ابو وليد البحيرى
2018-11-16, 07:37 PM
أثر حروف العطف في اختلاف الفقهاء
أحمد حاج عبد الرحمن محمود
ملخص البحث:
تعد اللغة العربية سبيلاُ لفهم كلام الشارع عز وجل، وأساسا لاستنباط الأحكام، الأمر الذي دفع العلماء لدراسة علوم العربية بجميع فروعها، فجاء البحث مبينا لصلة بعض حروف المعاني وهي: (حروف العطف ) بعلم أصول الفقه، فذكرت معنى كل حرف من أحرف العطف ثم أثره في اختلاف العلماء، وذلك على النحو الآتي: بيانا لشاهد من القرآن الكريم إن وجد، ثم من السنة، ثم من أقوال الفقهاء، فإن لم أجد أقتصر على المعنى اللغوي دون ترجيح بين أقوال العلماء" لأنها تحتاج إلى دراسة الأدلة الأخرى التي اعتمدوا عليها في ترجيح مذهبهم " ليتبين لنا أن الاختلاف في معاني أحرف العطف من أسباب اختلاف العلماء.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اكرم الله الإنسان بلسان ناطق يتوصل من خلاله إلى حاجاته ومآربه، وشرف الإنسان باختيار العربية ترجماناً لأفكاره، وشرف العربية بنطق كلامه، فقال: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) ([1]).
فيعد علم العربية سلم الوصول إلى فهم العلوم الشرعية بكل فروعها، فما من علم من العلوم الشرعية إلا واللغة العربية فيه لبنة الأساس لفهمه، ولاستنباط الأحكام منه، وكيف يتسنى ذلك لمن جهل معانيها، ولم يطلع على قواعدها" لذلك أهتم بها العلماء اهتماما بالغا، وأولوها جانباً عظيماً، والكلام في هذا البحث سيكون عن صلة بعض مباحث النحو- حروف المعاني - بعلم الأصول، وعلى الرغم من كونها من موضوعات النحو إلا أن الحاجة ماسة إليها لفهم النصوص فهما صحيحاً وسليماً، ولمعرفة كيفية استخراج المعاني منها؛ ليتضح لنا سبب اختلاف الفقهاء، الذي من ضمنه: اللغة العربية، وأنه قائم على قواعد علمية.
أولاً: أهمية البحث
تأتي أهمية هذا البحث في بيانه الصلة والترابط بين علمي أصولي الفقه واللغة العربية، اللذين يعدان من علوم الآلة التي بها تفهم الأحكام الشرعية.
فنجد أن علماء اللغة والأصول أدركوا أهمية هذا الموضوع من خلال كلامهم عنه في كتبهم وتعمقهم فيه، وأفرادهم المصنفات في ذلك؛ لأن فهم الشريعة عموما وأصول الفقه خصوصا متوقف على فهم المباحث اللغوية التي يتوقف تفسير النصوص عليها، فالحاجة ملحة للفقهاء وغيرهم ممن يستنبط الأحكام إلى معرفة معاني الحروف لكثرة ما ترد في الأدلة المراد الاستنباط منها ؛ لأن معرفة قواعد اللغة هي السبيل لفهم كلام الشارع.
فبحثت في بعض حروف المعاني ألا وهي أحرف العطف؛ نظراً لأن البحث في حروف المعاني كلها يحتاج إلى دراسة طويله ومتشعبة، وهذا يستغرق جهدا ووقتا كبيراً.
ثانيا ً: الدراسات السابقة
لم أعثر على رسالة مطبوعة في هذا الموضوع، سوى بحث نشر على الأنترنت بعنوان : (دلالة حروف العطف وأثرها في اختلاف الفقهاء) لمحمد سامي صالح الطويل، أعد استكمالا للحصول على الماجستير في جامعة النجاح في نابلس، قسم الفقه والتشريع عام 2009م؛ حيث تألف البحث من مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة، فجاء الفصل الأول : بعنوان : مفهوم حروف العطف، والفصل الثاني : الحروف التي يشترك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، والفصل الثالث : الحروف التي يختلف فيها حكم المعطوف عن المعطف عليه، ذكر الباحث حروف العطف التي لها أثر فقهي فقط، مع التوسع في المعنى اللغوي للحرف عند اللغويين والأصوليين، وبيان أدلة كل طرف، ثم بيان أثر ذلك في اختلاف العلماء، وكان الغالب على الأمثلة التطبيقية أنها امثله فقهية. سالكاً طريقة الفقه المقارن.
بينما التزمت في هذا البحث أن أقدم الأمثلة التطبيقية من القرآن، ثم من السنة، ثم من كتب الفقه؛ لذلك جاءت تطبيقات هذا البحث مختلفة عما ذكره الباحث، خلا بعض الأمثلة المشهورة في كتب الفقه والأصول، كالترتب في الوضوء، وعقوبة الحرابة، تقديم الكفارة على الحنث، ومسألة تعليق الطلاق في المذهب الحنفي. وسلكت في سبيل ذلك طريقة تخريج الفروع من الأصول، ذاكرا أهم الأدلة بالنسبة للتطبيقات في هامش البحث.
وهذا لا يعنى أنه لم يتعرض العلماء لهذا الموضوع في كتب الفقه والأصول، بل تم التعرض للموضوع في كتب النحو وأصول الفقه، وبعض الرسائل التي بينت الصلة بين المباحث اللغوية المتعددة وعلاقتها بعلم أصول الفقه.
ثالثا: صعوبات البحث
تكمن صعوبة البحث في فهم عبارات النحويين القديمة، إضافة إلى أن التطبيق الفقهي في كل حرف موزع على الأبواب الفقهية، وصعوبة البحث عن تطبيقات لبعض الأحرف وعدم العثور على شيء من ذلك في بعض الأحيان.
وإن معظم الفقهاء والأصوليين ذكروا تطبيقات فقهية على أثر الاختلاف، ولم يذكروا أمثله من القرآن أو السنة إلا نادرا، وكثير من الكتب تذكر ما يترتب على الحرف من حكم دون أن يكون له أثر في اختلاف الفقهاء، كقولهم: إن كفارة حلف اليمين على الترتيب " لأن الواو في الآية تفيد الترتيب، دون أن يكون هناك طرف أخر مخالف.
