ابو وليد البحيرى
2018-08-12, 12:20 AM
أحكام التلبية 2
د. عبود بن علي درع*
أحكام التلبية(1) (http://majles.alukah.net/t167149/)
ومن مظاهر تعظيم السلف للتلبية: الإكثار منها ، فعن نافع عن بن عمر " أنه كان يلبي راكباً ونازلاً ومضطجعاً "[1] . وعن عكرمة قال : " دفعت مع علي بن الحسين من المزدلفة فلم أزل أسمعه يلبي يقول: لبيك اللهم لبيك حتى انتهى إلى الجمرة فقلت له ما هذا الإهلال يا أبا عبد الله؟ قال : سمعت أبي علي بن أبي طالب يهل حتى انتهى إلى الجمرة ، وحدثني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل حتى انتهى إليها"[2] .
ومن مظاهر تعظيم السلف للتلبية أنهم يتواصون بها ويذكر بعضهم بعضاً [3] .
وعن أبي حازم قال: " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحرموا ، لم يبلغوا الروحاء ، حتى تبح أصواتهم [4] .
وعن أبي يكر بن عبد الله ، قال: " سمعت ابن عمر يرفع صوته بالتلبية ، حتى إني لأسمع دوي صوته من الجبال"[5] .
وعن أيوب قال: " رأيت سعيد بن جبير في المسجد يوقظ الحاج ، ويقول : قوموا ، فلبوا ؛ فإني سمعت ابن عباس يقول : هي زينة الحج "[6] .
ومن مظاهر تعظيم السلف للتلبية رفع أصواتهم بها ، فعن بكر بن عبد الله المزني قال: " كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين[7]. وعن يعقوب بن زيد قال : " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
" لا يبلغون الروحاء حتى تسمع أصواتهم من شدة تلبيتهم "[8] وعن المطلب بن عبد الله قال:" كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تسمع أصواتهم وكانوا يضحون للشمس إذا أحرموا"[9] وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال: " كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع: عند اضطمام الرفاق وحتى تنضم ، وعند إشرافهم على الثني، وهبوطهم من بطون الأودية أو عند هبوطهم من الثني الذي يشرفون منه ، وعند الصلاة إذا فرغوا منها . قال الشافعي : " وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أن جبريل أمره أن يأمرهم برفع الصوت بالتلبية [10] وما روي عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين فما بلغنا الروحاء ـ أو قال العرج ـ حتى انطفت أصواتنا قال أحمد : وهذا لما بلغنا من حديث ... عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما بلغنا الروحاء حتى سمعت عامة الناس قد بحت أصواتهم من التلبية[11] .
ومن مظاهر تعظيم السلف للتلبية : حرصهم على الإتباع وتحذيرهم من الابتداع ، فعن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعلياً ـ رضي الله عنهما ـ وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي: أهل بهما لبيك بعمرة وحجة قال. ما كنت لأدع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد [12] وعن عبد الله بن أبي سلمة أن سعداً - رضي الله عنه - سمع رجلاً يقول: " لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج ولكنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نقول ذلك " [13] .
قال جابر - رضي الله عنه - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به لم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم شيئاً منه ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته".
قال النووي :" قوله وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله معناه الحث على التمسك بما أخبركم عن فعله في حجته تلك قوله فأهل بالتوحيد يعني قوله لبيك لا شريك لك وفيه إشارة إلى مخالفة ما كانت الجاهلية تقوله في تلبيتها من لفظ الشرك"[14] .
المطلب الثالث : سبب التلبية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله : وسبب التلبية ومعناها على ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله u[15] : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ }[16] . قال: " لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه : أن أذن في الناس بالحج ، قال: فقال إبراهيم: ألا إن ربكم قد اتخذ بيتاً وأمركم أن تحجوه ، فاستجاب له ما سمعه من شيء من حجر ، وشجر ، وأكمة ، أو تراب ، أو شيء : لبيك اللهم لبيك "[17] .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وقال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم : معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج . انتهى ، وهذا أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير، وابن أبي حاتم ، بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة، وقتادة ، وغير واحد، والأسانيد إليهم قوية ، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه عنه قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له : أذن في الناس بالحج ، قال رب وما يبلغ صوتي ، قال: أذن وعليَّ البلاغ ، قال : فنادى إبراهيم : يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض ، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون "[18] .
المطلب الرابع : فوائد التلبية :
اشتملت التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة منها الفوائد الآتية:
الفائدة الأولى :أن قولك : لبيك يتضمن إجابة داع دعاك ، ومناد ناداك ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه .
الفائدة الثانية :أن التلبية تتضمن المحبة ، ولا يقال : لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه ، ولهذا قيل في معناها: أنا مواجه لك بما تحب ، وأنها من قولهم : امرأة لبة : أي محبة لولدها ؛ ولهذا جاء في أحاديث كثيرة أن عدداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ناداهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهم لبيك يا رسول الله ، ومنها أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا معاذ بن جبل " قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ..." [19] .
وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : يا أبا ذر ؟ قال: قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله [20] .
