عظم ما ينتظر المشركين بالله من عذاب، حتَّى إنهم يتمنون دفعه بكل ما في الأرض، ولن يُقْبلَ منهم.
• القرآن شفاء للمؤمنين من أمراض الشهوات وأمراض الشبهات بما فيه من الهدايات والدلائل العقلية والنقلية.
• ينبغي للمؤمن أن يفرح بنعمة الإسلام والإيمان دون غيرهما من حطام الدنيا.
• دقة مراقبة الله لعباده وأعمالهم وخواطرهم ونياتهم.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:24 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (216)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/6.jpg

62 - ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أهوال القيامة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
63 - هؤلاء الأولياء هم الذين كانوا يتصفون بالإيمان بالله وبرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
64 - لهم البشارة من ربهم في الدنيا بما يسرهم برؤيا صالحة أو ثناء الناس عليهم، ولهم البشارة من الملائكة عند قبض أرواحهم، وبعد الموت، وفي الحشر، لا تغيير لما وعدهم الله به، ذلك الجزاء هو النجاح العظيم؛ لما فيه من نيل المطلوب، والنجاة من المرهوب.
65 - ولا تحزن -أيها الرسول- لما يقوله هؤلاء من الطعن والقدح في دينك، إن القهر والغلبة كلها لله، فلا يعجزه شيء، هو السميع لأقوالهم، العليم بأفعالهم، وسيجازيهم عليها.
66 - ألا إن لله وحده ملك من في السماوات وملك من في الأرض، وأي شيء يتبعه المشركون الذين يعبدون من دون الله شركاء؟! لا يتبعون في الحقيقة إلا الشك، وما هم إلا يكذبون في نسبتهم الشركاء إلى الله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
67 - هو وحده الَّذي جعل لكم -أيها الناس- الليل لتسكنوا فيه عن الحركة والتعب، وجعل النهار مضيئًا لتسعوا فيه بما يرجع إليكم بنفع في معاشكم، إن في ذلك لدلائل واضحة لقوم يسمعون سماع اعتبار وقبول.
68 - قال فريق من المشركين: اتخذ الله الملائكة بناتٍ، تقدس الله عن قولهم، فهو سبحانه الغني عن جميع مخلوقاته، له ملك ما في السماوات وملك ما في الأرض، ليس عندكم -أيها المشركون- برهان على قولكم هذا، أتقولون على الله قولًا عظيمًا -إذ تنسبون إليه الولد- لا تعلمون حقيقته دون برهان؟!
69 - قل لهم -أيها الرسول-: إن الذين يختلقون على الله الكذب بنسبة الولد إليه لا يظفرون بما يطلبونه، ولا ينجون مما يرهبونه.
70 - فلا يغتروا بما يتمتعون به من ملذات الدنيا ونعيمها، فهو متاع قليل زائل، ثم إلينا رجوعهم يوم القيامة، ثم نذيقهم العذاب القوى بسبب كفرهم بالله وتكذيبهم لرسوله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ولاية الله تكون لمن آمن به، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه، واتبع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأولياء الله هم الآمنون يوم القيامة، ولهم البشرى في الدنيا إما بالرؤيا الصالحة أو عند الموت.
• العزة لله جميعًا وفهو مالك الملك، وما عُبد من دون الله لا حقيقة له.
• الحث على التفكر في خلق الله؛ لأن ذلك يقود إلى الإيمان به وتوحيده.
• حرمة الكذب على الله عز وجل، وأن صاحبه لن يفلح، ومن أعظم الكذب نسبة الولد له سبحانه.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:28 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (217)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/7.jpg


71 - واقصص -أيها الرسول- على هؤلاء المشركين المكذبين خبر نوح عليه السلام حين قال لقومه: يا قوم، إن كان عَظُم عليكم مقامي بين أظهركم، وشقَّ عليكم تذكيري بآيات الله ووعظي، وعزمتم على قتلي، فعلى الله وحده اعتمدت في إحباط ما تكيدون، فأحكموا أمركم، واعزموا على إهلاكي، وادعوا آلهتكم لتستعينوا بها، ثم لا يكن كيدكم سرًّا مبهمًا، ثم بعد تدبيركم لقتلي أمضوا إلي ما تُضْمِرون، ولا تؤخروني لحظة.
72 - فإن كنتم قد أعرضتم عن دعوتي فقد علمتم أني ما طلبت منكم جزاء على تبليغكم رسالة ربي، ليس ثوابي إلا على الله، آمنتم بي، أم كفرتم، وأمرني الله أن أكون من المنقادين له بالطاعة والعمل الصالح.
73 - فكذبه قومه، ولم يصدقوا به، فنجيناه هو ومن كان معه في السفينة من المؤمنين، وصيَّرناهم خَلَفًا لمن كان قبلهم، وأهلكنا الذين كذبوا بما جاء به من الآيات والحجج بالطوفان، فتأمل -أيها الرسول- كيف كانت نهاية أمر القوم الذين أنذرهم نوح عليه السلام، فلم يؤمنوا.
74 - ثم بعد مدة من الزمن بعثنا من بعد نوح رسلًا إلى أقوامهم، فجاء الرسل أممهم بالآيات والبراهين، فما كانت لهم إرادة أن يؤمنوا بسبب إصرارهم السابق على تكذيب الرسل، فختم الله على قلوبهم. مثل هذا الختم الَّذي ختمنا به على قلوب أتباع الرسل الماضين نختم به على قلوب الكافرين المتجاوزين لحدود الله بالكفر في كل زمان ومكان.
75 - ثم بعد مدة من الزمن بعثنا من بعد هؤلاء الرسل موسى وأخاه هارون إلى فرعون ملك مصر والكبراء من قومه، بعثناهما بالآيات الدالة على صدقهما، فتكبروا عن الإيمان بما جاءا به، وكانوا قومًا مجرمين؛ لكفرهم بالله وتكذيبهم لرسله.
76 - فلما جاء فرعون والكبراء من قومه الدين الَّذي جاء به موسى وهارون عليهم السلام قالوا عن آياته الدالة على صدق ما جاء به موسى: إنه لسحر واضح، وليس حقًّا.
77 - قال موسى مستنكرًا عليهم: أتقولون للحق حين جاءكم: هو سحر؟! كلا، ما هو بسحر، وإني لأعلم أن السّاحر لا يفلح أبدًا، فكيف لي بتعاطيه؟!
78 - أجاب قوم فرعون موسى عليه السلام قائلين: أجئتنا بهذا السحر لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا من الدين، ويكون لك أنت ولأخيك الملك؟ وما نحن لكما -يا موسى وهارون- بمقرين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• سلاح المؤمن في مواجهة أعدائه هو التوكل على الله.
• الإصرار على الكفر والتكذيب بالرسل يوجب الختم على القلوب فلا تؤمن أبدًا.
• حال أعداء الرسل واحد، فهم دائمًا يصفون الهدى بالسحر أو الكذب.
• إن الساحر لا يفلح أبدًا.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:31 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (218)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/8.jpg


79 - وقال فرعون لقومه: جيئوني بكل ساحر خبير بالسحر متقن له.
80 - فلما جاؤوا فرعون بالسحرة قال لهم موسى عليه السلام واثقًا بانتصاره عليهم: اطرحوا -أيها السحرة- ما أنتم طارحوه.
81 - فلما طرحوا ما عندهم من السحر قال لهم موسى عليه السلام: الَّذي أظهرتموه هو السحر، إن الله سيصيِّر ما صنعتم باطلًا لا أثر له، إنكم بسحركم مفسدون في الأرض، والله لا يصلح عمل من كان مفسدًا.
82 - ويثبّت الله الحق، ويمكّن له بكلماته القدرية، وبما في كلماته الشرعية من الحجج والبراهين، ولو كره ذلك الكافرون المجرمون من آل فرعون.
83 - صَمَّم القوم على الإعراض، فما صدَّق بموسى عليه السلام -مع ما جاء به من الآيات الظاهرة، والحجج الواضحة- إلا شباب من قومه بني إسرائيل، مع خوف من فرعون وكبراء قومه أن يصرفوهم عن إيمانهم بما يذيقونهم من العذاب إن كشف أمرهم، وإن فرعون لمتكبر متسلط على مصر وأهلها، بيانه لمن المتجاوزين للحد في الكفر والتقتيل والتعذيب لبني إسرائيل.
84 - وقال موسى عليه السلام لقومه: يا قوم، إن كنتم آمنتم بالله إيمانًا حقًّا، فعلى الله وحده اعتمدوا إن كنتم مسلمين، فالتوكل على الله يدفع عنكم السوء، ويجلب لكم الخير.
85 - فأجابوا موسى عليه السلام، فقالوا: على الله وحده توكلنا، ربنا لا تسلط علينا الظالمين، فيفتنونا عن ديننا بالتعذيب والقتل والإغراء.
86 - وخلِّصنا برحمتك -ربنا- من أيدي قوم فرعون الكافرين، فقد استعبدونا وآذونا بالتعذيب والقتل.
87 - وأوحينا إلى موسى وأخيه هارون عليهم السلام أن اختارا واتَّخِذا لقومكما بيوتًا لعبادة الله وحده، وصيِّروا بيوتكم متجهة إلى جهة القبلة (بيت المقدس)، وائتوا بالصلاة كاملة، وأخبِر -يا موسى- المؤمنين بما يسرهم من نصر الله وتأييدهم، وإهلاك عدوهم، واستخلافهم في الأرض.
88 - وقال موسى عليه السلام: ربنا، إنك أعطيت فرعون والأشراف من قومه من زخرف الدنيا وبهارجها زينة، وأعطيتهم أموالًا في هذه الحياة الدنيا، فلم يشكروك على ما أعطيتهم، بل استعانوا بها على الإضلال عن سبيلك، ربنا امْحُ أموالَهم وامحقها، واجعل قلوبهم قاسية، فلا يؤمنون إلا حين يشاهدون العذاب الموجع حين لا ينفعهم إيمانهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الثقة بالله وبنصره والتوكل عليه ينبغي أن تكون من صفات المؤمن القوي.
• بيان أهمية الدعاء، وأنه من صفات المتوكلين.
• تأكيد أهمية الصلاة ووجوب إقامتها في كل الأديان السماوية وفي كل الأحوال.
• مشروعية الدعاء على الظالم.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:37 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (219)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/9.jpg




89 - قال الله: قد أجبْتُ دعاءكما -يا موسى وهارون- على فرعون وأشراف قومه، فاثبتا على دينكما، ولا تنحرفا عنه إلى اتباع سبيل الجهال الذين لا يعلمون طريق الحق.
90 - ويسَّرْنا لبني إسرائيل عبور البحر بعد فَلْقِه حتَّى جاوزوه سالمين، فلحقهم فرعون وجنوده ظلمًا واعتداء، حتَّى إذا انطبق عليه البحر، وناله الغرق، ويئس من النجاة. قال: آمنت أن لا معبود بحق إلا الَّذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المنقادين لله بالطاعة.
ولما كانت معاينة الموت مانعة من قَبول التوبة، قال الله تعالى:

91 - أتؤمن الآن بعد اليأس من الحياة؟! وقد عصيت الله -يا فرعون- قبل نزول العذاب بالكفر به، والصد عن سبيله، وكنت من المفسدين بسبب ضلالك في نفسك وإضلالك لغيرك.
92 - فاليوم نخرجك -يا فرعون- من البحر، ونجعلك على مرتفع من الأرض؛ ليعتبر بك من يأتي بعدك، وإن كثيرًا من الناس عن حُججنا ودلائل قدرتنا لغافلون، لا يتفكرون فيها.
93 - ولقد أنزلنا بني إسرائيل منزلًا محمودًا ومكانًا مرضيًّا في بلاد الشام المباركة، ورزقناهم من الحلال الطيب، فما اختلفوا في أمر دينهم حتَّى جاءهم القرآن مصدقًا لما قرؤوه في التوراة من نعت محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلما أنكروا ذلك سُلِبت أوطانهم، إن ربك -أيها الرسول- يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، فيجازي المحق والمبطل منهم بما يستحقه كل منهما.
94 - فإن كنت -أيها الرسول- في ارتياب وحيرة من حقيقة ما أنزلنا إليك من القرآن فاسأل من آمن من اليهود الذين يقرؤون التوراة، والنصارى الذين يقرؤون الإنجيل، فسيخبرونك بأن الَّذي أُنزِل عليك حق؛ لما يجدون من نَعْتِه في كتابيهما، لقد جاءك الحق الَّذي لا مِرْية فيه من ربك، فلا تكونن من الشاكِّين.
95 - ولا تكونن من الذين كذبوا بحجج الله وبراهينه فتكون بذلك من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك بسبب كفرهم، وكل هذا التحذير لبيان خطورة الشك والتكذيب، وإلّا فإن النبي معصوم عن أن يصدر منه شيء من هذا.
96 - إن الذين ثبت عليهم قضاء الله بأنهم يموتون على الكفر لإصرارهم عليه لا يؤمنون أبدًا.
97 - ولو أتتهم كل آية شرعية أو كونية حتَّى يشاهدوا العذاب الموجع، فيؤمنوا حين لا ينفعهم الإيمان.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب الثبات على الدين، وعدم اتباع سبيل المجرمين.
• لا تُقْبل توبة من حَشْرَجَت روحه، أو عاين العذاب.
• أن اليهود والنصارى كانوا يعلمون صفات النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن الكبر والعناد هو ما منعهم من الإيمان.