رابعا: منهج البحث
جاء منهج البحث تحليلياً؛ حيث بدأت ببيان معنى الحرف في اللغة ضمن الحدود التي ذكرها الأصوليون، دون التعرض إلى المعاني الأخرى التي لا تخدم الموضوع، وذكرت بعض الأمثلة التطبيقية عليه.
ويتضح هذا المنهج في النقاط الآتية:
ذكر معنى الحرف أولا، ثم بيان الشاهد في القرآن الكريم إن وجد، ثم في السنة، فإن لم يوجد أذكر بعض التطبيقات الفقهية، فإن لم يوجد أذكر المعنى اللغوي فقط، وأذكر في بعض الأحيان الأدلة الأخرى التي عزز بها كل فريق قوله.
الابتعاد عن الحشو وعدم الإكثار من النقل الحرفي للنصوص الفقهية واللغوية.
عدم نقل الأمثلة الفقهية المتعلقة بالعبيد.
شرح الكلمات الغريبة في البحث.
عزو الآيات إلى مواضعها في الحاشية.
تخريج الأحاديث الواردة في البحث، واكتفيت فيما ورد في الصحيحين بتخريجه من أحدهما، وأما الأحاديث والآثار الأخرى فخرجتها من كتب السنة المختصة مع نقل أقوال العلماء فيها إن وجد.
ترجمت للأعلام الواردة في المتن في فهرس الأعلام، إضافة إلى وضع مسرد لكل الأعلام الواردة في البحث.
عزو الأقوال إلى قائلها والأحكام إلى مصادرها الأصلية.
فهرسة الآيات والأحاديث والأعلام والمراجع والموضوعات في أخر البحث.
خامسا ً: خطة البحث
تحتوي خطة البحث مبحثين، وخاتمة.
المبحث الأول : مدخل إلى حروف المعاني:
المطلب الأول : أهمية حروف المعاني وصلتها بالعلوم الشرعية بعامة، وأصول الفقه بخاصة.
المطلب الثاني : تعريف الحروف وأنواعها.
المبحث الثاني : تعريف احرف العطف وأنواعها:
المطلب الأول : تعريف احرف العطف.
المطلب الثاني : الحروف التي تدل على التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه.
أولا : حرف العطف (الواو) : معناه واثره في اختلاف الفقهاء.
ثانياً : حرف العطف (الفاء) معناه واثره في اختلاف الفقهاء.
ثالثاً : حرف العطف (ثم) : ومعناه واثره في اختلاف الفقهاء.
رابعاً : حرف العطف (حتى) : معناه واثره في اختلاف الفقهاء.
المطلب الثالث: الحروف التي تدل على ترديد الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه.
أولا : حرف العطف (أو) : معناه واثره في اختلاف الفقهاء.
ثانياً : معنى حرف العطف (إما).
ثالثاً : معنى حرف العطف (أم).
المطلب الرابع: الحروف التي تدل على حصر الحكم في المعطوف وسلبه من المعطوف عليه.
أولا : معنى حرف العطف (بل).
ثانياً : معنى حرف العطف (لكن).
ثالثاً : معنى حرف العطف (لا).
الخاتمة : وضمنتها اهم النتائج والتوصيات.
المبحث الأول
مدخل إلى حروف المعاني
وفيه: مطلبان:
المطلب الأول
أهمية حروف المعاني وصلتها بالعلوم الشرعية بعامة،
وأصول الفقه بخاصة
لا يخفى على دارس العلوم الشرعية الحاجة إلى اللغة العربية، من نحو، وصرف، وبلاغة وغيرها؛ إذ هي مفتاح الفهم لكلام العرب، وسبيل لا بد منه لفهم كلام الشارع؛ إذ لا يوجد علم من العلوم الشرعية إلا وللغة العربية مكانتها فيه.
ومن هذه المباحث اللغوية المهمة: حروف المعاني، فمعرفة معانيها ضروري لفهم نصوص الشريعة من كتاب، وسنة، وأصول فقه، وعقيدة، ولكن المجال لا يتسع لبيان صلتها بكل علم، ولكن سوف أبين صلتها بعلم أصول الفقه بشكل موجز.
فعلم أصول الفقه من اكثر العلوم الشرعية صلة باللغة العربية وقواعدها؛ حتى تجد بعض المباحث في أصول الفقه لا تعلم هل هي من مباحث العربية أم من أصول الفقه؟ كحروف المعاني، والمشترك، والحقيقة، والمجاز،.... وغيرها ومن هذه المباحث اللغوية المهمة: حروف المعاني.
قال السيوطي: (اعلم أن معرفة ذلك ([2]) من المهمات المطلوبة " لاختلاف مواقعها ولذلك يختلف الكلام والاستنباط بحسبها) ([3]) .
وهذا ما جعل الأصوليين يفردون الحديث عن حروف المعاني في باب مستقل؛ لأن الحكم الشرعي متوقف على فهم خطاب الشارع وطريقة تركيبه، فكيف يمكن تفسير نص للشارع أو للمكلف إلا بعد معرفة ما يفيده ذلك الحرف، كالفاء هل تفيد التعقيب؟ أم هل تفيد التراخي؟ وغيرها من الأحرف.
فلحروف المعاني أسرار تظهر عند دخولها في التراكيب اللغوية، فتحمل إلى الجملة معنى لا يتجلى بدونها، فتتحقق بها أساليب البلاغة، علاوة على كونها أداة ربط([4]) .
المطلب الثاني
تعريف الحروف وأنواعها
معرفة الشيء فرع عن تصوره؛ لذا لا بد من تعريف مصطلحات البحث:
أولاً: تعريف الحرف لغة واصطلاحا ً.
الحرف لغة: هو أحد حروف الهجاء الثمانية والعشرين، وحرف كل شيء طرفه وشفيره وحده وناحيته، ومنه حرف الجبل، وهو أعلاه المحدد، وفلان على حرف من أمره أي ناحية منه، كأنه ينتظر ويتوقع فإن رأى من ناحية ما يحب وإلا مال إلى غيرها، وفي التنزيل العزيز: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) ([5]) أي على وجه واحد: هو أن يعبده على السراء لا الضراء ([6]).
وقيل في تفسير الحرف في الآية أي على طرف من الذين، لا في وسطه وقلبه، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم، كالذي يكون على طرف من العسكر، فإن أحس بظفر وغنيمة قز واطمأن، وإلا فر وانهزم ([7]).
