المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟



أبو محمد المأربي
2019-03-26, 09:32 PM
من مذهب أهل السنة والجماعة نفي الإيمان عن العبد لترك واجب أو ارتكاب محرّم!
السؤال لإخواني والمشايخ الكرام: هل وقع ذلك في آية من كتاب الله بلا خلاف بين أهل السنة؟

محمدعبداللطيف
2019-03-26, 11:55 PM
من مذهب أهل السنة والجماعة نفي الإيمان عن العبد لترك واجب أو ارتكاب محرّم!
السؤال لإخواني والمشايخ الكرام: هل وقع ذلك في آية من كتاب الله بلا خلاف بين أهل السنة؟ بارك الله فيك اخى الفاضل أبو محمد المأربي-- قال الشيخ عبد العزيز الراجحى على شرحه للايمان الاوسط لشيخ الاسلام بن تيمية-قال شيخ الاسلام [وقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَ كَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور:62]].
هؤلاء هم المؤمنون الكمل--قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وأمثال ذلك].
هؤلاء نفي عنهم الإيمان لضعفهم مثل الأعراب.
والمؤلف رحمه الله يقرر بهذا مذهب الجمهور ، وأن هؤلاء الذين نفي عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام ليسوا منافقين ولكن إيمانهم ضعيف، فلهذا نفى عنهم الإيمان الكامل وإن كان معهم أصل الإيمان الذي يصح به الإسلام، والإسلام لابد له من إيمان يصححه، فالمسلم لابد أن يكون مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان الذي يصحح الإسلام لابد منه، لكن الإيمان الكامل هو الذي نفي عنهم، والمثبت لهم أصل الإيمان.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فدل البيان على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب: هو هذا الإيمان الذي نفي عن فساق أهل القبلة الذين لا يخلدون في النار].
الإيمان الذي نفي عن الأعراب في قوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]، هو الإيمان الذي نفي عن الفساق في الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن)، والفاسق عندما ينفى عنه الإيمان ليس بكافر، وإنما ينفى عنه الكمال؛ لأن عنده أصل الإيمان الذي يصح به الإسلام، فهو مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، فكذلك الأعراب أثبت لهم أصل الإيمان ونفي عنهم كمال الإيمان وتحقيقه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [بل قد يكون مع أحدهم مثقال ذرة من إيمان، ونفي هذا الإيمان لا يقتضي ثبوت الكفر الذي يخلد صاحبه في النار].
يعني: أن نفي الإيمان هنا معناه: نفي كمال الإيمان، لا أنه يكون كافراً، كما في الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، فالذي نفي عنه هو كمال الإيمان ولا يقتضي الكفر، بل يقتضي حدوث أصل الإيمان، إنما الذي يقتضي الكفر هو نفي أصل الإيمان.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبتحقق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع، ويعلم أن في المسلمين قسماً ليس هو منافقاً محضاً في الدرك الأسفل من النار، وليس هو من المؤمنين الذين قيل فيهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15].
ولا من الذين قيل فيهم: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:74].
فلا هم منافقون ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقاً، ولا من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب، بل له طاعات ومعاص وحسنات وسيئات، ومعه من الإيمان ما لا يخلد معه في النار.
وله من الكبائر ما يستوجب دخول النار، وهذا القسم قد يسميه بعض الناس: الفاسق الملي، وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه].
بتحقيق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع؛ لأن هذا الموضع موضع اشتباه، ووجه ذلك أن الخوارج لما سمعوا: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]، وقوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، كفروه، وقالوا: نفي عنه الإيمان لكفره، فاشتبه عليهم الأمر، واشتبهت عليهم النصوص، ولم يجمعوا بينها.
وأما المرجئة فقالوا: هو مؤمن كامل الإيمان.
وهدى الله أهل السنة والجماعة فجمعوا بين النصوص.
وبتحقيق هذا المقام في هذا الموضع، الذي فيه نصوص أثبتت الإسلام لقوم ونفت عنهم الإيمان علم أن في المسلمين قسماً ليس هو منافقاً محضاً في الدرك الأسفل من النار وليس هو من المؤمنين الكمل، الذين حققوا الإيمان.
فهو مؤمن ضعيف الإيمان، وليس من المؤمنين الذين قيل فيهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15]، ولا من الذين قيل فيهم: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:4]، كما في سورة الأنفال، فلا هم منافقون، ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقاً، ولا هم من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب، بل لهم طاعات ومعاصي، فالناس أربعة أصناف، وكلها داخلة في مسمى الإسلام، وهم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، وهؤلاء يثبت لهم الإسلام وينفى عنهم الإيمان، القسم الثاني الصادقون المؤمنون حقاً، وهم الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، قال الله عنهم: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15]، {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:4].
القسم الثالث: الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين أحكموا التوحيد وخلصوه ونقوه من شوائب الشرك والبدع ونحو ذلك.
القسم الرابع: المؤمنون ضعيفو الإيمان، الذين لهم طاعات وحسنات ومعاص وسيئات، ومعهم من الإيمان ما يمنع الخلود في النار، ومعهم من الكبائر ما يقتضي دخول النار، وهذا هو الذي وصف به الأعراب والزاني والسارق الذين نفي عنهم الإيمان في قوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] والحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).
فهذه أربعة أصناف كلها داخلة في مسمى الإسلام غير الكفار، والكافر هو القسم الخامس.
فالكافر ظاهراً وباطناً ليس بمؤمن، ويشمل اليهود والنصارى والوثنيين والمجوس والشيوعيين والملاحدة جميعاً، فكلهم أظهروا كفرهم، وهم صنف واحد.
والصنف الرابع الذين لهم طاعات وحسنات ولهم معاص وسيئات، فليس معهم كمال الإيمان، بل معهم من الإيمان ما لا يخلد في النار ولهم كبائر يستوجبون بها دخول النار- فهم تحت مشيئة الله، قد يعفو الله عنهم ويدخلهم الجنة من أول وهلة، وقد يعذبهم ولكن لا يخلدون، وقد يكون مخلداً في النار على حسب الجرائم؛ لأنه تواترت الأخبار أنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون مصدقون لكنهم دخلوا النار بالمعاصي، كمن مات على سرقة أو زنا أو عقوق، وبعضهم يكون مكثراً حتى أنه يخلد كالقاتل، والمراد بالخلود: طول المكث، أي: يمكث مدة طويلة ولكن لا يخلد، فالخلود خلودان: خلود مؤبد لا نهاية له، وهذا خلود الكفرة، والثاني: خلود مؤقت، له أمد ونهاية، وهو خلود بعض العصاة الذين اشتدت جرائمهم وكثرت وفحشت كالقاتل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93]، لكنه ليس بكافر إلا إذا استحل، فإذا رأى أن القتل حلال كفر.
كذلك المرابي إذا تعامل بالربا فهو ضعيف الإيمان، إلا إذا اعتقد أن الربا حلال كفر.
فهذا القسم هم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وهم الذين قال الله فيهم: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]، فمعهم أصل الإيمان الذي يمنعهم من الخلود في النار كالكفرة، ومعهم كبائر يستوجبون بها دخول النار كالعصاة، وهذا القسم يسميه بعض الناس الفاسق الملي.
والفاسق هو الذي دخل في ملة الإسلام مثل الزاني والسارق وشارب الخمر والمرابي والقاتل، وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه، فأهل السنة يسمونه مؤمناً ناقص الإيمان، والخوارج يسمونه كافراً، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، والمرجئة يسمونه مؤمناً كامل الإيمان.
هذا في الاسم، وأما في الحكم فأهل السنة يقولون: هو تحت مشيئة الله، والخوارج يقولون: مخلد في النار، والمعتزلة: مخلد في النار، والمرجئة: يدخل الجنة من أول وهلة..........فهذه مباحث دقيقة ومسائل دقيقة جداً وخطيرة في نفس الوقت؛ لأن بعض الناس يسلك مسلك الخوارج وهو لا يشعر، وبعض الناس يسلك مسلك الجهمية وهو لا يشعر، وبعض الناس يسلك مسلك المعتزلة، فلابد أن يكون المسلم عنده التحقيق في هذا المقال، ويجمع بين النصوص من كتاب الله وسنة رسوله، ويعمل بها من الجانبين.
والخوارج لا يعملون إلا ببعض النصوص، فيعملون بنصوص الوعيد، وأغمضوا أعينهم عن نصوص الوعد، فكفروا العصاة وخلدوهم في النار.
والمرجئة يعملون ببعض النصوص، كنصوص الوعد، وأهملوا نصوص الوعيد، فصاروا يقولون: إن العاصي كامل الإيمان، ويدخل الجنة من أول وهلة.
وأهل السنة وفقهم الله فأخذوا نصوص الوعيد وصفعوا بها وجوه المرجئة وأبطلوا مذهبهم، وأخذوا نصوص الوعد وصفعوا بها وجوه الخوارج وأبطلوا مذهبهم، وأخذوا نصوص الوعيد فاحتجوا بها على أن المؤمن يضعف إيمانه، ونصوص الوعد فاحتجوا بها على أنه لا يخرج من الإسلام، فخرج مذهب أهل السنة من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين، من بين فرث الخوارج ودم المرجئة.[شرح الايمان الاوسط]

أبو محمد المأربي
2019-03-27, 12:34 AM
جزاك الله خيراً وأحسن إليك أخي محمد.
يبدو أنك لم تلاحظ عند الكتابة قيدي في طلب المساعدة (بلا خلاف بين أهل السنة)، ومعلوم أن الخلاف قائم بين أهل السنة والجماعة في الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب في سورة الحجرات {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}. بعض السلف حمله على نفي الأصل، وآخرون على نفي الكمال.
المرجوّ أن تساعدوا على محلّ من الكتاب (القرآن) اتفق أهل السنة على أنه لنفي الكمال الواجب.

محمدعبداللطيف
2019-03-27, 12:33 PM
جزاك الله خيراً وأحسن إليك أخي محمد.
يبدو أنك لم تلاحظ عند الكتابة قيدي في طلب المساعدة (بلا خلاف بين أهل السنة)، ومعلوم أن الخلاف قائم بين أهل السنة والجماعة في الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب في سورة الحجرات {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}. بعض السلف حمله على نفي الأصل، وآخرون على نفي الكمال.
المرجوّ أن تساعدوا على محلّ من الكتاب (القرآن) اتفق أهل السنة على أنه لنفي الكمال الواجب.

بارك الله فيك اخى ابو محمد - تقدم الجواب -ان مذهب اهل السنة فى نفى الايمان من استقراء النصوص واعمالها والجمع بين اطراف الادلة وتقييد مطلقها بمقيدها، وتخصيص عامها بخاصها قال ابن عباس رضي الله عنهما: يؤمن بالمحكم ويدين به، ويؤمن بالمتشابه ولا يدين به، وهو من عند الله كله -قال الشاطبي رحمه الله: ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين، إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة، بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها[الموافقات]-........ فاهل السنة وسط في باب أسماء الإيمان والدين بين المرجئة القائلين بأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان، وبين الوعيدية القائلين بتكفيره - كما هو عند الخوارج - أو يجعله بمنزلة بين المنزلتين - كما هو عند المعتزلة --
الخلاف قائم بين أهل السنة والجماعة في الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب في سورة الحجرات {قل لم تؤمنوا نعم - ولكنهم اتفقوا على ان نفى الكمال الواجب لا يخرج صاحبه من الاسلام هذا ما قصدت به الكلام السابق- وحكى الباقلاني الإجماع على منع التعارض بين الأدلة الشرعية في نفس الأمر مطلقاً، كما روى الخطيب البغدادي عنه ذلك فقال: يقول الباقلاني: وكل خبرين علم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين؛ لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب أحدهما منافياً لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كان أمراً ونهياً، وإباحة وحظرا، أو يوجب كون أحدهما صدقاً والآخر كذباً إن كانا خبرين، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك أجمع، ومعصوم منه باتفاق الأمة، وكل مثبت للنبوة[الكفاية]-------اختلف أهلُ السُّنَّة: هل يُسمَّى مؤمناً ناقصَ الإيمانِ ، أو يقال: ليس بمؤمنٍ ، لكنَّهُ مسلمٌ ، على قولين ، وهما روايتانِ عنْ أحمدَ ". انتهى . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة" (2/181) :" وَالْمُسلم إذا أتى الْفَاحِشَة لَا يكفر ، وإن كَانَ كَمَال الإيمان الْوَاجِب قد زَالَ عَنهُ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنه قَالَ : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا ينتهب نهبة ذَات شرف يرفع النَّاس إليه فِيهَا أبصارهم وَهُوَ مُؤمن ) .
فَأصل الايمان مَعَه ، وَهُوَ قد يعود إلى الْمعْصِيَة ، وَلكنه يكون مُؤمنا إذا فَارق الدُّنْيَا ، كَمَا فِي الصَّحِيح عَن عمر : ( أن رجلا كَانَ يَدعِي حمارا وَكَانَ يشرب الْخمر وَكَانَ كلما أُتي بِهِ إلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْر بجلده ، فَقَالَ رجل : لَعنه الله ؛ مَا أكثر مَا يُؤْتى بِهِ إلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم :" لَا تلعنه فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله ) . فَشهد لَهُ بِأَنَّهُ يحب الله وَرَسُوله ، وَنهى عَن لعنته كَمَا تقدم فِي الحَدِيث الآخر الصَّحِيح : ( وإن زنا وإن سرق ) .
وَذَلِكَ أن مَعَه أصل الِاعْتِقَاد : أن الله حرم ذَلِك ، وَمَعَهُ خشيه عِقَاب الله ، ورجاء رَحْمَة الله ، وإيمانه بِأَن الله يغْفر الذَّنب ، وَيَأْخُذ بِهِ ، فَيغْفر الله لَهُ بِهِ ". انتهى .
وهذا هو قول أهل السنة خلافا للخوارج والمرجئة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (12/478) :
" وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ :
فَنُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ ؛ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ ، وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَشُعَبِهِ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ ، لَا حَقِيقَتُهُ ، أَيْ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ ، لَيْسَ هُوَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: الْغُسْلُ : كَامِلٌ ، وَمُجْزِئٌ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ؛ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ ، كَمَا تَأَوَّلَتْهُ الْخَوَارِجُ ، وَلَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا. كَمَا تَأَوَّلَتْهُ الْمُرْجِئَةُ ". انتهى .
والحاصل :
أن النصوص الواردة بنفي الإيمان عن أصحاب الكبائر : ليس المراد منها أنه يخرج من الإيمان كله ، ولا نفي أصل الإيمان عنه ، بل المراد نفي كمال الإيمان الواجب عنه ، الذي يستحق به المدح ، وإن كان بقي معه من أصل الإيمان ما يمنع خروجه من الملة ، أو خلوده في النار . -----اذا أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج، إذ لو كفر كفرا ينقل عن الملة لكان مرتدا [يقتل]على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر! وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام.
ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين، كما قالت المعتزلة، فإن قولهم باطل أيضا؛ إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} إلى أن قال: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف}. فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخا لولي القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب. وقال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى أن قال: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم--وأهل السنة أيضا متفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب، كما وردت به النصوص. لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الكفر طاعة! وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة -: تبين لك فساد القولين-------
لمرجوّ أن تساعدوا على محلّ من الكتاب (القرآن) اتفق أهل السنة على أنه لنفي الكمال الواجب. اتفاق اهل السنة - بجمع ما ورد من نصوص الكتاب والسنة على درجة الاستقصاء، مع تحرير الدلالات ، واعتماد فهم الصحابة والثقات من علماء السلف الصالح رضي الله عنهم، فإن بدا ما ظاهره التعارض بين نصوص الوحيين عند المجتهد - لا في الواقع ونفس الأمر، فينبغي الجمع بين الأدلة برد ما غمض منها واشتبه إلى ما ظهر منها واتضح، وتقييد مطلقها بمقيدها، وتخصيص عامها بخاصها، فإن كان التعارض في الواقع ونفس الأمر فبنسخ منسوخها بناسخها - وذلك في الأحكام دون الأخبار فلا يدخلها نسخ - وإن لم يكن إلى علم ذلك من سبيل، فيرده إلى عالمه تبارك وتعالى.
قال سبحانه: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران: 7].
و في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ((نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زاجرا وآمرا، وحلالا وحراما، ومحكما ومتشابها، وأمثالا، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا)) .
قال الربيع بن خثيم رحمه الله: يا عبد الله، ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه، لا تتكلف فإن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي نَ [ص: 86] (3) .
وإذا اتضح هذا؛ فإنه لا يجوز أن يؤخذ نص وأن يطرح نظيره في نفس الباب، أو أن تعمل مجموعة من النصوص وتهمل الأخرى؛ لأن هذا مظنة الضلال في الفهم، والغلط في التأويل ، قال الإمام أحمد رحمه الله: الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا---الخلاصة- اتفاق اهل السنة على فهم الدليل بالجمع بين اطرافه

أبو محمد المأربي
2019-03-27, 01:31 PM
جزاك الله خيراً، سلمتم من سوء الدارين.
الحمد الله الذي بصّرنا ضلال أهل الأهواء - الوعدية والوعيدية- ومنّ علينا باتباع طريقة أهل الحق في الجمع بين نصوص الوعد والوعيد كجمع أهل الفقه بين نصوص الأمر والنهي.....
أخي الفاضل: أرجو - من الإخوة الكرام ومشايخ المنتدى - : الإرشاد إلى موضع من القرآن أجمع أهل السنة على أنه لنفي الكمال الواجب لا أصله - هذه مسألتي - من غير تردّد في حقّيّة تصنيف نفي الإيمان خلافا للوعيدية والوعدية....
فإن عثرتم على ذلك الموضع فأرشدوني إليه لحاجة ملحّة، وإلا فلا ترحّلوا مسألتي إلى ما لا أسأل عنه ولا أبحث فيه.
هل اتضحت الفكرة؟

محمدعبداللطيف
2019-03-27, 04:54 PM
جزاك الله خيراً، سلمتم من سوء الدارين.
الحمد الله الذي بصّرنا ضلال أهل الأهواء - الوعدية والوعيدية- ومنّ علينا باتباع طريقة أهل الحق في الجمع بين نصوص الوعد والوعيد كجمع أهل الفقه بين نصوص الأمر والنهي.....
أخي الفاضل: أرجو - من الإخوة الكرام ومشايخ المنتدى - : الإرشاد إلى موضع من القرآن أجمع أهل السنة على أنه لنفي الكمال الواجب لا أصله - هذه مسألتي - من غير تردّد في حقّيّة تصنيف نفي الإيمان خلافا للوعيدية والوعدية....
فإن عثرتم على ذلك الموضع فأرشدوني إليه لحاجة ملحّة، وإلا فلا ترحّلوا مسألتي إلى ما لا أسأل عنه ولا أبحث فيه.
هل اتضحت الفكرة؟بارك الله فيك اخى ابو محمد-
الحمد الله الذي بصّرنا ضلال أهل الأهواء - الوعدية والوعيدية- ومنّ علينا باتباع طريقة أهل الحق في الجمع بين نصوص الوعد والوعيد كجمع أهل الفقه بين نصوص الأمر والنهي نعم بارك الله فيك - وتحرير هذه المسـألة كما مرَّ - نصوص الوعد والوعيد ومنها - نفى كمال الايمان الوجب -تفهم بالجمع بين اطراف الادلة كما سبق- فعموم الادلة فى نفى كمال الايمان الواجب اذا لم يجمع اطرافها وتقيد لم تكن صريحة- فجمع اطراف الادلة هو فقط ما يؤدى الى جواب سؤالك اخى ابو محمد المأربى -- فالعموم مع التخصيص او الاطلاق مع التقييد وجمع اطراف الادلة فقط هو الجواب الشافى لسؤالك ---
أخي الفاضل: أرجو - من الإخوة الكرام ومشايخ المنتدى - : الإرشاد إلى موضع من القرآن أجمع أهل السنة على أنه لنفي الكمال الواجب لا أصله - هذه مسألتي - من غير تردّد في حقّيّة تصنيف نفي الإيمان خلافا للوعيدية والوعدية....
فإن عثرتم على ذلك الموضع فأرشدوني إليه لحاجة ملحّة، وإلا فلا ترحّلوا مسألتي إلى ما لا أسأل عنه ولا أبحث فيه.
هل اتضحت الفكرة؟
هل اتضحت الفكرة فكرتك واضحة اخى الفاضل وجوابها ايضا واضح
الإرشاد إلى موضع من القرآن أجمع أهل السنة على أنه لنفي الكمال الواجب لا أصله - هذه مسألتي لو وُجِد هذا لما ضل المرجئة والخوارج والمعتزلة فى نصوص الوعيد-و انما تفهم نصوص الوعد والوعيد بالضوابط التى سبق الاشارة اليها---------قال سبحانه: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ

أبو محمد المأربي
2019-03-28, 12:39 AM
هل يعني هذا: أن الأصل في نفي الإيمان في القرآن حملُه على نفي الأصل إلا بدليل يدلّ على أنه للكمال الواجب؟ لأن نفي الإيمان كثير في الكتاب العزيز

نبيل عبد الحميد العريفي
2019-03-28, 10:01 AM
جوابه : "فلما ءاسفونا انتقمنا منهم" وهذا نازل في الكفار الكفر

المحض النافي لتوفر الإيمان كله أو جزءه ؟

ومنه علم توفر الإيمان عند غيرهم من المؤمنين والمسلمين.

