مشاهدة النسخة كاملة : أحكام التلبية 5
ابو وليد البحيرى
2018-08-15, 03:43 AM
أحكام التلبية 5
د.عبود بن علي بن درع
المبحث السادس :ظواهر الانحراف في التلبية
وفيه خمسة مطالب :
المطلب الأول : الانحراف في تلبية الجاهلية .
المطلب الثاني : التلبية في الأمصار .
المطلب الثالث : رفع الصوت بالتلبية للمرأة بحضرة الأجانب .
المطلب الرابع : التلبية الجماعية .
المطلب الخامس : التمايل عند التلبية .
المطلب السادس : وضع تسجيل صوتي للتلبية في ألعاب الأطفال .
المطلب الأول : الانحراف في تلبية الجاهلية :
" إن الوقوف على تلبية أهل الجاهلية يبين مدى الانحراف الذي لحق بالحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام ، فمن ذلك : تلبية قريش وخزاعة وكنانة وقيس وبني أسد: قال ابن عباس رضي الله عنه : " كانت تلبية أهل الجاهلية في حجهم مختلفة [1] .
فكانت تلبية قريش :
لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك
إلا شريكاً هولك تملكه وما ملـك
أبو بنات في فــداك"[2]
وكانت تلبية خزاعة:
لبيك نحن أهل الوادي
وبيتك المستور بالأبراد
زاعة ذو العد والعداد
إليك تأتي عصب الوراد
فنحن بين حاضر وباد"[3]
وفي بعض الروايات كانت تلبية خزاعة :
" نحن ورثنا البيت بعد عاد
ونحن من بعدهم أوتاد
فاغفر فأنت غافر وهاد[4] .
وكانت تلبية كنانة: " لبيك اللهم لبيك يوم التعريف ، يوم الدعاء والوقوف ، وذي صباح الدماء من ثجها والتريف"[5] وفي بعض الروايات كانت تلبية كنانة " لبيك اللهم لبيك ، اليوم يوم
الدعاء والوقوف . وعن أنس رضي الله عنه عنه قال " كان الناس بعد إسماعيل عليه السلام على الإسلام ، فكان الشيطان يحدث الناس بالشيء يريد أن يردهم عن الإسلام، حتى أدخل عليهم في التلبية لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك قال: فما زال حتى أخرجهم عن الإسلام إلى الشرك " [6]
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ كان المشركون يقولون : " لبيك لا شريك قال : فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويلكم قدقد فيقولون : إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك [7] ـ يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت " [8].
وقد روى بإسكان الدال وكسرها مع التنوين ومعناه كفاكم هذا الكلام فاقتصروا عليه ولا تزيدوا وهنا انتهى كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم عاد الراوي إلى حكاية كلام المشركين فقال إلا شريكاً هو لك إلى آخره معناه أنهم كانوا يقولون هذه الجملة وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول اقتصروا على قولكم لبيك لا شريك لك"[9] .
وقال الأزرقي : " وكان عمرو بن لحي[10] غير تلبية إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام بينما هو يسير على راحلته في بعض مواسم الحج وهو يلبي ، إذ مثل له إبليس في صورة شيخ نجدي على بعير أصهب ، فسايره ساعة ثم لبى إبليس فقال : لبيك اللهم لبيك ، فقال عمرو بن لحي مثل ذلك فقال إبليس إلا شريك هو لك ، فقال عمرو : وما هذا؟ قال إبليس ـ لعنه الله ـ : إن بعد هذا ما يصلحه ، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، فقال عمرو بن لحي : ما أرى بهذا بأساً !! فلباها فلبى الناس على ذلك ، وكانوا يقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، فلم تزل تلك تلبيتهم حتى جاء الله بالإسلام ، ولبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبية إبراهيم الصحيحة"[11].
