ابو وليد البحيرى
2019-02-04, 05:54 PM
القدوة أولى متطلبات القيادة (1)
عصام ضاهر
تظل القيم والمثل العليا مجرد حقائق مجردة، لا تأثير لها و لا فائدة، حتى تتحول إلى نموذج عملي في حياة البشر، فتؤثر في تصرفاتهم، وسلوكياتهم، وعاداتهم وتقاليدهم.
وتبقى المناهج التربوية مجرد حبر على ورق، وكلمات لا روح فيها، و لا تشغل حيِّزا سوى المساحة التي احتلتها مما كتبت فيه: حتى يطبقها الناس في حياتهم، ويتخلقون بها. وتتحول إلى نموذج عملي يكون على أرض الواقع. قال: "ستظل كلماتنا عرائس من الشمع لا روح فيها ولا حياة، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة " وهل نموت من أجل كلمات لم نعش لها؟ ولم نتخلق بها ؟ ولم تتحول إلى واقع في حياتنا ؟ !
وقد قالوا قديما: "عمل رجل في ألف رجل؛ خير من قول ألف رجل في رجل".
ومن هنا تنبع أهمية الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه، ألا وهو القدوة.
فما تعريفها؟ وما النماذج العملية لها من حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو حياة السلف الصالح رضوان الله عليهم؟ ولماذا القدوة؟ ثم بعض الوسائل التي تساعدنا على أن نصبح قدوة؟
القيادة والقدوة
القيادة لغة: مأخوذة من (قود) ، القَوْدُ نقيض السَّوْقن يَقُودُ الدابَّة من أَمامِها ويَسُوقُها من خَلْفِها، فالقَوْدُ من أَمام والسَّوْقُ من خَلْف(1).
والقيادة في الاصطلاح هي: عملية تحريك الناس نحو الهدف لتحقيقه.
وبالتالي فلا بد للقائد أن يكون قدوة؛ لكي يسعى بأفراده، ومرؤوسيه نحو الهدف، وإلا كانت أقواله في طريق، وأفعاله في طريق آخر. وكانت أقواله تبني، وأفعاله تهدم. لأنه لا قيمة لكلمات ميتة لا حراك فيها ولا تأثير.
وما أجمل ما قيل في ذلك: "إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي"
والقدوة لغة: مأخوذة من (قدا) القَدْوُ أَصل البناء الذي يَتَشَعَّبُ منه تصريف الاقتداء، يقال قِدْوةٌ وقُدْوةٌ لما يُقْتَدى به.
و القَدْوةُ التقَدُّمُ، يقال فلان لا يُقاديه أَحد ولا يُماديه أَحد ولا يُباريه أَحد ولا يُجاريه أَحد، وذلك إِذا بَرَّز في الخِلال كلها(2).
القدوة في الاصطلاح: قال المناوي: القدوة هي الاقتداء بالغير ومتابعته والتأسي به.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: الأسوة كالقدوة، وهي اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنة أو قبيحة.
القدوة في القرآن الكريم
لقد أمر الله – تعالى – رسوله – صلى الله عليه وسلم – بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين فقال تعالى : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )(3).
ولقد حذر الله تبارك وتعالى من مخالفة أقوال الناس لأفعالهم ، فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (4) "وهما- أي الآيتان - بهذا ترسمان الجانب الأصيل في شخصية المسلم: الصدق،والاستقام ة، وأن يكون باطنه كظاهره, وأن يطابق فعله قوله . . إطلاقا "(5).
نماذج من قيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالقدوة
حياة النبي - صلى الله عليه وسلم – كلها مليئة بالقدوة، وكذلك أفعاله وأقواله - صلى الله عليه وسلم – ولكني هنا أقتبس بعضا من النماذج من سيرته - صلى الله عليه وسلم – ليتضح الكلام للقارئ، ولتكون دليلا على أهمية القيادة بالقدوة ، ولو كانت الأقوال والكلمات فقط تكفي في القيادة لكان النبي - صلى الله عليه وسلم – أولى بها .
1) تأثير الفعل أقوى من تأثير القول:
لما صدَّ المشركون الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه عن البيت الحرام، حين أرادوا العمرة عام الحديبية، وبعد إبرام الصلح مع قريش ( فَلَمّا فَرَغَ مِنْ قَضِيّةِ الْكِتَابِ؛ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:" قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمّ احْلِقُوا"، فَوَ اَللّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ حَتّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ؛ فَلَمّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ؛ قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمّ سَلَمَة ،َ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النّاسِ؛ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ:" يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُحِبّ ذَلِكَ؟ اُخْرُجْ ثُمّ لَا تُكَلّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتّى تَنْحَرَ بُدْنَك وَتَدْعُوَ حَالِقَك فَيَحْلِقَكَ" فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمّا رَأَى النّاسُ ذَلِكَ: قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمّا(6)) ".