وأما اصطلاحاً: فهو كلمة تدل على معنى في غيرها([8]) .
فالحرف أداة ربط، وقسم من أقسام الكلمة، ويختلف عن الأحرف التي تتشكل منها الكلمة، وحقه البناء على السكون، وما بني منها على حركة فإنما حرك لسكون ما قبله أو لأنه حرف واحد لا يبتدأ بساكن ([9]).
ثانيا ً: أنواع الحروف
ينقسم الكلام في اللغة إلى: اسم، وفعل، وحرف. والحروف قسمان: حروف المباني وحروف المعاني.
أما حروف المباني: فهي حروف التهجي التي تبنى منها الكلمات، وليس لها معنى مستقل في نفسها كالزاي من كلمة زيد.
وحروف المعاني: هي التي تدل على معنى في غيرها، فتوصل معاني الأفعال إلى الأسماء، وهي قسيمة للأسماء والأفعال ([10]) ، كالباء للإلصاق والواو لمطلق الجمع.......
وتنقسم حروف المعاني إلى أحرف عطف واستفهام ونفي وجر.... الخ.
والكلام في هذا البحث سوف يتناول أحرف العطف.
المبحث الثاني
تعريف أحرف العطف وأنواعها
المطلب الأول
تعريف أحرف العطف
وفيه: تعريف العطف في اللغة والاصطلاح.
العطف لغة: يقال: عطف فلان إلى ناحية كذا يعطف عطفاً، إذا مال إليها وانعطف نحوها، وعطف الرجل وساده إذا ثناه ليرتفق عليه.
قال ابن هشام: " العطف هو الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه".
أما اصطلاحاً: فهو على ضرتين عطف بيان، وعطف نسق.
أما الأول: فهو تابع موضح، أو مخصص جامد غير مؤول.
مثال : اقسم بالله أبو حفص عمر................
ف(عمر) عطف بيان لأنه موضح لأبي حفص.
وأما الثاني: فهو التابع المتوسط بينه وبين متبوعة أحد الأحرف([11]) " أي العطف بالواو والفاء وأخواتها، وفائدته الاختصار، وإثبات المشاركة([12]) .
من خلال تعريف احرف العطف يظهر أنها على أنواع فمنها : ما يدل على تشريك الحكم، ومنها: ما يدل على ترديد الحكم، ومنها : ما يدل على حصر الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه على التفصيل الآتي:
المطلب الثاني
الحروف التي تدل على التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه
أولاً: حرف العطف( الواو) معناه وأثره في اختلاف الفقهاء.
1- معنى حرف الواو.
تأتي الواو في اللغة على معان كثيرة، ومن ضمنها: العطف.
وتعد أصل أحرف العطف؛ لذا انفردت بأحكام ليست لغيرها من الحروف، وينحصر معناها الأساس في الآتي:
1-مطلق الجمع ([13]) (أي إشراك الثاني فيما دخل فيه الأول، دون ترتيب أو معية، وإنما للقدر المشترك بينهم؛" أي دون دلالة أيهما كان أولاً) وقال ابن فارس: أجمع نحاة البصرة والكوفة على أنها للجمع المطلق، وهو قول جمهور النحويين والأصوليين ([14]) والفقهاء([15]) .
واستدلوا على ذلك بالنقل عن أئمة اللغة، فإن قلت "جاء زيد وعمرو" فليس هناك ما يدل على أن زيدا قد جاء قبل عمرو أو العكس، أو أنهما جاءا معا، واستدلوا لذلك بأنها عطفت الشيء على مصاحبه، كقوله تعالى: (فَأَنْجَيْنَهُ وَأَصْحَبَ السَّفِينَةِ) ([16])
وعلى سابقه كقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ) ([17]) .
وعلى لاحقه نحو قوله تعالى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ([18]) وقد اجتمع العطف على السابق واللاحق في قوله تعالى: (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ([19]) فتقول : جاء زيد وعمرو احتمل ثلاثة معان وهذا معنى إفادتها مطلق الجمع ([20]) .صلي الله عليه وسلم
2- للترتيب: نقل هذا القول عن قطرب، والربعي، والفراء([21]) ، وثعلب وأبو عمر الزاهد([22]) ، وهشام والشافعي ([23]) . واستدلوا بقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) ([24]) فالترتيب واجب لدلالة الواو عليه([25]) . وبقوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ([26])، قال الصحابة للنبي صلي الله عليه وسلم: بم نبدأ؟ قال: ابدؤوا بما بدأ الله به ([27]) . ولولا أن الواو للترتيب، لما كان كذلك ([28]) .
الرد : لو كانت للترتيب لما صحت المقارنة فيه "رأيت زيداً وعمراً معاً"([29]) .
قال الآمدي: وبالجملة فالكلام في هذه المسألة متجاذب، وإن كان الأرجح في النفس هو الأول أي مذهب الجمهور([30]) ، وقد ذكر بعضهم أنها تأتي للترتيب عند تعذر الجمع.
الترجيح: من خلال بيان معنى حرف الواو وأدلة كل فريق يتبين لنا أن الواو تدل على مطلق الجمع؛ لأن دلالتها على مطلق الجمع لا ينافي دلالتها على الترتيب أو المعية أن دلت الأدلة الأخرى على ذلك.
2 -أثر حرف الواو في اختلاف الفقهاء. كان لاختلاف اللغويين والأصوليين في معنى أحرف العطف أثر في بعض المسائل الفقهية " لاختلافهم في فهم النص فبدأت بحرف الواو، فبينت معناه اللغوي، ثم ذكرت بعض التطبيقات الفقهية على ذلك، وكذلك في بقية الأحرف.
أ -مسألة الترتيب في غسل أعضاء الوضوء.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ([31]).
ذكر الله عز وجل فرائض الوضوء في الآية مع الفصل بينها بواو العطف، فاختلف العلماء في حكم ترتيب أعضاء الوضوء بناء على معنى حرف العطف، هل هو للترتيب أو هو لمطلق الجمع؟ إضافة إلى اختلافهم في أدلة أخرى.
ذهب الحنفية إلى أن الترتيب ليس شرطاً في الوضوء ([32]) " لأن الواو لا تدل على الترتيب بل مطلق الجمع ([33]).
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الترتيب شرط في الوضوء ([34])، لكنهم استدلوا بأدلة خارجية سيأتي الحديث عنها ([35]).
