ابو وليد البحيرى
2018-10-10, 05:17 AM
أنواع الفرقة بين الزوجين
رجاء بنت صالح باسودان
المقدمة
الحمد لله القائل في كتابه الكريم : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } (المائدة:3) .والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين . أما بعد :
فقد إهتم الإسلام الحنيف بجميع جوانب الحياة ، وبالذات ما يتعلق بالأسرة لعظم شأنها ، ولكونها لبنة من لبنات المجتمع ينبغي المحافظة عليها ما أمكن. ويعتبر الزواج من الأمور الفطرية التي تلبي احتياجات الجنسين بمختلف أنواعها. يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (الروم: 21) ، فالغاية العظمى للزوجين من الزواج هو السكون والمودة والراحة النفسية التي تعين الإنسان على القيام بدوره في هذه الحياة على أكمل وجه بدون منغصات .
لكن الحياة الزوجية لا تستمر على حال واحد دائماً ، فقد تضطرب وتتصدع ويكون علاجها في بعض الأحوال انفصال الزوجين بعد محاولة الإصلاح بينهما .
ومن هنا تأتي أهمية موضوع البحث ، فإنهاء العلاقة بين الزوجين ليست على حال واحد بل تختلف باختلاف السبب المؤدي إليها . وقد اختلف الفقهاء حول أنواع الفرق ، كونها طلاقاً أم فسخاً ، وهل تتوقف على القضاء أم لا ؟
ولقد ذهبت في تقسيم الفرق إلى ما ذهب جمهور العلماء إليه .
ولعل من أهم الصعوبات التي واجهتها عند إعداد البحث هو ضيق الوقت[1] ، بالإضافة إلى تشعب موضوع البحث .
أما عن خطة البحث :
فقد تم تقسيم البحث إلى : مقدمة ، و تمهيد ، و بابين ، و أربعة فصول ، و خاتمة كالآتي:
تمهيد : ذكرت فيه حكمة مشروعية الفرقة ، و الفرق بين الطلاق و الفسخ .
الباب الأول : ( الفرق التي تعد طلاقاً ) ، و فيه فصلان :
الفصل الأول : فرق الطلاق الغير متوقفة على القضاء ، و فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول : الطلاق
المبحث الثاني : الخلع
المبحث الثالث : الإيلاء
الفصل الثاني : فرق الطلاق المتوقفة على القضاء ، و فيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : التفريق للعيب
المبحث الثاني : التفريق للضرر
المبحث الثالث : التفريق لعدم الإنفاق
الباب الثاني : ( الفرق التي تعد فسخاً ) ، وفيه فصلان :
الفصل الأول : فرق الفسخ الغير متوقفة على القضاء ، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول : تبين فساد العقد
المبحث الثاني : طروء حرمة المصاهرة
المبحث الثالث : الردة
المبحث الرابع : خيار العتق
الفصل الثاني : فرق الفسخ المتوقفة على القضاء ، و فيه ستة مباحث :
المبحث الأول : اللعان
المبحث الثاني : إباء أحد الزوجين
المبحث الثالث : عدم الكفاءة
المبحث الرابع : الغبن في المهر
المبحث الخامس : خيار البلوغ أو الإفاقة
المبحث السادس : عدم الوفاء بالشرط
الخاتمة : وتحتوي على ملخص البحث ، وبعض التوصيات .
وقد تم الاستناد على بعض أمهات الكتب القديمة وبعض الكتب الحديثة كمصادر للبحث.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، " سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " .
التمهيد
الأول : حكمة مشروعية الفرقة
من مقاصد الزواج الإبقاء على النوع الإنساني ، وإشباع الحاجات الضرورية لكل فرد . وقد تكون هذه الرابطة بين فردين من أقوى الروابط ، قائمة على المودة والسكن والرحمة ، محققة بذلك الهدف منها . وقد يفشل مشروع الزواج ويقرر أحد الزوجين أو كلاهما إنهاءه ؛ لأنه من العقود التي تنشأ بإرادة طرفين . ولهذا شرعت الفرقة بين الزوجين ، إما لسوء اختيار[2] أو طروء ما يفسد العقد أو غيرها من أسباب ممّا يفسد العلاقة ويجعلها مستحيلة ، كقذف الزوج زوجته ، أو وجود عيب في أحدهما أو كلاهما
وهذا من محاسن الإسلام حيث أباح الفرقة عند تعذر الحياة بين الزوجين ولم يجعل عقد الزواج مؤبداً ، رفعاً للضيق والحرج عن الناس .وبما أن الزواج من العقود التي تنشأ بإرادة طرفين، فإن لهما الحق في إنهائه ، وقد ينتهي هذا العقد بينهما إما بالفسخ أو الطلاق ، أو وفاة أحد الزوجين أو كليهما[3]
المبحث الثاني : الفرق بين الفسخ والطلاق
أشار الشيخ "محمد أبو زهرة" إلى حقيقة كل منهما ، فقال: " إن حقيقة الطلاق توجب إنهاء الزواج وتقرير الحقوق السابقة ، وهو لا يكون إلا في النكاح الصحيح ، وهو من آثاره التي قررها الشارع ، حتى لو عقدا الزواج واشترطا ألا يطلق الزوج زوجته كان الشرط لغواً ، لأنه شرط فاسد، إذ هو منافٍ لمقتضى العقد . أما الفسخ فحقيقته : أنه عارض يمنع بقاء النكاح أو يكون تداركاً لأمر اقترن بالإنشاء ، جعل العقد غير لازم ، ومثال الأول : ردة أحد الزوجين ، أو يكون من أحدهما ما يوجب حرمة المصاهرة . ومثال الثاني : الفسخ بخيار البلوغ أو الإفاقة [4]
فالفسخ نقض للعقد من الأصل وجعله كأن لم يكن ، بخلاف الطلاق الذي هو إنهاء للعقد في المآل أو الحال ولا يزيل الحل إلا في حالة البينونة الكبرى . وإنهاء الزوجية بالطلاق لا يكون سببه وجود شيء يتنافى مع عقد الزواج ، ولكن الفسخ يكون نتيجة وجود سبب مرافق أو طارئ عليه .