الفائدة الثالثة: أنها تتضمن دوام العبودية ؛ ولهذا قيل: هي من الإقامة : أي أنا مقيم على طاعتك .
الفائدة الرابعة : أنها تتضمن الخضوع والتذلل لله وحده : أي خضوعاً بعد خضوع ، من قولهم : أنا ملب بين يديك : أي خاضع ذليل .
الفائدة الخامسة : أنها تتضمن الإخلاص ؛ ولهذا قيل : أنها من اللب ، وهو الخالص
الفائدة السادسة :أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى ، إذ يستحيل أن يقول المسلم لبيك لمن لا يسمع دعاء.
الفائدة السابعة : أنها تتضمن التقرب من الله ؛ لهذا قيل : إنها من الإلباب ، وهو التقرب .
الفائدة الثامنة : أنها جعلت في الإحرام شعاراً للانتقال من حال إلى حال ، ومن منسك إلى منسك ، كما جعل التكبير في الصلاة سبعاً ؛ للانتقال من ركن إلى ركن ؛ ولهذا كانت السنة أن يلبي حتى يشرع في الطواف ، فيقطع التلبية ، ثم إذا سار لبَّى حتى يقف بعرفة فيقطعها ، ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها ، ثم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة فيقطعها [21] ، فالتلبية شعار الحج ، والتنقل في أعمال المناسك ، فالحاج كلما انتقل من ركن إلى ركن قال { لبيك اللهم لبيك } كما أن المصلي يقول في انتقاله من ركن إلى ركن الله أكبر فإذا حل من نسكه قطعها ، كما يكون سلام المصلي قاطعاً لتكبيره .
الفائدة التاسعة : أنها شعار التوحيد : ملة إبراهيم ، الذي هو روح الحج ومقصده ، بل روح العبادات كلها ، والمقصود منها ؛ ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها .
الفائدة العاشرة : أنها متضمنة لمفتاح الجنة ، وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه ، هو كلمة الإخلاص، والشهادة لله بأنه لا شريك له.
الفائدة الحادية عشرة : أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من أحب مما يتقرب به العبد إلى الله ، وأول ما يدعى إلى الجنة أهله ، وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها .
الفائدة الثانية عشرة : أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها ؛ ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق أي النعم كلها لك ، وأنت موليها والمنعم بها .
الفائدة الثالثة عشرة : أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده ، فلا ملك على الحقيقة لغيره .
الفائدة الرابعة عشرة :أن هذا المعنى مؤكد الثبوت بأن المقتضية تحقيق الخير وتثبيته وأنه مما لا يدخله ريب ولاشك .
الفائدة الخامسة عشرة :في إنَّ وجهان : فتحها وكسرها:
فالفتح يتضمن معنى التعليل ، فمن فتحها فالمعنى : لبيك ؛ لأن الحمد والنعمة لك .
والكسر تكون به جملة مستقلة مستأنفة ، تتضمن ابتداء الثناء على الله ، فمن قال إِنَّ فقد عمَّ ، ومن قال : أَنَّ بالفتح فقد خصَّ .
الفائدة السادسة عشرة :أنها متضمنة للإخبار عن اجتماع الملك عن اجتماع الملك ، والنعمة ، والحمد لله ، وهذا نوع آخر من الثناء عليه غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العلية ، فاجتماع الملك والحمد ، من أعظم الكمال ، والملك وحده كمال ، والحمد كمال ، واقتران أحدهما بالآخر كمال ، فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرحمة مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته كان في ذلك : من العظمة ، والكمال ، والجلال ، ما هو أولى به ، وهو أهل له ، وكان في ذكر العبد له ومعرفته له من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه ، والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية ولبها ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
الفائدة السابعة عشرة :أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ... وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير [22] .
وقد اشتملت التلبية على هذه الكلمات بعينها وتضمنت معانيها ، وقوله ] وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ تدخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - في التلبية : " لا شريك لك " وكذلك تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن الحمد والنعمة لك " ، وكذلك تدخل تحت إثبات الملك له تعالى ، فالملك كله له ، والحمد كله له ، وليس له شريك بوجه من الوجوه ، فهو الذي على كل شيء قدير .
الفائدة الثامنة عشرة : أن كلمات التلبية متضمنة للرد على كل مبطل في صفات الله وتوحيده ؛ فإنها مبطلة لقول المشركين على اختلاف طوائفهم ومقالاتهم ، ولقول الفلاسفة وإخوانهم من الجهمية المعطلين لصفات الكمال التي هي متعلق الحمد ؛ فهو سبحانه محمود لذاته، وصفاته ، ولأفعاله ، فمن جحد صفاته وأفعاله فقد جحد حمده ، وكلمات التلبية كذلك مبطلة لقول مجوس الأمة : القدرية الذين أخرجوا عن ملك الرب وقدرته أفعال عبادة من الملائكة ، والجن ، والإنس ، فلم يثبتوا له عليها قدرة ، ولا جعلوه خالقاً لها .. فمن علم معنى هذه الكلمات في التلبية ، وشهدها ، وأيقن بها ، باين [23] .جمع الطوائف المعطلة .
