المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ‫ خطبة مكتوبة حديث الشفاعة وفوائده



وجيه المانع
2019-05-19, 08:32 PM
إعانة للخطباء وللفائدة العامة، هذه خطبة مكتوبة بعنوان "خطبة مكتوبة حديث الشفاعة وفوائده"، نفع الله بها:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره …، أما بعد أيها المسلمون، روى الإمام أحمد في مسنده وكذا عبد الرزاق في مصنفه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، والحديث بأطول من ذلك في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، قال عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة وأمنوه فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا، بأشد مجادلة له من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار،

قال يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار،
قال فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته النار إلى كعبيه، فيخرجونهم فيقولون ربنا أخرجنا من أمرتنا

ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من إيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار من إيمان، حتى يقول : من كان في قلبه مثقال ذرة، قال أبو سعيد: فمن لم يصدق بهذا فليقرأ هذه الآية: إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما.

قال فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير. قال ثم يقول الله: شفعت الملائكة وشفع الأنبياء وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين،

قال: فيقبض قبضة من النار، أو قال قبضتين، ناس لم يعملوا لله خيرا قط، قد احترقوا حتى صاروا حمما، قال: فيؤتى بهم إلى ماء يقال له ماء الحياة، فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم: عتقاء الله،
قال فيقال لهم : ادخلوا الجنة فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم عندي أفضل من هذا، قال فيقولون : ربنا وما أفضل من ذلك، قال : فيقول رضائي عليكم فلا أسخط عليكم أبدا.

هذا الحديث العظيم الذي جاء في بيان أصل من أصول الإيمان، متعلق بالشفاعة التي أعطاها الله جل في علاه لمن أذن له بها، شفاعة الملائكة وشفاعة الأنبياء، وشفاعة المؤمنين في إخوان لهم كانوا معهم في الدنيا، يذكرونهم بأعمال من أعمال الخير كانوا يشاركونهم فيها، قول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة، أي نجاهم الله تبارك وتعالى منها، بعد ما اجتازوا الجسر الذي هو الصراط، الذي ضربه الله تبارك وتعالى فوق نار جهنم، يمر عليه المؤمنون، منهم من يكون مروره كالبرق، ومنهم من يكون مروره كالريح القوية، ومنهم من يكون مروره كأسرع الجواد، ومنهم من يكون مروره ماشيا، ومنهم من يكون مروره حبوا، قد يخدش بتلك الكلاليب، ثم ينجيه الله تبارك وتعالى، فالناس في ذلك بين من سلم وبين من خدش وبين من كب في النار عياذا بالله تبارك وتعالى،
فيتذكر هؤلاء الذين أدخلهم الله جل وعلا جنته، وأكرمه بحسن كرامته في هذه الدار التي أعدها الله جل وعلا لعباده الأبرار، يذكرون إخوانا لهم كانوا يصلون معهم ويصومون معهم ويحجون معهم، وفي رواية ويجاهدون في سبيل الله معهم، يفتقدونهم، بل يعلمون أنهم في النار لأن من رحمة الله تبارك وتعالى بالعباد أنه يوري منازل هؤلاء، فيجادلون في إخوانهم مجادلة عظيمة شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بمجادلة أحدنا في هذه الحياة لصاحبه في حق يكون له، كيف يكون جداله، وكيف تكون مخاصمته طلبا لهذا الحق الذي هو حقه،
فكذلك هؤلاء يجادلون رب العزة والجلال، أي بمعنى يسألونه، ويتوسلون إليه، ويريدون إذنه في شفاعتهم في إخوانهم من قرابتهم أو من جيرانهم ممن عرفوهم خلطوا عملا حسنا وآخر سيئا فكبكبوا في وجوههم في النار، يقولون هذا لربهم جل في علاه، في إخوانهم، قال نبينا صلى الله عليه وسلم، الذين ادخلوا النار،
يقولون: ربنا اخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار فما كان جواب أرحم الراحمين، يقول رب العزة والجلال :

اذهبوا فأخرجوا من عرفتهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم

لأن النار لا تأكل صورهم لأن الله لا تأكل مواطن السجود من العابدين لله تبارك وتعالى ومن المصلين له في هذه الحياة حتى وإن ادخلوا النار بكبائر اقترفوها وذنوب ماتوا عليها فإن الله تبارك وتعالى بمنه وكرمه وسعة رحمته يحرم على النار أن تأكل من أجساد من دخلها المواطن من جسده التي سجدت لله رب العالمين،