بالإضافة إلى أن الفرقة بالفسخ لا تنقص من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته ، بخلاف الفرقة بالطلاق ، ويتضح أثر هذا الاختلاف إذا عقد الرجل على زوجته بعد الفسخ بعقد جديد فإنه يملك عليها الثلاث تطليقات[5]
ويلاحظ أن بعض الفرق توجب فرقة مؤبدة كاللعان ، وطروء حرمة المصاهرة للاتصال المحرم بين أحد الزوجين بأصل أو فرع الآخر .
الباب الأول
الفرق التي تعد طلاقاً
الفصل الأول : فرق الطلاق الغير متوقفة على القضاء
الفصل الثاني : فرق الطلاق المتوقفة على القضاء
الفصل الأول
فرق الطلاق الغير متوقفة على القضاء
المبحث الأول : الطلاق
المبحث الثاني : الخلع
المبحث الثالث : الإيلاء
المبحث الأول : الطلاق
المطلب الأول : تعريف الطلاق
أولاً : لغة
الطالق من الإبل : التي طلقت في المرعى ، وقيل : هي التي لا قيد عليها . وطلاق النساء لمعنيين : أحدهما : حل عقدة النكاح ، والآخر : بمعنى التخلية والإرسال [6]
وفي المعجم الوسيط : طََلَق طلاقاً : تحرّر من قيده ونحوه . وطلقت المرأة من زوجها طلاقاً: أي تحللت من قيد الزوج وخرجت من عصمته . وأطلق الشيء : حلّه وحرّره . يقال : أطلق الأسير ونحوه . وأطلق المرأة : حرّرها من قيد الزواج[7]
ثانياً : شرعاً
" حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه " [8] وفي "رد المحتار" : " رفع قيد النكاح في الحال بالبائن أو المآل بالرجعي بلفظ مخصوص " [9]وفي "كشاف القناع" : " حل قيد النكاح أو بعضه ، إذا طلقها طلقة رجعية " [10]
المطلب الثاني : حكم الطلاق
اختلف العلماء في الحكم الأصلى للطلاق ، هل هو للإباحة أم الحظر . وينبغي التفريق بين إيقاع الطلاق ووقوعه ، حيث أن الزوج يملك إيقاعه ، وهو الذي يعتريه الأحكام التكليفية ، ويوصف بالحظر أو الحل . أما وقوعه فهو حكم الشرع والذي يترتب بعد إيقاعه مباشرة [11]وحيث أن الأحكام الشرعية تدور بين الوجوب ، والحرمة ، والكراهة ، والإباحة ، والندب ؛ فإن الطلاق تعتريه هذه الأحكام كالتالي :
أولاً : الوجوب
ومنه طلاق المولي بعد التربص ، وطلاق الحكمين عند الشقاق بين الزوجين ، وإذا كان لا يعاشر زوجته بالمعروف ، أو عند عدم عدله بين زوجاته [12]
ثانياً : المستحب
ذكر الإمام "النووي" في "المجموع" ما نصّه : { وأما المستحب فهو في حالتين : إحداهما : إذا كان يقصر في حقها في العشرة أو في غيرها ، فالمستحب أن يطلقها لقوله عز وجل :{ فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} [13]ولأنه إذا لم يطلقها في هذه الحال لم يؤمن أن يفضي إليها الشقاق أو إلى الفساد .
الثاني : أن لا تكون المرأة عفيفة ، فالمستحب أن يطلقها ، لما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : طلقها [14]، ولأنه لا يأمن أن تفسد عليه الفراش وتلحق به نسباً ليس منه }[15].
ويرى العلامة "ابن قدامة" أن المستحب : " عند تضرر المرأة بالنكاح ، إما لبغضه أو غيره ، فيستحب إزالة الضرر عنها ، وعند كونها مفرطة في حقوق الله الواجبة عليها ، كالصلاة ونحوه ، وعجزه عن إجبارها عليها " [16].
ثالثاً : المكروه
وهو الطلاق من غير حاجة ، ودون مبرر يستدعيه ، كطلاق مستقيمة الحال . وقيل : هو الطلاق الغير سني ، والغير بدعي [17].
رابعاً : المحرم ( المحظور )
وهو طلاق البدعة [18]، ويتحقق طلاق البدعة في أمرين : أولاهما : أن يطلق زوجة المدخول بها في وقت حيضها من غير حمل . والثاني : طلاقها في طهر أصابها فيه[19]
خامساً : المباح
عرّفه العلامة "ابن قدامة" بقوله : " وهو عند الحاجة إليه لضرر بالمقام على النكاح ، فيباح له دفع الضرر عن نفسه [20]. ويكون مباحاً كذلك إذا كان بها عيب لا يتمكن زوجها من الاستمتاع بها [21].
المطلب الثالث : أنواع الطلاق من حيث أثره
ذُكر سابقاً في تعريف الطلاق أنه ( رفع قيد النكاح في الحال أو في المآل ) . ونستنتج من التعريف أن الطلاق له نوعان : رجعي وبائن .
النوع الأول : الطلاق الرجعي
وهو الذي يرفع قيد النكاح في المآل ، والذي يملك الزوج فيه مراجعة زوجته رضيت أم لا [22] من غير حاجة إلى عقد جديد ما دامت في العدة ، وينقص به عدد مرات الطلاق التي يملكها الزوج [23](5). قال تعالى : {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان }[24].
النوع الثاني : الطلاق البائن
وهو الذي يرفع قيد النكاح في الحال ، وينقسم إلى قسمين :
أولاً : الطلاق البائن بينونة صغرى
ويحصل عندما يطلق الزوج زوجته الطلقة الأولى أو الثانية ، وتنتهي فترة العدة بدون مراجعته لها ، فينقلب الطلاق الرجعي بائناً بينونة صغرى ، ولا يملك الزوج مراجعة مطلقته إلا برضاها ، وبعقد ومهر جديدين[25] .ومما يطلق عليه طلاقاً بائناً بينونة صغرى : الطلاق على مال ، الخلع ، الطلاق قبل الدخول ، والطلاق بطلب الزوجة عن طريق القاضي ، والإيلاء عند انتهاء مدته بدون فيئة[26] .