الفائدة التاسعة عشرة : في عطف الملك على الحمد والنعمة بعد كمال الخبر وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : إن الحمد والنعمة لك والملك ولم يقل : إن الحمد والنعمة والملك له ، لطيفة بديعة ، وهي أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين ؛ فإنه لو قال : إن الحمد والنعمة والملك لك ، كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد على مفردة ، فلما تمت الجملة الأولى بقوله : لك ثم عطف الملك كان تقديره: والملك لك ، فيكون مساوياً لقوله : له الملك وله الحمد ولم يقل : له الملك والحمد ، وفائدته تكرار الحمد في الثناء .
الفائدة العشرون : لما عطف النعمة على الحمد ولم يفصل بينهما بالخبر ، كان فيه إشعار في اقترانهما وتلازمهما ، وعدم مفارقة أحدهما للآخر ، فالإنعام والحمد قرينان .
الفائدة الحادية والعشرون : في إعادة الشهادة بأنه لا شريك له ، لطيفة ، وهي أنه أخبر أنه لا شريك له عقب إجابته بقوله : لبيك ثم أعادها عقب قوله : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد ، والنعمة ، والملك ، والأول يتضمن أنه لا شريك له في إجابة هذه الدعوة ، وهذا نظير قوله تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[24] . فأخبر بأنه لا إله إلا هو في أول الآية، وذلك داخل تحت شهادته وشهادة ملائكته ، وأولي العلم ، وهذا هو المشهود به ، ثم أخبر عن قيامه بالقسط ، وهو : العدل ، فأعاد الشهادة بأنه لا إله إلا هو مع قيامه بالقسط "[25] .
ولاشك أن الاهتمام بمعرفة معنى التلبية ، ومعرفة هذه الفوائد التي تضمنتها التلبية تعين العبد المسلم على القيام بعبادة الحج والعمرة والتقرب إلى الله بقول هذه الكلمات على أحسن وجه وأكمله.
المطلب الخامس : ألفاظ التلبية :
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألفاظ في التلبية على النحو الآتي :
1ـ حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال :" لبيك اللهم لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لاشريك لك "[26]. وفي لفظ للبخاري ومسلم ، قال ابن عمر : لا يزيد على هؤلاء الكلمات[27] ، وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، لبيك والرغباء إليك والعمل [28].
ولفظ أبي داود ، وابن ماجه : وكان ابن عمر يزيد في تلبيته : لبيك ، لبيك ، لبيك ، وسعديك ، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل "[29]
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : كان عمر بن الخطاب يُهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ، ويقول :" لبيك اللهم لبيك ، لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك ، والرغباء إليك والعمل "[30] .
2ـ حديث عائشة رضي الله عنها قالت :إني لا أعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة لك [31].
3ـ حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ولفظه كلفظ حديث عائشة قال : كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -
لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة لك [32] .
4ـ حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه قال: فأهل بالتوحيد : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " [33] .
5ـ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لبيك إله الحق لبيك " [34] .
6ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان المشركون يقولون : لبيك لا شريك لك ، قال : فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ويلكم قد قد [35] فيقولون : إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت . تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
المطلب السادس : حكم الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - :
أجمع المسلمون على لفظ التلبية المذكورة في حديث ابن عمر المتفق عليه ، وحديث جابر عند مسلم عند الإحرام بالحج أو العمرة ، ولكن اختلفوا في الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكاه ابن عبد البر عن مالك ، قال: وهو أحد قولي الشافعي ، وقال جماعة آخرون : لابأس بالزيادة المذكورة عن ابن عمر، وأبيه ، وزيادات الصحابة الثابتة ، واستحب بعضهم الزيادة المذكورة [36] .
قال الشنقيطي رحمه الله : الذي يظهر في هذه المسألة : أن الأفضل هو الاقتصار على لفظ تلبيته - صلى الله عليه وسلم - الثابتة في الصحيحين وغيرهما ؛ لأن الله تعالى يقول: ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [[37] وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول:" لتأخذوا عني مناسككم" [38]، وأن الزيادة المذكورة لا بأس بها"[39]. للأحاديث الآتية:
1ـ عن ابن عمر أنه كان يزيد في تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - الكلمات المذكورة في الحديث سابقاً ؛ ولزيادة أمير المؤمنين كما تقدم .
2ـ وعن جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله شيئاً منه ، ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته [40] .
3ـ وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - فعن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك - رضي الله عنه - وهما غاديان من منى إلى عرفة ، كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه . وفي لفظ مسلم : ... ولا يعيب أحدنا على صاحبه رسول الله شيئاً منه ، ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته [41] .
4ـ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات فمنا الملبي ومنا المكبر [42] .
وهذه الأحاديث تدل على أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيدون على لفظ تلبيته - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرهم على ذلك ولا ينكر عليهم ولزم تلبيته - صلى الله عليه وسلم - ومعلوم أن الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان فيها محذور لما فعلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما [43] .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : المقصود أنه لا بأس أن يزيد في التلبية ، كما فعل أنس ، وعمر، وابن عمر ، رضي الله عنهم وأقرهم - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن الأفضل تلبيته - صلى الله عليه وسلم - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لازمها [44].