قال: فيعرفونهم من صورهم، لأنهم منهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته النار إلى كعبيه، بحسب أعمالهم في هذه الحياة، يعذبون في تلك الدار، كذلك بحسب أعمالهم في هذه الحياة، تكون منازلهم في دار الكرامة في جنة المأوى، فيقولون ربنا أخرجنا من أمرتنا، أي شفعت شفاعتهم في إخوانهم وقبل الله جل وعلا هذه الشفاعة، ليس هذا فحسب، بل إن الله جل في علاه، أذن لهم أن يخرجوهم بعد أن يتعرفوا على صورهم وعلى وجوههم، في تلك الدار التي كلها صراخ وعويل وعذاب مخيف،
ثم يقول الله جل في علاه، برحمته وجوده وكرمه: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم يقول: من كان في قلبه وزن نصف دينار من الإيمان،حتى يقول: من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان،والذرة قيل: هي النملة الصغيرة التي يطلق عليها اسم الذر، وقيل هو الغبار الذي إذا نفضت يديك رأيته مع شعاع الشمس، وقيل هي رأس الإبرة،
من كان في قلبه من الإيمان بمثل هذا الشيء الضئيل جدا، فإن الله تبارك وتعالى، فإن الله جل في علاه، يرحمه بسبب إيمانه، ويخرجه من هذه الدار.

قال أبو سعيد رضي الله تعالى عنه وأرضاه: فمن لم يصدق بهذا، أي لم يصدق بحديثه الذي رواه عن نبيه عليه الصلاة والسلام، فليسمع لقول الله جل وعلا: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما. قال : فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير. هذا فيما رأوا ويما ظنوا واعتقدوا، ولكن الله تبارك وتعالى، أرحم الأرحمين، وأكرم الأكرمين، وأجود الأجودين،

يقول بعد ذلك: شفعت الملائكة، أي شفعت ملائكته في بعض من عباده،

وشفع الأنبياء، ومنهم شفاعة سيد الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، الذي أعطاه الله جل وعلا من الشفاعة أعظمها، أوتي الشفاعة العظمى التي لم يؤتها رب العزة والجلال لا نبيا مرسلا ولا ملكا مقربا، حيث يقال له :قم سل تعط واشفع تشفع، فيشفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في من شاء رب العزة والجلال من أمته.

ثم قال: وشفع المؤمنون، أعطاهم الله هذه الشفاعة، يشفعون في إخوانهم عمومهم قبل هذا شفاعة الصالحين منهم كشفاعة الشهيد الذي يقتل شهيدا في سبيل الله جل في علاه، يشفعه الله تبارك وتعالى في سبعين من قرابته
ثم الشفاعة لعموم المؤمنين قال رب العزة والجلال: وبقي أرحم الراحمين قال فيقبض الله قبضة أو قال قبضتين أي من النار، في من هو من أهلها، ومن ساكنيها يقبض قبضتين ناس لم يعملوا لله خيرا قط، ماتوا على أضعف ما يكون من إيمان ولم يعملوا خيرا قط، أي لم يعملوا من الصالحات التي تنجيهم من عذاب الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام اتقوا الله ولو بشق تمرة أي بعمل ولو كان ضئيلا لله تبارك وتعالى تتقصد به وجه ربك جل في علاه ; يكون سببا لنجاتك بين يدي مولاك
لأن الله عز وجل لا يجازي الناس على حسب أعمالهم فحسب، بل إن الله تبارك وتعالى يعامل خلقه برحمته، ولو لا هذه الرحمة لما نجى من عذابه أحد قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، أخرجه البخاري ومسلم
قال: لم يعلموا لله خيرا قط قد احترقوا حتى صاروا حمما قد احترقوا لم يبق منهم أثر، حمم : وهي بقايا النار، قال: فيؤتى بهم إلى ما ما يقال له ماء الحياة عند باب الجنة فيصب عليهم يصب عليهم من هذا الماء
قال النبي عليه الصلاة والسلام : فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، كما تنبت الحبة التي يزرعها صاحبها ثم يسقيها، كذلك ربنا جل وعلا، بلمح بالبصر، يحييها ويخرجها من هذه الحمم بقدرته جل في علاه، فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ يعني في نصاعته، في أعناقهم خاتم، جعل الله جل وعلا لهم هذه العلامة، خاتم مكتوب عليه عتقاء الله، قال: فيقال لهم تقول لهم ملائكة الله جل وعلا: ادخلوا الجنة فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم، ما تمنيتم وما رأيتم من شيء في هذه الدار التي فيها الخيرات الحسان فهو لكم،
قال فيقال لهم : يقول لهم ربهم تبارك وتعالى : عندي أفضل من هذا قال: فيقولون تعجبا: ربنا وما أفضل من ذلك، بعد أن أخرجهم من النار، وبعد أن أنبتهم وأخرجهم من أجسادهم، على أحسن حال، وأدخلهم هذه الجنة التي أعدها الله جل وعلا للأبرار، ويعدهم ربهم جل وعلا بأفضل من ذلك، قالوا وما أفضل من ذلك، قال فيقول: رضائي عليكم فلا أسخط عليكم أبدا،

نسأله جل في علاه، أن يرضى عنا وعن والدينا وعن إخواننا، وأن يكرمنا بجنته إنه جواد كريم