والآية غيرها كثير . علم السلف الصالح أن كل آية جردت الكفار والمشركين في سياق تهديد ووعيد هو نفي الإيمان عنهم جملة وتفصيلا
وتوفره عند غيرهم من المؤمنين والمسلمين.

نبيل عبد الحميد العريفي
2019-03-28, 10:08 AM
السؤال المطروح غلط . لأنه قصد الكفار والمشركين ووضع العصاة دون تقييد !

أبو محمد المأربي
2019-03-28, 11:52 AM
لو وُجِد هذا لما ضل المرجئة والخوارج والمعتزلة فى نصوص الوعيد-و انما تفهم نصوص الوعد والوعيد بالضوابط التى سبق الاشارة اليها ضلّت الوعدية والوعيدية في مفهوم الإيمان فقالوا: هو حقيقة واحدة لا مركبة، لا تقبل التجزئة والتبعّض، إذا ذهب بعضه ذهب كلّة عند الوعيدية، وعند الوعدية إذا ثبت بعضه ثبت كلّه، ثم حرّف كلّ منهما دلالة النصوص الشرعية الناقضة لأصله لتوافقه، وعند أهل السنة هو حقيقة ذات شعب أو مركبة تركيب الشجرة وأسماء الأجناس لا تركيب العشرة.

أبو محمد المأربي
2019-03-28, 11:59 AM
السؤال المطروح غلط . لأنه قصد الكفار والمشركين ووضع العصاة دون تقييد ! فهم السؤال نصف الجواب إن لم تنشط لمساعدة الإخوان فلا تخطّئ بلا مبرّر! السؤال المطروح هام وصواب وليس بخطأ: نفي الإيمان انتشر في القرآن الكريم، واعتقاد أصحاب الحديث: أن الإيمان لا ينفى عن العبد إلا لانتفاء أصله أو لانتفاء كماله الواجب.
السؤال: هل وقع في القرآن نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب بلا اختلاف بين أهل السنة؟

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 12:26 PM
هل يعني هذا: أن الأصل في نفي الإيمان في القرآن حملُه على نفي الأصل إلا بدليل يدلّ على أنه للكمال الواجب؟ لأن نفي الإيمان كثير في الكتاب العزيز

ضلّت الوعدية والوعيدية في مفهوم الإيمان فقالوا: هو حقيقة واحدة لا مركبة، لا تقبل التجزئة والتبعّض، إذا ذهب بعضه ذهب كلّة عند الوعيدية، وعند الوعدية إذا ثبت بعضه ثبت كلّه، ثم حرّف كلّ منهما دلالة النصوص الشرعية الناقضة لأصله لتوافقه، وعند أهل السنة هو حقيقة ذات شعب أو مركبة تركيب الشجرة وأسماء الأجناس لا تركيب العشرة.نعم بارك الله فيك اخى الفاضل ابو محمد المأربى
قال الإمام ابن القيم: فصل الخطاب
ومعرفة الصواب في هذه المسألة مبني على معرفة حقيقة الإيمان والكفر، ثم يصح النفي و الإثبات بعد ذلك. فالكفر والإيمان متقابلان إذا زال أحدهما خلفه الآخر, ولما كان الإيمان أصلا له شعب متعددة وكل شعبة منها تسمى إيمانا فالصلاة من الإيمان وكذلك الزكاة والحج والصيام والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل والخشية من الله والإنابة إليه حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة1 الأذى عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان, وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة, ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق, وبينهما شعب متفاوتة تفاوتا عظيما منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب, ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب.
وكذلك الكفر ذو أصل وشعب. فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر, والحياء شعبة من الإيمان, وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر, والصدق شعبة من شعب الإيمان والكذب شعبة من شعب الكفر, والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان, وتركها من شعب الكفر, والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر, والمعاصي كلها من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان. وشعب الإيمان قسمان: قولية وفعلية. وكذلك شعب الكفر نوعان: قولية وفعلية. ومن شعب الإيمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال الإيمان, فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية. فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكفر فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف فهذا أصل, وها هنا أصل آخر: وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل. والقول قسمان: قول القلب وهو الاعتقاد وقول اللسان وهوالتكلم بكلمة الإسلام, والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه, وعمل الجوارح, فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة, وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة.
فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب, وهومحبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بل ويقرون به سرا وجهرا ويقولون ليس بكاذب ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به.
فإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح ولا سيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره فإنه يلزمه من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت, ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان, فإن الإيمان ليس مجرد التصديق كما تقدم بيانه وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقا فليس هو التصديق المستلزم للإيمان فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته.
: وها هنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود وعناد, فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه, وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه. وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده. فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان, وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعا ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن اطلقه الله ورسوله عليه فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد, ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا ويسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافرا ولا يطلق عليهما اسم كافر. وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه, وإذا نفي عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 12:32 PM
وكذلك قوله: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". فهذا كفر عمل. وكذلك قوله: "من أتى كاهنا فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد". وقوله: " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنا بما عمل به وكافرا بما ترك العمل بت, فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} . فأخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه. وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ثم أخبر أنهم عصوا أمره وقتل فريق منهم فريقا وأخرجوهم من ديارهم فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق كافرين بما تركوه منه, فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي.
وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". ففرق بين قتاله وسبابه وجعل أحدهما فسوقا لا يكفر به والآخر كفر, ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العلمي لا الاعتقادي, وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان, وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقا أخرجوا من الملة بالكبائر, وقضوا على أصحابها بالخلود في النار, وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في إذنه كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك وفسوق دون فسوق وظلم دون ظلم. قال سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} . ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال: هو بهم كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته كتبه ورسله, وقال في رواية أخرى عنه: كفر لا ينقل عن الملة. وقال طاووس: ليس بكفر ينقل عن الملة. وقال وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق. وهذا الذي قاله عطاء بين في القرآن لمن فهمه فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزله كافرا ويسمى جاحد ما أنزله على رسوله كافرا. وليس الكافران على حد سواء, وسمى الكافر ظالما كما في قوله تعالى والكافرون هم الظالمون . وسمى متعدي حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالما فقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} .
وقال يونس نبيه: {لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} . وقال صفيه آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} . وقال كليمه موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} . وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم, ويسمى الكافر فاسقا كما في قوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} . وقوله: {وَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} .
وهذا كثير في القرآن ويسمى المؤمن العاصي فاسقا كما في قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} . نزلت في الحكم ابن أبي العاص وليس الفاسق كالفاسق, وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . وقال عن ابليس: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} . وقال: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} . وليس الفسوق كالفسوق.
والكفر كفران, والظلم ظلمان, والفسق فسقان, وكذا الجهل جهلان: جهل كفر كما في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} . وجهل غير كفر كقوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} .
كذلك الشرك شركان: شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر، وشرك لا ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر: وهو شرك العمل: كالرياء. وقال تعالى في الشرك الأكبر: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} . وقال: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} . وفي شرك الرياء: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} . ومن هذا الشرك الأصغر قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك". رواه أبو داود وغيره, ومعلوم أن حلفه بغير الله لا يخرجه عن الملة ولا يوجب له حكم الكفار. ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل".

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 12:40 PM
فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة وإلى ما لا ينقل عنها وكذا النفاق نفاقان: نفاق اعتقاد ونفاق عمل, فنفاق الاعتقاد هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار, ونفاق العمل كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان". وفي الصحيح أيضا: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وإذا ائتمن خان".
فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع أصل الإيمان ولكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم, فإن الإيمان ينهى المؤمن عن هذه الخلال فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لايكون إلا منافقا خالصا, وكلام الإمام أحمد يدل على هذا فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال: سألت أحمد بن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم, وهل يكون مصرا من كانت هذه حاله؟. قال: هو مصر, مثل قوله: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن". يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام, ونحو قوله: "لا يشرب الخمر حين بشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن". ونحو قول ابن عباس في قوله تعالى: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ". قال إسماعيل: فقلت: له ما هذا الكفر؟ قال: كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض, فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه.

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 12:41 PM
وههنا أصل آخر وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان وشرك وتوحيد وتقوى وفجور ونفاق وإيمان, هذا من أعظم أصول أهل السنة, وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية.ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل, وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة. قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} . فأثبت لهم إيمانا به سبحانه مع الشرك. وقال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ 1 مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . فأثبت لهم إسلاما وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه. الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله, وهؤلاء ليسوا منافقين في أصح القولين بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله وليسوا مؤمنين وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفر.
قال الإمام أحمد: من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن يريد: الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب فهو مسلم، ولا أسمية مؤمنا, ومن أتى دون ذلك يريد دون الكبائر: سميته مؤمنا ناقص الإيمان. فقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق". فدل على أنه يجتمع في الرجل نفاق وإسلام.
وكذلك الرياء شرك فإذا راءى الرجل في شيء من عمله اجتمع فيه الشرك والإسلام, وإذا حكم بغير ما أنزل الله أو فعل ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كفرا وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام, وقد بينا أن المعاصي كلها شعب من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها شعب من شعب الإيمان, فالعبد تقوم به شعبة أو أكثر من شعب الإيمان, وقد يسمى بتلك الشعبة مؤمنا وقد لا يسمى, كما أنه قد يسمى بشعبة من شعب الكفر كافرا وقد لا يطلق عليه هذا الاسم فها هنا أمران أمر اسمي لفظي وأمر معنوي حكمي, فالمعنوي هل هذه الخصلة كفر أم لا؟ , واللفظي هل يسمى من قامت به كافرا أم لا؟ فالأمر الأول شرعي محض, والثاني لغوي وشرعي.

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 12:42 PM
وها هنا أصل آخر وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمنا وإن كان ما قام به إيمانا ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافرا وإن كان ما قام به كفرا, كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم به أن يسمى عالما ولا من معرفة بعض مسائل الفقه والطب أن يسمى فقهيا ولا طبيبا, ولا يمنع ذلك أن تسمى شعبة الايمان إيمانا وشعبة النفاق نفاقا وشعبة الكفر كفرا. وقد يطلق عليه الفعل كقوله: "فمن تركها فقد كفر". "ومن حلف بغير الله فقد كفر" , وقوله: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر ومن حلف بغير الله فقد كفر". رواه الحاكم في صحيحه بهذااللفظ.
فمن صدر منه خلة من خلال الكفر فلا يستحق اسم كافر على الإطلاق, وكذا يقال لمن ارتكب محرما إنه فعل فسوقا وإنه فسق بذلك المحرم ولا يلزمه اسم فاسق إلا بغلبة ذلك عليه.
وهكذا الزاني والسارق والشارب والمنتهب لا يسمى مؤمنا وإن كان معه إيمان كما أنه لا يسمى كافرا وإن كان ما أتى به من خصال الكفر وشعبه إذ المعاصي كلها من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان والمقصود أن سلب الإيمان من تارك الصلاة أولى من سلبه عن مرتكب الكبائر. وسلب اسم الإسلام عنه أولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فلا يسمى تارك الصلاة مسلما ولا مؤمنا وإن كان شعبة من شعب الإسلام والإيمان.

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 12:47 PM
نعم يبقى أن يقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار؟ فيقال: ينفعه إن لم يكن المتروك شرطا في صحة الباقي واعتباره, وإن كان المتروك شرطا في اعتبار الباقي لم ينفعه ولهذا لم ينفع الإيمان بالله ووحدانيته وأنه لا إله إلا هو من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم, ولا تنفع الصلاة من صلاها عمدا بغير وضوء, فشعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق المشروط بشرطه، وقد لايكون كذلك [انتهى من كتاب الصلاة لابن القيم - واعتذر عن عدم الاختصار لاهمية كلام بن القيم رحمه الله].......... ويقول شيخ الاسلام بن تيمية: الإيمان: مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق، كالحج وكالبدن والمسجد وغيرها من الأعيان والصفات، فمن أجزائه ما إذا ذهب، نقص عن الأكمل، ومنه ما نقص عن الكمال [مجموع الفتاوى]

محمد عبدالعظيم
2019-03-28, 12:53 PM
من مذهب أهل السنة والجماعة نفي الإيمان عن العبد لترك واجب أو ارتكاب محرّم!
السؤال لإخواني والمشايخ الكرام: هل وقع ذلك في آية من كتاب الله بلا خلاف بين أهل السنة؟

قال تعالي
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
فيكون الايمان المنفي عن غيرهم نفي كمال

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 01:08 PM
: وها هنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود وعناد, فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه, وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه. وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده. للفائدة - هذا الاصل قد ضلت فيه افهام- ومزيد بيان لهذه المسألة سبق ان أفرد لها هذا الموضوع -
مسألتان مهمتان -كانت وما زالت مذلة أقدام ومضلة أفهام (http://majles.alukah.net/t159952/)

أبو محمد المأربي
2019-03-28, 03:35 PM
قال تعالي إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فيكون الايمان المنفي عن غيرهم نفي كمال هذا من القصر الإضافي لا الحقيقي، ونفي الإيمان إنما أخذتَه من مفهوم المخالفة، مفهوم الحصر بـ(إنما) لا من منطوق الآية، والسؤال: كان في نفي الإيمان عن العبد لارتكاب محرّم أو لترك واجب، مع أن قولك بنفي الإيمان عن غير هؤلاء الذين اتصفوا بتلك الصفات مشكل على مذهب أهل السنة في أن الإيمان لا يُنفى عن العبد إلا بترك الكمال الواجب، والإيمان الموصوف في الآية هو الإيمان الكامل، فهل برأيك ينفى الإيمان لانتفاء الكمال المستحب؟

محمد عبدالعظيم
2019-03-28, 04:44 PM
فهل برأيك ينفى الإيمان لانتفاء الكمال المستحب؟
لا
قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوي " وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الْآيَةَ فَهَذِهِ الْآيَةُ أَثْبَتَ فِيهَا الْإِيمَانَ لِهَؤُلَاءِ وَنَفَاهُ عَنْ غَيْرِهِمْ كَمَا نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ نَفَاهُ عَنْهُ فِي الْأَحَادِيثِ مِثْلَ قَوْلِهِ: {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاكُمْ} وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ} وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} الْآيَةَ. وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي نَفْيِهَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ وَالشَّارِعُ دَائِمًا لَا يَنْفِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ إلَّا لِانْتِفَاءِ وَاجِبٍ فِيهِ وَإِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ نَفْيُ الْكَمَالِ فَالْكَمَالُ نَوْعَانِ وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ فَالْمُسْتَحَبّ ُ كَقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: الْغُسْلُ يَنْقَسِمُ إلَى كَامِلٍ وَمُجْزِئٍ أَيْ: كَامِلُ الْمُسْتَحَبَّا تِ وَلَيْسَ هَذَا الْكَمَالُ هُوَ الْمَنْفِيَّ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ بَلْ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ وَإِلَّا فَالشَّارِعُ لَمْ يَنْفِ الْإِيمَانَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الصِّيَامَ وَلَا الطَّهَارَةَ وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِه َا؛ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانْتَفَى الْإِيمَانُ عَنْ جَمَاهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ إنَّمَا نَفَاهُ لِانْتِفَاءِ الْوَاجِبَاتِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ} وَ {لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ} . وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْهُ أَلْفَاظٌ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي ثُبُوتِهَا عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِهِ: {لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ}
قال ايضا
وَقَوْلُهُ: " {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ". وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ وَكَوْنَهُ لَيْسَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا؛ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مِنْ خِيَارِهِمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ: إنَّهُ صَارَ كَافِرًا. وَلَا مَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ : مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ بَلْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا. فَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ بَاطِلَةٌ قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَكِنْ الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ فِي بَابِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِلَا عِقَابٍ هُوَ الْمُؤَدِّي لِلْفَرَائِضِ الْمُجْتَنِبِ الْمَحَارِمَ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَمَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْكَبَائِرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ هُوَ مُتَعَرِّضٌ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى تِلْكَ الْكَبِيرَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِهِ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ أَوْ نَفْيَ كَمَالِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّ تَرْكَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الذَّمَّ وَالْوَعِيدَ وَالْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: الْغُسْلُ يَنْقَسِمُ إلَى: كَامِلٍ وَمُجْزِئٍ. ثُمَّ مَنْ عَدَلَ عَنْ الْغُسْلِ الْكَامِلِ إلَى الْمُجْزِئِ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا. فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ " أَنَّهُ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَقَدْ غَلِطَ. وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ وَلَكِنْ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَمَالِ الْوَاجِبِ. وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي سَائِرِ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: مِثْلُ قَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا} - إلَى قَوْلِهِ - {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} وَمِثْلُ االْقُرْآنِ} " وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي مُسَمَّى الِاسْمِ إلَّا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ؛ لَا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِه ِ فَيُفِيدُ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ يَتَبَعَّضُ وَيَتَفَاضَلُ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {يَخْرُجُ مَنْ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ} ".
وقال ايضا
. وَإِذَا عُرِفَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ فَعِنْدَ ذِكْرِ اسْتِحْقَاقِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ وَذَمَّ مَنْ تَرَكَ بَعْضَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ - يُرَادُ بِهِ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ كَقَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وَقَوْلِهِ {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا} الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } . وَقَوْلِهِ فِي الْجَنَّةِ: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} . وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} " فَنُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَشُعَبِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا حَقِيقَتُهُ أَيْ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ لَيْسَ هُوَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ

أبو البراء محمد علاوة
2019-03-28, 05:19 PM
من مذهب أهل السنة والجماعة نفي الإيمان عن العبد لترك واجب أو ارتكاب محرّم!
[/COLOR]

