مشاهدة النسخة كاملة : قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد
ابو وليد البحيرى
2019-05-05, 06:48 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
تنـزُّلٌ كريم:
في ليلة السابعَ عشر من رمضان، و النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الأربعين من عمره، أذن الله عز وجل للنور أن يتنزَّل، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اقرأ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم} فرجع بها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده) [البخاري 3]
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم.
وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء، و تنزل الوحي بالنور و الضياء، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/20.jpg
و من قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولا آخر، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر … {إنا أنزلناه في ليلة القدر} {إنا أنزلنا في ليلة مباركة}، قال ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة [النسائي و الحاكم]، وقال ابن جرير: نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على ما أراد الله إنزاله إليه.
إنها تلك " الليلة الموعودة التي سجلها الوجود كله في فرح و غبطة و ابتهال، ليلة الاتصال بين الأرض و الملأ الأعلى … ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته و في دلالته و في آثاره في حياة البشرية جميعا، العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري ... والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد تَرِفُّ و تنير بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود نور الله المشرق في قرآنه {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، و نور الملائكة و الروح و هم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض و الملأ الأعلى {تنزل الملائكة و الروح فيها} و نور الفجر الذي تعرضهالنصوص متناسقا مع نور الوحي و نور الملائكة … {سلام هي حتى مطلع الفجر}
و أي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن؟ نعمة لا يسعها حمد البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا}.
وهكذا إذن، شهد شهر رمضان هذا النزول الفريد لكتاب الله، و من يومذاك ارتبط القرآن بشهر رمضان {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان}
ومن يوم ذاك أصبح شهر رمضان هو شهر القرآن.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/21.jpg
إكثار و اجتهاد:
عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة[البخاري 6 مسلم 2308].
قال الإمام ابن رجب: دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، و عرض القرآن على من هو أحفظ له … و فيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة و أنه عارضه في عام وفاته مرتين [البخاري 3624 و مسلم 2450] [لطائف المعارف 354،355].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/20.jpg
وفي رمضان يجتمع الصوم و القرآن، وهذه صورة أخرى من صور ارتباط رمضان بالقرآن، فتدرك المؤمن الصادق شفاعتان، يشفع له القرآن لقيامه، و يشفع له الصيام لصيامه، قال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، و يقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان)) [أحمد] و عند ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول: أنا الذي أسهرت ليلك و أظمأت نهارك)).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/21.jpg
"واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه:
- جهاد بالنهار على الصيام!
- وجهاد بالليل على القيام!
فمن جمع بين هذين الجهادين و وفَّى بحقوقهما و صبر عليهما وُفِّي أجره بغير حساب " [لطائف المعارف 360]
و من صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة التراويح، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن، وكأنها شُرعت ليسمع الناس كتاب الله مجوداً مرتلاً، و لذلك استحب للإمام أن يختم فيها ختمة كاملة.
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-06, 08:44 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
ناشئة الليل!
قال ابن رجب: و في حديث ابن عباس أن المدارسة بينه و بين جبريل كانت ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل و يجتمع فيه الهم، و يتواطأ فيه القلب و اللسان على التدبر كما قال تعالى {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} [لطائف المعارف 355]
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZfnIIjv12gQwMHEXv3IRJrEXgs_m KCmloKp25YchybQo3RCYpaIr7oJoDM THzszVryEtI-xN7Jv3GOO1Jkt1X9VKAr4Jmvl-ff1uP4G5Gsar6AQl3h2KVEeNex31Mk XA7O_8dtAEUjivBMsBes5gmif-DHmpWpPYItvzQvYCl-ih5gYMRMSJMie-Z8DMsSKPaLxRqmlAhL9n_u5f0xVANj JmBVWKljkApiRuzPBmqBtJ9xvDq8NX 2JhB1LrzyD0Xm8CTMNAEL27m06vbsA jsJhASF2BdHzaVGU7oNoguqSetolJ9 gIEvf4F8zqKRGPHU0aFAzFOygdU5P_ JF7jYqll/p.png?size_mode=5
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره [لطائف المعارف 356] ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال أتيت النبي صلى اللهم عليه وسلم في ليلة من رمضان فقام يصلي فلما كبر قال الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها ثم ركع يقول سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقال رب اغفر لي مثل ما كان قائما ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ثم رفع رأسه فقام فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة [أحمد، باقي مسند الأنصار، رقم 22309]
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZi73hUobYhsZQiYgjtSxMwYd7TnH 6pdoy3CwA1FnX9nvdyPz6Oob8pwW_S C5SoSjNGwrGysEO6lxl4woy7VKUX72 FWh7gp93sjgVmM_Ts-Rj8NR-X7ymO1G9yKKUpjb2HV-oSZYix6c27sgu3ynOC9QwwZoYXD5rL 7r3U7JSqIAz2KS-_e5Cinshqz5S4Pt4Jub0OjuzahkHSP ZQt3lwB-dJHlakBMGTZqRGnjS7pa_jigNueY-UZB0Ynwi3FVBJVj7GG3PmGYI-Wjf9P0SKRsiI8hFQarFsuOxzefFv6z OYQdPfEkQPz8zCGZXAxXoqEN-lEjIU0JjYtuwLq_1dh9/p.png?size_mode=5
وكان عمر قد أمر أبي بن كعب و تميما الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام و ما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر، و في رواية أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها [لطائف المعارف 356] وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال و بعضهم في كل سبع منهم قتادة و بعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي [لطائف المعارف 358]
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZfnIIjv12gQwMHEXv3IRJrEXgs_m KCmloKp25YchybQo3RCYpaIr7oJoDM THzszVryEtI-xN7Jv3GOO1Jkt1X9VKAr4Jmvl-ff1uP4G5Gsar6AQl3h2KVEeNex31Mk XA7O_8dtAEUjivBMsBes5gmif-DHmpWpPYItvzQvYCl-ih5gYMRMSJMie-Z8DMsSKPaLxRqmlAhL9n_u5f0xVANj JmBVWKljkApiRuzPBmqBtJ9xvDq8NX 2JhB1LrzyD0Xm8CTMNAEL27m06vbsA jsJhASF2BdHzaVGU7oNoguqSetolJ9 gIEvf4F8zqKRGPHU0aFAzFOygdU5P_ JF7jYqll/p.png?size_mode=5
كل هذا التطويل و القيام من أجل تلاوة القرآن و تعطير ليالي شهر القرآن بآيات القرآن.
عن واثلة بن الأسقع- رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان): رواه الطبراني في الكبير عن واثلة، وأحمد في مسنده وابن عساكر، وحسنه الألباني صحيح الجامع رقم (1509).
وشهر رمضان وإن كان موسماً لسائر العبادات، فإنَّ للقرآن فيه مزيد مزية وخصوصية، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: من الآية 185]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [سورة القدر: 1]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: من الآية3]، ولهذا كان للقرآن عند السلف خصوصية في موسمه،
* أسلافنا إذا قدم شهر رمضان فتحوا المصاحف وحلوا وارتحلوا مع القرآن الكريم.
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZi73hUobYhsZQiYgjtSxMwYd7TnH 6pdoy3CwA1FnX9nvdyPz6Oob8pwW_S C5SoSjNGwrGysEO6lxl4woy7VKUX72 FWh7gp93sjgVmM_Ts-Rj8NR-X7ymO1G9yKKUpjb2HV-oSZYix6c27sgu3ynOC9QwwZoYXD5rL 7r3U7JSqIAz2KS-_e5Cinshqz5S4Pt4Jub0OjuzahkHSP ZQt3lwB-dJHlakBMGTZqRGnjS7pa_jigNueY-UZB0Ynwi3FVBJVj7GG3PmGYI-Wjf9P0SKRsiI8hFQarFsuOxzefFv6z OYQdPfEkQPz8zCGZXAxXoqEN-lEjIU0JjYtuwLq_1dh9/p.png?size_mode=5
ثبت عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه كان في رمضان لا يتشاغل إلاّ بالقرآن الكريم، وكان يعتزل التدريس والفتيا والجلوس للناس، ويقول هذا شهر القرآن الكريم.
* بيوت سلفنا كان لها في رمضان خاصة دويّ كدويّ النحل، تشع نورًا وتملأ سعادة، كانوا يرتلون القرآن الكريم ترتيلاً، يقفون عند عجائبه ويبكون من عظاته ويفرحون ببشارته و يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه!
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-08, 02:40 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
طلب النبي صلى الله عليه وسلم من ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، فقرأ سورة النساء، فلما بلغ قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً). قال له عليه الصلاة والسلام: ((حسبك الآن)). قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان)). إنه المحب سمع كلام حبيبه فبكى:
http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
فأما من بكى فيذوب وجدًا لأنّ به من التقوى حراكا
وصحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه استمع لأبي موسى رضى الله عنه:
ثم قال له: لو رأيتني وأنا أستمع إلى قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارأً من مزامير آل داود فقال أبو موسى: لو علمت يا رسول الله أنك تستمع لي لحبرته لك تحبيراً)).
والمعنى لجملت صوتي أكثر وأكثر، فجعلت القرآن الكريم به أكثر تأثيراً وروعة وجمالاً.
كان عمر رضي الله عنه إذا اجتمع الصحابة قال: يا أبا موسى ذكّرنا ربّنا فيندفع أبو موسى يقرا بصوته الجميل وهم يبكون:
http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
وإني ليبكيني سماع كلامه فكيف بعيني لو رأت شخصه بدا
تلا ذكر مولاه فحن حنينه وشوق قلوب العارفين تجدّدًا
لما فسدت أمزجة المتأخرين عن سماع كلام رب العالمين، ظهرت التربية معوجة، والفطرة منكوسة، والأفهام سقيمة.
لما استبدل القرآن الكريم بغيره حل الفساد، وكثر البلاء، واضطربت المفاهيم، وفشلت العزائم.
فهل لنا أن نعيش مع القرآن الكريم في رمضان وغير رمضان، وهل لنا أن نعرف عظمة القرآن الكريم فنملأ حياتنا سعادة بالقرآن الكريم، ونورًا بالقرآن الكريم، وإشراقاً مع القرآن الكريم. هل لنا أن نفعل ذلك؟
http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
أخي الكريم، ها قد عرفتَ من فضل القرآن ما قد عرفتَ، و علمتَ من ارتباط هذا الشهر الكريم بالقرآن العظيم ما قد علمتَ، فلم يبق إلا أن تُشمِّر عن ساعد الجد، وتأخذ نفسك بالعزم، و تدرع الصبر، و تكون مع القرآن كما قال القائل:
أسرى مع القرآن في أفق فذ تبارك ذلك الأفق
وسرى به في رحلة عجب من واحة الإيمان تنطلق
وارتاد منه عوالما ملئت سحرا به الأرواح تنعتق
يامن يريد العيش في دعة نبع السعادة منه ينبثق
http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif
" عباد الله هذا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، و في بقيته للعابدين مستمتع، و هذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم و يسمع، و هو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع، و مع هذا فلا قلب يخشع و لاعين تدمع ولا صيام يصان عن الحرام فينفع ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع. [لطائف المعارف 364ا/365]
فهل للنفس إقبال؟
وهل للقلب اشتياق؟
وهل نملأ شهر القرآن بتلاوة القرآن؟
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-09, 04:39 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
حالنا اليوم مع القرآن: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
حالُنا اليوم مع كتاب الله تعالى حالٌ تأسف لها النفوس، وتتحرَّق لها الأفئدة، وتدمع لها العيون، حالنا اليوم حال من ضيَّعَ شيئاً ثميناً ويطلبهُ ويبحثُ عنه وهو أمامه، ولكن عميت عنه بصيرته، حالنا حال من منّ الله عليه بكنز ولكن ما عرف كيف يتصرف به. هذا هو الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
انظر إلى حال النّاس اليوم مع القرآن الكريم. فمن النّاس من إذا دخل المسجد صلى ركعتين تحية المسجد ثم جلس صامتاً ينتظر إقامة الصلاة. والمسجد مليء بالمصاحف ولكن عميت بصيرته فلا همَّ له إلّا أن تُقام الصلاة. أمّا القرآن لا مكان له في قلبه. ولو قدمت إليه المصحف ليقرأ. قال: شكراً شكراً، وكأنّه امتلأ بالحسنات. فلا إله إلّا الله.
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZfnIIjv12gQwMHEXv3IRJrEXgs_m KCmloKp25YchybQo3RCYpaIr7oJoDM THzszVryEtI-xN7Jv3GOO1Jkt1X9VKAr4Jmvl-ff1uP4G5Gsar6AQl3h2KVEeNex31Mk XA7O_8dtAEUjivBMsBes5gmif-DHmpWpPYItvzQvYCl-ih5gYMRMSJMie-Z8DMsSKPaLxRqmlAhL9n_u5f0xVANj JmBVWKljkApiRuzPBmqBtJ9xvDq8NX 2JhB1LrzyD0Xm8CTMNAEL27m06vbsA jsJhASF2BdHzaVGU7oNoguqSetolJ9 gIEvf4F8zqKRGPHU0aFAzFOygdU5P_ JF7jYqll/p.png?size_mode=5
تركوا كتاب الله، تركوا دستور هذه الأمة، وانكبوا على اللهو واللعب، ومشاهدة الخبيث من الأفلام والمسلسلات الهابطة التي في ظاهرتها السلامة وفي باطنها تبث أنواعاً من السموم والندامة. انكبوا على تحريك القنوات الفضائية لمشاهدة العاهرات والفاجرات، ومتابعة الملهيات وما يدعو إلى السيئات. انكبوا على الأكل والشرب وكثرة النوم، فالليل لعب ولهو وسهر إلى طلوع الفجر، والنهار نوم إلى قبيل الغروب، والقرآن لا مكان له في القلوب، لا محل له في جدول أولئك النّاس، فلاحول ولا قوة إلّا بالله. فأين هؤلاء الخلف من أولئك السلف؟ ما هو حالنا مع القرآن في رمضان في هذا الوقت؟ فحال البعض ضياع ودمار وقتل للوقت والنفس وهولا يدري، فغيبة ونميمة وكذب وغش وخداع وبغضاء وشحناء. هكذا يتم قضاء الوقت في هذا الزمان مع الكثير من النّاس.
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZi73hUobYhsZQiYgjtSxMwYd7TnH 6pdoy3CwA1FnX9nvdyPz6Oob8pwW_S C5SoSjNGwrGysEO6lxl4woy7VKUX72 FWh7gp93sjgVmM_Ts-Rj8NR-X7ymO1G9yKKUpjb2HV-oSZYix6c27sgu3ynOC9QwwZoYXD5rL 7r3U7JSqIAz2KS-_e5Cinshqz5S4Pt4Jub0OjuzahkHSP ZQt3lwB-dJHlakBMGTZqRGnjS7pa_jigNueY-UZB0Ynwi3FVBJVj7GG3PmGYI-Wjf9P0SKRsiI8hFQarFsuOxzefFv6z OYQdPfEkQPz8zCGZXAxXoqEN-lEjIU0JjYtuwLq_1dh9/p.png?size_mode=5
أخي الكريم: خصص لكتاب الله جزءاً من وقتك حتى تقرأه فيه, فخصص ساعة أو نصف ساعة كل يوم للقرآن الكريم تراجع فيه وتحفظ منه ما تيسر لك. حاول أن تختم كتاب الله لتجده اللذة، والطمأنينة، ولتشعر بالسكينة، وتحفك الملائكة، وتغشاك الرحمة, رحمة رب العباد. حاول وستجد أنّ ذلك سهلاً ميسراً بإذن الله تعالى.
إنّها أمور يندى لها الجبين، ويتفطر لها القلب؛ عندما نرى تلك السهرات والجلسات على الأرصفة في ليالي شهر رمضان المبارك، في الأعوام الماضية، والتي يتمُّ فيها معصية الخالق سبحانه، يعصون الله تعالى في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النّار، بينما لا مكان في قلوب أولئك للقرآن. فهي جلسات إلى قبيل الفجر، ثم نوم إلى قبيل الغروب. فأين هؤلاء الخلف من أولئك السلف؟!! فرق شاسع وواسع بين الفريقين. ضعف الإيمان واليقين فحصل هذا البعد عن حبل الله المتين. أين هؤلاء من قول المولى - جل وعلا: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورا} [الفرقان:30]. وأين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان» [رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني• فأولئك لم يعرفوا حقيقة الصيام والقرآن].
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZfnIIjv12gQwMHEXv3IRJrEXgs_m KCmloKp25YchybQo3RCYpaIr7oJoDM THzszVryEtI-xN7Jv3GOO1Jkt1X9VKAr4Jmvl-ff1uP4G5Gsar6AQl3h2KVEeNex31Mk XA7O_8dtAEUjivBMsBes5gmif-DHmpWpPYItvzQvYCl-ih5gYMRMSJMie-Z8DMsSKPaLxRqmlAhL9n_u5f0xVANj JmBVWKljkApiRuzPBmqBtJ9xvDq8NX 2JhB1LrzyD0Xm8CTMNAEL27m06vbsA jsJhASF2BdHzaVGU7oNoguqSetolJ9 gIEvf4F8zqKRGPHU0aFAzFOygdU5P_ JF7jYqll/p.png?size_mode=5
فأحوال النّاس مع القرآن في رمضان أحوال عجيبة. فمن النّاس من لا يعرف القرآن في رمضان ولا غير رمضان. ومن النّاس من لا يعرف القرآن إلّا في رمضان فتجده يقرأ القرآن في رمضان لعدة أيام ثم ما يلبث أن يترك القراءة وينكب على اللعب واللهو، فهذا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. ومن النّاس من يختم القرآن الكريم في رمضان ولكنه لاه القلب أعمى البصيرة لا يتدبر ولا يتأمل كلام الله عز وجل، وكأنّه في سجن؛ فإذا انسلخ شهر رمضان وضع المصحف وأحكم عليه الوثاق ولسان حاله يقول: وداعاً إلى رمضان القادم، وكأنّه أيقن أنّه سيدرك رمضان القادم. فلا حول ولا قوة إلّا بالله. قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين».
هذا هو كتابنا إن لم نقرأه نحن فمن الذي سيقرأه إذن. أننتظر من غيرنا أن يقرأ كتابنا، والله تعالى يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9].
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZi73hUobYhsZQiYgjtSxMwYd7TnH 6pdoy3CwA1FnX9nvdyPz6Oob8pwW_S C5SoSjNGwrGysEO6lxl4woy7VKUX72 FWh7gp93sjgVmM_Ts-Rj8NR-X7ymO1G9yKKUpjb2HV-oSZYix6c27sgu3ynOC9QwwZoYXD5rL 7r3U7JSqIAz2KS-_e5Cinshqz5S4Pt4Jub0OjuzahkHSP ZQt3lwB-dJHlakBMGTZqRGnjS7pa_jigNueY-UZB0Ynwi3FVBJVj7GG3PmGYI-Wjf9P0SKRsiI8hFQarFsuOxzefFv6z OYQdPfEkQPz8zCGZXAxXoqEN-lEjIU0JjYtuwLq_1dh9/p.png?size_mode=5
أخي المسلم، أختي المسلمة:
الواجب علينا تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر فهو سبب لحياة القلوب ونورها، وقوة الإيمان، وطرد الشيطان، وإيّاكماوهجران القرآن؛ فهجرانه يورث النفاق، وعمى القلب، والغفلة، وتسليط الشيطان.
فهذا هو الحال مع القرآن في شهر رمضان؛ فإلى الله نشتكي هذا الهجران، والبعد عن قراءة القرآن. نشكو إلى الله قسوة القلوب، وكثرة الذنوب، فأين المشمِّرون؟ وأين الراغبون فيما عند الله تعالى؟ فينبغي على المسلم المداومة على قراءة القرآن في شهر رمضان؛ لأنّه الشهر الذي أنزل فيه القرآن. وينبغي على المسلم أن يغتنم هذه الفرص في هذه الأوقات الفاضلة، وفي هذا الشهر خصوصاً؛ لأنّ فيه ليلة هي خير من ألف شهر. فأي خسارة لمن مر عليه رمضان ولم يستفد منه، وأيُّ تضييع لمن مرَّ عليه رمضان ولم يقتنص تلك الفرص.
فيا من فرط في شهرِه وأضاعهُ، يا من بضاعتُه التسويف والتفريطُ! بئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآنُ وشهرُ رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشَّفاعة؟!
هذا هو حالنا مع القرآن في رمضان، فكيف كان حال السلف رضوان الله عليهم؟
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-10, 07:06 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
حال السلف مع القرآن في رمضان
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZfnIIjv12gQwMHEXv3IRJrEXgs_m KCmloKp25YchybQo3RCYpaIr7oJoDM THzszVryEtI-xN7Jv3GOO1Jkt1X9VKAr4Jmvl-ff1uP4G5Gsar6AQl3h2KVEeNex31Mk XA7O_8dtAEUjivBMsBes5gmif-DHmpWpPYItvzQvYCl-ih5gYMRMSJMie-Z8DMsSKPaLxRqmlAhL9n_u5f0xVANj JmBVWKljkApiRuzPBmqBtJ9xvDq8NX 2JhB1LrzyD0Xm8CTMNAEL27m06vbsA jsJhASF2BdHzaVGU7oNoguqSetolJ9 gIEvf4F8zqKRGPHU0aFAzFOygdU5P_ JF7jYqll/p.png?size_mode=5
رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من تلاوته وحفظه، وتدبره، وعرضه على من هو أقرأ منه:
كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وعارضه في عام وفاته مرتين، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن الكريم كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة المصحف. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن، قال الزهري: ' إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام '.
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZi73hUobYhsZQiYgjtSxMwYd7TnH 6pdoy3CwA1FnX9nvdyPz6Oob8pwW_S C5SoSjNGwrGysEO6lxl4woy7VKUX72 FWh7gp93sjgVmM_Ts-Rj8NR-X7ymO1G9yKKUpjb2HV-oSZYix6c27sgu3ynOC9QwwZoYXD5rL 7r3U7JSqIAz2KS-_e5Cinshqz5S4Pt4Jub0OjuzahkHSP ZQt3lwB-dJHlakBMGTZqRGnjS7pa_jigNueY-UZB0Ynwi3FVBJVj7GG3PmGYI-Wjf9P0SKRsiI8hFQarFsuOxzefFv6z OYQdPfEkQPz8zCGZXAxXoqEN-lEjIU0JjYtuwLq_1dh9/p.png?size_mode=5
قال ابن رجب: (كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة في كل ست ليال) لطائف المعارف (191).
وقد كان للسَّلف رحمهم الله اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره.
كان الزهري إذا دخل رمضان يقول: إنما هو قراءة القرآن و إطعام الطعام.
قال ابن الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم.
قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن.
وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف و جمع إليه أصحابه. [انظر اللطائف359،360]
وكانت لهم مجاهدات من كثرة الختمات رواها الأئمة الثقات الأثبات رحمهم الله:
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZfnIIjv12gQwMHEXv3IRJrEXgs_m KCmloKp25YchybQo3RCYpaIr7oJoDM THzszVryEtI-xN7Jv3GOO1Jkt1X9VKAr4Jmvl-ff1uP4G5Gsar6AQl3h2KVEeNex31Mk XA7O_8dtAEUjivBMsBes5gmif-DHmpWpPYItvzQvYCl-ih5gYMRMSJMie-Z8DMsSKPaLxRqmlAhL9n_u5f0xVANj JmBVWKljkApiRuzPBmqBtJ9xvDq8NX 2JhB1LrzyD0Xm8CTMNAEL27m06vbsA jsJhASF2BdHzaVGU7oNoguqSetolJ9 gIEvf4F8zqKRGPHU0aFAzFOygdU5P_ JF7jYqll/p.png?size_mode=5
كان الأسود يختم القرآن في رمضان كل ليلتين، وكان قتادة إذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة، وقال ربيع بن سليمان: كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة، وروى ابن أبي داود بسند صحيح أن مجاهدا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب و العشاء، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب و العشاء في كل ليلة من رمضان، قال مالك: و لقد أخبرني من كان يصلي إلى جنب عمر بن حسين في رمضان قال: كنت أسمعه يستفتح القرآن في كل ليلة. [البيهقي في الشعب] قال النووي: وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان، و تميم الداري، و سعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة [التبيان 48] [وانظر اللطائف 358- 360 و صلاح الأمة 3/ 5 - 85]
قال القاسم عن أبيه الحافظ ابن عساكر: كان مواظبا على صلاة الجماعة و تلاوة القرآن، يختم كل جمعة و يختم في رمضان كل يوم [سير أعلام النبلاء20/ 562]
هذا هو حال سلفنا الصالح مع القرآن الكريم، وإذا ما خطر لك السؤال عمّا حفزهم إلى تحقيق هذه الحال الطيبة والسيرةالعطرة، فالجواب المجمل هو أنهم كانوا يعرفون حقيقة هذا القرآن الذي هاموا به جيّداً! فما تلك الحقيقة؟
https://previews.dropbox.com/p/thumb/AAZi73hUobYhsZQiYgjtSxMwYd7TnH 6pdoy3CwA1FnX9nvdyPz6Oob8pwW_S C5SoSjNGwrGysEO6lxl4woy7VKUX72 FWh7gp93sjgVmM_Ts-Rj8NR-X7ymO1G9yKKUpjb2HV-oSZYix6c27sgu3ynOC9QwwZoYXD5rL 7r3U7JSqIAz2KS-_e5Cinshqz5S4Pt4Jub0OjuzahkHSP ZQt3lwB-dJHlakBMGTZqRGnjS7pa_jigNueY-UZB0Ynwi3FVBJVj7GG3PmGYI-Wjf9P0SKRsiI8hFQarFsuOxzefFv6z OYQdPfEkQPz8zCGZXAxXoqEN-lEjIU0JjYtuwLq_1dh9/p.png?size_mode=5
حقيقة القرآن الكريم ومراتبُ الناس من حيث علاقتُهم به
هذا الشهر المبارك بما فيه من اجتهادٍ وعبادة وصومٍ وصلاة وقيام، يستجيشُ إيمان الفرد،
ومن ثمّ يجد المرء نفسه قريباً من القرآن، متفاعلاً مع آياته، متدبّراً في معانيها، ولعله عندئذٍ يصل إلى تلمّس حقيقة القرآن الكريم، فلنقف هنا ولنتساءل
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-11, 06:02 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
ما هي حقيقة القرآن الكريم؟
يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلم: (كتابُ الله، حبلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض)، وفي حديثٍ آخر عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَبْشِرُوا وَأَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا) . ونظر بعضُ العلماء إلى القرآن من ناحية طرفه الّّذي بيد النّاس، فعرّفوه بأنه: "اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس" ، وعرّفه آخرون بأنّه: "الكلام المعجز، المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته" وأنت ترى أن هذا التعريف جمعَ بين: الإعجاز، والتَّنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم، والكتابة في المصاحف، والنقل بالتواتر، والتعبد بالتلاوة، وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم" .
https://www14.0zz0.com/2019/05/11/20/286643651.png (https://www.0zz0.com)
وهذا الطرفُ من حبل القرآن المتين، هو الّذي يملك الناس أن يتعاملوا معه، فيشُدّونه ويتمسّكون به.