ثانياً : الطلاق البائن بينونة كبرى
ذكر العلامة "ابن قدامة" في "الكافي" : " إذا طلق الحر زوجته ثلاثاً [27]حرمت عليه ، ولم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها [28]،لقوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره} [29].
المطلب الرابع : أنواع الطلاق من جهة كيفية إيقاعه
نبّه الشرع إلى ضرورة إيقاع الطلاق بالطريقة المشروعة الموافقة للسنة النبوية ، فقد قال تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } [30].
وعلى هذا فإن الطلاق من جهة كيفية إيقاعه نوعان : طلاق السنة ، و طلاق البدعة النوع الأول: الطلاق السني
وهو ما أذن الشارع فيه[31]. قال الفقيه ابن رشد : " أجمع العلماء على أن المطلق للسنة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه، طلقة واحدة [32].
فطلاق السنة له شرطان : الأول : أن تكون الزوجة من ذوات القروء، لأن عدتها تحسب بالقروء سواء كانت بالحيضات أو بالأطهار [33].والثاني : أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، فلا يطلقها وهي حائض . ويتضح من هذين الشرطين التأكد من رغبة الزوج في إيقاع الطلاق ؛ لتأكد النفرة بينهما [34].
ومن لا يُشترط لطلاقهن الشرطين السابقين : الزوجة غير المدخول بها ، والحامل ، والصغيرة ، والآيسة من الحيض [35].
وهناك طلاق السنة عند الحنفية : ورد في "رد المحتار على الدر المختار" : لزم في المدخولة مراعاة الوقت والعدد بأن يطلقها واحدة في الطهر المذكور فقط وهو السني الأحسن ، أو ثلاثاً مفرقة في ثلاثة أطهار أو أشهر وهو السني الحسن [36].
النوع الثاني : الطلاق البدعي
ذكر الإمام "النووي" عن المحرم من الطلاق : الطلاق البدعي وهو نوعان :
طلاق المدخول بها في حال الحيض من غير حمل ، وطلاق من يجوز أن تحمل في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يتبين الحمل[37] .
ذكر الفقيه "ابن رشد" في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" عن الطلاق البدعي : " وأن المطلق في الحيض أو الطهر الذي مسها فيه غير مطلق للسنة ، وإنما أجمعوا (الفقهاء) على هذا لما ثبت من حديث عمر أنه طلقة امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : "مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق ، قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء "[38].
ويثار تساؤل هنا حول وقوع الطلاق البدعي ، " والحق أنه يقع حتى لو وصف بالطلاق البدعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالرجعة ، ولا تكون إلا بعد طلاق[39].وفي "المغني" : " فإن طلّق للبدعة ، وهو أن يطلقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه ، أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم [40].
المبحث الثاني : الخلع
المطلب الأول : تعريف الخلع
أولاً : لغة
الإزالة : يقال : خلعت النعل وغيره خلعاً ، وخالعت المرأة زوجها مخالعة ، إذا افتدت منه فخلعها هو خلعاً ، والاسم الخلُع بالضم ، وهو استعارة من خلع اللباس ؛ لأن كل واحد منهما لباس للآخر [41].
ثانياً : شرعاً
هو فرقة بعوض بلفظ طلاق أو خلع [42].
وفي كشاف القناع : " الخلع فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة [43].
المطلب الثاني : حكمه
اتفق العلماء على جواز وقوعه . والأصل في ذلك الكتاب والسنة ، لقوله تعالى : {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [44].والسنة : لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أفتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم فردّت عليه وأمره ففارقها" [45].
قال الفقيه "ابن رشد" فيه : " والفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من الطلاق ، فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا فرك المرأة ، جعل الخلع بيد المرأة إذا فركت الرجل [46].
وعند قياس عقد الزواج على العقود الأخرى التي يتفق الطرفان فيها على رفعه ، يرى جمهور الفقهاء أن افتداء المرأة نفسها بعوض ، مشروع عند تراضي الزوجين [47]
ويكره الخلع لغير سبب مع استقامة الحال ، روى ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة [48].
أما المحرم : فهو أن يعضل الزوج زوجته ويؤذيها ويظلمها لتفتدي نفسها منه [49]،قال تعالى : " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن [50].
المطلب الثالث : صفته
الخلع عقد ينعقد بإيجاب وقبول . وهو معاوضة بمال من جهة الزوجة (تشبه التبرع) ويعتبر تعليقاً للطلاق على قبول المال من جهة الزوج [51].ويصح الخلع منجزاً بلفظ المعاوضة ، ويصح معلقاً على شرط لما فيه من الطلاق[52]
وعلى اعتبار الخلع تعليقاً للطلاق على قبول المال من جهة الزوج : فإنه لا يجوز له الرجوع عن الإيجاب قبل قبول المرأة .
كما أنه لو قام من المجلس قبل قبول الزوجة لا يبطل إيجابه . وليس له أن يشترط الخيار لنفسه لأنه لا يملك الرجوع عن الخلع ، ولكن له أن يعلق إيجابه على أمر من الأمور . وعلى اعتبار الخلع من جهة الزوجة معاوضة شبيهة بالتبرع : فإنه يجوز للزوجة رجوعها عن الإيجاب قبل قبول الزوج إذا كانت هي الموجبة . ولها أن تشترط الخيار لنفسها في مدة معلومة ، لكن ليس لها أن تعلق إيجابها على أمر من الأمور [53].
المطلب الرابع : آثاره[54]
- يقع بالخلع فرقة بين الزوجين على اختلاف بين العلماء في نوع الفرقة . والأرجح وقوع الطلاق البائن إذا ثبت البدل .
- لا يتوقف الخلع على قضاء القاضي ، حيث يعتبر مثل العقود الأخرى كالبيع ونحوه
- ذهب جمهور العلماء إلى أن الخلع لا يترتب عليه سقوط حقوق الزوجين ؛ لأنه عقد معاوضة فلا يتعدى إلى الحقوق المتعلقة بذمة أحدهما على الآخر ، وهذا خلاف ما ذهب إليه الحنفية .
