ابو وليد البحيرى
2018-09-26, 04:15 PM
التعارف والتعريف للزواج 1-2
الدكتور/ فهد بن عبدالكريم بن راشد السنيدي
دراسة فقهية تأصيليــــةمع بيان الأجرة عليهما
خلاصة البحث
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
البحث في واقعه دراسة فقهية تأصيلية في موضوع «التعارف والتعريف للزواج» مع بيان الأجرة عليهما، فهو يتضمن:
- بيان المراد بالتعارف والتعريف للزواج في اللغة والاصطلاح مع المقارنة بينهما، فالتعارف تواصل بين رجل وامرأة معينين، بغية معرفة كل منهما بالآخر خَلْقاً وخُلُقاً، معرفة تؤدي إلى حسن الاختيار بينهما من أجل حصول الزواج بعد ذلك.
والتعريف عرض عام بمواصفات رجل أو امرأة وصفاتهما المرغبة في الزواج، دون تعيين لشخص المعرف به وقت التعريف، وإنما بعده، بعد أن يؤدي هذا التعريف إلى التعرف على شخص آخر، موافق في الصفات المطلوبة، راغب في الزواج.
- ذكر أنواع التعارف للزواج، والمتمثلة في: النظر والوصف والعَرْض والصور والمراسلات وأجهزة الاتصال الحديثة.
وبيان أنواع التعريف للنكاح؛ وهي: الأشخاص والبطاقات والمجلات والصحف والشبكة المعلوماتية ومؤسسات الزواج.
- التعريف بأركان التعارف والتعريف للزواج، وبالشروط والضوابط الشرعية لهما.
- ذكر حكم التعارف والتعريف –إجمالاً- وأنه الإباحة فيهما إذا توافرت فيهما شروطهما الشرعية، وقد تعتريهما الأحكام التكليفية الخمسة؛ الوجوب والندب والإباحة والكراهة والتحريم، بالنظر إلى اعتبارات شرعية معينة في كل منها.
- بيان الأجرة على التعارف والتعريف للزواج؛ بذكر حكمها فيهما، وأنه الجواز دفعاً وأخذاً، وبذكر مَنْ يتحملها؛ وأنه المستفيد الطالب لذلك، مع بيان مقدارها والذي يحدده الشرط، أو العرف وحجم الجهد المبذول فيهما وأحوال الناس من غنى ويسار وفقر، حسب أوضاعهم الاجتماعية.
هذا، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من علم البشرية الخير وجعل الزواج من سنته، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واتبع سنته القويمة بإحسان إلي يوم الدين.
أما بعد:
فإن الزواج سنة من سنن المرسلين؛ قال الله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ }[1].
وهو منّة من الله تعالى على خلقه قال سبحانه: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ... }[2].
وهو آية من آيات الله في خلقه، قال تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }[3].
وإن التعارف والتعريف بين الذكر والأنثى على نهج شرعي، مسلكان مضيئان إليه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [4].
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: « الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» رواه مسلم[5].
فهما وسيلتان لحسن الاختيار بين الذكر والأنثى للنكاح، ولوجود حياة زوجية صالحة، وتكوين أسرة كريمة؛ روى عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: « الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» رواه مسلم[6].
والتعارف والتعريف من أسباب معرفة الصلاح والاستقامة في الرجل والمرأة؛ لبناء حياة زوجية سعيدة بإذن الله تعالى.
لهذا آثرت بحث هذا الموضوع تحت عنوان: «التعارف والتعريف للزواج» دراسة فقهية تأصيلية؛ لتضمنها بيان المراد بهما وأنواعهما وأركانهما وشروطهما ووقتهما وحكمهما، وأخذ الأجرة عليهما.
وحصل الجمع بين لفظي «التعارف» و «التعريف» في العنوان مع أن كلاّ منهما مفيد لحصول المعرفة بالذكر والأنثى من أجل الزواج؛ لأن التعارف يكون بين رجل وامرأة معينين، بينما التعريف يتم بذكر مواصفات عامة مرغوبة في رجل أو امرأة، عله يجد طرفاً آخر مناسباً له للزواج، ليتم التعارف بينهما بعد ذلك على وجه التعيين لشخصيهما من أجل حصول النكاح[7].
ولهذا الموضوع أهميته، فهو يتعلق بحسن الاختيار بين الرجل والمرأة للزواج وفق المعايير الشرعية لذلك، ومنها: التعارف والتعريف للزواج المحمودان شرعاً قبل عقد النكاح.
وحسن التكوين للأسر وصلاحها، صلاح للمجتمع بأسره، وتحقيق للاستقرار والحياة الزوجية الكريمة، والتربية الصالحة للنشء، والترابط الاجتماعي المتين.
وإن من الأسباب الدافعة للكتابة في هذا الموضوع ما يلي:-
- الأهمية المشار إليها لهذا الموضوع.