ابو وليد البحيرى
2020-01-01, 05:41 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (220)
(سُوْرَةُ يونس)
مَكيّة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/10.jpg


98 - لم يحدث أن آمنت قرية من القرى التي أرسلنا إليها رسلنا إيمانا مُعْتَدًّا به قبل معاينة العذاب، فينفعها إيمانها لمجيئه قبل معاينته، إلا قوم يونس حين آمنوا إيمانًا صادقًا رفعنا عنهم عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا، ومتعناهم إلى وقت انقضاء آجالهم.
99 - ولو شاء ربك -أيها الرسول- إيمان جميع من في الأرض لآمنوا، لكنه لم يشأ ذلك لحكمة، فهو يضل من يشاء بعدله، ويهدي من يشاء بفضله، فليس باستطاعتك إكراه الناس على أن يكونوا مؤمنين، فتوفيقهم للإيمان بيد الله وحده.
100 - وما ينبغي لنفس أن تؤمن من تلقاء نفسها إلا أن يأذن الله، فلا يقع إيمان إلا بمشيئته، فلا تذهب نفسك حسرات عليهم، ويجعل الله العذاب والخزي على الذين لا يدركون عنه حججه , وأوامره ونواهيه.
101 - قل -أيها الرسول- للمشركين الذين يسألونك الآيات: تأملوا ماذا في السماوات والأرض من الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرته، وما ينفع إنزال الآيات والحجج والرسل في قوم ليس لهم استعداد أن يؤمنوا؛ لإصرارهم على الكفر.
102 - فهل ينتظر هؤلاء المكذبون إلا مثل الوقائع التي أوقعها الله على الأمم المكذبة السابقة؟! قل -أيها الرسول- لهم: انتظروا عذاب الله، إني معكم من المنتظرين لوعد ربي.
103 - ثم نُنْزل بهم العقاب، ونُنَجِّي رسلنا، ونُنَجِّي الذين آمنوا معهم، فلا يصيبهم ما أصاب قومهم، كما أنجينا أولئك الرسل والمؤمنين معهم ننخي رسول الله والمؤمنين معه إنجاءً حقًّا ثابتًا علينا.
104 - قل -أيها الرسول-: يا أيها الناس، إن كنتم في شك من ديني الَّذي أدعوكم إليه وهو دين التوحيد، فأنا على يقين من فساد دينكم فلا أتبعه، فلا أعبد الذين تعبدونهم من دون الله، ولكني أعبد الله الَّذي يميتكم، وأمرني أن أكون من المؤمنين المخلصين له الدين.
105 - وأمرني كذلك أن أستقيم على الدين الحق، وأثبت عليه مائلًا عن كل الأديان إليه، ونهاني أن أكون من المشركين به.
106 - ولا تَدْعُ -أيها الرسول- من دون الله من الأوثان والأصنام وغيرها ما لا يملك نفعًا فينفعك، ولا ضرًّا فيضرك، فإن عَبَدتَّها فإنك إذن من الظالمين المعتدين على حق الله وحق أنفسهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الإيمان هو السبب في رفعة صاحبه إلى الدرجات العلى والتمتع في الحياة الدنيا.
• ليس في مقدور أحد حمل أحد على الإيمان؛ لأن هذا عائد لمشيئة الله وحده.
• لا تنفع الآيات والنذر من أصر على الكفر وداوم عليه.
• وجوب الاستقامة على الدين الحق، والبعد كل البعد عن الشرك والأديان الباطلة.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 05:52 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (221)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/18.jpg


107 - وإن يصبك الله -أيها الرسول- ببلاء، وطلبت صرفه عنك فلا صارف له إلا هو سبحانه، وإن يردك برخاء فلا أحد يمنع فضله، يصيب بفضله من يشاء من عباده، فلا مكره له، وهو الغفور لمن تاب من عباده، الرحيم بهم.
108 - قل -أيها الرسول-: يا أيها الناس، قد جاءكم القرآن منزلًا من ربكم، فمن اهتدى وآمن به فنفع ذلك عائد إليه؛ لأن الله غني عن طاعة عباده، ومن ضل فإن أثر ضلاله عليه وحده، فالله لا تضره معصية عباده ولست عليكم بحفيظ أحفظ أعمالكم، وأحاسبكم عليها.
109 - واتبع -أيها الرسول- ما يوحيه إليك ربك واعمل به، واصبر على إيذاء من خالفك من قومك، وعلى تبليغ ما أمرت بتبليغه، واستمر على ذلك حتَّى يحكم الله فيهم بحكمه بنصرك عليهم في الدنيا، وبعذابهم في الآخرة إن ماتوا على كفرهم.
سورة هود
مكية

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
بيان منهج الرسل في مواجهة قومهم المكذبين.

[التَّفْسِيرُ]
1 - {الر} تقدم الكلام على نظائرها في سورة البقرة. القرآن كتاب أتقنت آياته نظمًا ومعنى، فلا ترى فيها خللًا ولا نقصًا، ثم بُيِّنَت بذكر الحلال والحرام والأمر والنهي والوعد والوعيد والقصص وغير ذلك، من عند حكيم في تدبيره وتشريعه، خبير بأحوال عباده، وبما يصلحهم.
2 - مضمون هذه الآيات المنزلة على محمد - صلى الله عليه وسلم -: نهي العباد أن يعبدوا مع الله غيره، إنني -أيها الناس- مُخَوِّف لكم من عذاب الله إن كفرتم به وعصيتموه، ومبشركم بثوابه إن آمنتم به، وعملتم بشرعه.
3 - واطلبوا -أيها الناس- مغفرة ذنوبكم من ربكم، وارجعوا إليه بالندم على ما فرطتم في جنبه، يمتعكم في حياتكم الدنيا متاعًا حسنًا إلى وقت انقضاء آجالكم المحددة، ويعط كل من له فضل في الطاعة والعمل جزاء فضله كاملًا غير منقوص، وإن تُعْرِضوا عن الإيمان بما جئت به من ربي فإني أخاف عليكم عذاب يوم شديد الأهوال وهو يوم القيامة.
4 - إلى الله وحده رجوعكم -أيها الناس- يوم القيامة، وهو سبحانه على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء، فلا يعجزه إحياؤكم وحسابكم بعد موتكم وبعثكم.
5 - ألا إن هؤلاء المشركين يحنون صدورهم ليكتموا ما فيها من شك عن الله جهلًا منهم به، ألا حين يغطون رؤوسهم بثيابهم، يعلم الله ما يكتمون وما يظهرون، إنه عليم بما تخفيه الصدور.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إن الخير والشر والنفع والضر بيد الله دون ما سواه.
• وجوب اتباع الكتاب والسُّنَّة والصبر على الأذى وانتظار الفرج من الله.
• آيات القرآن محكمة لا يوجد فيها خلل ولا باطل، وقد فُصِّلت الأحكام فيها تفصيلًا تامًّا.
• وجوب المسارعة إلى التوبة والندم على الذنوب لنيل المطلوب والنجاة من المرهوب.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 05:59 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (222)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/19.jpg


6 - وما من مخلوق يدب على وجه الأرض مهما كان إلا تكفل الله برزقه تفضُّلًا منه، ويعلم سبحانه موضع استقراره في الأرض، ويعلم موضع موته الَّذي يموت فيه، فكل من الدواب ورزقها ومواضع استقرارها ومواضع موتها، في كتاب واضح هو اللوح المحفوظ.
7 - وهو سبحانه الَّذي خلق السماوات والأرض على عظمهما، وخلق ما فيهما في ستة أيام، وكان عرشه قبل خلقهما على الماء؛ ليختبركم -أيها الناس- أيكم أحسن عملًا بما يرضي الله، وأيكم أسوأ عملًا بما يسخطه، فيجازي كلًّا بما يستحقه، ولئن قلت -أيها الرسول-: إنكم -أيها الناس- مبعوثون بعد موتكم لتحاسبوا ليقولن الذين كفروا بالله وأنكروا البعث: ما هذا القرآن الَّذي تتلوه إلا سحر واضح، فهو باطل واضح البطلان.
8 - ولئن أخرنا عن المشركين ما يستحقون من العذاب في الحياة الدنيا إلى مدة أيام معدودة ليقولُن مستعجلين له مستهزئين: أي شيء يحبس عنا العذاب؟ ألا إن العذاب الَّذي يستحقونه له أمد عند الله، ويوم يأتيهم لن يجدوا صارفًا يصرفه عنهم، بل يقع عليهم، وأحاط بهم العذاب الَّذي كانوا يستعجلونه استهزاء وسخرية.
9 - ولئن أعطينا الإنسان منا نعمة كنعمة الصحة والغنى، ثم سلبنا منه تلك النعمة إنه لكثير اليأس من رحمة الله، عظيم الكفران بنعمه، ينساها إذا سَلبها الله منه.
10 - ولئن أذقناه سعة في الرزق وصحة بعد فقر ومرض أصابه ليقولن: ذهب السوء عني، وزال الضر، ولم يشكر الله على ذلك، إنه لكثير الفرح بطرًا، وكثير التطاول على الناس والتباهي بما أنعم الله عليه.
11 - إلا الذين صبروا على المكاره والطاعات وعن المعاصي، وعملوا الأعمال الصالحات، فلهم حال آخر، حيث لا يصيبهم يأس، ولا كفر بنعم الله، ولا تطاول على الناس، أولئك المتصفون بهذه الصفات لهم مغفرة من ربهم لذنوبهم، ولهم جزاء كبير في الآخرة.
12 - فلعلك أيها الرسول -لِمَا واجهته من كفرهم وعنادهم واقتراحهم الآيات- تارك تبليغ بعض ما أمرك الله بتبليغه مما يشق عليهم العمل به، وضائق صدرك بتبليغه لئلا يقولوا: هلَّا أُنْزِل عليه كنز يغنيه، أو جاء معه ملك يصدقه، فلا تترك بعض ما يوحى إليك من أجل ذلك، فما أنت إلا نذير، تبلغ ما أمرك الله بتبليغه، وليس عليك الإتيان بما يقترحونه من الآيات، والله على كل شيء حفيظ.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• سعة علم الله تعالى وتكفله بأرزاق مخلوقاته من إنسان وحيوان وغيرهما.
• بيان علة الخلق؛ وهي اختبار العباد بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
• لا ينبغي الاغترار بإمهال الله تعالى لأهل معصيته، فإنه قد يأخذهم فجأة وهم لا يشعرون.
• بيان حال الإنسان في حالتي السعة والشدة، ومدح موقف المؤمن المتمثل في الصبر والشكر.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 06:03 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (223)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/20.jpg

23 - بل أيقول المشركون: اختلق محمد القرآن، وليس وحيًا من الله، قل -أيها الرسول- متحديًا إياهم: فأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مُخْتَلقات لا تلتزمون فيها بصدق مثل القرآن الَّذي زعمتم أنَّه مُخْتَلق، وادعوا من استطعتم دعاءه؛ لتستعينوا به على ذلك، إن كنتم صادقين في دعوى أن القرآن مُخْتَلق.
14 - فإن لم يأتوا بما طلبتم منهم لعدم قدرتهم عليه فاعلموا -أيها المؤمنون- علم يقين أن القرآن إنما أنزله الله بعلمه على رسوله وليس مُخْتَلقًا، واعلموا أن لا معبود بحق إلا الله، فهل أنتم منقادون له بعد هذه الحجج القاطعة؟
15 - من كان يريد بعمله الحياة الدنيا ومُتَعَها الفانية ولا يريد به الآخرة، نعطهم ثواب أعمالهم في الدنيا: صحة، وأمنًا، وسعة في الرزق، لا ينقصون من ثواب عملهم شيئًا.
16 - أولئك المتصفون بهذا القصد الذميم ليس لهم يوم القيامة ثواب إلا النار يدخلونها، وذهب عنهم ثواب أعمالهم، وأعمالهم باطلة؛ لأنها لم يسبقها إيمان ولا قصد صحيح، فلم يريدوا بها وجه الله والدار الآخرة.
17 - لا يستوي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي معه برهان من ربّه تعالى، ويتبعه شاهد من ربه، وهو جبريل. ويشهد له من قبل على نبوته التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام قدوة الناس ورحمتهم، لا يستوي هو ومن آمن معه مع أولئك الكافرين المُتَخَبِّطين في الضلال، أولئك يؤمنون بالقرآن، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - الَّذي أُنْزِل عليه، ومن يكفر به من أصحاب الملل فالنار موعده يوم القيامة، فلا تكن -أيها الرسول- في ارتياب من القرآن ومن موعدهم، فهو الحق الَّذي لا شك فيه، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون مع تضافر الأدلة الواضحة والبراهين الجلية.
18 - ولا أحد أظلم ممن اختلق على الله كذبًا بنسبة الشريك أو الولد إليه، أولئك الذين يختلقون الكذب على الله يُعْرَضون على ربهم يوم القيامة ليسألهم عن أعمالهم، ويقول الشهود عليهم من الملائكة والمرسلين: هؤلاء هم الذين كذبوا على الله بما نسبوه إليه من الشريك ومن الولد، ألا طرد الله من رحمته الظالمين لأنفسهم بالكذب على الله.
19 - الذين يمنعون الناس عن سبيل الله المستقيم، ويطلبون لسبيله الاعوجاج عن الاستقامة حتَّى لا يسلكها أحد، وهم يكفرون بالبعث بعد الموت ويجحدونه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تحدي الله تعالى للمشركين بالإتيان بعشر سور من مثل القرآن، وبيان عجزهم عن الإتيان بذلك.
• إذا أُعْطِي الكافر مبتغاه من الدنيا فليس له في الآخرة إلا النار.
• عظم ظلم من يفتري على الله الكذب وعظم عقابه يوم القيامة.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 06:08 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (224)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/21.jpg


20 - أولئك المتصفون بتلك الصفات لم يكونوا قادرين على الهرب في الأرض من عذاب الله إذا نزل بهم، وليس لهم حلفاء ونصراء من دون الله يدفعون عقاب الله عنهم؛ يزاد عليهم العذاب يوم القيامة بسبب صَرْفهم أنفسهم وصَرْفهم غيرهم عن سبيل الله، ما كانوا في الدنيا يستطيعون سماع الحق والهدى سماع قبول، وما كانوا يبصرون آيات الله في الكون إبصارًا يفيدهم؛ لإعراضهم الشديد عن الحق.
21 - أولئك المتصفون بتلك الصفات هم الذين خسروا أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك باتخاذ الشرك مع الله، وذهب عنهم ما كانوا يختلقونه من الشركاء والشفعاء.
22 - حقًّا إنهم يوم القيامة هم الأخسرون صفقة، حيث استبدلوا الكفر بالإيمان، والدنيا بالآخرة، والعذاب بالرحمة.
23 - إن الذين آمنوا بالله ورسله، وعملوا الأعمال الصالحات، وخضعوا وخشعوا لله أولئك هم أصحاب الجنّة، هم فيها ماكثون أبدًا.
23 - مثل فريقي الكفار والمؤمنين مثل الأعمى الَّذي لا يبصر، والأصم الَّذي لا يسمع، وهذا مثل فريق الكفار الذين لا يسمعون الحق سماع قبول، ولا يبصرونه إبصارًا ينفعهم، ومثل السميع البصير، وهذا مثل فريق المؤمنين الَّذي يجمع بين السمع والإبصار، هل يستوي هذان الفريقان حالًا وصفة؟! لا يستويان، أفلا تعتبرون بعدم استوائهما؟! ولما ظهر ما ظهر من إعراض المشركين عن الإيمان سلّى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأنه ليس هو أول من كُذِّب، وذلك بذكر قصص الأنبياء، فقال سبحانه:
25 - ولقد بعثنا نوحًا عليه السلام رسولًا إلى قومه، فقال لهم: يا قوم، إني نذير لكم من عذاب الله، مبين لكم ما أرسلت به إليكم.
26 - وأدعوكم إلى عبادة الله وحده، فلا تعبدوا إلا إياه، إني أخات عليكم عذاب يوم مؤلم.
27 - فقال الأشراف والرؤساء الذين كفروا من قومه: لن نستجيب لدعوتك؛ لأنه لا مزية لك علينا، فأنت بشر مثلنا، ولأننا لا نراك اتبعك إلا سَفَلَتُنا فيما ظهر لنا من رأينا، ولأنه ليس لكم زيادة في الشرف والمال والجاه تؤهلكم لأن نتبعكم، بل نظنكم كاذبين فيما تدعونه.
28 - قال لهم نوح: يا قوم، أخبروني إن كنت على برهان من ربي يشهد لصدقي، ويوجب عليكم تصديقي، وأعطاني رحمة من عنده وهي النبوة والرسالة، وأُخْفِيت عليكم لجهلكم بها؛ أنجبركم على الإيمان بها، وندخله في قلوبكم كرهًا؟! لا نقدر على ذلك، فالذي يوفق للإيمان هو الله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الكافر لا ينتفع بسمعه وبصره انتفاعًا يقود للإيمان، فهما كالمُنْتَفِيَين عنه بخلاف المؤمن.
• سُنَّة الله في أتباع الرسل أنهم الفقراء والضعفاء لخلوِّهم من الكِبْر، وخُصُومهم الأشراف والرؤساء.
• تكبُّر الأشراف والرؤساء واحتقارهم لمن دونهم في غالب الأحيان.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 06:13 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (225)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/22.jpg