وأمّا الطرف الآخرُ الّذي بيد الله عزّ وجلَّ، ولا يملك الإنسان أن يتعامل معه، فهو أنّ القرآن "نورٌ من عند الله، أنزله إلى خلقه يَستضيئونَ به" ، وهذا النور، يسكبه الله عزّ وجلّ في قلب المؤمن، عند تلاوته للقرآن الكريم، أي عندَ هزِّه وتحريكه وتمسّكه بطرف الحبل الّذي بيده.
إذن، فالقرآن له طرفانِ، طرفٌ نستطيع أن نمسك به، ألا وهو تلاوةُ القرآن خاصَّةً (باعتبار أنّ السمات الأخرى، متحقِّقة في القرآن أصلاً) والتّلاوة هي ما نحن مطالبون به. أمّا الطرف الآخر من القرآن، فليس بيدنا الإمساك به، إنما هو بيد الله عزّ وجلّ، ألا وهو كون القرآن روحاً ونوراً!
https://www14.0zz0.com/2019/05/11/20/125760730.png (https://www.0zz0.com)
وعندما يُمسك المسلمُ بالطرف الذي يليه تالياً للقرآنِ، فعندئذٍ يُفيض الله عزّ وجلّ من أنوار القرآن وروحه، على عبده بحسب ما في قراءته من صدقٍ وتدبُّر وإخلاص!
بلى، أخي المسلم، إذا كان القرآنُ بتلك المثابة: رَوحاً للقلوب، ونوراً يُضيء طريق الحياة، ويكشفُ عنها الظلام ويُزيل من ملامحها القَتام؛ فما أحرانا بأن نُعظِّمَهُ ونُكرِمه، ونوليه ما يستحقُّه من العناية والاهتمام!
فالقرآن الكريم في الحقيقة: ليس مجرّدَ السُّوَر والآيات الّتي نقرؤها أو نسمعُها، فذلك هو الظّاهرُ الّذي يبدو لنا منه، والّذي إذا أحكمناه تلاوةً وتدبُّراً، رفع اللهُ درجتنا وأعلى مرتبتنا، وجعلنا في مقام المناجاةِ له سبحانه وتعالى، والفهم منه، والتّعلّم عنه، والتّعرُّضِ لرَوحه ورحمته ونوره!
https://www14.0zz0.com/2019/05/11/20/286643651.png (https://www.0zz0.com)
وما هي مراتب الناس، من حيث علاقتهم بالقرآن الكريم وإدراكهم لحقيقته والتزامهم بها؟
روى الإمام البخاريُّ في صحيحه، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
(الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالْأُتْرُجَّة ِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ!
وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالتَّمْرَةِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلَا رِيحَ لَهَا!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالرَّيْحَانَة ِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ!
https://www14.0zz0.com/2019/05/11/20/125760730.png (https://www.0zz0.com)
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالْحَنْظَلَةِ : طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ!) !
في هذا الحديث نلمس أربع مراتب، يترتب فيها الناس بحسب إيمانهم وبحسب علاقتهم بالقرآن، على النحو التالي:
فالمرتبة الأولى، يجتمع فيها الإيمان والقرآن، تشمُّ رائحةً طيّبة، ثمّ تذوق الطّعم فتجده كذلك طيباً! ومثال هذه المرتبة ورمزها هو (الأُتُرُجَّة)!
وفي المرتبة الثانية، يحضر الإيمان ويغيب القرآن، فلا تشمّ رائحةً طيّبةً، ولا ترى سمتاً رائقاً، ولكنّك إذا ذقت الطعمَ ألفيتَه طيّباً! ومثال هذه المرتبة هو (التّمرة).
وفي المرتبة الثالثة، يغيبُ الإيمان، ويحضر القرآن، فتشمُّ رائحةً طيّبةً، وترى سمتاً حسَناً، ولكنّك إذا بلوتَ وجرّبتَ وذُقتَ؛ لم تجد طعماً طيّباً، ومثالُ هذه المرتبة هو (الرَّيحانة).
وفي المرتبة الرابعة، غابا معاً: الإيمان والقرآن، فرائحةٌ خبيثةٌ وطعمٌ مرٌّ، ومثالها (الحنظلة).
إذن، فينبغي على المسلم، أن يُقبل على القرآن، بكلِّ صدقٍ طمأنينة ويقينٍ، واثقاً ممّا سيُفيضه الله عليه من رَوحه ورحمته، عند إمساكه بطرف الحبل الّذي يليه من القرآن، أي عند تلاوته!
وهذا رمضانُ فرصة طيّبة لتوثيق صلتنا بالقرآن، والرُّقيّ بإيماننا، فلنجتهد في تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ولنجتهد في سماعه بتدبر وخشوع، ونحن نصلي صلواتنا في رمضان!
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-12, 03:22 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
(7)
ما هي حقيقة القرآن الكريم؟
يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلم: (كتابُ الله، حبلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض)، وفي حديثٍ آخر عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَبْشِرُوا وَأَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا) . ونظر بعضُ العلماء إلى القرآن من ناحية طرفه الّّذي بيد النّاس، فعرّفوه بأنه: "اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس" ، وعرّفه آخرون بأنّه: "الكلام المعجز، المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته" وأنت ترى أن هذا التعريف جمعَ بين: الإعجاز، والتَّنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم، والكتابة في المصاحف، والنقل بالتواتر، والتعبد بالتلاوة، وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم" .
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/114.jpg (https://www.0zz0.com)
وهذا الطرفُ من حبل القرآن المتين، هو الّذي يملك الناس أن يتعاملوا معه، فيشُدّونه ويتمسّكون به.
وأمّا الطرف الآخرُ الّذي بيد الله عزّ وجلَّ، ولا يملك الإنسان أن يتعامل معه، فهو أنّ القرآن "نورٌ من عند الله، أنزله إلى خلقه يَستضيئونَ به" ، وهذا النور، يسكبه الله عزّ وجلّ في قلب المؤمن، عند تلاوته للقرآن الكريم، أي عندَ هزِّه وتحريكه وتمسّكه بطرف الحبل الّذي بيده.
إذن، فالقرآن له طرفانِ، طرفٌ نستطيع أن نمسك به، ألا وهو تلاوةُ القرآن خاصَّةً (باعتبار أنّ السمات الأخرى، متحقِّقة في القرآن أصلاً) والتّلاوة هي ما نحن مطالبون به. أمّا الطرف الآخر من القرآن، فليس بيدنا الإمساك به، إنما هو بيد الله عزّ وجلّ، ألا وهو كون القرآن روحاً ونوراً!
وعندما يُمسك المسلمُ بالطرف الذي يليه تالياً للقرآنِ، فعندئذٍ يُفيض الله عزّ وجلّ من أنوار القرآن وروحه، على عبده بحسب ما في قراءته من صدقٍ وتدبُّر وإخلاص!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/115.jpg (https://www.0zz0.com)
بلى، أخي المسلم، إذا كان القرآنُ بتلك المثابة: رَوحاً للقلوب، ونوراً يُضيء طريق الحياة، ويكشفُ عنها الظلام ويُزيل من ملامحها القَتام؛ فما أحرانا بأن نُعظِّمَهُ ونُكرِمه، ونوليه ما يستحقُّه من العناية والاهتمام!
فالقرآن الكريم في الحقيقة: ليس مجرّدَ السُّوَر والآيات الّتي نقرؤها أو نسمعُها، فذلك هو الظّاهرُ الّذي يبدو لنا منه، والّذي إذا أحكمناه تلاوةً وتدبُّراً، رفع اللهُ درجتنا وأعلى مرتبتنا، وجعلنا في مقام المناجاةِ له سبحانه وتعالى، والفهم منه، والتّعلّم عنه، والتّعرُّضِ لرَوحه ورحمته ونوره!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/114.jpg (https://www.0zz0.com)
وما هي مراتب الناس، من حيث علاقتهم بالقرآن الكريم وإدراكهم لحقيقته والتزامهم بها؟
روى الإمام البخاريُّ في صحيحه، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
(الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالْأُتْرُجَّة ِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ!
وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالتَّمْرَةِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلَا رِيحَ لَهَا!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالرَّيْحَانَة ِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالْحَنْظَلَةِ : طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ!) !
في هذا الحديث نلمس أربع مراتب، يترتب فيها الناس بحسب إيمانهم وبحسب علاقتهم بالقرآن، على النحو التالي:
فالمرتبة الأولى، يجتمع فيها الإيمان والقرآن، تشمُّ رائحةً طيّبة، ثمّ تذوق الطّعم فتجده كذلك طيباً! ومثال هذه المرتبة ورمزها هو (الأُتُرُجَّة)!
وفي المرتبة الثانية، يحضر الإيمان ويغيب القرآن، فلا تشمّ رائحةً طيّبةً، ولا ترى سمتاً رائقاً، ولكنّك إذا ذقت الطعمَ ألفيتَه طيّباً! ومثال هذه المرتبة هو (التّمرة).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/115.jpg (https://www.0zz0.com)
وفي المرتبة الثالثة، يغيبُ الإيمان، ويحضر القرآن، فتشمُّ رائحةً طيّبةً، وترى سمتاً حسَناً، ولكنّك إذا بلوتَ وجرّبتَ وذُقتَ؛ لم تجد طعماً طيّباً، ومثالُ هذه المرتبة هو (الرَّيحانة).
وفي المرتبة الرابعة، غابا معاً: الإيمان والقرآن، فرائحةٌ خبيثةٌ وطعمٌ مرٌّ، ومثالها (الحنظلة).
إذن، فينبغي على المسلم، أن يُقبل على القرآن، بكلِّ صدقٍ طمأنينة ويقينٍ، واثقاً ممّا سيُفيضه الله عليه من رَوحه ورحمته، عند إمساكه بطرف الحبل الّذي يليه من القرآن، أي عند تلاوته!
وهذا رمضانُ فرصة طيّبة لتوثيق صلتنا بالقرآن، والرُّقيّ بإيماننا، فلنجتهد في تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ولنجتهد في سماعه بتدبر وخشوع، ونحن نصلي صلواتنا في رمضان!
[إنّها حقيقةٌ كبيرة]
هذه الظاهرة البشرية التي تعتري بني الإنسان حين يسمعون القرآن ليست مجرد استنتاج علمي أو ملاحظات نفسانية .. بل هي شئ أخبرنا الله أنه أودعه في هذا القرآن .. ليس تأثير القرآن في النفوس والقلوب فقط .. بل -أيضاً- تأثيره الخارجي على الجوارح .. الجوارح ذاتها تهتز وتضطرب حين سماع القرآن .. قشعريرة عجيبة تسري في أوصال الإنسان حين يسمع القرآن .. يقول تعالى:
{اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]
لاحظ كيف يرسم القرآن مراحل التأثر، تقشعر الجلود، ثم تلين، إنها لحظة الصدمة بالآيات التي يعقبها الاستسلام الإيماني، بل والاستعداد المفتوح للانقياد لمضامين الآيات .. ولذلك مهما استعملت من (المحسّنات الخطابية) في أساليب مخاطبة الناس وإقناعهم فلايمكن أن تصل لمستوى أن يقشعر الجلد في رهبة المواجهة الأولى بالآيات، ثم يلين الجلد والقلب لربه ومولاه، فيستسلم وينقاد بخضوع غير مشروط ..
هذا شئ يراه المرء في تصرفات الناس أمامه .. جرب مثلاً أن تقول لشخص يستفتيك: هذه معاملة بنكية ربوية محرمة بالإجماع، وفي موقف آخر: قدم بآيات القرآن في تحريم الربا، ثم اذكر الحكم الشرعي، وسترى فارق الاستجابه بين الموقفين؛ بسبب ماتصنعه الآيات القرآنية من ترويض النفوس والقلوب لخالقها ومولاها، تماماً كما قال تعالى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ) ..
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-13, 03:49 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
(8)
فويلٌ للقاسيةِ قلوبهم من ذكر الله!
وفي مقابل ذلك كله .. حين ترى بعض أهل الأهواء يسمع آيات القرآن ولا يتأثر بها، ولا يخضع لمضامينها، ولا ينفعل وجدانه بها، بل ربما استمتع بالكتب الفكرية والحوارات الفكرية وتلذذ بها وقضى فيها غالب عمره، وهو هاجرٌ لكتاب الله يمر به الشهر والشهران والثلاثة وهو لم يجلس مع كتاب ربه يتأمله ويتدبره ويبحث عن مراد الله من عباده، إذا رأيت ذلك كله؛ فاحمد الله يا أخي الكريم على العافية، وتذكر قوله تعالى {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22]
وحين يوفِّقُك ربُّك فيكون لك حزبٌ يوميٌّ من كتاب الله (كما كان لأصحاب رسول الله أحزابٌ يوميةٌ من القرآن) فحين تنهي تلاوة وردك اليومي فاحذر يا أخي الكريم أن تشعر بأي إدلال على الله أنك تقرأ القرآن، بل بمجرد أن تنتهي فاحمل نفسك على مقام إيماني آخر؛ وهو استشعار منة الله وفضله عليك أن أكرمك بهذه السويعة مع كتاب الله، فلولا فضل الله عليك لكانت تلك الدقائق ذهبت في الفضول كما ذهب غيرها، إذا التفتت النفس لذاتها بعد العمل الصالح نقص مسيرها إلى الله، فإذا التفتت إلى الله لتشكره على إعانته على العبادة ارتفعت في مدارج العبودية إلى ربها ومولاها، وقد نبهنا الله على ذلك بقوله تعالى (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) [النور: 21]
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/20.jpg
فتزكية النفوس فضل ورحمة من الله يتفضل بها على عبده، فهو بعد العبادة يحتاج إلى عبادة أخرى وهي الشكر والحمد، وبصورة أدق فالمرء يحتاج لعبادة قبل العبادة، وعبادة بعد العبادة، فهويحتاج لعبادة الاستعانة قبل العبادة، ويحتاج لعبادة الشكر بعد العبادة .. وكثير من الناس إذا عزم على العبادة يجعل غاية عزمه التخطيط والتصميم الجازم .. وينسى أن كل هذه وسائل ثانوية .. وإنما الوسيلة الحقيقية هي (الاستعانة) .. ولذلك وبرغم أن الاستعانة في ذاتها عبادة إلا أن الله أفردها بالذكر بعد العبادة فقال (إياك نعبد وإياك نستعين) .. وهذه الاستعانة بالله عامة في كل شئ، في الشعائر، وفي المشروعات الاصلاحية، وفي مقاومة الانحرافات الشرعية، وفي الخطاب الدعوي، فمن استعان بالله ولجأ إليه فتح الله له أبواب توفيقه بألطف الأسباب التي لايتصورها ..
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم أحي قلوبنا بكتابك، اللهم اجعلنا ممن إذا استمع للقرآن اقشعر جلده ثم لان جلده وقلبه لكلامك، اللهم اجعلنا ممن إذا سمع ما أنزل إلى رسولك تفيض عيوننا بالدمع، اللهم اجعلنا ممن إذا تليت عليهم آيات الرحمن خرو سجداً وبكياً، اللهم إنا نعوذ بك ونلتجئ إليك ونعتصم بجنابك أن لاتجعلنا من القاسية قلوبهم من ذكر الله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/20.jpg
ويُشير إلى سطوة القرآن
"كنَّا على ظهر الباخرة في عرض الأطلنطي في طريقنا إلى نيويورك، حينما أقمنا صلاةَ الجمعة على ظهر المركب .. ستة من الركاب المسلمين من بلاد عربية مختلفة، وكثير من عمال المركب أهل النوبة، وألقيتُ خطبةَ الجمعة متضمِّنةً آياتٍ من القرآن في ثناياها، وسائرُ ركاب السفينة من جنسيات شتَّى متحلِّقون يشاهدون! وبعد انتهاء الصلاة جاءت إلينا -من بين مَن جاء يُعبِّر لنا عن تأثره العميق بالصلاة الإسلامية- سيِّدةٌ يوغسلافيَّة فارَّة من الشَّيوعيَّة إلى الولايات المتحدة! جاءتنا وفي عينيها دموعٌ لا تكاد تمُسك بها وفي صوتها رعشة، وقالت لنا في انجليزيَّة ضعيفة: أنا لا أملك نفسي من الإعجاب البالغ بالخشوع البادي في صلاتكم .. ولكن ليس هذا ما جئتُ من أجله .. إنَّني لا أفهمُ من لغتكم حرفاً واحداً، غير أنَّني أحسُّ أنَّ فيها إيقاعاً موسيقياً لم أعهده في أيَّة لغة .. ثم .. إنَّ هناك فقرات مميزة في خطبة الخطيب، هي أشدُّ إيقاعاً، ولها سلطانٌ خاصٌّ على نفسي!!! وعرفتُ طبعاً أنَّها الآيات القرآنية، المميَّزة الإيقاع، ذات السلطان الخاص! لا أقول: إنَّ هذه قاعدة عند كلِّ من يسمع ممَّن لا يعرفون العربيَّة .. ولكنها ولا شكَّ ظاهرةٌ ذات دلالة!"
وكيف تتحقق هذه السطوة؟
الجواب: إنها تتحقق تلقائياً بالتعرض للقرآن، من خلال تدبّره وسماعه وحفظه!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/21.jpg
القرآن في رمضان: ما بين التلاوة والتّدبر!
يقع سؤال بعض الناس عن أيهما أفضل، قراءة القرآن بتدبر، أو قراءته على وجه الحدر، والاستزادة من كثرة ختمه إدراكًا لأجر القراءة؟
وهاتان العبادتان غير متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر في هذا يرجع إلى حال القارئ، وقراء القرآن أصناف:
- الصنف الأول: العامة الذين لا يستطيعون التدبر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لاشكَّ أن الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/21.jpg
وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: ((لا أقول " ألم " حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
-الصنف الثاني: العلماء وطلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن:
الأول: كطريقة العامة؛ طلبًا لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتْمَاتِ.
الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتَّدبر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأعود فأقول: إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معًا، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحال صاحبه فيه.
ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم، لذا شبَّه بعض العلماء من قرأ سورة من القرآن بتدبر كان كمن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كل القرآن بغير تدبر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول.
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-14, 05:17 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
(9)
الترغيب والحثُّ على تلاوة القرآن في شهر رمضان!
السؤال: ما وجه قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] بين آيات الصيام؟ الجواب: إنه حثٌ بيِّنٌ على تلاوة القرآن في هذا الشهر الكريم؛ إذ هو شهره الذي نزل فيه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارضه جبريل بالقرآن في كل عام مرةً في رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم عارضه بالقرآن مرتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أرى ذلك إلا لحضور أجلي).
وكذلك قد يطرح سؤال مشابهٌ هو:
ما وجه تخلل قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] بين آيات الصيام؟
فالجواب: وبالله تعالى التوفيق، والعلم عند الله تعالى: أن هذا أيضاً حثٌ على الدعاء، فالصائم من الذين تستجاب دعوتهم، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر)، وذكر الحديث، فعليه: يستحب للصائم أن يكثر من الدعاء أثناء صومه، ويستحب له كذلك أن يكثر من تلاوة القرآن، هذا وبالله التوفيق. ......
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/20.jpg
لتكن علاقتنا بالقرآن في شهر رمضان علاقة استثنائية:
لابد من أن تكون علاقتنا بالقرآن في رمضان علاقة استثنائية، ومهما كان اهتمامنا بالقرآن خلال العام كله فلابد من أن يكون هناك مزيد من الاهتمام الخاص في رمضان الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقرآن، كما في قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1 - 5]. فالقرآن جمع له الشرف من كل الوجوه، فهو أشرف كتاب نزل على أشرف أمة بسفارة أشرف الملائكة جبريل عليه السلام، نزل على أشرف نبي وهو محمد عليه الصلاة والسلام في أشرف شهور السنة وهو رمضان في أشرف ليالي هذا الشهر الكريم وهي ليلة القدر في أشرف بقاع الأرض وهي مكة بأشرف لغة وهي اللغة العربية، فهذا القرآن الكريم قد جمع له الشرف من كل الوجوه. فإذاً ينبغي أن تكون أيام رمضان ولياليه فرصة لعقد صلح مع القرآن، وتكون الخطة هي التهيؤ لرمضان قبل حلوله، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه في كل ليلة من رمضان ينادي مناد: (يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر!). فمن أعظم الخير الذي ينبغي أن ينتهزه الإنسان في رمضان هو تلاوة القرآن الكريم؛ لأن رمضان هو شهر القرآن، فينبغي أن يكثر العبد من تلاوته وحفظه وتدبره وعرضه على من هو أقرأ منه. وقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وفي العام الذي توفي فيه دارسه فيه مرتين.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ' وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلَّ من ثلاث على المدوامة على ذلك، فأما الأوقات المفضلة - كشهر رمضان - خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر - أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم'.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/21.jpg
وماذا عن عبادة الليل؟!
إن القراءة بالليل من أنفع العبادات، وكم من عبادة لا تخرج لذتها للعابدين إلا في وقت الظلمة، لذا كان أهم أوقات اليوم الثلث الأخير من الليل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ثلث الليل الآخر ينْزل ربنا إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطية؟
هل من مستغفر فأغفر له؟ …)).
وكثيرًا ما نغفل عن عبادة الليل خصوصًا في رمضان ـ مع ما يحصل منا من السهر ـ وتلك غفلة كبيرة لمن حُرِم لذة عبادة الليل.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/20.jpg
فَشَمِّرْ عن ساعد الجِدِّ، وأدركْ فقد سبق المشمرون قبلك، ولا تكن في هذه الأمور ذيلاً بل كن رأسًا، والله يوفقني وإياك لكما يحب ويرضى.
ولو رتَّب المسلم لنفسه برنامج قراءة للقرآن كل ليلة؛ لارتبط بعبودية لله، ولم يكن في لَيلِهِ من الغافلين، لا جعلني الله وإياك منهم.
ومما قد يغيب عن أذهاننا في أيامنا هذه: أيامِ الإضاءةِ الليلية التي قلبت الليل إلى نهار، فانقلبت بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها بجعله الليل لهم سباتًا يرتاحون فيه، أقول إنه قد يغيب عنا لذة العبادة في الظلمة، لذا لو جرَّب المسلم قراءة القرآن من حفظِه أو الصلاة النافلة الليلية بلا إضاءة، فإن في ذلك جمعًا لهمِّه، وتركيزًا لنفسه؛ لأن البصر يُشغِل المرء في قراءته أو صلاته.
ومن جرَّب العبادة في الظلمة وجدَ لذة تفوق عبادته وهو تحت إضاءة الكهرباء.
كيف نتأثّر بالقرآن؟
يسأل كثيرون عن كيفية التأثر بالقرآن، ولماذا لا نخشع في صلواتنا حين سماع كلام ربِّنا؟
ولا شكَّ أن ذلك عائدٌ لأمور من أبرزها أوزارنا وذنوبنا التي نحملها على ظهورنا، لكن مع ذلك فلا بدَّ من وجود قدرٍ من التأثر بالقرآن، ولو كان يسيرًا، فهل من طريق إلى ذلك؟
إنَّ البعدَ عن المعاصي، وإصلاح القلب، وتحليته بالطاعات هو السبيل الجملي للتأثر بهذا القرآن، وعلى قدر ما يكون من الإصلاح يبرز التأثُّر بالقرآن.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/21.jpg
والتأثر بالقرآن حال تلاوته يكون لأسباب متعددة، فقد يكون حال الشخص في ذلك الوقت مهيَّئًا، وقلبه مستعدًا لتلقي فيوض الربِّ سبحانه وتعالى.
فمن بكَّر للصلاة، وصلى ما شاء الله، ثمَّ ذكر الله، وقرأ كتاب ربِّه، ثمَّ استمع إلى الذكر فإنَّ قلبه يتعلق بكلام الله أكثر من رجلٍ جاء متأخِّرًا مسرعًا خشية أن تفوته الصلاة، فأنَّى له أن تهدأ نفسه ويسكن قلبه حتى يدرك كلام ربِّه، ويستشعر معانيه؟!
ومن قرأ تفسير الآيات التي سيتلوها الإمام واستحضر معانيها، فإنَّ تأثره سيكون أقرب ممن لا يعرف معانيها.
ومن قدَّم جملة من الطاعات بين يدي صلاته، فإنَّ خشوعه وقرب قلبه من التأثر بكلام ربِّه أولَى ممن لم يفعل ذلك.
وإنك لتجد بعض المسرفين على أنفسهم ممن هداهم الله قريبًا يستمتعون ويتلذذون بقراءة كلام ربهم، وتجدهم يخشعون ويبكون، وما ذاك إلا لتغيُّر حال قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، فإذا كان هذا يحصل من هؤلاء فحريٌّ بمن سبقهم إلى الخير أن يُعزِّز هذا الجانب في نفسه، وأن يبحث عن ما يعينه على خشوعه وتأثره بكلام ربِّه.
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-15, 07:14 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
(10)
استحباب ختم القرآن الكريم في شهر رمضان!
حديث شريف عظيم!
عن أوس بن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - في وفد ثقيف، فنزلت الأحلافُ على المغيرة بن شعبة، وأنزلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبّة له، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - كل ليلةٍ يأتينا بعد العشاء يحدّثنا قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقيَ من قومه قريش، ثم يقول: لا سواءٌ، وكنّا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجالُ الحربِ بيننا وبينهم، نُدال عليهم ويدالون علينا؛ فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأتَ عنّا الليلة! قال: "إنّه طرأ عليَّ حزبي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمّه" قال أوس: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثٌ، وخمسٌ، وسبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزبُ المفصَّل وحده. الحديث أخرجه أحمد في المسند، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وهو حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، له وقعٌ في النفوس وخفقٌ في الجوانح، جعلهُ أهلُ العلم أصلاً في "تحزيب القرآن" و"تجزئة المصاحف" وبوّبَ الإمام أبو داود في سننه: "بابُ تحزيب القرآن" - 2/ 237 ط عوّامة - فأورد هذا الحديثَ ونظائره لبيان طريقةِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في قراءة القرآن العظيم والمداومة على ترتيله وتجويده بنظام مشيد محكم ينتظم اليوم والليلة دائباً متصلاً.