- تعدد أنواع التعارف والتعريف للزواج ووفرتها في العصر الحاضر، مما يتطلب التعريف بها ومعرفتها من منظور شرعي، ودراستها دراسة فقهية تأصيلية.
- أثر التقنية الحديثة الكبير في ذلك، مما أضفى عليها في كثير من جوانبها صبغة النوازل، وزاد في الحاجة إلى دراستها وبحثها.
- مواقف الناس المتباينة في هذا بين إفراط وتفريط، مما يتطلب ضرورة إيضاح الحق في ذلك، وبيان المنهج السليم المعتدل.
- الحاجة إلى التأصيل الفقهي لهذا الموضوع؛ إسهاماً في تشجيع الدراسات في أحكامه الفقهية التفصيلية الواسعة.
- شح الدراسات الجامعة لأطراف الموضوع في جانبه الفقهي التأصيلي – حسب اطلاعي – فضلاً عن مستجداته وأحكامه التفصيلية رغم كثرتها.
والتساؤلات في هذا الموضوع كثيرة، وهي في مجملها مما يجلي أهميته، ويزيد في بيان الحاجة الماسة لدراسته، ومن أبرز هذه التساؤلات الآتي:-
- ما المعنى المراد للتعارف والتعريف من أجل الزواج؟ وما الفرق بينهما؟
- ما أنواع التعارف والتعريف للنكاح؟
- التعارف والتعريف للزواج، ما أركانهما؟ وما شروطهما؟
- ما وقت التعارف والتعريف للنكاح؟
- ما حكم التعارف والتعريف للزواج؟
- الأجرة على التعارف والتعريف للزواج، ما حكمها؟ وَمَنْ يتحملها؟ وما مقدارها؟
ويهدف من هذه الدراسة، الإجابة التفصيلية على هذه التساؤلات في الجانب الفقهي التأصيلي لهذا الموضوع وما يتعلق به من أحكام، علّها تفتح المجال لدراسات تفصيلية مستقلة في أحكام أنواعه المتعددة، بما يحقق الشمول لمستجداته، ويلبي الحاجة لكل متطلباته.
ولم أطلع على دراسة سابقة للموضوع بهذا العنوان، وهناك عناية من الفقهاء بأحكام النظر للمخطوبة، جاءت متفرقة في كتبهم[8]، لكنها خاصة بأحكام النظر، ولم تكن دراسة فقهية تأصيلية للتعارف والتعريف، مع أن النظر من طرقهما.
وهناك رسالة ماجستير بعنوان: مقدمات الزواج لفضيلة الدكتور: صالح بن إبراهيم الجديعي، من قسم الفقه بكلية الشريعة في الرياض، نوقشت عام 1405هـ، لكنها تضمنت كيفية الاختيار وأسسه، وأحكام النظر والخطبة، وهذا ما لم يتناوله هذا البحث.
هذا، وقد رسمت لهذا الموضوع خطة تتكون من مقدمة وسبعة مباحث وخاتمة وفهرس بالمصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
- المقدمة: وفيها التنويه على عنوان البحث، وبيان أهميته وأسباب اختياره وأهم تساؤلاته وأهدافه مع الإشارة إلى الدراسات حوله، وخطته ومنهجه.
- المبحث الأول: بيان المراد بالتعارف والتعريف للزواج.
أ*- تعريفهما في اللغة.
ب*- تعريفهما في الاصطلاح.
- المبحث الثاني: أنواع التعارف والتعريف للزواج.
أولاً: أنواع التعارف للزواج.
ثانياً: أنواع التعريف للزواج.
- المبحث الثالث: أركان التعارف والتعريف للزواج.
- المبحث الرابع: شروط التعارف والتعريف للزواج.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: شروط التعارف للزواج.
المطلب الثاني: شروط التعريف للزواج.
- المبحث الخامس: وقت التعارف والتعريف للزواج.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: وقت التعارف والتعريف بالنسبة لعقد الزواج.
المطلب الثاني: وقت التعارف والتعريف بالنسبة لتقدير مدتهما.
- المبحث السادس: حكم التعارف والتعريف للزواج
أولاً: حكم التعارف والتعريف إجمالاً.
ثانياً: حكم التعارف والتعريف تفصيلاً.
- المبحث السابع: الأجرة في التعارف والتعريف للزواج.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكم الأجرة على التعارف والتعريف للزواج.
المطلب الثاني: مسؤولية تحمل الأجرة.
المطلب الثالث: مقدار الأجرة.
- الخاتمة: وفيها خلاصة البحث ونتائجه وتوصياته.
- فهرس المصادر والمراجع، وفهرس الوضوعات.
وسأشير في بحث هذا الموضوع وفق المنهج المتبع عند الباحثين بعامة، وفي البحوث الفقهية بخاصة، وأبرز ملامحه تتمثل ففي الآتي:
- جمع مادته العلمية من مظانها، وصياغتها بم يتناسب مع عنوان البحث وطبيعته.