المبحث الثالث : الإيلاء
المطلب الأول : تعريف الإيلاء
أولاً : لغة
اليمين [55].
ثانياً : شرعاً
" هو حلف زوج يصح طلاقه ليمتنعن من وطئها (زوجته) مطلقاً أو فوق أربعة أشهر[56]
وفي "الكافي" : " الحلف على ترك قربان الزوجة أكثر من أربعة أشهر [57].
المطلب الثاني : حكمه
جاء في "كشاف القناع" : " أن الإيلاء محرم في ظاهر كلامهم لأنه يمين على ترك واجب[58] .قال تعالى :{ للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم }[59]. وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمّى الله تعالى ، لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل [60].وإن وطئها حنث وسقط الإيلاء [61].
المطلب الثالث : مدته
اختلف الفقهاء في المدة التي يعتبر الزوج فيها مولياً ، فذهب الأئمة مالك والشافعي وابن حنبل على أن الزوج يكون مولياً إذا حلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر أو إذا لم يذكر مدة ، كأن قال "أبداً " وأن الأربعة أشهر عندهم هي مدة التربص لا يطالب الزوج فيها بشيء ، فإذا انتهت هذه المدة فإما أن يفيء إلى زوجته أو يطلقها فإن أبى أمره القاضي بالطلاق ، وهذا قول الجمهور ، أما عند أبي حنيفة : فإن الزوج يكون مولياً إذا حلف على ترك الوطء أربعة أشهر فأكثر ، وبانتهاء مدة التربص تقع طلقة واحدة بائنة [62].
وفي "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" ما يؤيد هذا الرأي ، حيث ذكره الفقيه "ابن رشد" : في المسألتين الأولى والرابعة .
أما المسألة الأولى فقد قال فيها : " أما اختلافهم هل تطلق بانقضاء الأربعة أشهر نفسها أم لا تطلق ، وإنما الحكم أن يوقف فإما فاء وإما طلق ، فإن مالكاً والشافعي وأحمد وأبا ثور وداود والليث ذهبوا إلى أنه يوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر فإما فاء وإما طلق ، وهو قول علي وابن عمر، وإن كان قد روي عنهما غير ذلك ، لكن الصحيح هو هذا ؛ وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري ، وبالجملة الكوفيون إلى أن الطلاق يقع بانقضاء الأربعة الأشهر إلا أن يفيء فيها ، وهو قول ابن مسعود وجماعة من التابعين " [63]
والمسألة الرابعة : " وأما اختلافهم في مدة الإيلاء ، فإن مالكاً ومن قال بقوله يرى أن مدة الإيلاء يجب أن تكون أكثر من أربعة أشهر إذ كان الفيء عندهم إنما هو بعد الأربعة الأشهر ؛ وأما أبو حنيفة فإن مدة الإيلاء عنده هي الأربعة الأشهر فقط ، إذ كان الفيء عنده إنما هو فيها [64].
المطلب الرابع : المراد بالفيء
لغة : الرجوع [65].
شرعاً : قال الإمام "الكاساني" فيه : " الفيء عندنا على ضربين :
أحدهما : بالفعل وهو الجماع في الفرج ، حتى لو جامعها فيما دون الفرج أو قبلها بشهوة أو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها عن شهوة لا يكون ذلك فيئاً ؛ لأن حقها في الجماع في الفرج ، فصار ظالماً بمنعه فلا يندفع الظلم إلا به ، فلا يحصل الفيء وهو الرجوع عمّا عزم عليه ثم القدرة إلا به .
والثاني : بالقول والكلام فيه يقع في موضعين ، أحدهما : في صورة الفيء بالقول ، والثاني : في بيان شرط صحته ، أما صورته ، فهي أن يقول لها : فئت إليك أو راجعتك وما أشبه ذلك . وذكر الحسن عن أبي حنيفة في صفة الفيء أن يقول الزوج اشهدوا أني قد فئت إلى امرأتي وأبطلت الإيلاء[66] .
الفصل الثاني
فرق الطلاق المتوقفة على القضاء
المبحث الأول : التفريق للعيب
المبحث الثاني : التفريق للضرر
المبحث الثالث : التفريق لعدم الإنفاق
المبحث الأول : التفريق للعيب
المطلب الأول : تعريف العيب
لغة : الوصمة والجمع أعياب وعيوب . وعبته وعابه : نسبه إلى العيب أو جعله ذا عيب . وفي القرآن الكريم (فأردت أن أعيبها) أي أجعلها ذات عيب [67].
عند الفقهاء : " نقص بدني أو عقلي في أحد الزوجين يمنع من تحصيل مقاصد الزواج والتمتع بالحياة الزوجية [68].
اتفق جمهور الفقهاء على جواز التفريق للعيب ، ولكن اختلفوا فيمن يملكه ، الزوج أم الزوجة أم كلاهما معاً ! فالعيوب بين الزوجين أو كلاهما تؤثر على مقاصد الزواج ، لذا لابد من رفع الحرج وتكون الفرقة عادة هي السبيل لذلك . فالزوج يملك حق الطلاق إذا وجد عيباً في زوجته ، والزوجة لها رفع الغبن عنها وذلك برفع أمرها إلى القاضي ، ولكن هذا لا يمنع حقه في فسخ النكاح بسبب وجود عيب في زوجته [69].
ويشترط للتفريق بسبب هذه العيوب شروط أهمها : عدم العلم بوجود العيب عند العقد وعدم الرضا به ، وطلب الزوجة التفريق من القاضي ، وسلامة طالب التفريق من العيب [70].
المطلب الثاني : أنواع العيوب
الموضوع الأول : أهم العيوب الخاصة بالرجل
أولاً : العنة ، والصفة : عنيناً ، " وهو العاجز عن الوطء[71] ." ومعناها أن يكون الرجل غير قادر على الدخول بالمرأة مع سلامة الأعضاء ظاهراً [72].
ثانياً : الجب ، والصفة : مجبوباً ، " وهو مقطوع جميع الذكر أو لم يبق منه قدر الحشفة [73].
ثالثاً : الخصاء ،والصفة : خصي ومخصي ، " وهو من سلت خصيتاه وبقي ذكره[74].