أصول مذاهب المرجئة نظريا

أولا: منطلق الشبهة و أساسها
إن منطـلـق الشبهات كـلها في الإيمان وأساس ضلال الفرق جميعها فيـه هـو أصل واحد اتـفـقـت عليه الأطراف المتـناقـضة جميعها , ثم تضاربـت عـقـائدها المؤسسة عليه :
وذلـك أن الخوارج والمعتـزلة والمرجئة - الجهمية منهم والـفقهاء والكرامية - اتـفـقـوا عـلى أصل واحد انطلقوا منه : هـو أن الإيمان شئ (1) واحد لا يزيـد ولا ينقص , وأنه لا يجتمع في الـقـلـب الواحد إيمان ونفاق , ولا يكون في أعمال العبد الواحـد شعبة من الشرك وشعبة من الإيمان .
والعجيب أن هـذه الفرق تحسب أن هـذا موضع إجماع وتدعي ذلـك , وعليه تبني معتـقدها, وإنما هـو إجماع بينها فقط , وربما كان ذلك لأن أكثر المصنفين في الفرق و المقالات هـم من غـيـر أهـل السنة , ولا يذكرون مذهب أهل السنة , وإنما يذكرون مذاهـب أهـل الكلام والجدل.
على هـذا الأصل بنى الخوارج قـولهم : أن مرتـكب الكبيرة غير مؤمن , لأن إيمانه زال بارتكاب الكبيرة , ثم اختـلـف عليهـم بعض فرقهم في معنى هذا الكفـر وبعض لوازم هـذا القول.
ووافقهم المعتـزلة على هـذا , لكن لما رأوا أن التـسوية في الحكم بين الكافـر والمرتـد , وبين الزاني والسـارق
والشارب يستبعده العـقـل والشرع , حيث فرق الله بين حكم كـل من هـذين في الدنيا و الآخرة , اكتـفـوا بإزالة اسم الإيمان عنه ولم يدخـلوه في مسمى الكـفـر , فابـتـدعـوا ما أسموه " المنزلة بين المنـزلتين " .
أما في المآل والعاقبة - أي أحكام الآخرة - فهم والخوارج سواء , فـقـد اتـفـقـتـا في الحكم وهـو التخليـد في النار , واختـلفتا في الاسم , فالخوارج سموه كافرا , وهـؤلاء جعلوه في منزلة بين المنـزلتين.
وأما المرجئة فإنهم - مع الإيمان بالأصل المذكور - وجدوا النصوص الكثيرة (2) والنظر العـقـلي يدلان على فساد قول الخـوارج ومعهـم المعتـزلة , ووجدوا كذلك - وهـذه شبهة أساس عندهم - أن ارتكاب المحظورات وترك الفرائض هـو من جنس الأعمال لا الاعتـقادات , فاتـفـقـت سائـر فـرقهم عـلى إخـراج الأعمال من مسمى الإيمان حتى يسلم لهـم الأصـل المذكور , فيظـل تارك الفريضة أو مرتكب المحرم مؤمنا , بل لم يتورع بعضهم عن التصريح بمساواة إيمانه بإيمان الملائكة و النبيين بناء عـلى هذا الأصل.
ثم إن المرجئة اختلفـت فرقهم , فمنهم من يقول : الإيمان محله الـقـلب , ومنهم من يضيف إليه إقرار الـلسان .
والذين قالوا محله القلب اختـلفـوا في التسمية , فقال بعضهم : هـو المعـرفة , وقال آخرون : هـو التصديق .
والذين قالوا: أن الإيمان يشمل الاعتـقاد والإقـرار معا افترقـوا , فمنهم من خص الاعتـقاد بالتصديق , ومنهم من أدخل سائـر أعمال الـقـلب فيه . والذين خصوه بالتصديق أولوا أصل مذهـبهم في الإقرار والنطق بأنه علامة عـلى ما في القـلـب فقط , أو ركن زائد وليس بأصلي ونحو ذلـك .
والكـرامية - خاصة - بـقـوا عـلى الأصل نفـسه أنــه شئ واحد, لكن جعلوه الإقـرار والنطق فقط .
وبهذا الإيجاز والإجمال يتبين لنا أنه يمكن هـدم مذاهب المخالفين في الإيمان جميعها بهدم هذا الأصل الـفـاسد الذي هـو رأي مجرد عن النصوص , كما يمكن وضع ضابط لمعرفة مذاهـب الناس في الإيمان - ولا سيما المرجئة - بحسب محـل الإيمان من الأعضاء .
ثانيا : هـدم هـذا الأصـل شـرعـا :
من أسهـل الأمور وأجلاها بيان فساد هـذا الأصل , ولهذا سنكتـفي بإيـراد هـذه الأدلة المجملة (3) .
1 - انعقاد الإجماع عـلى ذلـك من الصحابة والتابعين وتابعيهم - كما سبق - وهـو إجماع مستـنـد إلى النصوص الصريحة من الكتاب و السنة في زيادة الإيمان ونـقـصه , واجتماع النفاق والإيمان في الـقـلـب الواحـد واجتماع الشرك والإيمان في عمل الرجل الواحد (4) .
2 - تـفاضل المؤمنين في الأعمال الظاهـرة تـفاضلا لا ينكره إلا مكابـر , فمنهم القانت الأواب , والمجاهـد الدائب , ومنهم المقتصد , ومنهم الظالم لنفسه المنهمك في فـسقـه .
3- تـفاوت المؤمنين في الأعمال الباطنة , كالحب والخوف والرجاء والذكر والتـفكر في آلاء الله وآياته والخشوع
واليقين … ونحو ذلك مما لا يجحده إلا معاند عامد.
4- تـفاوت الناس في العلم بما يؤمن به - حتى لو سلم جدلا أنه التصديق - فمنهم من يعلم من صفات الله وآياته وأسباب سخطه ومرضاته الشىء الكثير , ويؤمن بذلك ويعـتـقـده مفـصلا , ومنهم من لا يعلم منه إلا النزر اليسيـر الـمجمل , فلا مراء في أن الأول مصدق بأضعاف ما الآخـر مصدق به , فالمعرفة والعلم واليقين كل منها درجات متـفاوتة , والإنسان الواحـد نفسه يكون إيمانه بشىء أقـوى من إيمانه بشىء آخر , ويكون إيمانه بالشىء اليوم أقـوي منه غدا أو العكس .
5- أن الإيمان يتـفاوت بتـفاوت سببه و مستـنده , فمن آمن بسبـب آية خارقة رآها , ليس كمن آمن تبعا لإيمان غيره من الناس أو نحو ذلـك من الأسباب العارضة (5) .
ثالثا : ضـابط مـعـرفة أصـول الـفـرق في الإيـمـان :
يمكن معرفة أصول الفرق المختـلفة في الإيمان بتـقسيم الأقـوال منطقيا حسب الأعضاء الثلاثة : " القـلب , اللسان , والجوارح " وقد وضع هذا الضابط - نصا أو تـلميحا - بعض المؤلفين من العلماء , عوضا من استعراض الفرق الذي سارت عليه كتـب الفرق و المقالات , ومنهم الإمام الطبري (6) . وابن حزم (7) وشيخ الإسلام ابن تيمية (8) وابن أبى العز (9) , وقـد رأيـت أن أستـفيد من مجموع كلامهم ، وأوجز كلامهم وأستخرج منه مع الزيادة والإيضاح ضابطا محددا يعين على معرفة الأقوال والتـفريق بينها بيسر وسهولة فكان هذا التـقسيم :
- أن الإيمان بالقلب واللسان والجوارح
1-أهل السنة
2-الخوارج
3- المعتـزلة
أن الإيمان بالقلب واللسان فقط
المرجئة الفقهاء
ابن كلاب
- أن الإيمان باللسان والجوارح فقط
الغسانية أو فرقة مجهولة 6
- أن الإيمان بالقلب فقط
الجهمية
المريسية
الصالحية
الأشعرية
الماتريدية
وسائر فرق المقالات
- أن الإيمان باللسان فقط
الكرامية
وبعض هذه الأقسام تحتاج لتفصيل إيضاحى وهى :
أ*- الذين قالوا إنه بالقلب واللسان والجوارح طائفتان
1- الذين قالوا : الإيمان فعل كل واجب وترك كل محرم ، ويذهب الإيمان كله بترك الواجب أو فعل الكبيرة ، هم :
1- الخوارج :
ومرتكب الكبيرة عندهم كافر .
2- المعتزلة :
ومرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين المنزلتين .
2- الذين قالوا : الإيمان قول وعمل (10) , وكل طاعة هى شعبة من الإيمان أو جزء منه ، الإيمان يكمل باستكمال شعبه وينقص بنقصها ، ولكن منها ما يذهب الإيمان كله بذهابه ومنها ما ينقص بذهابه .
فمن شعب الإيمان أصول لا يتحقق إلا بها ، ولا يستحق مدعيه مطلق الاسم بدونها .
ومنها واجبات لا يستحق الاسم المطلق بدونها .
ومنها كمالات يرتقى صاحبها إلى أعلى درجاته .
(وتفصيل هذا كله حسب النصوص)
وهم أهل السنة والجماعة .
ب*- الذين قالوا : إنه يكون بالقلب واللسان فقط : طائفتان
1-الذين منهم يدخلون أعمال القلب وهم بعض قدماء المرجئة الفقهاء وبعض محدثى الحنفية المتأخرين
2-الذين لا يدخلون أعمال القلب ، وقد تطور بهم الأمر إلى إخراج قول اللسان أيضا" من الإيمان وجعلوه علامة فقط وهم عامة الحنفية (الماتريدية)
ج-الذين قالوا : إنه يكون بالقلب فقط : ثلاث طوائف
1-الذين يدخلون فيه أعمال القـلب جميعا ، وهم سائر فرق المرجئة كاليونسية والشمرية والتومنية .
2-الذين يقولون :
هو المعرفة فقط :
الجهم بن صفوان .
3-الذين يقولون :
هو التصديق فقط :
الأشعرية والماتريدية .
هـذه هـي الأصول النظرية عامة .
أما في واقع الظاهرة فـقـد تـقـلـصت هـذه الفرق إلى أقل من ذلك نظرا للتداخلات والتطورات الفكرية التى كان أهمها وأجلاها :
1- استخدام قواعد المنطق وإدخاله علما معياريا يحكم في القضايا النظرية الخلافية عامة, ومنها قضية الإيمان .
2- تحول مباحث العقيدة أو التوحيد والإيمان إلى "علم الكلام" الذى يقـوم على أسس فـلسفية ويستخدم القـواعد المنطقية ، وإجمالا هـو مباحث نظرية عقـلية ليس للنصوص فيها - إن وجدت - إلا مكانة ثانوية ، لا سيما في العصور الأخيرة . وهذا ما سوف نفصل الحديث فيه عما قـليـل .
والمهم هـنا أن هـذه الأسباب وغيرها من الأسباب التاريخية البحتة أدت إلى انـقـراض بعض الفرق الإرجائية ، وهـي :
1- الكرامية :
لم يعد لهم وجود ولا لفكرهم إلا في كتب المخالفين ، مع أنها آخـر المذاهـب المبتدعة في الإيمان (11) , ظهورا .
وانقراضهم قديم نسبيا ، يقول الذهبى (فى القرن الثامن) : " وكان الكرامية كثيرين بخراسان ولهم تصانيف ، ثم قلوا وتـلاشوا ، نعـوذ بالله من الأهـواء" (12) .
هذا مع أنه كان لهم وجود ظاهـر حتى نهاية القرن السادس ومطلع السابع ، فإن المؤرخين لـلـرازى وعـلى رأسهم ابن السبكى (13) . ذكروا مناظراتـه لهم ، وكتـب الرازى تـنضح بذلك ، والرازى هـو الإمام الثانى للأشعرية توفى سنة 606هـ (14) .
وقبل ذلك أثـناء ظهور إمام الأشعرية الأول وناشر المذهب ( أبـو بكـر الباقلاني ) , كان في مقدمهم ابن الهيصم يكتب ويناظر في الطرف الآخر .
قال شيخ الإسلام : " وقد رأيت لابن الهيصم فيه مصنفا في أنه قول اللسان فقط ، ورأيت لابن الباقلانى فيه مصنفا أنه تصديق الـقـلـب فـقـط ، وكلاهما في عصر واحد وكلاهما يرد على المعتـزلة والرافضة " (15) ..
2- الجهمية وأصحاب المقالات (كاليونسية والشمرية) :
انقرض القائلون بأن الإيمان هـو مجرد المعرفة الـقـلبية .
ولكن العجيب هـو قيام أعظم مذهـبين في الإرجاء وهـما الأشعرية والماتريدية الـلـذان يشكلان جملة الظاهـرة العامة على أصوله في أن الإيمان هـو ما في الـقـلـب فقط ، حتى إن الماتريدية أولت ما هـو مشهور عن أبي حنيفة أن الإقـرار بالـلسان ركن آخـر للإيمان ، وجعلوه علامة فقط كما سيأتى عنهم .
هذا مع أن الأشعري نفسه صرح بمذهـب جهم وجعـله الفرقة الأولى من فرق المرجئة ، والمنتسبون إليه يقرؤون ذلـك إلى اليوم ، بل إن كلام إمامهم المتـقدم " الباقلاني " في الإيمان يماثـل ما ذكره إمامهم المنتسبون إليه " الأشعرى " عن جهم !! وهذا من تـناقضهم .
وعلى هذا يصح أن نقول إن مذهب الجهمية في جملته لم ينقرض، وإنما انقـرض القسمان الأولان من الأقـسام الثلاثة المتفقة على الإيمان يكون بالقلب وحده - أعني سائر الفرق ذات المقالات والجهمية - .
أما الفرقة الثالثة فكل ما عملته هو تحوير أو تعديل في كلام جهـم، فوضعت التصديق بدلا من المعرفة، وصرحت بنفي أعمال القلب الأخرى مثلما صرح جهم وجعلت الأعمال المكفرة مجرد علامة على الكفر الباطن ، وجعلت كل من حكم الشرع بكفره فاقدا للتصديق القلبي، ونحو ذلك من الآراء واللوازم الـتي لم يخالفـوا جهما في شئ منها , إلا إذا صح أن جهما التـزم القول بأن من أعلن التـثـليث في دار الإسلام وحمل الصليب بلا تـقية أنه يكون مؤمنا إذا كان يعرف الله (16) . على أن ابن حزم نسب هذا الالتـزام للأشعرى معه ، ولا يصح هذا عن الأشعري .
لكن الأشعرية يقولون إنه يمكن أن يكون مؤمنا في الباطن ، ولكن إعلانه التثـليث وحمله الصليـب دليل على كفره ، وعلامة عليه ، فهو كافر " ظاهرا " مع كونه مؤمنا " باطنا " إذا كان مصدقا !!
وعلى أية حال فإن الفرق بين التصديق المجرد من أعمال القلب وبين المعرفة مما يتعذر على العقول إدراكه ، كما نص شيخ الإسلام على أن الانقراض قد شمل أيضا آراء بعض قدماء المذهب الأشعري ؛ فمؤسسه ابن كلاب كان على عقيدة المرجئة الفقهاء (17) .، وأما أبو عبدالله بن مجاهد تلميذ الأشعري وشيخ الباقلاني ، وأبو العباس القلانسي ، ونحوهم ؛ فكانوا على عقيدة السلف في الإيمان - كما نقله عنهم أبو القاسم الأنصارى شيخ الشهرستاني في شرح كتاب الإرشاد للجويني (18) . وكل هؤلاء لم يبق لهم في مذهب الأشعرية أثر .
3- الـمـرجـئة الـفـقـهـاء:
بعد أن استـقـرت الأمة على التمذهب بالمذاهب الأربعة المشهورة ، استـقـر مذهب المرجئة الفقهاء ضمن مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، ولهذا أصبح يسمى مذهـب الحنفية .
وأبو حنيفة رحمه الله تضاربت الأقوال في حقيقة مذهبه - وموقـفه من أعمال القـلوب خاصة - أهي داخلة في الإيمان أم لا ؟
ولم يثبت لدي فيما بحثـت أي نص من كلام الإمام نـفسه ، إلا أنني لا أستبعد أنه رحمه الله رجع عن قوله ووافق السلف في أن الأعمال من الإيمان ، وهذا هـو المظنون به (19) . أما المشهور المتـداول عنه فهـو مذهـب المرجئة الفقهاء , أي إن الإيمان يشمل ركنين : تصديق القلب وإقرار اللسان ، وأنه لا يزيـد ولا ينـقص ولا يستـثـنى فيه ، وأن الفاسق يسمى مؤمناً , إذ الإيمان شىء واحد ينتـفي كـله أو يبقى كله حسب الأصل المذكور سابقاً .
وأشهـر من يمثـل هـذا المذهـب هم فقهاء الحنفية المتمسكون بعقيدة السلف وعلى رأسهم الإمام أبو جعـفـر الطحاوي صاحب العقيدة المشهورة ، والإمام القاضي ابن أبي العـز شارحها ، وقـليـل من المتـأخرين .
وحقيقة الأمر أن مذهب هـؤلاء مضطرب متردد ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " إنهم إذا لم يدخـلوا أعمال القـلوب في الإيمان لزمهم قول جهم ، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً , فإنها لازمة لها ". (20) .
وعبارة الطحاوي رحمه الله تدل على هذا فإنه قال : " والإيمان هو الإقـرار باللسان والتصديق بالجنان ، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق ، والإيمان واحد ، وأهـله في أصله سواء ، والتـفاضل بينهم بالخشية والـتـقى ومخالفة الهوى ، ملازمة الأولى (21) .
فقوله : " والإيمان واحد " شاهد لما قلنا من أن أصل الشبهة ومنطلقها هـو هـذا .
وقوله : "في أصله سواء والتفاضل بينهم بالخشية والتـقى" إلخ , مخالف لذلك ، فاضطربت عبارته ؛ لأن قوله : "وأهـله في أصله سواء" يدل عل أن للإيمان أصلاً وفرعاً أو فروعاً - هو أعمال الجوارح وأعمال القلب- .
فيقال : إن كان الفرع داخلاً في مسمى الأصل كما هـو الشرع واللغة والعرف لم يعـد الإيمان واحداً ، بل متـفاوتـاً متـفاضلاً - كإثباته التـفاضل في الخشية والتـقى - .
وإن كان غيـر داخل في مسماه فقوله : "وأهـله في أصله سواء" غير دقيق فينبغي أن يـقول "وأهـله فيه سواء" .
والذي دفعه رحمه الله إلى الوقوع في هـذا هـو محاولة الجمع بين مذهـبي السلف وأبي حنيفة , لأن الرجل حنـفي سلـفي ، وكذا شارح عقيدته ، فإنه حاول ذلك أيضاً وأراده ، ولهذا قال في شرح العبارة " ولهـذا - والله أعلم - قال الشيخ رحمه الله : وأهـله في أصله سواء يشيـر إلى أن التساوي إنما هـو في أصله ، ولا يلزم منه التساوي من كل وجه ". (22) .
فيقال له : ما هذا الأصل من التصديق الذي يكون أهـل الإيمان كلهم مشتركين فيه ويكون ما فوقه زيادة عليه ؟ ومن الذي وضعه ؟ وهـذا في الحقـيـقة يقودنا إلى قـضية فـلسفية منطقية هي إثبات الماهـية المشتركة خارج الذهـن (23) . وهـو ما لا يقره رحمه الله .
وهاهـنا قضية مهمة ، وهي أن بعض الناس يثبتون أن الخلاف بين مذهـب السلف ومذهـب أبي حنيفة لفظي بإطلاق ، مستـدلين بظواهـر بعض كلام شيخ الإسلام وبمثـل صنيع الطحاوي والشارح ، والأخير نص عـلى أن الخلاف صوري ، ونحن وإن كان غرضنا هـنا ليس التـفصيل وإنما هو إثبات الظاهرة , فإننا نبين وجه الحق في ذلك وعلاقته بتطور الظاهرة قائمة أيضاً ؛ لأن بعض الناس قد يحسب أن الماتريدية - وهي الطور النهائي للظاهرة بالنسبة للمرجئة الفقهاء- هي عـلى مذهـب أبي حنيفة كما تـزعم ، والخلاف بينها وبين السلف صوري .
وسوف نبطل ذلك ببيان حـقـيـقـة الخلاف بين أبي حنيفـة والسلف ، ثم نبين بـعـد خـروج مذهـب الماتـريـديـة عن حقيقة مذهـب الإمام.
بل إن بيان مذهب أبي حنيفة والمرجئة الفقهاء عامة لهو مما يدل عـلى انـقـراضه إلا من أمثال هـذين الإمامين.
فما حقيقة الخلاف بين مذهب السلف ومذهب الحنفية ؟
قبل الإجابة المباشرة يجب أن نتذكر ما سبق في فصل " المرجئة الفقهاء " من نـقـل ذم علماء السلف للمرجئة وأنهم هـم هؤلاء ، وبيان ظلالهم وبدعتهم ، وهو ما تنصح به كتب العقيدة الأثرية عامة ، فهل يعـقـل أن يكون هذا كله والخلاف لفظي فقط ؟!
والذي تبينته من خلال الدراسة والتـتبع أن سبب الـلـبس الواقع أحياناً هـو أن لـلمسألـة جانبين :
الأول : ما يتعلق بحقيقة الإيمان أو ماهـيتـه الـتصورية إن صح التعـبير :
والخلاف فيها حقيـقي قطعاً ، وله ثمراتـه الواضحة وأحكامه المترتبة مثـل :
1- فالسلف يـقولون بزيادته ونقصانه ، وهـؤلاء يقـولون بعدمها .
2- إطلاقه على الفاسق أو عدمه , فالسلف لا يطـلـقونه على الفاسق إلا مقيداً ، وهؤلاء بعكسهم .
3- هـل يقع تاماً في الـقـلـب مع عدم العمل أم لا ؟ عند السلف لا يقع تاماً في الـقـلـب مع عـدم العمل ، وعند هؤلاء يقع .
4- وعند السلف أعمال القـلب هي من الإيمان ، وعند هـؤلاء خشية وتـقوى لا تدخـل في حقيقتـه .
5- وعنـد السلف الإيمان يتـنوع باعتبار المخاطبين به ... فيجب على كل أحد بحسب حاله وعلمه ما لا يجب على الآخر من الإيمان ، وعند هـؤلاء لا ينوع .
6- السلف يقـولون إنه يستـثـنى فيه باعتبار ، وهؤلاء يقولون لا يجوز ذلـك لأنه شك .
7- إطلاق نصوص الإيمان على العمل أهـو حقيـقة أم مجاز؟ فالسلف يقولون حقيقة ، وهـؤلاء يقولون مجاز .
8- وهـؤلاء يقولون : يجوز أن يقول أحد : إن إيماني كإيمان جبريل ، والسلـف يـقـولون : لا يجوز بحال .
الثاني : ما يتعـلق بـالأحـكـام والمآلات وأهـمـهـا :
1- حكم مرتـكـب الكبيرة عند الله ، وأنه لا يطلق عليه الكـفر في الدنيا ، ولا يخلد في النار في الآخرة ، بـل هـو تحت المشيئة .
2- كون الأعمال مطلوبة ، لكن أهي أجزاء من الإيمان أم مجرد شرائع له وثمرات ؟ فمن نظر إلى هـذا فقط قال إن الخلاف صوري أو إن النـزاع لـفـظي .
ولكن مما يرد به على أصحاب هـذا المذهـب في الـقول نفسه - فضلاً عن القسم الأول - :
1- أن إخراج الأعمال من مسمى الإيمان بدعة لم يعرفها السلف .
2- أن ذلـك اتخـذ ذريعة لإرجاء الجهمية - كما سبق , بل أدى إلى ظهور الفسق - كما ذكـر شيخ الإسلام .
3- أنـه تـكـلـف وتعـسـف في فهـم الأدلة ورد ظواهـرهـا الصريحة .
4- أن كـل شبهـة لهـم في ذلـك منـقوضة بـحجة قوية .
على أن القضية المهمة في الموضوع والتي ترتـب عليها خلافهم في حكم تارك الصلاة - وقولهم أنه يقتـل حداً- هي قضية تـرك جنس العمل بالكلية .
فقولهم : إنه مؤمن يجعل الخلاف حقيقياً بلا ريب ، بـل هـم يجـعـلونه كامل الإيمان عـلى أصلهم المذكور .
فالخلاف فيها لا يقتصر على التسمية والحكم في الدنيا بل في المآل الأخـروي أيضاً ، هـذا ما أخطأ فيه شارح الطحاوية حين قال : " وقـد أجمعوا - أي السلف والحنفـية - على أنه صدق بقـلبه وأقـر بلسانه وامتـنع عن العمل بجوارحه أنـه عاص لله ورسولـه ، مستحق للوعيد ". (24) .
واستـدل بهذا على أن الخلاف صوري ، والواقع أن مجرد الاتـفاق على العقوبة لا يجعل الخلاف كذلـك .
بل مذهـب السلف أن تارك العمل بالكلية كافر ؛ إذ انعقـد إجماع الصحابة عليهم رضوان الله على تكـفـيـر تارك الصلاة ، ولم يخالف في ذلك أحد حتى ظهـرت المرجئة وتأثر بها بعض أتباع الفقهاء الآخرين ، دون علم بأن مصدر الشبهـة وأساسها هـو الإرجاء " (25) .
ونعود إلى موضوع انـقراض هـذا المذهـب وتطور الظاهـرة ، فـنقول : إن أحـداً في النصف الثاني من القرن الثاني لم يكن يتوقع انـقـراض هـذا المذهـب ؛ لأنه كان يمثـل مذهـب الدولة الرسمي - أو شبه الرسمي - ويكاد يسيطر على أصحاب المناصب العلمية والقضائية الرسمية في بغداد والأقاليم .
ولكن لم يلبث أن انقرضت صورته وتحول إلى مذهب فلسفي كلامي منذ القرن الرابع ، ومن أهم أسباب ذلك :
1- المقاومة الشديدة التي بذلها أهل السنة في محاربتـه ، وعـلى رأسهـم الإمام أحمد - الذي كان يدرس كتاب الإيمان وكتاب الأشربة (26) له في الحـلـقـات العامة - وماثـله واقتدى به علماء الحديث والرجال (27) فلم يحقق مذهب الحنفية أي انتصار علمي يذكر .
وبعد التـغيـر الجذري الذي انتهـت إليه فتـنة الإمام أحمد ، والمكانة العليا التي تبوأها لدى الخلفاء والعلماء والعامة ، وبروز المذاهـب الأخرى - لا سيما الشافعـية - تـقـلـصت مكانة هـذا المذهـب في الفـروع ، وكان تـقـلـصها في الأصول أكثر .
2- انتشار المنطق والـفـلـسفة وعلم الكلام ، فـقـد حاول متـكـلموا هـذا المذهـب تعويض الهزيمة التي لحقـتـه في المجال العلمى النصي ( الكتاب والسنة ) بإضفاء الطابع الـفـلسفي عليه ، مستـفيدين من هـذا الانتشار الذي لم يقابله أهل السنة بما يستحق - لأسباب يطول ذكرها - فمال إليه الطبـقة المثـقـفة ، وتخـلى معظم الـفـقهاء الحنـفية ( وغيرهم ) عن التعـرض لأمور الـعـقـيـدة وأحالوهـا إلى علماء الكلام ، وهـنا برز من متكلمي الحنفية رجـل كان لـه أعظم الأثـر في الانـتـصار لمذهـب جهـم وتحويل مذهـب الحنفية إليه ، وهـو أبـو منصور الماتريدي . (28) .
وقد اضطر الحنفية في بعض المراحـل إلى الالتصاق بالأشعرية الذين كانوا أكثر منهم تعمقاً في الكلام , حتى أصبح كلام الباقلاني والرازي من أهـم مصادرهـم . وهـذا مما جعل الـفـرقتين تتـقاربان كثيراً ، حتى إن مسائـل الخلاف بينهما حصرت في قضايا معدودة أكثرهـا فلسفي .