- الاعتماد على الاستقراء والاستنباط كلما لزم هذا؛ لقلة مادة الموضوع العلمية.
- الاعتماد في الاستدلال على مصادر الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة، وفي مقدمتها الكتاب والسنة.
- عزو الآيات لسورها، وبيان أرقام الآيات، وتخريج الأحاديث والآثار.
- الحرص على التوثيق قدر الإمكان، وبخاصة من المصادر والمراجع الفقهية المعتمدة، مع العناية بالكتابات الحديثة حول الموضوع متى وجدت.
- التعريف بالألفاظ الغريبة والمصطلحات الواردة.
- عمل فهرس للمصادر والمراجع، وآخر للموضوعات.
هذا، وأسأل الله تعالى حسن القصد والتوفيق والسداد، وأن يغفر لي أي خطأ أو زلل، وأن ينفع به ويجزي خير الجزاء كل من أهدى إليّ نصحاً أو إرشاداً أو تصويباً، إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول: بيان المراد بالتعارف والتعريف للزواج.
يمكن بيان المراد بهما وتحديده من خلال معرفة المعنى اللغوي لهما، وما ينبني عليه من معنى اصطلاحي مراد بهذا البحث، ويزداد وضوحا بالمقارنة بينهما في الدلالة، وذكر نصوص شرعية في معناهما؛ وذلك على النحو الآتي:
أ*- تعريفهما لغة:
التَّعَارُفُ: مصدر للفعل تَعَارَفَ، يقال: تَعَارَف القومُ تَعَارُفاً؛ أي: عَرَفَ بعضهم بعضاً، ويقول الله تعالى: {... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ... } [9].
والتَّعرِيفُ: مصدر –كذلك- من الفعل تَعَرَّفَ – بتشديد الراء – يقال: عَرَّفَ فلان بفلان تَعرِيفاً: أي أعلم به ووصفه ووضحه[10].
ومن المعاني اللغوية لمادة «عَرَفَ» مايلي:
التعريف: الإعلام؛ يقال: عرّف فلانٌ فلاناً الأمرَ: أعلمه إيّاه، ويقال عرّفه بيته: أعلمه بمكانه، وعرّفه بكذا وسمه به.
والتعريف: الإنشاد، يقال عرّف الضالة؛ أي نشدها، بمعنى: ذكرها وطلب من يعرفها، ومنه: إنشاد الضالة.
والتعريف: طلب المعرفة، يقال اعترف واعرورف فلانٌ القومَ: سألهم عن خبر ليعرفه، وتعرّفتُ ما عندك: طلبت حتى عرفت، ويقال: ائت فلاناً فاستعرف إليه حتى يعرفك، ويقال استعرف إليه: انتسب إليه ليعرفه.
والتعريف: التأمل؛ يقال: تعرّف المكان وفيه؛ أي: تأمَّلَه وتَأَمَّلَ به.
والتعريف: الدلالة والإخبار؛ يقال: اعرورف فلانٌ الشيء: عَرَفَهُ ودلّ عليه، وانقاد إليه، واعرورف إليّ: أخبرني باسمه وشأنه.
والتعريف: « تحديدُ الشيء بذكر خواصّه المميزة »[11].
والتعريف: التطييب، ومنه قوله تعالى {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }[12]. أي: طيبها لهم[13].
والعريف: من يعرف أصحابه، ويطلق على القيم والسيد ورئيس القوم؛ لمعرفته بسياسة القوم، يقال: هو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس، بمعنى : هو الذي يلي أمورهـم، ويتعرف الأمير منه أحـوالهم. وهو فعـيل بمعنى فاعل، فعـريف بمعنى عارف، مثل عليم وعالم. ورجل عروفة بالأمور؛ أي : عارف بها، والهاء للمبالغة.
والعِرف: المعرفة المتأخرة يقال: ما عرف عرفي إلا بآخرة، أي: ما عرفني إلا أخيراً.
والمعارف: الوجوه؛ لأن الأشخاص يعرفون بها، يقال: حيّا الله المعارف؛ أي الوجوه، وهو من المعارف، أي من الأشخاص المعروفين بوجوههم، ويطلق المعارف – أيضاً – على محاسن الوجه، يقال: امرأة حسنة المعارف؛ أي: الوجه وما يظهر منها.
وعرفات: موقف الحاج يوم عرفة، قيل: سميت بذلك؛ لأن آدم وحواء تعارفا بها، وقيل غير ذلك[14].
وبهذا يتبين أن التعارف والتعريف لهما معان لغوية متعددة، جماعها: طلب المعرفة بالشيء وتحقيقها؛ للعلم والوصول إلى غاية معينة غالباً.[15]
ب*- تعريفهما في الاصطلاح:
المراد بهذا البحث: بيان معرفة كل من الرجل والمرأة بالآخر من أجل الزواج.