يتبع
رجاء بنت صالح باسودان
المقدمة
الحمد لله القائل في كتابه الكريم : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } (المائدة:3) .والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين . أما بعد :
فقد إهتم الإسلام الحنيف بجميع جوانب الحياة ، وبالذات ما يتعلق بالأسرة لعظم شأنها ، ولكونها لبنة من لبنات المجتمع ينبغي المحافظة عليها ما أمكن. ويعتبر الزواج من الأمور الفطرية التي تلبي احتياجات الجنسين بمختلف أنواعها. يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (الروم: 21) ، فالغاية العظمى للزوجين من الزواج هو السكون والمودة والراحة النفسية التي تعين الإنسان على القيام بدوره في هذه الحياة على أكمل وجه بدون منغصات .
لكن الحياة الزوجية لا تستمر على حال واحد دائماً ، فقد تضطرب وتتصدع ويكون علاجها في بعض الأحوال انفصال الزوجين بعد محاولة الإصلاح بينهما .
ومن هنا تأتي أهمية موضوع البحث ، فإنهاء العلاقة بين الزوجين ليست على حال واحد بل تختلف باختلاف السبب المؤدي إليها . وقد اختلف الفقهاء حول أنواع الفرق ، كونها طلاقاً أم فسخاً ، وهل تتوقف على القضاء أم لا ؟
ولقد ذهبت في تقسيم الفرق إلى ما ذهب جمهور العلماء إليه .
ولعل من أهم الصعوبات التي واجهتها عند إعداد البحث هو ضيق الوقت[1] ، بالإضافة إلى تشعب موضوع البحث .
أما عن خطة البحث :
فقد تم تقسيم البحث إلى : مقدمة ، و تمهيد ، و بابين ، و أربعة فصول ، و خاتمة كالآتي:
تمهيد : ذكرت فيه حكمة مشروعية الفرقة ، و الفرق بين الطلاق و الفسخ .
الباب الأول : ( الفرق التي تعد طلاقاً ) ، و فيه فصلان :
الفصل الأول : فرق الطلاق الغير متوقفة على القضاء ، و فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول : الطلاق
المبحث الثاني : الخلع
المبحث الثالث : الإيلاء
الفصل الثاني : فرق الطلاق المتوقفة على القضاء ، و فيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : التفريق للعيب
المبحث الثاني : التفريق للضرر
المبحث الثالث : التفريق لعدم الإنفاق
الباب الثاني : ( الفرق التي تعد فسخاً ) ، وفيه فصلان :
الفصل الأول : فرق الفسخ الغير متوقفة على القضاء ، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول : تبين فساد العقد
المبحث الثاني : طروء حرمة المصاهرة
المبحث الثالث : الردة
المبحث الرابع : خيار العتق
الفصل الثاني : فرق الفسخ المتوقفة على القضاء ، و فيه ستة مباحث :
المبحث الأول : اللعان
المبحث الثاني : إباء أحد الزوجين
المبحث الثالث : عدم الكفاءة
المبحث الرابع : الغبن في المهر
المبحث الخامس : خيار البلوغ أو الإفاقة
المبحث السادس : عدم الوفاء بالشرط
الخاتمة : وتحتوي على ملخص البحث ، وبعض التوصيات .
وقد تم الاستناد على بعض أمهات الكتب القديمة وبعض الكتب الحديثة كمصادر للبحث.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، " سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " .
التمهيد
الأول : حكمة مشروعية الفرقة
من مقاصد الزواج الإبقاء على النوع الإنساني ، وإشباع الحاجات الضرورية لكل فرد . وقد تكون هذه الرابطة بين فردين من أقوى الروابط ، قائمة على المودة والسكن والرحمة ، محققة بذلك الهدف منها . وقد يفشل مشروع الزواج ويقرر أحد الزوجين أو كلاهما إنهاءه ؛ لأنه من العقود التي تنشأ بإرادة طرفين . ولهذا شرعت الفرقة بين الزوجين ، إما لسوء اختيار[2] أو طروء ما يفسد العقد أو غيرها من أسباب ممّا يفسد العلاقة ويجعلها مستحيلة ، كقذف الزوج زوجته ، أو وجود عيب في أحدهما أو كلاهما
وهذا من محاسن الإسلام حيث أباح الفرقة عند تعذر الحياة بين الزوجين ولم يجعل عقد الزواج مؤبداً ، رفعاً للضيق والحرج عن الناس .وبما أن الزواج من العقود التي تنشأ بإرادة طرفين، فإن لهما الحق في إنهائه ، وقد ينتهي هذا العقد بينهما إما بالفسخ أو الطلاق ، أو وفاة أحد الزوجين أو كليهما[3]
المبحث الثاني : الفرق بين الفسخ والطلاق
أشار الشيخ "محمد أبو زهرة" إلى حقيقة كل منهما ، فقال: " إن حقيقة الطلاق توجب إنهاء الزواج وتقرير الحقوق السابقة ، وهو لا يكون إلا في النكاح الصحيح ، وهو من آثاره التي قررها الشارع ، حتى لو عقدا الزواج واشترطا ألا يطلق الزوج زوجته كان الشرط لغواً ، لأنه شرط فاسد، إذ هو منافٍ لمقتضى العقد . أما الفسخ فحقيقته : أنه عارض يمنع بقاء النكاح أو يكون تداركاً لأمر اقترن بالإنشاء ، جعل العقد غير لازم ، ومثال الأول : ردة أحد الزوجين ، أو يكون من أحدهما ما يوجب حرمة المصاهرة . ومثال الثاني : الفسخ بخيار البلوغ أو الإفاقة [4]
فالفسخ نقض للعقد من الأصل وجعله كأن لم يكن ، بخلاف الطلاق الذي هو إنهاء للعقد في المآل أو الحال ولا يزيل الحل إلا في حالة البينونة الكبرى . وإنهاء الزوجية بالطلاق لا يكون سببه وجود شيء يتنافى مع عقد الزواج ، ولكن الفسخ يكون نتيجة وجود سبب مرافق أو طارئ عليه .