وقال الماوردي من الشافعية: أن الترتيب شرط، واستدل بأدلة، منها: إفادة الواو الترتيب ([36]).
ب - مسألة: التسمية على الذبيحة والصيد.
قوله عز وجل: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ([37]).
نهى الله سبحانه أن ناكل مما لم يذكر اسم الله عليه، ووصفه بالفسق، وهو يشمل الذبيحة والصيد، ولكن ما الذي تفيده الواو في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)؟ تفيد أكثر من معنى على التفصيل الآتي:
(حالية، استئنافية، عطف).
وبناء على ذلك اختلفوا في حكم التسمية على الذبيحة على ثلاثة أقوال:
الأول: فرض على الإطلاق وبه قال أهل الظاهر، وابن عمر، والشعبي، وابن سيرين ([38]).
الثاني: فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان وهو قول مالك ([39]) وأبو حنيفة ([40]) والثوري، وقول للأمام احمد فيما يتعلق بالذبيحة، أما فيما يتعلق بالصيد فهي شرط في حالة النسيان والعمد ([41]) .
واستدل أصحاب القول الأول والثاني ب ([42]):
قوله عز وجل: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ([43]).
تدل الآية الكريمة على عدم حل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها، ولو كان الذابح مسلما ([44])، ووجه الاستدلال أن الواو في الآية إما للعطف أو للاستئناف، لامتناع عطف الخبر على الطلب، وفي الحالتين يكون النهي واردا على ما لم يذكر اسم الله عليه مطلقا، سواء ذكر اسم الله أم ذكر اسم غيره ([45])، واستدلوا بقوله عز وجل: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) ([46]). وزاد القائلون بسقوط التسمية مع النسيان بأدلة أخرى ([47]).
واستدل الحنابلة للتفريق بين الذبيحة والصيد: بأن الذبح وقع في محله، فجاز أن يتسامح فيه بخلاف الصيد.
واجابوا عن الحديث: أنه يقتضي نفي الإثم، لا جعل الشرط المعدوم كالموجود، بدليل على ما لو نسي شرط الصلاة ([48]) .
الثالث: التسمية على الذبيحة سنة مؤكدة، وهو قول الشافعي وأصحابه([49]) .
والواو في هذه المذهب حالية، واستدلوا أن الذي تقتضيه البلاغة ليس العطف للتباين التام بين الجملتين؛ إذ الأولى فعلية إنشائية والثانية اسمية خبرية، فتعين أن تكون حالية فتقيد النهي بحال كون النهي فسقا، والفسق في الذبيحة قد فسره البيان الإلهي بأنه ما أهل به لغير الله ([50]).
ج - قال الموصي: "أوصيت إلى زيد وعمرو" فليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرف؛ لأن الواو تقتضي مطلق الجمع ([51]).
ثانيا ً: حرف( الفاء) معناها وأثره في اختلاف الفقهاء.
1-في معنى الفاء.
تفيد الفاء العاطفة ثلاثة معان: (التعقيب والترتيب والسببية) ([52]).
والمراد بالتعقيب : وقوع الثاني عقيب الأول بلا مهلة، وكل شيء بحسبه، مثل: تزوج فلان فولد له؛ إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن كانت متطاولة([53]) قال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) ([54]).
وأما الترتيب ([55]) فهو على نوعين ([56]): ترتيب معنوي وذكري.
فالأول: يعني أن زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخر عن المعطوف عليه ([57]) ، كقوله تعالى: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ([58]) فتقريب العجل هنا كان بعد مجيئه به.
والثاني ([59]): عطف مفصل على مجمل، كقوله عز وجل: (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) ([60]).
السببية ([61]): اي أن يكون ما قبلها سبباً لما بعدها، فإما أن يكون جملة أو صفة أما الجملة ([62]): (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) ([63]).
وأما الصفة: (لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) ([64]).
2-أثر (الفاء) في اختلاف الفقهاء.
أ-مسألة: من جامع أهله في رمضان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلي الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول صلي الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا قال: فمكث النبي صلي الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلي الله عليه وسلم بعرق فيه تمر-والعرق المكتل-قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: (خذها فتصدق به) فقال: الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها – يريد الحرتين -أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلي الله عليه وسلم، حتى بدت أنيابه ثم قال: (أطعمه أهلك) ([65]).
يستفاد من الحديث: كفارة من واقع أهله في رمضان، لكن وقع خلاف بين العلماء في حكم الكفارة بين الترتيب كما في الظهار أو عدمه على مذهبين؛ لاختلافهم هل الفاء للترتيب الذكري أم المعنوي؟ إضافة إلى اختلاف الروايات الأخرى.
المذهب الأول: ذهب الجمهور ([66]) إلى أن الكفارة على الترتيب، ولا ينتقل من الأولى إلا عند العجز عنها، وهو ما يدل عليها ظاهر الحديث.
المذهب الثاني: ذهب الإمام مالك إلى أن الكفارة على التخيير، وهو رواية عن الإمام أحمد ([67]).
وقال المازري: ليس في قوله (هل تستطيع؟) دلالة على الترتيب لا نصاً ولا ظاهراً، إنما فيه البداءة بالأول، وهو يصح على التخيير والترتيب، فبان من رواية (أو) أن المراد التخيير ([68]).
ويستدل للإمام مالك بأن الفاء في الحديث لا تدل على الترتيب -أي على وجوبه-فهو من باب الترتيب الذكري([69]).
وعززوا رأيهم بما ورد في الموطأ، حيث روى الإمام مالك ما يدل على التخيير، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول صلي الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، قال : لا أجد فأتي رسول صلي الله عليه وسلم بعرق من تمر، فقال: (خذ هذا فتصدق به)، فقال : يا رسول الله، ما أجد أحداً) ([70]) والواو تقتضي التخيير([71]).
رد الجمهور: رواية الترتيب أولى من الرواية التي رواها الإمام مالك " لأن أصحاب الزهري اتفقوا على روايتها خلا الإمام مالك، وابن جريج، واحتمال الخطأ في هذه الرواية اكثر.
كما أن رواية الترتيب فيها زيادة والأخذ بها أولى، والحديث الدال على الترتيب لفظ النبي صلي الله عليه وسلم أما روايتهم فهي لفظ الراوي، وربما ظن الراوي أن الفاء والواو بمعنى وأحد، كما انها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين، فكانت على الترتيب ككفارة الظهار والقتل ([72]).