بيان هذا التعريف:
هذا الموضوع له جانبان؛ أحدهما: تعارف للزواج، والآخر: تعريف للزواج أيضاً.
ويراد بالتعارف للزواج : الوصول إلى تحقق المعرفة بين رجل وامرأة معينين معاً خَلْقاً وخُلُقاً من أجل حصول الزواج بينهما بعد ذلك؛ باعتبار هذا التعارف يؤدي إلى حسن الاختيار بينهما، وغلبة الظن بصلاحهما للحياة الزوجية السعيدة مستقبلاً.
ويراد بالتعريف للزواج : العَرْض التعريفي العام بامرأة، بذكر مواصفاتها وصفاتها، ومتطلباتها فيمن يمكن أن تقبل به زوجاً لها، دون تعيين لشخصها وقت التعريف، علّ هذا التعريف يؤدي إلى التعارف مع معين مستقبلاً؛ ليتحقق بعد ذلك الزواج بينهما.
وكذلك يراد به: العَرْض التعريفي العام برجل بذكر مواصفاته وصفاته ومتطلباته فيمن يرغب في الزواج بها، دون تعيين لشخصه وقت التعريف، علّه يؤدي إلى التعارف للزواج مع امرأة معينة مستقبلاً؛ ليتم عقد الزواج بينهما بعد ذلك.
وبالمقارنة بينهما بناء على هذا التحديد للمراد بكل منهما، يتضح اتفاقهما في الآتي:
1- أن كلاًّ منهما يتم خلال مدة تسبق عقد الزواج، يمكن أن تسمى بمرحلة الخطوبة أو التمهيد لها.
2- أن كلاًّ منهما مما يمهد لعقد الزواج، ويهيئ الظروف المناسبة لحصوله.
3- أن كلاًّ منهما يراد منه الوصول إلى الزواج بعد حسن اختيار بين الطرفين.
4- أن كلاًّ منهما يؤدي إلى معرفة رجل بصفات امرأة يرغب في الزواج منها، أو امرأة بصفات رجل كذلك، أو كلاهما.
كما يتبين افتراقهما فيما يلي:
1- التعارف يتم بين رجل وامرأة معينين، والتعريف يتم دون تعيين للطرف الآخر في ابتدائه.
2- التعارف لا يلزم أن يكون بواسطة بين الرجل والمـرأة، بينما التعريف يلزم فيه ذلك؛ لأنهما وسيلة التواصل فيه، والتوفيق بين الرغبات.
3- التعارف يكون برؤية أو مواصفات شخصية للطرف الآخر، في حين أن التعريف يتم ابتداء بذكر مواصفات عامة، ودون كشف للاسم الحقيقي للراغب.
4- يتم التعارف برغبة كل من الرجل والمرأة فيه أو أحدهما، وغالباً برغبة الرجل، والتعريف في بدايته يحصل برغبة أحدهما.
5- التعارف يكون بين رجل وامرأة بذاتيهما، وبالسّرّ غالباً، بينما التعريف قابل لأن يطلع عليه أشخاص كثيرون، وربما يكون معلناً على الملأ عبر صحافة أو شبكة معلوماتية انترنت ونحوهما.
6- التعارف الشخصي قد يكون مبنياً على تعريف عام سبقه من قبل الرجل أو المرأة أو كلاهما، أما التعريف فلابد أن يتلوه تعارف شخصي قبل تمام الزواج.
ومن كل ما تقدم، تبدو العلاقة بين المعنيين اللغـوي والاصطلاحي ظاهرة، فالمعنى اللغوي أوسع وأشمل؛ إذ أنه يتناول الإعلام بالشيء وطلب المعرفة به والدلالة عليه والإخبار فيه، وهذا هو ما يدور حوله المعنى الاصطلاحي، فإذن، المعنى الاصطلاحي في حقيقته يتضمن بعضاً من المعاني اللغوية لمادة «عرف» ولا يخرج منها.
وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة مستخدمة لفظ «عَرَفَ» وفق معانيه اللغوية، وبما يتفق مع معناه الاصطلاحي المراد بهذا البحث. من هذه النصوص ما يلي:
أ*- من الكتاب العزيز:
1- قول الله تعالى: {وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [16].
2- قوله تعالى: ) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ... }[17].
3- قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ... } [18].
ب*- من السنة:
1- حديث: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ..» الحديث، رواه أحمد والحاكم والسياق له[19].
ومعناه «اجعله يعرفك بطاعته، والعمل فيما أولاك من نعمته»[20].
2- حديث: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف ..»الحديث، رواه مسلم[21].
3- حديث: «فإن اعتُرِفَت فأدها ...» الحديث، رواه مسلم[22].
والمراد: إن جاء من يَعتَرِفُها؛ أي: اللقطة؛ بمعنى: «يصفها بصفة يُعلمُ أنه صاحبها»[23].