بالإضافة إلى أن الفرقة بالفسخ لا تنقص من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته ، بخلاف الفرقة بالطلاق ، ويتضح أثر هذا الاختلاف إذا عقد الرجل على زوجته بعد الفسخ بعقد جديد فإنه يملك عليها الثلاث تطليقات[5]
ويلاحظ أن بعض الفرق توجب فرقة مؤبدة كاللعان ، وطروء حرمة المصاهرة للاتصال المحرم بين أحد الزوجين بأصل أو فرع الآخر .
الباب الأول
الفرق التي تعد طلاقاً
الفصل الأول : فرق الطلاق الغير متوقفة على القضاء
الفصل الثاني : فرق الطلاق المتوقفة على القضاء
الفصل الأول
فرق الطلاق الغير متوقفة على القضاء
المبحث الأول : الطلاق
المبحث الثاني : الخلع
المبحث الثالث : الإيلاء
المبحث الأول : الطلاق
المطلب الأول : تعريف الطلاق
أولاً : لغة
الطالق من الإبل : التي طلقت في المرعى ، وقيل : هي التي لا قيد عليها . وطلاق النساء لمعنيين : أحدهما : حل عقدة النكاح ، والآخر : بمعنى التخلية والإرسال [6]
وفي المعجم الوسيط : طََلَق طلاقاً : تحرّر من قيده ونحوه . وطلقت المرأة من زوجها طلاقاً: أي تحللت من قيد الزوج وخرجت من عصمته . وأطلق الشيء : حلّه وحرّره . يقال : أطلق الأسير ونحوه . وأطلق المرأة : حرّرها من قيد الزواج[7]
ثانياً : شرعاً
" حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه " [8] وفي "رد المحتار" : " رفع قيد النكاح في الحال بالبائن أو المآل بالرجعي بلفظ مخصوص " [9]وفي "كشاف القناع" : " حل قيد النكاح أو بعضه ، إذا طلقها طلقة رجعية " [10]
المطلب الثاني : حكم الطلاق
اختلف العلماء في الحكم الأصلى للطلاق ، هل هو للإباحة أم الحظر . وينبغي التفريق بين إيقاع الطلاق ووقوعه ، حيث أن الزوج يملك إيقاعه ، وهو الذي يعتريه الأحكام التكليفية ، ويوصف بالحظر أو الحل . أما وقوعه فهو حكم الشرع والذي يترتب بعد إيقاعه مباشرة [11]وحيث أن الأحكام الشرعية تدور بين الوجوب ، والحرمة ، والكراهة ، والإباحة ، والندب ؛ فإن الطلاق تعتريه هذه الأحكام كالتالي :
أولاً : الوجوب
ومنه طلاق المولي بعد التربص ، وطلاق الحكمين عند الشقاق بين الزوجين ، وإذا كان لا يعاشر زوجته بالمعروف ، أو عند عدم عدله بين زوجاته [12]
ثانياً : المستحب
ذكر الإمام "النووي" في "المجموع" ما نصّه : { وأما المستحب فهو في حالتين : إحداهما : إذا كان يقصر في حقها في العشرة أو في غيرها ، فالمستحب أن يطلقها لقوله عز وجل :{ فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} [13]ولأنه إذا لم يطلقها في هذه الحال لم يؤمن أن يفضي إليها الشقاق أو إلى الفساد .
الثاني : أن لا تكون المرأة عفيفة ، فالمستحب أن يطلقها ، لما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : طلقها [14]، ولأنه لا يأمن أن تفسد عليه الفراش وتلحق به نسباً ليس منه }[15].
ويرى العلامة "ابن قدامة" أن المستحب : " عند تضرر المرأة بالنكاح ، إما لبغضه أو غيره ، فيستحب إزالة الضرر عنها ، وعند كونها مفرطة في حقوق الله الواجبة عليها ، كالصلاة ونحوه ، وعجزه عن إجبارها عليها " [16].
ثالثاً : المكروه
وهو الطلاق من غير حاجة ، ودون مبرر يستدعيه ، كطلاق مستقيمة الحال . وقيل : هو الطلاق الغير سني ، والغير بدعي [17].
رابعاً : المحرم ( المحظور )
وهو طلاق البدعة [18]، ويتحقق طلاق البدعة في أمرين : أولاهما : أن يطلق زوجة المدخول بها في وقت حيضها من غير حمل . والثاني : طلاقها في طهر أصابها فيه[19]
خامساً : المباح
عرّفه العلامة "ابن قدامة" بقوله : " وهو عند الحاجة إليه لضرر بالمقام على النكاح ، فيباح له دفع الضرر عن نفسه [20]. ويكون مباحاً كذلك إذا كان بها عيب لا يتمكن زوجها من الاستمتاع بها [21].
المطلب الثالث : أنواع الطلاق من حيث أثره
ذُكر سابقاً في تعريف الطلاق أنه ( رفع قيد النكاح في الحال أو في المآل ) . ونستنتج من التعريف أن الطلاق له نوعان : رجعي وبائن .
النوع الأول : الطلاق الرجعي
وهو الذي يرفع قيد النكاح في المآل ، والذي يملك الزوج فيه مراجعة زوجته رضيت أم لا [22] من غير حاجة إلى عقد جديد ما دامت في العدة ، وينقص به عدد مرات الطلاق التي يملكها الزوج [23](5). قال تعالى : {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان }[24].
النوع الثاني : الطلاق البائن
وهو الذي يرفع قيد النكاح في الحال ، وينقسم إلى قسمين :
أولاً : الطلاق البائن بينونة صغرى
ويحصل عندما يطلق الزوج زوجته الطلقة الأولى أو الثانية ، وتنتهي فترة العدة بدون مراجعته لها ، فينقلب الطلاق الرجعي بائناً بينونة صغرى ، ولا يملك الزوج مراجعة مطلقته إلا برضاها ، وبعقد ومهر جديدين[25] .ومما يطلق عليه طلاقاً بائناً بينونة صغرى : الطلاق على مال ، الخلع ، الطلاق قبل الدخول ، والطلاق بطلب الزوجة عن طريق القاضي ، والإيلاء عند انتهاء مدته بدون فيئة[26] .