" ففي هذه القصة دلالة ظاهرة على التفاوت الكبير بين تأثير القول وتأثير الفعل؛ ففي حين لم يتغلب القولُ على هموم الصحابة وتألُّمِهم مما حدث؛ فلم ينصاعوا للأمر؛ نجدهم بادروا إلى التنفيذ؛ اقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حين تحوَّل أمرُهُ القَولي إلى تطبيقٍ عمليٍّ؛ حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً(7)" .
2) تغليب الجانب العملي على الكلام:
أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: اتخذ رسول الله ( خاتمًا من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، ثم نبذه النبي وقال: إني لن ألبسه أبدًا، فنبذ الناس خواتيمهم)(8).
فلم يحدثهم النبي – صلى الله عليه وسلم – في الأمر؛ لعلمه أن مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت، ولكن الجميع متساوون أمام الرؤية بالعين ولذا قام بالفعل أمامهم، فما كان منهم إلا الامتثال والاقتداء بفعله – صلى الله عليه وسلم - .
3) آمن بسبب القدوة:
قال ملك عمان وقد التقى النبيَّ العدنان:" والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه كان لا يأمر بخير؛ إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء؛ إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد"(9).
وهناك الكثير من النماذج العملية في السيرة النبوية، التي توضح أهمية القدوة، غير أن الأمر هنا ليس الهدف منه استقصاء تلك النماذج المباركة؛ لأن ذلك يحتاج إلى كتب ومجلدات. وإنما الغرض من ذكر تلك النماذج هو أخذ العبر والعظات.
--------------------------------------
الحـواشي:
1) لسان العرب ج 3 / ص 370 .
2) لسان العرب ج 15 / ص 171 .
3) سورة الأنعام من الآية 90 .
4) الصف آية 2- 3 .
6) زاد المعاد - ج 3 / ص 257"
7) التربية عن طريق القدوة الصالحة محمد بن سالم بن علي جابر.
8) رواه البخاري .
9) من أجل تربية أفضل إبراهيم بن صالح الدحيم.
عصام ضاهر
تظل القيم والمثل العليا مجرد حقائق مجردة، لا تأثير لها و لا فائدة، حتى تتحول إلى نموذج عملي في حياة البشر، فتؤثر في تصرفاتهم، وسلوكياتهم، وعاداتهم وتقاليدهم.
وتبقى المناهج التربوية مجرد حبر على ورق، وكلمات لا روح فيها، و لا تشغل حيِّزا سوى المساحة التي احتلتها مما كتبت فيه: حتى يطبقها الناس في حياتهم، ويتخلقون بها. وتتحول إلى نموذج عملي يكون على أرض الواقع. قال: "ستظل كلماتنا عرائس من الشمع لا روح فيها ولا حياة، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة " وهل نموت من أجل كلمات لم نعش لها؟ ولم نتخلق بها ؟ ولم تتحول إلى واقع في حياتنا ؟ !
وقد قالوا قديما: "عمل رجل في ألف رجل؛ خير من قول ألف رجل في رجل".
ومن هنا تنبع أهمية الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه، ألا وهو القدوة.
فما تعريفها؟ وما النماذج العملية لها من حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو حياة السلف الصالح رضوان الله عليهم؟ ولماذا القدوة؟ ثم بعض الوسائل التي تساعدنا على أن نصبح قدوة؟
القيادة والقدوة
القيادة لغة: مأخوذة من (قود) ، القَوْدُ نقيض السَّوْقن يَقُودُ الدابَّة من أَمامِها ويَسُوقُها من خَلْفِها، فالقَوْدُ من أَمام والسَّوْقُ من خَلْف(1).
والقيادة في الاصطلاح هي: عملية تحريك الناس نحو الهدف لتحقيقه.
وبالتالي فلا بد للقائد أن يكون قدوة؛ لكي يسعى بأفراده، ومرؤوسيه نحو الهدف، وإلا كانت أقواله في طريق، وأفعاله في طريق آخر. وكانت أقواله تبني، وأفعاله تهدم. لأنه لا قيمة لكلمات ميتة لا حراك فيها ولا تأثير.