والله يعلمُ كم يأخذني هذا الحديثُ بجلالة وقعهِ وحُسن عرضهِ وسلسبيل لفظه إلى عوالم أخرى من السكينةِ والتعظيمِ والتوقيرِ للنبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - تفوق الوصف وتجتاز التقديرَ، وهو يفدُ - صلى الله عليه وسلّم - في لهفٍ إلى هؤلاءِ القوم الذين قدموا عليه من أقاصي البلاد يحدوهم الشوقُ المبرّح للقائهِ ورؤية وجههِ الشريف، فيستعذبُ في سبيل تعليمهم الوَصَبَ ويستطيبُ النَّصَبَ، ويحنو عليهم حنوَّ الوالدِ على ولدهِ ويخاطبهم بأرق العبارات وأنداها، ويراوح بين قدميه الشريفتين من طول القيام في جنب الله ناصحاً مذكّراً قائماً بحق الدعوة وتبليغ شرعِ الله، ويغمرني الحنين والشوق إلى ذيّاك المجلسِ الآنس ببثِّ الحبيبِ المُحب صلّى الله عليه وسلّم إلى أولائه من صالحي المؤمنين وهو يستعبرُ ذاكراًَ ما جرى له من الأذى في ذاتِ الله، فتخضعُ جوانحي وتغشاني المهابة وأنا أقرأ همهماتهِ الأسيفة على قومٍ جاءهم كالنسيم العليل ليأخذ بحجزهم عن النّار ويحميهم من سعيرها ولهيبها البئيس، فيأبون إلا الوقيعة فيها مرتكبين أشنع الجرائم بإيذاء حبيبِ الله وخليلهِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
ثم اقرأ معي - بسكينةٍ وخضوع - شوقَ أولئكَ الوافدين على حضرتهِ، وهم يعدّون مستكثرين ساعاتِ الوقتِ ويحسبون أجزاءهُ في انتظار طلعتهِ البهيّة ومقدمهِ المهيبِ، فوالله إنّه ليتملّكني العجبُ كيف بقيتْ قلوبهم في الصدور ولم تنخلع منها فرحاً وتعظيماً لرؤيتهِ بعد أن خنقهم الوقتُ وأطبق على أنفاسهم في ترقّبِ ذلك القادم من عالم الغيبِ لينقذهم الله به من أسفل السافلين إلى أعلى العليين.
فإذ بالحبيبِ الشفيق صلى الله عليه وسلم يمسحُ عنهم شعثَ الشوقِ وسفحَ سوائمهِ بعذبِ خطابه قائلاً: "إنّهُ طرأ عليَّ جزئي من القرآن، فكرهت أجيءُ حتى أتمّه" يالله ما أرقهُ من عذرٍ يبديهِ هذا النبيُّ العظيمُ صلى الله عليم وسلّم، وكأنّهُ يستلطفُ قلوبهم التي ناءت بثقل أحمال الشوق والجوى بأنّهُ كان في لقاءٍ - وأيُّ لقاءٍ! - لا يقبلُ التأجيل ولا التسويفَ مع كلامِ الله وتلاوةِ آياتهِ، ومن ذا الذي تسمحُ نفسهُ وتطيبُ بتركِ الاستلذاذ بالقرآن والتنعّمِ بآياته مستقبلاً أمراً آخر كائناً ما كان الأمرُ!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
إنَّ هذا لدرسُ الأولوياتِ في الدعوةِ والتعليمِ يا أرباب السلوكِ والتربيّةِ! أما واللهِ إنّهُ لا يعلو على تزكيةِ الروح وتطهيرها بكلام الله والتنعّم بالنظر في كتابهِ والتلذّذِ بتلاوة آياتهِ وسكبِ العبراتِ بين يدي تدبّر معاني القرآن شيءٌ.
إنّه القرآن، كلام ربّك، تنزيلٌ من حكيم حميدٍ، حين يهزّك الحنين والشوقُ إلى التبتّل في محرابِ التدبّر والتفكّر مسبلاً دمعاتِ الندم والأسف واللهفةِ والإجلال، فتغدو معها مباهج الحياة ومغانيها أحقرَ من ذرّة رملٍ في فلاة أبيّةٍ على الإحاطة.
ما الدّنيا؟ ما أموالها؟ ما مفاتنها؟ ما مغانيها؟ ما ملاعبُها؟ ما حطامها الزائلُ؟ ما القصورُ ما الدورُ؟ إنّها لتغدو قاعاً صفصفاً أمام ترنيم العبدِ وتغنّيه بكلام ربّهِ، فتغشاه سكينةُ الصالحين وتعلوه وضاءةُ الذاكرين ويذكرهُ ملك الملوك فيمن عنده، فإذا بالدنيا ريشةٌ تتقاذفها أعاصير الثقة بوعد الله والأنس بنعيمه.
هذا الحديثُ أصلٌ في مسألةِ تحزيب القرآن، والتحزيبُ للقرآن أن يُجعلَ على أجزاءٍ متسقةٍ تقرأ ورداً متصلاً في مدةٍ معلومةٍ، والتحزيبُ من سنن الصالحينَ وطرائقِ المنيبينَ وهدْي المُخبتينَ، وهو دأبٌ درجَ عليه السالكون طريق العبوديّة فما قصّروا عن تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النّهارِ، فكان لكلٍّ منهم زمنهُ المعروفُ يختم فيه تلاوة القرآنِ على مدى حياتهِ، وما بدّلوا تبديلاً.
وقد فهم ذلك أوسُ بن حذيفة - رضي الله عنهُ - راوي الحديثِ، فقاس الغائبَ - وهم الصحابة - على الحاضر - وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلّم -، فأيقن أنهم على دربه في تجزيء القرآن وتحزيبه سائرون ولهديه في ذلك مقتفونَ، ولهذا بادر بسؤال أصحابِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّمَ عن تحزيبهم للقرآن حتى يستنَّ بهم ويهتدي بهديهم، فأخبروه أنهم يجعلون القرآن أحزاباً كل حزبٍ يشتملُ على عددٍ من السورِ التامّةِ.
وظاهر هذا الحديثِ، إذا قرنت إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - كما في الصحيح بقوله: "واقرأ القرآن في كل سبع ليال مرة" يقضي بأنَّ المعمولَ به لدى الصحابةِ - رضوان الله عليهم جميعاً - هو ختمُ القرآن في سبعة أيام، وأنَّ هذا هو مقتضى السنّة في ذلك.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية الكلام في موضوع تحزيب القرآن في مجموع الفتاوى، ولخّص مهمّاتِ الكلام عليها، ومن أهمِّ ما بيّنه الشيخُ في ذلك أنَّ طريقةَ الصحابةِ في تقسيم الأحزاب القرآنيّة كانت على السورِ التامة، فلم يكن الصحابة يحزّبون القرآن بحسب عددِ الأجزاءِ وأحزابها المعروفةِ في المصاحفِ الآن، فإن هذه وُضعتْ في زمن الحجاج بن يوسف بحسب عدِّ الآي والحروف ونحوها فيجعلون الحزب قدراً متسقاً من الحروف دون النظر إلى مطالع السور وخواتيمها أو الاعتبار للمعاني وتمامها، وأمّا الصحابةُ فإنهم كانوا يحزّبون القرآن بحسب السور التامة وهو ما يكونُ أعونَ على تدبّر كلام اللهِ تعالى إذ تتضمّن السورُ المعاني متصلة تامّةً فيستوفي القارئ للسور النظرَ في مجموع الآيات الواردة ويُحكمُ تدبّرها وفهمها دون أن ينقطع المعنى أو يقفَ على كلامٍ يتصلُ بما بعدهُ، فيفتتحون القراءة بما فتح الله به السور من المطالع العظيمة التي تأخذ بمجامع القلوب فتزلزلها هيبة وخضوعاً، ويختتمون بما ختم به من الخواتيم المحرّكة للأرواح.
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-16, 11:21 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
استحباب ختم القرآن الكريم في شهر رمضان!
حديث شريف عظيم!
عن أوس بن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - في وفد ثقيف، فنزلت الأحلافُ على المغيرة بن شعبة، وأنزلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبّة له، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - كل ليلةٍ يأتينا بعد العشاء يحدّثنا قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقيَ من قومه قريش، ثم يقول: لا سواءٌ، وكنّا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجالُ الحربِ بينناوبينهم، نُدال عليهم ويدالون علينا؛ فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأتَ عنّا الليلة! قال: "إنّه طرأ عليَّ حزبي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمّه" قال أوس: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثٌ، وخمسٌ، وسبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزبُ المفصَّل وحده. الحديث أخرجه أحمد في المسند، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم.
وهو حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، له وقعٌ في النفوس وخفقٌ في الجوانح، جعلهُ أهلُ العلم أصلاً في "تحزيب القرآن" و"تجزئة المصاحف" وبوّبَ الإمام أبو داود في سننه: "بابُ تحزيب القرآن" - 2/ 237 ط عوّامة - فأورد هذا الحديثَ ونظائره لبيان طريقةِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في قراءة القرآن العظيم والمداومة على ترتيله وتجويده بنظام مشيد محكم ينتظم اليوم والليلة دائباً متصلاً.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
والله يعلمُ كم يأخذني هذا الحديثُ بجلالة وقعهِ وحُسن عرضهِ وسلسبيل لفظه إلى عوالم أخرى من السكينةِ والتعظيمِ والتوقيرِ للنبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - تفوق الوصف وتجتاز التقديرَ، وهو يفدُ - صلى الله عليه وسلّم - في لهفٍ إلى هؤلاءِ القوم الذين قدموا عليه من أقاصي البلاد يحدوهم الشوقُ المبرّح للقائهِ ورؤية وجههِ الشريف، فيستعذبُ في سبيل تعليمهم الوَصَبَ ويستطيبُ النَّصَبَ، ويحنو عليهم حنوَّ الوالدِ على ولدهِ ويخاطبهم بأرق العبارات وأنداها، ويراوح بين قدميه الشريفتين من طول القيام في جنب الله ناصحاً مذكّراً قائماً بحق الدعوة وتبليغ شرعِ الله، ويغمرني الحنين والشوق إلى ذيّاك المجلسِ الآنس ببثِّ الحبيبِ المُحب صلّى الله عليه وسلّم إلى أولائه من صالحي المؤمنين وهو يستعبرُ ذاكراًَ ما جرى له من الأذى في ذاتِ الله، فتخضعُ جوانحي وتغشاني المهابة وأنا أقرأ همهماتهِ الأسيفة على قومٍ جاءهم كالنسيم العليل ليأخذ بحجزهم عن النّار ويحميهم من سعيرها ولهيبها البئيس، فيأبون إلا الوقيعة فيها مرتكبين أشنع الجرائم بإيذاء حبيبِ الله وخليلهِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/171.jpg (https://imgur.com/xreafJA)
ثم اقرأ معي - بسكينةٍ وخضوع - شوقَ أولئكَ الوافدين على حضرتهِ، وهم يعدّون مستكثرين ساعاتِ الوقتِ ويحسبون أجزاءهُ في انتظار طلعتهِ البهيّة ومقدمهِ المهيبِ، فوالله إنّه ليتملّكني العجبُ كيف بقيتْ قلوبهم في الصدور ولم تنخلع منها فرحاً وتعظيماً لرؤيتهِ بعد أن خنقهم الوقتُ وأطبق على أنفاسهم في ترقّبِ ذلك القادم من عالم الغيبِ لينقذهم الله به من أسفل السافلين إلى أعلى العليين.
فإذ بالحبيبِ الشفيق صلى الله عليه وسلم يمسحُ عنهم شعثَ الشوقِ وسفحَ سوائمهِ بعذبِ خطابه قائلاً: "إنّهُ طرأ عليَّ جزئي من القرآن، فكرهت أجيءُ حتى أتمّه" يالله ما أرقهُ من عذرٍ يبديهِ هذا النبيُّ العظيمُ صلى الله عليم وسلّم، وكأنّهُ يستلطفُ قلوبهم التي ناءت بثقل أحمال الشوق والجوى بأنّهُ كان في لقاءٍ - وأيُّ لقاءٍ! - لا يقبلُ التأجيل ولا التسويفَ مع كلامِ الله وتلاوةِ آياتهِ، ومن ذا الذي تسمحُ نفسهُ وتطيبُ بتركِ الاستلذاذ بالقرآن والتنعّمِ بآياته مستقبلاً أمراً آخر كائناً ما كان الأمرُ!
إنَّ هذا لدرسُ الأولوياتِ في الدعوةِ والتعليمِ يا أرباب السلوكِ والتربيّةِ! أما واللهِ إنّهُ لا يعلو على تزكيةِ الروح وتطهيرها بكلام الله والتنعّم بالنظر في كتابهِ والتلذّذِ بتلاوة آياتهِ وسكبِ العبراتِ بين يدي تدبّر معاني القرآن شيءٌ.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/171.jpg (https://imgur.com/xreafJA)
إنّه القرآن، كلام ربّك، تنزيلٌ من حكيم حميدٍ، حين يهزّك الحنين والشوقُ إلى التبتّل في محرابِ التدبّر والتفكّر مسبلاً دمعاتِ الندم والأسف واللهفةِ والإجلال، فتغدو معها مباهج الحياة ومغانيها أحقرَ من ذرّة رملٍ في فلاة أبيّةٍ على الإحاطة.
ما الدّنيا؟ ما أموالها؟ ما مفاتنها؟ ما مغانيها؟ ما ملاعبُها؟ ما حطامها الزائلُ؟ ما القصورُ ما الدورُ؟ إنّها لتغدو قاعاً صفصفاً أمام ترنيم العبدِ وتغنّيه بكلام ربّهِ، فتغشاه سكينةُ الصالحين وتعلوه وضاءةُ الذاكرين ويذكرهُ ملك الملوك فيمن عنده، فإذا بالدنيا ريشةٌ تتقاذفها أعاصير الثقة بوعد الله والأنس بنعيمه.
هذا الحديثُ أصلٌ في مسألةِ تحزيب القرآن، والتحزيبُ للقرآن أن يُجعلَ على أجزاءٍ متسقةٍ تقرأ ورداً متصلاً في مدةٍ معلومةٍ، والتحزيبُ من سنن الصالحينَ وطرائقِ المنيبينَ وهدْي المُخبتينَ، وهو دأبٌ درجَ عليه السالكون طريق العبوديّة فما قصّروا عنتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النّهارِ، فكان لكلٍّ منهم زمنهُ المعروفُ يختم فيه تلاوة القرآنِ على مدى حياتهِ، وما بدّلوا تبديلاً.
وقد فهم ذلك أوسُ بن حذيفة - رضي الله عنهُ - راوي الحديثِ، فقاس الغائبَ - وهم الصحابة - على الحاضر - وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلّم -، فأيقن أنهم على دربه في تجزيء القرآن وتحزيبه سائرون ولهديه في ذلك مقتفونَ، ولهذا بادر بسؤال أصحابِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّمَ عن تحزيبهم للقرآن حتى يستنَّ بهم ويهتدي بهديهم، فأخبروه أنهم يجعلون القرآن أحزاباً كل حزبٍ يشتملُ على عددٍ من السورِ التامّةِ.
وظاهر هذا الحديثِ، إذا قرنت إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - كما في الصحيح بقوله: "واقرأ القرآن في كل سبع ليال مرة" يقضي بأنَّ المعمولَ به لدى الصحابةِ - رضوان الله عليهم جميعاً - هو ختمُ القرآن في سبعة أيام، وأنَّ هذا هو مقتضى السنّة في ذلك.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية الكلام في موضوع تحزيب القرآن في مجموع الفتاوى، ولخّص مهمّاتِ الكلام عليها، ومن أهمِّ ما بيّنه الشيخُ في ذلك أنَّ طريقةَ الصحابةِ في تقسيم الأحزاب القرآنيّة كانت على السورِ التامة، فلم يكن الصحابة يحزّبون القرآن بحسب عددِ الأجزاءِ وأحزابها المعروفةِ في المصاحفِ الآن، فإن هذه وُضعتْ في زمن الحجاج بن يوسف بحسب عدِّ الآي والحروف ونحوها فيجعلون الحزب قدراً متسقاً من الحروف دون النظر إلى مطالع السور وخواتيمها أو الاعتبار للمعاني وتمامها، وأمّا الصحابةُ فإنهم كانوا يحزّبون القرآن بحسب السور التامة وهو ما يكونُ أعونَ على تدبّر كلام اللهِ تعالى إذ تتضمّن السورُ المعاني متصلة تامّةً فيستوفي القارئ للسور النظرَ في مجموع الآيات الواردة ويُحكمُ تدبّرها وفهمها دون أن ينقطع المعنى أو يقفَ على كلامٍ يتصلُ بما بعدهُ، فيفتتحون القراءة بما فتح الله به السور من المطالع العظيمة التي تأخذ بمجامع القلوب فتزلزلها هيبة وخضوعاً، ويختتمون بما ختم به من الخواتيم المحرّكة للأرواح.
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-17, 04:02 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
ثمَّ إن كان التحزيبُ في مدةٍ تصلُ إلى الشهر فإنَّ القارئ يحتاجُ إلى فصلِ بعض السور كسورةِ البقرة فحينئذٍ يفصلُ للحاجةِ إلى ذلك على أن يكونُ تحزيبُ السورةِ بالوقوفِ عند المعاني التامةِ المستوفاة فيجعل سورة البقرة حزبين وهكذا.
وذهب بعض السلف إلى تحزيب القرآن على أسباعٍ لا تُراعي خواتيم السور، كما روى ابن أبي داود عن قتادة أنه جعل القرآن أسباعاً ينتهي السبع الأول عند الآية 76 من النساء، والثاني عند الآية 36 من الأنفال .. إلخ ما رواه ابن أبي داود في كتاب "المصاحف" 1/ 466، ولا ريب أنَّ طريقة الصحابة أقوم وأصوب.
وقد كان من عاداتِ بعض السادات من أهل العلم أن يجعلوا ختم القرآن في يومي الاثنين والخميس حتى يوافق ذلك ارتفاع الأعمال وعرضها على الله تعالى، فمن أراد أن يختم في كل أسبوعٍ محزّباً القرآن على طريقةِ الصحابةِ رضي الله عنهم فإنَّ عليه أن يبدأ القراءة يوم الجمعة حتى يختم يوم الخميس فيصيب فضل ارتفاع العمل حال ختم القرآن العظيم.
وإذا عرضنا للتحزيبِ المسبّع بحسب طريقة الصحابة التي أوردها أوس بن حذيفة - رضي الله عنه - في حديثهِ، وهي أيضاً طريقة أكثر السلف كما نقل ذلك عنهم النووي في كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 61 فإنّهُ سوف يكون على النحو الآتي:
- اليوم الأول: 3 سور هي: البقرة وآل عمران والنساء.
- اليوم الثاني: 5 سور هي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة.
- اليوم الثالث: 7 سور هي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل.
- اليوم الرابع: 9 سور هي: الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان
- اليوم الخامس: 11 سورة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس.
- اليوم السادس: 13 سورة: الصافات وص والزمر وغافر وفصّلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ومحمد والفتح والحجرات.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
- اليوم السابع: 65 سورة وهي المفصّل: من سورة ق إلى آخر المصحف الشريف.
فهذه 113 سورة من المصحف، وتبقى فاتحة الكتاب وهي داخلة ضمن قراءة الثلاث الطوال الأولى ولكن لقصرها أُسقطت في العدِّ.
قال الدكتور عبدالعزيز الحربي في كتابه "تحزيب القرآن" ص108 - 109: "ولله هذا التحزيب ما أحسنه وما أجملهُ وما أجلّه، فقد جمع بين النظائر على نسقٍ، فلم يفصل بين الأنفال والتوبة، وهما كالسورة الواحدة، وجمع بين السور المفتتحة بالحروف المقطعة المختتمة بالراء، ولا فصل بين العتاق الأول (الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء)، وجمع بين الطواسين (الشعراء والنمل والقصص)، وذوات "ألم" (العنكبوت والروم ولقمان والسجدة)، ولم يفصل بين الحواميم السبع، وجعل المفصل على حدة، ثمَّ هو فوق ذلك مقسّم في أعداده أحسن تقسيم بطريقة لا كلفة لمعرفتها وترتيبها على الأوتار: ثلاث، وخمس، وسبع .. إلخ".
وأقل ما وردتْ به السنّة في الختم أن يكون في ثلاثة أيام كما ورد بذلك توجيه النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - في الصحيح فهذا غاية ما يقع من العزيمة في ختم القرآن، وغاية ما روي من التوسعة والترخيص في ذلك مرفوعاً إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقرأ في أربعين يوماً كما في رواية أبي داود لحديث عبدالله بن عمرو وفيه: " اقرأه في أربعين يوماً"، وهذا غايته من جهة توسيع المدة وذلك غايته من جهة التضييق، فمن قرأه في أقل ذلك لم يكد يوفّقُ إلى تدبره والتمعّن في معانيه، ومن أدّاهُ حاله إلى قراءته في مدة تزيد عن الأربعين أوشك أن يحمله ذلك على التراخي والتواني، وخيرُ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلّم وهدي أصحابهِ - رضي الله عنهم - وهو الختم ما بين السبع إلى الشهر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
على أنَّ الإمام النووي - رحمه الله - نقل في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 59 عن ابن أبي داود أنه روى ختم بعض السلف للقرآن في شهرين، فتكون غاية التوسعة في الختم أن يكون في شهرين بناءً على عمل بعض السلف، وإن كان الأكثرون على أنه لا ينبغي ترك الختم في أكثر من أربعين يوماً كما نقل ذلك الإمام أحمد رحمه الله.
وعلى هذا يكون تجزيء القرآن وتحزيبه بحسب مدة الختم، والمنقول عن السلف في ذلك تردده ودورانه بين أقصى مدته وهي الشهران وأدناها وهي الثلاثة أيام وما بين ذلك فالمنقول عنهم ختمه كل شهر، أو كل عشر ليال، أو ثمانٍ، أو سبعٍ، أو ستٍ، أو خمسٍ، أو أربعٍ، ذكر ذلك النووي في "التبيان" ص 59، وقد تتبع الدكتور عبدالعزيز الحربي في "تحزيب القرآن" ما روي من المدد الأخرى التي يُختم فيها سواءً بحسب الوارد من النصوص أو عملاً لدى السلف فذكر الختم في كل خمسة وعشرين يوماً، أو في عشرين، أو في خمسة عشر، أو في كل أحدى عشر، أو تسعة أيام، وهذين الأخيرين لم يجد أحداً نصَّ على الختم فيه غير أنّهُ ذكر للختم في كل أحد عشر يوماً مزيّة حسنةً تُراجعُ في كتابه ص 124 - 125.
فهذه 15 مدة يُمكن ختم القرآن فيها وتحزيبه، كلُّ حزب بحسب المدّة طولاً وقصراً: شهران، 40 يوماً، شهر، 25 يوماً، 20 يوماً،15 يوماً، 11 يوماً، 10 أيام، 9 أيام، 8 أيام، 7 أيام، 6 أيام، 5 أيام، 4 أيام، 3 أيام.
وفي كتاب "تحزيب القرآن" جدول مفصّل بالمدد وما يناسبها من أحزاب القرآن وأجزائه، ولكل قارئ أن يختار منها ما هو ألصقبحاله وأرعى لظروفه، والكتاب جدير بالاطلاع وهو من مطبوعات دار ابن حزم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
ومن السلف من كان يختم ثمان ختمات منجّمة بين اليوم والليلة كما نقل النووي في "التبيان" ص 60 عن ابن الكاتب أنه كان يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات، ثم علّق النووي بقوله: "وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة".
ومن النّاس من حملهُ حبُّ القرآن والتعلّقِ به إلى أن ختمهُ قراءة في ركعة واحدةٍ، فقد ثبت ذلك عن ريحانة القرّاءِ وإمامهم عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - وثبت كذلك عن غيره بل قال النووي في "التبيان" ص 60: "وأما الذي يختم في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم"، وسمعتُ من شيخنا العلامة العابد محمد بن محمد المختار الشنقيطي غير مرّة أنَّ والده ممن ختم القرآن في ركعةٍ واحدةٍ قام بها من الليل، وهذا وإن فعلهُ هؤلاء العبّاد الصالحون أصحاب المقامات العالية إلا أنه لم يكن لهم بعادة ولا طبعٍ، والأتم الأكمل هو سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم وهديه بتوزيع القراءة على الأيام حتى يكون أعون على فهم القرآن وتدبّر آياته.
ثمَّ إنَّ هؤلاء الذين ختموا القرآن في أقل من ثلاثة أيام وإن خالفوا ظاهر الأمر النبوي بعدم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام إلا أنَّ لبعضهم تأويلاً سائغاً في ذلك وهو ما ذكره المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 8/ 273 بقوله: "ولو تتبعت تراجم أئمة الحديث لوجدت كثيراً منهم أنهم كانوا يقرؤون القرآن في أقل من ثلاث، فالظاهر أنَّ هؤلاء الأعلام لم يحملوا النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على التحريم".
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وقد ذكر الشيخ مازن الغامدي - عليه رحمة الله - في كتابه الذي هو قطعة أثيرةٌ من روحهِ العذبةِ الشفّافة "رحلتي إلىالنور" أنَّ الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - كان يقرأ في شهر رمضان كل يومٍ عشرة أجزاءٍ من القرآن، فيحصّل بذلك فضيلة ختم القرآن في كل ثلاثة أيام مرّة، وممّا ذكرهُ عن الشيخ أنّهُ دخل إلى مصلّى الجمعة الذي في مقدمة جامعه أحد الأيام من رمضان فختم عشرة أجزاء وهو يمشي في المصلى ذهاباً وإياباً.
وفي كتاب "تحزيب القرآن" ص 139 أنَّ الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - كان يختم القرآن في قيام الليل كل شهر مرّة يقرأ كل ليلةٍ جزءاً من القرآن في صلاته.
والهائمون بكتاب الله، المنقطعون إلى رياضهِ، المستعذبون لمعانيه وأحكامه كثرٌ، لا يزيدهم إقبال النّاس على الدنيا إلا تمسّكاً بالكتاب العزيز، وتطوافاً بمغانيه الروحانيّة، وحياضه الإيمانيّة، وعضاً عليه بالنواجذِ، ومن أعجب من وقفت على خبره في تتبّعِ كلام الله سماعاً وإسماعاً، وحرصاً على تلقّيهِ من الشيوخ الثقاتِ بأسانيده المتصلةِ الإمام أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي، فقد أخذ القرآن عن 365 شيخاً من آخر المغرب إلى باب فرغانة يميناً وشمالاً وجبلاً وبحراً، حتى قال عن نفسه: "ولو علمت أحداً يقدم علي في هذه الطريقة في جميع بلاد الإسلام لقصدته"، قال فيه الذهبي في كتابه "معرفة القراء الكبار" - ط. طيار قولاج - 2/ 819: "إنما ذكرت شيوخه وإن كان أكثرهم مجهولين، ليُعلم كيف كانت همّة الفضلاء في طلب العلم"، وانظر أيضاً "منجد المقرئين" لابن الجزري ص 188 - 189.
