ابو وليد البحيرى
2019-05-14, 10:34 AM
إسهامات بعض الباحثين في عملية التعريب
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد
نقدم بين أيديكم بحث متواضع عن
إسهامات بعض الباحثين في عملية التعريب
إن اللغة هي أداة التواصل وعليها تقوم حضارات الأمم فكيف لنا أن نعرف حضارتنا القديمة العريقة إلا من خلال ما وصل إلينا بواسطة اللغة المكتوبة. لقد مرت اللغة العربية بثلاث أطوار وهي طور الازدهار وطور الانحدار وطور البعث والنهوض، وعلى الرغم من أن المرحلة الأولى هي مرحلة ازدهار، إلا أنها كانت تواجه خطرا أكيدا، اثر اتصال العرب بالعجم؛ وهو اللحن في اللغة العربية، ولكن هذا الخطر استطاع الحكام العرب التصدي له ونجحوا في ذلك . لكن تبقى أمامنا نقطة البحث والتي من أجلها ذكرنا مراحل التطور ألا وهي : كيف استطاعوا التصدي لتلك المشكلة؟ فمن الحكمة أن تبحث عن حل لمشكلتك بدلا من أن تندب حظك. فنحن الآن بحاجة إلى خطة منهجية مدروسة بدقه وأن يكون الجهد جماعياً -حتى لا ينتهي الأمر بإغلاق ما تم فتحه كما حدث مع كثير من الجمعيات التي أُنشئت للتعريب منذ سنين عدة.
وبالفعل توالت الأعوام حتى فاق الحكام من غفلتهم حيث وضعت الخطط المنهجية لحل القضية وصدر مرسوم بإنشاء ما يسمى بمجمع اللغة العربية كما حدث أولا في دمشق عام 1919 ثم بيروت عام1920 ثم القاهرة عام 1932 ثم أخيرا العراق عام 1947 ، فكان لسوريا النصيب الأكبر في تنفيذ جزء من الخطة التي تكمن في تعريب العلوم. لكن قبل الانخراط في نقطة البحث ألا وهي تعريب العلوم وإسهامات بعض الغيورين على لغتهم لتحقيق ذلك لابد أولا من أن نلقي نظرة سريعة حول الفرق بين التعريب والترجمة، فأنقل[1] ما ملخصه بأن الترجمة: هي عملية نقل من لغة النص المصدر إلى لغة النص المطلوب إنتاجه، كما قال أ.د عبد الله بن حمد الحميدان في كتابه سوء فهم عملية الترجمة وكما قال الأستاذ علي بن إبراهيم النملة في كتابه النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية.
أما التعريب: فسأدمج في التعريف قول د/ الحميدان و أ/النملة وهي، إدخال المصطلح الأعجمي في الفصحى بعد وزنه بأوزانها وأقيستها وصقله بمنهاجها مما يضيع اللفظ الأصلي وقد يُبقي آثار صوتية تدل عليه، مع وضع ميادين لسياسة استخدام اللغة القومية وأخرى لاستخدام اللغة الأجنبية.
وبما أننا ندندن حول مسألة التعريب فبات من الضروري عرض إسهامات العلماء حول تلك القضية، وخصوصا أعضاء مجمع اللغة العربية: فنبدأ على بركة الله في عرض إسهامات الدكتور الفذ شوقي ضيف-رحمه الله تعالى-.