29 - ويا قوم، لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة مالًا، فما ثوابي إلا على الله، ولست بمُبْعِدٍ عن مجلسي الفقراء من المؤمنين الذين طَلبتم طردهم، إنهم ملاقو ربهم يوم القيامة، وهو مجازيهم على إيمانهم، ولكني أراكم قومًا لا تفهمون حقيقة هذه الدعوة حين تطلبون طرد الضعفاء من المؤمنين.
30 - ويا قوم، من يدفع عني عذاب الله إن طردت هؤلاء المؤمنين ظلمًا بغير ذنب؟ أفلا تتذكرون، وتسعون إلى ما هو أصلح لكم وأنفع؟!
31 - ولا أقول لكم -يا قومي-: عندي خزائن الله التي فيها رزقه، أنفقها عليكم إن آمنتم، ولا أقول لكم: إني أعلم الغيب، ولا أقول لكم: إني من الملائكة، بل أنا بشر مثلكم، ولا أقول عن الفقراء الذين تحتقرهم أعينكم وتستصغرهم: لن يعطيهم الله توفيقًا ولا هداية، الله أعلم بنياتهم وأحوالهم، إني إن ادعيت ذلك لمن الظالمين الذين يستحقون عذاب الله.
32 - قالوا تَعَنُّتًا وتكبرًا: يا نوح، قد خاصمتنا وناظرتنا، فأكثرت مخاصمتنا ومناظرتنا، فأتنا بما تعدنا به من العذاب إن كنت من الصادقين فيما تدعيه.
33 - قال لهم نوح: أنا لا آتيكم بالعذاب، إنما يأتيكم به الله إن شاء، وما أنتم بقادرين على الإفلات من عذاب الله إن أراد بكم عذابًا.
34 - ولا ينفعكم نصحي وتذكيري لكم، إن كان الله يريد أن يضلَّكم عن الصراط المستقيم، ويخذلكم عن الهداية بسبب عنادكم، هو ربكم، فهو الَّذي يملك أمركم، فيضلكم إن شاء، وإليه وحده ترجعون يوم القيامة، فيجازيكم على أعمالكم.
35 - وسبب كفر قوم نوح أنهم يزعمون أنَّه اختلق على الله هذا الدين الَّذي جاء به، قل لهم -أيها الرسول-: إن اختلفته، فعلى وحدي عقاب إثمي، ولا أتحمل من إثم تكذيبكم شيئًا، فأنا بريء منه.
36 - وأوحى الله إلى نوح: أنَّه لن يؤمن من قومك -يا نوح- إلا من قد آمن من قبل، فلا تحزن -يا نوح- بسبب ما كانوا يفعلونه من التكذيب والاستهزاء خلال تلك المدة الطويلة.
37 - واصنع السفينة بمرأى منا محفوظًا منا، وبوحينا بتعليمك كيف تصنعها، ولا تخاطبني طالبًا إمهال الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، إنهم مُغْرَقون -لا محالة- بالطوفان؛ عقابًا لهم على إصرارهم على الكفر.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عفة الداعية إلى الله وأنه يرجو منه الثواب وحده.
• حرمة طرد فقراء المؤمنين، ووجوب إكرامهم واحترامهم.
• استئثار الله تعالى وحده بعلم الغيب.
• مشروعية جدال الكفار ومناظرتهم.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 06:17 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (226)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/23.jpg


38 - فامتثل نوح أمر ربه، وطَفِقَ يصنع السفينة، وكلما مر عليه كبراء قومه وسادتهم استهزؤوا به؛ لما يقوم به من صنع السفينة وليس في أرضه ماء ولا أنهار، فلما تكرر استهزؤوا به؛ قال: إن تستهزئوا -أيها الملأ- منا اليوم عندما نصنع السفينة، فإنا نستهزئ بكم لجهلكم بما يصير إليه أمركم من الغرق.
39 - فسوف تعلمون من يأتيه عذاب في الدنيا يذله ويهينه، وينزل عليه يوم القيامة عقاب دائم لا ينقطع.
40 - وأنهى نوح عليه السلام صنع السفينة التي أمره الله بصنعها، حتَّى إذا جاء أمرنا بإهلاكهم، وفار الماء من التنور الذي كانوا يخبزون فيه؛ إعلامًا ببدء الطوفان؛ قلنا لنوح عليه السلام: احمل في السفينة من كل صنف من الحيوان فوق الأرض زوجين: ذكرًا وأنثى، واحمل أهلك إلا من سبق الحكم بأنه مغرق؛ لكونه لم يؤمن، واحمل من آمن معك من قومك، وما آمن معه من قومه إلا عدد قليل على طول المدة التي مكث فيها يدعوهم إلى الإيمان بالله.
41 - وقال نوح لمن آمن من أهله وقومه: اركبوا في السفينة، باسم الله يكون جري السفينة، وباسمه يكون رُسُوُّها، إن ربي غفور لذنوب من تاب من عباده، رحيم بهم، ومن رحمته بالمؤمنين أن أنجاهم من الهلاك.
42 - والسفينة تسير بمن فيها من الناس وغيرهم في موج عظيم مثل الجبال، وبعاطفة الأبوة نادى نوح عليه السلام ابنه الكافر، وكان منفردًا عن أبيه وقومه في مكان: يا بني اركب معنا في السفينة؛ لتنجو من الغرق، ولا تكن مع الكافرين، فيصيبك ما أصابهم من الهلاك بالغرق.
43 - قال ابن نوح لنوح: سألجأ إلى جبل مرتفع؛ ليمنعني من وصول الماء إليَّ، قال نوحٌ لابنه: لا مانع اليوم من عذاب الله بالغرق بالطوفان إلا اللهُ الرَّاحمُ برحمته من يشاء سبحانه، فإنه يمنعه من الغرف، وفرَّق الموجُ بين نوح وابنه الكافر، فكان ابنه من المغرقين بالطوفان لكفره.
44 - وقال الله للأرض بعد نهاية الطوفان: يا أرض، اشربي ما عليك من ماء الطوفان، وقال للسماء: يا سماء أمسكي ولا ترسلي المطر، ونَقَصَ الماء حتَّى جفت الأرض، وأهلك الله الكافرين، ووقفت السفينة على جبل الجودي، وقيل: بُعْدًا وهلاكًا للقوم المتجاوزين لحدود الله بالكفر.
45 - ونادى نوح عليه السلام ربه مستغيثًا به، فقال: يا رب، إن ابني من أهلي الذين وعدتني بإنجائهم، وإن وعدك هو الصدق الَّذي لا خُلْف فيه، وأنت أعدل الحاكمين وأعلمهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان عادة المشركين في الاستهزاء والسخرية بالأنبياء وأتباعهم.
• بيان سُنَّة الله في الناس وهي أن أكثرهم لا يؤمنون.
• لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا عاصم من أمره إلا هو سبحانه.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 06:21 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (227)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/24.jpg


46 - قال الله لنوح: يا نوح، إن ابنك الَّذي سألتني إنجاءه ليس من أهلك الذين وعدتك بإنجائهم؛ لأنه كافر، إن سؤالك يا نوح عمل غير مناسب منك، ولا يصلح لمن هو في مقامك، فلا تسألني ما ليس لك به علم، إني أحذرك أن تكون من الجاهلين، فتسألني ما يخالف علمي وحكمتي.
47 - قال نوح عليه السلام: رب، إني ألتجئ وأعتصم بك من أن أسألك ما لا علم لي به، وإن لم تغفر لي ذنبي، وترحمني برحمتك، أكن من الخاسرين الذين خسروا حظوظهم في الآخرة.
48 - قال الله لنوح عليه السلام: يا نوح، انزِل من السفينة على الأرض بسلامة وأمن، وبنِعَمٍ من الله كثيرة عليك، وعلى ذرية من كانوا معك في السفينة من المؤمنين يأتون من بعدك، وثمّة أمم أخرى من ذريتهم كافرون سنمتعهم في هذه الحياة الدنيا، ونعطيهم ما يعيشون به، ثم ينالهم منا في الآخرة عذاب موجع.
49 - قصة نوح هذه من أخبار الغيب، ما كنت -أيها الرسول- تعلمها أنت، وما كان قومك يعلمونها من قبل هذا الوحي الَّذي أوحيناه إليك، فاصبر على أذى قومك وتكذيبهم كما صبر نوح عليه السلام، إن النصر والغلبة للذين يمتثلون أوامر الله، ويجتنبون نواهيه.
50 - وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا عليه السلام، قال لهم: يا قوم، اعبدوا الله ولا تشركوا معه أحدًا، ليس لكم معبود بحق غيره سبحانه، ولستم في دعواكم أن له شريكًا إلا كاذبين.
51 - يا قوم، لا أطلب منكم ثوابًا على ما أبلغكم من ربي، وأدعوكم إليه، ليس ثوابي إلا على الله الذي خلقني، أفلا تعقلون ذلك، وتستجيبون لما أدعوكم إليه؟!
52 - ويا قوم، اطلبوا المغفرة من الله، ثم توبوا إليه من ذنوبكم -وأكبرها الشرك- يُثِبْكُم على ذلك بإنزال المطر الكثير، ويزدكم عزًّا إلى عزكم بإكثار الذرية والأموال، ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه، فتكونوا من المجرمين بإعراضكم عن دعوتي، وكفركم بالله وتكذيبكم بما جئت به.
53 - قال قومه: يا هود، ما جئتنا بحجة جلية تجعلنا نؤمن بك، ولسنا بتاركي عبادة آلهتنا من أجل قولك الخالي من حجة، ولسنا بمؤمنين لك فيما تدعيه من أنك رسول.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• لا يملك الأنبياء الشفاعة لمن كفر بالله حتَّى لو كانوا أبناءهم.
• عفة الداعية وتنزهه عما في أيدي الناس أقرب للقبول منه.
• فضل الاستغفار والتوبة، وأنهما سبب إنزال المطر وزيادة الذرية والأموال.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 06:26 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (228)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/25.jpg


54 - 55 - ما نقول إلا أنَّه أصابك بعض آلهتنا بجنون لما كنت تنهانا عن عبادتهم، قال هود: إني أشهد الله، واشهدوا أنتم أني بريء من عبادة آلهتكم التي تعبدونها من دون الله، فامكروا بي أنتم وآلهتكم التي تزعمون أنها أصابتني بجنون، ثم لا تمهلوني.
56 - إني توكلت على الله وحده، واعتمدت عليه في أمري، فهو ربي وربكم، ما من شيء يدب على وجه الأرض إلا وهو خاضع لله تحت ملكه وسلطانه، يصرفه كيف يشاء، إن ربي على الحق والعدل، فلن يسلطكم علي؛ لأني على الحق وأنتم على الباطل.
57 - فإن تعرضوا وتدبروا عما جئت به فما عليّ إلا إبلاغكم، وقد أبلغتكم كل ما أرسلني الله به، وأمرني بإبلاغه، وقد قامت عليكم الحجة، وسيهلككم ربي، ويأتي بموم غيركم يخلفونكم، ولا تضرون الله ضررًا كبيرًا ولا صغيرًا بتكذيبكم وإعراضكم؛ لأنه غني عن عباده، إن ربي على كل شيء رقيب، فهو الَّذي يحفظني من السوء الَّذي تكيدونني به.
58 - ولما جاء أمرنا بإهلاكهم سلّمنا هودًا والذين آمنوا معه برحمة منا نالتهم، وسلمناهم من عذاب شديد عذبنا به قومه الكافرين.
59 - وتلك عاد كفروا بآيات الله ربهم، وعصوا رسولهم هودًا، وأطاعوا أمر كل متكبر على الحق، طاغٍ لا يقبله، ولا يذعن له.
60 - ولحقهم في هذه الحياة الدنيا الخزي والطرد من رحمة الله، وكذلك يوم القيامة هم مُبعدون من رحمة الله، وذلك بسبب كفرهم بالله تعالى، ألا فأبعدهم الله من كل خير، وقرّبهم من كل شرّ.
61 - وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا، قال: يا قوم، اعبدوا الله وحده، ما لكم من معبود يستحق العبادة غيره، هو خلقكم من تراب الأرض بخلق أبيكم آدم منه، وجعلكم عُمَّارَها، فاطلبوا منه المغفرة ثم ارجعوا إليه بعمل الطاعات وترك المعاصي، إن ربي قريب ممن أخلص له العبادة، مجيب من دعاه.
62 - قال له قومه: يا صالح، قد كنت فينا صاحب مكانة عالية قبل دعوتك هذه، فقد كنا نرجو أن تكون عاقلًا صاحب نصح ومشورة، أتنهانا -يا صالح- عن عبادة ما كان آباؤنا يعبدونه؟ وإننا لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله، يجعلنا نتهمك بالكذب على الله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من وسائل المشركين في التنفير من الرسل الاتهام بخفة العقل والجنون.
• ضعف المشركين في كيدهم وعدائهم، فهم خاضعون لله مقهورون تحت أمره وسلطانه.
• أدلة الربوبية من الخلق والإنشاء مقتضية لتوحيد الألوهية وترك ما سوى الله.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 06:30 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (229)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/26.jpg


