ابو وليد البحيرى
2018-10-03, 04:01 PM
الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب ستر المرأة وجهها عن الرجال غير المحارم
لماذا كثر اللغط هذه الأيام من بعض الكُتّاب حول ما أسموه قضايا المرأة ؟!
هناك من يبحث في (حجاب المرأة) هل مشروع أم غير مشروع وكأن الشرع أهمل هذه المسألة.
هذا هو المراد بالزينة في القرآن الكريم وهكذا فسَّرها الفقهاء.
يستدلون بحديث عائشة في جواز كشف الوجه واليدين وهو ضعيف ولا يقوى على معارضة الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة.
الشيخ/ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
[للمشاركة] للدفاع عن النقاب الساتر وعن حق المرأة في لبس النقاب ... (http://majles.alukah.net/t162368/)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد كثر اللغط في هذه الأيام من بعض الكتاب حول قضايا المرأة ـ كما يسمونها ـ حتى وصل الأمر إلى البحث في حجاب المرأة هل هو مشروع أم غير مشروع ـ وكأن الشرع الحكيم أهمل هذه المسألة ولم يبينها للناس وصار هؤلاء الكتَّاب يعتمدون على أقوال ضعيفة لم تبن على دليل من الكتاب والسنة ويتركون القول القوي المعتمد على الكتاب والسنة في أمر الحجاب ـ وها أنا إن شاء الله ـ أسوق بعض الأدلة على وجوب الحجاب من الكتاب والسنة معقباً عليها بأقوال الأئمة المبنية عليها ـ فأقول:
إليك ذكر بعض هذه الأدلة:
قال الله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ (31) ) [النور]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ (59) ) [الأحزاب]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (22، 109ـ111) في كلامه على الآيتين ما نصه: (والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين فقال ابن مسعود ومن وافقه هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه هي: ما في الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم ـ إلى أن قال جامعاً بين القولين: وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين ـ زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم، وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوي المحارم وكانوا قبل أن تنـزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره.
ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ (59) ) [الأحزاب]. حجب النساء عن الرجال، ، وكان ذلك لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الستر ومنع النساء أن ينظرن، ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر، قالوا إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإلا فهي مما ملكت يمينه فحجبها، فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء، وتسميه العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها، وقد حكى عبيدة وغيره أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن جنسه النقاب فكانت النساء ينتقبن وفي الصحيح، إن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين.
فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب وكان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب، فما بقى يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة، فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين انتهى.
وقال ابن كثير رحمه: يقول الله تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات خاصة وأزواجه وبناته لشرفهن بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء. والجلباب هو الرداء فوق الخمار، قال ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء الخراساني وغير واحد وهو بمنـزلة الإزار اليوم، قال الجوهري الجلباب الملحفة. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ (59) ) [الأحزاب]. فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى. اهـ.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (6، 197ـ200) لما ذكر النقول عن السلف في تفسير الزينة بقسميها ما نصه:
(وقد رأيت في هذه النقول عن السلف أقوال أهل العلم في الزينة الظاهرة والزينة الباطنة وأن جميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال كما ذكرنا.
الأول: أن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجاً عن أصل خلقتها ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها كقول ابن مسعود ومن وافقه أنها ظاهر الثياب لأن الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها وهي ظاهرة بحكم الاضطرار، كما ترى ـ وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة.
القول الثاني: أن المراد بالزينة ما تتزين به وليس من أصل خلقتها أيضاً لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة وذلك كالخضاب والكحل ونحو ذلك لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع اللابس من البدن كما لا يخفى.
القول الثالث: أن المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها لقول من قال: إن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان. وما تقدم ذكره عن بعض أهل العلم.
وإذا عرفت هذا فاعلم أننا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً وتكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول.
وقدمنا أيضاً في ترجمته أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون الغالب في القرآن إرادة معنى معين في اللفظ مع تكرار ذلك اللفظ في القرآن فكون ذلك المعنى هو المراد من اللفظ في الغالب يدل على أنه هو المراد في محل النـزاع لدلالة غلبة إرادته في القرآن بذلك اللفظ وذكرنا بعض الأمثلة في الترجمة.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذين النوعين من أنواع البيان اللذين ذكرناهما في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومثلنا لهما بأمثلة متعددة كلاهما موجود في هذه الآية التي نحن بصددها.
أما الأول منهما فبيانه أن قول من قال في معنى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا (31) ) [النور] أن المراد بالزينة الوجه والكفان مثلاً توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول. وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة، مما هو خارج عن أصل خلقتها كالحلي والحلل فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه وبه تعلم أن قول من قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان خلاف ظاهر معنى لفظ الآية، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه.