لله هذه الهمم الصالحة في تعظيم القرآن تلاوة وتعلّماً وسماعاً!
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-18, 04:10 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
يُستحبُّ ختم القرآن في رمضان، ولكن!
يستحب للمسلم أن يكثر من قراءة القرآن في رمضان ويحرص على ختمه، لكن لا يجب ذلك عليه، بمعنى أنه إن لم يختم القرآن فلا يأثم، لكنه فوت على نفسه أجوراً كثيرة.
قال النووي رحمه الله معلقاً على مسألة قدر ختمات القرآن:
" والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر، لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له.
وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة "."التبيان" (ص76).
ومع هذا الاستحباب والتأكيد على قراءة القرآن وختمه في رمضان، يبقى ذلك في دائرة المستحبات، وليس من الضروريات الواجبات التي يأثم المسلم بتركها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
و أما حديث ابن عمرو قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث * [أبو داود 1394و الترمذي 2949وقال حديث حسن صحيح] فقد أجاب عنه الأئمة رضي الله عنهم.
قال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، خصوصا في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان و المكان، و هو قول أحمد و إسحاق و غيرهما من الأئمة و عليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره [لطائف المعارف 360]
قال الذهبي رحمه الله: و لو تلا و رتَّل في أسبوعٍ و لا زمَ ذلك لكان عملاً فاضلاً، فالدين يسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة و الضحى و تحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة و القول عند النوم و اليقظة و دبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع و الاشتغال به مخلصا لله مع الأمر بالمعروف و إرشاد الجاهل و تفهيمه و زجر الفاسق ونحو ذلك … لشغل عظيم جسيم و لمقام أصحاب اليمين و أولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب فمتى تشاغل العبد بختمة في كل يوم فقد خالف الحنيفية السمحة و لم ينهض بأكثر ما ذكرناه [السير 3/ 84 - 86]
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب على الصائم ختم القرآن في رمضان؟
فأجاب:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
" ختم القرآن في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن، كما كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل القرآن كل رمضان " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/ 516)
أيسر طريقة لختم القرآن فى رمضان
عدد صفحات المصحف = تقريباً 600 صفحة،
600 صفحه ÷ 30 يوم = 20 صفحه يومياً
20 صفحه يوميا ÷ 5 صلوات = 4 صفحات بعد كل صلاة
فقط أربع صفحات بعد كل صلاة!
والنتيجه = ختم القرآن الكريم كاملاً في الشهر!
ومن أراد أن يختم القرآن مرتين في الشهر؛
فالطريقة أيضاً سهلة جداً:
يقرأ 4 صفحات قبل كل صلاة
و 4 صفحات بعد كل صلاة
فما أعظمه من أجر ..
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
القرآن في رمضان: ما بين التلاوة والتّدبر!
يقع سؤال بعض الناس عن أيهما أفضل، قراءة القرآن بتدبر، أو قراءته على وجه الحدر، والاستزادة من كثرة ختمه إدراكًا لأجر القراءة؟
وهاتان العبادتان غير متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر في هذا يرجع إلى حال القارئ، وقراء القرآن أصناف:
- الصنف الأول: العامة الذين لا يستطيعون التدبر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لاشكَّ أن الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة.
وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: ((لا أقول " ألم " حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
-الصنف الثاني: العلماء وطلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
الأول: كطريقة العامة؛ طلبًا لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتْمَاتِ.
الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتَّدبر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأعود فأقول: إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معًا، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحال صاحبه فيه.
ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم، لذا شبَّه بعض العلماء من قرأ سورة من القرآن بتدبر كان كمن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كل القرآن بغير تدبر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول.
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-19, 03:31 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
ومما يحسن التنبيه على أمور تتعلق بتلاوة القرآن في رمضان:
الأمر الأول:
أن يتعرف المرء على نفسه، فليس الناس ذوي حال واحدة في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل ـ عليه السلام ـ في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والملاحظ أنَّ كثيرًا من الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا.
ولأجل هذا فمن اعتاد من نفسه هذا الأسلوب فإن الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكل يومٍ جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا الأسلوب في كل شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة والإصرار.
ولو أنَّ المسلم خصَّص لكل وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين صفحة، وهذا ما يعادلُ جزءًا كاملاً في المصاحف الموجَّه المكتوبة في خمسة عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية.
وبهذه الطريقة يكون مداومًا على عملٍ من أعمال الخير غير منقطع عنه، و"أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ " كما قال صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني:
يحسن بمن يقرأ القرآن عمومًا، وبمن يقرأه في رمضان على وجه الخصوص = أن يكون معه تفسيرٌ مختصرٌ يقرأ فيه ليعلم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويَعلمها كمن لا يدركها.
ومع أهمية هذا الأمر، فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه كتابَ تفسيرٍ مختصرًا يرجعُ إليه على الدَّوام لأدرك كثيرًا من معاني القرآن.
ولقد عُني المسلمون في هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين، ومنها بلاد الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير الميسر) وهو اسم على مسمى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في الترجمة، إلا أنه نافع لعامة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من مارس التعامل مع اختلاف المفسرين.
والمقصود أن يحرص المسلم على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ القرآن ليجتمع له في قراءته الأداء وفهم المعنى.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
الأمر الثالث:
في حال قراءة القرآن تظهر ـ على وجه الخصوص عند طلاب العلم ـ بعض الفوائد أو بعض المشكلات، ولابدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع.
إن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإن ما يتعلق به من المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب، وكثيرة متسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب.
ولما كان هذا حاله، فَلَكَ أن تتصور: كم من الفوائد التي ستكون بين يدي طلاب العلم لو أن كل عالمٍ كتب ما يتحصَّل له من التدبر أو المشكلات أثناء قراءته لكتاب الله تعالى؟!
مساعد الطيار.
فإن قلت: أيٌّ أفضل؟ أن يكثر الإنسان التلاوة أم يُقلِّلها مع التدبر و التفكر؟ قلت لك: اسمع ما قاله النووي.
قال النووي رحمه الله: و الاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الهم و تدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر و استخراج المعاني و كذا من كان له شغل بالعلم و غيره من مهمات الدين و مصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، و من لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثارُ ما أمكنه من غير خروجٍ إلى الملل، و لا يقرؤه هذرمة!
(عادل باناعمة).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
مسارات ثلاثة:
وإذا كان هذا شأن القرآن في رمضان فما أجدر العبد المؤمن أن يقبل عليه، و يديم النظر فيه، و إني أقترح على الأخ المؤمن الصادق أن يجعل له مع القرآن في هذا الشهر ثلاثة مسارات:
المسار الأول: مسار الإكثار من التلاوة و تكرار الختمات، فيجعل الإنسان لنفسه جدولا ينضبط به، بحيث يتمكن من ختم القرآن مرات عديدة ينال خيراتها و ينعم ببركاتها.
المسار الثاني: مسار التأمل و التدبر، فيستفتح الإنسان في هذا الشهر الكريم ختمة طويلة المدى يأخذ منها في اليوم صفحة أو نحوها مع مراجعة تفسيرها وتأمل معانيها، و التبصر في دلالاتها و استخراج أوامرها و نواهيها ثم العزم على تطبيق ذلك و محاسبة النفس عليه، و لا مانع أن تطول مدة هذه الختمة إلى سنة أو نحوها شريطة أن ينتظم القارئ فيها و يكثر التأمل و يأخذ نفسه بالعمل، و لعل في هذا بعض من معنى قول الصحابي الجليل: كنا نتعلم العشر آيات فلا نجاوزهن حتى نعلم ما فيهن من العلم و العمل.
المسار الثالث: مسار الحفظ و المراجعة، فيجعل لنفسه مقدارا يوميا من الحفظ و مثله من المراجعة، و إن كان قد حفظ و نسي فهي فرصة عظمى لتثبيت الحفظ و استرجاع ما ذهب، و لست بحاجة إلى التذكير بجلالة منزلة الحافظ لكتاب الله و رفيع مكانته، و حسبه أنه قد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى له.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه يرى حرصهم على التلاوة بتدبر وتأمل، وفهم وتذكر، أكثر من حرصهم على كثرة القراءة وسرعتها، والإكثار من الختمات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} [سورة المزمل 73/ 1 - 4]. أي اقرأه بترسل وتمهل؛ لأنه يحصل بذلك التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به.
وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وكانت قراءته مدًا.
وقال ابن مسعود: "لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدَّقَل (15)، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة".
وقرأ علقمة على ابن مسعود، وكان حسن الصوت، فقال: رتِّل فداك أبي وأمي؛ فإنه زين القرآن.
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: دخلتْ عليَّ امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت: يا عبد الرحمن! هكذا تقرأ سورة هود؟! والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
لكن لا يعني هذا أن المسلم لا يقرأ بسرعة في بعض الأحيان؛ لكي يضبط حفظه، أو يُنهي ورده اليومي، بل إن القراءة في حد ذاتها ولو كانت سريعة فيها أجر وثواب، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولمن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (16).
ولهذا قال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت لا بد فاعلاً فاقرأ قراءةً تُسمِعُ أُذنيك، ويعِيها قلبُك (17).
وعلى هذا يمكن أن نقول: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرًا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددًا؛ فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أوقف أرضًا في مكان مهم ترتفع قيمة العقار فيه، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أوقف عددًا من الأراضي كثيرة، لكنها في مكان بعيد، وقيمتها زهيدة (18).
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-20, 06:05 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
آداب تلاوة القرآن الكريم
1 - إخلاص النية لله تعالى فيها، لأنّ تلاوة القرآن من العبادات الجليلة.
* وقد قال الله تعالى (فاعبد الله مخلصًا له الدين) (المزمل: 2).
* وقال تعالى (وما أمروا إلاّ ليعبدوا لله مخلصين له الدين حنفاء). (البينة: 5).
* وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((اقروا القرآن وابتغوا به وجه الله عزّ وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجّلونه)). رواه ((أحمد)).
ومعنى ((يتعجلونه)): يطلبون به أجر الدنيا.
2 - أن يقرأ بقلب حاضر، يتدبر ما يقرأ ويتفهم معانية ويخشع عند ذلك قلبه، ويستحضر أن الله يخاطبه في هذا القرآن؟ لأن القرآن كلام الله عز وجلَّ.
* ومن آدابها: أن يقرأ على طهارة؟ لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل، ولا يقرأ القرآن وهو جنب حتى يغتسل إن قدر على الماء أو يتيمم إن كان عاجزًا عن استعمال الماء لمرض أو عدم وجود الماء
3 - أن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة أو في مجمع لا ينصت فيه لقراءته، لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له. ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بيت الخلاء ونحوه مما أعد للتبول أو التغوّط، لأنه لا يليق بالقرآن الكريم.
4 - أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة القراءة:
*لقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) ولئلا يصدَّه الشيطان عن القراءة أو كمالها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
5 - أن يحسن صوته بالقرآن ويترنم به.
• لما في ((الصحيحين)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيّصلى الله عليه وسلم قال: ((ما أذن الله لشيء - أي: ما استمع لشيء - كما أذن لنبيِّ حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)).
• و فيهما عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: ((سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فما سمعت أحدًا أحسن صوتاً أو قراءةً منه))
لكن إن كان حول القارئ أحد يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي ونحوهما فإنه لا يجهر جهرًا يشوش عليه أو يؤذيه.
• لأنًّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال: ((كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن)) رواه ((مالك)) في ((الموطأ)، قال ابن عبد البر: وهو حديث صحيح.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
6 - أن يرتل القرآن ترتيلاً:
• لقوله تعلى (ورتل القرآن ترتيلاً) (المزمل: 4).
فيقرأه بتمهل بدون سرعة لأنَّ ذلك أعون على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه.
• وفي ((صحيح البخاري)): عن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كانت مدًّا ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد: (بسم الله) ويمد: (الرحمن) ويمد (الرحيم))).
• وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ((كان يقطع قراءته آيةً آيةً ((بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله ربِّ العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين) رواه ((أحمد)) و ((أبو داود)) و ((الترمذي)).
• وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ((لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذَّ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحد كم آخر السورة)) ,
ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه فإن كان فيها إخلال باللفظ فهي حرام، لأنها تغيير للقرآن.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
7 - أن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء في أي وقت كان من ليل أو نهار، فيكبر للسجود ويقول: ((سبحان ربي الأعلى))، ويدعو، ثم يرفع من السجود بدون تكبير ولا سلام، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون السجود في أثناء الصلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا أقام.
• لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك)) رواه ((مسلم)).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
• وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود)) رواه ((أحمد)) و ((النسائي)) و ((الترمذي)) وصححه.
وهذا يعم سجود الصلاة وسجود التلاوة في الصلاة.
هذه بعض آداب القراءة، فتأدبوا بها واحرصوا عليها وابتغوا بها من فضل الله.
وللحديث بقية إن شاء الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-21, 06:38 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
وسائل تدبُّر القرآن
ومن أهم الوسائل التي تعين على التدبر:
1 - تفريغ القلب من الانشغال بغير الله، والتفكر في غير كتابه، فاقرأ القرآن وقلبك فارغ من كل شيء إلا من الله، ومحبته، والرغبة في فهم كلامه، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [سورة ق 50/ 37].
2 - الترتيل عند قراءة القرآن، وتحسين الصوت به، وتحزينه، فإنه معين على التدبر والتأمل، ولهذا يجد الإنسان من نفسه حب سماع القرآن حين يقرأ به القارئ الماهر، ذو الصوت الحسن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وقف مرة يستمع لقراءة أبي موسى، وقال إنك قد أعطيت مزمارًا من مزامير آل دواد.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
ومعرفة التجويد وضبط قراءة القرآن على شيخ متقن، من أهم الأمور التي تعين على الترتيل؛ لأن التجويد هو إعطاء الحروف حقها ومستحقها، وإنما يكون ذلك بتعلم كيفية القراءة الصحيحة.
3 - استشعار عظمة الله، وأنه يكلمك بهذا القرآن، حتى كأنك تسمعه منه الآن، قال سلْم الخواص: "قلت لنفسي: اقرئي القرآن كأنك سمعتيه من الله حين تكلم به؛ فجاءت الحلاوة" (10). أي أنه لما استشعر هذا المعنى، وحمل نفسه على التفكر بهذا الفكر أحس بحلاوة القرآن، ولهذا روي عن علي أنه قال: "إذا أردتُ أن يكلمني الله قرأت القرآن، وإذا أردت أن أكلم الله قمت إلى الصلاة".
4 - محاولة فهم معاني القرآن، بالرجوع إلى التفاسير التي تهتم ببيان المعنى، دون دخول في دقائق اللغة والإعراب، أو المسائل الفقهية، ومن أحسن هذه التفاسير تفسير ابن كثير، وتفسير ابن سعدي، وإن كان فيه بعض الأمور التي ينبغي أن يتنبه لها المسلم، لكنه جيد من حيث بيان المعنى، فهو يذكر أمورًا جليلة جملية.
أما إن كان الإنسان لديه همة وحرص فإنه يستطيع أن يراجع كتب التفسير الأخرى التي تفيض في بيان المعاني، وتذكر كثيرًا من الفوائد الجمة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
5 - ربط القرآن بواقعك الذي تعيش فيه، وذلك بالنظر في المواعظ التي يذكرها، والقصص التي يحكيها، وكيف أن الله أهلك أممًا كثيرة لما كذبوا وأعرضوا، وأن هذا المصير ينتظر كل من أعرض عن الله، وكفر برسله، مهما كانوا في قوة وعزة.
وأيضًا: بالعمل بالأحكام التي فيه، فمثلاً إذا قرأت قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)} [سورة الإسراء 17/ 36]، فإنك تحمل نفسك على عدم الكلام إلا في شيء تعلمه، وتمتنع عن الكلام في أمر لا تعلمه.
وإذا قرأت قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [سورة ق 50/ 18]، انتهيت عن الكلام الباطل، وما لا نفع فيه؛ لأن كل كلمة تقولها فهي مرصودة.
وهكذا كان الصحابة يفعلون، فعن عطاء بن السائب أن أبا عبد الرحمن السلمي قال: أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به، وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء، لا يجاوز تراقيهم (11).
6 - معرفة بعض الأبحاث العلمية، التي تعتمد على التجارب الحسية، والتي تسمى بالحقائق العلمية؛ ففيها فوائد جمة، وزيادة فهم لمعنى الآية، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)} [سورة فصلت 41/ 53].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
ثمرات التدبر
1 - حصول اليقين في القلب، كما قال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ} [سورة الجاثية 20]، فمن قرأ القرآن بتدبر وتأمل حصل له اليقين التام؛ لأن القرآن كالماء العذب، والقلب كالشجرة التي لا تستطيع أن تعيش وتنمو إلا بهذا الماء، فالقلب كلما تفكر في معاني كلام الله حصل له الري والشبع، والنمو والاستقرار، والثبات والعلو، ولَمَّا علم الله حاجة القلب إلى مثل ذلك كرر هذه المعاني الشريفة في كتابه، ونوع في بيانها، وضرب لها الأمثال، وصرف فيها من أنواع القول ما يحصل به للقلوب المتدبرة حياة لا تموت معه أبدًا.
2 - زيادة الإيمان، قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [سورة التوبة 9/ 124]، وإنما ازداد المؤمنون إيمانًا بسبب فهمها، واعتقاد ما فيها، والعمل بها، والرغبة في فعل الخير، ثم مع ذلك مستبشرون، يبشر بعضهم بعضًا بهذه المنة العظيمة، من إنزال الآيات وفهمها، والعمل بها، مما يدل على أن صدورهم منشرحة، وقلوبهم مطمئنة، فيبادرون إلى العمل مع فرح واستبشار.
أما المنافقون، ومن في قلوبهم مرض؛ فبسبب إعراضهم عن الفهم والتدبر يسأل بعضهم بعضًا أيكم زادته هذه إيمانًا؟! فلا يرون في هذه الآية زيادة إيمان، بل ربما زادتهم شكًا إلى شكهم، ومرضًا إلى مرضهم، بسبب إعراضهم عن فهمها وتدبر معانيها.
3 - حصول العلم الصحيح، ودفع الشبه عن القلب، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44)} [سورة فصلت 41/ 44]، أي هذا القرآن يهدي المؤمنين إلى العلم الصحيح، الذي يثمر لهم العلم النافع، ويدفع عنهم أمراض القلوب والأبدان، فلا يكون في قلوبهم شك ولا ريب؛ لأنهم فهموا مراد الله، وعرفوا مقصوده؛ فاندفعت عنهم الأخلاق السيئة، والأعمال القبيحة.
4 - الإعراض عن الدنيا، والتعلق بالآخرة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)} [سورة التوبة 9/ 38]، وقال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [سورة طه 20/ 131]، قال الحسن: "يا ابن آدم: والله إن قرأت القرآن ثم آمنت به ليطولن في الدنيا حُزْنُك، وليشتدَّنَّ في الدنيا خوفُك، وليكثُرَنَّ في الدنيا بكاؤك".
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
5 - معرفة حقيقة الدنيا، وأنها ظل زائل، ما جمعت إلا لتفرق، وما أضحكت إلا لتبكي، وما أعطت إلا لتسلُب، كثيرها قليل، قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)} [سورة يونس 10/ 24]
6 - الاعتصام والاجتماع في مقابل الفرقة والتشرذم، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} [سورة آل عمران 3/ 103].
7 - الشعور بالأمن من المخاوف والعذاب والشقاء، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)} [سورة الأنعام 6/ 82].
8 - حصول الرهبة والخوف، ثم الرجاء والطمأنينة، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّمِنْ هُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [سورة الزمر 39/ 23]، فحين نسمع آيات الوعيد والتهديد، يحصل للقلوب قشعريرة وخوف، تخشى أن يقع بها هذا الوعيد؛ فإذا سَمِعتْ آيات الوعد والترغيب حصل لها اللين والاطمئنان، وهذا من هُدى الله الذي يهدي به من يشاء.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-23, 12:37 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
قَوَاعِدُ في تَدبِّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم
الشيخ.محمد الحمود النجدي
(17)
قال الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الش ورى: 52)؛ فالقرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية ، وهو المنَّة الكبرى التي امتن بها على عباده، والنعمة العظمى في الدنيا المتصلة بخير الآخرة، لا تفنى عجائبُه، ولا تعد ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ، العليم الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد.
ولهذا حثنا اللهُ -سبحانَهُ- على قراءته وسماعه، وفهمه وتدبره؛ ففي قراءة القرآن وفهمه وتدبُّرِه، والعملِ بِه، هدايةٌ وصلاحٌ، وسعادة ونجاة، وشفاءٌ للفردِ وللمجتمع والأمة جميعا، من جميع أمراضهم الحسية والمعنوية، وتلبيةٌ لحاجاتِهِم الدنيوية والأخروية، قال -تعالى-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً}( الإسراء: 82)، والله -عزَّوجل- هو الذي خَلق عباده، وهو أعلم بما يصلحهم وينفعهم، وما يفسدهم ويضرهم، قال -تعالى-: {ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك : 14)، أي: كيف لا يعلم أحوالهم وهو اللطيف بهم، الخبير بأحوالهم وأعمالهم؟! والإنسان هو الإنسان؛حيثما كان، وقال الله -تعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}(الإسرا ء: 9 ــ 10).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
فقوله -تعالى- ذكره: إنَّ هذا القرآن الذي أنـزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يرشد ويسدّد من اهتدى به {لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، يقول: للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام، فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل، التي ضل عنها سائر أهل الملل المكذبين به». (الطبري).
شرف عظيم
لقد أدرك الصّحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- ومَن سار على دربهم من سلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى- هذا الشرف العظيم، الذي امتنّ الله -تعالى- به عليهم، بتنزَل القرآن الكريم على خير الأنام، نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو بين أظهرهم، فأقبلوا عليه يتلقونه منه ويسمعونه ويتعلّمونه ، ثم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، وجعلوا منه غذاءً لأرواحهم، وقرَة لأعينهم، وطمأنينة لقلوبهم، تعلّموا حلاله وحرامه، وامتثلوا أحْكامه، وأقاموا حُدوده، وطبَقوا شرائعه؛ فكان شفاءً لأرواحهم وأجسادهم، وزَكتْ به نفوسهم، وسَمَتْ أخلاقهم، وصَلُحَتْ سرائرهم، وأعلى الله -تعالى- به شأنهم، واستحقوا أنْ يكونوا أهل القرآن الكريم «أهل الله وخاصته»، وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «إنّ اللهَ تعالى يَرفعُ بهذا الكتاب أقْواماً، ويَضعُ به آخرين». رواه مسلم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
معجزة دائمة
وقد جعل الله -تعالى- القرآن الكريم، معجزة دائمة للرسول صلى الله عليه وسلم وحجةً لأمته، على مدى الأيام، فقال -تعالى-: {وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}( البقرة: 23-24).
وقد تكفَّل الله -تعالى- بحفظ كتابه العظيم: كما قال -سبحانه-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(ال حجر: 9)؛ فلا يستطيع جبَّارٌ أو مُلحد أن يبدِّله، أو يزيد فيه أو ينقص منه، وكما جاء في الحديث: «وأنزلتُ عليك كتابًا، لا يغسله الماء». رواه مسلم .
من فضل الله علينا
ومن فضل الله العظيم علينا: أنَّ القرآن الكريم، كلام الله -تعالى- الذي أنزله على خاتم رسله، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، قد أنزله الله بلغةِ العرب، لسانِ النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقومه؛ فكان تشريفاً لجميع العرب، كما قال -تعالى-: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}(الز خرف: 44)، وحُجة عليهم؛ لأنه بلسانهم الذي يتكلمون به، ويفهمونه، ويسهل عليهم تدبره .
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
الأسباب الداعية إلى تدبر القرآن
ومن الأسباب الداعية إلى تدبر القرآن: أمْرُ الله -تعالى- لنا بذلك بأنْ نقفَ مع آياته الكريمة، وأنْ نفهمها ونتدبرها، وأنه ما أنزل القرآن الكريم إلاّ من أجْل أن يُتأمل ويتدبر ليعمل به ويمتثل، كما قال -سبحانه وتعالى- مُقرّراً أنه قد أنزله مباركًا ليدبروا آياته، وليتذكر أولو العقول: {كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}(ص: 29)؛ فهذه (اللام) في (ليَدّبّروا) و(ليتذكر) لام الغاية والحِكمة، فمن لم يأخذ حظَّه مَن تدبر القرآن العظيم، لم يأخذ حظّه من بركته وهدايته، فعلى قدر سعيك في الفهم والتَّدبُّر والتأمل، يكون حظك من بركة هذا الكتاب العظيم، وعلمه وفضله، وهدايته ونوره.
وقد وَصَف اللهُ -جل جلاله- القرآن الكريم في مواضع بالبركة، فقال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}(ال أنعام: 92)، وما ذكره -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة من أنَّ هذا القرآن مبارك، أكّده في مواضع متعددة من كتابه، فقال -تعالى-: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (الأنبياء :50).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
أي: هذا القرآن العظيم ذكر مبارك، أي: كثير البركات والخيرات؛ لأنَّ فيه خير الدنيا والآخرة، ثم وبَّخ من ينكرونه بقوله: {أفأنتم له منكرون}؛ أفأنتم أيها القوم لهذا الكتاب الذي أنزلناه إلى محمد منكرون، وتقولون هو {أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون}، وكقوله -تعالى-: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتبعوه واتقوا لعلكم تُرحمون}(الأنعام : 155)، وقوله فيها أيضا قبله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مُصدّق الذي بين يديه}(الأنعام: 92). والبركة: هي النَّماء والزيادة، والثبات والدّوام، فقرّر بهذه الكلمة نَعْتينِ عظيمين للكتاب العزيز:
1- وفْرة عطائه وكثرته .
2- دوام نفعه وتجدّده واستمراره .
قال -سبحانه-: {قلْ لو كانَ البحرُ مداداً لكلماتِ ربي لنفدَ البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً}(الكهف: 109).