وفي بعض الروايات كانت تلبية بجيلة :
" لبيك أن هديت للتكرم
وحج بيتك المحرم
نزوره لحقه المعظم [12]
وكانت تلبية الأوس والخزرج :
لبيك جئناك مع المعاشر
نسير سير العجل المبادر
نزور بيتاً لك ذا المشاعر[13]
وكانت تلبية النخع :
لبيك رب الأرض والسماء
وخالق الخلق ومجري الماء
معصب بالمجد والسناء
لعائش فضائل النعماء
في العالمين والجمعاء
نفديه بالآباء والأبناء[14]
وكانت تلبية الأنصار :
لبيك حجاً حقاً
تعبـداً ورقـاً
جئناك للنصاحه
لم نأت للرقاحه[15]
وكانت تلبية غسان :
لبيك رب غسـان
راجلها والفرسان[16]
وفي بعض الروايات كانت تلبية غسان:
لبيك أتتك غسان معاً ملبية
أولاد جفنة الند والنادـية
تقصد قصد الكعبة اليمانية[17]
وكانت تلبية جذام:
لبيـك عن جـذام
ذي النهى والأحلام [18]
وكانت تلبية زبيد ما ذكره عمرو بن معديكرب قال :
لقد رأيتنا في الجاهلية ونحن إذا حججنا البيت نقول :
هدى زبيد قد أتتك قسرا
تغدوا بها مضمرات شزرا
يقطعن خبتاً وجبالا وعرا
قد تركوا الأصنام خلوا صفرا [19]
ونحن اليوم نقول كما علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
يتبع
ابو وليد البحيرى
2018-08-15, 03:45 AM
أحكام التلبية 5
د.عبود بن علي بن درع
المطلب الثاني : التلبية في الأمصار:
قال ابن تيمية رحمه الله: " يكره إظهار التلبية [في الأمصار والحلل ؛ قال أحمد ـ في رواية المروذي[20] ـ: " التلبية] [21]إذا برز عن البيوت " ، وقال ـ في رواية أبي داود[22]ـ " ولا يجب أن يلبي في مثل بغداد حتى يبرز" ، وقال ـ في رواية حمدان[23]بن علي ـ : " إذا أحرم في مصره ، لا يعجبني أن يلبي" ، وفي لفظ : " يلبي الرجل إذا رأى الجدران قول ابن عباس: ولا يعجبني من المصر" .
وحمل أصحابنا قوله : على إظهار التلبية وإعلانها ، وعبارة[24] كثير منهم : لا يستحب إظهارها ، وربما قالوا[25] : لايشرع ذلك ، كما قالوا: لا يستحب تكرارها في حال واحدة ، وذلك يقتضي التسوية بين المسألتين ؛ إما في الكراهة ، أو في أن الأولى تركه ، وذلك لما احتج به أحمد[26]، ورواه بإسناده ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أنه " سمع رجلاً يلبي بالمدينة ، فقال: إن هذا لمجنون ، ليست التلبية في البيوت ، وإنما التلبية إذا برزت ". وعلله القاضي[27] : بأن التلبية مستحبة، وإخفاء التطوع أولى من إظهاره [28]لمن لا يشركه فيه ، ولهذا لم يكره ذلك في الصحراء ، وفي أمصار الحرم؛ لوجود الشركاء ، وهذا ليس بشيء ، ويحتمل أن يكون ذلك ؛ لأن المقيم في مصر ليس بمسافر ولا متوجه إلى الله تعالى ؛ والتلبية إجابة الداعي ، وإنما يجيبه إذا شرع في السفر ؛ فإذا فارق البيوت ، شرع في السفر ؛ فيجيبه ، وكلام ابن عباس وأحمد يحتمل هذا ، فعلى هذا لو مر بمصر آخر في طريقه ، لبى منه.
وعلى هذا ، فلا يستحب إخفاؤها ولا إظهارها ، وهو ظاهر كلام أحمد وابن عباس.
فأما المساجد : فقال القاضي وأبو الخطاب [29] : " لا يستحب إظهارها في الأمصار، ومساجد الأمصار" ، ومساجد الأمصار: هي المبينة في المصر؛ وذلك لأن حكمها حكم المصر، وأولى؛ من حيث كره رفع الصوت فيها ، لا من إظهارها في مساجد الحل وأمصاره ؛ فعلى هذا : المساجد المبينة في البرية ؛ مثل : مسجد ذي الحليفة .. ونحوه ، لا يظهر فيه ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- " نهى[30] عن رفع الصوت في المسجد " ، وإنما خص من ذلك الإمام خاصة والمأموم إذا احتيج إلى تبليغ تكبير الإمام .