منقول عن موقع الدرر السنية

أبو محمد المأربي
2019-03-28, 05:43 PM
لا ، قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوي " وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ... { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} راجع بنفسك كتب التفاسير المسندة وغيرها في آية الحجرات حتى تعلم أن السلف اختلفوا: هل هو لنفي الأصل أو لنفي الكمال، وكذلك آية النور اختلفوا: هل هو لنفي الأصل أو للكمال وجمهور المفسّرين في الموضعين على نفي الأصل. أما ءاية الأنفال فقد اختلفوا أيضا هل هو لنفي الأصل أو للكمال. وبعض المفسّرين: حملوا آية الأنفال على المؤمن الكامل الكمال الواجب والمستحب بدلائل وقرائن في الآية.

أبو البراء محمد علاوة
2019-03-28, 05:58 PM
ومما يتعلق بالموضوع:
المقصود بالفاسق الملي

والمقصود به الفاسق من أهل القبلة، والنزاع في اسمه وحكمه هو أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين.
قال شيخ الإسلام: (وبتحقق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع، ويعلم أن في المسلمين قسما ليس هو منافقا محضا في الدرك الأسفل من النار، وليس هو من المؤمنين الذين قيل فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصادِقُونَ [الحجرات:15].
ولا من الذين قيل فيهم: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4] فلا هم منافقون ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقا، ولا من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب. بل له طاعات ومعاص، وحسنات وسيئات، ومعه من الإيمان ما لا يخلد معه في النار، وله من الكبائر ما يستوجب دخول النار.
وهذا القسم قد يسميه بعض الناس: الفاسق الملي وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه. والخلاف فيه أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين) (1) .
وأهل السنة لا يكفرون هذا الصنف، ولا يحكمون بخلوده في النار، بل يرون أنه تحت المشيئة،، لكنهم تنازعوا في اسمه، هل يطلق عليه مؤمن أم لا؟
قال شيخ الإسلام: (وأما أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر طوائف المسلمين من أهل الحديث والفقهاء وأهل الكلام من مرجئة الفقهاء والكرامية والكلابية والأشعرية والشيعة، مرجئهم وغير مرجئهم، فيقولون: إن الشخص الواحد قد يعذبه الله بالنار ثم يدخله الجنة، كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة.
وهذا الشخص الذي له سيئات عذب بها وله حسنات دخل بها الجنة، وله معصية وطاعة، باتفاق فإن هؤلاء الطوائف لم يتنازعوا في حكمه، لكن تنازعوا في اسمه. فقالت المرجئة، جهميتهم وغير جهميتهم: هو مؤمن كامل الإيمان.
وأهل السنة والجماعة على أنه مؤمن ناقص الإيمان، ولولا ذلك لما عذب، كما أنه ناقص البر والتقوى باتفاق المسلمين.
وهل يطلق عليه اسم مؤمن؟ هذا فيه القولان، والصحيح التفصيل:
فإذا سئل عن أحكام الدنيا كعتقه في الكفارة، قيل: هو مؤمن. وكذلك إذا سئل عن دخوله في خطاب المؤمنين.
وأما إذا سئل عن حكمه في الآخرة، قيل: ليس هذا النوع من المؤمنين الموعودين بالجنة، بل معه إيمان يمنعه الخلود في النار، ويدخل به الجنة بعد أن يعذب في النار، إن لم يغفر الله له ذنوبه. ولهذا قال من قال: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان.
والذين لا يسمونه مؤمناً من أهل السنة ومن المعتزلة يقولون: اسم الفسوق ينافي اسم الإيمان لقوله: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ [الحجرات:11] وقوله: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا [السجدة:18] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)) (2) (3) .
وقال أيضا: (ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الإيمان بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان (4) في مثل قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]، وقوله: ((لا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ السارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ الناسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) (5) .
ويقولون: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم) (6) .
(والفرق بين مطلق الشيء، والشيء المطلق، أن الشيء المطلق هو الشيء الكامل، ومطلق الشيء يعني أصل الشيء وإن كان ناقصا. فالفاسق لا يعطى الاسم المطلق في الإيمان وهو الاسم الكامل، ولا يسلب مطلق الاسم، فلا نقول: ليس بمؤمن، بل نقول: ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو المذهب العدل الوسط، وخالفهم في ذلك طوائف: المرجئة يقولون: مؤمن كامل الإيمان، والخوارج يقولون: كافر. والمعتزلة في منزلة بين المنزلتين) (7) .
الإيمان المنفي عن الزاني والسارق:
قد تبين أن الشارع ينفي الإيمان المطلق عن أصحاب الذنوب، كالزاني والسارق وشارب الخمر، ولا ينفي عنهم مطلق الإيمان، ولهذا فهم مسلمون مصدقون، ولديهم من أعمال القلب والجوارح ما يصحح إيمانهم، ويدفع الكفر والنفاق عنهم.
وقد دلت السنة الصحيحة على أن الإيمان يرتفع عن الزاني حين يزني، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ)) (8) ، والمقصود بهذا الإيمان: الخشية والنور والخشوع، لا أن التصديق يذهب، أو أن عمل القلب يزول بالكلية.
فالزاني حين يزني، لابد أن يعتقد حرمة الزنا، وأن يبغضه، ويكرهه، ويخاف من عاقبته، وهكذا السارق وشارب الخمر ونحوهما، وبهذا يبقى لهم أصل الإيمان.
قال شيخ الإسلام: (ومن أتى الكبائر مثل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر وغير ذلك، فلابد أن يذهب ما في قلبه من تلك الخشية والخشوع والنور، وإن بقي أصل التصديق في قلبه، وهذا من الإيمان الذي ينزع منه عند فعل الكبيرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ السارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) (9) . فإن المتقين كما وصفهم الله بقوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، فإذا طاف بقلوبهم طائف من الشيطان تذكروا فيبصرون. قال سعيد بن جبير: هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله فيكظم الغيظ. وقال ليث عن مجاهد: هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه. (10) .
والشهوة والغضب مبدأ السيئات، فإذا أبصر رجع. ثم قال: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202] أي وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون. قال ابن عباس: لا الإنس تقصر عن السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم. فإذا لم يُبصر بقي قلبه في غي والشيطان يمده في غيه، وإن كان التصديق في قلبه لم يكذّب، فذلك النور والإبصار وتلك الخشية والخوف يخرج من قلبه. وهذا كما أن الإنسان يُغمض عينيه فلا يرى شيئا وإن لم يكن أعمى، فكذلك القلب بما يغشاه من رَيْن الذنوب لا يبصر الحق وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر، وهكذا جاء في الآثار).
وأورد آثارا عن الحسن وابن عباس وأبي هريرة، ثم قال: (وفى حديثٍ عن أبى هريرة مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان كان كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان)) وهذا إن شاء الله يبسط في موضع آخر) (11) .
فبين أن الذي يرتفع عن الزاني هو النور والخشية والخشوع، مع بقاء التصديق في قلبه، وبين في موضع آخر اشتراط وجود عمل القلب، من بغض المعصية وكراهيتها، والخوف من الله حال ارتكابها، ليبقى عقد الإيمان، فقال: (الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعل مكروهات الحق فلضعف بعضها في قلبه أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات كالفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، والقول على الله بغير علم، إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض، لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها ولم يخف الله فيها ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنا بحال، بل هو كافر أو منافق) (12) .
وقال: (وأيضا فقد ثبت في (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)) (13) وفى رواية: ((وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ)) (14) فهذا يبين أن القلب إذا لم يكن فيه بغضُ ما يكرهه الله من المنكرات، كان عادما للإيمان. والبغض والحب من أعمال القلوب. ومن المعلوم أن إبليس ونحوه يعلمون أن الله عز وجل حرم هذه الأمور، ولا يبغضونها، بل يدعون إلى ما حرم الله ورسوله) (15) .
تنبيه:
وقع في كلام بعض أهل العلم أن المراد بنفي الإيمان الوارد في بعض النصوص: هو نفي الكمال، وهذا لابد أن يقيّد بالكمال الواجب، وإلا فتارك الكمال المستحب، لا ينفى عنه الإيمان، وإلا للزم نفي الإيمان عن أكثر الناس.
فمن الأول: قول النووي: بَاب بَيَانِ نُقْصَانِ الْإِيمَانِ بِالْمَعَاصِي وَنَفْيِهِ عَنْ الْمُتَلَبِّسِ بِالْمَعْصِيَةِ عَلَى إِرَادَةِ نَفْيِ كَمَالِهِ...
فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يُذم تاركه، ويتعرض للعقوبة، فقد صدق. وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب، فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله، ولا يجوز أن يقع؛ فإن من فعل الواجب كما وجب عليه، ولم ينتقص من واجبه شيئا، لم يجز أن يقال: ما فعله، لا حقيقة ولا مجازا، فإذا قال للأعرابي المسيء في صلاته: ((ارجع فصل فإنك لم تصل))، (16) وقال لمن صلى خلف الصف وقد أمره بالإعادة: ((لا صلاة لفذ خلف الصف)) (17) كان لترك واجب...) (18) .
فائدة: في مراتب النفي
قال الشيخ ابن عثيمين: (ونفي الشيء له ثلاث حالات: فالأصل أنه نفي للوجود، وذلك مثل: (لا إيمان لعابد صنم)، فإنْ منعَ مانعٌ من نفي الوجود، فهو نفي للصحة، مثل: (لا صلاة بغير وضوء)، فإن منع مانع من نفي الصحة، فهو نفيٌ للكمال، مثل: ((لا صلاة بحضرة الطعام)) (19) .، فقوله: ((لا يؤمن أحدكم)) نفي للكمال الواجب، لا المستحب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا ينفى الشيء إلا لانتفاء واجب فيه، ما لم يمنع من ذلك مانع) ) (20) . (21)

منقول عن موقع الدرر السنية

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 08:02 PM
إن منطـلـق الشبهات كـلها في الإيمان وأساس ضلال الفرق جميعها فيـه هـو أصل واحد اتـفـقـت عليه الأطراف المتـناقـضة جميعها , ثم تضاربـت عـقـائدها المؤسسة عليه :..............
بارك الله فيك اخى الفاضل أبو البراء محمد علاوة أجدت وأفدت

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 08:32 PM
لا
قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوي {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ وَالشَّارِعُ دَائِمًا لَا يَنْفِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ إلَّا لِانْتِفَاءِ وَاجِبٍ فِيهِ وَإِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ نَفْيُ الْكَمَالِ فَالْكَمَالُ نَوْعَانِ وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ ,,,,,,, وَلَيْسَ هَذَا الْكَمَالُ هُوَ الْمَنْفِيَّ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ بَلْ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ وَإِلَّا فَالشَّارِعُ لَمْ يَنْفِ الْإِيمَانَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الصِّيَامَ وَلَا الطَّهَارَةَ وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِه َا؛ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانْتَفَى الْإِيمَانُ عَنْ جَمَاهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ إنَّمَا نَفَاهُ لِانْتِفَاءِ الْوَاجِبَاتِ ....... وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِهِ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ أَوْ نَفْيَ كَمَالِ الْإِيمَانِ - فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّ تَرْكَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الذَّمَّ وَالْوَعِيدَ ....... فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ " أَنَّهُ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَقَدْ غَلِطَ. وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ وَلَكِنْ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَمَالِ الْوَاجِبِ. وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي سَائِرِ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: مِثْلُ قَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا} - إلَى قَوْلِهِ - {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} وَمِثْلُ االْقُرْآنِ} " وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي مُسَمَّى الِاسْمِ إلَّا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ؛ لَا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِه ِ ........ " فَنُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَشُعَبِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا حَقِيقَتُهُ أَيْ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ لَيْسَ هُوَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ
بارك الله فيك اخى محمد عبدالعظيم- وبارك الله فى اخى الفاضل ابو محمد المأربى على اسئلته التى تفيد الجميع--فالعلم خزائن ومفتاحه السؤال فإنما يؤجر في العلم ثلاثة القائل والمستمع والآخذ " قال عليه الصلاة والسلام : فإنما شفاء العي السؤال " فأمر بالسؤال وحث عليه ... ونهى آخرين عن السؤال وزجر عنه فقال صلى الله عليه وسلم :" أنهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " وقال عليه الصلاة والسلام : " وإياكم وكثرة السؤال فإنما هلك من قبلكم بكثرة السؤال " .
وليس هذا مخالفا للأول وإنما أمر بالسؤال من قصد به علم ما جهل او تعليم وافاده لطلبة العلم - ونهى عنه من قصد به إعنات ما سمع . وإذا كان السؤال في موضعه - أزال الشكوك ونفى الشبهة.
وقد قيل لإبن عباس رضي الله عنهما : بما نلت هذا العلم قال : بلسان سئول وقلب عقول -- بارك الله فى جهد جميع الاخوة الافاضل

أبو محمد المأربي
2019-03-28, 10:04 PM
جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم جميعا إخواني ونفع بكم
هل تظهر مشاركتي الأخيرة تعليقا على مشاركة الأخ محمد عبد العظيم لأنها لا تظهر لي وإنما أرى الاقتباس فقط؟؟

محمدعبداللطيف
2019-03-28, 11:43 PM
وإنما أرى الاقتباس فقط؟؟وانا اعانى من نفس المشكلة -ولكن مع نوع الخط الذى تكتب به اخى الفاضل ابو محمد - ولكن العكس اراه فى المشاركة ولا اراه فى الاقتباس - وفى مواضيع اخرى ينعكس الامر - أرى الخط فى الاقتباس ولا اراه فى المشاركة كما يحدث معك - لا اعرف لماذا؟؟

أبو محمد المأربي
2019-03-29, 12:08 AM
لا قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوي " وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ..........{إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} الْآيَةَ. راجع بنفسك كتب التفاسير المسندة وغيرها في آية الحجرات حتى تعلم أن السلف اختلفوا: هل هو لنفي الأصل أو لنفي الكمال، وكذلك آية النور اختلفوا: هل هو لنفي الأصل أو للكمال، وجمهور المفسّرين في الموضعين على نفي الأصل. أما ءاية الأنفال فقد اختلفوا أيضا هل هو لنفي الأصل أو للكمال. وبعض المفسّرين: حملوا آية الأنفال على المؤمن الكامل الكمال الواجب والمستحب بدلائل وقرائن في الآية.

أبو البراء محمد علاوة
2019-03-29, 03:12 AM
بارك الله فيك اخى الفاضل أبو البراء محمد علاوة أجدت وأفدت

وفيكم بارك الله

أبو محمد المأربي
2019-03-29, 10:14 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - المشايخ الأفاضل والإخوان الكرام.
هل يمكن أن نلخّص أبحاثكم في الحواب عن السؤال: ليس في كتاب الله آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟ حتى انتقل للاستفادة منكم في إزاحة إشكال آخر حول مسألة أخرى.

أبو البراء محمد علاوة
2019-03-29, 12:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - المشايخ الأفاضل والإخوان الكرام.
هل يمكن أن نلخّص أبحاثكم في الحواب عن السؤال: ليس في كتاب الله آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟ حتى انتقل للاستفادة منكم في إزاحة إشكال آخر حول مسألة أخرى.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ولماذا حصرت الأمر في القرآن وحسب؟!