ثانياً : الطلاق البائن بينونة كبرى
ذكر العلامة "ابن قدامة" في "الكافي" : " إذا طلق الحر زوجته ثلاثاً [27]حرمت عليه ، ولم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها [28]،لقوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره} [29].
المطلب الرابع : أنواع الطلاق من جهة كيفية إيقاعه
نبّه الشرع إلى ضرورة إيقاع الطلاق بالطريقة المشروعة الموافقة للسنة النبوية ، فقد قال تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } [30].
وعلى هذا فإن الطلاق من جهة كيفية إيقاعه نوعان : طلاق السنة ، و طلاق البدعة النوع الأول: الطلاق السني
وهو ما أذن الشارع فيه[31]. قال الفقيه ابن رشد : " أجمع العلماء على أن المطلق للسنة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه، طلقة واحدة [32].
فطلاق السنة له شرطان : الأول : أن تكون الزوجة من ذوات القروء، لأن عدتها تحسب بالقروء سواء كانت بالحيضات أو بالأطهار [33].والثاني : أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، فلا يطلقها وهي حائض . ويتضح من هذين الشرطين التأكد من رغبة الزوج في إيقاع الطلاق ؛ لتأكد النفرة بينهما [34].
ومن لا يُشترط لطلاقهن الشرطين السابقين : الزوجة غير المدخول بها ، والحامل ، والصغيرة ، والآيسة من الحيض [35].
وهناك طلاق السنة عند الحنفية : ورد في "رد المحتار على الدر المختار" : لزم في المدخولة مراعاة الوقت والعدد بأن يطلقها واحدة في الطهر المذكور فقط وهو السني الأحسن ، أو ثلاثاً مفرقة في ثلاثة أطهار أو أشهر وهو السني الحسن [36].
النوع الثاني : الطلاق البدعي
ذكر الإمام "النووي" عن المحرم من الطلاق : الطلاق البدعي وهو نوعان :
طلاق المدخول بها في حال الحيض من غير حمل ، وطلاق من يجوز أن تحمل في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يتبين الحمل[37] .
ذكر الفقيه "ابن رشد" في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" عن الطلاق البدعي : " وأن المطلق في الحيض أو الطهر الذي مسها فيه غير مطلق للسنة ، وإنما أجمعوا (الفقهاء) على هذا لما ثبت من حديث عمر أنه طلقة امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : "مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق ، قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء "[38].
ويثار تساؤل هنا حول وقوع الطلاق البدعي ، " والحق أنه يقع حتى لو وصف بالطلاق البدعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالرجعة ، ولا تكون إلا بعد طلاق[39].وفي "المغني" : " فإن طلّق للبدعة ، وهو أن يطلقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه ، أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم [40].
المبحث الثاني : الخلع
المطلب الأول : تعريف الخلع
أولاً : لغة
الإزالة : يقال : خلعت النعل وغيره خلعاً ، وخالعت المرأة زوجها مخالعة ، إذا افتدت منه فخلعها هو خلعاً ، والاسم الخلُع بالضم ، وهو استعارة من خلع اللباس ؛ لأن كل واحد منهما لباس للآخر [41].
ثانياً : شرعاً
هو فرقة بعوض بلفظ طلاق أو خلع [42].
وفي كشاف القناع : " الخلع فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة [43].
المطلب الثاني : حكمه
اتفق العلماء على جواز وقوعه . والأصل في ذلك الكتاب والسنة ، لقوله تعالى : {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [44].والسنة : لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أفتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم فردّت عليه وأمره ففارقها" [45].
قال الفقيه "ابن رشد" فيه : " والفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من الطلاق ، فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا فرك المرأة ، جعل الخلع بيد المرأة إذا فركت الرجل [46].
وعند قياس عقد الزواج على العقود الأخرى التي يتفق الطرفان فيها على رفعه ، يرى جمهور الفقهاء أن افتداء المرأة نفسها بعوض ، مشروع عند تراضي الزوجين [47]
ويكره الخلع لغير سبب مع استقامة الحال ، روى ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة [48].
أما المحرم : فهو أن يعضل الزوج زوجته ويؤذيها ويظلمها لتفتدي نفسها منه [49]،قال تعالى : " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن [50].
المطلب الثالث : صفته
الخلع عقد ينعقد بإيجاب وقبول . وهو معاوضة بمال من جهة الزوجة (تشبه التبرع) ويعتبر تعليقاً للطلاق على قبول المال من جهة الزوج [51].ويصح الخلع منجزاً بلفظ المعاوضة ، ويصح معلقاً على شرط لما فيه من الطلاق[52]
وعلى اعتبار الخلع تعليقاً للطلاق على قبول المال من جهة الزوج : فإنه لا يجوز له الرجوع عن الإيجاب قبل قبول المرأة .
كما أنه لو قام من المجلس قبل قبول الزوجة لا يبطل إيجابه . وليس له أن يشترط الخيار لنفسه لأنه لا يملك الرجوع عن الخلع ، ولكن له أن يعلق إيجابه على أمر من الأمور . وعلى اعتبار الخلع من جهة الزوجة معاوضة شبيهة بالتبرع : فإنه يجوز للزوجة رجوعها عن الإيجاب قبل قبول الزوج إذا كانت هي الموجبة . ولها أن تشترط الخيار لنفسها في مدة معلومة ، لكن ليس لها أن تعلق إيجابها على أمر من الأمور [53].
المطلب الرابع : آثاره[54]
- يقع بالخلع فرقة بين الزوجين على اختلاف بين العلماء في نوع الفرقة . والأرجح وقوع الطلاق البائن إذا ثبت البدل .
- لا يتوقف الخلع على قضاء القاضي ، حيث يعتبر مثل العقود الأخرى كالبيع ونحوه
- ذهب جمهور العلماء إلى أن الخلع لا يترتب عليه سقوط حقوق الزوجين ؛ لأنه عقد معاوضة فلا يتعدى إلى الحقوق المتعلقة بذمة أحدهما على الآخر ، وهذا خلاف ما ذهب إليه الحنفية .