فيبقى رفع الصوت بالتلبية على عمومه ، وهذا قوي على قول من لا يرى.
وحديث ابن عباس في إهلال النبي -صلى الله عليه وسلم- بمسجد ذي الحليفة عقيب الركعتين ، وقول أحمد وغيره بذلك يخالف هذا القول .
قال أصحابنا[31]: " ويستحب إظهارها في المسجد الحرام وغيره من مساجد الحرم ؛ مثل: مسجد منى ، وفي مسجد عرفات ، وإظهارها في مكة ؛ لأنها مواضع المناسك"[32]
المطلب الثالث : رفع الصوت بالتلبية للمرأة بحضرة الأجانب :
تقدم الكلام على حكم رفع الصوت بالتلبية إلا أن هذا الرفع استثنى العلماء منه المرأة فقالوا لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع به رفيقاتها ، قال الشافعي:
وبما أمر به جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر الرجال المحرمين ن وفيه دلالة على أصحابه هم الرجال دون النساء ، فأمرهم أن يرفعوا جهدهم ما لم يبلغ ذلك أن يقطع أصواتهم فكان يكره قطع أصواتهم ، وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع الأصوات بالتلبية الرجال ، فكان النساء مأمورات بالستر، فإن لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها ، وأستر لها ، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها"[33].
وقال ابن عبد البر:
وكذلك أوجب أهل الظاهر رفع الصوت بالتلبية ، ولم يوجبه غيرهم ، وقال مالك: يرفع المحرم صوته بالتلبية قدر ما يسمع نفسه ، وكذلك المرأة ترفع صوتها قدر ما تسمع نفسها [34].
ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع رفيقتها ، قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها ، وإنما عليها أن تسمع نفسها ، وبهذا قال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ، وروي عن سليمان بن يسار قال: السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال ، وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها ، ولهذا لا يسن لها أذان ولا إقامة ، والمسنون لها في التنبيه في الصلاة التصفيق دون التسبيح [35].
وقال النووي :
" فيه استحباب رفع الصوت بالتلبية ، وهو متفق عليه بشرط أن يكون رفعاً مقتصداً ؛ بحيث لا يؤذي نفسه ، والمرأة لا ترفع بل تسمع نفسها ؛ لأن صوتها محل فتنة ، ورفع الرجل مندوب عند العلماء كافة ، وقال أهل الظاهر ، هو واجب ، ويرفع الرجل صوته بها في غير المساجد ، وفي مسجد مكة ومنى وعرفات ، وأما سائر المساجد ففي رفعه فيها خلاف للعلماء ، وهما قولان للشافعي ، ومالك أصحهما : استحباب الرفع كالمساجد الثلاثة ، والثاني : لا يرفع لئلا يهوش على الناس بخلاف المساجد الثلاثة لأنها محل المناسك[36].
المطلب الرابع : التلبية الجماعية :
ومن ظواهر الانحراف المتعلقة بالتلبية " أن بعض الحجاج يلبون بصوت جماعي ، فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو الخلف ويلبي ثم يتبعونه بصوت واحد ، وهذا لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم ؛ بل قال أنس بن مالك : كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ـ يعني في حجة الوداع ـ فمنا المكبر ، ومنا المهلل ، ومنا الملبي . وهذا هو المشروع للمسلمين ، أن يلبي كل واحد بنفسه ، وألا يكون له تعلق بغيره[37].
ويتضح ذلك فيما يلي :
أولا : مخالفة هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ ، فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك ، ولاشك أن ما خالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهدي أصحابه الكرام ـ رضي الله عنهم ـ فهو بدعة ضلالة . ولو كان خيراً لفعله -صلى الله عليه وسلم- ، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام ، ولنقل ذلك عنهم ولاشك. فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم لم يفعلوه . وما لم يكن ديناً في زمانهم فليس بدين اليوم
ثانياً : الخروج عن السمت والوقار ، فإن التلبية الجماعية قد تتسبب في التمايل ، ثم الرقص ، ونحو ذلك ، وهذا لا يجوز بحال ، بل هو منافٍ للوقار الواجب عند ذكر الله تعالى ، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب .
ثالثاً : التشويش على المصلين ، والتالين للقرآن ، وذلك إذا كانت التلبية الجماعية في المساجد ، ولاشك أن المجيزين له يعدون المساجد أعظم الأماكن التي يتم الالتقاء فيها للذكر الجماعي .
رابعاً: أن في التلبية الجماعية تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد . وهذا التشبه بأهل الكتاب مع ورود النهي الشديد عن موافقتهم في دينهم دليل واضح على عدم جوازه .
خامساً : أن فتح باب الذكر الجماعي قد يؤدي إلى أن تتبع كل طائفة شيخاً معيناً يجارونه فيما يذكر، وفيما يقول ، ولو أدى ذلك إلى ظهور أذكار مبتدعة ، ويزداد التباعد بين أرباب هذه الطرق يوماً بعد يوم ؛ لأن السنة تجمع ، والبدعة تفرق.
سادساً : أن اعتياد التلبية الجماعية قد يؤدي ببعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن التلبية إذا لم يجد من يشاركه ، وذلك لاعتياده التلبية الجماعية دون غيرها[38] .
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
بعض الحجاج يُلبون بصوت جماعي ، فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو في الخلف ويلبي ثم يتبعونه بصوت واحد ، وهذا لم يرد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، بل قال أنس بن مالك : كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني في حجة الوداع ـ فمنا المكبر ، ومنا المهلل ، ومنا الملبي ، وهذا هو المشروع للمسلمين ؛ أن يلبي كل واحد بنفسه ، وألا يكون له تعلق بغيره[39] .
المطلب الخامس : التمايل[40] . عند التلبية :
اتفق الفقهاء [41] . على أن التمايل وما يشبهه كالرقص والدوران عند ذكر الله عز وجل والتلبية بدعة لا أصل لها في الدين ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ " أما السماعات المشتملة على الغناء والصفارات والدفوف والمصلصلات [42] . : فقد اتفق أئمة الدين أنها ليست من جنس القرب والطاعات بل ولو لم يكن على ذلك كالغناء والتصفيق باليد ، والضرب بالقضيب والرقص ونحو ذلك فهذا وإن كان فيه ما هو مباح ، وفيه ما هو مكروه ، وفيه ما هو محظور ، أو مباح للنساء دون الرجال ، فلا نزاع بين أئمة الدين أنه ليس من جنس القرب والطاعات والعبادات ، ولم يكن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وغيرهم من مشايخ الدين يحضرون مثل هذا السماع[43] .
وقال الشاطبي ـ رحمه الله ـ : " ويا ليتهم وقفوا عند هذا الحد المذموم ولكنهم زادوا على ذلك الرقص والزفن[44] . والدوران والضرب على الصدور وبعضهم يضرب على رأسه وما أشبه ذلك من العمل المضحك للحمقى لكونه من أعمال الصبيان والمجانين والمبكي للعقلاء رحمة لهم ، ولم يُتخذ مثل هذا طريقاً إلى الله وتشبيهاً بالصالحين[45] .
والدليل على أن هذا العمل بدعة لا يجوز ما يلي :
1ـ لأن التمايل في أصله فعل اليهود ، كما ذكر الزمخشري عند تفسيره لقول الله تعالى : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [46] . فقال: " ولما نشر موسى الألواح وفيها كتاب الله لم يبق جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز ، فلذلك لا ترى يهودياً تقرأ عليه التوراة إلا اهتز وانفض لها رأسه "[47] .
ثم سرت هذه العادة إلى بعض المسلمين ففي تفسير " البحر المحيط " لما ذكر المؤلف كلام الزمخشري السابق قال : " وقد سرت هذه النزعة إلى أولاد المسلمين ، فيما رأيت بديار مصر ، تراهم في المكتب إذا قرؤوا القرآن يهتزون ويحركون رؤوسهم ، وأما في بلادنا ، بالأندلس والمغرب ، فلو تحرك صغير عند قراءة القرآن أدبه مؤدب المكتب وقال له : لا تتحرك فتشبه اليهود في الدراسة "[48] .