محمدعبداللطيف
2019-03-29, 01:29 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - المشايخ الأفاضل والإخوان الكرام.
هل يمكن أن نلخّص أبحاثكم في الحواب عن السؤال: ليس في كتاب الله آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟ حتى انتقل للاستفادة منكم في إزاحة إشكال آخر حول مسألة أخرى.
هل يمكن أن نلخّص أبحاثكم في الحواب عن السؤال: ليس في كتاب الله آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟ "لو كان القرآن محكمًا بالكلية، لما كان مطابقًا إلا لمذهب واحد، وكان تصريحه مبطِلاً لكل ما سوى ذلك المذهب.فكما أن الله تعالى يمتحن بالخير والشر والسراء والضراء والأوامر والنواهي، يبتلي كذلك بالمحكم والمتشابه، ويوضح هذا المعنى قول الله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ...آل عمران: قال ابن كثيررحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية:آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ. بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس
.......................
آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟ الدلالة المتفق عليها بين اهل السنة -بجمع ما ورد من نصوص[الوحيين] الكتاب والسنة على درجة الاستقصاء، مع تحرير الدلالات وجمع اطراف الادلة، واعتماد فهم الصحابة والثقات من علماء السلف وتقييد مطلقها بمقيدها، وتخصيص عامها بخاصها، و معرفة حقيقة الإيمان والكفر، ثم يصح النفي و الإثبات بعد ذلك---- ومن الحكمة فى ذلك --الاختبار والابتلاء، وتمييز المؤمن الذي لا يَجِد ما يُقابِل به هذا المتشابه إلا التسليم والانقياد والإذعان والاستسلام، فلا يؤوِّله تأويل أهل البدع الذين ضلوا في هذا الباب ضلالاً بعيدًا.اختبارًا وفتنة للناس، وتمييزًا للمؤمن الصادق من المنافق المرتاب، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، وقوله - جل جلاله -: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾--يقول الإمام ابن القيم - وهذا الاختبار والامتحان مُظهِر لما في القلوب الثلاثة، فالقاسية والمريضة ظهر خبؤها من الشك والكفر، والقلوب المُخبِتة ظهر خبؤها من الإيمان والهدى وزيادة محبَّته وزيادة بُغْض الكفر والشرك والنُّفرة عنه، وهذا من أعظم حِكم هذا الإلقاء"؛ ا. هـ شفاء العليل: ----
و لو كان القرآن كله مُحكَمًا بحيث لا يخفى على أحد، لما حصل هذا التميز؛ لأن الكل يمكنه الوقوف على معناه من خلال ظواهر النصوص.
يقول الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى -: "ومنها: إظهار فَضْل العالم على الجاهل، ويستدعيه عِلمه إلى المزيد في الطلب في تحصيله؛ ليحصُل له درجة الفضل، والأنفس الشريفة تتشوَّف لطلب العلم وتحصيله"؛ البرهان: 2- 75. - ومن الحكمة التعامل مع القرآن بأنه كل لا يتجزَّأ، وذلك برد المتشابه إلى المُحكَم، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ [آل عمران: 7]، فسمَّى الله المُحكَم بأم الكتاب؛ أي: أصله والمرجع الذي يرجع إليه عند التشابه، و في الإتقان عن ابن الحصار قوله: "قسَّم الله آيات القرآن إلى مُحكَم ومُتشابِه، وأخبر عن المحكمات أنها أم الكتاب؛ لأن إليها تُردُّ المتشابهات، وهي التي تُعتَمد في فَهْم مراد الله من خَلْقه في كل ما تعبَّدهم به من معرفته، وتصديق رسله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وبهذا الاعتبار كانت أمهات"؛ ا. هـ.
- ومن الحكمة إظهار تفاضُل العلماء فيما بينهم، فبعض الآيات المتشابهات قد تخفى على بعض أهل العلم وتنجلي للبعض الآخر؛ كما قال ربنا: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76]، فقد يقف العالم أمام آية من المتشابهات، ولا يجد لها مخرجًا، ويفتح الله على آخر، فتظهر له وتضح وضوح الشمس في رابعة النهار.
تعظيم أجر العلماء الذين يجتهدون في تفسير هذه المتشابهات، ولا شك أن هذا النوع من التفسير فيه مشقة كبيرة، حيث يبذُل المفسر جُهدَه وطاقته ووُسْعه للوقوف على مراد الله تعالى بهذه الآية، وكما يقال: الأجر على قدر المشقة.......فكون القرآن متضمِّنًا للمتشابه يجعل من أراد بيان هذا المتشابه مفتقرًا إلى العلم بطرق التأويلات والترجيحات، وهذا بدوره يجعله مفتقرًا إلى الإلمام بهذه العلوم، التي لولا وجود هذا المتشابه في القرآن الكريم لما تَمَّ تحصيلها أو الاهتمام بها

أبو محمد المأربي
2019-03-29, 02:18 PM
ولماذا حصرت الأمر في القرآن وحسب؟! لا أدري ماذا يتوجّس منه هذا السؤال يا شيخ أبا البراء؟ لدراسة خاصّة في هذا الأمر جريا على قاعدة جمع النظائر القرآنية كما قال شيخ الإسلام:(ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث: أن يذكر نظائر ذلك اللفظ؛ ماذا عنى بها الله ورسوله، فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده، وهي العادة المعروفة من كلامه).

أبو محمد المأربي
2019-03-29, 02:26 PM
"لو كان القرآن محكمًا بالكلية، لما كان مطابقًا إلا لمذهب واحد، وكان تصريحه مبطِلاً لكل ما سوى ذلك المذهب.فكما أن الله تعالى يمتحن بالخير والشر والسراء والضراء والأوامر والنواهي، يبتلي كذلك بالمحكم والمتشابه، ويوضح هذا المعنى قول الله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ...آل عمران بارك الله فيك، هذا من الكلام في الغايات المحمودة والحكم السامية وراء خلوّ القرآن من هذا النوع من النصوص إن صحّ ذلك
والسؤال مع الخلاصة المطلوبة لا ينظر إلى الجابت الذي نظرتم إليه، وأرجو الجواب بالإيجاب أو السلب ثم ذكر الدليل عليه إعانةً للسائل وقربة إلى الله، أما غير ذلك فلا أريد أن أشغلكم به وآخذ من الأوقات الغالية الغالية على العالم وطالب العلم.

محمدعبداللطيف
2019-03-29, 03:03 PM
وأرجو الجواب بالإيجاب أو السلب ما هو جوابك اخى الفاضل أبو محمد المأربي -وجوابنا لو وجد اتفاق لما ضلت الفرق المخالفة فى باب الايمان - وانما دخل عليهم الضلال من عدم الجمع بين اطراف الادلة--يمكنك ان تستنبط من هذا جواب سؤالك
حتى انتقل للاستفادة في إزاحة إشكال آخر حول مسألة أخرى.انتقل على بركة الله

أبو البراء محمد علاوة
2019-03-29, 03:57 PM
لا أدري ماذا يتوجّس منه هذا السؤال يا شيخ أبا البراء؟ لدراسة خاصّة في هذا الأمر جريا على قاعدة جمع النظائر القرآنية كما قال شيخ الإسلام:(ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث: أن يذكر نظائر ذلك اللفظ؛ ماذا عنى بها الله ورسوله، فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده، وهي العادة المعروفة من كلامه).

ليس توجسًا، بارك الله فيك، وإنما لمعرفة الغرض والهدف من البحث، وقد بينته أحسن بيان، بارك الله فيك.

أبو محمد المأربي
2019-03-29, 05:40 PM
وإياكم، رفع الله قدركم

أبو محمد المأربي
2019-03-29, 05:53 PM
انتقل إلى الإشكال الثاني وهو: كيف الجمع بين قوله تعالى:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} وبين قوله تعالى:{قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}.
وجه الإشكال: هؤلاء الأعراب أظهروا الإسلام، وقيل لهم: لستم مؤمنين، وقد نهي عن هذا في ءاية النساء، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية:(حرّم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد: أن لا إله إلا الله: لست مؤمنا، كما حرّم عليهم الميتة، فهو ءامن على ماله ودمه، فلا تردّوا عليه قوله)، وقد تمّ الرد على قول الأعراب؟

محمدعبداللطيف
2019-03-29, 08:35 PM
انتقل إلى الإشكال الثاني وهو:
وجه الإشكال: هؤلاء الأعراب أظهروا الإسلام، وقيل لهم: لستم مؤمنين، وقد نهي عن هذا في ءاية النساء، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية:(حرّم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد: أن لا إله إلا الله: لست مؤمنا، كما حرّم عليهم الميتة، فهو ءامن على ماله ودمه، فلا تردّوا عليه قوله)،؟
بارك الله فيك - مذهب أهل السنة في الحكم على الناس مبنية على الظاهر، فلا تكون أحكامهم مبنية على ظنون وأوهام أو دعاوي لا يملكون عليها بينات، وهذه من رحمة الله وتيسيره على عباده ومن باب تكليفهم بما يطيقون ويستطيعون، وكل ما سبق المقصود به الحكم الدنيوي على الشخص بالإسلام أو الكفر، أما الحكم على الحقيقة فلا سبيل إليه، يقول الإمام الشاطبي - رحمه الله - مبيناً أهمية هذا الأصل وخطورة إهماله: (إن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصاً، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموماً، فإن سيد البشر مع إعلامه بالوحي يجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، و إن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك بمخرجه عن جريان الظواهر على ما جرت عليه. لا يقال: إنما كان ذلك من قبيل ما قال: (خوفاً من أن يقول الناس أن محمداً يقتل أصحابه) (1) فالعلة أمر آخر لا ما زعمت، فإذا عدم ما علل به فلا حرج. لأنا نقول: هذا أدل الدليل على ما تقرر، لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى أن لا يحفظ ترتيب الظواهر فإن من وجب عليه القتل بسبب ظاهر، فالعذر فيه ظاهر واضح، ومن طلب قتله بغير سبب ظاهر بل بمجرد أمر غيبي ربما شوش الخواطر وران على الظواهر، وقد فهم من الشرع سد هذا الباب جملة ألا ترى إلى باب الدعاوي المستند إلى أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ولم يستثن من ذلك أحداً حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتاج في ذلك إلى البينة، فقال من يشهد لي؟ حتى شهد له خزيمة بن ثابت فجعلها الله شهادتين فما ظنك بآحاد الأمة، فلو ادعى أكذب الناس على أصلح الناس لكانت البينة على المدعي، واليمين على من أنكر وهذا من ذلك والنمط واحد، فالاعتبارات الغيبية مهملة بحسب الأوامر والنواهي الشرعية) (2)
واستند أهل السنة في تقريرهم لهذا الأصل العظيم إلى أدلة كثيرة منها:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [سورة النساء:94] قال الشوكاني رحمه الله: (والمراد هنا: لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمناً فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام، وقيل هما بمعنى الإسلام: أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم التسليم فقال السلام عليكم: لست مؤمناً والمراد نهي المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعوذاً وتقية)
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – (فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل، لقوله تعالى: فتبينوا ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى، إلى أن قال رحمه الله: (وإن من أظهر التوحيد و الإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك)
واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) (5)
والشاهد من الحديث قوله (وحسابهم على الله) قال ابن رجب: (وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، و إن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار) (6) . وقال الحافظ في الفتح: (أي أمر سرائرهم.. وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر) (7) وقال الإمام البغوي: (وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، و أن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه، ولم يكشف عن باطن أمره، ولو وجد مختون فيما بين قتلى غلف، عزل عنهم في المدفن، ولو وجد لقيط في بلد المسلمين حكم بإسلامه) ( .
واستدلوا أيضاً بقصة أسامة رضي الله عنه المشهورة قال:((بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة (9) فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال لا إله إلا الله وقتلته قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ)) (.
والحديث فيه زجر شديد وتحذير من الإقدام على قتل من أظهر التوحيد وتحذير صريح من تجاوز الظاهر والحكم على ما في القلب دون بينة، قال النووي – رحمه الله-: (وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا))؟ الفاعل في قوله: ((أقالها)) هو القلب، ومعناه أنك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان، وقال أفلا شققت عن قلبه لتنظر، هل قالها القلب واعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب، يعني وأنت لست بقادر على هذا فاقتصر على اللسان فحسب ولا تطلب غيره) وقال أيضاً في تعليقه على قوله – صلى الله عليه وسلم-: ((أفلا شققت عن قلبه؟)): (وفيه دليل على القاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام فيها بالظاهر والله يتولى السرائر).
- ومن الأحاديث العظيمة في هذا الباب حديث جارية معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)) (1
قال شيخ الإسلام في تعليقه على هذا الحديث (…فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحكام الظاهرة، ولهذا لما ذكر الأثرم لأحمد احتجاج المرجئة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) أجابه بأن المراد حكمها في الدنيا حكم المؤمنة، لم يرد أنها مؤمنة عند الله تستحق دخول الجنة بلا نار إذا لقيته بمجرد هذا الإقرار) (14) ، (لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة) (15) .
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين على ظواهرهم مع علمه بنفاق كثير منهم ليقرر هذا الأصل العظيم (فهم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس ويصومون، ويحجون ويغزون والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم.. ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبدالله بن أبي بن سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبدالله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، و إذا مات لأحدهم وارث ورثوه مع المسلمين.. لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهروه من موالاة المؤمنين.. وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين) (16) (وهكذا كان حكمه صلى الله عليه وسلم في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم) (17) ومع ذلك (يجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب، فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة)

محمدعبداللطيف
2019-03-29, 08:44 PM
قال الإمام ابن القيم رحمه الله -ما جاء به الرسول هو أكمل ما تأتي به شريعة فإنه صلى الله عليه وسلم أمر ان يقاتل الناس حتى يدخلوا في الاسلام ويلتزموا طاعة لله ورسوله ولم يؤمر ان ينقب عن قلوبهم ولا أن يشق بطونهم بل يجرى عليهم احكام الله في الدنيا إذا دخلوا في دينه ويجرى أحكامه في الآخرة على قلوبهم ونياتهم - فأحكام الدنيا على الاسلام - وأحكام الآخرة على الإيمان - ولهذا قبل إسلام الأعراب ونفى عنهم ان يكونوا مؤمنين وأخبر أنه لا ينقصهم مع ذلك من ثواب طاعتهم لله ورسوله شيئا وقبل إسلام المنافقين ظاهرا وأخبر أنه لا ينفعهم يوم القيامة شيئا وأنهم في الدرك الأسفل من النار


فأحكام الرب تعالى جارية على ما يظهر للعباد ما لم يقم دليل على ان ما أظهروه خلاف ما أبطنوه كما تقدم تفصيله وأما قصة الملاعن فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال بعد ان ولدت الغلام على شبه الذي رميت به: "لولا مامضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن" فهذا والله أعلم إنما أراد به لولا حكم الله بينهما باللعان لكان شبه الولد بمن رميت به يقتضى حكما آخر غيره ولكن حكم الله باللعان ألغي حكم الشبه فإنهما دليلان وأحدهما أقوى من الآخر فكان العمل به واجبا وهذا كما لو تعارض دليل الفراش ودليل الشبه فإنا نعمل دليل الفراش ولا نلتفت إلى الشبه بالنص والاجماع فأين في هذا ما يبطل المقاصد والنيات والقرائن التي لا معارض لها وهل يلزم من بطلان الحكم بقرينة قد عارضها ما هو أقوى منها بطلان الحكم بجميع القرائن وسيأتي دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وجمهور الأئمة على العمل بالقرائن واعتبارها في الأحكام
وأما إنفاذه للحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب فليس في الممكن شرعا غير هذا وهذا شأن عامة المتداعيين لا بد أن يكون أحدهما محقا والآخر مبطلا وينفذ حكم الله عليهما تارة بإثبات حق المحق وإبطال باطل المبطل وتارة بغير ذلك إذا لم يكن مع المحق دليل
وأما حديث ركانة لما طلق امرأته ألبتة وأحلفه النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما أراد واحدة فمن أعظم الادلة على صحة هذه القاعدة وان الاعتبار في العقود بنيات أصحابها ومقاصدهم وإن خالفت ظواهر ألفاظهم فإن لفظ ألبتة يقتضى أنها قد بانت منه وانقطع التواصل الذي كان بينهما بالنكاح وأنه لم يبق له عليها رجعة بل بانت منه ألبتة كما يدل عليه لفظ ألبتة لغة وعرفا ومع هذا فردها عليه وقبل قوله أنها واحدة مع مخالفة الظواهر اعتمادا على قصده ونيته فلولا اعتبار القصود في العقود لما نفعه قصده الذي يخالف ظاهر لفظه مخالفة ظاهرة بينة فهذا الحديث أصل لهذه القاعدة وقد قيل: منه في الحكم ودينه فيما بينه وبين الله فلم يقض عليه بما أظهر من لفظه لما أخبره بأن نيته وقصده كان خلاف ذلك
وأما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل في حكم الدنيا استعمال الدلالة التي لا يوجد أقوى منها يعني دلالة الشبه فإنما أبطلها بدلالة أقوى منها وهي اللعان كما أبطلها مع قيام دلالة الفراش واعتبرها حيث لم يعارضها مثلها ولا أقوى منها في إلحاق الولد بالقافة وهي دلالة الشبه فأين في هذا إلغاء الدلالات والقرائن مطلقا [مهم جدا ]
أحكام الدنيا تجري على الاسباب:
وأما قوله: إنه لم يحكم في المنافقين بحكم الكفر مع الدلالة التي لا أقوى منها وهي خبر الله تعالى عنهم وشهادته عليهم
فجوابه ان الله تعالى لم يجر أحكام الدنيا على علمه في عباده وإنما أجراها على الاسباب التي نصبها أدلة عليها وإن علم سبحانه ونعالى أنهم مبطلون فيها مظهرون لخلاف ما يبطنون وإذا أطلع الله رسوله على ذلك لم يكن ذلك مناقضا لحكمه الذي شرعه ورتبه على تلك الاسباب كما رتب على المتكلم بالشهادتين حكمه وأطلع رسوله وعباده المؤمنين على أحوال كثير من المنافقين وأنهم لم يطابق قولهم اعتقادهم وهذا كما اجرى حكمه على المتلاعنين ظاهرا ثم أطلع رسوله والمؤمنين على حال المرأة بشبه الولد لمن رميت به وكما قال: إنما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار وقد يطلعه الله على حال آخذ ما لا يحل له أخذه ولا يمنعه ذلك من إنفاذ الحكم وأما الذي قال:يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود فليس فيه ما يدل على القذف لا صريحا ولا كناية وإنما أخبره بالواقع مستفتيا عن حكم هذا الولد أيستلحقه مع مخالفة لونه للونه ام ينفيه فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم وقرب له الحكم بالشبه الذي ذكره ليكون أذعن لقبوله وانشراح الصدر له ولا يقبله على إغماض فأين في هذا ما يبطل حد القذف بقول من يشاتم غيره أما أنا فلست بزان وليست امي بزانية ونحو هذا من التعريض الذي هو أوجع وانكى من التصريح وأبلغ في الأذى وظهوره عند كل سامع بمنزلة ظهور الصريح فهذا لون وذلك لون وقد حد عمر بالتعريض في القذف ووافقه الصحابة رضى الله عنهم أجمعين -----وأما قوله رحمه الله إنه استشار الصحابة فخالفه بعضهم فإنه يريد ما رواه عن مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما للآخر والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال قائل: مدح أباه وأمه وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد فجلده عمر الحد ثمانين وهذا لا يدل على أن القائل الاول خالف عمر فإنه لما قيل: له إنه قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا فهم أنه أراد القذف فسكت وهذا إلى الموافقة أقرب منه إلى المخالفة وقد صح عن عمر من وجوه أنه حد في التعريض فروى معمر عن الزهري عن سالم عن ابيه أن عمر كان يحد في التعريض بالفاحشة وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن صفوان وأيوب عن عمر أنه حد في التعريض وذكر أبو عمر ان عثمان كان يحد في التعريض وذكره ابن أبي شيبة وكان عمر بن عبد العزيز يرى الحد في التعريض وهو قول أهل المدينة والاوزاعي وهو محض القياس كما يقع الطلاق والعتق والوقف والظهار بالصريح والكتابة واللفظ إنما وضع لدلالته على المعنى فإذا ظهر المعنى غاية الظهور لم يكن في تغيير اللفظ كثير فائدة --[مهم جدا]
قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها وهي ان الشارع انما قبل توبة الكافر الاصلي من كفره بالاسلام لانه ظاهر لم يعارضه ما هو أقوى منه فيجب العمل به لانه مقتض لحقن الدم والمعارض منتف فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه فإظهاره بعد القدرة عليه للتوبة والاسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولاظنية أما انتفاء القطع فظاهر وأما انتفاء الظن فلأن الظاهر انما يكون دليلا صحيحا إذا لم يثبت ان الباطن بخلافه فإذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم ان الباطن بخلافه ولهذا اتفق الناس على انه لا يجوز للحاكم ان يحكم بخلاف علمه وان شهد عنده بذلك العدول وإنما يحكم بشهادتهم إذا لم يعلم خلافها وكذلك لو أقر إقرارا علم أنه كاذب فيه مثل ان يقول لمن هو أسن منه وهذا ابني لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقا وكذلك الأدلة الشرعية مثل خبر الواحد العدل والأمر والنهى والعموم والقياس إنما يجب إتباعها إذا لم يقم دليل أقوى منها يخالف ظاهرها
وإذا عرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته وتكذيبه واستهانته بالدين وقدحه فيه فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة فلا يجوز الاعتماد عليه لتضمنه إلغاء الدليل القوي وإعمال الدليل الضعيف الذي قد أظهر بطلان دلالته ولا يخفى على المنصف قوة هذا النظر وصحة هذا المأخذ -