63 - قال صالح ردًّا على قومه: يا قوم، أخبروني إن كنت على حجة واضحة من ربي، وأعطاني منه رحمة وهي النبوة، فمن يمنعني من عقابه إن أنا عصيته بترك تبليغ ما أمرني بتبليغه إليكم؟ فما تزيدونني غير تضليل وبعد عن مرضاته.
64 - ويا قوم، هذه ناقة الله لكم علامة على صدقي، فاتركوها ترعى في أرض الله، ولا تتعرضوا لها بأي أذى فينالكم عذاب قريب من وقت عَقْرِكم لها.
65 - فنحروها إمعانًا في التكذيب، فقال لهم صالح: استمتعوا بالحياة في أرضكم مدة ثلاثة أيام من عَقْرِكم إياها، ثم يأتيكم عذاب الله، فإتيان عذابه بعد ذلك وعد واقع لا محالة غير مكذوب، بل هو وعد صدق.
66 - فلما جاء أمرنا بإهلاكهم سلّمنا صالحًا والذين آمنوا معه برحمة منا، وسلّمناهم من هوان ذلك اليوم وذلَّته، إن ربك -أيها الرسول- هو القوي العزيز الَّذي لا يغالبه أحد، ولذلك أهلك الأمم المكذبة.
67 - وأخذ صوت شديد مهلك ثمود فماتوا من شِدَّتِه، وأصبحوا ساقطين على وجوههم، قد لصقت وجوههم بالتراب.
68 - كأن لم يقيموا في بلادهم في نعمة ورغد عيش، ألا إن ثمود كفروا بالله ربهم، لا زالوا مُبْعَدِين من رحمة الله.
69 - ولقد جاءت الملائكة في هيئة رجال إلى إبراهيم عليه السلام؛ مبشرين إياه وزوجته بإسحاق ثم بيعقوب، فقال الملائكة: سلامًا، فرد عليهم إبراهيم بقوله: سلام، وذهب مسرعًا، فجاءهم بعجل مشوي؛ ليأكلوا منه ظنًّا منه أنهم رجال.
70 - فلما رأى إبراهيم أنَّ أيديهم لا تصل إلى العجل، وأنهم لم يأكلوا منه استنكر ذلك منهم، وأخفى في نفسه الخوف منهم، فلما رأت الملائكة خوفه منهم قالوا: لا تخف منا، نحن بَعثنا الله إلى قوم لوط لنعذبهم.
71 - وامرأة إبراهيم "سارة" قائمة، فأخبرناها بما يسرها، وهو أنها تلد إسحاق، ويكون لإسحاق ولد هو يعقوب، فضحكت واستبشرت بما سمعت.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عناد واستكبار المشركين حيث لم يؤمنوا بآية صالح عليه السلام وهي من أعظم الآيات.
• استحباب تبشير المؤمن بما هو خير له.
• مشروعية السلام لمن دخل على غيره، ووجوب الرد.
• وجوب إكرام الضيف.

ابو وليد البحيرى
2020-01-07, 06:34 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (230)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة


https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/27.jpg


72 - قالت سارة لما بشرتها الملائكة بتلك البشرى متعجبة: كيف ألد وأنا كبيرة آيسة من الولد، وهذا زوجي بلغ سن الشيخوخة؟! إن إنجاب ولد في هذه الحالة شيء عجيب، لم تَجْر العادة به.
73 - قالت الملائكة لسارة لمَّا تعجبت من البشرى: أتعجبين من قضاء الله وقدره؟ فمثلك لا يخفى عليه أن الله قادر على مثل هذا، رحمة الله وبركاته عليكم -يا أهل بيت إبراهيم- إن الله حميد في صفاته وأفعاله، ذو مجد ورفعة.
74 - فلما ذهب عن إبراهيم عليه السلام الخوف الَّذي أصابه من ضيوفه الذين لم يأكلوا طعامه بعد علمه أنهم ملائكة، وجاءه الخبر السار بأنه سيولد له إسحاق، ثم يعقوب، طفق يجادل رسلنا في شأن قوم لوط؛ لعلهم يؤخرون عنهم العذاب، ولعلهم ينجون لوطًا وأهله.
75 - إن إبراهيم حليم، يحب تأخير العقوبة، كثير التضرع إلى ربه، كثير الدعاء، تائب إليه.
76 - قال الملائكة: يا إبراهيم، أعرض عن هذا الجدال في قوم لوط، إنه قد جاء أمر ربك بإيقاع العذاب الَّذي قدره عليهم، وإن قوم لوط آتيهم عذاب عظيم، لا يرده جدال ولا دعاء.
77 - ولما جاءت الملائكة لوطًا في هيئة رجال ساءه مجيئهم، وضاق صدره بسبب الخوف عليهم من قومه الذين يأتون الرجال شهوة من دون النساء، وقال لوط: هذا يوم شديد؛ لظنه أن قومه سيغالبونه على ضيوفه.
78 - وجاء قوم لوط لوطًا مسرعين قاصدين فعل الفاحشة بضيوفه، ومن قبل ذلك كان عادتهم إتيان الرجال شهوة من دون النساء، قال لوط مدافعًا قومه ومعذرًا لنفسه أمام ضيوفه: هؤلاء بناتي من جملة نسائكم فتزوجوهن؛ فهن أطهر لكم من فعل الفاحشة، فخافوا من الله، ولا تجلبوا لي العار في ضيوفي، أليس منكم -يا قوم- رجل ذو عقل سديد ينهاكم عن هذا الفعل القبيح؟!
79 - قال له قومه: لقد علمت -يا لوط- أنَّه ليس لنا حاجة في بناتك ولا نساء قومك، ولا شهوة، وإنك لتعلم ما نريده، فلا نريد إلا الرجال.
80 - قال لوط: ليت لي قوة أدفعكم بها، أو عشيرة تمنعني، فأحول بينكم وبين ضيوفي.
81 - قالت الملائكة للوط عليه السلام: يا لوط، إنا رسلٌ أرسلنا الله، لن يصل إليك قومك بسوء، فاخرج بأهلك من هذه القرية ليلًا في ساعة مظلمة، , ولا ينظر أحدكم إلى ما وراءه، إلا امرأتك ستلتفت مخالفة؛ لأنه سينالها ما نال قومك من العذاب، إن موعد إهلاكهم الصبح، وهو موعد قريب.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان فضل ومنزلة خليل الله إبراهيم عليه السلام، وأهل بيته.
• مشروعية الجدال عمن يُرجى له الإيمان قبل الرفع إلى الحاكم.
• بيان فظاعة وقبح عمل قوم لوط.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:00 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (231)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/44.jpg


82 - فلما جاء أمرنا بإهلاك قوم لوط صَيَّرنا عالي قراهم سافلها برفعها وقلبها بهم، وأمطرنا عليهم حجارة من طين متصلب مصفوف بعضها فوق بعض بتتابع.
83 - هذه الحجارة مُعَلَّمة عند الله بعلامة خاصة، وليست هذه الحجارة من الظالمين من قريش وغيرهم ببعيدة، بل هي قريبة متى قدَّر الله إنزالها عليهم نزلت.
84 - وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبًا , قال: يا قوم، اعبدوا الله وحده، ما لكم من معبود يستحق العبادة غيره، ولا تنقصوا الكيل والوزن إذا كلتم الناس أو وزنتموهم، إني أراكم في سعة من الرزق ونعمة، فلا تغيروا عليكم نعمة الله بالمعاصي، وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط يدرك كل أحد منكم، تجدون منه مهربًا ولا ملجأ.
85 - ويا قوم، أتمُّوا المكيال والميزان بالعدل إن كلتم أو وزنتم لغيركم، ولا تنقصوا الناس من حقوقهم شيئًا بالتطفيف والغش والخداع، ولا تفسدوا في الأرض بالقتل وغيره من المعاصي.
86 - بقيَّة الله التي يبقيها لكم من الحلال بعد إيفاء حقوق الناس بالعدل، أكثر نفعًا وبركة من الزيادة الحاصلة بالتطفيف والإفساد في الأرض، إن كنتم مؤمنين حقًّا فارضوا بتلك البقية، ولست عليكم برقيب أحصي أعمالكم، وأحاسبكم عليها، إنما الرقيب على ذلك هو من يعلم السر والنجوى.
87 - قال قوم شعيب لشعيب: يا شعيب، أصلاتك التي تصليها لله تأمرك أن نترك عبادة ما كان آباؤنا يعبدونه من الأصنام، وتأمرك أن نترك التصرف في أموالنا بما نشاء، وننميها بما نشاء؟! إنك لأنت الحليم الرشيد، فإنك أنت العاقل الحكيم كما عرفناك قبل هذه الدعوة، فما الَّذي أصابك؟!
88 - قال شعيب لقومه: يا قوم، أخبروني عن حالكم إن كنت على برهان واضح من ربي، وبصيرة منه، ورزقني منه رزقًا حلالًا، ومنه النبوة، وما أريد أن أنهاكم عن شيء وأخالفكم في فعله، لا أريد إلا إصلاحكم بدعوتكم إلى توحيد ربكم وطاعته قدر استطاعتي، وما توفيقي إلى الحصول على ذلك إلا بالله سبحانه، عليه وحده توكلت في جميع أموري، وإليه أرجع.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من سنن الله إهلاك الظالمين بأشد العقوبات وأفظعها.
• حرمة نقص الكيل والوزن وبخس الناس حقوقهم.
• وجوب الرضا بالحلال وإن قل.
• فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب العمل بما يأمر الله به، والانتهاء عما ينهى عنه.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:04 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (232)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة


https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/45.jpg


89 - ويا قوم، لا تَحْمِلَنَّكم عداوتي على التكذيب بما جئت به؛ خوف أن ينالكم من العذاب مثلُ ما نال قوم نوح أو قوم هود أو قومِ صالح، وما قوم لوط منكم ببعيد، لا زمانا ولا مكانًا، وقد علمتم ما أصابهم، فاعتبروا.
90 - واطلبوا المغفرة من ربكم، ثم توبوا إليه من ذنوبكم، إن ربي رحيم بالتائبين، شديد المحبة لمن تاب منهم.
91 - قال قوم شعيب لشعيب: يا شعيب، ما نفهم كثيرًا مما جئت به، وإنا لنراك فينا ذا ضعف لما أصاب عينيك من ضعف أو عمى، ولولا أنَّ عشيرتك على ملتنا لقتلناك بالرمي بالحجارة، ولست علينا بعزيز حتَّى نهاب قتلك، وإنما تركنا قتلك احترامًا لعشيرتك.
92 - قال شعيب لقومه: يا قوم، أعشيرتي أكرم عندكم وأعز من الله ربكم؟! وتركتم الله وراءكم منبوذًا حين لم تؤمنوا بنبيه الَّذي بعثه إليكم، إن ربي بما تعملون محيط، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيجازيكم عليها في الدنيا بالإهلاك، وفي الآخرة بالعذاب.
93 - ويا قوم، اعملوا ما تستطيعونه على طريقتكم التي ارتضيتموها، إني عامل على طريقتي التي ارتضيتها بما أستطيعه، سوف تعلمون من منا يأتيه عذاب يذله عقابًا له، ومن منا هو كاذب فيما يدعيه، فانتظروا ما يقضي به الله، إني معكم منتظر.
94 - ولما جاء أمرنا بإهلاك قوم شعيب أنقذنا شعيبًا والذين آمنوا معه برحمة منا، وأصاب الذين ظلموا من قومه صوت شديد مهلك فماتوا، وأصبحوا ساقطين على وجوههم، قد لصقت وجوههم بالتراب.
95 - كأن لم يقيموا فيها من قبل، ألا طُردت مدين من رحمة الله بحلول نقمته عليهم، كما طردت منها ثمود بإنزال سخطه عليهم.
96 - ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الدالة على توحيد الله، وبحججنا الواضحة الدالة على صدق ما جاء به.
97 - أرسلناه إلى فرعون والأشراف من قومه، فاتبع هؤلاء الأشراف أمر فرعون لهم بالكفر بالله، وليس أمر فرعون بأمر ذي إصابة للحق حتَّى يتبع.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ذمّ الجهلة الذين لا يفقهون عن الأنبياء ما جاؤوا به من الآيات.
• ذمّ وتسفيه من اشتغل بأوامر الناس، وأعرض عن أوامر الله.
• بيان دور العشيرة في نصرة الدعوة والدعاة.
• طرد المشركين من رحمة الله تعالى.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:09 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (233)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/46.jpg

98 - يتقدم فرعون قومه يوم القيامة حتَّى يدخلهم النار وإياه، وساء المَوْرِد الَّذي يوردهم إليه.
99 - وأتبعهم الله في الحياة الدنيا لعنة وطردًا وإبعادًا من رحمته مع ما أصابهم من الهلاك بالغرق، وأتبعهم طردًا وإبعادًا منها يوم القيامة، ساء ما حصل لهم من ترادف اللعنتين والعذاب في الدنيا والآخرة.
100 - ذلك المذكور في هذه السورة من أخبار القرى نخبرك -أيها الرسول- به، من هذه القرى ما هو قائم المعالم، ومنها ما مُحِيَت معالمه، فلم يبق له أثر.
101 - وما ظلمناهم بما أصبناهم به من هلاك، ولكن ظلموا أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك بكفرهم بالله، فما دفعت عنهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ما نزل بهم من عذاب حين جاء أمر ربك -أيها الرسول- بإهلاكهم، وما زادتهم آلهتهم هذه إلا خسرانًا وهلاكًا.
102 - وكذلك الأخذ والاستئصال الَّذي أخذ الله أخذه للقرى الظالمة أخذ مؤلم قوي.
103 - إن في أخذ الله الشديد لتلك القرى الظالمة لعبرة وعظة لمن خاف عذاب يوم القيامة، ذلك اليوم الذي يجمع الله له الناس لمحاسبتهم، وذلك يوم مشهود يشهده أهل المحشر.
104 - ولا نؤخر ذلك اليوم المشهود إلا لأجل معلوم العدد.
105 - يوم يأتي ذلك اليوم لا تتكلم أي نفس بحجة أو شفاعة إلا بعد إذنه، والناس فيه نوعان: شقي يدخل النار، وسعيد يدخل الجنّة.
106 - فأما الأشقياء لكفرهم وفساد أعمالهم فيدخلون في النار، ترتفع فيها أصواتهم وأنفاسهم من شدة ما يعانون من لهيبها.
107 - ماكثون فيها أبدًا، لا يخرجون منها ما دامت السماوات والأرض، إلا من شاء الله إخراجه من عصاة الموحدين، إن ربك -أيها الرسول- فَغَال لما يريده، فلا مُسْتَكْرِه له سبحانه.
108 - وأما السعداء الذين سبقت لهم السعادة من الله لإيمانهم وصلاح أعمالهم، فهم في الجنّة ماكثون فيها أبدًا ما دامت السماوات والأرض، إلا من شاء الله إدخاله النار قبل الجنّة من عصاة المؤمنين، إن نعيم الله لأهل الجنّة غير مقطوع عنهم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• التحذير من اتّباع رؤساء الشر والفساد، وبيان شؤم اتباعهم في الدارين.
• تنزه الله تعالى عن الظلم في إهلاك أهل الشرك والمعاصي.
• لا تنفع آلهة المشركين عابديها يوم القيامة، ولا تدفع عنهم العذاب.
• انقسام الناس يوم القيامة إلى: سعيد خالد في الجنان، وشقي خالد في النيران.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:12 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (234)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/47.jpg