فهذا تشبه باليهود وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- " من تشبه بقوم فهو منهم " [49] .
2ـ لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الفعل ولا عن صحابته [50] .
فينبغي للملبين والملبيات ترك هذه البدع المحدثة ، والنهي عمن يفعلها ، ولا يغتروا بما يتمسك به الذين يحرفون الذكر من بعض الطوائف المنحرفة من أدلة لمشروعية الرقص حال الذكر بدليل فعل الحبشة في المسجد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه[51] . ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : " لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم"[52].وفي لفظ: " رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- والحبشة يلعبون بحرابهم"[53] .
يتبع
ابو وليد البحيرى
2018-08-15, 03:48 AM
أحكام التلبية 5
د.عبود بن علي بن درع
نوقش استدلالهم : بأنه استدلال باطل لأن ذلك كان تمايلاً بالحراب للتدريب على استعمال السلاح كما أبيح التبختر في الحرب وإن كان ممنوعاً في غيره[54] .
ويمكن أن يناقش أيضاً : بأن هذا قول باطل مناقض لقواعد الشرع الشريف لقوله -صلى الله عليه وسلم- : " شر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة "[55] ، والرقص والتمايل والدوران عند التلبية من الأمور المحدثة ، فإن كان التمايل مباحاً في أوقات مخصوصة ـ كما في الحديث ـ فلا يعني جوازه وإباحته أثناء التلبية واتخاذ ذلك قربة.
وهذا أيضاً ما عليه فتوى اللجنة الدائمة [56] . والتي نصها :
" هذا العمل لا نعلم له أصلاً في دين الله تعالى بل هو بدعة ومخالفة لشرع الله يجب إنكارها على من يعملها ولاسيما مع القدرة على ذلك ، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "[57] .
المطلب السادس: وضع تسجيل صوتي للتلبية في ألعاب الأطفال .
الذكر يشتمل على فضائل عظيمة ، ومنافع كثيرة ، وتعود على المسلم بالخير في الدنيا والآخرة .
والمسلم مطالب بالتوفير والإجلال لكل ما فيه ذكر لله عز وجل وصونه عن العبث والإهمال.
ومن المعلوم أن هذه الألعاب من سيارات أو جمال أو غيرها ، ويسمع بداخلها صوت للتلبية الجماعية ، يستدعي الوقوف عندها للنظر في بيان الحكم منها .
أولاً : يلاحظ أن هذه الألعاب يمارسها الأطفال ، ويقومون بالعبث بها من حيث الرمي بها في الأرض والركوب عليها بالأقدام ووضعها في أماكن غير محترمة وصوت التسجيل بالتلبية مرتفع فيها .
ثانياً: هذه الألعاب تغرز في الأطفال وغيرهم أن هذه هي التلبية الشرعية وهذا مخالف لما قررته سابقاً في ثنايا هذا البحث من أن التلبية الجماعية غير مشروعة .
والذي يظهر أن المنع من بيع مثل هذه الألعاب أولى وآكد لتعظيم التلبية في النفوس وصيانة لذكر الله تعالى في هذه المواضع. قال الله تعالى{ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }[58].
وقال سبحانه { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [59].قال ابن قيم رحمه الله[60]: "تعظيم الأمر والنهي هو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي، فإن الله تعالى ذم من لا يعظمه ولا يعظم أمره ونهيه قال سبحانه { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } [61].
المراجع
[1] كتاب الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب ص 39
[2] المرجع السابق ، ص 29 .
[3] تاريخ مدينة دمشق 53/ 101
[4] كتاب الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب ص 39 ، انظر: تاريخ اليعقوبي 1/255 .
[5] تاريخ اليعقوبي 2/255 .
[6] ذكره في مجمع الزوائد 3/223 وقال عنه " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ".
[7] تفسير مقاتل بن سليمان ح 2 / ص382 .
[8] أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج / باب التلبية وصفتها ووقتها ص 870 ـ ح 2815/ك 15ـ ح 22 / ب3 / ح1185 .