واختار ابن حجر وغيره أنه إن زاد على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - مما ثبت عن الصحابة أو مما أنشأ هو من قبل نفسه مما يليق ؛ فالأفضل أن يقوله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع ، ويفرد ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [45].
قال ابن تيمية رحمه الله :
والأفضل أن يلبي تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ كما تقدم لأن أصحابه رووها على وجه واحد ، وبينوا أنه كان يلزمها .
وإن نقل عنه أنه زاد عليها شيئاً ، فيدل على الجواز ؛ لأن ما داوم عليه هو الأفضل .
فإن زاد شيئاً ، مثل قوله : لبيك إن العيش عيش الآخرة ، أو لبيك ذا المعارج ، أو غير ذلك ، فهو جائز غير مكروه ، ولا مستحب عند أصحابنا [46].
قال ـ في رواية أبي داود ـ وقد سئل عن التلبية ، فذكرها ، فقيل له : يكره أن يزيد على هذا؟ وما بأس أن يزيد.
وقال الأثرم [47] قلت له : هذه الزيادة التي يزيدها الناس في التلبية ؟ فقال : شيئاً معناه: الرخصة.
وقال في رواية حرب [48]؛ في الرجل يزيد في التلبية كلاماً أو دعاءً، قال: أرجو أن لا يكون به بأس " .
وقال : في وراية المروذي[49] ـ : " كان في حديث ابن عمر: والملك لا شريك له . فتركه؛ لأن الناس تركوه ، وليس في حديث عائشة " .
وعن ليث عن طاوس : " أن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إن الحمد والنعمة لك " . فزاد فيها عمر بن الخطاب: والملك لا شريك لك ، رواه سعيد[50] وهذا يقوي رواية المروذي ، فينظر.
وإنما جاز ذلك ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقره عليه ، ولم يغيره ؛ كما ذكره جابر.
وعن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في تلبيته : " لبيك إله الحق لبيك " ، رواه أحمد ، وابن ماجه ، والنسائي[51].
فعُلم أنه كان يزيد أحياناً على التلبية المشهورة ، وقد زاد ابن عمر الزيادة المتقدمة ، وهو من أتبع الناس للسنة .
وعن عمر أنه زاد :" لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك ، لبيك مرهوباً ومرغوباً إليك". رواه الأثرم [52] .
وعن أنس أنه كان يزيد " لبيك حقاً حقاً "
وعن عبد الله أنه كان يقول " لبيك عدد التراب "
وعن الأسود أنه كان يقول : " لبيك غفار الذنب لبيك " ، رواهما[53] سعيد
وأما ما روى سعد[54] أنه سمع رجلاً [55] يقول : " لبيك ذا المعارج ، فقال: إنه لذو المعارج ، ولكنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نقول ذلك " رواه[56] أحمد ـ فقد حمله القاضي[57] على ظاهره ؛ في أنه أنكر الزيادة ، ولعله فهم من حال الملبي أنه يعتقد أن هذه هي التلبية المشروعة .
وقد قيل [58] لعله اقتصر على لك ، وترك تمام التلبية المشروعة .
ولا تكره الزيادة على التلبية ؛ سواءً جعل الزيادة متصلة بالتلبية منها أم لا ، بل تكون الزيادة من جملة التلبية .
وقال القاضي[59] في خلافه : لا تكره الزيادة على ذلك ، إذا أوردها على وجه الذكر لله ، والتعظيم له ، لا على أنها متصلة بالتلبية ؛ كالزيادة على التشهد بما ذكره من الدعاء بعده ، ليس بزيادة فيه ؛ لأن ما ورد عن الشرع منصوصاً مؤقتاً تُكره الزيادة فيه ، كالأذان ، والتشهد[60].
وقال الكاساني الحنفي : والسنة أن يأتي بتلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهي أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة لك ، والملك ، لاشريك لك ، كذا روي عن ابن مسعود ، وابن عمر هذه الألفاظ في تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالسنة أن يأتي بها، ولا ينقص شيئاً منها، وإن زاد عليها فهو مستحب عندنا ... والدليل عليه ما روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يزيدون على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ولأن هذا من باب الحمد لله تعالى ، والثناء عليه فالزيادة عليه تكون مستحبة لا مكروهة [61] .
وقال الإمام النووي : قال أصحابنا فإن زاد لم يكره ، لما سبق عن ابن عمر قال: صاحب البيان : قال الشيخ أبو حامد ذكر أهل العراق عن الشافعي أنه كره الزيادة على ذلك ، قال أبو حامد:وغلطوا بل لا تكره الزيادة ولا تستحب [62] .
قال الحافظ ابن حجر : واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك [63].
وقال الإمام العراقي : لم يقتصر راوي الحديث ابن عمر رضي الله عنهما على تلبية رسول الله بل زاد فيها ما تقدم ، وهو جائز بلا استحباب[64] ، ولا كراهة كما هو مذهب الأئمة الأربعة.. وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال ولا أضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية ، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التلبية . ومشى على ذلك في الخلافيات ونصب الخلاف في ذلك بين أبي حنيفة والشافعي فقال الاقتصار على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب ولا يضيق أن يزيد علها وقال أبو حنيفة إن زاد فحسن [65].