يتبع
أحمد حاج عبد الرحمن محمود
ملخص البحث:
تعد اللغة العربية سبيلاُ لفهم كلام الشارع عز وجل، وأساسا لاستنباط الأحكام، الأمر الذي دفع العلماء لدراسة علوم العربية بجميع فروعها، فجاء البحث مبينا لصلة بعض حروف المعاني وهي: (حروف العطف ) بعلم أصول الفقه، فذكرت معنى كل حرف من أحرف العطف ثم أثره في اختلاف العلماء، وذلك على النحو الآتي: بيانا لشاهد من القرآن الكريم إن وجد، ثم من السنة، ثم من أقوال الفقهاء، فإن لم أجد أقتصر على المعنى اللغوي دون ترجيح بين أقوال العلماء" لأنها تحتاج إلى دراسة الأدلة الأخرى التي اعتمدوا عليها في ترجيح مذهبهم " ليتبين لنا أن الاختلاف في معاني أحرف العطف من أسباب اختلاف العلماء.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اكرم الله الإنسان بلسان ناطق يتوصل من خلاله إلى حاجاته ومآربه، وشرف الإنسان باختيار العربية ترجماناً لأفكاره، وشرف العربية بنطق كلامه، فقال: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) ([1]).
فيعد علم العربية سلم الوصول إلى فهم العلوم الشرعية بكل فروعها، فما من علم من العلوم الشرعية إلا واللغة العربية فيه لبنة الأساس لفهمه، ولاستنباط الأحكام منه، وكيف يتسنى ذلك لمن جهل معانيها، ولم يطلع على قواعدها" لذلك أهتم بها العلماء اهتماما بالغا، وأولوها جانباً عظيماً، والكلام في هذا البحث سيكون عن صلة بعض مباحث النحو- حروف المعاني - بعلم الأصول، وعلى الرغم من كونها من موضوعات النحو إلا أن الحاجة ماسة إليها لفهم النصوص فهما صحيحاً وسليماً، ولمعرفة كيفية استخراج المعاني منها؛ ليتضح لنا سبب اختلاف الفقهاء، الذي من ضمنه: اللغة العربية، وأنه قائم على قواعد علمية.
أولاً: أهمية البحث
تأتي أهمية هذا البحث في بيانه الصلة والترابط بين علمي أصولي الفقه واللغة العربية، اللذين يعدان من علوم الآلة التي بها تفهم الأحكام الشرعية.
فنجد أن علماء اللغة والأصول أدركوا أهمية هذا الموضوع من خلال كلامهم عنه في كتبهم وتعمقهم فيه، وأفرادهم المصنفات في ذلك؛ لأن فهم الشريعة عموما وأصول الفقه خصوصا متوقف على فهم المباحث اللغوية التي يتوقف تفسير النصوص عليها، فالحاجة ملحة للفقهاء وغيرهم ممن يستنبط الأحكام إلى معرفة معاني الحروف لكثرة ما ترد في الأدلة المراد الاستنباط منها ؛ لأن معرفة قواعد اللغة هي السبيل لفهم كلام الشارع.
فبحثت في بعض حروف المعاني ألا وهي أحرف العطف؛ نظراً لأن البحث في حروف المعاني كلها يحتاج إلى دراسة طويله ومتشعبة، وهذا يستغرق جهدا ووقتا كبيراً.
ثانيا ً: الدراسات السابقة
لم أعثر على رسالة مطبوعة في هذا الموضوع، سوى بحث نشر على الأنترنت بعنوان : (دلالة حروف العطف وأثرها في اختلاف الفقهاء) لمحمد سامي صالح الطويل، أعد استكمالا للحصول على الماجستير في جامعة النجاح في نابلس، قسم الفقه والتشريع عام 2009م؛ حيث تألف البحث من مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة، فجاء الفصل الأول : بعنوان : مفهوم حروف العطف، والفصل الثاني : الحروف التي يشترك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، والفصل الثالث : الحروف التي يختلف فيها حكم المعطوف عن المعطف عليه، ذكر الباحث حروف العطف التي لها أثر فقهي فقط، مع التوسع في المعنى اللغوي للحرف عند اللغويين والأصوليين، وبيان أدلة كل طرف، ثم بيان أثر ذلك في اختلاف العلماء، وكان الغالب على الأمثلة التطبيقية أنها امثله فقهية. سالكاً طريقة الفقه المقارن.
بينما التزمت في هذا البحث أن أقدم الأمثلة التطبيقية من القرآن، ثم من السنة، ثم من كتب الفقه؛ لذلك جاءت تطبيقات هذا البحث مختلفة عما ذكره الباحث، خلا بعض الأمثلة المشهورة في كتب الفقه والأصول، كالترتب في الوضوء، وعقوبة الحرابة، تقديم الكفارة على الحنث، ومسألة تعليق الطلاق في المذهب الحنفي. وسلكت في سبيل ذلك طريقة تخريج الفروع من الأصول، ذاكرا أهم الأدلة بالنسبة للتطبيقات في هامش البحث.
وهذا لا يعنى أنه لم يتعرض العلماء لهذا الموضوع في كتب الفقه والأصول، بل تم التعرض للموضوع في كتب النحو وأصول الفقه، وبعض الرسائل التي بينت الصلة بين المباحث اللغوية المتعددة وعلاقتها بعلم أصول الفقه.
ثالثا: صعوبات البحث
تكمن صعوبة البحث في فهم عبارات النحويين القديمة، إضافة إلى أن التطبيق الفقهي في كل حرف موزع على الأبواب الفقهية، وصعوبة البحث عن تطبيقات لبعض الأحرف وعدم العثور على شيء من ذلك في بعض الأحيان.
وإن معظم الفقهاء والأصوليين ذكروا تطبيقات فقهية على أثر الاختلاف، ولم يذكروا أمثله من القرآن أو السنة إلا نادرا، وكثير من الكتب تذكر ما يترتب على الحرف من حكم دون أن يكون له أثر في اختلاف الفقهاء، كقولهم: إن كفارة حلف اليمين على الترتيب " لأن الواو في الآية تفيد الترتيب، دون أن يكون هناك طرف أخر مخالف.