لا يخفى على أي قارئ نَهم جهود الدكتور شوقي ضيف في تطوير التعليم باللغة العربية ودفع مسيرة التعريب للنهوض بلغتنا القومية دون إغفال أهمية تعلم اللغات الأجنبية، حيث يرى أن التعلم باللغة القومية بعد تعريب العلوم هو ما يدفع المتعلم لإبراز موهبته وتوسيع عملية تفكيره؛ فكان دائما ما يؤكد على أهمية التعريب، فالأوروبيون أنفسهم كانوا يتعلمون باللاتينية كما نهلوا من الثقافة الإسلامية ثم انكبوا على التعلم منها بعد ترجمتها إلى لغتهم. ومن هنا ساهم الدكتور مع أعضاء المجمع في وضع معاجم علمية لمصطلحات العلوم الغربية ومعاجم أخرى لجميع العلوم التي تدرس في الجامعات لكي تفيد الأساتذة والطلاب على حد سواء. كما أشاد الدكتور بدور مجمع اللغة في إيجاد المصطلحات العربية مقابل الأجنبية بعد التدقيق وعدم اللجوء للتعريب إلا إذا استعصى إيجاد ذاك المقابل فكانت محصلة المصطلحات خلال السنوات الطويلة أكثر من مائة وخمسين ألف مصطلح علمي في مختلف التخصصات ومن هنا أصدر المجمع أكثر من أربعة عشر معجما علميا متخصص من تلك المصطلحات الجديدة ومنها: معجم الجيولوجيا, والفيزيقا النووية والإلكترونيات, والفيزيقا الحديثة,والح سبات، المصطلحات الطبية, والكيمياء والصيدلة, ومعجم البيولوجيا في علومالأحياء والزراعة, والنفط, والرياضيات, والجغرافيا والفلسفة ومعجم ألفاظالحضارة والفنون, وعلم النفس, والهندسة, والقانون؛ والهدف من تلك المعاجم أن تصبح اللغةالعربية لغة علمية و يصبح تدريسالعلوم في الجامعات باللغة العربية، أملاً في التخلص من التبعية العلمية للغرب. وأما في سبيل النهوض باللغة العربية عكف الدكتور على التأليف والتصنيف في جميع فروع اللغة كي يسهل تعلمها واستيعابها وتُقسم آثار الراحل، عموما إلى مرحلتين: التأليف الأدبي و أما المرحلة الثانية فتغلب عليها الدراسات الإسلامية.
أما الدكتور الكيمائي على مصطفى مشرفة فقد آمن بأهمية العلم فعزم على نشره بين طوائف المجتمع بأسلوب مبسط حتى وإن لم يتخصصوا فيه، حيث انكب على وضع الكتب التي تلخص وتشرح مبادئ العلوم المعقدة لكافة المواطنين. كما اتجه إلى تعريب المراجع العلمية بعد أن كانت بالانجليزية ولذا أنشأ قسم للترجمة في الكلية وشجع البحث العلمي وقام بتأسيس الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والمجمع المصري للثقافة العلمية.
[1] . سؤ فهم عملية الترجمة، أ. د عبد الله بن حمد الحميدان، ص1. و النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية، علي بن إبراهيم النملة، الرياض، 2006، السلسلة الثانية.
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد
نقدم بين أيديكم بحث متواضع عن
إسهامات بعض الباحثين في عملية التعريب
إن اللغة هي أداة التواصل وعليها تقوم حضارات الأمم فكيف لنا أن نعرف حضارتنا القديمة العريقة إلا من خلال ما وصل إلينا بواسطة اللغة المكتوبة. لقد مرت اللغة العربية بثلاث أطوار وهي طور الازدهار وطور الانحدار وطور البعث والنهوض، وعلى الرغم من أن المرحلة الأولى هي مرحلة ازدهار، إلا أنها كانت تواجه خطرا أكيدا، اثر اتصال العرب بالعجم؛ وهو اللحن في اللغة العربية، ولكن هذا الخطر استطاع الحكام العرب التصدي له ونجحوا في ذلك . لكن تبقى أمامنا نقطة البحث والتي من أجلها ذكرنا مراحل التطور ألا وهي : كيف استطاعوا التصدي لتلك المشكلة؟ فمن الحكمة أن تبحث عن حل لمشكلتك بدلا من أن تندب حظك. فنحن الآن بحاجة إلى خطة منهجية مدروسة بدقه وأن يكون الجهد جماعياً -حتى لا ينتهي الأمر بإغلاق ما تم فتحه كما حدث مع كثير من الجمعيات التي أُنشئت للتعريب منذ سنين عدة.
وبالفعل توالت الأعوام حتى فاق الحكام من غفلتهم حيث وضعت الخطط المنهجية لحل القضية وصدر مرسوم بإنشاء ما يسمى بمجمع اللغة العربية كما حدث أولا في دمشق عام 1919 ثم بيروت عام1920 ثم القاهرة عام 1932 ثم أخيرا العراق عام 1947 ، فكان لسوريا النصيب الأكبر في تنفيذ جزء من الخطة التي تكمن في تعريب العلوم. لكن قبل الانخراط في نقطة البحث ألا وهي تعريب العلوم وإسهامات بعض الغيورين على لغتهم لتحقيق ذلك لابد أولا من أن نلقي نظرة سريعة حول الفرق بين التعريب والترجمة، فأنقل[1] ما ملخصه بأن الترجمة: هي عملية نقل من لغة النص المصدر إلى لغة النص المطلوب إنتاجه، كما قال أ.د عبد الله بن حمد الحميدان في كتابه سوء فهم عملية الترجمة وكما قال الأستاذ علي بن إبراهيم النملة في كتابه النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية.