يتبع
د. عبود بن علي درع*
أحكام التلبية(1) (http://majles.alukah.net/t167149/)
ومن مظاهر تعظيم السلف للتلبية: الإكثار منها ، فعن نافع عن بن عمر " أنه كان يلبي راكباً ونازلاً ومضطجعاً "[1] . وعن عكرمة قال : " دفعت مع علي بن الحسين من المزدلفة فلم أزل أسمعه يلبي يقول: لبيك اللهم لبيك حتى انتهى إلى الجمرة فقلت له ما هذا الإهلال يا أبا عبد الله؟ قال : سمعت أبي علي بن أبي طالب يهل حتى انتهى إلى الجمرة ، وحدثني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل حتى انتهى إليها"[2] .
ومن مظاهر تعظيم السلف للتلبية أنهم يتواصون بها ويذكر بعضهم بعضاً [3] .
وعن أبي حازم قال: " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحرموا ، لم يبلغوا الروحاء ، حتى تبح أصواتهم [4] .
وعن أبي يكر بن عبد الله ، قال: " سمعت ابن عمر يرفع صوته بالتلبية ، حتى إني لأسمع دوي صوته من الجبال"[5] .
وعن أيوب قال: " رأيت سعيد بن جبير في المسجد يوقظ الحاج ، ويقول : قوموا ، فلبوا ؛ فإني سمعت ابن عباس يقول : هي زينة الحج "[6] .
ومن مظاهر تعظيم السلف للتلبية رفع أصواتهم بها ، فعن بكر بن عبد الله المزني قال: " كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين[7]. وعن يعقوب بن زيد قال : " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
" لا يبلغون الروحاء حتى تسمع أصواتهم من شدة تلبيتهم "[8] وعن المطلب بن عبد الله قال:" كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تسمع أصواتهم وكانوا يضحون للشمس إذا أحرموا"[9] وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال: " كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع: عند اضطمام الرفاق وحتى تنضم ، وعند إشرافهم على الثني، وهبوطهم من بطون الأودية أو عند هبوطهم من الثني الذي يشرفون منه ، وعند الصلاة إذا فرغوا منها . قال الشافعي : " وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أن جبريل أمره أن يأمرهم برفع الصوت بالتلبية [10] وما روي عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين فما بلغنا الروحاء ـ أو قال العرج ـ حتى انطفت أصواتنا قال أحمد : وهذا لما بلغنا من حديث ... عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما بلغنا الروحاء حتى سمعت عامة الناس قد بحت أصواتهم من التلبية[11] .
ومن مظاهر تعظيم السلف للتلبية : حرصهم على الإتباع وتحذيرهم من الابتداع ، فعن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعلياً ـ رضي الله عنهما ـ وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي: أهل بهما لبيك بعمرة وحجة قال. ما كنت لأدع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد [12] وعن عبد الله بن أبي سلمة أن سعداً - رضي الله عنه - سمع رجلاً يقول: " لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج ولكنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نقول ذلك " [13] .
قال جابر - رضي الله عنه - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به لم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم شيئاً منه ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته".
قال النووي :" قوله وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله معناه الحث على التمسك بما أخبركم عن فعله في حجته تلك قوله فأهل بالتوحيد يعني قوله لبيك لا شريك لك وفيه إشارة إلى مخالفة ما كانت الجاهلية تقوله في تلبيتها من لفظ الشرك"[14] .
المطلب الثالث : سبب التلبية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله : وسبب التلبية ومعناها على ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله u[15] : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ }[16] . قال: " لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه : أن أذن في الناس بالحج ، قال: فقال إبراهيم: ألا إن ربكم قد اتخذ بيتاً وأمركم أن تحجوه ، فاستجاب له ما سمعه من شيء من حجر ، وشجر ، وأكمة ، أو تراب ، أو شيء : لبيك اللهم لبيك "[17] .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وقال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم : معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج . انتهى ، وهذا أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير، وابن أبي حاتم ، بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة، وقتادة ، وغير واحد، والأسانيد إليهم قوية ، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه عنه قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له : أذن في الناس بالحج ، قال رب وما يبلغ صوتي ، قال: أذن وعليَّ البلاغ ، قال : فنادى إبراهيم : يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض ، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون "[18] .
المطلب الرابع : فوائد التلبية :
اشتملت التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة منها الفوائد الآتية:
الفائدة الأولى :أن قولك : لبيك يتضمن إجابة داع دعاك ، ومناد ناداك ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه .
الفائدة الثانية :أن التلبية تتضمن المحبة ، ولا يقال : لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه ، ولهذا قيل في معناها: أنا مواجه لك بما تحب ، وأنها من قولهم : امرأة لبة : أي محبة لولدها ؛ ولهذا جاء في أحاديث كثيرة أن عدداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ناداهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهم لبيك يا رسول الله ، ومنها أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا معاذ بن جبل " قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ..." [19] .
وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : يا أبا ذر ؟ قال: قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله [20] .
الفائدة الثالثة: أنها تتضمن دوام العبودية ؛ ولهذا قيل: هي من الإقامة : أي أنا مقيم على طاعتك .