رابعا: منهج البحث
جاء منهج البحث تحليلياً؛ حيث بدأت ببيان معنى الحرف في اللغة ضمن الحدود التي ذكرها الأصوليون، دون التعرض إلى المعاني الأخرى التي لا تخدم الموضوع، وذكرت بعض الأمثلة التطبيقية عليه.
ويتضح هذا المنهج في النقاط الآتية:
ذكر معنى الحرف أولا، ثم بيان الشاهد في القرآن الكريم إن وجد، ثم في السنة، فإن لم يوجد أذكر بعض التطبيقات الفقهية، فإن لم يوجد أذكر المعنى اللغوي فقط، وأذكر في بعض الأحيان الأدلة الأخرى التي عزز بها كل فريق قوله.
الابتعاد عن الحشو وعدم الإكثار من النقل الحرفي للنصوص الفقهية واللغوية.
عدم نقل الأمثلة الفقهية المتعلقة بالعبيد.
شرح الكلمات الغريبة في البحث.
عزو الآيات إلى مواضعها في الحاشية.
تخريج الأحاديث الواردة في البحث، واكتفيت فيما ورد في الصحيحين بتخريجه من أحدهما، وأما الأحاديث والآثار الأخرى فخرجتها من كتب السنة المختصة مع نقل أقوال العلماء فيها إن وجد.
ترجمت للأعلام الواردة في المتن في فهرس الأعلام، إضافة إلى وضع مسرد لكل الأعلام الواردة في البحث.
عزو الأقوال إلى قائلها والأحكام إلى مصادرها الأصلية.
فهرسة الآيات والأحاديث والأعلام والمراجع والموضوعات في أخر البحث.
خامسا ً: خطة البحث
تحتوي خطة البحث مبحثين، وخاتمة.
المبحث الأول : مدخل إلى حروف المعاني:
المطلب الأول : أهمية حروف المعاني وصلتها بالعلوم الشرعية بعامة، وأصول الفقه بخاصة.
المطلب الثاني : تعريف الحروف وأنواعها.
المبحث الثاني : تعريف احرف العطف وأنواعها:
المطلب الأول : تعريف احرف العطف.
المطلب الثاني : الحروف التي تدل على التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه.
أولا : حرف العطف (الواو) : معناه واثره في اختلاف الفقهاء.
ثانياً : حرف العطف (الفاء) معناه واثره في اختلاف الفقهاء.
ثالثاً : حرف العطف (ثم) : ومعناه واثره في اختلاف الفقهاء.
رابعاً : حرف العطف (حتى) : معناه واثره في اختلاف الفقهاء.
المطلب الثالث: الحروف التي تدل على ترديد الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه.
أولا : حرف العطف (أو) : معناه واثره في اختلاف الفقهاء.
ثانياً : معنى حرف العطف (إما).
ثالثاً : معنى حرف العطف (أم).
المطلب الرابع: الحروف التي تدل على حصر الحكم في المعطوف وسلبه من المعطوف عليه.
أولا : معنى حرف العطف (بل).
ثانياً : معنى حرف العطف (لكن).
ثالثاً : معنى حرف العطف (لا).
الخاتمة : وضمنتها اهم النتائج والتوصيات.
المبحث الأول
مدخل إلى حروف المعاني
وفيه: مطلبان:
المطلب الأول
أهمية حروف المعاني وصلتها بالعلوم الشرعية بعامة،
وأصول الفقه بخاصة
لا يخفى على دارس العلوم الشرعية الحاجة إلى اللغة العربية، من نحو، وصرف، وبلاغة وغيرها؛ إذ هي مفتاح الفهم لكلام العرب، وسبيل لا بد منه لفهم كلام الشارع؛ إذ لا يوجد علم من العلوم الشرعية إلا وللغة العربية مكانتها فيه.
ومن هذه المباحث اللغوية المهمة: حروف المعاني، فمعرفة معانيها ضروري لفهم نصوص الشريعة من كتاب، وسنة، وأصول فقه، وعقيدة، ولكن المجال لا يتسع لبيان صلتها بكل علم، ولكن سوف أبين صلتها بعلم أصول الفقه بشكل موجز.
فعلم أصول الفقه من اكثر العلوم الشرعية صلة باللغة العربية وقواعدها؛ حتى تجد بعض المباحث في أصول الفقه لا تعلم هل هي من مباحث العربية أم من أصول الفقه؟ كحروف المعاني، والمشترك، والحقيقة، والمجاز،.... وغيرها ومن هذه المباحث اللغوية المهمة: حروف المعاني.
قال السيوطي: (اعلم أن معرفة ذلك ([2]) من المهمات المطلوبة " لاختلاف مواقعها ولذلك يختلف الكلام والاستنباط بحسبها) ([3]) .
وهذا ما جعل الأصوليين يفردون الحديث عن حروف المعاني في باب مستقل؛ لأن الحكم الشرعي متوقف على فهم خطاب الشارع وطريقة تركيبه، فكيف يمكن تفسير نص للشارع أو للمكلف إلا بعد معرفة ما يفيده ذلك الحرف، كالفاء هل تفيد التعقيب؟ أم هل تفيد التراخي؟ وغيرها من الأحرف.
فلحروف المعاني أسرار تظهر عند دخولها في التراكيب اللغوية، فتحمل إلى الجملة معنى لا يتجلى بدونها، فتتحقق بها أساليب البلاغة، علاوة على كونها أداة ربط([4]) .
المطلب الثاني
تعريف الحروف وأنواعها
معرفة الشيء فرع عن تصوره؛ لذا لا بد من تعريف مصطلحات البحث:
أولاً: تعريف الحرف لغة واصطلاحا ً.
الحرف لغة: هو أحد حروف الهجاء الثمانية والعشرين، وحرف كل شيء طرفه وشفيره وحده وناحيته، ومنه حرف الجبل، وهو أعلاه المحدد، وفلان على حرف من أمره أي ناحية منه، كأنه ينتظر ويتوقع فإن رأى من ناحية ما يحب وإلا مال إلى غيرها، وفي التنزيل العزيز: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) ([5]) أي على وجه واحد: هو أن يعبده على السراء لا الضراء ([6]).
وقيل في تفسير الحرف في الآية أي على طرف من الذين، لا في وسطه وقلبه، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم، كالذي يكون على طرف من العسكر، فإن أحس بظفر وغنيمة قز واطمأن، وإلا فر وانهزم ([7]).
وأما اصطلاحاً: فهو كلمة تدل على معنى في غيرها([8]) .