وهذا مذهب أهل المدينة ومالك واصحابه والليث بن سعد وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة وهو إحدى الروايات عن أحمد نصرها كثير من اصحابه بل هي أنص الروايات عنه وعن أبي حنيفة واحمد انه يستتاب وهو قول الشافعي وعن أبي يوسف روايتان إحداهما انه يستتاب وهي الرواية الاولى عنه ثم قال: آخرا أقتله من غير استتابه لكن إن تاب قبل ان يقدر عليه قبلت توبته وهذا هو الرواية الثالثة عن احمد
ويالله العجب كيف يقاوم دليل إظهاره للاسلام بلسانه بعد القدرة عليه أدلة زندقته وتكررها منه مرة بعد مرة وإظهاره كل وقت للاستهانة بالاسلام والقدح في الدين والطعن فيه في كل مجمع مع استهانته بحرمات الله واستخفافه بالفرائض وغير ذلك من الادلة ولا ينبغي لعالم قط ان يتوقف في قتل مثل هذا ولا تترك الادلة القطعية لظاهر قد تبين عدم دلالته وبطلانها ولا تسقط الحدود عن أرباب الجرائم بغير موجب
نعم لو أنه قبل رفعه إلى السلطان ظهر منه من الاقوال والاعمال ما يدل على حسن الاسلام وعلى التوبة النصوحة وتكرر ذلك منه لم يقتل كما قاله ابو يوسف واحمد في إحدى الروايات وهذا التفصيل أحسن الاقوال في المسألة
ومما يدل على ان توبة الزنديق بعد القدرة لا تعصم دمه قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} قال: السلف في هذه الآية أو بأيدينا بالقتل إن أظهرتم ما في قلوبكم وهو كما قالوا: لان العذاب على ما يبطنونه من الكفر بأيدي المؤمنين لا يكون إلا بالقتل فلو قبلت توبتهم بعد ما ظهرت زنذقتهم لم يمكن المؤمنين ان يتربصوا بالزنادقة ان يصيبهم الله بأيديهم لانهم كلما أرادوا ان يعذبوهم على ذلك أظهروا الاسلام فلم يصابوا بأيديهم قط والادلة على ذلك كثيرة جدا-------------------------
وعند هذا فأصحاب هذا القول يقولون نحن أسعد بالتنزيل والسنة من مخالفينا في هذه المسألة المشنعين علينا بخلافها وبالله التوفيق ----[ من-اعلام الموقعين عن رب العالمبن- بتصرف]

محمدعبداللطيف
2019-03-29, 09:15 PM
وقال بن القيم رحمه الله - فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ، ودلائل الحال ، ومعرفة شواهده ، وفي القرائن الحالية والمقالية ، كفقهه في جزئيات وكليات الأحكام : أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها . وحكم بما يعلم الناس بطلانه لا يشكون فيه ، اعتمادا منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله . فهاهنا نوعان من الفقه ، لا بد للحاكم منهما : فقه في أحكام الحوادث الكلية ، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس ، يميز به بين الصادق والكاذب ، والمحق والمبطل . ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب ، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع . ومن له ذوق في الشريعة ، واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ، ومجيئها بغاية العدل ، الذي يسع الخلائق ، وأنه لا عدل فوق عدلها ، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح : تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها ، وفرع من فروعها ، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحسن فهمه فيها : لم يحتج معها إلى سياسة غيرها ألبتة .

فإن السياسة نوعان : سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها ، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر ، فهي من الشريعة ، علمها من علمها ، وجهلها من جهلها .

أبو محمد المأربي
2019-03-29, 09:15 PM
جزاك الله خيرا - أخي محمد - على هذا البحث والجمع الطيب.
واعلم أني لا أخالف ما تقرّر في جريان أحكام العباد في الدنيا على الظاهر بل أسلّمه ولا أتجاوزه قيد أنملة إن شاء الله.
لكن أريد المساعدة في إزالة الإشكال عن خاطري وهو: أنّ هؤلاء الأعراب طائفة معيّنة وقد قالوا: أسلمنا، فقيل لهم: لستم مؤمنين، فإن كانوا منافقين فقد عُومِلوا هنا بخلاف ظاهرهم، وإن كانوا صادقين فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، وهو ما نهت عنه ءاية النساء بعموم لفظها! وعلى كلا التقديرين فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟

محمدعبداللطيف
2019-03-29, 09:37 PM
أنّ هؤلاء الأعراب طائفة معيّنة وقد قالوا: أسلمنا، فقيل لهم: لستم مؤمنين، فإن كانوا منافقين فقد عُومِلوا هنا بخلاف ظاهرهم، وإن كانوا صادقين فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، وهو ما نهت عنه ءاية النساء بعموم لفظها! وعلى كلا التقديرين فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟

الفرق بين الإسلام والإيمان من المسائل التي أطال العلماء في بيانها في كتب العقائد ، وحاصل ما يقررونه في هذا : أنه إذا ورد أحد هذين اللفظين مفردا عن الآخر فالمقصود به دين الإسلام كله ، ولا فرق حينئذ بين الإسلام والإيمان .
وأما إذا ورد هذان اللفظان معًا في سياق واحد ، فالإيمان يراد به : الأعمال الباطنة ، وهي أعمال القلوب كالإيمان بالله تعالى ، وحبه وخوفه ورجائه سبحانه وتعالى والإخلاص له .
وأما الإسلام : فيراد به الأعمال الظاهرة التي قد يصحبها الإيمان القلبي ، وقد لا يصحبها فيكون صاحبها منافقا أو مسلما ضعيف الإيمان .------قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"إذا اقترن أحدهما بالآخر فإن الإسلام يفسر بالاستسلام الظاهر الذي هو قول اللسان ، وعمل الجوارح ، 1- ويصدر من المؤمن كامل الإيمان ، 2- وضعيف الإيمان ، قال الله تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، 3- ومن المنافق ، لكن يسمى مسلما ظاهرا ، ولكنه كافر باطنا .
ويفسر الإيمان بالاستسلام الباطن الذي هو إقرار القلب وعمله ، ولا يصدر إلا من المؤمن حقا كما قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)
وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى ، فكل مؤمن مسلم ولا عكس" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (4/92) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" اسم " الإيمان " تارة يذكر مفردا غير مقرون باسم الإسلام ، ولا باسم العمل الصالح ، ولا غيرهما ، وتارة يذكر مقرونا بالإسلام كقوله في حديث جبرائيل : (ما الإسلام ... وما الإيمان) ، وكقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ) الأحزاب/35 ، وقوله عز وجل : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الحجرات/14، وقوله تعالى : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
فلما ذكر الإيمان مع الإسلام :
جعل الإسلام هو الأعمال الظاهرة : الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج .
وجعل الإيمان ما في القلب من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .
وإذا ذكر اسم الإيمان مجردا دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة ، كقوله في حديث الشعب : (الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أعلاها : قول لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق) .
وكذلك سائر الأحاديث التي يجعل فيها أعمال البر من الإيمان " انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (7/13-15) .
والآية الواردة في السؤال موافقة لهذا المعنى في وصف أهل بيت لوط عليه السلام مرة بالإيمان ومرة أخرى بالإسلام.
فالمراد بالإسلام هنا الإسلام الظاهر ، والإيمان هو الإيمان القلبي الحقيقي ، فلما وصف الله تعالى أهل البيت جميعاً وصفهم بالإسلام ، وذلك لأن امرأة لوط عليه السلام من أهل بيته ، وكانت مسلمة في الظاهر ، كافرة في حقيقة الأمر ، ولما وصف الله تعالى المخرجين الناجين وصفهم بالإيمان . (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذاريات/35 – 36 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"امرأة لوط كانت منافقةَ كافرةً في الباطن ، وكانت مسلمة في الظاهر مع زوجها ، ولهذا عُذِّبت بعذاب قومِها . فهذه حال المنافقين الذين كانوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستسلمين له فيَ الظاهر ، وهم في الباطن غير مؤمنين" انتهى .
"جامع المسائل" (6/221) .
وقال أيضا رحمه الله :
"وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد ، وعارضوا بين الآيتين .
وليس كذلك ؛ بل هذه الآية توافق الآية الأولى ؛ لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمنا ، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين ؛ وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين ، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا ؛ بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب ، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه ، وفي الباطن مع قومها على دينهم ، خائنة لزوجها ، تدل قومها على أضيافه ، كما قال الله تعالى فيها : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) التحريم/10 وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش ، والمقصود أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة ، ولم تكن من الناجين المخرجين ، فلم تدخل في قوله : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وكانت من أهل البيت المسلمين ، وممن وجد فيه ، ولهذا قال تعالى : ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
وبهذا تظهر حكمة القرآن ، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج ، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود" انتهى .
"مجموع الفتاوى " (7/472-474)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"قال تعالى في قصة لوط : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
فإنه فرق هنا بين المؤمنين والمسلمين ؛ لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره ، إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته بالكفر وهي كافرة ، أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقا الذين دخل الإيمان في قلوبهم" انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/47-49)

محمدعبداللطيف
2019-03-29, 10:53 PM
أريد المساعدة في إزالة الإشكال عن خاطري وهو: أنّ هؤلاء الأعراب طائفة معيّنة وقد قالوا: أسلمنا، فقيل لهم: لستم مؤمنين، فإن كانوا منافقين فقد عُومِلوا هنا بخلاف ظاهرهم، وإن كانوا صادقين فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، وهو ما نهت عنه ءاية النساء بعموم لفظها! وعلى كلا التقديرين فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟
فى المشاركة السابقة ازالة الاشكال -
فقيل لهم: لستم مؤمنين، فإن كانوا منافقين فقد عُومِلوا هنا بخلاف ظاهرهم لا لم يعاملوا بخلاف ظاهرهم - الايمان المنفى فى الاية عن المنافقين هو الايمان الباطن والمثبت الظاهر -مسلما ظاهرا ، ولكنه كافر باطنا-
وإن كانوا صادقين فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، النوع الثانى ضعيف الايمان- اذا حملنا الاية عليه فهى فى نفى كمال الايمان وليس اصله

وهو ما نهت عنه ءاية النساء بعموم لفظها! وعلى كلا التقديرين فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟و آية النساء تقدم الكلام عليها باستطراد
فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟ بمعرفة الفرق بين اجتماع الاسلام والايمان وافتراقهما - واحكام الظاهر والباطن - يتبين الاصوب

أبو محمد المأربي
2019-03-30, 12:39 AM
فى المشاركة السابقة ازالة الاشكال - لا لم يعاملوا بخلاف ظاهرهم - الايمان المنفى فى الاية عن المنافقين هو الايمان الباطن والمثبت الظاهر -مسلما ظاهرا ، ولكنه كافر باطنا- النوع الثانى ضعيف الايمان- اذا حملنا الاية عليه فهى فى نفى كمال الايمان وليس اصله
و آية النساء تقدم الكلام عليها باستطراد بمعرفة الفرق بين اجتماع الاسلام والايمان وافتراقهما - واحكام الظاهر والباطن - يتبين الاصوب بارك الله فيك، لعلي لم أوضّح المقصود من أنهم عوملوا بخلاف الظاهر! هنا مسائل:
المسألة الأولى: أصل الإشكال كان في تعارض الآيتين ظاهراً، فإن آية النساء نهت المسلمين عن القول: لست مؤمنا، لمن قال إنه مسلم. وظاهر آية الحجرات: أنه قيل لمن قال: إنه مسلم: لست مؤمنا.
المسألة الثانية: من أظهر الإسلام أو قال: إني مسلم أو ءامنت بالله فلا يقال له: لست مؤمنا على ظاهر آية النساء.
المسألة الثالثة: هؤلاء الأعراب في ءاية الحجرات قيل لهم: لستم مؤمنين، ولا يخرج أمرهم عن حالين:
إما أن يكونوا منافقين، فإن كانوا منافقين فقد عُوملوا بغير ما أظهروه من الإسلام؛ لأنه قيل لهم: لستم مؤمنين؛ فعوملوا بحكم الباطن لما قالوا: نحن مسلمون، وهو ما نهت عنه ءاية النساء.
وإن لم يكونوا منافقين وكانوا من ضعاف الإيمان، فقد قيل لهم: لستم مؤمنين وهو ما نهت عنه أيضا ءاية النساء {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}.
المسألة الرابعة: ءاية الذاريات {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيه غير بيت من المسلمين} تزيد الأمر إشكالاً؛ لأنّ فيها جواز إطلاق المسلم على المنافق الذي عُلم كفره بالقطع واليقين لا الظن والاجتهاد بناء على القول المفرّق بين الإسلام والإيمان كما أطلق المسلم على امرأة لوط عليه السلام، وإلا لزم الترادف بين المفهومين عند الاقتران.
المسألة الخامسة: يلزم على هذا الرأي جواز تسمية المؤمنين المخلصين بالمسلمين من أجل منافق واحد فيهم.
المسألة السادسة: يمكن أن يكون أهل البيت موزّعين إلى مؤمن كامل، وناقص الإيمان، ومنافق وهو واحد، ومع ذلك أطلق على الجميع وصف المسلمين من أجل ناقص الإيمان، أو من أجل المنافق الواحد، أو هما معاً، لكن جميع أهل البيت نجوا إلا واحدا؛ فلزم أن يكونوا جميعاً مؤمنين لقوله: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين}، ويلزم الترادف بين المفهومين عند الاقتران، أو إطلاق اسم المسلم على جماعة كاملي الإيمان من أجل منافق واحد فيهم.

محمدعبداللطيف
2019-03-30, 03:23 AM
أصل الإشكال كان في تعارض الآيتين ظاهراً، فإن آية النساء نهت المسلمين عن القول: لست مؤمنا، لمن قال إنه مسلمقال الرازي
(يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) ( النساء : 94 ) وأجمع المفسرون على أن هذه الآيات إنما نزلت في حق جماعة من المسلمين لقوا قوما فأسلموا فقتلوهم وزعموا أنهم إنما أسلموا من الخوف ، وعلى هذا التقدير : فهذه الآية وردت في نهي المؤمنين عن قتل الذين يظهرون الإيمان.-----قال الألوسي لاتقولوا لمن أظهر لكم مايدل على إسلامه : (لست مؤمنا) وإنما فعلت ذلك خوف القتل بل اقبلوا منه ما أظهر وعاملوه بموجبه. ---قال ابن جرير الطبري:
ولا تقولوا لمن استسلم لكم فلم يقاتلكم مظهرا لكم أنه من أهل ملتكم ودعوتكم (لست مؤمنا) فتقتلوه ابتغاء عرض الحياة الدنيا------وقال ابن جرير الطبري: -الصواب من القراءة في ذلك عندنا (لمن ألقى إليكم السلم) بمعنى من استسلم لكم مذعنا لله بالتوحيد مقرا لكم بملتكم. وإنما اخترنا ذلك لاختلاف الرواية في ذلك فمن راوٍ روى أنه استسلم بأن شهد شهادة الحق وقال إني مسلم ومن راو روى أنه قال السلام عليكم فحياهم تحية الإسلام ومن راو روى أنه كان مسلما بإسلام قد تقدم منه قبل قتلهم إياه

وكل هذه المعاني يجمعها السلم لأن المسلم مستسلم والمحيي بتحية الإسلام مستسلم والمتشهد شهادة الحق مستسلم لأهل الإسلام فمعنى السلم جامع جميع المعاني التي رويت في أمر المقتول الذي نزلت في شأنه هذه الآية وليس كذلك في السلام لأن السلام لا وجه له في هذا الموضع إلا التحية فلذلك وصفنا السلم بالصواب------- قال شيخ الاسلام بن تيمية في الجواب الصحيح:
(ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا) فأمرهم بالتبين والتثبت في الجهاد وأن لا يقولوا للمجهول حاله لست مؤمنا يبتغون عرض الحياة الدنيا فيكون إخبارهم عن كونه ليس مؤمنا خبرا بلا دليل بل لهوى أنفسهم ليأخذوا ماله وإن كان ذلك في دار الحرب إذا ألقى السلم وفي القراءة الأخرى السلام فقد يكون مؤمنا يكتم إيمانه كما كنتم أنتم من قبل مؤمنين تكتمون إيمانكم فإذا ألقى المسلم السلام فذكر أنه مسالم لكم لا محارب فتثبتوا وتبينوا لا تقتلوه ولا تأخذوا ماله حتى تكشفوا أمره هل هو صادق أو كاذب. انتهى -------قال ابن تيمية في منهاج السنة: وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا) وهذه الآية نزلت في الذين وجدوا رجلا في غنيمة له فقال أنا مسلم فلم يصدقوه وأخذوا غنمه فأمرهم الله سبحانه وتعالى بالتثبت والتبين ونهاهم عن تكذيب مدعي الإسلام طمعا في دنياه.انتهى -------
وظاهر آية الحجرات: أنه قيل لمن قال: إنه مسلم: لست مؤمنا. هؤلاء دخلوا فى الاسلام - وفرق كبير بين الابتداء وإرادة الدخول باظهار الاسلام كما فى اية النساء وبين من دخل فى الاسلام من الاعراب كما فى اية الحجرات وقد تبين معنى الايمان المنفى فى اية الحجرات---فلا تعارض بين الايمان المنفى فى اية الحجرات - والنهى فى اية النساء ---
إما أن يكونوا منافقين، فإن كانوا منافقين فقد عُوملوا بغير ما أظهروه من الإسلام؛ لأنه قيل لهم: لستم مؤمنين؛ فعوملوا بحكم الباطن لما قالوا: نحن مسلمون، وهو ما نهت عنه ءاية النساء.هم عوملوا بالاسلام - والنهى كان لدعواهم الايمان وقد بينا سبب ذلك
وهو ما نهت عنه ءاية النساءالاية فى سورة النساء متفقة مع اية الحجرات فى الحكم الظاهر -- ففى سورة النساء فواضح جدا من اسباب النزول-- وفى سورةالحجرات ففى قوله تعالى ولكن قولوا اسلمنا
وإن لم يكونوا منافقين وكانوا من ضعاف الإيمان، فقد قيل لهم: لستم مؤمنين وهو ما نهت عنه أيضا ءاية النساء {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}ضعاف الايمان -يقال لهم لستم مؤمنين-[لستم مؤمنين حقا] يعنى لم تأتو بكمال الايمان الواجب هذا هو الايمان المنفى وليس اصل الايمان كما سبق فلا تعارض مع اية النساء
المسألة الرابعة: ءاية الذاريات {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيه غير بيت من المسلمين} تزيد الأمر إشكالاً؛ لأنّ فيها جواز إطلاق المسلم على المنافق الذي عُلم كفره بالقطع واليقين لا الظن والاجتهاد بناء على القول المفرّق بين الإسلام والإيمان كما أطلق المسلم على امرأة لوط عليه السلام،.وما الاشكال فى ذلك فان عبد الله بن ابى بن سلول اشد من امراة لوط ومع ذلك كان يأخذ حكم الظاهر
وإلا لزم الترادف بين المفهومين عند الاقتران.لا يلزم الترادف كما سبق فى اقتران الاسلام والايمان

المسألة الخامسة: يلزم على هذا الرأي جواز تسمية المؤمنين المخلصين بالمسلمين من أجل منافق واحد فيهم. وهذا هو منصوص الاية لا اشكال

المسألة السادسة: يمكن أن يكون أهل البيت موزّعين إلى مؤمن كامل، وناقص الإيمان، ومنافق وهو واحد، ومع ذلك أطلق على الجميع وصف المسلمين من أجل ناقص الإيمان، أو من أجل المنافق الواحد، أو هما معاً، لكن جميع أهل البيت نجوا إلا واحدا؛ما دام جميع أهل البيت نجوا إلا واحدا فالفرضية الاخيرة هى الراجحة وهى[أو من أجل المنافق الواحد] .[/quote]قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"قال تعالى في قصة لوط : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقا الذين دخل الإيمان في قلوبهم"

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"امرأة لوط كانت منافقةَ كافرةً في الباطن ، وكانت مسلمة في الظاهر مع زوجها ، ولهذا عُذِّبت بعذاب قومِها . فهذه حال المنافقين الذين كانوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستسلمين له فيَ الظاهر ، وهم في الباطن غير مؤمنين" انتهى .
"جامع المسائل" (6/221) .
وقال أيضا رحمه الله :
"وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد ، وعارضوا بين الآيتين .
وليس كذلك ؛ بل هذه الآية توافق الآية الأولى ؛ لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمنا ، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين ؛ وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين ، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا ؛ بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب ، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه ، وفي الباطن مع قومها على دينهم ، خائنة لزوجها ، تدل قومها على أضيافه ، كما قال الله تعالى فيها : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) التحريم/10 وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش ، والمقصود أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة ، ولم تكن من الناجين المخرجين ، فلم تدخل في قوله : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وكانت من أهل البيت المسلمين ، وممن وجد فيه ، ولهذا قال تعالى : ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
وبهذا تظهر حكمة القرآن ، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج ، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود" انتهى .
"مجموع الفتاوى " (7/472-474) --
فلزم أن يكونوا جميعاً مؤمنين لقوله: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين}، ويلزم الترادف بين المفهومين عند الاقتران، لا يلزم شئ من هذا
أو إطلاق اسم المسلم على جماعة كاملي الإيمان من أجل منافق واحد فيهملا اشكال فى هذا بنص الاية

أبو محمد المأربي
2019-03-30, 03:26 PM
هؤلاء دخلوا فى الاسلام - وفرق كبير بين الابتداء وإرادة الدخول باظهار الاسلام كما فى آية النساء وبين من دخل فى الاسلام من الاعراب كما فى اية الحجرات.... وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الفرق بين ابتداء الإسلام وإرادة الدخول فيه وبين من أسلم من قبلُ في جواز القول للثاني: لست مؤمنا، بخلاف المبتدئ في الدخول يحتاج إلى دليل مع أني لم أره إلا في هذه المشاركة، لأن عموم قوله:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} يردّ هذا التفريق؛ إذا عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال إلا بدليل، وعلى هذا فحال ابتداء الإسلام كغيرها من الحالات.