الفائدة الرابعة : أنها تتضمن الخضوع والتذلل لله وحده : أي خضوعاً بعد خضوع ، من قولهم : أنا ملب بين يديك : أي خاضع ذليل .
الفائدة الخامسة : أنها تتضمن الإخلاص ؛ ولهذا قيل : أنها من اللب ، وهو الخالص
الفائدة السادسة :أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى ، إذ يستحيل أن يقول المسلم لبيك لمن لا يسمع دعاء.
الفائدة السابعة : أنها تتضمن التقرب من الله ؛ لهذا قيل : إنها من الإلباب ، وهو التقرب .
الفائدة الثامنة : أنها جعلت في الإحرام شعاراً للانتقال من حال إلى حال ، ومن منسك إلى منسك ، كما جعل التكبير في الصلاة سبعاً ؛ للانتقال من ركن إلى ركن ؛ ولهذا كانت السنة أن يلبي حتى يشرع في الطواف ، فيقطع التلبية ، ثم إذا سار لبَّى حتى يقف بعرفة فيقطعها ، ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها ، ثم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة فيقطعها [21] ، فالتلبية شعار الحج ، والتنقل في أعمال المناسك ، فالحاج كلما انتقل من ركن إلى ركن قال { لبيك اللهم لبيك } كما أن المصلي يقول في انتقاله من ركن إلى ركن الله أكبر فإذا حل من نسكه قطعها ، كما يكون سلام المصلي قاطعاً لتكبيره .
الفائدة التاسعة : أنها شعار التوحيد : ملة إبراهيم ، الذي هو روح الحج ومقصده ، بل روح العبادات كلها ، والمقصود منها ؛ ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها .
الفائدة العاشرة : أنها متضمنة لمفتاح الجنة ، وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه ، هو كلمة الإخلاص، والشهادة لله بأنه لا شريك له.
الفائدة الحادية عشرة : أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من أحب مما يتقرب به العبد إلى الله ، وأول ما يدعى إلى الجنة أهله ، وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها .
الفائدة الثانية عشرة : أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها ؛ ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق أي النعم كلها لك ، وأنت موليها والمنعم بها .
الفائدة الثالثة عشرة : أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده ، فلا ملك على الحقيقة لغيره .
الفائدة الرابعة عشرة :أن هذا المعنى مؤكد الثبوت بأن المقتضية تحقيق الخير وتثبيته وأنه مما لا يدخله ريب ولاشك .
الفائدة الخامسة عشرة :في إنَّ وجهان : فتحها وكسرها:
فالفتح يتضمن معنى التعليل ، فمن فتحها فالمعنى : لبيك ؛ لأن الحمد والنعمة لك .
والكسر تكون به جملة مستقلة مستأنفة ، تتضمن ابتداء الثناء على الله ، فمن قال إِنَّ فقد عمَّ ، ومن قال : أَنَّ بالفتح فقد خصَّ .
الفائدة السادسة عشرة :أنها متضمنة للإخبار عن اجتماع الملك عن اجتماع الملك ، والنعمة ، والحمد لله ، وهذا نوع آخر من الثناء عليه غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العلية ، فاجتماع الملك والحمد ، من أعظم الكمال ، والملك وحده كمال ، والحمد كمال ، واقتران أحدهما بالآخر كمال ، فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرحمة مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته كان في ذلك : من العظمة ، والكمال ، والجلال ، ما هو أولى به ، وهو أهل له ، وكان في ذكر العبد له ومعرفته له من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه ، والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية ولبها ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
الفائدة السابعة عشرة :أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ... وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير [22] .
وقد اشتملت التلبية على هذه الكلمات بعينها وتضمنت معانيها ، وقوله ] وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ تدخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - في التلبية : " لا شريك لك " وكذلك تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن الحمد والنعمة لك " ، وكذلك تدخل تحت إثبات الملك له تعالى ، فالملك كله له ، والحمد كله له ، وليس له شريك بوجه من الوجوه ، فهو الذي على كل شيء قدير .
الفائدة الثامنة عشرة : أن كلمات التلبية متضمنة للرد على كل مبطل في صفات الله وتوحيده ؛ فإنها مبطلة لقول المشركين على اختلاف طوائفهم ومقالاتهم ، ولقول الفلاسفة وإخوانهم من الجهمية المعطلين لصفات الكمال التي هي متعلق الحمد ؛ فهو سبحانه محمود لذاته، وصفاته ، ولأفعاله ، فمن جحد صفاته وأفعاله فقد جحد حمده ، وكلمات التلبية كذلك مبطلة لقول مجوس الأمة : القدرية الذين أخرجوا عن ملك الرب وقدرته أفعال عبادة من الملائكة ، والجن ، والإنس ، فلم يثبتوا له عليها قدرة ، ولا جعلوه خالقاً لها .. فمن علم معنى هذه الكلمات في التلبية ، وشهدها ، وأيقن بها ، باين [23] .جمع الطوائف المعطلة .