فالحرف أداة ربط، وقسم من أقسام الكلمة، ويختلف عن الأحرف التي تتشكل منها الكلمة، وحقه البناء على السكون، وما بني منها على حركة فإنما حرك لسكون ما قبله أو لأنه حرف واحد لا يبتدأ بساكن ([9]).
ثانيا ً: أنواع الحروف
ينقسم الكلام في اللغة إلى: اسم، وفعل، وحرف. والحروف قسمان: حروف المباني وحروف المعاني.
أما حروف المباني: فهي حروف التهجي التي تبنى منها الكلمات، وليس لها معنى مستقل في نفسها كالزاي من كلمة زيد.
وحروف المعاني: هي التي تدل على معنى في غيرها، فتوصل معاني الأفعال إلى الأسماء، وهي قسيمة للأسماء والأفعال ([10]) ، كالباء للإلصاق والواو لمطلق الجمع.......
وتنقسم حروف المعاني إلى أحرف عطف واستفهام ونفي وجر.... الخ.
والكلام في هذا البحث سوف يتناول أحرف العطف.
المبحث الثاني
تعريف أحرف العطف وأنواعها
المطلب الأول
تعريف أحرف العطف
وفيه: تعريف العطف في اللغة والاصطلاح.
العطف لغة: يقال: عطف فلان إلى ناحية كذا يعطف عطفاً، إذا مال إليها وانعطف نحوها، وعطف الرجل وساده إذا ثناه ليرتفق عليه.
قال ابن هشام: " العطف هو الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه".
أما اصطلاحاً: فهو على ضرتين عطف بيان، وعطف نسق.
أما الأول: فهو تابع موضح، أو مخصص جامد غير مؤول.
مثال : اقسم بالله أبو حفص عمر................
ف(عمر) عطف بيان لأنه موضح لأبي حفص.
وأما الثاني: فهو التابع المتوسط بينه وبين متبوعة أحد الأحرف([11]) " أي العطف بالواو والفاء وأخواتها، وفائدته الاختصار، وإثبات المشاركة([12]) .
من خلال تعريف احرف العطف يظهر أنها على أنواع فمنها : ما يدل على تشريك الحكم، ومنها: ما يدل على ترديد الحكم، ومنها : ما يدل على حصر الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه على التفصيل الآتي:
المطلب الثاني
الحروف التي تدل على التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه
أولاً: حرف العطف( الواو) معناه وأثره في اختلاف الفقهاء.
1- معنى حرف الواو.
تأتي الواو في اللغة على معان كثيرة، ومن ضمنها: العطف.
وتعد أصل أحرف العطف؛ لذا انفردت بأحكام ليست لغيرها من الحروف، وينحصر معناها الأساس في الآتي:
1-مطلق الجمع ([13]) (أي إشراك الثاني فيما دخل فيه الأول، دون ترتيب أو معية، وإنما للقدر المشترك بينهم؛" أي دون دلالة أيهما كان أولاً) وقال ابن فارس: أجمع نحاة البصرة والكوفة على أنها للجمع المطلق، وهو قول جمهور النحويين والأصوليين ([14]) والفقهاء([15]) .
واستدلوا على ذلك بالنقل عن أئمة اللغة، فإن قلت "جاء زيد وعمرو" فليس هناك ما يدل على أن زيدا قد جاء قبل عمرو أو العكس، أو أنهما جاءا معا، واستدلوا لذلك بأنها عطفت الشيء على مصاحبه، كقوله تعالى: (فَأَنْجَيْنَهُ وَأَصْحَبَ السَّفِينَةِ) ([16])
وعلى سابقه كقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ) ([17]) .
وعلى لاحقه نحو قوله تعالى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ([18]) وقد اجتمع العطف على السابق واللاحق في قوله تعالى: (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ([19]) فتقول : جاء زيد وعمرو احتمل ثلاثة معان وهذا معنى إفادتها مطلق الجمع ([20]) .صلي الله عليه وسلم
2- للترتيب: نقل هذا القول عن قطرب، والربعي، والفراء([21]) ، وثعلب وأبو عمر الزاهد([22]) ، وهشام والشافعي ([23]) . واستدلوا بقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) ([24]) فالترتيب واجب لدلالة الواو عليه([25]) . وبقوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ([26])، قال الصحابة للنبي صلي الله عليه وسلم: بم نبدأ؟ قال: ابدؤوا بما بدأ الله به ([27]) . ولولا أن الواو للترتيب، لما كان كذلك ([28]) .
الرد : لو كانت للترتيب لما صحت المقارنة فيه "رأيت زيداً وعمراً معاً"([29]) .
قال الآمدي: وبالجملة فالكلام في هذه المسألة متجاذب، وإن كان الأرجح في النفس هو الأول أي مذهب الجمهور([30]) ، وقد ذكر بعضهم أنها تأتي للترتيب عند تعذر الجمع.
الترجيح: من خلال بيان معنى حرف الواو وأدلة كل فريق يتبين لنا أن الواو تدل على مطلق الجمع؛ لأن دلالتها على مطلق الجمع لا ينافي دلالتها على الترتيب أو المعية أن دلت الأدلة الأخرى على ذلك.
2 -أثر حرف الواو في اختلاف الفقهاء. كان لاختلاف اللغويين والأصوليين في معنى أحرف العطف أثر في بعض المسائل الفقهية " لاختلافهم في فهم النص فبدأت بحرف الواو، فبينت معناه اللغوي، ثم ذكرت بعض التطبيقات الفقهية على ذلك، وكذلك في بقية الأحرف.
أ -مسألة الترتيب في غسل أعضاء الوضوء.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ([31]).
ذكر الله عز وجل فرائض الوضوء في الآية مع الفصل بينها بواو العطف، فاختلف العلماء في حكم ترتيب أعضاء الوضوء بناء على معنى حرف العطف، هل هو للترتيب أو هو لمطلق الجمع؟ إضافة إلى اختلافهم في أدلة أخرى.
ذهب الحنفية إلى أن الترتيب ليس شرطاً في الوضوء ([32]) " لأن الواو لا تدل على الترتيب بل مطلق الجمع ([33]).
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الترتيب شرط في الوضوء ([34])، لكنهم استدلوا بأدلة خارجية سيأتي الحديث عنها ([35]).
وقال الماوردي من الشافعية: أن الترتيب شرط، واستدل بأدلة، منها: إفادة الواو الترتيب ([36]).