المسألة الثانية: (وقد تبين معنى الايمان المنفى فى اية الحجرات---فلا تعارض بين الايمان المنفى فى اية الحجرات - والنهى فى اية لنساء )
والتعارض ظاهر بغض النظر عن طبيعة الإيمان المنفيّ في الحجرات لأن هؤلاء الأعراب قالوا: نحن مسلمون فقيل: لستم مؤمنين، والقول لهؤلاء (لستم مؤمنين) يعارض النهي {ولا تقولوا...لست مؤمنا}.

المسألة الثالثة: (هم عوملوا بالاسلام - والنهى كان لدعواهم الايمان وقد بينا سبب ذلك الاية فى سورة النساء متفقة مع اية الحجرات فى الحكم الظاهر)
ليس الإشكال في أنهم عوملوا بالإسلام، وإنما الإشكال في القول: لستم مؤمنين لمنع ءاية النساء عن هذا القول في حق المسلم، وإذا كان لا يقال لمن قال: إنه مسلم: لست مؤمنا للنهي، فمن باب أولى أن لا يقال لمن قال: ءامنت بالله كالأعراب لست مؤمنا؛ لأننا نعتمد في الحكم بالإسلام والإيمان على الظاهر من إيمان وإسلام.
ومن قال: أسلمت لا يقال له: لست مؤمنا، ومن قال ءامنت بالله لا يقال له: لست مؤمنا، وقد قيل للأعراب: لستم مؤمنين وقد قالوا: ءامنا بالله، فهذا وجه التعارض بين ظاهر الآيتين.

المسألة الرابعة: (ففى سورة النساء فواضح جدا من اسباب النزول-- وفى سورةالحجرات ففى قوله تعالى ولكن قولوا اسلمنا).
هذا من تخصيص عموم اللفظ بالسبب وهو غير وجيه والصواب خلافه كما يقال: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولم أر من قال بقصر الآية على سببها مع الفرق بين حديث الإسلام وقديمه.

المسالة الخامسة: (ضعاف الايمان -يقال لهم لستم مؤمنين-[لستم مؤمنين حقا] يعنى لم تأتو بكمال الايمان الواجب هذا هو الايمان المنفى وليس اصل الايمان كما سبق فلا تعارض مع اية النساء).
عبارة حقّاً زيادة ليست في الآية، وعموم النهي في الآية {لست مؤمنا} عموم لفظي يستلزم عموم الأحوال، فمن قال لضعيف الإيمان إذا قال: ءامنت بالله ورسوله: لست مؤمنا فقد صادم النهي في النساء، وهؤلاء الأعراب قد قالوا: ءامنا بالله فقيل لهم: لستم مؤمنين، وهذا خلاف ءاية النساء بغض النظر عن حال إيمانهم في الكمال؛ لأن عموم الأعيان يستلزم عموم الأحوال، ونقصان الإيمان حال من الأحوال.

المسألة السادسة: (وما الاشكال فى ذلك فإ ن عبد الله بن ابى بن سلول اشد من امراة لوط ومع ذلك كان يأخذ حكم الظاهر).
الإشكال: أن الأصل إلحاق الفرد بحكم الأعمّ والأغلب؛ فلماذا خولف الأصل، وأُلحق الأغلب بحكم الفرد النادر؟ كان المفروض أن يقال لأهل البيت: مؤمنين؛ إلحاقا للفرد (امرأة لوط) بالأعم الغالب وهم المؤمنون الناجون لا العكس.
وابن أبيّ بن سلول لم يكن معلوم الكفر بالقطع واليقين قبل موته، وإنما كانت تظهر عليه علامات النفاق؛ وإذا حُقق أو سئل أنكر وحلف واتخذ يمنيه جنّة، ولو كان معلوم الكفر قطعاً لما صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما عُلم نفاقه بالقطع بعد رحيله إلى الجحيم ونزول القرآن فيه.

المسألة السابعة: (ما دام جميع أهل البيت نجوا إلا واحدا فالفرضية الاخيرة هى الراجحة وهى[أو من أجل المنافق الواحد]لا يلزم شئ من هذالا اشكال فى هذا بنص الاية). الإشكال ظاهر لمخالفة الأصول من غير ضرورة وهو إلحاق الأكثر (المؤمنون الناجون) بحكم الفرد الواحد (امرأة لوط).

أبو البراء محمد علاوة
2019-03-30, 04:03 PM
قال الشوكاني في فتح القدير: ﴿فَأخْرَجْنا مَن كانَ فِيها مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ هَذا كَلامٌ مِن جِهَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ: أيْ: لَمّا أرَدْنا إهْلاكَ قَوْمِ لُوطٍ أخْرَجْنا مَن كانَ في قُرى قَوْمِ لُوطٍ مِن قَوْمِهِ المُؤْمِنِينَ بِهِ.
﴿فَما وجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ أيْ: غَيْرَ أهْلِ بَيْتٍ.
يُقالُ: بَيْتٌ شَرِيفٌ، ويُرادُ بِهِ أهْلُهُ، قِيلَ: وهم أهْلُ بَيْتِ لُوطٍ، والإسْلامُ: الِانْقِيادُ والِاسْتِسْلامُ لِأمْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾ الحُجُراتِ: ١٤ ] وقَدْ أوْضَحَ الفَرْقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بَيْنَ الإسْلامِ والإيمانِ في الحَدِيثِ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما الثّابِتِ مِن طُرُقٍ «أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الإسْلامِ، فَقالَ: أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِي الزَّكاةَ، وتَحُجَّ البَيْتَ وتَصُومَ رَمَضانَ وسُئِلَ عَنْ الإيمانِ فَقالَ: أنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ» فالمَرْجِعُ في الفَرْقِ بَيْنَهُما هو هَذا الَّذِي قالَهُ الصّادِقُ المَصْدُوقُ، ولا التِفاتَ إلى غَيْرِهِ مِمّا قالَهُ أهْلُ العِلْمِ في رَسْمِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِرُسُومٍ مُضْطَرِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مُخْتَلَّةٍ مُتَناقِضَةٍ، وأمّا ما في الكِتابِ العَزِيزِ مِنِ اخْتِلافِ مَواضِعِ اسْتِعْمالِ الإسْلامِ والإيمانِ، فَذَلِكَ بِاعْتِبارِ المَعانِي اللُّغَوِيَّةِ والِاسْتِعْمالا تِ العَرَبِيَّةِ، والواجِبُ تَقْدِيمُ الحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلى اللُّغَوِيَّةِ، والحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ هي هَذِهِ الَّتِي أخْبَرَنا بِها رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وأجابَ سُؤالَ السّائِلِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ بِها.

أبو البراء محمد علاوة
2019-03-30, 05:37 PM
قال ابن عثيمين: ولهذا قال: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
وهنا يتساءل الإنسان في نفسه؛ كيف قال: ﴿أَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾؛ هل المسلمون هنا بمعنى المؤمنين في الآية التي قبلها؟
ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقالوا: إن في هذا دليلًا على أن الإيمان والإسلام شيء واحد.
وذهب آخرون إلى الفرق وقالوا: أما المؤمنون فقد نَجَوْا، وأما البيت فهو بيت إسلام؛ لأن المظهر في هذا البيت بيت لوط أنه بيت إسلامي، حتى امرأته ما تتظاهر بالكُفْرِ، تتظاهر بأنها مسلمة؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة التحريم: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ [التحريم ١٠]، ليس المعنى ﴿خَانَتَاهُمَا بالفاحشة بل ﴿خَانَتَاهُمَا ﴾ بالكفر، لكنه كفر مستور، وهو خيانة من جنس النفاق، ولهذا يقال للمجتمع الذي فيه المنافقون: يقال إنه مجتمع مُسْلِم، وإن كان فيه المنافقون؛ لأن المظهر مظهر إسلامي.
إذن نقول ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إنما قال: ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾؛ لأن امرأته ليست مؤمنة، ولكنها مسلمة.

محمدعبداللطيف
2019-03-30, 10:56 PM
فمن باب أولى أن لا يقال لمن قال: ءامنت بالله كالأعراب لست مؤمنا؛ لأننا نعتمد في الحكم بالإسلام والإيمان على الظاهر من إيمان وإسلام.
ومن قال: أسلمت لا يقال له: لست مؤمنا، ومن قال ءامنت بالله لا يقال له: لست مؤمنا، وقد قيل للأعراب: لستم مؤمنين وقد قالوا: ءامنا بالله، فهذا وجه التعارض بين ظاهر الآيتين.

......... الإسم الواحد قد يُنفَى ويُثبَت بحسب الأحكام المتعلقة به -قال شيخ الاسلام بن تيمية -وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به فلا يجب إذا اثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام وهذا في كلام العرب وسائر الأمم لأن المعنى مفهوم - مثال ذلك - المنافقون قد يجعلون من المؤمنين في موضع وفى موضع آخر يقال ما هم منهم قال الله تعالي قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا - فهنالك جعل هؤلاء المنافقين الخائفين من العدو الناكلين عن الجهاد الناهين لغيرهم الذامين للمؤمنين منهم وقال فى آية أخرى ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون وهؤلاء ذنبهم أخف فإنهم لم يؤذوا المؤمنين لا بنهى ولا سلق بألسنة حداد ولكن حلفوا بالله أنهم من المؤمنين فى الباطن بقلوبهم وإلا فقد علم المؤمنون انهم منهم فى الظاهر فكذبهم الله وقال وما هم منكم وهناك قال قد يعلم الله المعوقين منكم فالخطاب لمن كان فى الظاهر مسلما مؤمنا وليس مؤمنا بأن منكم من هو بهذه الصفة وليس مؤمنا بل أحبط الله عمله فهو منكم فى الظاهر لا الباطن.."
- وهذه القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام هي حقاً قاعدة ذهبية ومن يتأملها يجدها حلاً لكثير من الإشكالات - فعليك اخى الفاضل ابو محمد المأربى بهذه القاعدة الذهبية التى تزول بها كل الاشكالات -وفى المشاركة القادمة مزيد بيان وتفصيل إن شاء شاء الله

محمدعبداللطيف
2019-03-30, 11:39 PM
وإنما الإشكال في القول: لستم مؤمنين لمنع ءاية النساء عن هذا القول في حق المسلم، وإذا كان لا يقال لمن قال: إنه مسلم: لست مؤمنا للنهي، فمن باب أولى أن لا يقال لمن قال: ءامنت بالله كالأعراب لست مؤمنا؛ لأننا نعتمد في الحكم بالإسلام والإيمان على الظاهر من إيمان وإسلام.
ومن قال: أسلمت لا يقال له: لست مؤمنا، ومن قال ءامنت بالله لا يقال له: لست مؤمنا، وقد قيل للأعراب: لستم مؤمنين وقد قالوا: ءامنا بالله، فهذا وجه التعارض بين ظاهر الآيتين.
.قال شيخ الإسلام (…فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحكام الظاهرة، ولهذا لما ذكر الأثرم لأحمد احتجاج المرجئة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) أجابه بأن المراد حكمها في الدنيا حكم المؤمنة، لم يرد أنها مؤمنة عند الله تستحق دخول الجنة بلا نار إذا لقيته بمجرد هذا الإقرار) ، (لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة) .
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين على ظواهرهم مع علمه بنفاق كثير منهم ليقرر هذا الأصل العظيم (فهم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس ويصومون، ويحجون ويغزون والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم.. ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبدالله بن أبي بن سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبدالله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، و إذا مات لأحدهم وارث ورثوه مع المسلمين.. لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهروه من موالاة المؤمنين.. وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين) -- (وهكذا كان حكمه صلى الله عليه وسلم في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم) - ومع ذلك (يجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب، فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة)[كتاب الايمان لشيخ الاسلام بن تيميه رحمه الله

محمدعبداللطيف
2019-03-30, 11:44 PM
--مزيد بيان--قال شيخ الاسلام بن تيمية - أثبت الله في القرآن إسلامًا بلا إيمان في قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [1] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-1). وقد ثبت في الصحيحين، عن سعد بن أبي وقاص، قال: أعطى النبي ﷺ رهطا وفي رواية قسم قسما وترك فيهم من لم يعطه، وهو أعجبهم إلى، فقلت: يا رسول الله، مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال رسول الله ﷺ: «أو مسلمًا». أقولها ثلاثا، ويرددها على رسول الله ﷺ ثلاثا، ثم قال: «إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلي منه، مخافة أن يَكُبَّهُ الله على وجهه في النار»، وفي رواية: فضرب بين عنقي وكتفي، وقال: «أقتال أي سعد؟». فهذا الإسلام الذي نفى الله عن أهله دخول الإيمان في قلوبهم، هل هو إسلام يثابون عليه؟ أم هو من جنس إسلام المنافقين؟ فيه قولان مشهوران للسلف والخلف:
أحدهما: أنه إسلام يثابون عليه، ويخرجهم من الكفر والنفاق. وهذا مروي عن الحسن، وابن سيرين، وإبراهيم النَّخَعِي، وأبي جعفر الباقر، وهو قول حماد بن زيد، وأحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التَّسْتُرِي، وأبي طالب المكي، وكثير من أهل الحديث والسنة والحقائق.
قال أحمد بن حنبل: حدثنا مُؤَمَّل بن إسحاق عن عمار بن زيد قال: سمعت هشاما يقول: كان الحسن ومحمد يقولان: مسلم، ويهابان: مؤمن، وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو سلمة الخُزَاعِي، قال: قال مالك، وشريك، وأبو بكر بن عياش، وعبد العزيز ابن أبي سلمة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد: الإيمان: المعرفة والإقرار والعمل، إلا أن حماد بن زيد يفرق بين الإسلام والإيمان، يجعل الإيمان خاصا، والإسلام عاما.
والقول الثاني: أن هذا الإسلام هو الاستسلام خوف السبي والقتل، مثل إسلام المنافقين، قالوا: وهؤلاء كفار، فإن الإيمان لم يدخل في قلوبهم، ومن لم يدخل الإيمان في قلبه فهو كافر. وهذا اختيار البخاري، ومحمد بن نصر المروزي، والسلف مختلفون في ذلك.
قال محمد بن نصر: حدثنا إسحاق، أنبأنا جَرِير، عن مُغِيرة، قال: أتيت إبراهيم النَّخَعِي، فقلت: إن رجلا خاصمني يقال له: سعيد العَنْبَرِيّ، فقال إبراهيم: ليس بالعنبري ولكنه زُبٍيْدِيّ. قوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [2] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-2) فقال: هو الاستسلام، فقال إبراهيم: لا، هو الإسلام.
وقال: حدثنا محمد بن يحيي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن مجاهد: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}، قال: استسلمنا خوف السبي والقتل، ولكن هذا منقطع، سفيان لم يدرك مجاهدا، والذين قالوا: إن هذا الإسلام هو كإسلام المنافقين، لا يثابون عليه، قالوا: لأن الله نفى عنهم الإيمان، ومن نفى عنه الإيمان فهو كافر، وقال هؤلاء: الإسلام هو الإيمان، وكل مسلم مؤمن، وكل مؤمن مسلم، ومن جعل الفساق مسلمين غير مؤمنين، لزمه ألاّ يجعلهم داخلين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [3] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-3)، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [4] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-4) وأمثال ذلك، فإنهم إنما دعوا باسم الإيمان، لا باسم الإسلام، فمن لم يكن مؤمنا لم يدخل في ذلك.

محمدعبداللطيف
2019-03-30, 11:53 PM
وجواب هذا أن يقال: الذين قالوا من السلف: إنهم خرجوا من الإيمان إلى الإسلام، لم يقولوا: إنه لم يبق معهم من الإيمان شيء، بل هذا قول الخوارج، والمعتزلة. وأهل السنة الذين قالوا هذا يقولون: الفساق يخرجون من النار بالشفاعة، وإن معهم إيمانا يخرجون به من النار. لكن لا يطلق عليهم اسم الإيمان، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب، ودخول الجنة، وهؤلاء ليسوا من أهله، وهم يدخلون في الخطاب بالإيمان؛ لأن الخطاب بذلك هو لمن دخل في الإيمان وإن لم يستكمله، فإنه إنما خوطب ليفعل تمام الإيمان، فكيف يكون قد أتمه قبل الخطاب؟ وإلا كنا قد تبينا أن هذا المأمور من الإيمان قبل الخطاب، وإنما صار من الإيمان بعد أن أمروا به، فالخطاب ب {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا}، غير قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [5] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-5) ونظائرها، فإن الخطاب ب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أولا: يدخل فيه من أظهر الإيمان، وإن كان منافقا في الباطن يدخل فيه في الظاهر، فكيف لا يدخل فيه من لم يكن منافقا، وإن لم يكن من المؤمنين حقا.

وحقيقته أن من لم يكن من المؤمنين حقا، يقال فيه: إنه مسلم، ومعه إيمان يمنعه الخلود في النار، وهذا متفق عليه بين أهل السنة، لكن هل يطلق عليه اسم الإيمان؟ هذا هو الذي تنازعوا فيه. فقيل: يقال: مسلم، ولا يقال: مؤمن. وقيل: بل يقال: مؤمن.

والتحقيق أن يقال: إنه مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، ولا يعطي اسم الإيمان المطلق، فإن الكتاب والسنة نفيا عنه الاسم المطلق، واسم الإيمان يتناوله فيما أمر الله به ورسوله؛ لأن ذلك إيجاب عليه وتحريم عليه، وهو لازم له كما يلزمه غيره، وإنما الكلام في اسم المدح المطلق، وعلى هذا فالخطاب بالإيمان يدخل فيه ثلاث طوائف : يدخل فيه المؤمن حقا. ويدخل فيه المنافق في أحكامه الظاهرة، وإن كانوا في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، وهو في الباطن ينفي عنه الإسلام والإيمان، وفي الظاهر يثبت له الإسلام و الإيمان الظاهر. ويدخل فيه الذين أسلموا وإن لم تدخل حقيقة الإيمان في قلوبهم، لكن معهم جزء من الإيمان والإسلام يثابون عليه.