[9] شرح النووي على صحيح مسلم ح8/ص90 .
[10] عمرو بن لحي واسم لحي ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر سيد خزاعة ، وهو أول من غير دين إبراهيم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه : رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار ، وقد بلغ عمرو هذا من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده في الجاهلية ، وكان قد ذهب شرفه كل مذهب فكان قوله في قومه ديناً منيعاً لا يخلف وهو الذي بحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي وسب السوائب ونصب الأصنام حول الكعبة وجاء بهبل فنصبه في جوف الكعبة فكانت قريش والعرب تستقسم بالأزلام وهو أول من غير الحنيفية دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام وكان أمره بمكة مطاعاً لا يعصى ، وكان قد ابتدع لقومه أشياء في الدين غير بها دين الخليل فاتبعه العرب في ذلك فضلوا بذلك ضلالاً بعيداً بيناً فظيعاً شنيعاً .
تاريخ اليعقوبي ح 1/ ص229 ، ج1/ص254 ، الأنساب ح2/ص358 سمط النجوم العوالي ح1/ص 226 ، البداية والنهاية ح2/ص188 .
[11] أخبار مكة للأزرقي ح1 / ص194 .
[12] تاريخ مدينة دمشق 35/101
[13] المرجع السابق 53/102 3 كتاب الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب ص 43 .
[15] المرجع السابق ص 44 .
[16] تاريخ اليعقوبي 1/256 .
[17] تاريخ مدينة دمشق 53/101
[18] تاريخ اليعقوبي1/256 .
[19] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/222وقال عنه : " رواه البزار والطبراني في الصغير والكبير والأوسط وفيه شرفي ابن قطامي وهو ضعيف وقال البزار بإسناده ليس بالثابت " وأخرجه الجرجاني في الكامل في ضعفاء الرجال ح4/ص35عن شوقي بنت قطامي .. الحديث ، وذكر حديثه أيضاً الحافظ ابن حجر في لسان الميزان ح 3 ص 142 /ت503 وقال شرقي بن قطامي له نحو عشرة أحاديث فيها مناكير ضعفه الساجي وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ح1/ص279/ح2282، وأيضاً أخرجه في المعجم الصغير ح1/ص110/ح157 وقال لم يروه عن شرقي إلا محمد بن زياد الكلبي ، وذكره ابن عبد البر في التمهيد ح15/ص 127 .
[20] انظر: رواية المروذي في كتاب " التعليق " للقاضي : خ / ق25 .
[21] ما بين القوسين في أ .
[22] انظر: هذه الرواية في " مسائل الإمام أحمد " رواية أبي داود ص: 124 ، وفي كتاب : " التعليق" للقاضي: خ/ق25 .
[23] انظر: رواية حمدان بن علي في كتاب " التعليق " للقاضي : خ / ق25 .
[24] انظر : كتاب : " رؤوس المسائل " للشريف أبي جعفر خ/ ص180 ، و " المستوعب" للسامري: خ: ق/292 ، و" الفروع" 3/343 ، و " الإنصاف" : 3/453 ، و " كشاف القناع" : 2/488 .
[25] انظر : كتاب : " التعليق " للقاضي : خ / ق25 ، و" المحرر " : 1/337 .
[26] أخرجه الإمام أحمد في " مسائله" رواية أبي داود ص:99 ، وأورده القاضي في كتابه" التعليق " : خ/ق25، وقال: " رواه حنبل بإسناده " . اهـ .
[27] انظر: كتاب " التعليق " للقاضي : خ/ق25 .
[28] عبارة القاضي في " التعليق " : " إسرار التطوع أولى ؛ لئلا يدخله الرياء ، والسمعة على من لا يشاركه في فعل تلك العبادة، ولهذا استحب الإسرار بصدقة التطوع " ، وصلاة التطوع.ويفارق هذا: الصحارى ، والبراري ؛ لإن إظهاره مع من يشاركه " . اهـ .
[29] انظر : كتاب " التعليق " : خ/ق25 ، وكتاب رؤوس المسائل " للشريف أبي جعفر : خ/ ص 180 .