109 - فلا تكن -أيها الرسول- في ارتياب وشك من فساد ما يعبده هؤلاء المشركون، فليس لهم على صحته برهان عقلي ولا شرعي، وإنما الحامل لهم، على عبادة غير الله تقليدهم لآبائهم، وإنا لمُتِمُّون لهم نصيبهم من العذاب دون نقص.
110 - ولقد أعطينا موسى التوراة، فاختلف الناس فيها، فآمن بعضهم بها، وكفر بعض، ولولا قضاء من الله سبق أنه لا يُعَجِّل العذاب، بل يؤخره إلى يوم القيامة لحكمة، لنزل بهم ما يستحقون من العذاب في الدنيا، وإن الكافرين من يهود ومشركين لفي شك من القرآن مُوقِع في الارتياب.
111 - وإن كل من ذُكِر من المختلفين ليُتِمَّنَّ له ربك -أيها الرسول- جزاء أعمالهم، فما كان خيرًا كان جزاؤه خيرًا ,وما كان شرًّا كان جزاؤه شرًّا، إن الله بدقائق ما يعملونه عليم، لا يخفى عليه من أعمالهم شيء.
112 - داوم على الالتزام بالطريق المستقيم -أيها الرسول- كما أمرك الله، فامتثل أوامره، واجتنب نواهيه، وليستقم من تاب معك من المؤمنين، ولا تتجاوزوا الحد بارتكاب المعاصي، إنه بما تعملون بصير، لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، وسيجازيكم عليها.
113 - ولا تميلوا إلى الكفار الظالمين بمداهنة أو مودّة، فتصيبكم النار بسبب ذلك الميل، وليس لكم من دون الله أولياء ينقذونكم منها، ثم لا تجدون من ينصركم.
114 - وأقم -أيها الرسول- الصلاة على أحسن وجه في طرفي النهار وهما أول النهار وآخره، وأقمها في ساعات من الليل، إن الأعمال الصالحات تمحو صغائر الذنوب، ذلك المذكور موعظة للمتعظين، وعبرة للمعتبرين.
115 - واصبر على فعل ما أمرت به من الاستقامة وغيرها، وعلى ترك ما نهيت عنه من الطغيان والركون إلى الظلمة، إن الله لا يبطل ثواب المحسنين، بل يتقبل منهم أحسن الَّذي عملوا، ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.
116 - فهلَّا كان من الأمم المعذبة قبلكم بقية من أهل الفضل والصلاح ينهون تلك الأمم عن الكفر، وعن الفساد في الأرض بالمعاصي، لم تكن منهم تلك البقية، إلا قليل منهم كانوا ينهون عن الفساد، فأنجيناهم حين أهلكنا قومهم الظالمين، واتبع الظالمون من أقوامهم ما هم فيه من النعيم، , وكانوا ظالمين باتباعهم ذلك.
117 - وما كان ربك -أيها الرسول- ليهلك قرية من القرى إذا كان أهلها مصلحين في الأرض، إنما يهلكها إن كان أهلها مفسدين بالكفر والظلم والمعاصي.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب الاستقامة على دين الله تعالى.
• التحذير من الركون إلى الكفار الظالمين بمداهنة أو مودة.
• بيان سُنَّة الله تعالى في أن الحسنة تمحو السيئة.
• الحث على إيجاد جماعة من أولي الفضل يأمرون بالمعروف، وينهون عن الفساد والشر، وأنهم عصمة من عذاب الله.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:17 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (235)
(سُوْرَةُ هود)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/48.jpg

118 - ولو شاء ربك -أيها الرسول- أن يجعل الناس أمة واحدة على الحق لفعل، لكنه لم يشأ ذلك، فلا يزالون مختلفين فيه بسبب اتباع الهوى والبغي.
119 - إلا من رحمهم الله بالتوفيق للهداية، فإنهم لا يختلفون في توحيده سبحانه، ولذلك الاختبار بالاختلاف خلقهم سبحانه، فمنهم شقي وسعيد، وتمت كلمة ربك -أيها الرسول- التي قضاها في الأزل بملء جهنم من أتباع الشيطان من الجن والناس.
120 - وكل خبر نقصه عليك -أيها الرسول- من أخبار الرسل من قبلك نقصه لنُثَبِّت به قلبك على الحق ونقوّيه، وجاءك في هذه السورة الحق الَّذي لا شك فيه، وجاءتك فيها موعظة للكافرين، وذكرى للمؤمنين الذين ينتفعون بالذكرى.
121 - وقل -أيها الرسول- للذين لا يؤمنون بالله، ولا يوحدونه: اعملوا على طريقكم في الإعراض عن الحق والصد عنه، إنا عاملون على طريقنا من الثبات عليه، والدعوة له، والصبر عليه.
122 - وترقبوا ما ينزل بنا، إنا مترقبون ما ينزل بكم.
123 - ولله وحده علم ما غاب في السماوات، وما غاب في الأرض، لا يخفى عليه شيء منه، وإليه وحده يرجع الأمر جميعه يوم القيامة، فاعبده -أيها الرسول- وحده، وتوكل عليه في كل أمورك، وليس ربك بغافل عما تعملون، بل هو عليم به، وسيجازي كلًّا بما عمل.
سورة يوسف
مكية

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
الوعد بالتمكين بعد الابتلاء المبين، تثبيتًا ووعدًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين.
[التَّفْسِيرُ]
1 - {الر} سبق الكلام عليها وعلى نظائرها في بداية سورة البقرة. هذه الآيات التي أنزلت في هذه السورة من آيات القرآن الواضح فيما اشتمل عليه.
2 - إنا أنزلنا القرآن بلغة العرب لعلكم -أيها العرب- تفهمون معانيه.
3 - نحن نقص عليك -أيها الرسول- أحسن القصص لصدقها وسلامة ألفاظها وبلاغتها، بإنزالنا عليك هذا القرآن، وإنك كنت من قبل إنزاله من الغافلين عن هذا القصص، لا علم لك به.
4 - نخبرك -أيها الرسول- حين قال يوسف لأبيه يعقوب: يا أبت، إني رأيت في المنام أحد عشر كوكبًا، ورأيت الشمس والقمر، رأيت كل أولئك لي ساجدين، فكانت هذه الرؤيا عاجل بشرى ليوسف عليه السلام.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان الحكمة من القصص القرآني، وهي تثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وموعظة المؤمنين.
• انفراد الله تعالى بعلم الغيب لا يشركه فيه أحد.
• الحكمة من نزول القرآن عربيًّا أن يعقله العرب؛ ليبلغوه إلى غيرهم.
• اشتمال القرآن على أحسن القصص.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:20 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (236)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/49.jpg


5 - قال يعقوب لابنه يوسف: يا بني، لا تذكر رؤياك لإخوتك، فيفهموها، ويحسدوك، فيدبروا لك مكيدة حسدًا منهم، إن الشيطان للإنسان عدو واضح العداوة.
6 - وكما رأيت تلك الرؤيا يختارك -يا يوسف- ربك، ويعلمك تعبير الرؤى، ويكمل نعمته عليك بالنبوة كما أتم نعمته على أبويك من قبلك: إبراهيم وإسحاق، إن ربك عليم بخلقه، حكيم في تدبيره.
7 - لقد كان في خبر يوسف وخبر إخوته عبر وعظات للسائلين عن أخبارهم.
8 - حين قال إخوته فيما بينهم: ليوسف وأخوه الشقيق أحب إلى أبينا منا ونحن جماعة ذوو عدد فكيف فضَّلهما علينا؟ إنا لنراه في خطأ بيِّن حين فضَّلهما علينا من غير سبب يظهر لنا.
9 - اقتلوا يوسف، أو غيِّبوه في أرض بعيدة؛ يَخْلُصْ لكم وجه أبيكم فيحبكم حبًّا كاملًا، وتكونوا من بعد ما تقدمون عليه من قتله أو تغييبه قومًا صالحين، حين تتوبون من ذنبكم.
10 - قال أحد الإخوة: لا تقتلوا يوسف، ولكن ارموه في قعر البئر يأخذه بعض المسافرين الذين يمرون به، فهذا أخف ضررًا من قتله، إن كنتم عازمين على ما قلتم بشأنه.
11 - ولما اتفقوا على إبعاده قالوا لأبيهم يعقوب: يا أبانا، ما لك لا تجعلنا أمناء على يوسف؟ وإنا لمشفقون عليه نرعاه مما يضره، ونحن ناصحون له بحفظه ورعايته حتَّى يعود إليك سالمًا، فما الَّذي يمنعك من إرساله معنا؟
12 - اسمح لنا نأخذه معنا غدًا يتمتع بالطعام ويمرح، وإنا له لحافظون من كل أذى يصيبه.
13 - قال يعقوب لأبنائه: إني ليحزنني ذهابكم به؛ لأني لا أصبر على فراقه، وأخاف عليه من أن يأكله الذئب وأنتم لاهون عنه بالرتع واللعب.
14 - قالوا لأبيهم: لئن أكل الذئب يوسف ونحن جماعة إنا في هذه الحال لا خير فينا، فنحن خاسرون إذ لم نمنعه من الذئب.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• ثبوت الرؤيا شرعًا، وجواز تعبيرها.
• مشروعية كتمان بعض الحقائق إن ترتب على إظهارها شيءٌ من الأذى.
• بيان فضل ذرية آل إبراهيم واصطفائهم على الناس بالنبوة.
• الميل إلى أحد الأبناء بالحب يورث العداوة والحسد بين الإِخوة.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:23 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (237)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة




https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/50.jpg


15 - فأرسله يعقوب معهم، فلما ذهبوا به بعيدًا، وعزموا على رميه في قعر البئر، أوحينا إلى يوسف في هذه الحال: لتخبرنهم بصنيعهم هذا وهم لا يشعرون بك حال إخبارك لهم.
16 - وجاء إخوة يوسف أباهم وقت العشاء يتباكون ترويجًا لمكرهم.
17 - قالوا: يا أبانا، إنا ذهبنا نتسابق على الأرجل ونترامى بالنبال، وتركنا يوسف عند ثيابنا وأزْوَادنا ليحفظها، فأكله الذئب، ولست بمصدّق لنا، وإن كنا في الواقع صادقين فيما أخبرناك به.
18 - وأكدوا خبرهم بحيلة، فجاؤوا بقميص يوسف ملطّخًا بدم غير دمه، موهمين أنَّه أثر أكل الذئب له، ففطن يعقوب -بقرينة أن القميص لم يُمَزَّق- لكذبهم، فقال لهم: ليس الأمر كما أخبرتم، بل زيّنت لكم أنفسكم أمرًا سيئًا صنعتموه به، فأمري صبر جميل لا جزع فيه، والله المطلوب منه العون على ما تذكرونه من أمر يوسف.
19 - وجاءت قافلة مارّة، فبعثوا من يستقي لهم الماء، فأرسل دَلْوَه في البئر، فتعلّق يوسف بالحبل، فلما أبصره مرسلها قال مسرورًا: يا بشراي هذا غلام، وأخفاه واردهم وبعض أصحابه عن بقية القافلة زاعمين أنَّه بضاعة استبضعوها، والله عليم بما يفعلونه بيوسف من الابتذال والبيع، لا يخفى عليه من عملهم شيء.
20 - وباعه الوارد وأصحابه بمصر بثمن زهيد، فهو دراهم سهلة العد لقلَّتها، وكانوا من الزاهدين فيه لحرصهم على التخلص منه سريعًا، فقد علموا من حاله أنه ليس بمملوك، وخافوا على أنفسهم من أهله، وهذا من تمام رحمة الله به حتَّى لا يبقى معهم طويلًا.
21 - وقال الرجل الَّذي اشتراه من مصر لامرأته: أحسني إليه وأكرميه في مقامه معنا؛ لعله ينفعنا في القيام ببعض ما نحتاج إليه، أو نُصيِّره ولدًا بالتبنِّي، وكما أنجينا يوسف من القتل، وأخرجناه من البئر، وعطفنا عليه قلب العزيز؛ مكّنا له في مصر، ولنعلمه تأويل الرؤيا، والله غالب على أمره، فأمره نافذ، فلا مكرِه له سبحانه، ولكن غالب الناس -وهم الكفار- لا يعلمون ذلك.
22 - ولما بلغ يوسف سن اشتداد البدن أعطيناه فهمًا وعلمًا، ومثل هذا الجزاء الَّذي جزيناه به نجزي المحسنين في عبادتهم لله.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان خطورة الحسد الَّذي جرّ إخوة يوسف إلى الكيد به والمؤامرة على قتله.
• مشروعية العمل بالقرينة في الأحكام.
• من تدبير الله ليوسف عليه السلام ولطفه به أن قذف في قلب عزيز مصر معاني الأبوة بعد أن حجب الشيطان عن إخوته معاني الأخوة.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:26 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (238)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة


https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/51.jpg


23 - وطلبت امرأة العزيز برفق وإعمال حيلة من يوسف عليه السلام فعل الفاحشة، وغلّقت الأبواب إمعانًا في الخلوة، وقالت له: هَلُمَّ وتعال إليّ، فقال يوسف: أعتصم بالله مما دعوتِني إليه، إن سيّدي أحسن إليّ في مقامي عنده فلن أخونه، فإن خنته كنت ظالمًا، إنه لا يفوز الظالمون.
24 - ولقد رغبت نفسها في فعل الفاحشة، وخطر على نفسه هو ذلك، لولا أنَّه رأى من آيات الله ما يكفه عن ذلك ويبعده، وقد أريناه ذلك لنكشف عنه السوء، ونبعده عن الزنى والخيانة، إن يوسف من عبادنا المختارين للرسالة والنبوة.
25 - وتسابقا إلى الباب: يوسف لينجو بنفسه، وهي لتمنعه من الخروج، فأمسكت بقميصه لتمنعه من الخروج، فشقّته من خلفه، ووجدا زوجها عند الباب، قالت امرأة العزيز للعزيز محتالة: ليس عقاب من قصد بزوجتك -يا عزيز- فعل الفاحشة إلا السجن، أو أن يُعذب عذابًا موجعًا.
26 - قال يوسف عليه السلام: هي التي طلبت مني الفاحشة، ولم أُرِدْها منها، وجعل الله صبيًّا من أهلها يتكلم في المهد، فشهد بقوله: إن كان قميص يوسف شُقَّ من أمامه فذلك قرينة على صدقها؛ لأنها كانت تمنعه من نفسها، فهو كاذب.
27 - وإن كان قميصه شُقَّ من خلفه فذلك قرينة على صدقه؛ لكونها كانت تُراوِده وهو هارب عنها، فهي كاذبه.
28 - فلما شاهد العزيز أن قميص يوسف عليه السلام شُقَّ من خلفه تحقق من صدق يوسف، وقال: إن هذا القذف الَّذي قذفته به من جملة مَكْرِكُنَّ -معشر النساء- إنَ مَكْرَكُنَّ مكر قوي.
29 - وقال ليوسف: يا يوسف، اضرِبْ عن هذا الأمر صفحًا، ولا تذكره لأحد، واطلبي أنت المغفرة لإثمك، إنك كنت من الآثمين بسبب مراودة يوسف عن نفسه.
30 - وانتشر خبرها في المدينة، وقالت طائفة من النساء على سبيل الإنكار: زوجة العزيز تدعو عبدها إلى نفسها، قد وصل حبه شغاف قلبها (أي: غلافه)، إنا لنراها بسبب مراودتها له وحبها إياه -عبدها- في ضلال واضح.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• قبح خيانة المحسن في أهله وماله, الأمر الَّذي ذكره يوسف من جملة أسباب رفض الفاحشة.
• بيان عصمة الأنبياء وحفظ الله لهم من الوقوع في السوء والفحشاء.
• وجوب دفع الفاحشة والهرب والتخلص منها.
• مشروعية العمل بالقرائن في الأحكام.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:29 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (239)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة


https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/52.jpg

31 - فلما سمعت امرأة العزيز إنكارهن عليها واغتيابهن إياها بعثت إليهن تدعوهن ليرين يوسف فيعذرنها، وهَيَّأت لهن محلًّا فيه فراش ووسائد، وأعطت كل واحدة من المدعوات سكينًا تقطع به الطعام، وقالت ليوسف عليه السلام: اخرج عليهن، فلما نظرن إليه أعظمنه، واندهشن لحسنه، وانبهرن بجماله، وجرَّحن أيديهن من شدة الانبهار به بالسكاكين المعدّة لقطع الطعام، وقلن: تنزه الله، ليس هذا الغلام بشرًا، فما هو فيه من الجمال لم يُعْهد في البشر، ليس إلا مَلَكًا كريمًا من الملائكة الكرام.
32 - قالت امرأة العزيز للنسوة لما رأت ما أصابهن: هذا هو الفتى الَّذي عَيَّرتُنَّني بسبب حبه، ولقد طلبته، واحتَلْتُ لإغوائه، فامتنع، ولئن لم يفعل ما أطلب منه مستقبلًا ليدخلنّ السجن، وليكونن من الولاء.
33 - قال يوسف عليه السلام داعيًا ربه: يا رب، السجن الَّذي هددتني به أحب إليَّ مما يدعونني إليه من فعل الفاحشة، وإذا لم تكشف عني مكرهن أَمِل إليهن، وأكن من الجاهلين إن مِلْتُ إليهن، وطاوعتهن فيما يردن مني.
34 - فأجاب الله دعوته، وكشف عنه مكر امرأة العزيز ومكر نسوة المدينة، إنه سبحانه وتعالى السميع لدعاء يوسف، ولدعاء كل داع، العليم بحال وحال غيره.
35 - ثم كان من رأي العزيز وقومه لما شاهدوا الأدلة على براءته أن يسجنوه -حتَّى لا تنكشف الفضيحة- إلى مدة غير معلومة.
36 - فسجنوه، ودخل معه غلامان في السجن، قال أحد الغلامين ليوسف: إني رأيت في المنام أني أعصر العنب ليصير خمرًا، وقال الثاني: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطيور منه، أخبرنا -يا يوسف- بتفسير ما رأينا، إنا نراك من أهل الإحسان.
37 - قال يوسف عليه السلام: لا يأتيكما طعام يجري عليكما من الملك أو غيره إلا بيَّنت لكما حقيقته وكيفيته قبل أن يأتيكما، ذلكما التأويل الَّذي أعلمه هو مما علَّمنيه ربي، لا من الكهانة ولا من التنجيم، إني تركت دين قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالآخرة كافرون.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بيان جمال يوسف عليه السلام الَّذي كان سبب افتتان النساء به.
• إيثار يوسف عليه السلام السجن على معصية الله.
• من تدبير الله ليوسف عليه السلام ولطفه به تعليمه تأويل الرؤى وجعلها سببًا لخروجه من بلاء السجن.

ابو وليد البحيرى
2020-01-14, 05:32 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (240)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/53.jpg

38 - واتبعت دين آبائي: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهو دين التوحيد لله، ما يصحّ لنا أن نشرك بالله غيره، وهو المنفرد بالوحدانية، ذلك التوحيد والإيمان الَّذي أنا عليه وآبائي هو من فضل الله علينا أن وفقنا له، ومن فضله على الناس جميعًا حين بعث إليهم الأنبياء به، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على نعمه، بل يكفرونه.
39 - ثم خاطب يوسف الغلامين في السجن قائلًا: أعبادة آلهة متعددة خير، أم عبادة الله الواحد الَّذي لا شريك له، القهار لغيره، الَّذي لا يقهر؟
40 - ما تعبدون من دون الله إلا أسماء على غير مسمَّيات، سمَّيتموها أنتم وآباؤكم آلهة، ليس لها في الألوهية نصيب، لم يُنْزِل الله بتسميتكم لها حجة تدل على صحتها، ليس الحكم في جميع المخلوقات إلا لله وحده، لا لهذه الأسماء التي سميتموها أنتم وآباؤكم، أمر الله سبحانه أن توحِّدوه بالعبادة، ونهى أن تشركوا معه غيره، ذلك التوحيد هو الدين المستقيم الَّذي لا اعوجاج فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، ولذلك يشركون بالله، فيعبدون بعض مخلوقاته.
41 - يا رفيقَي السجن، أما الَّذي رأى أنَّه يعصر عنبًا ليصير خمرًا فإنه يخرج من السجن، ويرجع إلى عمله، فيسقي الملك، وأما الَّذي رأى أن فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه فإنه يقتل ويصلب، فتأكل الطير من لحم رأسه، فرغ الأمر الَّذي طلبتما الفُتْيَا فيه وتم، فهو واقع لا محالة.
42 - وقال يوسف للذي ظن أنَّه ناجٍ منهما -وهو ساقي الملك-: اذكر قصتي وشأني عند الملك؛ لعله يخرجني من السجن، فأنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف عند الملك، فمكث يوسف في السجن بعد ذلك عدة سنوات.
43 - وقال الملك: إني رأيت في المنام سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات هزيلات، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، يا أيها السادة والأشراف، أخبروني بتأويل رؤياي هذه إن كنتم عالمين بتأويل الرؤيا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• وجوب اتباع ملة إبراهيم، والبراءة من الشرك وأهله.
• في قوله: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ ...} دليل على أن هؤلاء المصريين كانوا أصحاب ديانة سماوية لكنهم أهل إشراك.
• كل الآلهة التي تُعبد من دون الله ما هي إلا أسماء -غير مسميات، ليس لها في الألوهية نصيب.
• استغلال المناسبات للدعوة إلى الله، كما استغلها يوسف عليه السلام في السجن.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 07:18 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (241)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/64.jpg


44 - قالوا: رؤياك أخلاط أحلام، وما كان كذلك فلا تأويل له، ولسنا عالمين بتأويل الأحلام المختلطة.
45 - وقال الساقي الَّذي نجا من الغلامين السجينين، وتذَكَّر يوسف عليه السلام وما هو عليه من علم تأويل الرؤيا بعد مدة: أنا أخبركم بتأويل ما رآه الملك بعد سؤال من له علم بتأويلها، فابعثني -أيها الملك- إلى يوسف ليؤوِّل رؤياك.
46 - فلما وصل الناجي إلى يوسف قال له: يا يوسف، أيها الصدِّيق، أخبرنا عن تأويل من رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات هزيلات، ورأى سبع سنبلات خضر، ورأى سبع سنبلات يابسات؛ لعلي أرجع إلى الملك ومن عنده لعلهم يعلمون تعبير رؤيا الملك، ويعلمون فضلك ومكانتك.
47 - قال يوسف عليه السلام معبرًا هذه الرؤيا: تزرعون سبع سنين متتابعة بجدّ، فما حصدتم في كل سنة من تلك السنين السبع فاتركوه في سنابله منعًا له من التسوّس، إلا قليلًا مما تحتاجون لأكله من الحبوب.
48 - ثم تجيء من بعد تلك السنين السبع المُخْصِبة التي زرعتم فيها، سبع سنين مجدبة يأكل الناس فيها كل ما حُصِد في السنين المُخْصِبة إلا قليلًا مما تحفظونه مما يكون بذرًا.
49 - ثم يجيء بعد تلك السنين المجدبة عام تنزل فيه الأمطار، وتنبت الزروع، ويعصر فيه الناس ما يحتاج للعصر كالعنب والزيتون والقصب.
50 - وقال الملك لأعوانه لما بلغه تعبير يوسف لرؤياه: أخرجوه من السجن، واتُوني به، فلما جاء يوسفَ رسولُ الملك قال له: ارجع إلى سيدك الملك فاسأله عن قصة النسوة اللاتي جرّحن أيديهن، حتَّى تظهر براءته قبل الخروج من السجن، إن ربي بما صنعن بي من المُرَاودة عليم، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
51 - قال الملك مخاطبًا النسوة: ما شأنكن حين طلبتن يوسف بحيلة؛ ليعمل الفاحشة معكن؟ قالت زوجة العزيز مُقِرَّة بما صنعت: الآن يظهر الحق، أنا حاولت إغواءه ولم يحاول إغوائي، وإنه لمن الصادقين فيما ادعاه من براءته مما رميته به.
52 - قالت امرأة العزيز: ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الَّذي راودته، وأنه صادق أني لم أفترِ عليه في غيابه، فقد تبين لي مما حصل أن الله لا يوفق من يكذب ويمكر.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من كمال أدب يوسف أنَّه أشار لحَدَث النسوة ولم يشر إلى حَدَث امرأة العزيز.
• كمال علم يوسف عليه السلام في حسن تعبير الرؤى.
• مشروعية تبرئة النفس مما نُسب إليها ظلمًا، وطلب تقصّي الحقائق لإثبات الحق.
• فضيلة الصدق وقول الحق ولو كان على النفس.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 07:24 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (242)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة




https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/65.jpg


53 - وواصلت امرأة العزيز كلامها قائلة: وما أنزه نفسي عن إرادة السوء، وما أردت بذلك تزكية نفسي؛ لأن شأن النفس البشرية كثرة الأمر بالسوء لميلها إلى ما تشتهيه وصعوبة كفها عنه، إلا ما رحمه الله من النفوس، فعصمها من الأمر بالسوء، إن ربي غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.
54 - قال الملك لأعوانه لما تبين براءة يوسف وعلمه: جيئوني به أجعله خالصًا لنفسي، فجاؤوه به، فلما كلَّمه، وتبين له علمه وعقله قال له: إنك -يا يوسف- قد صِرتَ اليوم عندنا صاحب مكانة وجاه ومؤتمنًا.
55 - قال يوسف للملك: ولّني على حفظ خزائن المال والأقوات في أرض مصر، فإني خازن أمين، ذو علم وبصيرة بما أتولاه.
56 - وكما مَنَنَّا على يوسف بالبراءة والخلاص من السجن مننَّا عليه بالتمكين له في مصر، ينزل ويقيم في أي مكان شاء، نعطي من رحمتنا في الدنيا من نشاء من عبادنا، ولا نضيع ثواب المحسنين، بل نوفيهم إياه كاملًا غير منقوص.
57 - ولَثوابُ الله الَّذي أعدّه في الآخرة خير من ثواب الدنيا للذين آمنوا بالله وكانوا يتقونه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
58 - وقدم إخوة يوسف إلى أرض مصر ببضاعة لهم، فدخلوا عليه، فعرف أنهم إخوته، ولم يعرفوا أنَّه أخوهم؛ لطول المدة وتغير هيئته؛ لأنه كان صبيًّا حين رموه في البئر.
59 - ولما أعطاهم ما طلبوه من المِيرَة والزاد، قال بعد أن أخبروه أن لهم أخًا من أبيهم تركوه عند أبيه: جيئوني بأخيكم من أبيكم أزدكم حمل لعير، ألا ترون أني أكمل الكيل ولا أنقصه، وأنا خير المضيفين.
60 - فإن لم تجيئوني به تبين كذبكم في دعواكم أن لكم أخًا من أبيكم، فلن أكيل لكم طعامًا، ولا تقربوا بلدي.
61 - فأجابه إخوته قائلين: سنطلبه من أبيه، ونجتهد في ذلك، وإنا لفاعلون ما أمرتنا به دون تقصير.
62 - وقال يوسف لعُمَّاله: ردوا بضاعة هؤلاء إليهم حتَّى يعرفوا عند عودتهم أننا لم نَبْتَعْها منهم، وهذا يجبرهم على الرجوع ثانية ومعهم أخوهم؛ ليثبتوا ليوسف صدقهم، ويقبل منهم بضاعتهم.
63 - فلما رجعوا إلى أبيهم، وقصوا عليه ما كان من إكرام يوسف لهم قالوا: يا أبانا مُنِع منا الكيل إن لم نأت بأخينا معنا فابعثه معنا، فإنك إن بعثته معنا نكتل الطعام، وإنا لنتعهد لك بحفظه حتَّى يرجع إليك سالمًا.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من أعداء المؤمن: نفسه التي بين جنبيه؛ لذا وجب عليه مراقبتها وتقويم اعوجاجها.
• اشتراط العلم والأمانة فيمن يتولى منصبًا يصلح به أمر العامة.
• بيان أن ما في الآخرة من فضل الله، إنما هو خير وأبقى وأفضل لأهل الإيمان.
• جواز طلب الرجل المنصب ومدحه لنفسه إن دعت الحاجة، وكان مريدًا للخير والصلاح.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 07:28 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (243)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة

https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/66.jpg


64 - قال لهم أبوهم: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه الشقيق: يوسف من قبل؟! فقد أمنتكم عليه، وتعهدتم بحفظه، ولم تفوا بما تعهدتم به، فلا ثقة عندي بتعهدكم بحفظه، وإنما ثقتي بالله، فهو خير الحافظين لمن أراد حفظه، وأرحم الراحمين بمن أراد رحمته.
65 - ولما فتحوا أوعية طعامهم الذي جلبوه وجدوا ثمنه رد إليهم، فقالوا لأبيهم: أي شيء نطلب من هذا العزيز بعد هذا الإكرام؛ وهذا ثمن طعامنا رده العزيز تفضلًا منه علينا، ونجلب الطعام لأهلنا، ونحفظ أخانا مما تخافه عليه، ونزداد كيل بعير بسبب اصطحابه، فزيادة كيل بعير أمر سهل عند العزيز.
66 - قال لهم أبوهم: لن أبعثه معكم حتى تؤتوني عهد الله مؤكدًا أن تردوه إليَّ إلا إن أحاط هلاك بكم جميعًا , ولم يُبْقِ منكم أحدًا، ولم تقدروا على دفعه ولا الرجوع، فلما أعطوه عهد الله المؤكد على ذلك، قال: الله شهيد على ما نقول فتكفينا شهادته.
67 - وقال لهم أبوهم موصيًا إياهم: لا تدخلوا مصر من باب واحد مجتمعين، لكن ادخلوا من أبواب متفرقة، فذلك أسلم من أن يعمّكم أحد بضرر إن أرادوه بكم، ولا أقول لكم ذلك لأدفع عنكم ضررًا أراده الله بكم، ولا لأجلب لكم نفعًا لم يرده الله، فالقضاء ليس إلا قضاء الله، والأمر ليس إلا أمره، عليه وحده توكلت في كل أموري، وعليه وحده فليتوكل المتوكلون في أمورهم.
68 - فارتحلوا ومعهم أخوه الشقيق، ولما دخلوا من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم ما كان يدفع عنهم دخولهم من أبواب متفرقة شيئًا مما قدره الله عليهم، إنما هي شفقة يعقوب على أولاده، أظهرها، ووصاهم بها، وهو يعلم أن لا قضاء إلا قضاء الله، فهو عالم بما علَّمناه من الإيمان بالقدر والأخذ بالأسباب، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك.
69 - ولما دخل إخوة يوسف على يوسف، ومعهم أخوه الشقيق، ضم إليه أخاه الشقيق، وقال له سرًّا: إني أنا أخوك الشقيق: يوسف، فلا تحزن لما كان يصنعه إخوتك من الأعمال الطائشة؛ من إيذاء وحقد علينا، وإلقائهم إياي في البئر.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الأمر بالاحتياط والحذر ممن أُثِرَ عنه غدرًا (لَا يُلْدَغُ مُؤْمِنٌ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ).
• من وجوه الاحتياط التأكد بأخذ المواثيق المؤكدة باليمين، وجواز استحلاف المخوف منه على حفظ الودائع والأمانات.
• يجوز لطالب اليمين أن يستثني بعض الأمور التي يرى أنها ليست في مقدور من يحلف اليمين.
• من الأخذ بالأسباب الاحتياط من المَعَاطِب.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 07:34 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (244)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/67.jpg


70 - فلما أمر يوسف خُدَّامه بتحميل إبل إخوته بالطعام جعل مكيال الملك الذي يكيل به الطعام للمُمْتارين في وعاء أخيه الشقيق دون علمهم توصُّلًا إلى إبقائه معه، فلما ارتحلوا عائدين إلى أهلهم نادى منادٍ في إثرهم: يا أصحاب الابل المحملة بالمِيرة، إنكم لسارقون.
71 - قال إخوة يوسف، وأقبلوا على المنادي في إثرهم ومن معه من أصحابه: ماذا ضاع منكم حتى تتهمونا بالسرقة؟
72 - قال المنادي ومن معه من أصحابه لإخوة يوسف: ضاع منَّا صاع الملك الذي يكيل به، ولمن جاء بصاع الملك قبل التفتيش جُعْلٌ، وهو حمل جمل، وأنا ضامن له ذلك.
73 - قال لهم إخوة يوسف: والله لقد علمتم نزاهتنا وبراءتنا، كما رأيتموه من أحوالنا، وأنَّا ما جئنا أرض مصر لنفسد فيها، وما كنا في حياتنا سارقين.
74 - قال المنادي وأصحابه: فما جزاء من سرقه عندكم إن كنتم كاذبين في دعواكم البراءة من السرقة؟
75 - قال لهم إخوة يوسف: جزاء السارق عندنا أن من وُجِد المسروق في وعائه يسلم برقبته للمسروق منه يسترِقه، مثل هذا الجزاء بالاسترقاق نجزي السارقين.
76 - فأرجعوهم إلى يوسف لتفتيش أوعيتهم، فبدأ بتفتيش أوعية إخوته غير الأشقاء قبل تفتيش وعاء أخيه الشقيق سترًا للحيلة، ثم فتش وعاء شقيقه، وأخرج صاع الملك منه، كما كدنا ليوسف بتدبير وضع الصاع في وعاء أخيه، كدنا له أمرًا آخر أن يأخذ إخوته بعقاب بلدهم باسترقاق السارق، هذا الأمر لا يتحقق لو عمل بعقاب الملك للسارق الذي هو الضرب والتغريم، إلا أن يشاء الله تدبيرًا آخر فهو قادر عليه، نرفع مراتب من نشاء من عبادنا كما رفعنا مرتبة يوسف، وفوق كل صاحب علم من هو أعلم منه، وفوق عِلمِ الجميع عِلمُ الله الذي يعلم كل شيء.
77 - قال إخوة يوسف: إن يسرق فلا عجب، فقد سرف أخ له شقيق من قبل سرقته هو، يعنون يوسف -عليه السلام-، فأخفى يوسف تأذّيه بقَوْلَتِهم هذه، ولم يظهرها لهم، قال لهم في نفسه: ما أنتم عليه من حسدٍ وصنيع سوءٍ سبق منكم، هو الشر بعينه في هذا المقام، والله تعالى أعلم بهذا الافتراء الذي يصدر منكم.
78 - قال إخوة يوسف ليوسف: أيها العزيز، إن له والدًا شيخًا طاعنًا في السن يحبه كثيرًا، فأمسك أحدنا بدلًا منه، إنا نراك من المحسنين في معاملتنا ومعاملة غيرنا، فأحسن إلينا بذلك.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• جواز الحيلة التي يُتَوصَّل بها لإحقاق الحق، بشرط عدم الإضرار بالغير.
• يجوز لصاحب الضالة أو الحاجة الضائعة رصد جُعْل "مكافأة" مع تعيين قدره وصفته لمن عاونه على ردها.
• التغافل عن الأذى والإسرار به في النفس من محاسن الأخلاق.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 07:46 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (245)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة




https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/68.jpg


79 - قال يوسف -عليه السلام-: عياذًا بالله أن نظلم بريئًا بجرم ظالم، فنمسك غير من وجدنا صاع الملك في وعائه، إنا إن فعلنا ذلك لظالمون، حيث عاقبنا بريئًا، وتركنا جانيًا.
80 - فلما يئسوا من إجابة يوسف لطلبهم انفردوا عن الناس للتشاور، قال أخوهم الكبير: أذكِّركم أن أباكم قد أخذ عليكم عهد الله مؤكدًا على أن تردوا إليه ابنه إلا أن يحاط بكم بما لا تقدرون على دفعه، ومن قبل ذلك قد فرطتم في يوسف، ولم تفوا بعهدكم لأبيكم فيه، فلن أترك أرض مصر حتى يسمح لي أبي بالرجوع إليه، أو يقضي الله لي بأخذ أخي، والله خير القاضين، فهو يقضي بالحق والعدل.
81 - وقال الأخ الكبير: عودوا إلى أبيكم، فقولوا له: إن ابنك سرق، فاسْتَرَقَّه عزيز مصر عقوبة له على سرقته، وما أخبرنا إلا بما علمناه من مشاهدتنا للصاع يخرج من وعائه، وما كان لنا علم بأنه يسرق، ولو علمنا ذلك ما عاهدناك على رده.
82 - ولتتحقق من صدقنا اسأل -يا أبانا- أهل مصر التي كنا فيها، واسأل أصحاب القافلة التي جئنا معها يخبروك بما أخبرناك به، وإنا لصادقون حقًّا فيما أخبرناك به من سرقته.
83 - قال لهم أبوهم: ليس الأمر كما ذكرتم من كونه سرق، بل زيّنت لكم أنفسكم أن تمكروا به كما مكرتم بأخيه يوسف من قبل، فصبري صبر جميل، لا شكوى فيه إلا إلى الله، عسى الله أن يعيدهم إليّ جميعًا: يوسف وشقيقه، وأخاهما الكبير، إنه سبحانه هو العليم بحالي، الحكيم في تدبيره لأمري.
84 - وابتعد معرضًا عنهم، وقال: يا شدة حزني على يوسف، وصار سواد عينيه بياضًا من كثرة ما بكى عليه، فهو مملوء حزنًا وهمًّا، يكتم حزنه عن الناس.
85 - قال إخوة يوسف لأبيهم: تالله لا تزال -يا أبانا- تذكر يوسف، وتتفجع عليه حتى يشتد بك المرض، أو تهلك فعلًا.
86 - قال لهم أبوهم: ما أشكو ما أصابني من الهم والحزن إلا إلى الله وحده، وأعلم من لطف الله وإحسانه وإجابته للمضطر وجزائه للمصاب ما لا تعلمونه أنتم.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• لا يجوز أخذ برئء بجريرة غيره، فلا يؤخذ مكان المجرم شخص آخر.
• الصبر الجميل هو ما كانت فيه الشكوى لله تعالى وحده.
• على المؤمن أن يكون على تمام يقين بأن الله تعالى يفرج كربه.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 07:50 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (246)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/69.jpg


87 - قال لهم أبوهم: يا أبنائي، اذهبوا فتعرفوا من أخبار يوسف وأخيه، ولا تقنطوا من تفريج الله وتنفيسه عن عباده، إنه لا يقنط من تفريجه وتنفيسه إلا القوم الكافرون؛ لأنهم يجهلون عظيم قدرة الله وخَفِيَّ إفضاله على عباده.
88 - فامتثَلُوا أمر أبيهم، , ذهبوا بحثًا عن يوسف وأخيه، فلما دخلوا على يوسف قالوا له: أصابتنا الشدة والفقر، وأتينا ببضاعة حقيرة زهيدة، فكِلْ لنا كيلًا وافيًا كما كنت تكيل لنا من قبل، وتصدَّق علينا بزيادة على ذلك أو بالتغاضي عن بضاعتنا الحقيرة، إن الله يجازي المتصدقين بأحسن الجزاء.
89 - فلما سمع كلامهم رق لهم رحمة بهم، وعرَّفهم بنفسه قال لهم: قد علمتم ما فعلتم بيوسف وشقيقه حين كنتم جاهلين عاقبة ما فعلتم بهما؟!
90 - فتفاجؤوا، وقالوا: أإنك أنت يوسف؟! قال لهم يوسف: نعم أنا يوسف، وهذا الذي ترون معي: أخي الشقيق، قد تفضَّل الله علينا بالخلاص مما كنا فيه، وبرفع القَدْر، إنه من يتق الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويصبر على البلاء؛ فإن عمله من الإحسان، والله لا يضيع أجر المحسنين، بل يحفظه لهم.
91 - وقال له إخوته معتذرين عما صنعوا به: تالله لقد فضّلك الله علينا بما أعطاك من صفات الكمال، ولقد كنا فيما صنعنا بك مسيئين ظالمين.
92 - فقبل يوسف اعتذارهم، وقال: لا لوم عليكم اليوم يقتضي عقابكم ولا توبيخ، أسأل الله أن يغفر لكم، وهو سبحانه أرحم الراحمين.
93 - فأعطاهم قميصه لما أعلموه بما آل إليه بصر أبيه، وقال: اذهبوا بقميصي هذا، فاطرحوه على وجه أبي يَعُدْ له بصره، وأحضروا إليّ أهليكم كلهم.
94 - ولما خرجت القافلة منطلقة من مصر، وفارقت العامر منها قال يعقوب -عليه السلام- لأبنائه ولمن عنده في أرضه: إني لأشم رائحة يوسف، لولا أنكم تُجَهِّلونني وتنسبونني إلى الخرف بقولكم: هذا شيخ خَرِف، يقول ما لا يعلم.
95 - قال من عنده من ولده: والله إنك لا تزال في توهمك السابق بشأن منزلة يوسف عندك وإمكانية رؤيته ثانية.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عظم معرفة يعقوب -عليه السلام- بالله حيث لم يتغير حسن ظنه رغم توالي المصائب ومرور السنين.
• من خلق المعتذر الصادق أن يطلب التوبة من الله، ويعترف على نفسه ويطلب الصفح ممن تضرر منه.
• بالتقوى والصبر تنال أعظم الدرجات في الدنيا وفي الآخرة.
• قبول اعتذار المسيء وترك الانتقام، خاصة عند التمكن منه، وترك تأنيبه على ما سلف منه.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 07:53 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (247)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة




https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/70.jpg


96 - فلما جاء المُخْبِر بما يسرّ يعقوب ألقى قميص يوسف على وجهه فصار بصيرًا، عندئذ قال لأبنائه: ألم أقل لكم إني أعلم من لطف الله وإحسانه ما لا تعلمونه أنتم؟
97 - قال أبناؤه معتذرين لأبيهم يعقوب -عليه السلام- عما فعلوه بيوسف وأخيه: يا أبانا، اطلب من الله المغفرة لذنوبنا السابقة، إنا كنا مذنبين مسيئين فيما فعلناه بيوسف وشقيقه.
98 - قال لهم أبوهم: سوف أطلب لكم المغفرة من ربي، إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده، الرحيم بهم.
99 - وخرج يعقوب وأهله من أرضهم قاصدين يوسف في مصر، فلما دخلوا عليه ضمّ إليه أباه وأمه قال لإخوته وأهلهم: ادخلوا مصر بمشيئة الله آمنين لا يصيبكم فيها أذى.
100 - وأجلس أبويه على السرير الذي يجلس عليه، وحيّاه أبواه وإخوته الأحد عشر بالسجود، وكان سجود تشريف لا عبادة، تحقيقًا لأمر الله كما في الرؤى، لذا قال يوسف -عليه السلام- لأبيه: هذه التحية بالسجود لي منكم هي تأويل رؤياي التي رأيتها من قبل وقصصتها عليك، قد صَيَّرها ربي حقًّا بوقوعها، وقد أحسن إليّ ربي حين أخرجني من السجن، وحين جاء بكم من البادية من بعد أن أفسد الشيطان بيني وبين إخوتي، إن ربي لطيف في تدبيره لما يشاء، إنه هو العليم بأحوال عباده، الحكيم في تدبيره.
101 - ثم دعا يوسف ربه، فقال: يا رب، قد أعطيتني ملك مصر، وعلّمتني تعبير الرؤى، يا خالق السماوات والأرض ومبدعهما على غير مثال سابق، أنت متولي جميع أموري في الحياة الدنيا، ومتولي جميعها في الآخرة، اقبضني عند انتهاء أجلي مسلمًا، وألحقني بالأنبياء الصالحين من آبائي وغيرهم في الفروس الأعلى من الجنة.
102 - ذلك المذكور من قصة يوسف وإخوته نوحيه إليك -أيها الرسول- لم يكن لك علم به، إذ لم تكن حاضرًا عند إخوة يوسف حين عزموا على إلقائه في قعر البئر، ودبروا ما دبروا من الحيلة، ولكنا أوحينا إليك ذلك.
103 - وما أكثر الناس بمؤمنين ولو بذلت -أيها الرسول- كل جهد ليؤمنوا، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• بر الوالدين وتبجيلهما وتكريمهما واجب، ومن ذلك المسارعة بالبشارة لهما فيما يدخل السرور عليهما.
• التحذير من نزغ الشيطان، ومن الذي يسعى بالوقيعة بين الأحباب؛ ليفرق بينهم.
• مهما ارتفع العبد في دينه أو دنياه فان ذلك كله مرجعه إلى تفضّل الله تعالى وإنعامه عليه.
• سؤال الله حسن الخاتمة والسلامة والفوز يوم القيامة والالتحاق برفقة الصالحين في الجنان.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 07:57 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (248)
(سُوْرَةُ يوسف)
مَكيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/71.jpg


104 - ولو عقلوا لآمنوا بك؛ لأنك لم تطلب منهم -أيها الرسول- على القرآن ولا على ما تدعوهم إليه ثوابًا، فليس القرآن إلا تذكيرًا لجميع الناس.
105 - وكثيرة هي الآيات الدالة على توحيده سبحانه مبثوثة في السماوات وفي الأرض، يمرون عليها وهم عن التأمل فيها والاعتبار بها معرضون لا يلتفتون إليها.
106 - وما يؤمن أكثر الناس بالله أنه الخالق الرازق المحيي المميت إلا وهم يعبدون معه غيره من الأصنام والأوثان، ويدّعون أن له ولدًا، سبحانه.
107 - أفأمن هؤلاء المشركون أن تأتيهم عقوبة في الدنيا تغمرهم وتُظَلِّلُهم لا يستطيعون دفعها، أو تأتيهم الساعة فجأة، وهم لا يحسون بإتيانها فيستعدوا لها، فلذلك لم يؤمنوا؟!
108 - قل -أيها الرسول- لمن تدعوه: هذه طريقي التي أدعو الناس إليها، على حجة واضحة أدعو إليها أنا، ويدعو إليها من اتبعني، واهتدى بهديي، واستن بسُنَّتي، ولست من المشركين بالله، بل أنا من الموحدين له سبحانه.
109 - وما بعثنا من قبلك -أيها الرسول- إلا رجالًا من البشر لا ملائكة، نوحي إليهم كما أوحينا إليك، من أهل المدن لا من أهل البوادي، فكذبتهم أممهم فأهلكناها، أفلم يَسِرْ هؤلاء المكذبون بك في الأرض فيتأملوا كيف كانت نهاية المكذبين من قبلهم فيعتبروا بهم؟! وما في الدار الآخرة من النعيم خير للذين اتقوا الله في الدنيا، أفلا تعقلون أن ذلك خير فتتقوا الله بامتثال أوامره -وأعظمها الإيمان- وباجتناب نواهيه، وأكبرها الشرك بالله.
110 - هؤلاء الرسل الذين نرسلهم نمهل أعداءهم، ولا نعاجلهم العقوبة استدراجًا لهم، حتى إذا تأخر إهلاكهم، ويئس الرسل من هلاكهم، وظن الكفار أن رسلهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العقاب للمكذبين، وإنجاء المؤمنين؛ جاء نصرنا لرسلنا، ونجِّي الرسل والمؤمنون من الهلاك الواقع على المكذبين، ولا يرد عذابنا عن القوم المجرمين عندما ننزله بهم.
111 - لقد كان في قصص الرسل وقصص أممهم، وفي قصة يوسف وإخوته موعظة يتعظ بها أصحاب العقول السليمة، ما كان القرآن المشتمل على ذلك كلامًا مختلقًا مكذوبًا على الله، ولكن كان تصديقًا للكتب السماوية المنزلة من عند الله، وتفصيلًا لكل ما يُحتاج إلى تفصيله من الأحكام والشرائع، وإرشادًا لكل خير، ورحمة لقوم يؤمنون به، فهم الذين ينتفعون بما فيه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• من فضل الله تعالى أنه يُطْلع أنبياءه على بعض من أمور الغيب لغايات وحكم.
• أن الداعية لا يملك تصريف قلوب العباد وحملها على الطاعات، وأن أكثر الخلق ليسوا من أهل الهداية.
• ذم المعرضين عن آيات الله الكونية ودلائل توحيده المبثوثة في صفحات الكون.
• شملت هذه الآية {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي ...}. ذكر بعض أركان الدعوة، ومنها:
أ- وجود منهج: {ادْعُوَاْ إِلَى اللهِ}.
ب - ويقوم المنهج على العلم: {عَلَى بَصِيرَةٍ}.
ج - وجود داعية: {أَدْعُوا} {أَنَا}.
د - وجود مَدْعُوِّين: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 08:03 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (249)
(سُوْرَةُ الرعد)
مَدنيّة



https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/72.jpg

سورة الرعد
مدنية

[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
بيان حقيقة القوة والقدرة الإلهية ومظاهرها، وإثبات الوعد والوعيد وسُنَّة الله في التغيير والتبديل.


[التَّفْسِيرُ]
1 - {المر}. تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة. هذه الآيات الرفيعة في هذه السورة، والقرآن الذي أنزله الله عليك -أيها الرسول- هو الحق الذي لا مرية فيه، ولا شك أنه من عند الله، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون به عنادًا وتكبرًا.
2 - الله هو الذي خلق السماوات مرفوعات دون دعائم تشاهدونها، , علا وارتفع على العرش علوًا يليق به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل، وذَلَّل الشمس والقمر لمنافع خلقه، كل من الشمس والقمر يجري لأمد محدد في علم الله، يصرف سبحانه الأمر في السماوات والأرض بما يشاء، يبين الآيات الدالة على قدرته رجاء أن توقنوا بلقاء ربكم يوم القيامة، فتستعدوا له بالعمل الصالح.
3 - وهو سبحانه الذي بسط الأرض، وخلق فيها جبالًا ثوابت حتى لا تضطرب بالناس، ومن كل أنواع الثمرات جعل فيها صنفين كالذكر والأنثى في الحيوان، يلبس الليل النهار، فيصير مظلمًا بعدما كان منيرًا، إن في ذلك المذكور لأدلة وبراهين لقوم يتفكرون في صنع الله، ويتأملون فيه، فهم الذين ينتفعون بتلك الأدلة والبراهين.
3 - وفي الأرض بقاع متقاربة، وفيها بساتين من أعناب، وفيها زرع، ونخلات مجتمعة في أصل واحد، ونخلات منفردات بأصلها، تُسْقَى هذه البساتين وتلك الزروع بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الطعم وغيره من الفوائد على رغم تجاورها وسقيها بماء واحد، إن في ذلك المذكور لأدلة وبراهين لقوم يعقلون؛ لأنهم هم الذين يعتبرون بذلك.

4 - وإن تتعحب -أيها الرسول- من شيء، فأحق ما تتعجب منه تكذيبهم بالبعث، وقولهم احتجاجًا لإنكاره: أإذا متنا وصرنا ترابًا وعظامًا بالية نخرة أنُبْعَث ونُعاد أحياء؟! أولئك المنكرون للبعث بعد الموت الذين كفروا بربهم فأنكروا قدرته على بعث الموتى، وأولئك توضع السلاسل من النار في أعناقهم يوم القيامة، وأولئك هم أصحاب النار، وهم فيها ماكثون أبدًا، لا يلحقهم فناء، ولا ينقطع عنهم العذاب.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إثبات قدرة الله - سبحانه وتعالى - والتعجب من خلقه للسماوات على غير أعمدة تحملها، وهذا مع عظيم خلقتها واتساعها.
• إثبات قدرة الله وكمال ربوبيته ببرهان الخلق، إذ ينبت النبات الضخم، ويخرجه من البذرة الصغيرة، ثم يسقيه من ماء واحد، ومع هذا تختلف أحجام وألوان ثمراته وطعمها.
• أن إخراج الله تعالى للأشجار الضخمة من البذور الصغيرة، بعد أن كانت معدومة، فيه رد على المشركين في إنكارهم للبعث؛ فإن إعادة جمع أجزاء الرفات المتفرقة والمتحللة في الأرض، وبعثها من جديد، بعد أن كانت موجودة، هو بمنزلة أسهل من إخراج المعدوم من البذرة.

ابو وليد البحيرى
2020-01-23, 08:07 AM
المختصر في تفسير القرآن الكريم
لمجموعة من العلماء
الحلقة (250)
(سُوْرَةُ الرعد)
مَدنيّة




https://majles.alukah.net/imgcache/2020/01/73.jpg


6 - ويستعجلك -أيها الرسول- المشركون بالعقوبة، ويستبطؤون نزولها بهم قبل استكمالهم النعم التي قدرها الله لهم، وقد مضت من قبلهم عقوبات أمثالهم من الأمم المكذبة، فلم لا يعتبرون بها؛ وإن ربك -أيها الرسول- لذو تجاوز للناس مع ظلمهم، فلا يعاجلهم بالعقاب ليتوبوا إلى الله، وإنه لقوي العقاب للمُصِرِّين على كفرهم إن لم يتوبوا.
7 - ويقول الذين كفروا بالله - تماديًا في الصدود والعناد-: هلّا أنزل على محمد آية من ربه مثل ما أنزل على موسى وعيسى. إنما أنت -أيها الرسول- منذر تخوف الناس من عذاب الله، وليس لك من الآيات إلا ما أعطاك الله، ولكل قوم نبي برشدهم إلى طريق الحق، ويدلهم عليه.
8 - الله يعلم ما تحمل كل أنثى في بطنها، يعلم كلَّ شيء عنه، ويعلم ما يحصل في الأرحام من نقص وزيادة وصحة واعتلال، وكل شيء عنده سبحانه مُقَدَّر بمقدار لا يزيد عليه ولا ينقص عنه.
9 - لأنه سبحانه عالم كل ما غاب عن حواس خلقه، وعالم كل ما تدركه حواسهم، العظيم في صفاته وأسمائه وأفعاله، المستعلي على كل مخلوق من مخلوقاته بذاته وصفاته.
10 - يعلم السر وأخفى، يستوي في علمه من أخفى منكم - أيها الناس - القول، ومن أعلنه، ويسوي في علمه كذلك من هو مستتر بظلمة الليل عن أعين الناس، ومن هو ظاهر بأعماله في وَضَح النهار.
11 - له -سبحانه وتعالى- ملائكة يَعْقبُ بعضهم بعضًا على الإنسان، فيأتي بعضهم بالليل، وبعضهم بالنهار، يحفظون الإنسان بأمر الله من جملة الأقدار التي كتب الله لهم منعها عنه، ويكتبون أقواله وأعماله، إن الله لا يغير ما بقوم من حال طيبة إلى حال غيرها لا تسرهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من حال الشكر، وإذا أراد لله سبحانه بقوم هلاكًا فلا راد لما أراده، وما لكم - أيها الناس - من دون الله من متولّ يتولى أموركم، فتلجؤوا إليه لدفع ما أصابكم من بلاء.
12 - هو الذي يريكم - أيها الناس - البرق، ويجمع لكم به الخوف من الصواعق، والطمع في المطر، وهو الذي ينشئ السحاب المثقل بماء المطر الغزير.
13 - ويسبح الرعدُ ربَّه تسبيحًا مقرونًا بحمده سبحانه، وتسبح الملائكةُ ربِّها خوفًا منه وإجلالًا وتعظيمًا له، ويرسل الصواعق المحرقة على من يشاء من مخلوقاته فيهلكه، والكفار يخاصمون في وحدانية الله، والله شديد الحول والقوة، لمن عصاه.

[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• عظيم مغفرة الله وحلمه عن خطايا بني آدم، فهم يستكبرون وَيتَحَدَّوْنَ رسله وأنبياءه، ومع هذا يرزقهم ويعافيهم ويحلم عنهم.
• سعة علم الله تعالى بما في ظلمة الرحم، فهو يعلم أمر النطفة الواقعة في الرحم، وصَيْرُورتها إلى تخليق ذكر أو أنثى، وصحته واعتلاله، ورزقه وأجله، وشقي أو سعيد، فعلمه بها عام شامل.
• عظيم عناية الله ببني آدم، وإثبات وجود الملائكة التي تحرسه وتصونه وغيرهم مثل الحَفَظَة.
• أن الله تعالى يغير حال العبد إلى الأفضل متى ما رأى منه اتباعًا لأسباب الهداية، فهداية التوفيق منوطة باتباع هداية البيان.