يتبع
الدكتور/ فهد بن عبدالكريم بن راشد السنيدي
دراسة فقهية تأصيليــــةمع بيان الأجرة عليهما
خلاصة البحث
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
البحث في واقعه دراسة فقهية تأصيلية في موضوع «التعارف والتعريف للزواج» مع بيان الأجرة عليهما، فهو يتضمن:
- بيان المراد بالتعارف والتعريف للزواج في اللغة والاصطلاح مع المقارنة بينهما، فالتعارف تواصل بين رجل وامرأة معينين، بغية معرفة كل منهما بالآخر خَلْقاً وخُلُقاً، معرفة تؤدي إلى حسن الاختيار بينهما من أجل حصول الزواج بعد ذلك.
والتعريف عرض عام بمواصفات رجل أو امرأة وصفاتهما المرغبة في الزواج، دون تعيين لشخص المعرف به وقت التعريف، وإنما بعده، بعد أن يؤدي هذا التعريف إلى التعرف على شخص آخر، موافق في الصفات المطلوبة، راغب في الزواج.
- ذكر أنواع التعارف للزواج، والمتمثلة في: النظر والوصف والعَرْض والصور والمراسلات وأجهزة الاتصال الحديثة.
وبيان أنواع التعريف للنكاح؛ وهي: الأشخاص والبطاقات والمجلات والصحف والشبكة المعلوماتية ومؤسسات الزواج.
- التعريف بأركان التعارف والتعريف للزواج، وبالشروط والضوابط الشرعية لهما.
- ذكر حكم التعارف والتعريف –إجمالاً- وأنه الإباحة فيهما إذا توافرت فيهما شروطهما الشرعية، وقد تعتريهما الأحكام التكليفية الخمسة؛ الوجوب والندب والإباحة والكراهة والتحريم، بالنظر إلى اعتبارات شرعية معينة في كل منها.
- بيان الأجرة على التعارف والتعريف للزواج؛ بذكر حكمها فيهما، وأنه الجواز دفعاً وأخذاً، وبذكر مَنْ يتحملها؛ وأنه المستفيد الطالب لذلك، مع بيان مقدارها والذي يحدده الشرط، أو العرف وحجم الجهد المبذول فيهما وأحوال الناس من غنى ويسار وفقر، حسب أوضاعهم الاجتماعية.
هذا، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من علم البشرية الخير وجعل الزواج من سنته، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واتبع سنته القويمة بإحسان إلي يوم الدين.
أما بعد:
فإن الزواج سنة من سنن المرسلين؛ قال الله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ }[1].
وهو منّة من الله تعالى على خلقه قال سبحانه: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ... }[2].
وهو آية من آيات الله في خلقه، قال تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }[3].
وإن التعارف والتعريف بين الذكر والأنثى على نهج شرعي، مسلكان مضيئان إليه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [4].
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: « الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» رواه مسلم[5].
فهما وسيلتان لحسن الاختيار بين الذكر والأنثى للنكاح، ولوجود حياة زوجية صالحة، وتكوين أسرة كريمة؛ روى عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: « الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» رواه مسلم[6].
والتعارف والتعريف من أسباب معرفة الصلاح والاستقامة في الرجل والمرأة؛ لبناء حياة زوجية سعيدة بإذن الله تعالى.
لهذا آثرت بحث هذا الموضوع تحت عنوان: «التعارف والتعريف للزواج» دراسة فقهية تأصيلية؛ لتضمنها بيان المراد بهما وأنواعهما وأركانهما وشروطهما ووقتهما وحكمهما، وأخذ الأجرة عليهما.
وحصل الجمع بين لفظي «التعارف» و «التعريف» في العنوان مع أن كلاّ منهما مفيد لحصول المعرفة بالذكر والأنثى من أجل الزواج؛ لأن التعارف يكون بين رجل وامرأة معينين، بينما التعريف يتم بذكر مواصفات عامة مرغوبة في رجل أو امرأة، عله يجد طرفاً آخر مناسباً له للزواج، ليتم التعارف بينهما بعد ذلك على وجه التعيين لشخصيهما من أجل حصول النكاح[7].
ولهذا الموضوع أهميته، فهو يتعلق بحسن الاختيار بين الرجل والمرأة للزواج وفق المعايير الشرعية لذلك، ومنها: التعارف والتعريف للزواج المحمودان شرعاً قبل عقد النكاح.
وحسن التكوين للأسر وصلاحها، صلاح للمجتمع بأسره، وتحقيق للاستقرار والحياة الزوجية الكريمة، والتربية الصالحة للنشء، والترابط الاجتماعي المتين.
وإن من الأسباب الدافعة للكتابة في هذا الموضوع ما يلي:-
- الأهمية المشار إليها لهذا الموضوع.