[30] أخرجه ابن ماجه في " سننه " ، في كتاب المساجد ، باب ما يكره في المساجد : 1/247 ، = ح750 وإسناده ضعيف ، مجمع الزوائد 1/25 ، وفتح الباري 1/561 .
[31] انظر كتاب : " التعليق " : للقاضي خ/ ق25 ، و " رؤوس المسائل " لأبي جعفر: خ/ ص 180 . و" المغني": 3/292 ، و"الفروع" : 3/344 ، و " كشاف القناع" : 2/488 .
[32] شرح العمدة ، ص 516 ـ 518 بتصرف .
[33] الأم ج2/ص 156
[34] التمهيد ج17/ ص 240 .
[35] المغني ج3 / ص 157 .
[36] شرح النووي على صحيح مسلم ج8 / ص 232 .
[37] دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر والتحذير منها ص 28 .
[38] انظر : الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع . د / محمد الخميس ، ص52 وما بعدها .
[39] انظر : فقه العبادات ، ص 343 .
[40] التمايل : يقال تمايل في مشيته تمايلاً ، واستمال : اكتال بالكفين أو بالذراعين ، فالتمايل : التحرك يميناً وشمالاً أو من أمام وخلف ينظر : القاموس المحيط ص 1369 ، و لسان العرب 13/235 .
[41] نقل الاتفاق : ابن حجر عن القرطبي كما في فتح الباري 2/442 ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى11/531 .
[42] المصلصلات : جمع صلصلة ، من صلل يصلصل صليلاً ومصلصلاً ، وصلصلة اللجام : صوته إذا ضوعف فالدفوف المصلصلات : إذا رجعت أصواتها وضوعفت ينظر لسان العرب 7/392 .
[43] مجموع الفتاوى 11/531 ، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 76 .
[44] الزفن : زفن يزفن زفناً : اللعب والدفع وهو شبه بالرقص . ينظر : لسان العرب 6/58 .
[45] الاعتصام 2/355 .
[46] سورة الأعراف ، الآية : [ 171 ] .
[47] الكشاف 2/175 .
[48] البحر المحيط 4/ 420 .
[49] أخرجه أبو داود في سننه 4/314 كتاب : اللباس ، باب : في لبس الشهرة ، والإمام أحمد في مسنده 2/50 ، 92 ، وابن أبي شيبة في المصنف 7/150 ، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : " سنده حسن " ، وقال الشيخ الألباني في إرواءالغليل 5/ 105 : " إسناده حسن رجاله كلهم ثقات غير ابن ثور ففيه خلاف " ؟
[50] الاعتصام 2/348ـ 349 فقد قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ " ولا كان المتقدمون أيضاً يعدون الغناء جزءاً من أجزاء طريقة التعبد وطلب رقة النفوس وخشوع القلب حتى يقصدوه قصداً ويتعمدوا الليالي الفاضلة فيجتمعوا لأجل الذكر الجهري والشطح والرقص وضرب الأقدام على وزن إيقاع الكف " ، وينظر كلام شيخ الإسلام السابق ص 209 .
[51] إحياء علوم الدين 2/388 .
[52] أخرجه البخاري حديث رقم 454 كتاب : الصلاة ، باب : أصحاب الحراب في المسجد ، ومسلم حديث رقم 2061 كتاب : العيدين ، باب : الرخصة في اللعب يوم العيد .
[53] أخرجه البخاري حديث رقم 454 كتاب :الصلاة : باب أصحاب الحراب في المسجد ، ومسلم حديث رقم 2062 كتاب العيدين ، باب : الحراب والدرق يوم العيد .
[54] فتح الباري شرح صحيح البخاري 2/445 .
[55] أخرجه مسلم حديث رقم 2002 كتاب: الجمعة : باب : خطبته -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة.
[56] فتاوى اللجنة الدائمة 0 2/372 فتوى رقم 3232 .
[57] أخرجه البخاري معلقاً حديث رقم 2697 كتاب: الاعتصام ، باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف
[58] سورة الحج . الآية 32 .
[59] سورة الحج . الآية 30 .
[60] الوابل الصيب ، ص 17 .
[61] سورة نوح ، الآية : 13 .
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.