فنرجو الله -تعالى- السميع القريب المُجيب أنْ تغمرنا بركات هذا الكتاب العظيم المبارك، بتوفيقٍ منه -تعالى- لنا لتدبر آياته، والعمل بما فيها من الحلال والحرام، والأوامر والنواهي، والمكارم والآداب، امتثالاً واجتناباً، إنه سميع الدعاء .
استخراج ما فيه من خيرٍ متجدّد
ولذا فقد حثّ الله -سبحانه- على تدبّر كتابه: لاستخراج ما فيه من خيرٍ متجدّد، لا يزول ولا يَحول، ولا يَغِيض ولا ينقص، فهو لا يَصْلُحُ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وعصرٍ ومصرٍ فحسـب، بل هـو يُصلِح كلّ زمان ومكان، وفرد ومجتمع، ويقوّمه ويقيمه على سواء الصراط، كما قال -عز وجل-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرا}(الإسراء : 9).
تيسير حفظه وتدبره
وقد يسر الله حفظ وتدبّر وتلاوة كتابه للناس: قال -تعالى-: {ولقد يسَّرنا القُرآنَ للذّكرِ فهلْ من مُدَّكر}(القمر: 22).
قال السُّدي : يَسَّرنا تلاوته على الألسن، وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أنَّ الله يسّره على لسان الآدميين، ما اسْتطاع أحدٌ من الخَلق أنْ يتكلم بكلام الله عز وجل.
فالله -تعالى- سهَّله لهم في الحِفظ والقراءة؛ فيمكنهم حفظه بسهولةٍ ويسر، ولم يكن شيءٌ من كتب الله -تعالى- يحفظ عن ظهر القلب ، غير القرآن، وأيضا سهّله لهمللاتعاظ والتذكّر به؛ حيث أتى فيه بكل حكمةٍ وموعظة وعلم ورشاد وجعله؛ بحيث يعلق بالقلوب ويستلذ بسماعه، ولا يسأم من سمعه وفهمه ، ولا يقول : قد سمعته فلا أسمعه، بل كل ساعة يزداد منه لذة وعلما.
وقوله -تعالى-: {فهل من مدّكر} أي: هل من متذكرٍ بهذا القرآن، الذي قد يسّر اللهُ حفظه ومعناه؟
فسهل الله لنا لفظه، ويسر معناه، لمن أراده، ليتذكر الناس، كما قال في الآية الأخرى: {كتابٌ أنْزلناه إليك مباركٌ ليدَّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب}(ص: 29)، وقال -تعالى-: {فإنما يسَّرناه بلسانكَ لتُبشِّر به المُتقين وتُنذر به قَوماً لُدا}(مريم: 97)، يعني بيّناه بلسانك العربي، وجعلناه سَهْلاً على مَن تدبّره وتأمّله.
وقيل: أنزلناه عليك بلسان العرب، ليسهل عليهم فهمه، ولتبشِّر به المتقين، وتنذر به قوما لداً، واللّد جمع الألد، وهو شديدُ الخُصومة، ومنه قوله -تعالى-: {ألد الخِصام}(البقرة : 204).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-23, 10:56 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم
الشيخ.محمد الحمود النجدي
(18)
قال الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الش ورى: 52)؛ فالقرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية ، وهو المنَّة الكبرى، التي امتن بها على عباده، والنعمة العظمى في الدنيا، المتصلة بخير الآخرة، لا تفنى عجائبُه، ولا تعد ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ، العليم الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وقد شدَّد الله -تعالى- النَّكير على المُعرضين عن تدبر كتابه الكريم، والتفكّر في آياته المباركة، فقال -سبحانه-: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(النساء : 82)، قال الحافظ ابن كثير: «يقول -تعالى-: آمراً لهم بتدبر القرآن، ناهياً لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المُحْكمة، وألفاظه البليغة، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه، ولا اضطراب ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حقٌ من حق ، ولهذا قال -تعالى-: {أفلا يتدبرون القرآنَ أم على قلوبٍ أقفالها}، ثمقال: {ولو كان مِنْ عند غير اللّه} أي: لو كان مُفتعلاً مخْتلقاً، كما يقوله مَن يقول من جهلة المشركين، والمنافقين في بواطنهم، لوجدوا فيه اختلافاً، أي: اضطراباً وتضاداً كثيراً، وهذا سالمٌ من الاختلاف، فهو من عند اللّه». انتهى .
وقال -عزّ من قائل-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(مح مد: 24)، قال الطبري: يقول -تعالى- ذكره: أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يَعظهم بها في آي القرآن، الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويتفكَّرون في حُججه التي بيّنها لهم في تنزيله، فيعلموا بها خطأَ ما هم عليه مقيمون؟ {أم على قلوبٍ أقفالها}، يقول: أم أقفلَ الله على قلوبهم؟ فلا يعقلون ما أنزلَ اللهُ في كتابه من المواعظ والعبر! انتهى. وقال -عز وجل-: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ }(المؤمنون : 66- 68).
يقول -تعالى- ذكره: أفلم يتدبر هؤلاء المشركون تنزيل الله وكلامه ، فيعلموا ما فيه من العِبر، ويعرفوا حُجج الله التي احتجّ بها عليهم فيه؟ {أمْ جاءهم ما لم يأت آباءَهم الأَولين}، أم جاءهم ما لم يأتِ من قبلهم من أسلافهم ، فاسْتكبروا عن ذلك وأعرضوا، فقد جاءت الرسل من قبلهم، وأنزلت معهم الكتب، فالتفكر والتدبر والوقوف مع الآيات وتأملها، أمرٌ دعتْ إليه نصوص متظاهرة، ولأجله أنزل القرآن العظيم، ونهتْ عن الإعراض عنه، والانصراف لغيره، قال الحسن -رحمه الله-: «نزلَ القرآن ليتدبر ، ويعمل به».
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وقال الإمام ابن القيم في المدارج: «فليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبّر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته؛فإنها تُطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه ، وتشيد بنيانه، وتوطّد أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة، والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله ، وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها.
وتعرّفه النفسَ وصفاتها، ومُفسدات الأعمال ومُصحّحاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار ، وأعمالهم وأحوالهم وسِيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخَلْق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه، وافتراقهم فيما يفترقون فيه، وبالجملة: تُعرّفه الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه. وتُعرّفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب ، بعد الوصول إليه.انتهـى .
أحكام كلّ شيء
وقد جمع الله -سبحانه وتعالى- في القرآن العظيم أحكام كلّ شيء ، كما قال -تعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }(النحل:89)، فقوله: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}، قال ابن مسعود رضي الله عنه: وقد بيّن لنا في هذا القرآن كلَّ علم ، وكلَّ شيء، وقال مجاهد: كلُّ حلالٍ وحرام، وقول ابن مسعود رضي الله عنهأعمّ وأشمل .
وقال الله تعالى-: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء : 113)، قال القفّال -رحمه الله-: هذه الآية تحتمل وجهين:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
- أحدهما: أنْ يكون المراد ما يتعلق بالدّين، كما قال: {ما كنتَ تَدْري ما الكتابُ ولا الإيمان}(الشورى: 52)، وعلى هذا الوجه، تقدير الآية: أنزل الله عليك الكتاب والحكمة، وأطلعك على أسرارهما، وأوقفك على حقائقهما، مع أنك ما كنت قبل ذلك عالماً بشيءٍ منهما؛ فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك، لا يقدر أحدٌ من المنافقين على إضلالك وإزْلالك .
- الوجه الثاني: أنْ يكون المراد: وعلّمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين؛ فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ووجوه كيدهم، ما تقدر به على الاحتراز عن وجوه كيدهم ومكرهم، ثم قال: {وكان فضل الله عليك عظيما}، وهذا من أعظم الدلائل، على أن العلم أشرف الفضائل والمناقب. (التفسير الكبير).
كلماتٍ مذكّرة وقواعد مهمة
ولَمَّا كان كثيرٌ من المسلمين قد أعرضوا عن القرآن فهمًا وتدبرًا، وعلماً وعملاً، وكان كثير ممَّن يقرؤه لا يعرف كيف يتدبَّره! ولا كيف يفهمُه ؟! على النحو الصحيح، وعملاً بقوله -تعالى-: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(الذاري ات: 55)؛ فإنني أحببتُ أنْ أجمعَ كلماتٍ مذكّرة، وقواعد مهمة ، لفهم لكتاب الله -عزّ وجل- وكيفية فهمه وتدبره، تُساعد على تدبر القرآن الكريم، وفهمه الفهم السليم، أسأل الله أنْ ينفع بها طلاب العلم جميعا، المتعلمين منهم والمعلمين، إنه سميعُ مجيب الدعاء.
تمهيد
- القواعد: جَمعُ قاعدة ، وقَواعِدُ الْبَيتِ: أَسَاسُهُ ، وَفِي التَّنْزِيل: {وإذْ يَرْفعُ إبراهيمُ القواعدَ مِنَ البَيِت وَإِسْمَاعِيل}(ا لبقرة: 127)، وفيه: {فَأتى اللهُ بُنيانهم من الْقَوَاعِد}(الن حل: 26)، وعلى هذا: فالقاعدة: الأصلُ الذي تنبني عليه المسائلُ، والفروع . و(التدبر): أصل الكلمة اللغوي لكلمة تدبر ، هو : آخر الشيء، وخَلْفَه خلاف قبله، ويقال : دَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّرَه: نَظَر في عاقِتَبِه ، واسْتَدْبَرَه : رَأَى في عاقِبتِه، ما لَمْ يَرَ في صَدْرِه، قال البغوي: «التدبر: هو النظر في آخر الأمر، ودُبُر كل شيء آخره»؛ فالتدبر : هو تأمُّل الآيات القرآنية ، للاهتداء بما دلّت عليه علماً وعملاً .
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
الفرق بين التدبر والتفسير
بين التدبر والتفسير ، فرقاً من جهة المعنى؛ فالتدبر قد مرّ التعريف به، أما التفسير: فإنَّ مادة التفسير تدور على: بيان شيءٍ وإيضاحه، يقال : فَسَر الشيءَ يفسِرُه، بالكَسر، ويفْسُرُه بِالضَّمِّ، فَسْراً وفَسَّرَهُ: أَبانه، والتَّفْسيرُ مثْلُهُ، والفَسْرُ: كَشْفُ المُغَطّى، والتَّفْسير كَشف المُراد عَنِ اللَّفْظِ المُشْكل. وبهذا يتبين أنّ دائرة التدبر أوسع من التفسير ، من جهة أن التدبر هو إعمال النظر في مآلات الألفاظ والمعاني، قال الحسن البصري: العلم عِلْمان: علمٌ في القلب؛ فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فتلك حجّة الله على خلقه .
ففهم القرآن نوعان: النوع الأول: فهمٌ علمي معرفي، والنوع الثاني : فهمٌ قلبي إيماني .
- فالنوع الأول: يدخل فيه تفسير معاني الغريب، والعلم بمعاني الآيات، واستنباط الأحكام ، والحلال والحرام، وأنواع الدلالات، وأهل العلم يغترفون من علومه، على قَدر ما آتاهم الله تعالى من العلم والفهم في كتابه، كما قال -تعالى-: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} (الرعد : 17).
- والنوع الثاني: هو الفهم الإيماني القلبي، الذي ينتج عن تأملِ قارئ القرآن لما يمرُّ به من آياتٍ كريمة ، يعرف معانيها، ويفهم دلالاتها، فيتوقف عندها متأملاً، متفكراً متدبراً، يُحرّك بها قلبه، ويَعرض عليها نفسه وعلمه وعمله ، فإنْ كان من أهل الخير والصلاح والاستقامة، حَمِد الله على ذلك، وإنْ لم يكن من أهلها، حاسب نفسه، وتاب واستغفر واستعتب، والفهم الثاني هو الغاية، والأول إنما هو وسيلة له، ونبدأ في استعراض تلك القواعد في الحلقات القادمة إن شاء الله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-24, 07:39 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم
الشيخ.محمد الحمود النجدي
(19)
لَمَّا كان كثيرٌ من المسلمين قد أعرضوا عن القرآن فهمًا وتدبرًا ، وعلماً وعملاً، وكان كثير ممَّن يقرؤه لا يعرف كيف يتدبَّره؟ ولا كيف يفهمُه على النحو الصحيح؟ وعملاً بقوله -تعالى-: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(الذاري ات: 55)؛ فإنني أحببتُ أنْ أجمعَ كلماتٍ مذكّرة، وقواعد مهمة تُساعد على تدبر القرآن الكريم، وفهمه الفهم السليم، أسأل الله أنْ ينفع بها طلاب العلم جميعا ، المتعلمين منهم والمعلمين، واليوم مع القاعدة الأولى.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
الفهم للقرآن أولاً
لابدّ لمن أراد تدبر القرآن من فهمه أولاً، والنظر في معناه، وما تدلّ عليه الآيات، من كلام أهل العلم والإيمان، وقراءة ما كتبوا في تفسير القرآن الكريم، فلا يأتي التدبر دون فهم المعاني ومعرفة الألفاظ العربية ومدلولاتها؛ فهذا مما لا يُخالف فيه أحدٌ مِن أهل العلم!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في فتاويه: «وتدبّر الكلامِ بدون فهم معانيه، لا يُمْكن». فتاوى ابن تيمية (13/ 331-332)، وقال أيضًا -رحمه الله- في مقدمة أصول التفسير: «يجب أنْ يُعْلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن، كما بيَّن لهم ألفاظه، كقوله -تعالى-: {لتُبين للناسِ ما نُزِّل إليهم}(النحل: 44)، يتناول هذا وهذا «.
ويقول الإمام الزركشي -رحمه الله تعالى-: «التفسير علمٌ يُفهَم به كتاب الله المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه ، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ» البرهان في علوم القرآن ( 1/ 13) .
وقال أيضاً: «ينقسم القرآن العظيم إلى: ما هو بين بنفسه بلفظ لا يحتاج إلى بيان منه، ولا من غيره، وهو كثير، ومنه قوله -تعالى-: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ...} (التوبة : 112). وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ...} (الأحزاب: 35).
والثاني: ككثير من أحكام الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج والمعاملات والأنكحة والجنايات، وغير ذلك كقوله -تعالى-: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}(الأنع ام: 141)، ولم يَذكر كيفية الزكاة ، ولا نِصابها ولا أوْقاتها، ولا شروطها ولا أحوالها، ولا مَنْ تجب عليه ممن لا تجب عليه، وكذا لم يُبيّن عدد الصلاة ولا أوقاتها.
أحسن طرق التفسير
فإنْ قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟
نقول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (363/13) في الجواب عن ذلك -: «-إنَّ أصحّ الطرق في ذلك -: أن يُفَسَّر القرآن بالقرآن؛ فما أُجْمِل في مكان، فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، فإنْ أعياك ذلك، فعليك بالسُّنة؛ فإنها شارحةٌ للقرآن وموضّحةٌ له، بل قد قال الإمام أبوعبد الله محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله-: كل ما حَكم به رسولُ الله[؛ فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}(النساء : 105)، وقال -تعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}( النحل: 44)، وقال -تعالى-: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(الن حل: 64)؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا إني أوتيتُ القُرآنَ، ومثلُه معه« (رواه أحمد وأبو داود). يعني: السُّنة .
والسُّنة أيضًا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن؛ إلا أنها لا تُتلى كما يتلى القرآن، وقد استدل الإمام الشافعي -رحمه الله- وغيره من الأئمة على ذلك بأدلةٍ كثيرة، ليس هذا موضع ذلك، والغرض : أنك تطلب تفسيرَ القرآن منه، فإنْ لم تجدْه فمن السُّنة .
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
الرجوع على أقوال الصحابة
وحينئذ، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدْرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصُّوا بها؛ ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، ولاسيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: عن مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله، إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت، ولو أعلمُ مكانَ أحدٍ أعلم بكتاب الله مني، تناله المَطايا، لأتيته».
وعن أبي وائل عن ابن مسعود أيضاً قال: كان الرجل منَّا إذا تعلم عشر آياتٍ، لم يُجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن، ومنهم الحَبر البحر : عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترجمان القرآن، ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له؛ حيث قال: «اللهم فقِّهه في الدِّينِ، وعلّمه التأويل». متفق عليه .
وروى ابن جرير: عن مسروق قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود: «نِعمَ ترجمان القرآن ابن عباس»، وقد مات ابن مسعود في سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح، وعُمِّر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كَسَبه من العلوم بعد ابن مسعود؟!
وقال الأعمش عن أبي وائل: اسْتَخلَف عليٌ رضي الله عنه عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة - وفي رواية: سورة النور - ففسرها تفسيرًا لو سمعته الروم والترك والديلم؛ لأسْلموا.
وكما جاء في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سأله سائل، فقال له: «هل خصَّكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟» -أي: أنتم وأهل بيته - فقال: «لا والذي برأ النَّسَمة، وفلقَ الحبَّة، ما خصَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ ، إلا ما في هذه الصَّحيفة، وأخْرجها فإذا فيها أسْنان الإبل، وفهماً في كتاب اللهِ، يؤتيه الله مَن يشاء». متفق عليه.
وكذلك ما ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، وأُبَي بن كعب رضي الله عنه، وغيرهم، ولا يزال هذا الفهم في الأمة، ما بقي القرآن والإيمان .
قال شيخ الإسلام: إذا لم تجدْ التفسير في القرآن ، ولا في السُّنة ، ولا وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثيرٌ من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر؛ فإنه كان آية في التفسير، كما قال عن (نفسه): عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاثَ عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أُوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها، وروى الترمذي: عن قتادة قال: ما في القرآن آية، إلا وقد سمعتُ فيها شيئًا، وكسعيد بن جبير ، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم، ومن بعدهم ، فتذكر أقوالهم في الآية، فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علمَ عنده اختلافًا، فيحكيها أقوالاً، وليس كذلك.
فإنَّ منهم من يعبّر عن الشيء بلازمه أو نظيره، ومنهم من ينصّ على الشيء بعينه، والكلُّ بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطّن اللبيب لذلك، والله الهادي .. « انتهى بتصرف وزيادة يسيرة.
ففهمُ آيات القرآن وَفْق تفسير السلف الصالح، من الصحابة والتابعين وأتباعهم، لا مَحِيد عنه؛ لمَن أراد أن يفهم عن اللهِ -سبحانه وتعالى- كلامه، فإنَّ هؤلاء عاصروا التنزيل ، وكانوا أعلمَ الناس بكلام العرب، وشاهدوا كيفية تطبيق القرآن والعمل به.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
تنبيه مهم
لا يجوز الخروج عن منهج السلف في فهم القرآن الكريم: فمنهجهم ـ في جملته ـ معصومٌ عن الخطأ، وإذا أجمعوا على تفسير فلا يكون الصواب في خلافه، ويبقى جهد من بعدهم في التأمل فيه، وتنويع الأمثلة التي تقاس عليه، أو تدخل تحته، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تَجتمع أُمتي على ضَلالة». رواه ابن ماجة والطبراني وغيرهما .
ومعناه: أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم التي آمنتْ به، لا تجتمع وتتفق على حكم شرعي، ثم يكون ذلك الحكم ضلالة؛ بل إذا اجتمعت على حكم ؛ فإنّ اجتماعها عليه دليل على أنه حقٌ ، فهي لا تجتمع ولا تتفق على ضلالة، بل على الحق، قال السندي في شرحه: قوله: «إِنَّ أُمَّتِي لا تَجْتَمِع على ضَلَالَة» أَيْ: الكُفْر، أَو الفِسْق، أَو الخَطَأ في الاجْتِهاد. اهـ .
وليس المراد بذلك أفراد الألفاظ التي نُقلت عنهم ، فقد تختلف فيها الروايات، بل المقصود منهجهم وطريقتهم، فمن عدل عنها فقد أخطأ بلا ريب؛ لأنَّ إحداث طريقة في التفسير تخالف طريقتهم، هو طعنٌ في علمهم، وهذا ضلال مبين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإنَّ الصحابة والتابعين والأئمة، إذا كان لهم في تفسير الآية قولٌ، وجاء قوم فسروا الآية بقولٍ آخر، لأجل مذهبٍ اعتقدوه ، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان، صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا». وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإنْ كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه؛ فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته ، وطرق الصواب.
أعلم الناس بالقرآن
ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلمُ بالحقّ الذي بعث اللّه به رسوله؛ فمن خالف قولهم وفسّر القرآن بخلاف تفسيرهم، فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً، ومعلوم أن كل مَن خالف قولهم له شبهة يذكرها، إما عقلية وإما سمعية، كما هو مبسوط في موضعه». مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
فالواجب إذاً: على مَنْ أراد فهم كتاب الله -تعالى- الرجوع إلى كتب التفسير ، التي جمعت كلام السلف من أهل الفقه والفهم في كتاب الله، ويبدأ بالمختصر منها ، قبل المطوّل؛ فالمختصر ككتب غريب القرآن، لابن قتيبة والهروي وغيرهما، وزبدة التفسير للأشقر، والتفسير الميَسَّر لنُخْبَة من العلماء، والهدى والبيان في كلماتِ القرآن، لكاتبه.
والمتوسط كتفسير السعدي، وأيسر التفاسير للجزائري، والمطول كتفسير الطبري والبَغَوي والسمعاني وابن كثير وغيرها، والتفسير المختصر يبين معاني القرآن الكريم، بعِبارةٍ وجيزة، وألفاظٍ قليلة .
فدراسة تفاسير أهل العلم، والإكثار من النظر والقراءة فيها، سبيلٌ إلى التدبّر الصحيح لكتاب الله عز وجل ، وهم الذين فهموا القرآن وَفْق الأصول السابقة، وآتاهم اللهُ فهمًا في القرآن، والقرآن لا تزال عجائبه تظهر، وإنَّ الفهمَ فيه يظلُّ أبداً ما دام القرآن في الأرض.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-25, 10:51 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم
الشيخ.محمد الحمود النجدي
(20)
لَمَّا كان كثيرٌ من المسلمين قد أعرضوا عن القرآن فهمًا وتدبرًا ، وعلماً وعملاً، وكان كثير ممَّن يقرؤه لا يعرف كيف يتدبَّره؟ ولا كيف يفهمُه على النحو الصحيح؟ وعملاً بقوله -تعالى-: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(الذاري ات: 55)؛ فإنني أحببتُ أنْ أجمعَ كلماتٍ مذكّرة، وقواعد مهمة تُساعد على تدبر القرآن الكريم، وفهمه الفهم السليم، أسأل الله أنْ ينفع بها طلاب العلم جميعا، المتعلمين منهم والمعلمين، واليوم نستكمل باقي القواعد.
وجوب تعلم لغة العرب التي نزل بها القرآن
القاعدة الثانية هي وجوب تعلُّم لغة العرب، ومعرفة معاني ألفاظ الكلمات العربية، ومفردات اللغة، فلابد أنْ يُعرف المقصود من الأسماء الشرعية، كالإيمان والإسلام ، والكفر والنفاق، والبر والتقوى ، والعلم واليقين ، والصلاة والزكاة، والصوم، والحج والعمرة، والجهاد والرباط، والولاء والبراء، وغيرها من الأسماء الشرعية، وكذا سائر كلامِ العرب الذي نزلَ به القرآن الكريم.
وكذلك معرفة طرائق العرب في التعبير، وأساليبهم في الخطابة والبيان؛ فإنَّ القرآن عربي، وقد نزل بهذه اللغة، ووَفْق أساليب العرب في الكلام والبيان، واشتمل على معظم بلاغة العرب في كلامهم المنظوم والمنثور، فاستخدم التشبيه، وضرب الأمثال، والمدح والذم، والإغراء والتنفير، والتقديم والتأخير للأغراض البيانية، وكذلك الحذف والإيجاز والإطناب في مواضعه، والالتفات من الخِطاب إلى الغَيبة والعكس، والتعريف والتنكير، وغيرها من الأساليب البيانية، فمَن لا يَعرف طرائق العرب في البيان، فإنه لا يستطيع أن يفرِّق مثلا: بين {إِيَّاكَ نَعْبُد} و: نعبدك {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} و: نستعين بك.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
التحدِّي والإعجاز
وانظر إلى التحدِّي والإعجاز في قوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}( البقرة: 23- 24)، {فإنْ لم تفعلوا} إنْ لم تأتوا بسورة من مثله, وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم عليه وأعوانكم، فتبين لكم بامتحانكم واختباركم، عجزكم وعَجزُ جميع الخلق عنه, وعلمتم أنه من عند الله, ثم أقمتم على التكذيب به! وقوله: {ولن تفعلوا} أي : لنْ تأتوا بسورة من مثله أبدًا، يشمل الحاضر والمستقبل، القريب والبعيد، وهكذا كان، قال قتادة: لا تقدرون على ذلك، ولا تُطيقونه، وكذلك في قوله -سبحانه-: {قل لئنْ اجتمعت الإنسُ والجن على أنْ يأتوا بمثلِ هذا القرآن لا يأتونَ بمثله ولو كان بعضُهم لبعض ظهيراً}(الإسراء: 88).
فالخلاصة: يجب معرفة كلام العرب في معاني مفرداته، وقواعدهم في الخطاب، وأساليبهم في البيان، وهذا ما تتضمَّنه اليوم معاجم اللغة، وكتب غريب القرآن، وعلم النَّحو والصَّرف، وعلم البلاغة.
فيجبُ على المسلم المُرِيد تدبُّر القرآن، أن يكون على قدرٍ من هذه العلوم، وإلا جَهِل الأساس الذي يُفهم به القرآن الكريم .
دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العطرة
القاعدة الثالثة هي دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة حياته وأحواله، وأخلاقه وشمائله، وجهاده وعباداته ومعاملاته، والإلمام بأقواله وأفعاله؛ فهذا مما يعين على فهم القرآن وتدبره، وذلك أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد فسَّر القرآن بقوله، وأقامه بعمله، وبينه بخُلقه[، كما أمره الله -تعالى- فقال -سبحانه-: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم ولعلهم يتفكرون}(النحل: 44)؛ فيقول الله -تعالى- له: وأنزلنا إليك - يا محمد - هذا القرآن تذكيراً للناس، وعظةً لهم {لتبين للناس}، يقول: لتعرّفهم ما أُنزل إليهم من ذلك {ولعلهم يتفكرون}، أي: وليتذكروا بما فيه، ويعتبروا به ، أي : بما أنزلنا إليك.
فمعرفةُ السُّنن القولية والعملية التي بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم بها الكتاب العزيز، يُعين بلا شك على فهم الكتاب وتدبره، فإنَّ القرآن قد جعل الله بيانه لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما سبق في قوله -تعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} (النحل: 44)؛ فالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج والعمرة، وسائر العبادات المأمور بها في القرآن، لا يمكن معرفة أحكامها وحدودها ، وشروطها وأركانها ، ومواقيتها الزمانية والمكانية ، وغير ذلك ، إلا ببيان الرسول[ لها ، والرجوع إلى سُنته.