وأما نوع البيان الثاني المذكور فإيضاحه أن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم، مراداً به الزينة الخارجة، عن أصل المزين بها ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها كقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (31) ) [الأعراف]، وقوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ (32) ) [الأعراف]، وقوله (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا (7) ) [الكهف]. وقوله تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) ) [الصافات]. وقوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8) ) [النحل]. وقوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ (79) ) [القصص]، وقوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) ) [الكهف]، وقوله تعالى عن قوم موسى: (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ (87) ) [طه]. وقوله تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ (31) ) [النور]. فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد به ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته كما ترى وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن يدل على أن لفظ الزينة في محل النـزاع يراد به هذا المعنى الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم وهو المعروف في كلام العرب كقول الشاعر:
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى وإذا عطلن فهن خير عواطل
وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين فيه نظر.
وإذا علمت أن المراد بالزينة في القرآن ما يتزين به مما هو خارج عن أصل الخلقة، وأن من فسروها من العلماء بهذا اختلفوا على قولين: فقال بعضهم هي زينة لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة كظاهر الثياب. وقال بعضهم هي زينة يستلزم النظر إليها رؤية موضعها من بدن المرأة كالكحل والخضاب ونحو ذلك.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين المذكورين عندي قول ابن مسعود رضي الله عنه أن الزينة الظاهرة هي ما لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية.
وإنما قلنا إن هذا القول هو الأظهر لأنه هو أحوط الأقوال وأبعدها عن أسباب الفتنة وأطهرها لقلوب الرجال والنساء ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها كما هو معلوم، والجاري على قواعد الشرع الكريم هو تمام المحافظة والابتعاد من الوقوع فيما لا ينبغي، وقال أيضاً في صفحة (584 ـ 586) من الكتاب بالمذكور على قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (53) ) [الأحزاب]. الآية ما نصه:
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً وتكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا أمثلة في الترجمة ومن أمثلته التي ذكرنا في ترجمة هذه الآية الكريمة. فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ومن أمثلته قول كثير من الناس أن آية الحجاب أعني قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (53) ). خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (53) ) [الأحزاب]. قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم إذا لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن وقد تقرر في الأصول أن العلة قد تعمم معلولها وإليه أشار في مراقي السعود بقوله:
وقد تخصص وقد تعمم لأصلها لكنها لا تخرم
انتهى محل الغرض من كلامنا في الترجمة ـ وبما ذكرنا تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ (59) ) [الأحزاب]. أنهن يسترن بها جميع وجوههن ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها وممن قال به ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني وغيرهم) اهـ. وقال في صفحة (592) أيضاً ما نصه: ( وإذا علمت بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرجال الأجانب علمت أن القرآن دل على الحجاب.
يتبع
لماذا كثر اللغط هذه الأيام من بعض الكُتّاب حول ما أسموه قضايا المرأة ؟!
هناك من يبحث في (حجاب المرأة) هل مشروع أم غير مشروع وكأن الشرع أهمل هذه المسألة.
هذا هو المراد بالزينة في القرآن الكريم وهكذا فسَّرها الفقهاء.
يستدلون بحديث عائشة في جواز كشف الوجه واليدين وهو ضعيف ولا يقوى على معارضة الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة.
الشيخ/ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
[للمشاركة] للدفاع عن النقاب الساتر وعن حق المرأة في لبس النقاب ... (http://majles.alukah.net/t162368/)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد كثر اللغط في هذه الأيام من بعض الكتاب حول قضايا المرأة ـ كما يسمونها ـ حتى وصل الأمر إلى البحث في حجاب المرأة هل هو مشروع أم غير مشروع ـ وكأن الشرع الحكيم أهمل هذه المسألة ولم يبينها للناس وصار هؤلاء الكتَّاب يعتمدون على أقوال ضعيفة لم تبن على دليل من الكتاب والسنة ويتركون القول القوي المعتمد على الكتاب والسنة في أمر الحجاب ـ وها أنا إن شاء الله ـ أسوق بعض الأدلة على وجوب الحجاب من الكتاب والسنة معقباً عليها بأقوال الأئمة المبنية عليها ـ فأقول:
إليك ذكر بعض هذه الأدلة:
قال الله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ (31) ) [النور]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ (59) ) [الأحزاب]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (22، 109ـ111) في كلامه على الآيتين ما نصه: (والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين فقال ابن مسعود ومن وافقه هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه هي: ما في الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم ـ إلى أن قال جامعاً بين القولين: وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين ـ زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم، وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوي المحارم وكانوا قبل أن تنـزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره.
ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ (59) ) [الأحزاب]. حجب النساء عن الرجال، ، وكان ذلك لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الستر ومنع النساء أن ينظرن، ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر، قالوا إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإلا فهي مما ملكت يمينه فحجبها، فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء، وتسميه العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها، وقد حكى عبيدة وغيره أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن جنسه النقاب فكانت النساء ينتقبن وفي الصحيح، إن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين.
فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب وكان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب، فما بقى يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة، فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين انتهى.