- تعدد أنواع التعارف والتعريف للزواج ووفرتها في العصر الحاضر، مما يتطلب التعريف بها ومعرفتها من منظور شرعي، ودراستها دراسة فقهية تأصيلية.
- أثر التقنية الحديثة الكبير في ذلك، مما أضفى عليها في كثير من جوانبها صبغة النوازل، وزاد في الحاجة إلى دراستها وبحثها.
- مواقف الناس المتباينة في هذا بين إفراط وتفريط، مما يتطلب ضرورة إيضاح الحق في ذلك، وبيان المنهج السليم المعتدل.
- الحاجة إلى التأصيل الفقهي لهذا الموضوع؛ إسهاماً في تشجيع الدراسات في أحكامه الفقهية التفصيلية الواسعة.
- شح الدراسات الجامعة لأطراف الموضوع في جانبه الفقهي التأصيلي – حسب اطلاعي – فضلاً عن مستجداته وأحكامه التفصيلية رغم كثرتها.
والتساؤلات في هذا الموضوع كثيرة، وهي في مجملها مما يجلي أهميته، ويزيد في بيان الحاجة الماسة لدراسته، ومن أبرز هذه التساؤلات الآتي:-
- ما المعنى المراد للتعارف والتعريف من أجل الزواج؟ وما الفرق بينهما؟
- ما أنواع التعارف والتعريف للنكاح؟
- التعارف والتعريف للزواج، ما أركانهما؟ وما شروطهما؟
- ما وقت التعارف والتعريف للنكاح؟
- ما حكم التعارف والتعريف للزواج؟
- الأجرة على التعارف والتعريف للزواج، ما حكمها؟ وَمَنْ يتحملها؟ وما مقدارها؟
ويهدف من هذه الدراسة، الإجابة التفصيلية على هذه التساؤلات في الجانب الفقهي التأصيلي لهذا الموضوع وما يتعلق به من أحكام، علّها تفتح المجال لدراسات تفصيلية مستقلة في أحكام أنواعه المتعددة، بما يحقق الشمول لمستجداته، ويلبي الحاجة لكل متطلباته.
ولم أطلع على دراسة سابقة للموضوع بهذا العنوان، وهناك عناية من الفقهاء بأحكام النظر للمخطوبة، جاءت متفرقة في كتبهم[8]، لكنها خاصة بأحكام النظر، ولم تكن دراسة فقهية تأصيلية للتعارف والتعريف، مع أن النظر من طرقهما.
وهناك رسالة ماجستير بعنوان: مقدمات الزواج لفضيلة الدكتور: صالح بن إبراهيم الجديعي، من قسم الفقه بكلية الشريعة في الرياض، نوقشت عام 1405هـ، لكنها تضمنت كيفية الاختيار وأسسه، وأحكام النظر والخطبة، وهذا ما لم يتناوله هذا البحث.
هذا، وقد رسمت لهذا الموضوع خطة تتكون من مقدمة وسبعة مباحث وخاتمة وفهرس بالمصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
- المقدمة: وفيها التنويه على عنوان البحث، وبيان أهميته وأسباب اختياره وأهم تساؤلاته وأهدافه مع الإشارة إلى الدراسات حوله، وخطته ومنهجه.
- المبحث الأول: بيان المراد بالتعارف والتعريف للزواج.
أ*- تعريفهما في اللغة.
ب*- تعريفهما في الاصطلاح.
- المبحث الثاني: أنواع التعارف والتعريف للزواج.
أولاً: أنواع التعارف للزواج.
ثانياً: أنواع التعريف للزواج.
- المبحث الثالث: أركان التعارف والتعريف للزواج.
- المبحث الرابع: شروط التعارف والتعريف للزواج.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: شروط التعارف للزواج.
المطلب الثاني: شروط التعريف للزواج.
- المبحث الخامس: وقت التعارف والتعريف للزواج.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: وقت التعارف والتعريف بالنسبة لعقد الزواج.
المطلب الثاني: وقت التعارف والتعريف بالنسبة لتقدير مدتهما.
- المبحث السادس: حكم التعارف والتعريف للزواج
أولاً: حكم التعارف والتعريف إجمالاً.
ثانياً: حكم التعارف والتعريف تفصيلاً.
- المبحث السابع: الأجرة في التعارف والتعريف للزواج.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكم الأجرة على التعارف والتعريف للزواج.
المطلب الثاني: مسؤولية تحمل الأجرة.
المطلب الثالث: مقدار الأجرة.
- الخاتمة: وفيها خلاصة البحث ونتائجه وتوصياته.
- فهرس المصادر والمراجع، وفهرس الوضوعات.
وسأشير في بحث هذا الموضوع وفق المنهج المتبع عند الباحثين بعامة، وفي البحوث الفقهية بخاصة، وأبرز ملامحه تتمثل ففي الآتي:
- جمع مادته العلمية من مظانها، وصياغتها بم يتناسب مع عنوان البحث وطبيعته.