المِثال الكامل للأمة الإسلامية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المِثال الكامل للأمة الإسلامية، المثال الذي يحبُّه الله -تعالى- ويريد من كلِّ مؤمن ومؤمنة أن يكون مقتدياً به، متبعاً له، كما قال تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب : 21).
قال الحافظ ابن كثير: هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسول الله[ في أقواله وأفعاله وأحواله; ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومُصابرته ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه -عز وجل- صلوات الله وسلامه عليه- دائما إلى يوم الدين; ولهذا قال -تعالى- للذين تقلقوا وتضجروا، وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟ ولهذا قال : {لمنْ كانَ يَرجو اللهَ واليومَ الآخر وذكرَ الله كثيراً}. انتهى. ولمَّا سُئِلت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن خُلُق الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت : «كان خُلُقه القرآنَ». رواه مسلم .
قال النووي -رحمه الله تعالى- في (شرح مسلم) (3/268): «معناه: العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبره، وحسن تلاوته». انتهى. وقال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) (1/148) : «يعني أنه كان يتأدَّب بآدابه، ويتخلق بأخلاقه، فما مَدَحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه، وجاء في رواية عنها قالت: «كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ، يَرضَى لِرِضَاه، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ» انتهى.
ولذلك فمحاولةُ تدبُّر القرآن الكريم بعيدًا عن دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ستكون محاولة ناقصة؛ لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو المثل العملي والواقعي القائم بكتاب الله -سبحانه وتعالى- والمهتدي به، والمتَّبع له، قال -تعالى-: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(الشور ى : 52 - 53).
معرفةُ أسبابِ النزول
القاعدة الرابعةً: هي معرفة أسباب النزول؛ مما يعين على فهم القرآن، ثم تدبره، وذلك أن القرآن نزل منجَّمًا بحسب الوقائع والأحداث في ثلاثٍ وعشرين سنة ، كما هو معلوم .
ويعد علم أسباب النزول من علوم القرآن المهمة، التي لا يمكن الاستغناء عنها في تفسير كلام الله -جل في علاه- وذاك؛ لأنّ العلم بالسبب يُورث العلم بالمسبب، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في مقدمة أصول التفسير.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
وهو من الشروط المفروضة، والعلوم المطلوبة، لمن رام تفسير القرآن، كما بيَّنه غيرُ واحد من الأعلام، كالعلامة الزركشي في البرهان، والحافظ السيوطي في الإتقان، ويقول العلامة أبو الحسن الواحدي كما نقل عنه السيوطي في الإتقان: «لا يمكن تفسير الآية، دون الوقوف على قصتها ، وبيان نزولها»، وقال الحافظ ابن دقيق العيد: «بيان سبب النزول ، طريقٌ قويٌ في فهم معاني القرآن». الإتقان (1/ 88) .
ولأهمية هذا العلم؛ فقد كان محطَّ اهتمام وتأليف منذ القدم عند العلماء، من المحدثين والمفسرين، يقول الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى-: أفرده بالتصنيف جماعة، أقدمهم علي بن المَدِينِي شيخ البخاري، ومن أشهرها كتاب الواحدي ، على ما فيه من إعواز، وقد اختصره الجعبري؛ فحذف أسانيده، ولم يزد عليه شيئًا، وألَّف شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر كتابًا مات عنه مُسْوَدَّةً ، فلم نقف عليه كاملاً، وقد ألفْتُ فيه كتابًا موجزًا محرَّرًا، لم يؤلَّف مثله في هذا النوع، سميته: «لباب النُّقول في أسباب النزول». انتهى. الإتقان في علوم القرآن ( 1/ 87).
إجابةً عن سؤال
وأسباب النزول جاء بعضها إجابةً عن سؤال، كآيات {ويسألونك عن..}، أو تنبيهاً على خطأ حصل، كقول الله: {ما كان لنبيٍ أن يكون له أسْرى حتى يُثخنَ في الأرض...}(الأنفال: 67 )، وكقوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أنْ يَسْتغفروا للمشركين ... }(التوبة : 113).
ردًّاً لشبهة
أو ردًّاً لشبهة قِيلت ؛ كالردود على شُبه مُنكري التوحيد والبعث والقيامة والرسالات وغيرها، كما قال -تعالى-: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}(الفر قان : 33).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
بياناً وتعليقًا
وجاءت أسباب النزول كذلك: بياناً وتعليقًا على وقائع وأحداث ؛ فالآيات النازلة في بدرٍ وأُحُد والخندق ، وسائر الغزوات التي نزل فيها قرآن، لا تفهم فهمًا سليمًا إلا بمعرفة وقائع هذه الغزوات، وإلا فكيف يَفهَم قارئٌ فهمًا صحيحًا قولَه -تعالى-: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}(آل عمران: 139، 140)، إلا إذا عَرَف ما أُصِيب به المسلمون يوم أُحُد من القتل والجراح، ووقوف أبي سفيان شامخًا على رأس المسلمين بعد نهاية المعركة، يقول: اعلُ هُبَل! لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم! وقوله: أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر؟ أفيكم عمر؟ أما هؤلاء؛ فقد قُتِلوا ... الحديث ، رواه أحمد والبخاري، وكذلك لا تُفهم آيات سورة (النور) في شأن الإفك، إلا بمعرفة سبب نزول هذه الآيات، وما قاله المنافقون في شأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ومن الأمثلة كذلك: قوله -تعالى- في صدر سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} (المجادلة: 1)، فقد جاء أنها نزلت في خولة بنت حكيم -رضي الله عنها- جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه الذي ظاهَرَها.
فالحُكم الذي ذكره الله -تعالى- في صدر هذه السورة، ليس خاصاً بخولة وأوس ابن الصامت -رضي الله عنهما- كما هو معلوم، بل هي أحكام للأمة جميعا؛ فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما قرره أهل الأصول، وهكذا قول الله: {يا أيها النبيُّ إذا طلقتم النساءَ فطلقوهن لعدّتهن وأحْصوا العدة ...}(الطلاق: 1)، وقوله: {يا أيها النبيُّ لم تُحرّم ما أحلَّ اللهُ لك تبتغي مرضاتَ أزواجك..}(التحريم : 1)، فهي أحكام للأمة جمعاء للتدبّر الصحيح لكتاب الله عز وجل.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-26, 11:42 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم
- العكوف على القرآن العظيم، والانقطاع إليه للنظر والتأمُّل والتفكر والتدبر
الشيخ.محمد الحمود النجدي
(21)
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الش ورى: 52)، فالقرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية، وهو المنَّة الكبرى، التي امتن بها على عباده، والنعمة العظمى في الدنيا، المتصلة بخير الآخرة، لا تفنى عجائبُه، ولا تعد معانِيهِ وفوائدُه لا تحصى، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ، العليم الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
القاعدة الخامسة
العكوف على القرآن العظيم، والانقطاع إليه، للنظر والتأمُّل، والتفكر والتدبر: فالعكوف على القرآن، والتفكر في آياته، وتدبر معانيه، والقيام به آناء الليل وأطراف النهار، كله مما يفتح للعبد معاني عظيمة في كتاب الله تعالى، كما قال -سبحانه-: {كذلك يُبيّن اللهُ لكم الآياتِ لعلّكم تتفكرون} (البقرة: 119)، وقال -تعالى-: {فاقْصص القَصصَ لعلّهم يتفكرون} (الأعراف: 176)، وقال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44)، وقال تعالى حاثاً على التفكّر: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} (سبأ:46).
فإذا جلس الإنسان وحدَه، وتفكَّر في آياتِ الله المباركة، انفتحَ له فيها بابٌ عظيم للفهم والعلم واليقين، وقد أمر تعالى بالتفكّر والنظر، والأمر يفيد الوجوب كما يقرر الأصوليون ومن الآيات في الأمر بالنظر والتفكر: قوله تعالى: {قلْ انظروا ماذا في السّماواتِ والأرضِ وما تغني الآيات والنُّذُر عن قومٍ لا يؤمنون} (يونس: 101)، وقوله: {انظروا إلى ثَمَره إذا أثمرَ وينعه} (الأنعام: 99،) وقوله: {فلينظرْ الإنسانُ إلى طعامه} (عبس: 24)، وقوله: {فلينظرْ الإنسان ممَّ خُلق} (الطارق: 5).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
الاستفهام الإنكاري
كما ورد الاستفهام الإنكاري أو ألتقريعي لمن يقرأ ولا يتفكر ولا ينظر، مثل: {ألم تر، أولم يروا، ألم يروا، أولم ير، أولم ينظروا، أفلا ينظرون}، نذكر من ذلك قول الله -تعالى-: {ألم تر أنّ الله يُزجي سحابا ثم يُؤلف بينه ثم يجعله رُكاماً فترى الودْق يخرج من خلاله وينزِّل من السَّماء من جبال فيها من بَرد فيصيبُ به مَن يشاءُ ويَصرفه عمن يشاء يكاد سَنَا برقه يذهب بالأبصار} (النور: 43)، وقوله: {ألم يروا إلى الطّيرِ مُسخَّرات في جوِّ السّماء ما يُمْسكهن إلا الله إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} (النور: 79)، وقوله: {أولم يروا أناّ خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون وذلّلناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} (يس: 71-73)، وقوله تعالى: {أولم ينظروا في ملكوتِ السماوات والأرض وما خَلَق الله من شيء وأنْ عسى أنْ يكون قد اقتربَ أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون} (الأعراف:185)، وقوله: {أفلم يَنظروا إلى السّماء فوقهم كيفَ بنيناها وزيَّناها ومالها من فُروج} (ق: 6)، وقوله: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (الغاشية: 17-20)، وهي كثيرة جدا في القرآن الكريم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
القاعدة السادسة
ومصطلح (تثوير القرآن) من المصطلحات التي أطلقها الإمام الحَبر، فقيه الأمة العالم، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم : عبد الله بن مسعودرضي الله عنه، وذلك فيما رواه غير واحد عنه بإسناد صحيح قال: «إِذَا أَرَدْتُمُ الْعِلْمَ؛ فَأَثِيرُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّ فِيهِ عِلْمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ». وسنده صحيح موقوفا، أخرجه الطبراني في الكبير (8665) وأبو عبيد في (فضائل القرآن) رقم (80) وابن أبي شيبة (10/ 485)، وقد ورد بألفاظٍ متعددةٍ منها: «مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَلْيُثَوِّرِ الْقُرْآنَ»، وفي رواية: «ثَوِّرُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ فيه عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ».
هذا الأثر الصحيح، يبين لنا ما كان عليه حال السلف -رضي الله عنهم- مع كتاب الله تعالى، وكيف كانوا على علمٍ جمّ بهذا القرآن العظيم، وممن يتلونه حق تلاوته، حتى قال الحبر ابن عباس رضي الله عنهما: لو أردتُ أنْ أمليَ وِقْر بعيرٍ، على الفاتحة، لفعلت. مقدمة البرهان في علوم القرآن (ص101).
كيف لا؟ وهم أهلُ القرآن، وأهل العلم بكتاب الله -تعالى- الذي لا تفنى عجائبه، ولا تنفد فوائده، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، وهو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم.
ومصطلح (تثوير القرآن) اختلفت عبارات أهل العلم في بيانه، وإنْ اتفقت معانيها، فقال ابن عطية: «وتثوير القرآن: مناقشته ومدارسته، والبحث فيه، وهو ما يعرف به». التفسير: (1/3)، ونقل القرطبي عن شَمِر قال: «تثوير القرآن: قراءته، ومُفاتَشة العلماء به». التفسير: (1/ 446).
وقال الغزالي إنه التفهُّم، وعبارته: «أنْ يستوضح كل آيةٍ ما يليق بها؛ إذْ القرآن مشتمل على ذكر صفات الله تعالى، وذكر أفعاله، وذكر أحوال أنبيائه -عليهم السلام-، وذكر أحوال المكذّبين، وكيف أُهلكوا؟ وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار ». الإحياء (1/282).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
ونقل الزركشي عن بعض العلماء أنَّ التثوير: «لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تَفْسِيرِ الظَّاهِرِ». البرهان (2/154)، ولو أضفنا لذلك ما في كلمة الإثارة، من التقليب والنظر في الوجوه، ومنه قوله تعالى: {وَأَثَارُواْ الأرض} الروم: 9. أي: حرثوها وقلبوها للزراعة، فالمرء لن يفقه القرآن حقّ الفقه، حتى يُقلب النظر في القرآن ووجوهه المختلفة.
فاجتمع عندنا من معاني المصطلح: أنَّ تثوير القرآن؛ ضَربٌ من ضروب التدبّر لكتاب الله الكريم، ويكون: بمدارسته وتقليب النظر فيه؛ وذلك أنّ القرآن كما قيل: كالمسكِ المختوم، إذا أثرتَه ونقَّبت فيه، فاحَ عطره، وانتشر شَذَاه؛ ولهذا قال السلف: «أثيروا القرآن».
وإثارته تكون أيضاً: بالاجتماع عليه، ومدارسته مع أهله، وتشقيق السؤال حول آياته.
وقد جاء الحثُّ على ذلك، كما في الحديث النبوي: «ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتابَ الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلتْ عليهم السَّكينة، وغَشِيتهم الرَّحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذَكرهم الله فيمَن عنده». رواه أحمد والبخاري.
فالاجتماع على مدارسة القرآن، وإثارة معانيه، واستخراج كنوزه، فيها الفوائد العظيمة، والفرائد العجيبة.
وما أقلّ هذه المجالس في أيامنا هذه!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-27, 07:39 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم
- استشعار مخاطبة الله للعبد من أعظم مايعين على التدبر
الشيخ.محمد الحمود النجدي
(22)
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الشورى: 52، فالقرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية، وهو المنَّة الكبرى،التي امتن بها على عباده، والنعمة العظمى في الدنيا، المتصلة بخير الآخرة، لا تفنى عجائبُه، ولا تعد ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ، العليم الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد، وهذه مجموعةمن القواعد المتعلقة بقارئ القرآن الكريم، لتمام الانتفاع بالقرآن وفهمه وتدبره:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
لابد أن نعلم أولاً: أن القلب هو محلّ تلقي الوحي، فلا يتم الانتفاع بالقرآن إلا بتهيئته لقبول الآيات، والانتفاع بالقرآن، كلام الله تعالى، وقد بيّن جل وعلا في أكثر من موضع، أن القلب هو موضع تنزل رسالات الله، كما قال سبحانه: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } البقرة: 97، وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} الشعراء: 193 – 194، ولقد كان من حكمة الله تعالى، أنْ هيأ الله عز وجل قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم مبكراً لتلقي الوحي، حيث شُق صدره وهو طفل دون التمييز في بادية بني سعد، وغُسل بماء زمزم، كما صحّ في الحديث، فمن أحبّ أن يقع التدبر موقعه من قلبه، فعليه أنْ يهيئ قلبه ويطهره، لتلقي القرآن العظيم، وهذا يكون بعدة أمور، أهمها:
اختيار الوقت المناسب للقراءة
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
ومن أفضلها ساعات الليل، فهو موضع الثناء المتكرر في القرآن على قُرّاء القرآن والقائمين به، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} الزمر: 9، وقال سبحانه: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} المزمل: 6، وقال سبحانه في مؤمني أهل الكتاب: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} آل عمران: 113.
ولابد من التنبه، إن هذه الميزة لا تتحقق إلا لمن أخذ ما يكفيه من النوم، إذْ لا يتصور التعقل والتدبر لمن كان يغالب عينيه النوم، ولهذا فإن من أحسن الأوقات للقراءة والتدبر وحفظ ما يرغبه الإنسان من العلم هو الوقت الذي يلي النوم الكافي، سواء في الليل أو النهار، فإذا كان هذا في الليل، فقد اجتمع في حقه الفضلان.
تَفريغُ القلب من الشَّواغل
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
تَفريغُ القلب من الشَّواغل والصَّوارف التي تَحُول دون التفكّر والتدبر، فلا ينتفع المسلم من قراءة القرآن، إذا كان قلبه مشغولاً بشيء، ومتعلقاً بأمر من الأمور، وإذا كان الإنسان يحتاج مثل هذا، في مقام القضاء بين الناس، ومقام الفتوى، ومقام تأمل كلام العلماء والفقهاء للفهم، فإنه في كتاب الله تعالى أعظم وأوضح وأجلى، فكل شيء لا يتم الانتفاع به، إلا بتحقق شروطه، وانتفاء موانعه، ومن ذلك: تدبر القرآن.
يقول الإمام ابن القيم رحمه في بيان ذلك: «إذا أردتَ الانتفاع بالقرآن ؛ فاجْمعْ قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به مَنْ تكلم به منه إليه، فإنه خطابٌ منه لك، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ق: 37، وذلك أنَّ تمام التأثير لما كان موقوفاً على: مؤثر مقتض، ومحلٍ قابل، وشرطٍ لحصول الأثر، وانتفاء المانعِ الذي يمنع منه، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجزِ لفظٍ وأبينه، وأَدَلِّه على المراد، فقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} إشارةٌ إلى ما تقدّمَ من أولِ السورةِ إلى ههنا، وهذا هو المؤثر.
وقوله: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فهذا هو المحلُّ القابلُ، والمرادُ به: القلب الحي الذي يعقلُ عن الله ؛ كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} يس: 469-70. أي: حيُّ القلب، وقوله: (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أي: وجَّه سمعَه، وأصغى حاسةَ سمعِهِ إلى ما يقالُ له، وهذا شرطُ التأثُّر بالكلام، وقوله: (وَهُوَ شَهِيدٌ) أي: شاهدُ القلبِ حاضرٌ غيرُ غائب.
قال ابن قتيبة: استمَعَ كتابَ اللهِ وهو شاهدُ القلبِ والفهم، ليسَ بغافلٍ ولا ساهٍ، وهو إشارةٌ إلى المانعِ من حصولِ التأثيرِ، وهو سهو القلبِ وغيبتُه عن تعقُّلِ ما يُقالُ له، والنظرِ فيه وتأمُّلِه، فإذا حصلَ المؤثِّرُ، وهو: القرآن، والمحل القابل، وهو: القلب الحي، ووجِدَ الشرطُ، وهو: الإصغاء.
وانتفى المانع، وهو: اشتغال القلب، وذهوله عن معنى الخطاب، وانصرافه عنه إلي شيء آخر ؛ حصل الأثر ؛ وهو الانتفاع والتذكُّر».
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
استشعار مخاطبة الله للعبد
أن يستشعر أنَّ اللهَ تعالى يُخاطبه به لا غيره، وأنه كلام الله تعالى، فإنَّ هذا مِن أعظم ما يُعين على تدبره وفهمه، وتعظيم هذا الخطاب الإلهي حقّ تعظيمه، يقول القرطبي مبنياً أهمية هذا المعنى، وذلك في مقدمة تفسيره (ص 4):
«فأول ذلك أنْ يستشعر المؤمن من فضل القرآن: أنه كلامُ رب العالمين، غير مخلوق، كلام من ليس كمثله شي، وصفةُ من ليس له شبيهٌ ولا ندّ، فهو من نور ذاته جلَّ وعزّ...، قال: ولولا أنّه سبحانه جعل في قلوب عباده من القوة على حَمْله ما جعله، ليتدبّروه وليعتبروا به، وليتذكَّروا ما فيه من طاعته وعبادته، وأداءِ حقوقه وفرائضه، لضعفتْ ولاندكتْ بثقله، أو تَضَعْضعت له وأنَّى تطيقه، وهو يقول تعالى جَده، وقوله الحق: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} الحشر: 21، فأين قوةُ القلوب من قوة الجبال؟! ولكن الله تعالى رزق عبادَه من القوة على حمله، ما شاء أنْ يرزقهم، فضلاً منه ورحمة...».
فالعناية بالشيء، والاهتمام له، والحفاوة به، فرعٌ عن معرفة قيمته وفضله، فمّنْ لم يعرف فضل القرآن الكريم، ولم يقرَّ في قلبه تعظيم القرآن، وأنَّه هو أصل الهدى والصلاح والسعادة، والشفاء والرحمة، وأنه لا حياة القلوب إلا به، ولم يستشعر عظيم مِنّة الله تعالى ونعمته بإنزاله على عباده ؛ لا يمكن أنْ يقع تدبره على الوجه المطلوب والمرضي، ولأجل هذا تتابعت كلمات السلف رحمهم الله في بيان منزلة هذا القرآن الكريم، وصنّف العلماء والمحدّثون في «فضائل القرآن «كتباً كثيرة، ومن المفسرين من ضمّن مقدمة تفسيره بياناً لذلك، تنويهاً بأهمية هذا الكتاب العظيم.
مراعاة الآداب الشرعية
استعمالُ الآداب الشَّرعية عند قراءةِ القرآن: وذلك بالاستعاذة والبسملة أولاً، مع تعقّل معناهما، واستحضار بركتهما، وذلك لأنَّ من أهم ما يحرص عليه الشيطان وأولياؤه ؛ صَرفُ القارئ عن القرآن، فإنْ عجزوا فبالتشويش عليه، والوسوسة، ولهذا أمر الله تعالى بالاستعاذة عند قراءة القرآن، فقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} النحل: 98- 99، ووردت السُّنة النبوية، بالبدء بالبسملة في أول السورة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-28, 11:31 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
حال السلف مع القرآن في رمضان
أحمد عرفة
(23)
هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويُسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً يتصدع...
التصنيفات: ملفات شهر رمضان والعشر الأواخر -
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
أيها الأخوة الأحباب: شرف الله عز وجل شهر رمضان المبارك بنزول القرآن الكريم فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، فما أحوجنا إلى أن نعود إلى القرآن في شهر رمضان، فلا عز لنا ولا كرامة ولا رفعة في الدنيا والآخرة إلا من خلال التمسك بالقرآن الكريم حفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً كي نسعد في الدنيا والآخرة، ونسود العالم بأسره كما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح رضي الله عنهم تحققت لهم السيادة والعزة والكرامة عندما أخذوا القرآن الكريم منهج حياة، منهذا المنطلق أكتب هذه المقالة المتواضعة حول السلف الصالح رضي الله عنهم مع القرآن الكريم في رمضان شهر القرآن: قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185]
والقرآن هو كتاب هذه الأمة الخالد، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، فأنشأها هذه النشأة، وبدلها من خوفها أمناً، ومكن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة، ولم تكن من قبل شيئاً، وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء، فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان». وعن ابن عباس، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة"، قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كان ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6]، وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنه أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في ليلة القدر، ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1]، وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدخان:3].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
انظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن الكريم في رمضان: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان قال: فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل، فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة"، وقد روي عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له: لو نفلتنا بقية ليلتنا؟ فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته»، وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل ونصفه يكتب به قيام ليلة لكن مع الإمام، وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث ويصلي مع الإمام حتى ينصرف، ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام.
وقال بعض السلف: "من قام نصف الليل فقد قام الليل"، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين».
حال السلف مع القرآن في رمضان:
وانظر كيف كان حال السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم مع القرآن الكريم إذا دخل رمضان: كان قتادة رضي الله عنه: يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: "فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام"، وقال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامت، وقال سفيان: "كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه".
علو الهمة عند السلف في تلاوة القرآن وختمه أكثر من مرة بصور عجيبة:
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها"، كان الأسود بن يزيد: يقرأ في كل ليلتين في رمضان، وكان إبراهيم النخعي: يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث، وكان قتادة: يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه، ثم قال الإمام ابن رجب رحمه الله بعد ذكر هذه الآثار: وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أوفي الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره، وعن محمد بن مسعر قال: "كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن"، وعن ابن وهب: "قيل لأخت مالك: ما كان شغل مالك في بيته؟ قالت: المصحف، والتلاوة"، وقال عمرو بن علي: "كان يحيى بن سعيد القطان يختم القرآن كل يوم وليلة يدعو لألف إنسان، ثم يخرج بعد العصر فيحدث الناس". وقال البغوي: أخبرت عن جدي أحمد بن منيع رحمه الله أنه قال: "أنا من نحو أربعين سنة أختم في كل ثلاث"، وعن مسبح بن سعيد قال: "كان محمد بن إسماعيل يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة"، وقال سليمان بن يسار رحمه الله: "قام عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد العشاء فقرأ القرآن كله في ركعة لم يصل قبلها ولا بعدها". وعن ابن سيرين: أن تميماً الداري كان يقرأ القرآن في ركعة،وعن الحارث بن يزيد: أن سليم بن عتر كان يقرأ القرآن في كل ليلة ثلاث مرات، وقال ابن شوذب: "كان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف نظراً، ويقوم به الليل".
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
الإمام حمزة بن حبيب الزيات، القيم بكتاب الله، العابد الخاشع، القانت لله يقول: :"نظرت في المصحف حتى خشيت أن يذهب بصري"، قال يحيى اليماني: "لما حضرت الوفاة أبا بكر بن عياش بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة". وثابت البناني قال عنه شعبة: "كان ثابت يقرأ القرآن في يوم وليلة، ويصوم الدهر"، وقال أسد بن الفرات: "كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين قال: فنزل بي حين جئت إليه عن ختمة، رغبة في إحياء العلم"، الإمام أبو حنيفة رحمه الله: كان يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، وفي رمضان في كل يوم مرتين، مرة في النهار ومرة في الليل، أبو العباس بن عطاء: له في كل يوم ختمة، وفي شهر رمضان كل يوم وليلة ثلاث ختمات، الحافظ بن عساكر: كان يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم. وكان كثير النوافل والأذكار، ويحاسب نفسه على كل لحظة تذهب في غير طاعة، الإمام البخاري رحمه الله: كان يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة، أما إمام أهل السنة أحمد بن حنبل فقد قال عنه جعفر ابن أب هاشم: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: ختمت القرآن في يوم، فعددت موضع الصبر، فإذا هو نيف وتسعون". وقال الإمام علي بن المديني شيخ البخاري: "حفر شبر الحافي قبره، وختم فيه القرآن وكان ورده ثلث القرآن".