ثم قد يكونون مفرطين فيما فرض عليهم، وليس معهم من الكبائر ما يعاقبون عليه كأهل الكبائر، لكن يعاقبون على ترك المفروضات، وهؤلاء كالأعراب المذكورين في الآية وغيرهم، فإنهم قالوا: آمنا، من غير قيام منهم بما أمروا به باطنا وظاهرا. فلا دخلت حقيقة الإيمان في قلوبهم، ولا جاهدوا في سبيل الله، وقد كان دعاهم النبي ﷺ إلى الجهاد وقد يكونون من أهل الكبائر المعرضين للوعيد، كالذين يصلون ويزكون ويجاهدون، ويأتون الكبائر، وهؤلاء لا يخرجون من الإسلام، بل هم مسلمون ولكن بينهم نزاع لفظي: هل يقال: إنهم مؤمنون، كما سنذكره إن شاء الله؟

وأما الخوارج والمعتزلة، فيخرجونهم من اسم الإيمان والإسلام؛ فإن الإيمان والإسلام عندهم واحد، فإذا خرجوا عندهم من الإيمان خرجوا من الإسلام، لكن الخوارج تقول: هم كفار، والمعتزلة تقول: لا مسلمون ولا كفار، ينزلونهم منزلة بين المنزلتين، والدليل على أن الإسلام المذكور في الآية هو إسلام يثابون عليه وأنهم ليسوا منافقين، أنه قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ثم قال: {وَإِن تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}، فدل على أنهم إذا أطاعوا الله ورسوله مع هذا الإسلام، آجرهم الله على الطاعة، والمنافق عمله حابط في الآخرة.

وأيضا، فإنه وصفهم بخلاف صفات المنافقين، فإن المنافقين وصفهم بكفر في قلوبهم، وإنهم يبطنون خلاف ما يظهرون، كما قال تعالي: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضا} الآيات [7] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-7)، وقال: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَالله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [8] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-8)، فالمنافقون يصفهم في القرآن بالكذب، وأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وبأن في قلوبهم من الكفر ما يعاقبون عليه، وهؤلاء لم يصفهم بشيء من ذلك، لكن لما ادعوا الإيمان قال للرسول: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}. ونفى الإيمان المطلق لا يستلزم أن يكونوا منافقين، كما في قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لله وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [9] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-9) ثم قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [10] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-10)،

محمدعبداللطيف
2019-03-31, 12:00 AM
ومعلوم أنه ليس من لم يكن كذلك، يكون منافقا من أهل الدرك الأسفل من النار، بل لا يكون قد أتى بالإيمان الواجب، فنفى عنه كما ينفي سائر الأسماء عمن ترك بعض ما يجب عليه، فكذلك الأعراب لم يأتوا بالإيمان الواجب، فنفى عنهم لذلك وإن كانوا مسلمين، معهم من الإيمان ما يثابون عليه............
مع أني لم أره إلا في هذه المشاركة،.وهذا كلام شيخ الاسلام لتراه مرة اخرى...............
وهذا حال أكثر الداخلين في الإسلام ابتداء، بل حال أكثر من لم يعرف حقائق الإيمان، فإن الرجل إذا قوتل حتى أسلم، كما كان الكفار يقاتلون حتى يسلموا، أو أسلم بعد الأسْرِ، أو سمع بالإسلام فجاء فأسلم، فإنه مسلم ملتزم طاعة الرسول، ولم تدخل إلى قلبه المعرفة بحقائق الإيمان، فإن هذا إنما يحصل لمن تيسرت له أسباب ذلك، إما بفهم القرآن وإما بمباشرة أهل الإيمان والاقتداء بما يصدر عنهم من الأقوال والأعمال، وإما بهداية خاصة من الله يهديه بها. والإنسان قد يظهر له من محاسن الإسلام ما يدعوه إلى الدخول فيه، وإن كان قد ولد عليه وتربى بين أهله فإنه يحبه، فقد ظهر له بعض محاسنه وبعض مساوئ الكفار. وكثير من هؤلاء قد يرتاب إذا سمع الشبه القادحة فيه، ولا يجاهد في سبيل الله، فليس هو داخلا في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} [11] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-11)، وليس هو منافقا في الباطن مضمرا للكفر، فلا هو من المؤمنين حقا ولا هو من المنافقين، ولا هو أيضا من أصحاب الكبائر، بل يأتي بالطاعات الظاهرة ولا يأتي بحقائق الإيمان التي يكون بها من المؤمنين حقا، فهذا معه إيمان وليس هو من المؤمنين حقا، ويثاب على ما فعل من الطاعات؛ ولهذا قال تعالى: ولكن قولوا اسلمنا؛ولهذا قال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [12] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-12) يعني: في قولكم: {آمنا}.

يقول: إن كنتم صادقين فالله يمن عليكم أن هداكم للإيمان، وهذا يقتضي أنهم قد يكونون صادقين في قولهم: {آمنا}. ثم صدقهم، إما أن يراد به اتصافهم بأنهم آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون. وإما أن يراد به أنهم لم يكونوا كالمنافقين، بل معهم إيمان وإن لم يكن لهم أن يدعوا مطلق الإيمان، وهذا أشبه والله أعلم لأن النسوة الممتحنات قال فيهن: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَ ّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [13] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-13)، ولا يمكن نفي الرِّيبِ عنهن في المستقبل، ولأن الله إنما كذب المنافقين ولم يكذب غيرهم، وهؤلاء لم يكذبهم ولكن قال: {لَّمْ تُؤْمِنُوا} كما قال: «لا يؤمن أحدُكُمْ حتى يحب لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه»، وقوله: «لا يزني الزاني حين يزني وهومؤمن»، و«لا يؤمن من لا يأمن جاره بَوَائِقَهُ» وهؤلاء ليسوا منافقين.

وسياق الآية يدل على أن الله ذمهم؛ لكونهم مَنُّوا بإسلامهم لجهلهم وجفائهم، وأظهروا ما في أنفسهم مع علم الله به، فإن الله تعالى قال: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ وَالله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [14] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-14)، فلو لم يكن في قلوبهم شيء من الدين لم يكونوا يعلمون الله بدينهم، فإن الإسلام الظاهر يعرفه كل أحد، ودخلت الباء في قوله: {أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} لأنه ضُمِّن معنى: يخبرون ويحدثون، كأنه قال: أتخبرونه وتحدثونه بدينكم وهو يعلم ما في السموات وما في الأرض. وسياق الآية يدل على أن الذي أخبروا به الله هو ما ذكره الله عنهم من قولهم: {آمنا} فإنهم أخبروا عما في قلوبهم.

وقد ذكر المفسرون أنه لما نزلت هاتان الآيتان أتوا رسول الله ﷺ، ويحلفون أنهم مؤمنون صادقون، فنزل قوله تعالى: {أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} [15] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-15)، وهذا يدل على أنهم كانوا صادقين أولا في دخولهم في الدين؛ لأنه لم يتجدد لهم بعد نزول الآية جهاد حتى يدخلوا به في الآية، إنما هوكلام قالوه، وهو سبحانه قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [16] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-16)، ولفظ: {لما} ينفي به ما يقرب حصوله ويحصل غالبا كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ} [17] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-17)، وقد قال السُّدِّيّ: نزلت هذه الآية في أعراب مُزَيْنَة وجُهيْنَة وأسْلَمَ، وأشْجَع وغِفَار، وهم الذين ذكرهم الله في سورة الفتح وكانوا يقولون: آمنا بالله؛ ليأمنوا على أنفسهم، فلما استنفروا إلى الحُدَيْبِيَةِ تخلّفوا، فنزلت فيهم هذه الآية.

وعن مقاتل: كانت منازلهم بين مكة والمدينة، وكانوا إذا مرت بهم سَرِيَّةٌ من سرايا رسول الله ﷺ قالوا: آمنا؛ ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، فلما سار رسول الله ﷺ إلى الحديبية استنفرهم، فلم ينفروا معه. وقال مجاهد: نزلت في أعراب بني أسد بن خُزَيْمة، ووصف غيره حالهم فقال: قدموا المدينة في سنة مُجْدِبَةٍ، فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارهم، وكانوا يمنون على رسول الله ﷺ يقولون: أتيناك بالأثقال والعيال، فنزلت فيهم هذه الآية. وقد قال قتادة في قوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [18] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-18) قال: منوا على النبي ﷺ حين جاؤوا فقالوا: إنا أسلمنا بغير قتال، لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله لنبيه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}.
وقال مُقاتِل بن حَيَّان: هم أعراب بني أسد بن خزيمة، قالوا: يا رسول الله، أتيناك بغير قتال، وتركنا العشائر والأموال، وكل قبيلة من العرب قاتلتك حتى دخلوا كرها في الإسلام، فلنا بذلك عليك حق، فأنزل الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فله بذلك المن عليكم، وفيهم أنزل الله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [19] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-19)، ويقال: من الكبائر التي ختمت بنار، كل موجبة من ركبها ومات عليها لم يتب منها.

وهذا كله يبين أنهم لم يكونوا كفارا في الباطن، ولا كانوا قد دخلوا فيما يجب من الإيمان، وسورة الحجرات قد ذكرت هذه الأصناف، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [20] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-20)، ولم يصفهم بكفر ولا نفاق، لكن هؤلاء يخشى عليهم الكفر والنفاق؛ ولهذا ارتد بعضهم لأنهم لم يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، وقال بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية [21] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-21) وهذه الآية نزلت في الوليد بن عُقْبَة، وكان قد كذب فيما أخبر.

قال المفسرون: نزلت هذه الآية في الوليد بن عقبة، بعثه رسول الله ﷺ إلى بني المُصْطَلِق ليقبض صدقاتهم، وقد كانت بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فسار بعض الطريق ثم رجع إلى رسول الله ﷺ فقال: إنهم منعوا الصدقة وأرادوا قتلي، فضرب رسول الله ﷺ البعث إليهم، فنزلت هذه الآية. وهذه القصة معروفة من وجوه كثيرة، ثم قال تعالى في تمامها: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [22] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-22)، وقال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} الآية [23] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-23)، ثم نهاهم عن أن يسخر بعضهم ببعض، وعن اللَّمْزِ والتَّنَابُزِ بالألقاب وقال: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [24] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-24)، وقد قيل: معناه: لا تسميه فاسقا ولا كافرا بعد إيمانه، وهذا ضعيف، بل المراد: بئس الاسم أن تكونوا فساقا بعد إيمانكم، كما قال تعالى في الذي كذب: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فسماه فاسقا.

وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «سِبَابُ المسلم فُسُوقٌ وقتاله كُفْر»، يقول: فإذا ساببتم المسلم وسخرتم منه ولمزتموه، استحققتم أن تسموا فساقا، وقد قال في آية القَذْف: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [25] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-25). يقول: فإذا أتيتم بهذه الأمور التي تستحقون بها أن تسموا فساقا كنتم قد استحققتم اسم الفسوق بعد الإيمان، وإلا فهم في تنابزهم ما كانوا يقولون: فاسق، كافر، فإن النبي ﷺ قدم المدينة وبعضهم يُلَقِّب بعضا

محمدعبداللطيف
2019-03-31, 12:05 AM
وقد قال طائفة من المفسرين في هذه الآية: لا تسميه بعد الإسلام بدينه قبل الإسلام، كقوله لليهودي إذا أسلم: يا يهودي، وهذا مروي عن ابن عباس وطائفة من التابعين، كالحسن، وسعيد بن جُبَيْر، وعطاء الخراساني، والقُرَظِيّ. وقال عِكْرِمَة: هو قول الرجل: يا كافر، يا منافق. وقال عبد الرحمن بن زيد: هو تسمية الرجل بالأعمال، كقوله: يا زاني، يا سارق، يا فاسق. وفي تفسير العَوْفِيّ عن ابن عباس قال: هو تعيير التائب بسيئات كان قد عملها، ومعلوم أن اسم الكفر، واليهودية، والزاني، والسارق وغير ذلك من السيئات ليست هي اسم الفاسق، فعلم أن قوله: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ} لم يرد به تسمية المسبوب باسم الفاسق، فإن تسميته كافرًا أعظم، بل إن الساب يصير فاسقًا لقوله: «سِبَابُ المسلم فُسُوق وقتاله كُفْر» ثم قال: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [26] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-26)، فجعلهم ظالمين إذا لم يتوبوا من ذلك وإن كانوا يدخلون في اسم المؤمنين، ثم ذكر النهي عن الغيبة، ثم ذكر النهي عن التفاخر بالأحساب، وقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ} [27] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-27)، ثم ذكر قول الأعراب: {آمنا}.

فالسورة تنهى عن هذه المعاصى والذنوب التي فيها تَعَدٍّ على الرسول وعلى المؤمنين، فالأعراب المذكورون فيها من جنس المنافقين. وأهل السباب والفسوق والمنادين من وراء الحجرات وأمثالهم، ليسوا من المنافقين؛ ولهذا قال المفسرون: إنهم الذين استنفروا عام الحديبية، وأولئك وإن كانوا من أهل الكبائر فلم يكونوا في الباطن كفارا منافقين.
قال ابن إسحاق: لما أراد رسول الله ﷺ العمرة عمرة الحديبية استنفر من حول المدينة من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه خوفا من قومه أن يعرضوا له بحرب أو بصد، فتثاقل عنه كثير منهم، فهم الذين عني الله بقوله: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} [28] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-28) أي: ادع الله أن يغفر لنا تخلفنا عنك {يّقٍولٍونّ بٌأّلًسٌنّتٌهٌم مَّا لّيًسّ فٌي قٍلٍوبٌهٌمً} أي: ما يبالون، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، وهذا حال الفاسق الذي لا يبالي بالذنب، والمنافقون قال فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُون َ سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [29] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-29)، ولم يقل مثل هذا في هؤلاء الأعراب. بل الآية دليل على أنهم لو صدقوا في طلب الاستغفار نفعهم استغفار الرسول لهم ثم قال: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُم ْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ الله أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [30] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-30)، فوعدهم الله بالثواب على طاعة الداعي إلى الجهاد، وتوعدهم بالتولي عن طاعته.
وهذا كخطاب أمثالهم من أهل الذنوب والكبائر، بخلاف من هو كافر في الباطن، فإنه لا يستحق الثواب بمجرد طاعة الأمر حتى يؤمن أولا، ووعيده ليس على مجرد توليه عن الطاعة في الجهاد، فإن كفره أعظم من هذا.
فهذا كله يدل على أن هؤلاء من فساق الملة، فإن الفسق يكون تارة بترك الفرائض، وتارة بفعل المحرمات، وهؤلاء لما تركوا ما فرض الله عليهم من الجهاد وحصل عندهم نوع من الريب الذي أضعف إيمانهم، لم يكونوا من الصادقين الذين وصفهم، وإن كانوا صادقين في أنهم في الباطن متدينون بدين الإسلام.
وقول المفسرين: لم يكونوا مؤمنين، نفى لما نفاه الله عنهم من الإيمان كما نفاه عن الزاني، والسارق، والشارب، وعمن لا يأمن جاره بَوَائِقَه، وعمن لا يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، وعمن لا يجيب إلى حكم الله ورسوله، وأمثال هؤلاء. وقد يحتج على ذلك بقوله: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [31] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-31) كما قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»، فذم من استبدل اسم الفسوق بعد الإيمان؛ فدل على أن الفاسق لا يسمى مؤمنا، فدل ذلك على أن هؤلاء الأعراب من جنس أهل الكبائر لا من جنس المنافقين.
وأما ما نقل من أنهم أسلموا خوف القتل والسبي، فهكذا كان إسلام غير المهاجرين والأنصار، أسلموا رغبة ورهبة، كإسلام الطلقاء من قريش بعد أن قهرهم النبي ﷺ، وإسلام المؤلفة قلوبهم من هؤلاء ومن أهل نَجْد وليس كل من أسلم لرغبة أو رهبة كان من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، بل يدخلون في الإسلام والطاعة وليس في قلوبهم تكذيب ومعاداة للرسول، ولا استنارت قلوبهم بنور الإيمان ولا استبصروا فيه، وهؤلاء قد يحسن إسلام أحدهم فيصير من المؤمنين كأكثر الطُّلَقَاء، وقد يبقى من فساق الملة، ومنهم من يصير منافقا مرتابا إذا قال له منكر ونكير: «ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتهَ»
وقد تقدم قول من قال: إنهم أسلموا بغير قتال، فهؤلاء كانوا أحسن إسلاما من غيرهم، وأن الله إنما ذمهم لكونهم منوا بالإسلام وأنزل فيهم: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [32] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-32) وإنهم من جنس أهل الكبائر.
وأيضا، قوله: {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [33] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-33) و{لما} إنما ينفي بها ما ينتظر ويكون حصوله مترقبا، كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [34] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-34)، وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} [35] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9 _%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A 7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A 7%D8%A8%D8%B9/%D9%81%D8%B5%D9%84:_%D8%A3%D8% AB%D8%A8%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9 %84%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7% D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86_ %D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7_%D8%A8%D9%84%D8%A7_%D8% A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86#cit e_note-35)، فقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} يدل على أن دخول الإيمان منتظر منهم، فإن الذي يدخل في الإسلام ابتداء لا يكون قد حصل في قلبه الإيمان، لكنه يحصل فيما بعد كما في الحديث: «كان الرجل يسلم أول النهار رَغْبَةً في الدنيا، فلا يجيء آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس»؛ ولهذا كان عامة الذين أسلموا رغبة ورهبة دخل الإيمان في قلوبهم بعد ذلك، وقوله: {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} أمر لهم بأن يقولوا ذلك، والمنافق لا يؤمر بشيء، ثم قال: {وَإِن تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} والمنافق لا تنفعه طاعة الله ورسوله حتى يؤمن أولا.[مجموع الفتاوى]

أبو محمد المأربي
2019-04-08, 04:07 PM
الإسم الواحد قد يُنفَى ويُثبَت بحسب الأحكام المتعلقة به -قال شيخ الاسلام بن تيمية -وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به فلا يجب إذا اثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام وهذا في كلام العرب وسائر الأمم لأن المعنى مفهوم - الأولى فهم وجه الاستشكال، ثم الإعانة على الجواب إن شاء الله.
هنا أمور:
الأول: أن السلف والخلف اختلفوا في الأعراب في الجحرات وكثير من السلف وأكثر أهل التفسير ذهبوا إلى نفاقهم، ولا ريب أن هؤلاء السلف القائلين بنفاق الأعراب هم ممن يقول بنفي الإيمان لانتفاء كماله الواجب خلافا للخوارج والمعتزلة... وإذا اتضح هذا فالمسألة عندهم لا ترجع هنا إلى نفي الإيمان وإثباته بحسب الأحكام المتعلقة به، لأنه أصلهم ودينهم، وقد خرجوا عنه هنا لدلائل اقتضت ذلك.
الأمر الثاني: الأعراب في الحجرات إن كانوا مؤمنين حقيقةً فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، وهو ما نهت عنه آية النساء {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً}، سواء كان إيمانهم ضعيفاً أو قوياً لعموم اللفظ في آية النساء.
وإن كان الأعراب منافقين مع إظهار الإسلام فقد عوملوا بخلاف الظاهر؛ لأن الواجب إعطاؤهم أحكام المؤمنين في الدنيا، ومن أحكام المؤمنين أن لا يقال لمن قال إنه مسلم لست مسلما أو لست مؤمنا، والأعراب قيل لهم: لستم مؤمنين، وهذا معاملة بخلاف ما أظهروا - أي معاملة بالباطن.
الأمر الثالث: آية الذاريات مشكلة على أصل المفرّق بين الإسلام والإيمان؛ لأن جميع أهل البيت كانوا مؤمنين إلا ذاك الواحد؛ فدلّ على أن المؤمنين مسلمون والعكس صحيح...
والأصل أن يتبع الفرد الأكثرَ والأغلب في الحكم والإطلاق......
فالدار دار إسلام وإيمان وإن كان فيها كافرون وملحدون...
والدار دار كفر وشرك وإن كان فيها مسلمون وموحدين نظراً للغالب فيها في الموضعين...
ولا شك أن أهل البيت (بيت لوط) كانوا مؤمنين وقد نجوا جميعاً إلا منافقا واحداً..
والسؤال: كيف عُومل المؤمنون من قوم لوط بخلاف ظاهرهم وباطنهم فأطلق عليهم بالمسلمين وهم مؤمنون إن كان الإسلام غير الإيمان عند الاقتران؟
وكيف أعطي الجمهور حكمَ الواحد في الإطلاق؟
الأمر الرابع: لم أر إلى الآن من يقول: يقال لمن دخل في الإسلام حديثا لست مؤمنا ولا يقال: لست مؤمنا لمن دخل في الإسلام قديماً!! مع أنه مخالف لظاهر آية النساء كما سبق.