أما التعريب: فسأدمج في التعريف قول د/ الحميدان و أ/النملة وهي، إدخال المصطلح الأعجمي في الفصحى بعد وزنه بأوزانها وأقيستها وصقله بمنهاجها مما يضيع اللفظ الأصلي وقد يُبقي آثار صوتية تدل عليه، مع وضع ميادين لسياسة استخدام اللغة القومية وأخرى لاستخدام اللغة الأجنبية.
وبما أننا ندندن حول مسألة التعريب فبات من الضروري عرض إسهامات العلماء حول تلك القضية، وخصوصا أعضاء مجمع اللغة العربية: فنبدأ على بركة الله في عرض إسهامات الدكتور الفذ شوقي ضيف-رحمه الله تعالى-.
لا يخفى على أي قارئ نَهم جهود الدكتور شوقي ضيف في تطوير التعليم باللغة العربية ودفع مسيرة التعريب للنهوض بلغتنا القومية دون إغفال أهمية تعلم اللغات الأجنبية، حيث يرى أن التعلم باللغة القومية بعد تعريب العلوم هو ما يدفع المتعلم لإبراز موهبته وتوسيع عملية تفكيره؛ فكان دائما ما يؤكد على أهمية التعريب، فالأوروبيون أنفسهم كانوا يتعلمون باللاتينية كما نهلوا من الثقافة الإسلامية ثم انكبوا على التعلم منها بعد ترجمتها إلى لغتهم. ومن هنا ساهم الدكتور مع أعضاء المجمع في وضع معاجم علمية لمصطلحات العلوم الغربية ومعاجم أخرى لجميع العلوم التي تدرس في الجامعات لكي تفيد الأساتذة والطلاب على حد سواء. كما أشاد الدكتور بدور مجمع اللغة في إيجاد المصطلحات العربية مقابل الأجنبية بعد التدقيق وعدم اللجوء للتعريب إلا إذا استعصى إيجاد ذاك المقابل فكانت محصلة المصطلحات خلال السنوات الطويلة أكثر من مائة وخمسين ألف مصطلح علمي في مختلف التخصصات ومن هنا أصدر المجمع أكثر من أربعة عشر معجما علميا متخصص من تلك المصطلحات الجديدة ومنها: معجم الجيولوجيا, والفيزيقا النووية والإلكترونيات, والفيزيقا الحديثة,والح سبات، المصطلحات الطبية, والكيمياء والصيدلة, ومعجم البيولوجيا في علومالأحياء والزراعة, والنفط, والرياضيات, والجغرافيا والفلسفة ومعجم ألفاظالحضارة والفنون, وعلم النفس, والهندسة, والقانون؛ والهدف من تلك المعاجم أن تصبح اللغةالعربية لغة علمية و يصبح تدريسالعلوم في الجامعات باللغة العربية، أملاً في التخلص من التبعية العلمية للغرب. وأما في سبيل النهوض باللغة العربية عكف الدكتور على التأليف والتصنيف في جميع فروع اللغة كي يسهل تعلمها واستيعابها وتُقسم آثار الراحل، عموما إلى مرحلتين: التأليف الأدبي و أما المرحلة الثانية فتغلب عليها الدراسات الإسلامية.
أما الدكتور الكيمائي على مصطفى مشرفة فقد آمن بأهمية العلم فعزم على نشره بين طوائف المجتمع بأسلوب مبسط حتى وإن لم يتخصصوا فيه، حيث انكب على وضع الكتب التي تلخص وتشرح مبادئ العلوم المعقدة لكافة المواطنين. كما اتجه إلى تعريب المراجع العلمية بعد أن كانت بالانجليزية ولذا أنشأ قسم للترجمة في الكلية وشجع البحث العلمي وقام بتأسيس الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والمجمع المصري للثقافة العلمية.
[1] . سؤ فهم عملية الترجمة، أ. د عبد الله بن حمد الحميدان، ص1. و النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية، علي بن إبراهيم النملة، الرياض، 2006، السلسلة الثانية.
يتبع