الخطبة الثانية:
... هذا الحديث العظيم، الذي إذا أردنا أن نأخذ شيئا من فوائده، فهي كثيرة، فقد ذكرت فيه بعض مسائل الإيمان، جاء دليلا واضحا، على أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بطاعة الرحمان، وينقص بطاعة الشيطان، هذا الأصل العظيم من أصول أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان وكما قيل، الإيمان لا بد فيه من النونات الخمس، ألا وهي تصديق الجنان ) يعني تصديق القلب(،تصديق الجنان ونطق اللسان، وعمل الأركان..، يزيد بطاعة الرحمان، وينقص بطاعة الشيطان، هذه النونات الخمس، التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان، فكلما ازداد العبد عملا لله عز وجل وطاعة له، كان هذا زيادة في أجره وثوابه، وزيادة في إيمانه، وزيادة في منزلته وقدره عند ربه تبارك وتعالى، فالحديث أصل في زيادة الإيمان ودليل على نقصانه بالمعاصي فينقص إلى أن يصل إلى أدنى مثقال ذرة من الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ( أخرجوا من النار من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان...إلى أن قال أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة ( ،

من فوائده كذلك أن فيه دليل على إثبات الشفاعة للمؤمنين ، هذه الشفاعة التي يؤتيها الله تبارك وتعالى من شاء من خلقه ولا يؤتيها الله تبارك وتعالى إلا لمن ارتضى فهي لملائكته المقربين وهي لأنبيائه المرسلين وهي كذلك لعباده المؤمنين الصادقين نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم،
فيه كذلك فضل المحبة في الله، رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، أن تكون محبة العبد لإخوانه لله جل وعلا خالصة، لا لأجل مصالح دنيوية ، ولا لأجل مآرب فانية، ما كان لله تبارك وتعالى دام واتصل، وما كان لغيره زال وانفصل،
وأنتم تسمعون حديث نبيكم عليه الصلاة والسلام أن هذه المحبة نفعت أصحابها في الدنيا ونفعتهم يوم القيامة يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، نفعتهم محبتهم لإخوانهم كانت سببا لشفاعة الشافعين، وكانت سببا لنجاة المعذبين نسأله جل وعلا أن ينجينا من عذابه،

في الحديث كذلك دليل على تفاوت أهل النار في درجاتهم أوفي دركاتهم على قدر أعمالهم فيها على قدر أعمالهم فيها،

وفيه كذلك دليل على بطلان مذهب الخوارج والمعتزلة، الذين يعتقدون، اي الخوارج، أن من دخل النار لا يخرج منها، وأن من لازم قولهم أن من دخل النار كان كافرا بالله جل وعلا، ولا يعتقدون أن المؤمن قد يدخل النار بسبب سوء أعماله ثم ينجيه الله تبارك وتعالى، ماذا يقولون في مثل هذه الأحاديث التي رواها أمثال هؤلاء الأمناء من وزراء نبينا عليه الصلاة والسلام، وأصحابه الكرام، فالحمد لله على بمنه وتوفيقه أن هدانا سبيل الرشاد ووفقنا لطريق أهل السنة والجماعة، ونجانا من عقائد أهل البدع والأهواء والضلالات،

هذا الحديث كذلك، أصل عظيم، في بيان صفة لله جل وعلا عظيمة، ألا وهي سعة رحمته وواسع جوده وفضله وكرمه، أرحم الراحمين جل في علا، يرحم عباده، الذين أمرهم فعصوه، وألزمهم فخالفوا أمره، الذين استحبوا الضلالة على الهداية، ووقعوا بسبب سوء أعمالهم -ووقعوا بسبب سوء أعمالهم- في قعر نار جهنم، أنقذهم الله وأخرجهم الله جل وعلا بواسع رحمته وكريم جوده, والله جل وعلا ذو الفضل العظيم، من فوائد هذا الحديث، أن الشرك بالله تبارك وتعالى، أعظم الذنوب على الإطلاق، من أشرك بربه جل في علاه، فإنه يائس من رحمته، مات مشركا، فإنه يائسا من رحمته، أما ما دون ذلك فهو تحت مشيئته، وقد تصيبه سعة رحمته جل وعلا، إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء،

وهذا الحديث دليل على معنى هذه الآية العظيمة الكريمة، مهما بلغت ذنوبك وإن بلغت عنان السماء كما جاء في الحديث القدسي، يَا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيتَنِى بِقُرَابِ الأَرضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لا تُشرِكُ بِى شَيئاً لأَتَيتُكَ بقُرَابِها مَغفِرَةً. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

نسأله جل وعلا أن يغفر ذنوبنا وأن يكفر سيئاتنا وأن يرزقنا الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل وأن يرحمنا ويرحم آباءنا وعلماءنا وإخواننا وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجمع كلمتنا على الحق وأن يوفقنا لما فيه مرضاته جل في علاه، نسأله تبارك وتعالى، أن يرحم إخواننا من من سبقونا بالإيمان وأن يكون نصيرا للمستضعفين في كل مكان وأن يأخذ بأيديهم وأن يرد كيد أعدائهم اللهم عليك باليهود الغاصبين والنصارى الحاقدين، الذين يصدون عن سبيلك، ويعذبون عبادك وأوليائك اللهم اكفناهم بما شئت فإنك عليهم قادر، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.