شيخ الإسلام الحافظ الناقد أبو بكر بن محمد بن محمد تقي الدين البلاطنسي: كان يختم في رمضان في كل ليلة ختمتين، وأكب في آخر عمره على التلاوة فكان لا يأتيه الطلبة لقراءة الدرس إلا وجدوه يقرأ القرآن، والشيخ الفاضل محمد بن علاء شمس الدين البابلي القاهري الشافعي: كان كثير العبادة يواظب على قراءة القرآن سراً وجهراً، وكان راتبه في كل يوم وليلة نصف القرآن ويختم يوم الجمعة ختمة كاملة، وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن، محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي أبو عبد الله الحلفاوي التونسي نزيل غرناطة يعرف بابن المؤذن: كان صاحب مقامات وكرامات، حسن الصلاة جداً، وكان يختم في رمضان مائة ختمة، وعقد الإمام النووي رحمه الله في كتابه القيم: (التبيان في آداب حملة القرآن) فصلاً في موقف السلف مع القرآن الكريم جاء فيه: "ينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة وعن بعضهم في كل شهر ختمة، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال وعن الأكثرينفي كل سبع ليال، وعن بعضهم في كل ست، وعن بعضهم في كل خمس، وعن بعضهم في كل أربع، وعن كثيرين في كل ثلاث، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، ومنهم من كان يختم ثلاثاً وختم بعضهم ثمان ختمات أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار، فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون، ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه، وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات، وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
وانظر إلى هذا الخبر العجيب بعضهم ختم ثماني مرات في اليوم والليلة، قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب رضي الله عنه يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة، وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زادان من عباد التابعين رضي الله عنه أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وروى أبو داود بإسناده الصحيح: أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء، وعن منصور قال: "كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضانط، وعن إبراهيم بن سعد قال: "كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن"، ثم يقول الإمام النووي رحمه الله: "وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم، فمن المتقدمين عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم ختمة في كل ركعة في الكعبة، وأما الذين ختموافي الأسبوع مرة: فكثيرون. نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله"، ثم يقول الإمام النووي رحمه الله بعد ذكر هذه الآثار: "والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة".
قال كعب: "ينادي يوم القيامة مناد بأن كل حارث يعطى بحرثه، ويزاد غير أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب، ويشفعان له أيضا عند الله عز وجل"، كما في المسند عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقيام يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار، ويقول بالقرآن: منعته النوم بالنهار فشفعني فيه فيشفعان»، قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواءكان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أو لا يختص به كشهوة فضول الكلام المحرم، والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته، فأما من ضيّع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضيّعك الله كما ضيّعتني"، كما ورد مثل ذلك في الصلاة، وقال بعض السلف: "إذا احتضر المؤمن يقال للملك: شمّ رأسه، قال: أجد في رأسه القرآن، فيقال شمّ قلبه، فيقول: أجد في قلبه الصيام، فيقال: شمّ قدميه فيقول: أجد في قدميه القيام، فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عز وجل".
وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون"، وقال محمد بن كعب: "كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة لونه يشير إلى سهره وطول تهجده"، وقال وهيب بن الورد: "قيل لرجل ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي"، وقال أحمد بن الحواري: "إني لأقرأ القرآن وانظر في آية فيحير عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحاً بما رزقوا"، وأنشد ذو النون المصريّ:
منع القرآن بوعده ووعيده *** مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك الكريم كلامه *** فهماً تذل له الرقاب وتخضع
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
يا إخوتاه: هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع وهذا كتاب الله يتلى فيه بينأظهركم ويُسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع، وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أفمالنا فيهم أسوة؟ ما بيننا وبين حال الصفا أبعد مما بين الصفا والمروة، كلما حسنت منا الأقوال ساءت الأعمال.
يا نفس فاز الصالحون بالتقى *** وأبصروا الحق وقلبي قد عمي
يا حسنهم والليل قد جنهم *** ونورهم يفوق نور الأنجم
ترنموا بالذكر في ليلهم *** فعيشهم قد طاب بالترنم
قلوبهم للذكر قد تفرغت *** دموعهم كلؤلؤ منتظم
أسحارهم بهم لهم قد أشرقت *** وخلع الغفران خير القسم
ويحك يا نفس ألا تيقظ *** ينفع قبل أن تزل قدمي
مضى الزمان في ثوان وهوى *** فاستدركي ما قد بقى واغتنمي
فما أحوجنا أيها الأخوة الأحباب لاغتنام هذا الشهر الكريم في القرآن الكريم قراءة وحفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً حتى نسعد في الدنيا والآخرة وفقنا الله تعالى وإياكم لما يحبه ويرضاه وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه ولى ذلك والقادر عليه، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-29, 07:03 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
في فضل تلاوة القرءان و انواعها
فضيلة الشيخ ابن عثيمين
(24)
* الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الموفِّق من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، يَشتملُ على مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه، صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ أفْضل أصحَابه، وعَلَى عُمر الَّذِي أعَزَّ الله بِهِ الدِّيْنَ واسْتَقَامَتِ الدُّنْيَا بِهِ، وَعَلَى عثمانَ شهيدِ دارِهِ ومِحْرَابِه، وعَلى عليٍّ المشهورِ بحَلِّ المُشْكِلِ من العلوم وكَشْفِ نِقابه، وَعَلَى آلِهِ وأصحابه ومنْ كان أوْلَى بِهِ، وسلَّمَ تسليماً.
* إخواني: قالَ الله تَعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 29، 30].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
* تِلاوةُ كتَابِ اللهِ عَلَى نوعين:
- النوع الأول : تلاوةٌ حكميَّةٌ وهي تَصْدِيقُ أخبارِه وتَنْفيذُ أحْكَامِهِ بِفِعْلِ أوامِرِهِ واجتناب نواهيه. وسيأتي الكلام عليها في فضل تلاوة القرآن وأنواعهافي مجلس آخر إن شاء الله.
- والنوعُ الثاني: تلاوة لفظَّيةٌ، وهي قراءتُه. وقد جاءت النصوصُ الكثيرة في فضْلِها إما في جميع القرآنِ وإمَّا في سُورٍ أوْ آياتٍ مُعَينَةٍ منه، ففِي صحيح البخاريِّ عن عثمانَ بن عفانَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ: « خَيرُكُم مَنْ تعَلَّمَ القُرآنَ وعَلَّمَه »، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: « الماهرُ بالقرآن مع السَّفرةِ الكرامِ البررة، والذي يقرأ القرآنَ ويتتعتعُ فيه وهو عليه شاقٌّ له أجرانِ ». والأجرانِ أحدُهُما على التلاوةِ والثَّاني على مَشقَّتِها على القارأ.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
- وفي الصحيحين أيضاً عن أبي موسى الأشْعَريِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلّم قالَ: « مثلُ المؤمنِ الَّذِي يقرأ القرآنَ مَثَلُ الأتْرُجَّةِ ريحُها طيبٌ وطعمُها طيّبٌ، ومثَلُ المؤمِن الَّذِي لاَ يقرَأ القرآنَ كمثلِ التمرة لا ريحَ لها وطعمُها حلوٌ »، وفي صحيح مسلم عن أبي أمَامةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: « اقْرَؤوا القُرآنَ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعاً لأصحابهِ ». وفي صحيح مسلم أيضاً عن عقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ: « أفلا يغْدو أحَدُكمْ إلى المسجدِ فَيَتعلَّم أو فيقْرَأ آيتينِ منْ كتاب الله عزَّ وجَلَّ خَيرٌ لَهُ مِنْ ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاثٍ، وأربعٌ خير له مِنْ أربَع ومنْ أعْدادهنَّ من الإِبِلِ ».
- وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قَالَ: « ما اجْتمَعَ قومٌ في بيتٍ مِنْ بُيوتِ اللهِ يَتْلُونَ كتابَ الله ويَتدارسونَهُ بَيْنَهُم إلاَّ نَزَلَتْ عليهمُ السكِينةُ وغَشِيْتهُمُ الرحمةُ وحفَّتهمُ الملائكةُ وَذَكَرَهُمْ الله فيِمَنْ عنده ». وقال صلى الله عليه وسلّم: « تعاهَدُوا القرآنَ فوالذي نَفْسِي بيده لَهُو أشدُّ تَفلُّتاً من الإِبلِ في عُقُلِها »، متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلّم: « لا يقُلْ أحْدُكم نَسيَتُ آية كَيْتَ وكيْتَ بل هو نُسِّيَ »، رواه مسلم. وذلك أنَّ قولَه نَسيتُ قَدْ يُشْعِرُ بعدمِ المُبَالاةِ بِمَا حَفظَ من القُرْآنِ حتى نَسيَه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
- وعن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: « من قَرأ حرفاً من كتاب الله فَلَهُ به حَسَنَةٌ، والحسنَةُ بعشْر أمْثالها، لا أقُول الم حرفٌ ولكن ألفٌ حرفٌ ولاَمٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ »، رواه الترمذي.
وعنه رضي الله عنه أيضاً أنَّه قالَ: « إنَّ هذا القرآنَ مأدُبةُ اللهِ فاقبلوا مأدُبَتَه ما استطعتمُ، إنَّ هذا القرآن حبلُ اللهِ المتينُ والنورُ المبينُ، والشفاءُ النافعُ، عصمة لِمَنْ تمسَّكَ بِهِ ونجاةٌ لِمَنْ اتَّبعَهُ، لا يزيغُ فَيُستَعْتَب، ولا يعوَجُّ فيقوَّمُ، ولا تنقضي عجائبه، ولا يَخْلَقُ من كثرةِ التَّرْدَادَ، اتلُوه فإنَّ الله يَأجُرُكُم على تلاوتِهِ كلَّ حرفٍ عشْرَ حسناتٍ. أمَا إني لا أقولُ الم حرفٌ ولكِنْ ألِفٌ حرفٌ ولاَمٌ حرفٌ وميم حرفٌ » رواه الحاكِم.
* إخواني: هذه فضائِل قِراءةِ القُرآنِ، وهذا أجْرُه لمن احتسب الأجرَ مِنَ الله والرِّضوان، أجورٌ كبيرةٌ لأعمالٍ يسيرةٍ، فالمَغْبونُ منْ فرَّط فيه، والخاسرُ مَنْ فاتَه الرِبْحُ حين لا يمكنُ تَلافِيه، وهذه الفضائلُ شاملةٌ لجميع القرآنِ. وَقَدْ وردت السُّنَّةُ بفضائل سُورٍ معينةٍ مخصصةٍ فمن تلك السور سورةُ الفاتحة. ففي صحيح البخاري عن أبي سَعيدِ بن المُعلَّى رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال له: «لأعُلِّمنَّك أعْظَم سورةٍ في القرآن { الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ }هي السَّبعُ المَثَانِي والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيْتُه »، ومن أجل فضيلتِها كانت قراءتُها ركْناً في الصلاةِ لا تصحُّ الصلاةُ إلاَّ بها، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: « لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب »، متفق عليه. وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: « مَنْ صلَّى صلاةً لمْ يقرأ فيها بفاتحةِ الكتاب فهي خِدَاجٌ يقولها ثلاثاً »، فقيل لأبي هريرة إنا نكون وراءَ الإِمام فقال اقْرأَ بِها في نَفْسكَ. الحديث، رواه مسلم.
- ومن السور المعيَّنَة سورةُ البقرة وآل عمران قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « اقرؤوا الزهراوين البقرةُ وآل عمران فإنهما يأتيان يومَ القيامةِ كأنَّهُمَا غَمامتان أو غَيَايتان أو كأنهما فِرْقَانِ مِنْ طيرٍ صوافَّ تُحاجَّانِ عن أصحابهما اقرؤوا سُورَة البقرةِ فإنَّ أخْذَها بَرَكةٌ وتَرْكَها حسرةٌ لا يستطيعها البَطَلَةُ » يعني السحرة، رواه مسلم. وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: « إنَّ البيتَ الَّذِي تُقرأُ فيه سورة البقرةِ لا يَدْخله الشَّيطانُ »، رواه مسلم. وَذَلِكَ لأنَّ فيها آية الكرسيِّ. وقد صحَّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلّم أن من قرأها في لَيْلَةٍ لم يَزَلْ عليه مِنَ الله حافظٌ ولا يَقربُه شيطانٌ حتى يُصْبحَ.
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ جبْريلَ قالَ وهُو عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم: هذا بابٌ قد فُتِحَ من السَّماءِ ما فُتحَ قَطُّ، قال: فنزلَ منْه مَلكٌ فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فقال: « أبْشرْ بنورَيْن قد أوتيتهما لم يؤتهُمَا نبيُّ قَبْلَك فاتِحةُ الكتابِ وخواتيمُ سورةِ البقرةِ لن تقْرَأ بحرفٍ منهما إلاَّ أوتِيتَهُ »، رواه مسلم.
- ومن السُّورِ المعينةِ في الفضيلةِ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإِخلاص: 1] ففي صحيح البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قالَ فيها: « والَّذِي نفْسي بيده إنَّها تعدلُ ثُلُثَ القرآنِ »، وليس معنى كونِها تعدلُه في الفضيلـةِ أنَّها تُجْزِأ عنه. لذَلِكَ لو قَرَأهَا في الصلاةِ ثلاثَ مراتٍ لم تُجْزئه عن الفاتحةِ. ولا يَلْزَم من كونِ الشيءِ معادلاً لغيرهِ في الفضيلةِ أنْ يُجزأ عنه، ففي الصحيحين عن أبي أيُّوبَ الأنصارِي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: « مَنْ قالَ لا إِله إلاَّ الله وحده لا شريك له الُملْكُ وله الحمدُ عَشْرَ مرَّاتٍ كان كمَن أعتقَ أربعةَ أنفُسٍ من ولدِ إسْماعيلَ » ومع ذلك فلو كان عليه أربعُ رقاب كفارة فقال هذا الذكر لم يجزئه عن هذه الرقاب وإن كان يعادلها في الفضيلة.
- ومن السُّور المعيَّنةِ في الفضيلةِ سُورتَا المُعوِّذَتَين { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }، فعن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: « ألمْ تَر آيَاتٍ أُنْزِلَت الليلةَ لمْ يُرَ مثْلُهُنَّ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }»، رواه مسلم. وللنَّسائي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم أمرَ عُقبَةَ أنْ يقرأ بهما ثم قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « ما سَأَلَ سائِل بمثلهما ولا اسْتَعَاذَ مُسْتِعيذٌ بمثلهما ».
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
- فاجْتهدوا إخواني في كثرةِ قراءةِ القرآنِ المباركِ لا سيَّما في هذا الشهرِ الَّذِي أنْزل فيه فإنَّ لكثْرة القراءةِ فيه مزيَّةً خاصةً. كان جبريلُ يُعارضُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم القُرْآنَ في رمضانَ كلَّ سنةٍ مرّةً. فَلَمَّا كان العامُ الَّذي تُوُفِّي فيه عارضَه مرَّتين تأكيداً وتثبيتاً. وكان السَّلفُ الصالحُ رضي الله عنهم يُكثِرون من تلاوةِ القرآنِ في رمضانَ في الصلاةِ وغيرها. كان الزُّهْرِيُّ رحمه الله إذا دخلَ رمضانُ يقول إنما هو تلاوةُ القرآنِ وإطْعَامُ الطَّعامِ. وكان مالكٌ رحمه الله إذا دخلَ رمضانُ تركَ قراءةَ الحديثِ وَمَجَالسَ العلمِ وأقبَل على قراءةِ القرآنِ من المصْحف. وكان قتادةُ رحمه الله يخْتِم القرآنَ في كلِّ سبعِ ليالٍ دائماً وفي رمضانَ في كلِّ ثلاثٍ وفي العشْرِ الأخير منه في كلِّ ليلةٍ. وكان إبراهيمُ النَخعِيُّ رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كلِّ ثلاثِ ليالٍ وفي العشر الأواخِرِ في كلِّ ليلتينِ. وكان الأسْودُ رحمه الله يقرأ القرآنَ كلَّه في ليلتين في جميع الشَّهر.
- فاقْتدُوا رحمَكُمُ الله بهؤلاء الأخْيار، واتَّبعوا طريقهم تلحقوا بالْبرَرَةِ الأطهار، واغْتَنموا ساعات اللَّيلِ والنهار، بما يُقرِّبُكمْ إلى العزيز الغَفَّار، فإنَّ الأعمارَ تُطوى سريعاً، والأوقاتَ تمْضِي جميعاً وكأنها ساعة من نَهار.
اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوةَ كتابِكَ على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين.
اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
من كتاب مجالس رمضان لفضيلة الشيخ العلامة محمد ابن صالح العثيمين رحمه الله رحمة واسعة و اسكنه فسيح جناته.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-30, 07:32 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
هل تلاوة القرآن مخصوصة بنهار رمضان؟
(25)
الحمد لله وبعد:
حين تصلي الفجر في رمضان فإنك تجد بعض الموفقين ينشرون مصاحفهم ويتلون كتاب الله بقدر ما ييسر الله لهم، وهكذا حين تصلي الظهر تجد فئاماً يقرؤون شيئاً من القرآن، وهكذا -أيضاً- بعد صلاة العصر يدوّي المسجد في جمال أخاذ بأصوات الناس متنافسين في ختمات القرآن.
لكن ما إن يخيم مساء رمضان إلا وتجد المصاحف قد طويت، وأصوات القرآن قد انطفأت، حتى ظن كثير من الناس أن فضيلة تلاوة القرآن مخصوصة بـ(نهار رمضان) فقط، بل أعرف بعض الأخيار يجعل التلاوة في ليل رمضان لقضاء ما فاته من ورده بالنهار فقط، فكأنه يجعل ليل رمضان وقت (قضاء التلاوة الفائتة) لا وقت (أداء)! ولا يخطر بباله أن ليالي رمضان وقت فاضل لتلاوة القرآن! وما تفسير هذه الظاهرة؟ يبدو لي أن هناك ارتباطاً ذهنياً وقع بشكل خاطئ، فنحن نسمع عن فضل تلاوة القرآن في رمضان، وأشهر خصائص رمضان هو الصيام، فارتبط في ذهن البعض أن تلاوة القرآن تكون في نهار رمضان أثناء الصيام فقط!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وهذا الارتباط الذهني ارتباط غير دقيق، فإن ليالي رمضان أشرف من نهاره، والنصوص التي ظهر فيها اختصاص رمضان بالقرآن كان ظرفها الزمني هو ليالي رمضان، لا نهار رمضان، وسأذكر شيئاً من هذه الشواهد.
أخبرنا الله سبحانه بالوقت المحدد الذي نزل فيه القرآن، أي نزل إلى السماء الدنيا ثم نزل على رسول الله منجّما بحسب الوقائع كما في الأثر المشهور عن ابن عباس، وقد جاء هذا الخبر عن الساعات المحددة لنزول القرآن في آيتين من كتاب الله، حيث يقول الله {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1]، ويقول سبحانه {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان:3].
وليلة القدر هي الليلة المباركة وهي من ليالي رمضان، لا من نهاره، وإذا تساءل المتدبر: لماذا اختار الله (ليل) رمضان ظرفاً زمانياً لنزول القرآن، ولم يختر (النهار)؟ أدرك شرف ليل رمضان، وأن ثمة ارتباطاً بين القرآن وليالي رمضان، وأن ليالي رمضان أليق بالقرآن وأنسب له من النهار، ولذا اختار الله ليل رمضان لنزول القرآن.
ومن أعظم أعمال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان كل سنة هو أن يدارس القرآن مع جبريل عليه السلام، فما هو الوقت الذي اختاره الله لهما ليتدارسا القرآن؟ هذا الوقت لمدارسة القرآن بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل لم يكن نهار رمضان، بل كان ليل رمضان، كما روى البخاري عن ابن عباس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن" (البخاري:3220)
لاحظ ها هنا أن الوقت الذي اختاره الله لهما لمدارسة القرآن هو كل "ليلة رمضانية"، فلم يكن في بعض الأيام بالنهار مثلاً، بل الوقت محدد كل ليلة: "وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن"، ولاحظ أيضاً أن هذا الوقت اختاره الله سبحانه وتعالى، وليس مجرد توافق بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل، ولا يختار الله سبحانه زمناً معيناً إلا طبقاً لحكمته العظيمة سبحانه وتعالى.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وقد يتساءل البعض: قد يكون هذا الوقت مجرد توافق بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل، وليس توقيفاً إلهياً؟ وهذا احتمال غير دقيق، لأن الله تعالى قال عن الملائكة: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم:64]، فبيّن تعالى أن وقت تنزّل الملائكة إنما يكون بتوجيه إلهي، كما روى البخاري عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «ألا تزورنا أكثر مما تزورنا؟»، قال فنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَظ°لِكَ} (البخاري:3218).
والمراد أن هذا الوقت الذي يتدارس فيه جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل (ليلة) إنما هو اختيار إلهي للوقت، وهذا يحفز المتدبر لتأمل أسرار الاختيار الإلهي لهذا الوقت، وكون الليل أشرف أوقات اليوم لتدارس القرآن، وهذه الدلالة العظيمة على شرف الليل للقرآن في حديث مدارسة النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل، نبّه عليها عدد من أهل العلم، ومنهم عابد المحدثين الإمام ابن رجب حيث يقول: "وفي حديث ابن عباس: (أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً)، فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً}" (ابن رجب، لطائف المعارف، دار ابن كثير، تحقيق السواس، ص315).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
وتلاحظ أن ابن رجب في هذا النص استنبط من كون المدارسة (النبوية الجبرائيلية) في ليل رمضان على: "استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً" كما يقول رحمه الله، وقريب من هذا المعنى لكن باستنباط فيه قدر زائد على ما سبق يقول ابن حجر عن هذا الحديث: "وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاءًا، فيقرأ كل ليلة جزءاً في جزء من الليلة، والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة، ومن راحة بدن، ومن تعاهد أهل" (ابن حجر، فتح الباري:9/45)، واضح أن ابن حجر ها هنا يؤكد معنى أكثر عمومية، وهو أن : "ليل رمضان أفضل من نهاره" كما يقول رحمه الله.
وفي رسالة مطبوعة للإمام ابن باز تغمده الله برحمته بعنوان (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) تحدث فيها عن فوائد حديث ابن عباس في المدارسة (النبوية الجبرائيلية) فكان مما ذكره: "وفيه فائدة أخرى: وهي أن المدارسة في الليل أفضل من النهار، لأن هذه المدارسة كانت في الليل، ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهارًا" (ابن باز، الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح،ص13)
ومن الشواهد على شرف ليل رمضان ومناسبته للقرآن أن أهل العلم ذكروا أن من غايات تشريع التراويح كما يقول الإمام ابن تيمية: "وأما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة المسلمين، بل من أجل مقصود التراويح قراءة القرآن فيها ليسمع المسلمون كلام الله" (ابن تيمية، الفتاوى:23/122).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
فإذا لاحظ المتأمل أن صلاة التراويح من مقاصدها سماع المسلمين للقرآن، واستحضر أن صلاة التراويح صلاة ليلية أصلاً؛ استبان له تزامن جديد بين ليل رمضان والقرآن، وربما يتساءل البعض: وهل هناك وقت في الليل لتلاوة القرآن؟ والحقيقة أن هناك أوقاتاً كثيرةً، منها التقدم للمسجد مبكراً في صلوات الفريضة الليلية وتلاوة القرآن لتحقيق هذا الفضل وهو تلاوة القرآن في ليالي رمضان.
ومنها: الوقت الذي يلي تناول وجبة العشاء وحتى إقامة صلاة العشاء، فإنه وقت مهدور عند كثير من الناس، أو يصرفه البعض في مشاهدة المسلسلات المشينة التي تقدح في روحانية الشهر، فلو تقدم إلى المسجد وصرف هذا الوقت في تلاوة القرآن لحقق مكتسبات عظيمة من أهمها استثمار شرف الليالي القرآنية بتلاوة القرآن فيها.
ومن أهم الأوقات لحظات الأسحار، إما قبل وجبة السحور أو بعدها، وللقرآن في الأسحار هيبة وسكون لا يوصف..
ولا يفوت القارئ الكريم أن المقصود من هذه المقالة ليس التزهيد في تلاوة القرآن في نهار رمضان -معاذ الله- ولكن التنبيه إلى وقت شريف للقرآن وهو ليالي رمضان يفوتنا استثماره إلا من وفّق الله، فالهدف أن نزيد تلاوتنا في الليل والنهار، وليس المقصود أن نستبدل زمناً بآخر.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-05-31, 07:45 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
نحو علاقة أمثل بالقرآن في شهر رمضان
الكاتب: عمرو الشرقاوي.
(26)
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على نبيه عبده، وآله وصحبه من بعده، وبعد:
- كان الفضيل بن عياض شاطرًا (سارقًا) يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد من الآية:16]. فلما سمعها، قال: "بلى يا رب، قد آن!".
فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة (قوم يمرون من هذا الطريق)، فقال بعضهم: "نرحل"، وقال بعضهم: "حتى نصبح، فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا".
قال: ففكرت، وقلت: "أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام".
هذه قصة توبة بسبب آية من كتاب الله، وبداية لفتح علاقة جديدة مع القرآن امتدت مع الفضيل بن عياض حتى مات، بل وورثها ولده قتيل القرآن علي بن الفضيل!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
- إن القرآن هو كلام الله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز.
إن القرآن يستمد مجده، وعلو شأنه ورفعته، من عظمة وجلال من تكلم به، وهو الله سبحانه وتعالى.
ولا يليق بنا أن نبتعد عن مصدر الهدى والمجد كتاب الله ذي الذكر، فلا بد أن نتصالح مع القرآن، إننا حينما نُعلن هذا التصالح، ونسير في الطريق إليه، فنحن حقًا نسير في طريق إعادة التوازن والسكينة إلى الروح التي تسكن الأجساد!، وهذا أول طريق الإصلاح.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
- وأول طريق التصالح مع القرآن أن تتحايل على نفسك بالإكثار من تلاوة القرآن، تلاوة لا كالتلاوات السابقة، تلاوة لا تنتظر فيها موعدًا، تلاوة لا تنشغل فيها بغير القرآن، إن القرآن كتاب عزيز لا بد أن تعطيه أنفس ما تملك من أوقات، فأقبل عليه وإياك أن تبخل، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه!
ولا بد أن تتخير أوقات التلاوة، وأجلها وقت اجتماع القلب!
- إن لحزب الليل، وترتيل الكتاب في وقت اجتماع القلب= لقصة أخرى. إن مما نعانيه من هذه المادية الطاغية قلب حقائق الكون، إن الليل ليل، والنهار نهار، فلتخلُ أيها السالك بكتاب ربك في ظلمة الليل، ولتقرأ ما تحفظه، ولتُثَوِّر القرآن، لتكن من الأمة القائمة التي تتلو كتاب ربها آناء الليل، فتسجد لمن هذا الكلام كلامه، فتقترب!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/20.jpg
- وثاني الطرق للتصالح، فهم القرآن، إن الإنسان لن يلتذ بكلام لا يفهم معانيه، ولذا حث الله تعالى على تفهم القرآن، وإدراك حقائقه، ولا شك أن القلوب الحية تجري في مضمار المعاني القرآنية.. والقلوب المُكَبّلة بالخطايا ما زالت تزحف في الخطوط الأولى!