- الاعتماد على الاستقراء والاستنباط كلما لزم هذا؛ لقلة مادة الموضوع العلمية.
- الاعتماد في الاستدلال على مصادر الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة، وفي مقدمتها الكتاب والسنة.
- عزو الآيات لسورها، وبيان أرقام الآيات، وتخريج الأحاديث والآثار.
- الحرص على التوثيق قدر الإمكان، وبخاصة من المصادر والمراجع الفقهية المعتمدة، مع العناية بالكتابات الحديثة حول الموضوع متى وجدت.
- التعريف بالألفاظ الغريبة والمصطلحات الواردة.
- عمل فهرس للمصادر والمراجع، وآخر للموضوعات.
هذا، وأسأل الله تعالى حسن القصد والتوفيق والسداد، وأن يغفر لي أي خطأ أو زلل، وأن ينفع به ويجزي خير الجزاء كل من أهدى إليّ نصحاً أو إرشاداً أو تصويباً، إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول: بيان المراد بالتعارف والتعريف للزواج.
يمكن بيان المراد بهما وتحديده من خلال معرفة المعنى اللغوي لهما، وما ينبني عليه من معنى اصطلاحي مراد بهذا البحث، ويزداد وضوحا بالمقارنة بينهما في الدلالة، وذكر نصوص شرعية في معناهما؛ وذلك على النحو الآتي:
أ*- تعريفهما لغة:
التَّعَارُفُ: مصدر للفعل تَعَارَفَ، يقال: تَعَارَف القومُ تَعَارُفاً؛ أي: عَرَفَ بعضهم بعضاً، ويقول الله تعالى: {... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ... } [9].
والتَّعرِيفُ: مصدر –كذلك- من الفعل تَعَرَّفَ – بتشديد الراء – يقال: عَرَّفَ فلان بفلان تَعرِيفاً: أي أعلم به ووصفه ووضحه[10].
ومن المعاني اللغوية لمادة «عَرَفَ» مايلي:
التعريف: الإعلام؛ يقال: عرّف فلانٌ فلاناً الأمرَ: أعلمه إيّاه، ويقال عرّفه بيته: أعلمه بمكانه، وعرّفه بكذا وسمه به.
والتعريف: الإنشاد، يقال عرّف الضالة؛ أي نشدها، بمعنى: ذكرها وطلب من يعرفها، ومنه: إنشاد الضالة.
والتعريف: طلب المعرفة، يقال اعترف واعرورف فلانٌ القومَ: سألهم عن خبر ليعرفه، وتعرّفتُ ما عندك: طلبت حتى عرفت، ويقال: ائت فلاناً فاستعرف إليه حتى يعرفك، ويقال استعرف إليه: انتسب إليه ليعرفه.
والتعريف: التأمل؛ يقال: تعرّف المكان وفيه؛ أي: تأمَّلَه وتَأَمَّلَ به.
والتعريف: الدلالة والإخبار؛ يقال: اعرورف فلانٌ الشيء: عَرَفَهُ ودلّ عليه، وانقاد إليه، واعرورف إليّ: أخبرني باسمه وشأنه.
والتعريف: « تحديدُ الشيء بذكر خواصّه المميزة »[11].
والتعريف: التطييب، ومنه قوله تعالى {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }[12]. أي: طيبها لهم[13].
والعريف: من يعرف أصحابه، ويطلق على القيم والسيد ورئيس القوم؛ لمعرفته بسياسة القوم، يقال: هو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس، بمعنى : هو الذي يلي أمورهـم، ويتعرف الأمير منه أحـوالهم. وهو فعـيل بمعنى فاعل، فعـريف بمعنى عارف، مثل عليم وعالم. ورجل عروفة بالأمور؛ أي : عارف بها، والهاء للمبالغة.
والعِرف: المعرفة المتأخرة يقال: ما عرف عرفي إلا بآخرة، أي: ما عرفني إلا أخيراً.
والمعارف: الوجوه؛ لأن الأشخاص يعرفون بها، يقال: حيّا الله المعارف؛ أي الوجوه، وهو من المعارف، أي من الأشخاص المعروفين بوجوههم، ويطلق المعارف – أيضاً – على محاسن الوجه، يقال: امرأة حسنة المعارف؛ أي: الوجه وما يظهر منها.
وعرفات: موقف الحاج يوم عرفة، قيل: سميت بذلك؛ لأن آدم وحواء تعارفا بها، وقيل غير ذلك[14].
وبهذا يتبين أن التعارف والتعريف لهما معان لغوية متعددة، جماعها: طلب المعرفة بالشيء وتحقيقها؛ للعلم والوصول إلى غاية معينة غالباً.[15]
ب*- تعريفهما في الاصطلاح:
المراد بهذا البحث: بيان معرفة كل من الرجل والمرأة بالآخر من أجل الزواج.