وقال ابن كثير رحمه: يقول الله تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات خاصة وأزواجه وبناته لشرفهن بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء. والجلباب هو الرداء فوق الخمار، قال ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء الخراساني وغير واحد وهو بمنـزلة الإزار اليوم، قال الجوهري الجلباب الملحفة. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ (59) ) [الأحزاب]. فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى. اهـ.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (6، 197ـ200) لما ذكر النقول عن السلف في تفسير الزينة بقسميها ما نصه:
(وقد رأيت في هذه النقول عن السلف أقوال أهل العلم في الزينة الظاهرة والزينة الباطنة وأن جميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال كما ذكرنا.
الأول: أن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجاً عن أصل خلقتها ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها كقول ابن مسعود ومن وافقه أنها ظاهر الثياب لأن الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها وهي ظاهرة بحكم الاضطرار، كما ترى ـ وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة.
القول الثاني: أن المراد بالزينة ما تتزين به وليس من أصل خلقتها أيضاً لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة وذلك كالخضاب والكحل ونحو ذلك لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع اللابس من البدن كما لا يخفى.
القول الثالث: أن المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها لقول من قال: إن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان. وما تقدم ذكره عن بعض أهل العلم.
وإذا عرفت هذا فاعلم أننا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً وتكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول.
وقدمنا أيضاً في ترجمته أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون الغالب في القرآن إرادة معنى معين في اللفظ مع تكرار ذلك اللفظ في القرآن فكون ذلك المعنى هو المراد من اللفظ في الغالب يدل على أنه هو المراد في محل النـزاع لدلالة غلبة إرادته في القرآن بذلك اللفظ وذكرنا بعض الأمثلة في الترجمة.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذين النوعين من أنواع البيان اللذين ذكرناهما في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومثلنا لهما بأمثلة متعددة كلاهما موجود في هذه الآية التي نحن بصددها.
أما الأول منهما فبيانه أن قول من قال في معنى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا (31) ) [النور] أن المراد بالزينة الوجه والكفان مثلاً توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول. وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة، مما هو خارج عن أصل خلقتها كالحلي والحلل فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه وبه تعلم أن قول من قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان خلاف ظاهر معنى لفظ الآية، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه.
وأما نوع البيان الثاني المذكور فإيضاحه أن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم، مراداً به الزينة الخارجة، عن أصل المزين بها ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها كقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (31) ) [الأعراف]، وقوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ (32) ) [الأعراف]، وقوله (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا (7) ) [الكهف]. وقوله تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) ) [الصافات]. وقوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8) ) [النحل]. وقوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ (79) ) [القصص]، وقوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) ) [الكهف]، وقوله تعالى عن قوم موسى: (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ (87) ) [طه]. وقوله تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ (31) ) [النور]. فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد به ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته كما ترى وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن يدل على أن لفظ الزينة في محل النـزاع يراد به هذا المعنى الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم وهو المعروف في كلام العرب كقول الشاعر:
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى وإذا عطلن فهن خير عواطل
وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين فيه نظر.
وإذا علمت أن المراد بالزينة في القرآن ما يتزين به مما هو خارج عن أصل الخلقة، وأن من فسروها من العلماء بهذا اختلفوا على قولين: فقال بعضهم هي زينة لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة كظاهر الثياب. وقال بعضهم هي زينة يستلزم النظر إليها رؤية موضعها من بدن المرأة كالكحل والخضاب ونحو ذلك.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين المذكورين عندي قول ابن مسعود رضي الله عنه أن الزينة الظاهرة هي ما لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية.
وإنما قلنا إن هذا القول هو الأظهر لأنه هو أحوط الأقوال وأبعدها عن أسباب الفتنة وأطهرها لقلوب الرجال والنساء ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها كما هو معلوم، والجاري على قواعد الشرع الكريم هو تمام المحافظة والابتعاد من الوقوع فيما لا ينبغي، وقال أيضاً في صفحة (584 ـ 586) من الكتاب بالمذكور على قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (53) ) [الأحزاب]. الآية ما نصه:
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً وتكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا أمثلة في الترجمة ومن أمثلته التي ذكرنا في ترجمة هذه الآية الكريمة. فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ومن أمثلته قول كثير من الناس أن آية الحجاب أعني قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (53) ). خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (53) ) [الأحزاب]. قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم إذا لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن وقد تقرر في الأصول أن العلة قد تعمم معلولها وإليه أشار في مراقي السعود بقوله:
وقد تخصص وقد تعمم لأصلها لكنها لا تخرم
انتهى محل الغرض من كلامنا في الترجمة ـ وبما ذكرنا تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ (59) ) [الأحزاب]. أنهن يسترن بها جميع وجوههن ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها وممن قال به ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني وغيرهم) اهـ. وقال في صفحة (592) أيضاً ما نصه: ( وإذا علمت بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرجال الأجانب علمت أن القرآن دل على الحجاب.
يتبع