ب - مسألة: التسمية على الذبيحة والصيد.
قوله عز وجل: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ([37]).
نهى الله سبحانه أن ناكل مما لم يذكر اسم الله عليه، ووصفه بالفسق، وهو يشمل الذبيحة والصيد، ولكن ما الذي تفيده الواو في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)؟ تفيد أكثر من معنى على التفصيل الآتي:
(حالية، استئنافية، عطف).
وبناء على ذلك اختلفوا في حكم التسمية على الذبيحة على ثلاثة أقوال:
الأول: فرض على الإطلاق وبه قال أهل الظاهر، وابن عمر، والشعبي، وابن سيرين ([38]).
الثاني: فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان وهو قول مالك ([39]) وأبو حنيفة ([40]) والثوري، وقول للأمام احمد فيما يتعلق بالذبيحة، أما فيما يتعلق بالصيد فهي شرط في حالة النسيان والعمد ([41]) .
واستدل أصحاب القول الأول والثاني ب ([42]):
قوله عز وجل: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ([43]).
تدل الآية الكريمة على عدم حل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها، ولو كان الذابح مسلما ([44])، ووجه الاستدلال أن الواو في الآية إما للعطف أو للاستئناف، لامتناع عطف الخبر على الطلب، وفي الحالتين يكون النهي واردا على ما لم يذكر اسم الله عليه مطلقا، سواء ذكر اسم الله أم ذكر اسم غيره ([45])، واستدلوا بقوله عز وجل: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) ([46]). وزاد القائلون بسقوط التسمية مع النسيان بأدلة أخرى ([47]).
واستدل الحنابلة للتفريق بين الذبيحة والصيد: بأن الذبح وقع في محله، فجاز أن يتسامح فيه بخلاف الصيد.
واجابوا عن الحديث: أنه يقتضي نفي الإثم، لا جعل الشرط المعدوم كالموجود، بدليل على ما لو نسي شرط الصلاة ([48]) .
الثالث: التسمية على الذبيحة سنة مؤكدة، وهو قول الشافعي وأصحابه([49]) .
والواو في هذه المذهب حالية، واستدلوا أن الذي تقتضيه البلاغة ليس العطف للتباين التام بين الجملتين؛ إذ الأولى فعلية إنشائية والثانية اسمية خبرية، فتعين أن تكون حالية فتقيد النهي بحال كون النهي فسقا، والفسق في الذبيحة قد فسره البيان الإلهي بأنه ما أهل به لغير الله ([50]).
ج - قال الموصي: "أوصيت إلى زيد وعمرو" فليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرف؛ لأن الواو تقتضي مطلق الجمع ([51]).
ثانيا ً: حرف( الفاء) معناها وأثره في اختلاف الفقهاء.
1-في معنى الفاء.
تفيد الفاء العاطفة ثلاثة معان: (التعقيب والترتيب والسببية) ([52]).
والمراد بالتعقيب : وقوع الثاني عقيب الأول بلا مهلة، وكل شيء بحسبه، مثل: تزوج فلان فولد له؛ إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن كانت متطاولة([53]) قال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) ([54]).
وأما الترتيب ([55]) فهو على نوعين ([56]): ترتيب معنوي وذكري.
فالأول: يعني أن زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخر عن المعطوف عليه ([57]) ، كقوله تعالى: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ([58]) فتقريب العجل هنا كان بعد مجيئه به.
والثاني ([59]): عطف مفصل على مجمل، كقوله عز وجل: (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) ([60]).
السببية ([61]): اي أن يكون ما قبلها سبباً لما بعدها، فإما أن يكون جملة أو صفة أما الجملة ([62]): (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) ([63]).
وأما الصفة: (لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) ([64]).
2-أثر (الفاء) في اختلاف الفقهاء.
أ-مسألة: من جامع أهله في رمضان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلي الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول صلي الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا قال: فمكث النبي صلي الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلي الله عليه وسلم بعرق فيه تمر-والعرق المكتل-قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: (خذها فتصدق به) فقال: الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها – يريد الحرتين -أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلي الله عليه وسلم، حتى بدت أنيابه ثم قال: (أطعمه أهلك) ([65]).
يستفاد من الحديث: كفارة من واقع أهله في رمضان، لكن وقع خلاف بين العلماء في حكم الكفارة بين الترتيب كما في الظهار أو عدمه على مذهبين؛ لاختلافهم هل الفاء للترتيب الذكري أم المعنوي؟ إضافة إلى اختلاف الروايات الأخرى.
المذهب الأول: ذهب الجمهور ([66]) إلى أن الكفارة على الترتيب، ولا ينتقل من الأولى إلا عند العجز عنها، وهو ما يدل عليها ظاهر الحديث.
المذهب الثاني: ذهب الإمام مالك إلى أن الكفارة على التخيير، وهو رواية عن الإمام أحمد ([67]).
وقال المازري: ليس في قوله (هل تستطيع؟) دلالة على الترتيب لا نصاً ولا ظاهراً، إنما فيه البداءة بالأول، وهو يصح على التخيير والترتيب، فبان من رواية (أو) أن المراد التخيير ([68]).
ويستدل للإمام مالك بأن الفاء في الحديث لا تدل على الترتيب -أي على وجوبه-فهو من باب الترتيب الذكري([69]).
وعززوا رأيهم بما ورد في الموطأ، حيث روى الإمام مالك ما يدل على التخيير، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول صلي الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، قال : لا أجد فأتي رسول صلي الله عليه وسلم بعرق من تمر، فقال: (خذ هذا فتصدق به)، فقال : يا رسول الله، ما أجد أحداً) ([70]) والواو تقتضي التخيير([71]).
رد الجمهور: رواية الترتيب أولى من الرواية التي رواها الإمام مالك " لأن أصحاب الزهري اتفقوا على روايتها خلا الإمام مالك، وابن جريج، واحتمال الخطأ في هذه الرواية اكثر.
كما أن رواية الترتيب فيها زيادة والأخذ بها أولى، والحديث الدال على الترتيب لفظ النبي صلي الله عليه وسلم أما روايتهم فهي لفظ الراوي، وربما ظن الراوي أن الفاء والواو بمعنى وأحد، كما انها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين، فكانت على الترتيب ككفارة الظهار والقتل ([72]).
يتبع