ولكن... لا تيأس...
مهما استمعتَ إلى القرآن أو قرأتَه فأنتَ آخذ في الاهتداءِ بتنقية المحل، وتبديد ظلمته واستبدال النور به، وتخليته من الران الذي أكسبتَه إياه بنفسك!
حتى إذا نقَّيتَ المحل وطهّرتَه؛ كان الاهتداء بالقرآن بزيادة نور القلب، فيحصل التلذذ التام بحصول النور التام، ويحصل الاهتداء التام بعد زوال أثر المعصية زوالا تامًّا!
لكن أكثر الناس لا يعي أنه بحاجة إلى مجاهدة طويلة وصبر حتى يزيل أثر الغفلة والذنب من قلبه، ثم يستمتع بالقرآن والصلاة!
والفقيه حقًّا من يعي ذلك، ثم يجاهد نفسه لإصلاح المحل، وتنقيته، مهما طال به الزمان.
فاحرص أن تفقه القرآن، ولو عبر كتاب مختصر من كتب التفسير، لتكون من أولي الألباب.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/20.jpg
- ومن طرق التصالح مع القرآن أن تعقد مع من تحب مجالس المدارسة، تلك المجالس التي يجلس فيها المتدارسون لينهلوا من فيض النور الذي يتلى في المكان، «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُون َهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» (صحيح مسلم [2699]).
وفي هذه المجالس تظهر حقائق القرآن، ومن لم يكابد حقائق القرآن لهيبًا= يحرِّق باطن الإثم من نفسه، فلا حَظَ له من نوره!
- إننا نحتاج إلى شباب يستجيبون لنداء الله، ويسلكون مسلك رسول الله، فيدخلوا في ابتلاءات القرآن المجيد؛ تخلقًا بأخلاقه، وتحققً بمنهاجه، وتلقيًا لرسالاته، ثم بلاغها إلى سواد الأمة عبر مجالس القرآن ومدارساته، تدبرًا وتفكرًا!
وأخيرًا، نحن في شهر القرآن، فيه أُنزل، وفيه كان جبريل يدارس القرآن مع من أُنزل إليه عليه الصلاة والسلام، وفيه صلاة يتلى فيها القرآن، باختصار {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىظ° وَالْفُرْقَانِ} [البقرة من الآية:185]، فلنبدأ صحبة جديدة مع القرآن في شهر رمضان عسى أن نكون من أهله الذين هم أهل الله وخاصته.
واعلم.. أن للقرآن أسرارًا.. لا تظهر إلا بطول المصاحبة، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت من الآية:41]!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-06-01, 08:49 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
لماذا لا نتأثر بقرآن رمضان؟
خالد بهاء الدين
(27)
الحمد لله وحده..
لماذا لا تلتذ وتتأثر بقرآن رمضان؟!
وهل التأثر به هو البكاء لصوت القارئ؟!
القرآن هدًى كله، وهو كلّ الهدى.
ومن صفات ما كان كذلك: أنه بذاته مؤثّر في السامع "غير المعاند ولا المستكبر"، ولا يشترط في ذلك طهارة القلب من كل آفة!
ولو كان يشترط للتأثر بالقرآن طهارةُ القلب من كل آفة؛ لما كان القرآن هو الهادي الشافي!
ولكان في القول بذلك قول بالدور السبقي العدمي المستحيل، فحقيقته: القول باشتراط طهارة القلب قبل استماع القرآن؛ واشتراط استماع القرآن قبل طهارة القلب!
فلماذا لا تتأثر إذن بقرآن رمضان، في وِرد القراءة والصلاة؟
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
هذا فرض محال!
مهما استمعتَ إلى القرآن أو قرأتَه فأنتَ آخذ في الاهتداءِ بتنقية المحل، وتبديد ظلمته واستبدال النور به، وتخليته من الران الذي أكسبتَه إِيَّاه بنفسك!
حتى إذا نقَّيتَ المحل وطهّرتَه؛ كان الاهتداء بالقرآن بزيادة نور القلب، فيحصل التلذُّذ التام بحصول النور التام، ويحصل الاهتداء التام بعد زوال أثر المعصية زوالًا تامًّا!
ولا بُدَّ أن يعقبه غيابك عن شهود ألم الوقوف، وتِعداد الدقائق، في الصلاة وفي التلاوة!
فالاهتداء بالقرآن ليس هو حصول النور فقط، بل تبديد الظلام أيضًا، وهي هداية أسبق وأهم، وأطول وأجهد.
ولأجل ما فيها من عسرة؛ فإن كثيرًا من الناس لا يصبر عليها، ربما لأجل السأم، أو الانصياع لداعي الهوى، أو الشهوة، أو غير ذلك.
لكن أكثر الناس لا يعي أنه بحاجة إلى مجاهدة طويلة وصبر حتى يزيل آثر الغفلة والذنب من قلبه، ثم يستمتع بالقرآن والصلاة!
والفقيه حقًّا من يعي ذلك، ثم يجاهد نفسه لإصلاح المحل، وتنقيته، مهما طال به الزمان.
* قال الإمام الكبير محمد بن المنكدر: "كابدتُ نفسي أربعين سنة، حتى استقامت"!
* وقال الربانيّ ثابت البناني: "كابدتُ الصلاة عشرين سنة، وتنعَّمتُ بها عشرين سنة"!
ونحو ذلك عن الفقهاء حقًّا كثير.
وهذا الجهاد، هو الجهاد الأفرض، والأعظم، وما سواه تابع له!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
إذ هو في الحقيقة: أن تمتلك نفسك، فتقودها، ولا تملكك فتسحبك!
ووالله إن ظنّك في نفسك أن تَثبتَ في ساحة القتال، وأنت لا تملكُها في ركعات وقراءة أعذب كلام وأحلاه، ولا تملكها في كف الأذى عنها، وقد علمتَ أنه أذاها وهلاكها؛ لهو من أعظم الجهل وظن السوء والجاهلية بالله وشرعه، والأمانيّ الكاذبة!
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» (مُتفقٌ عليه).
* قال التقي ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله: "جهادُ النفس والهوى؛ أصلُ جهاد الكفار، والمنافقين! فإنه لا يقدر على جهادهم، حتى يجاهدَ نفسَه وهواه أولًا، حتى يخرج إليهم"!
* وقال الشمس ابن القيم قدس الله روحه: "وأفرضُ الجهاد؛ جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا! فمن جاهد هذه الأربعة في الله؛ هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد؛ فاتَه مِن الهدى بحسب ما عطّل"!
* وقال أيضًا: "لما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعًا على جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (مُتفقٌ عليه)؛ كان جهاد النفس مُقدَّمًا على جهاد العدو في الخارج، وأصلًا له! فإنه ما لم يجاهد نفسَه أولًا، لتَفعلَ ما أُمرَت به، وتَتركَ ما نُهيَت عنه، ويحاربَها في الله؛ لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج. فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوُّه الذي بين جنبيه قاهرٌ له، متسلّط عليه، لم يجاهده، ولم يحاربه في الله؟! بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهدَ نفسَه على الخروج" انتهى!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
فالمقصود:
أولًا: لا تعجل على نفسك، واعلم أن طريق استقامة النفس طويلة، وشاقة.
ثانيًا: بقدر مكابدتك نفسَك وزجرها عما تحب؛ تملكها، وبقدر ملكك لنفسك؛ تستطيع أن تأطرها على الحق أطرًا.
ثالثًا: إذا أردت الانتفاع بالشهر حقًا؛ فعليك أن تعمل على جهتين:
1- امنع الأذى عن قلبك، وإنما يدخل الأذى إلى القلب رأسًا بلا واسطة من العين والأذن، وشرحه يطول، ودليله في القرآن، فلا تستمع ولا تنظر إلى الكذب ولا الزور، وما أكثر ذلك.
ثم لا تأكل السحت وأقلل من فضول الكلام، بل؛ امنعه!
2- عرّض قلبك لهدى الوحي أطول فترة ممكنة، ولا تسأم، ولا تعجل، ولا تقل: هلكت!
رابعًا: التأثر والتلذُّذ بالقرآن ليس هو البكاء مع الصوت الحسن، الذي رأيتُ بعضَ الأعاجم يفعله تأثرًا بحسن أداء القارئ، وهو لا يفهم حرفًا مما قُرئ!
بل هذا من جنس طرب النفوس بالموسيقى والألحان.
إنما علامة المتلذِّذ بالقرآن ألا يفقد اللذة من أي قارئ يحسن أحكام التلاوة، وإن زاد تلذُّذه بحسن الصوت.
نعم، لا بأس بتتبع حسَنِ الصوتِ في المساجد ولو بعُدت، فقط من باب مصانعة النفس والتحايل عليها!
وعدم البأس مشروط بعلم فاعل ذلك أنه يصانع نفسه ويحايلها، وأنه لا بُدَّ أن يرتقي عن هذه المنزلة الدون!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
أما المبالغات والتهويلات التي يعيشها بعض الناس، حتى يضيّع نصف الليل في التنقل من وإلى المسجد، ويمر في طريقه على عشرات المساجد التي يقرأ الناس فيها القرآن، ليس التوراة؛ فلا!
أخيرًا:
جهاد النفس والهوى والشيطان؛ لا ينقطع إلا بالموت، بخلاف غيره!
فوطّن نفسك على استمراره، واعلم أنه لا بُدَّ من غفلاتٍ ورقدات، ولكن لا تُطِل النوم!
قال ابن تيمية: "جِهَاد النَّفس أعمالٌ تعملها النَّفس المزكَّاة فتزكو بذلك أيضًا"!
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك!
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-06-02, 06:41 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
فضل القرآن وقراءته
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي
(28)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد: فإن القرآن كلام الله تعالى، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، من تمسك به اهتدى، ومن أعرض عنه ضَلَّ وهَوَى، أثنى الله عليه في مواضعَ كثيرة منه؛ ليبين فضله؛ ويوضح للناس مكانته ومنزلته، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف:3 - 4].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 41 - 42].
فما من باطل إلا وفي القرآن ما يدمغه، ولا شبهة إلا وفيه بيان بطلانها، قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33].
وقال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].
سمَّاه الله نورًا، وجعله للناس شفاءً. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ} [يونس: 57].
أعجب به الجن لما سمعوه، فآمنوا به واتبعوه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } [الجن: 1: 2].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
تكفل الله بحفظه وأعجز الخلق أن يأتوا بمثله: قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
وقال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» [1].
ولهذه الفضائل العظيمة لكتاب الله، أمر الله بتلاوته والعمل به وتدبره، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 29: 30].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما لقارئ القرآن من الحسنات: فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ: أَلِفٌ حَرْفٌ؛ وَلامٌ حَرْفٌ؛ وَمِيمٌ حَرْفٌ}[2].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المَاهِرُ بِالقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ» [3].
ويوم القيامة تتجلى هذه الفضائل لقارئ القرآن، فيشفع لقارئه ويعلو به في مراتب الجنة على قدر قراءته: عن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤوا القُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ» [4].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: «يُقَالُ لصَاحِبِ القُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ؛ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِر آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا» [5].
وإن من عجيب حال الكثيرين منا، تقصيرهم في تلاوة كتاب ربهم، وتدبره والعمل به، مع علمهم بفضله وأجره.
قال أمير المؤمنين عُثْمَان رضي الله عنه: "لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل". ولهذا المعنى أشار تعالى بقوله: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِيي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124: 125].
فالآيات بينت حال المؤمنين، وحال المنافقين عند سماع القرآن وتلاوته، فليحذر المسلم أن يكون من ذلك الصنف الخاسر، الذي لا يزيده سماع القرآن إلا خسارًا.
وعلى هذا ينبغي للمسلم ملاحظة هذه الأمور:
أولاً: قراءة القرآن بتدبُّرٍ وتمعُّنٍ، قال تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29].
قال عبد الله بن مسعود: "لا تنثروه كنثر الرمل، ولا تهذُّوه كهذِّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة".
ثانيًا:مراجعة الحفظ، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعَاهَدُوا هَذَا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإبِلِ فِي عُقُلِهَا»[6].
ثالثًا: الخشوع عند تلاوة القرآن: فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيّ»، قلت: "يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم»، "فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قال: «حسبك الآن»، فالتفَتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان [7].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
رابعًا: عدم هجر القرآن، قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]، والهجر يشمل هَجْرَ التلاوة، والتدبُّرَ والعمل، والتحاكم إليه؛ كما قال ابن القيم رحمه الله.
فلابد من العناية بكلام الله عز وجل حفظًا، وتلاوةً، وعملاً، حتى يكون المسلم من أهل القرآن، الذين هم أهل الله، وخاصته.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] صحيح مسلم (1/ 559) برقم (817).
[2] سنن الترمذي (5/ 175) برقم (2910)، وقال: حديث حسن صحيح غريب.
[3] صحيح البخاري (3/ 321) برقم (4937)، وصحيح مسلم (1/ 550) برقم (798).
[4] صحيح مسلم (1/ 553) برقم (804).
[5] سنن الترمذي (5/ 177) برقم (2914)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[6] صحيح البخاري (3/ 348) برقم (5033)، وصحيح مسلم (1/ 545) برقم (791).
[7] صحيح البخاري (3/ 351) برقم (5050)، ومسلم (1/ 551) برقم (800).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-06-03, 07:25 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
القرآن مشروعك الرباني في رمضان
إسماعيل حامد
(29)
تهيئة المشروع:
إن أروع ما في رمضان الصيام، وفاكهته التراويح والقيام، وبساتينه بيوت الرحمن، وعطره الفواح تلاوة القرآن، وأنواره ملائكة الرحمن وهي تحف المؤمنين بالاستغفار والدعاء لهم، ولقد جعل الله شهر رمضان مقترناً بالقرآن الكريم فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة من الآية:134].
وقد حثنا الحبيب صلى الله عليه وسلم على العيش مع القرآن، فقال: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» (حديثٌ صحيح رواه مسلم وغيره)، فهذا مشروع القرآن الكريم موجه إلى أمة القرآن لتكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
هدف المشروع:
يأتي هذا المشروع بهدف الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل لنفحات الشهر الكريم، بوضع خطة للتعامل مع القرآن، في محاولة للتخلص من كافة أنواع هجر القرآن الخمسة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله، وهي:
- هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
- هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
- هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
- هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
- هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]. أ هـ.
اقرأ وتدبّر واعمل:
للمسلم مع القرآن أحوال شتى وأنواع عدة من الأوراد التي يجب القيام بها، ولا ينبغي أن يحصر نفسه في ورد واحد يركز عليه دون غيره، ولقد روت أم الحسن البصري عنه أنه كان إذا فتح المصحف، رأت عينيه تسيلان وشفتيه لا تتحركان، ومن هذه الأوراد:
- ورد التلاوة: بالمداومة على قراءة القرآن، والتزام ورد يومي وإن قلّ، وتجنب هجران القرآن ونسيان تلاوته، قال صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (رواه أبو دواد والترمذي)، وقال سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن"، وتذكر قول أنس بن مالك رضي الله عنه: "رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه"، وتذكر أيضاً مقولة ابن مسعود: "ولا يكن هم أحدكم آخر السورة"، فهي تلاوة ولكنها ليست مفصولة عن التدبر والفهم.
- ورد النظر: فهي عبادة تختلف عن عبادة التلاوة، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطوا أعينكم حظها من العبادة». قالوا: وما حظها من العبادة؟ قال: «النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه» (رواه البيهقي)، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "وإني لأكره أن يأتي عليّ يوم لا أنظر في المصحف"، وقد قال ابن مسعود: "أديموا النظر في المصحف"، فهو ورد يجعلك على اتصال دائم بكتاب ربك ولو نظراً.
- ورد السماع: قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:3]، وقال أيضاً: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ولكن أحب أن أسمعه من غيري» (من حديثٍ رواه البخاري)، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن "تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم" كما قالت السيدة أسماء، فيجب علينا أن نخصص وقتا لسماع القرآن.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
- ورد الحفظ: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كنا نحفظ العشر آيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهن"، وقال بعض السلف لأحد طلابه: أتحفظ القرآن؟ قال: لا، قال: مؤمن لا يحفظ القرآن، فبم يتنعم وبم يترنم وبم يناجي ربه تعالى؟!
- ورد التدبر: لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص:29]، فالتدبر هو الطريق لإحياء القلوب واستشعار حلاوة الخطاب القرآني، وعن عوف بن مالك قال: "قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ"، قال السيوطي في صفة التدبر: "أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يتلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمّل الأوامر والنواهي"، ولذا نقترح عليك أخي الحبيب أن تجعل لك ورداً للتدبر يتمثل في آية واحدة كل يوم، أو سورة واحدة كل شهرٍ أو عامٍ على حسب قصر آياتها.
- ورد العمل: وهو أقوى الأوراد وأصعبها على النفوس، حيث ينتقل المسلم من مجرد التلاوة أو الحفظ أو السماع أو التدبر إلى العمل والتنفيذ والتطبيق العملي لأحكام القرآن بكل جوارجه، وفي ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخضوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون"، وخلاصة ذلك أن يكون القرآن دليلاً عملياً لحياة المسلم في يومه بنهاره وليله.
- ورد الدعوة به وإليه: بأن يتحرك المسلم داعياً إلى الله بهذا القرآن، يحث الناس على تطبيق أحكامه والتحاكم إليه وعودة القرآن لمنصة الحكم لتكون الحاكمية العليا له، وليرفع القرآن دستوراً للزمان والمكان والأرض والإنسان.
بنك المليار حسنة:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
هو بنك القرآن الكريم وتلاوته، فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول: {ألم} حرف؛ ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ومن خلال حسبة بسيطة ندرك مدى ما يمكن أن نكتسبه من حسنات في هذا الشهر الكريم إذا حافظنا على تلاوة القرآن وختمه فيه، فحروف القرآن كما ذكر ابن كثير تفوق "321" ألف حرف، فالختمة الواحدة تعدل 3.21 مليون حسنة، وفي رمضانتضاعف 70 ضعفاً فتكون 224.7 مليون حسنة، فإذا ختم المسلم في الشهر 3 مرات تقترب محصلة حسناته من المليار حسنة (674 مليون حسنة)، فهو بنك لا تتوقف حسناته بل في ازدياد ونماء، والله يضاعف لمن يشاء، هذا فقط ثواب التلاوة، فكيف هو ثواب النظر إليه وثواب تدبره وثواب العمل به والدعوة إليه.
آلية التنفيذ:
بأن تجعل لك أخي الحبيب وِرْداً يوميا تتلو فيه القرآن لا يقل عن جزء، ولا تبدأ عملك اليومي إلا بعد الانتهاء من وردك القرآني، وبإمكانك أن تختم في الشهر ثلاث أو أربع مرات، ومن أفضل صور تنفيذ هذا الورد:
الأولى: أن تقرأ الورد القرآني مع صلاة الفجر كل يوم، أو أن تجعل لك نصف حزب مع كل صلاة (فجر، ظهر، عصر، عشاء).
الثانية: أن تجعل لك ورد قرآنٍ في المواصلات التي تستنزف منا يومياً أكثر من ساعة.
الثالثة: أن تجعل لك ورد استماع وتدبر من خلال صلاة التراويح والقيام.
الرابعة: أن تجعل لك ورد سماع قرآني من خلال إذاعة أو تليفزيون أو كاسيت.
ضمانات النجاح:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
- إخلاص النية لله عز وجل وإصلاح القصد، مع وجود الدافع الذاتي والهِمَّة العالية.
- لا يشغلنك الحفظ عن التلاوة، فإن التلاوة وقود الحفظ.
- عليك بالصاحب الذي يساعدك على تنفيذ المشروع، واجعل بينك وبينه تنافساً ربانياً.
- اختر الزمان والمكان المناسبين للحفظ أو التلاوة أو التدبر.
- ابدأ بما تقدر عليه، وسدد وقارب ولا تيأس.
- عندما تختم القرآن، فاحشد له فإن ختمة القرآن مشهودة، فاجمع أهل بيتك أو أحبابك، فقد روى الدارمي: "كان أنس إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا بهم".
أخي الحبيب:
هذا القرآن يناديك في شهر القرآن، وبقدر إقبالك على القرآن يكون إقبال الله تعالى عليك، وبقدر إعراضك عن القرآن يكون إعراض الله تعالى عنك، وإنما يكون حظك من جنة النعيم بقدر حظك من القرآن، فقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»، وقال خباب بن الأرت لرجل: "تقرّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تقرب إلى الله تعالى بشيء هو أحب إليه من كلامه".
جعل الله القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا ودستور حياتنا ومصدر عزتنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
ابو وليد البحيرى
2019-06-04, 07:10 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/19.jpg
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
رمضان شهر القرآن
أيمن الشعبان
(30)
الحمد لله الذي خصنا بشهر الطاعات، وأجزل لنا فيه المثوبة ورفع الدرجات، وَعَدَ من صامه إيمانا واحتسابا بتكفير الذنوب والسيئات، وشرّف أوقاته على سائر الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات،والتا بعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد، وبعد:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
اختص الله سبحانه وتعالى هذا الشهر بخصائص عديدة، وميزه عن غيره من الشهور بمزايا فريدة، منها إنزال القرآن، بل والكتب السماوية السابقة نزلت في القرآن كما ثبت من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أُنزِلَت صحُفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من رمضانَ، و أُنزلَت التوراةُ لستٍّ مَضَين من رمضانَ، و أُنزِلَ الإنجيلُ لثلاثِ عشرةَ ليلةً خلَتْ من رمضانَ، و أُنزلَ الزَّبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ، وأُنزِلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرين خلَتْ من رمضانَ» [1].
وعندما أراد الله سبحانه في كتابه بيان أعظم ميزة لهذا الشهر قرنه بإنزال القرآن فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة : 185][2]، الشهر العظيم، الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم، وهو القرآن الكريم، المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية، وتبيين الحق بأوضح بيان، والفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وأهل السعادة وأهل الشقاوة [3] .
وفي مدحه بإنزاله فيه مدح للقرآن به من حيث أشعر أن من أعظم المقاصد بمشروعيته تصفية الفكر لأجل فهم القرآن[3] .
والقرآن نزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر : 1]، ثم نزل منجما مفرقا مفصلا طيلة ثلاث وعشرين سنة بحسب الأحداث.
كان جبريل عليه السلام يلقى النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان كل ليلة يدارسه القرآن[4]، وكما في حديث ابن عباس كانت المدارسة ليلا[5]، وقال ابن رجب: ودل الحديث أيضا على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان [6] .
فقه السلف رضوان الله عليهم أهمية القرآن سيما في شهر رمضان، فكانوا يقبلون عليه بكليتهم ويهتمون به تلاوة ودراسة وتدبرا، وإليكم بعض النماذج النيرة والصور المشرقة:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/149.jpg
كان للشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرؤها في غير الصلاة!! وعن أبي حنيفة نحوه.
وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان.
وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام.
وكان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن.
وقد قرن النبي عليه الصلاة والسلام بين الصيام والقرآن لتلازمهما وترابطهما فقال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ «يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان» [7].
قال ابن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون [8].
قيل لرجل: مَالِي لا أَرَاكَ تَنَامُ؟ قَالَ: إِنَّ عَجَائِبَ الْقُرْآنِ أَطَرْنَ نَوْمِي، مَا أَخْرُجُ مِنْ أُعْجُوبَةٍ إِلا وَقَعْتُ فِي غَيْرِهَا [9].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
للقرآن أهمية بالغة، تعظم في رمضان فهل من مشمر ومستثمر تلك الفضائل؟!!
اجعل لك برنامج متنوع مع القرآن في شهر رمضان، يتضمن التلاوة والحفظ والمدارسة والتدبر:
1- ليكن لك ورد من تلاوة القرآن على أن تختم مرة كل عشرة أيام على الأقل.
2- اجعل لك وقت بكل يوم لحفظ شيئا يسيرا من القرآن، حتى لو كان مجموع ما تحفظه طوال الشهر نصف جزء أول أقل.
3- خصص وقتا يوميا للتدبر والتأمل والتفكر، من خلال النظر في مدلولات بعض الآيات، حتى لو خرجت بآية يوميا، واستنبطت منها العديد من الفوائد لكان جيدا، إذ كان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية.
4- احرص على قراءة شيء من التفسير لمعرفة معاني بعض السور التي تحددها بحسب المتاح.
بذلك يكون لديك برنامج قرآني متنوع وشامل ستشعر بثمرته وقيمته لو تم تطبيقه في هذا الشهر المبارك.
من أجل حكم إنزال القرآن التدبر قال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 9] [12]، ولأهمية التدبر والخشوع والانتفاع بالقرآن نوعا لا كما أقام عليه الصلاة والسلام الليل في آية واحدة هي: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة : 118].
وقام تميم الداري بقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية : 21].
وقام سعيد بن جبير يردد هذه الآية : {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس : 59].
وقال أبو سليمان الداراني: إني لأقيم في الآية أربع ليال أو خمس ليال.
وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها.
وبقي ابن عمر رضي الله عنهما خمس سنوات في سورة البقرة.
وقال بعضهم: لي في كل جمعة ختمة، وفي كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد!
يقول الحسن بن علي رضي الله عنهما: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار [10].
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/148.jpg
كم نحن بحاجة لإعادة النظر، في علاقتنا مع القرآن، من حيث التلاوة ومعرفة المعاني والتفكر والتدبر والتأمل، ثم الانتفاع والتطبيق والعمل!
قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن كله، ما يُرى له القرآن في خلق ولا عمل[11].
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّا صَعُبَ عَلَيْنَا حِفْظُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، وَسَهُلَ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنَّ مَنْ بَعْدَنَا يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ الْقُرْآنِ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الْعَمَلُ بِهِ[12].
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا ونور صدورنا، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما أنسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النار على الوجه الذي يرضيك عنا.
(1) (السلسلة الصحيحة برقم [ 1575]).
(2) (السعدي).
(3) (تفسير البقاعي).
(4) (صحيح البخاري).
(5) متفق عليه.
(6) (لطائف المعارف).
(7) (صحيح الجامع برقم [3882]).
(8) (التبصرة لابن الجوزي).
(9) (التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا).
(10) (التبيان في آداب حملة القرآن للنووي).
(11) (تفسير ابن كثير).
(12) (تفسير القرطبي).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/22.jpg
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.