الفائدة التاسعة عشرة : في عطف الملك على الحمد والنعمة بعد كمال الخبر وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : إن الحمد والنعمة لك والملك ولم يقل : إن الحمد والنعمة والملك له ، لطيفة بديعة ، وهي أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين ؛ فإنه لو قال : إن الحمد والنعمة والملك لك ، كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد على مفردة ، فلما تمت الجملة الأولى بقوله : لك ثم عطف الملك كان تقديره: والملك لك ، فيكون مساوياً لقوله : له الملك وله الحمد ولم يقل : له الملك والحمد ، وفائدته تكرار الحمد في الثناء .
الفائدة العشرون : لما عطف النعمة على الحمد ولم يفصل بينهما بالخبر ، كان فيه إشعار في اقترانهما وتلازمهما ، وعدم مفارقة أحدهما للآخر ، فالإنعام والحمد قرينان .
الفائدة الحادية والعشرون : في إعادة الشهادة بأنه لا شريك له ، لطيفة ، وهي أنه أخبر أنه لا شريك له عقب إجابته بقوله : لبيك ثم أعادها عقب قوله : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد ، والنعمة ، والملك ، والأول يتضمن أنه لا شريك له في إجابة هذه الدعوة ، وهذا نظير قوله تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[24] . فأخبر بأنه لا إله إلا هو في أول الآية، وذلك داخل تحت شهادته وشهادة ملائكته ، وأولي العلم ، وهذا هو المشهود به ، ثم أخبر عن قيامه بالقسط ، وهو : العدل ، فأعاد الشهادة بأنه لا إله إلا هو مع قيامه بالقسط "[25] .
ولاشك أن الاهتمام بمعرفة معنى التلبية ، ومعرفة هذه الفوائد التي تضمنتها التلبية تعين العبد المسلم على القيام بعبادة الحج والعمرة والتقرب إلى الله بقول هذه الكلمات على أحسن وجه وأكمله.
المطلب الخامس : ألفاظ التلبية :
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألفاظ في التلبية على النحو الآتي :
1ـ حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال :" لبيك اللهم لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لاشريك لك "[26]. وفي لفظ للبخاري ومسلم ، قال ابن عمر : لا يزيد على هؤلاء الكلمات[27] ، وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، لبيك والرغباء إليك والعمل [28].
ولفظ أبي داود ، وابن ماجه : وكان ابن عمر يزيد في تلبيته : لبيك ، لبيك ، لبيك ، وسعديك ، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل "[29]
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : كان عمر بن الخطاب يُهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ، ويقول :" لبيك اللهم لبيك ، لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك ، والرغباء إليك والعمل "[30] .
2ـ حديث عائشة رضي الله عنها قالت :إني لا أعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة لك [31].
3ـ حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ولفظه كلفظ حديث عائشة قال : كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -
لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة لك [32] .
4ـ حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه قال: فأهل بالتوحيد : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " [33] .
5ـ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لبيك إله الحق لبيك " [34] .
6ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان المشركون يقولون : لبيك لا شريك لك ، قال : فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ويلكم قد قد [35] فيقولون : إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت . تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
المطلب السادس : حكم الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - :
أجمع المسلمون على لفظ التلبية المذكورة في حديث ابن عمر المتفق عليه ، وحديث جابر عند مسلم عند الإحرام بالحج أو العمرة ، ولكن اختلفوا في الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكاه ابن عبد البر عن مالك ، قال: وهو أحد قولي الشافعي ، وقال جماعة آخرون : لابأس بالزيادة المذكورة عن ابن عمر، وأبيه ، وزيادات الصحابة الثابتة ، واستحب بعضهم الزيادة المذكورة [36] .
قال الشنقيطي رحمه الله : الذي يظهر في هذه المسألة : أن الأفضل هو الاقتصار على لفظ تلبيته - صلى الله عليه وسلم - الثابتة في الصحيحين وغيرهما ؛ لأن الله تعالى يقول: ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [[37] وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول:" لتأخذوا عني مناسككم" [38]، وأن الزيادة المذكورة لا بأس بها"[39]. للأحاديث الآتية:
1ـ عن ابن عمر أنه كان يزيد في تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - الكلمات المذكورة في الحديث سابقاً ؛ ولزيادة أمير المؤمنين كما تقدم .
2ـ وعن جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله شيئاً منه ، ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته [40] .
3ـ وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - فعن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك - رضي الله عنه - وهما غاديان من منى إلى عرفة ، كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه . وفي لفظ مسلم : ... ولا يعيب أحدنا على صاحبه رسول الله شيئاً منه ، ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته [41] .
4ـ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات فمنا الملبي ومنا المكبر [42] .
وهذه الأحاديث تدل على أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيدون على لفظ تلبيته - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرهم على ذلك ولا ينكر عليهم ولزم تلبيته - صلى الله عليه وسلم - ومعلوم أن الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان فيها محذور لما فعلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما [43] .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : المقصود أنه لا بأس أن يزيد في التلبية ، كما فعل أنس ، وعمر، وابن عمر ، رضي الله عنهم وأقرهم - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن الأفضل تلبيته - صلى الله عليه وسلم - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لازمها [44].