وما أجمل ما قيل في ذلك: "إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي"
والقدوة لغة: مأخوذة من (قدا) القَدْوُ أَصل البناء الذي يَتَشَعَّبُ منه تصريف الاقتداء، يقال قِدْوةٌ وقُدْوةٌ لما يُقْتَدى به.
و القَدْوةُ التقَدُّمُ، يقال فلان لا يُقاديه أَحد ولا يُماديه أَحد ولا يُباريه أَحد ولا يُجاريه أَحد، وذلك إِذا بَرَّز في الخِلال كلها(2).
القدوة في الاصطلاح: قال المناوي: القدوة هي الاقتداء بالغير ومتابعته والتأسي به.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: الأسوة كالقدوة، وهي اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنة أو قبيحة.
القدوة في القرآن الكريم
لقد أمر الله – تعالى – رسوله – صلى الله عليه وسلم – بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين فقال تعالى : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )(3).
ولقد حذر الله تبارك وتعالى من مخالفة أقوال الناس لأفعالهم ، فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (4) "وهما- أي الآيتان - بهذا ترسمان الجانب الأصيل في شخصية المسلم: الصدق،والاستقام ة، وأن يكون باطنه كظاهره, وأن يطابق فعله قوله . . إطلاقا "(5).
نماذج من قيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالقدوة
حياة النبي - صلى الله عليه وسلم – كلها مليئة بالقدوة، وكذلك أفعاله وأقواله - صلى الله عليه وسلم – ولكني هنا أقتبس بعضا من النماذج من سيرته - صلى الله عليه وسلم – ليتضح الكلام للقارئ، ولتكون دليلا على أهمية القيادة بالقدوة ، ولو كانت الأقوال والكلمات فقط تكفي في القيادة لكان النبي - صلى الله عليه وسلم – أولى بها .
1) تأثير الفعل أقوى من تأثير القول:
لما صدَّ المشركون الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه عن البيت الحرام، حين أرادوا العمرة عام الحديبية، وبعد إبرام الصلح مع قريش ( فَلَمّا فَرَغَ مِنْ قَضِيّةِ الْكِتَابِ؛ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:" قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمّ احْلِقُوا"، فَوَ اَللّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ حَتّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ؛ فَلَمّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ؛ قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمّ سَلَمَة ،َ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النّاسِ؛ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ:" يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُحِبّ ذَلِكَ؟ اُخْرُجْ ثُمّ لَا تُكَلّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتّى تَنْحَرَ بُدْنَك وَتَدْعُوَ حَالِقَك فَيَحْلِقَكَ" فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمّا رَأَى النّاسُ ذَلِكَ: قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمّا(6)) ".
" ففي هذه القصة دلالة ظاهرة على التفاوت الكبير بين تأثير القول وتأثير الفعل؛ ففي حين لم يتغلب القولُ على هموم الصحابة وتألُّمِهم مما حدث؛ فلم ينصاعوا للأمر؛ نجدهم بادروا إلى التنفيذ؛ اقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حين تحوَّل أمرُهُ القَولي إلى تطبيقٍ عمليٍّ؛ حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً(7)" .
2) تغليب الجانب العملي على الكلام:
أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: اتخذ رسول الله ( خاتمًا من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، ثم نبذه النبي وقال: إني لن ألبسه أبدًا، فنبذ الناس خواتيمهم)(8).
فلم يحدثهم النبي – صلى الله عليه وسلم – في الأمر؛ لعلمه أن مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت، ولكن الجميع متساوون أمام الرؤية بالعين ولذا قام بالفعل أمامهم، فما كان منهم إلا الامتثال والاقتداء بفعله – صلى الله عليه وسلم - .
3) آمن بسبب القدوة:
قال ملك عمان وقد التقى النبيَّ العدنان:" والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه كان لا يأمر بخير؛ إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء؛ إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد"(9).
وهناك الكثير من النماذج العملية في السيرة النبوية، التي توضح أهمية القدوة، غير أن الأمر هنا ليس الهدف منه استقصاء تلك النماذج المباركة؛ لأن ذلك يحتاج إلى كتب ومجلدات. وإنما الغرض من ذكر تلك النماذج هو أخذ العبر والعظات.
--------------------------------------
الحـواشي:
1) لسان العرب ج 3 / ص 370 .
2) لسان العرب ج 15 / ص 171 .
3) سورة الأنعام من الآية 90 .
4) الصف آية 2- 3 .
6) زاد المعاد - ج 3 / ص 257"
7) التربية عن طريق القدوة الصالحة محمد بن سالم بن علي جابر.
8) رواه البخاري .
9) من أجل تربية أفضل إبراهيم بن صالح الدحيم.