بيان هذا التعريف:
هذا الموضوع له جانبان؛ أحدهما: تعارف للزواج، والآخر: تعريف للزواج أيضاً.
ويراد بالتعارف للزواج : الوصول إلى تحقق المعرفة بين رجل وامرأة معينين معاً خَلْقاً وخُلُقاً من أجل حصول الزواج بينهما بعد ذلك؛ باعتبار هذا التعارف يؤدي إلى حسن الاختيار بينهما، وغلبة الظن بصلاحهما للحياة الزوجية السعيدة مستقبلاً.
ويراد بالتعريف للزواج : العَرْض التعريفي العام بامرأة، بذكر مواصفاتها وصفاتها، ومتطلباتها فيمن يمكن أن تقبل به زوجاً لها، دون تعيين لشخصها وقت التعريف، علّ هذا التعريف يؤدي إلى التعارف مع معين مستقبلاً؛ ليتحقق بعد ذلك الزواج بينهما.
وكذلك يراد به: العَرْض التعريفي العام برجل بذكر مواصفاته وصفاته ومتطلباته فيمن يرغب في الزواج بها، دون تعيين لشخصه وقت التعريف، علّه يؤدي إلى التعارف للزواج مع امرأة معينة مستقبلاً؛ ليتم عقد الزواج بينهما بعد ذلك.
وبالمقارنة بينهما بناء على هذا التحديد للمراد بكل منهما، يتضح اتفاقهما في الآتي:
1- أن كلاًّ منهما يتم خلال مدة تسبق عقد الزواج، يمكن أن تسمى بمرحلة الخطوبة أو التمهيد لها.
2- أن كلاًّ منهما مما يمهد لعقد الزواج، ويهيئ الظروف المناسبة لحصوله.
3- أن كلاًّ منهما يراد منه الوصول إلى الزواج بعد حسن اختيار بين الطرفين.
4- أن كلاًّ منهما يؤدي إلى معرفة رجل بصفات امرأة يرغب في الزواج منها، أو امرأة بصفات رجل كذلك، أو كلاهما.
كما يتبين افتراقهما فيما يلي:
1- التعارف يتم بين رجل وامرأة معينين، والتعريف يتم دون تعيين للطرف الآخر في ابتدائه.
2- التعارف لا يلزم أن يكون بواسطة بين الرجل والمـرأة، بينما التعريف يلزم فيه ذلك؛ لأنهما وسيلة التواصل فيه، والتوفيق بين الرغبات.
3- التعارف يكون برؤية أو مواصفات شخصية للطرف الآخر، في حين أن التعريف يتم ابتداء بذكر مواصفات عامة، ودون كشف للاسم الحقيقي للراغب.
4- يتم التعارف برغبة كل من الرجل والمرأة فيه أو أحدهما، وغالباً برغبة الرجل، والتعريف في بدايته يحصل برغبة أحدهما.
5- التعارف يكون بين رجل وامرأة بذاتيهما، وبالسّرّ غالباً، بينما التعريف قابل لأن يطلع عليه أشخاص كثيرون، وربما يكون معلناً على الملأ عبر صحافة أو شبكة معلوماتية انترنت ونحوهما.
6- التعارف الشخصي قد يكون مبنياً على تعريف عام سبقه من قبل الرجل أو المرأة أو كلاهما، أما التعريف فلابد أن يتلوه تعارف شخصي قبل تمام الزواج.
ومن كل ما تقدم، تبدو العلاقة بين المعنيين اللغـوي والاصطلاحي ظاهرة، فالمعنى اللغوي أوسع وأشمل؛ إذ أنه يتناول الإعلام بالشيء وطلب المعرفة به والدلالة عليه والإخبار فيه، وهذا هو ما يدور حوله المعنى الاصطلاحي، فإذن، المعنى الاصطلاحي في حقيقته يتضمن بعضاً من المعاني اللغوية لمادة «عرف» ولا يخرج منها.
وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة مستخدمة لفظ «عَرَفَ» وفق معانيه اللغوية، وبما يتفق مع معناه الاصطلاحي المراد بهذا البحث. من هذه النصوص ما يلي:
أ*- من الكتاب العزيز:
1- قول الله تعالى: {وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [16].
2- قوله تعالى: ) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ... }[17].
3- قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ... } [18].
ب*- من السنة:
1- حديث: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ..» الحديث، رواه أحمد والحاكم والسياق له[19].
ومعناه «اجعله يعرفك بطاعته، والعمل فيما أولاك من نعمته»[20].
2- حديث: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف ..»الحديث، رواه مسلم[21].
3- حديث: «فإن اعتُرِفَت فأدها ...» الحديث، رواه مسلم[22].
والمراد: إن جاء من يَعتَرِفُها؛ أي: اللقطة؛ بمعنى: «يصفها بصفة يُعلمُ أنه صاحبها»[23].
يتبع