واختار ابن حجر وغيره أنه إن زاد على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - مما ثبت عن الصحابة أو مما أنشأ هو من قبل نفسه مما يليق ؛ فالأفضل أن يقوله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع ، ويفرد ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [45].
قال ابن تيمية رحمه الله :
والأفضل أن يلبي تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ كما تقدم لأن أصحابه رووها على وجه واحد ، وبينوا أنه كان يلزمها .
وإن نقل عنه أنه زاد عليها شيئاً ، فيدل على الجواز ؛ لأن ما داوم عليه هو الأفضل .
فإن زاد شيئاً ، مثل قوله : لبيك إن العيش عيش الآخرة ، أو لبيك ذا المعارج ، أو غير ذلك ، فهو جائز غير مكروه ، ولا مستحب عند أصحابنا [46].
قال ـ في رواية أبي داود ـ وقد سئل عن التلبية ، فذكرها ، فقيل له : يكره أن يزيد على هذا؟ وما بأس أن يزيد.
وقال الأثرم [47] قلت له : هذه الزيادة التي يزيدها الناس في التلبية ؟ فقال : شيئاً معناه: الرخصة.
وقال في رواية حرب [48]؛ في الرجل يزيد في التلبية كلاماً أو دعاءً، قال: أرجو أن لا يكون به بأس " .
وقال : في وراية المروذي[49] ـ : " كان في حديث ابن عمر: والملك لا شريك له . فتركه؛ لأن الناس تركوه ، وليس في حديث عائشة " .
وعن ليث عن طاوس : " أن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إن الحمد والنعمة لك " . فزاد فيها عمر بن الخطاب: والملك لا شريك لك ، رواه سعيد[50] وهذا يقوي رواية المروذي ، فينظر.
وإنما جاز ذلك ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقره عليه ، ولم يغيره ؛ كما ذكره جابر.
وعن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في تلبيته : " لبيك إله الحق لبيك " ، رواه أحمد ، وابن ماجه ، والنسائي[51].
فعُلم أنه كان يزيد أحياناً على التلبية المشهورة ، وقد زاد ابن عمر الزيادة المتقدمة ، وهو من أتبع الناس للسنة .
وعن عمر أنه زاد :" لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك ، لبيك مرهوباً ومرغوباً إليك". رواه الأثرم [52] .
وعن أنس أنه كان يزيد " لبيك حقاً حقاً "
وعن عبد الله أنه كان يقول " لبيك عدد التراب "
وعن الأسود أنه كان يقول : " لبيك غفار الذنب لبيك " ، رواهما[53] سعيد
وأما ما روى سعد[54] أنه سمع رجلاً [55] يقول : " لبيك ذا المعارج ، فقال: إنه لذو المعارج ، ولكنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نقول ذلك " رواه[56] أحمد ـ فقد حمله القاضي[57] على ظاهره ؛ في أنه أنكر الزيادة ، ولعله فهم من حال الملبي أنه يعتقد أن هذه هي التلبية المشروعة .
وقد قيل [58] لعله اقتصر على لك ، وترك تمام التلبية المشروعة .
ولا تكره الزيادة على التلبية ؛ سواءً جعل الزيادة متصلة بالتلبية منها أم لا ، بل تكون الزيادة من جملة التلبية .
وقال القاضي[59] في خلافه : لا تكره الزيادة على ذلك ، إذا أوردها على وجه الذكر لله ، والتعظيم له ، لا على أنها متصلة بالتلبية ؛ كالزيادة على التشهد بما ذكره من الدعاء بعده ، ليس بزيادة فيه ؛ لأن ما ورد عن الشرع منصوصاً مؤقتاً تُكره الزيادة فيه ، كالأذان ، والتشهد[60].
وقال الكاساني الحنفي : والسنة أن يأتي بتلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهي أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة لك ، والملك ، لاشريك لك ، كذا روي عن ابن مسعود ، وابن عمر هذه الألفاظ في تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالسنة أن يأتي بها، ولا ينقص شيئاً منها، وإن زاد عليها فهو مستحب عندنا ... والدليل عليه ما روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يزيدون على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ولأن هذا من باب الحمد لله تعالى ، والثناء عليه فالزيادة عليه تكون مستحبة لا مكروهة [61] .
وقال الإمام النووي : قال أصحابنا فإن زاد لم يكره ، لما سبق عن ابن عمر قال: صاحب البيان : قال الشيخ أبو حامد ذكر أهل العراق عن الشافعي أنه كره الزيادة على ذلك ، قال أبو حامد:وغلطوا بل لا تكره الزيادة ولا تستحب [62] .
قال الحافظ ابن حجر : واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك [63].
وقال الإمام العراقي : لم يقتصر راوي الحديث ابن عمر رضي الله عنهما على تلبية رسول الله بل زاد فيها ما تقدم ، وهو جائز بلا استحباب[64] ، ولا كراهة كما هو مذهب الأئمة الأربعة.. وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال ولا أضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية ، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التلبية . ومشى على ذلك في الخلافيات ونصب الخلاف في ذلك بين أبي حنيفة والشافعي فقال الاقتصار على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب ولا يضيق أن يزيد علها وقال أبو حنيفة إن زاد فحسن [65].
يتبع