المبحث الثالث : الإيلاء
المطلب الأول : تعريف الإيلاء
أولاً : لغة
اليمين [55].
ثانياً : شرعاً
" هو حلف زوج يصح طلاقه ليمتنعن من وطئها (زوجته) مطلقاً أو فوق أربعة أشهر[56]
وفي "الكافي" : " الحلف على ترك قربان الزوجة أكثر من أربعة أشهر [57].
المطلب الثاني : حكمه
جاء في "كشاف القناع" : " أن الإيلاء محرم في ظاهر كلامهم لأنه يمين على ترك واجب[58] .قال تعالى :{ للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم }[59]. وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمّى الله تعالى ، لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل [60].وإن وطئها حنث وسقط الإيلاء [61].
المطلب الثالث : مدته
اختلف الفقهاء في المدة التي يعتبر الزوج فيها مولياً ، فذهب الأئمة مالك والشافعي وابن حنبل على أن الزوج يكون مولياً إذا حلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر أو إذا لم يذكر مدة ، كأن قال "أبداً " وأن الأربعة أشهر عندهم هي مدة التربص لا يطالب الزوج فيها بشيء ، فإذا انتهت هذه المدة فإما أن يفيء إلى زوجته أو يطلقها فإن أبى أمره القاضي بالطلاق ، وهذا قول الجمهور ، أما عند أبي حنيفة : فإن الزوج يكون مولياً إذا حلف على ترك الوطء أربعة أشهر فأكثر ، وبانتهاء مدة التربص تقع طلقة واحدة بائنة [62].
وفي "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" ما يؤيد هذا الرأي ، حيث ذكره الفقيه "ابن رشد" : في المسألتين الأولى والرابعة .
أما المسألة الأولى فقد قال فيها : " أما اختلافهم هل تطلق بانقضاء الأربعة أشهر نفسها أم لا تطلق ، وإنما الحكم أن يوقف فإما فاء وإما طلق ، فإن مالكاً والشافعي وأحمد وأبا ثور وداود والليث ذهبوا إلى أنه يوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر فإما فاء وإما طلق ، وهو قول علي وابن عمر، وإن كان قد روي عنهما غير ذلك ، لكن الصحيح هو هذا ؛ وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري ، وبالجملة الكوفيون إلى أن الطلاق يقع بانقضاء الأربعة الأشهر إلا أن يفيء فيها ، وهو قول ابن مسعود وجماعة من التابعين " [63]
والمسألة الرابعة : " وأما اختلافهم في مدة الإيلاء ، فإن مالكاً ومن قال بقوله يرى أن مدة الإيلاء يجب أن تكون أكثر من أربعة أشهر إذ كان الفيء عندهم إنما هو بعد الأربعة الأشهر ؛ وأما أبو حنيفة فإن مدة الإيلاء عنده هي الأربعة الأشهر فقط ، إذ كان الفيء عنده إنما هو فيها [64].
المطلب الرابع : المراد بالفيء
لغة : الرجوع [65].
شرعاً : قال الإمام "الكاساني" فيه : " الفيء عندنا على ضربين :
أحدهما : بالفعل وهو الجماع في الفرج ، حتى لو جامعها فيما دون الفرج أو قبلها بشهوة أو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها عن شهوة لا يكون ذلك فيئاً ؛ لأن حقها في الجماع في الفرج ، فصار ظالماً بمنعه فلا يندفع الظلم إلا به ، فلا يحصل الفيء وهو الرجوع عمّا عزم عليه ثم القدرة إلا به .
والثاني : بالقول والكلام فيه يقع في موضعين ، أحدهما : في صورة الفيء بالقول ، والثاني : في بيان شرط صحته ، أما صورته ، فهي أن يقول لها : فئت إليك أو راجعتك وما أشبه ذلك . وذكر الحسن عن أبي حنيفة في صفة الفيء أن يقول الزوج اشهدوا أني قد فئت إلى امرأتي وأبطلت الإيلاء[66] .
الفصل الثاني
فرق الطلاق المتوقفة على القضاء
المبحث الأول : التفريق للعيب
المبحث الثاني : التفريق للضرر
المبحث الثالث : التفريق لعدم الإنفاق
المبحث الأول : التفريق للعيب
المطلب الأول : تعريف العيب
لغة : الوصمة والجمع أعياب وعيوب . وعبته وعابه : نسبه إلى العيب أو جعله ذا عيب . وفي القرآن الكريم (فأردت أن أعيبها) أي أجعلها ذات عيب [67].
عند الفقهاء : " نقص بدني أو عقلي في أحد الزوجين يمنع من تحصيل مقاصد الزواج والتمتع بالحياة الزوجية [68].
اتفق جمهور الفقهاء على جواز التفريق للعيب ، ولكن اختلفوا فيمن يملكه ، الزوج أم الزوجة أم كلاهما معاً ! فالعيوب بين الزوجين أو كلاهما تؤثر على مقاصد الزواج ، لذا لابد من رفع الحرج وتكون الفرقة عادة هي السبيل لذلك . فالزوج يملك حق الطلاق إذا وجد عيباً في زوجته ، والزوجة لها رفع الغبن عنها وذلك برفع أمرها إلى القاضي ، ولكن هذا لا يمنع حقه في فسخ النكاح بسبب وجود عيب في زوجته [69].
ويشترط للتفريق بسبب هذه العيوب شروط أهمها : عدم العلم بوجود العيب عند العقد وعدم الرضا به ، وطلب الزوجة التفريق من القاضي ، وسلامة طالب التفريق من العيب [70].
المطلب الثاني : أنواع العيوب
الموضوع الأول : أهم العيوب الخاصة بالرجل
أولاً : العنة ، والصفة : عنيناً ، " وهو العاجز عن الوطء[71] ." ومعناها أن يكون الرجل غير قادر على الدخول بالمرأة مع سلامة الأعضاء ظاهراً [72].
ثانياً : الجب ، والصفة : مجبوباً ، " وهو مقطوع جميع الذكر أو لم يبق منه قدر الحشفة [73].
ثالثاً : الخصاء ،والصفة : خصي ومخصي ، " وهو من سلت خصيتاه وبقي ذكره[74].
يتبع