مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة أحاديث وقواعد منهجية في الدعوة إلى الله والتوجيه متجدد
ابو وليد البحيرى
2018-01-24, 09:12 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
المقدمه :
الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا باب جديد في الدعوة إلى الله تعالى معتمدًا فيه على الكتاب والسنة، وجاريًا على التقعيد العلمي، ونبدؤه بالمقدمة:
فمما لا شك فيه أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة في الأمور كلها: (لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21] وقال سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وسلم : (وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) [القلم : 4].
وقد بعثه الله سبحانه وتعالى بشيرًا ونذيرًا، وهاديًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، ومبلغًا عن ربه سبحانه، فبلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فكان على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فكانت مهمته عليه الصلاة والسلام البلاغ عن ربه ليقوم الناس بعبادته قال تعالى: )إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ([الشورى: 48]، وقال سبحانه: )يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ([المدثر: 1-2]، وقال: )وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ([الشعراء: 214]، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء: 107]، وهكذا تتوالى الآيات في إيضاح المهمة والهدف.
وبهذا رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته المنهاج العظيم في الدعوة ليقتفوا أثره، ويسلكوا خطاه، وينتهجوا نهجه.
فاجتهد الصحابة ن في ذلك، ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم حتى ألّفوا في ذلك مؤلفات مستقلة وكتبوا كتابات مستفيضة بالإضافة إلى خبراتهم وتجاربهم، فجزاهم الله خيرًا على ما قدموا وسطروا للإسلام والمسلمين.
ومن المعلوم أن الدعوة الإسلامية مستمرة استمرار الزمن، ولها مستجداتها وقضاياها المتنوعة، ونوازلها المتكررة، مما يوجب على أهل العلم والدعوة أن يجتهدوا في البيان والتوضيح.
ولقد استقرأت كثيرًا من المناهج والأعمال الدعوية، فوجدت فيها خيرًا كثيرًا يشكرون عليه، ويدعى لهم بالتوفيق والتسديد، والأجر والثواب، كما وجدت بعض مواضع الاجتهاد – قولًا وعملًا – ما يستوجب إبداء الرأي والنصح والبيان، وبخاصة في هذا الوقت الذي نشطت فيه الدعوة كما نشط مخالفوها.
ولقد رأيت أن من أهم ما يجب بيانه هو جمع ما تناثر من المسائل وتسطيرها على شكل قواعد لتكوّن منطلقات يستوعبها الداعية وطالب العلم، فتكون ضابطًا لكثير من التصرفات، فجمعت ما تيسر، وحاولت جمع المتماثل أو المتقارب ليجتمع في قاعدة، فكان ما ظهر من هذه القواعد، وهو (بلا شك اجتهاد) أرجو أن يكون راجحة أكثر من مرجوحة، وهو قابل للرأي والزيادة والنقصان، ويبقى أنه اجتهاد بذل الجهد فيه بين التأمل والمراجعة والمناقشة مع البحث العلمي، كما اجتهدت في محاولة التأصيل الشرعي لهذه القواعد مع مراعاة عدم التطويل والإسهاب مكتفيًا بما يوضح المراد، وبالله التوفيق ومن يستمد التسديد.
وسنتحدث في الحلقة الثانية عن هدف هذه القواعد ومنهجيتها، نسأل الله تعالى أن ينفع به الكاتب والقارئ وأن يوفق الجميع للاستنارة بتعاليم كتابه وللاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى، وهو ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والى لقاء قادم ان شاء الله
ابو وليد البحيرى
2018-01-24, 09:16 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (2)
الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،
ففي هذه الحلقة سنتحدث عن هدف البحث ومنهجيته وخطته،،،
هدف البحث :
يجتمع هدف البحث في ما يلي:
1 – توضيح منطلقات أساسية، وضوابط للعمل الدعوي سواء كان من قبل مؤسسات أو أفراد.
2 – بناء منهج متكامل للدعوة يجمع بين وضوح الرؤية وسلامة الطريق والطمأنينة.
3 – معالجة ما يطرأ من مشكلات في مسيرة الدعوة ومواقفها.
المنهجية:
تجتمع منهجية البحث فيما يلي:
1 – تمهيد للبحث في مفهوم الدعوة وفضلها ووظيفتها ومقوماتها.
2 – تقسيم البحث إلى قواعد ليسهل تصورها. تضم كل قاعدة ما يلي:
أ – بيانًا مجملًا للقاعدة.
ب – تأصيلها الشرعي.
ج – محاولة التنزيل على الواقع التاريخي لدعوة النبي صلى ىالله عليه وسلم ، والربط المباشر لكل قاعدة في دعوته، والاستدلال على ذلك.
د – إيراد بعض الأمثلة من الواقع.
هـ - التفصيل فيما تتطلبه القاعدة المرادة للعمل الواقعي.
و - الآثار الإيجابية للعمل بالقاعدة والسلبية عند تركها.
ز – خلاصة القاعدة بشيء من التفصيل.
3 – الاستدلال بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة مع العزو والتخريج وبيان الحكم على الحديث في ضوء منهجية البحث العلمي.
4 – حاولت الاستفادة من أقوال الأئمة من السلف فيما يعضد القاعدة.
5 – لخصتُ البحث بمعالم منهجية تستقى من هذه القواعد لبناء دعوة متكاملة وذلك في خاتمة البحث.
6 – استفدتُ من كتابات بعض المعاصرين بالنقد الإيجابي والمناقشة لبعض المسائل والقضايا.
7 – ركزتُ على جوانب أرى أنها من موجبات هذا البحث، وهي الوضوح في طرح الأفكار، والتفصيل في بعض الخطوات، والنقد الإيجابي لما طرحته بعض الدعوات، أو للمواقف المعاصرة، أو الأساليب التي ينتهجها بعض الدعاة. ونحو ذلك.
وهنا أشير إلى ملحظ قد يراه القارئ الكريم وهو ذكر شيء من التكرار لبعض الأدلة أو الأمثلة لمقتضى المقام، وكذا التداخل بين بعض القواعد والأفكار.
وأما خطة البحث، فهي:
* المقدمة، وفيها: سبب البحث وأهدافه ومنهجيته وخطته.
* والتمهيد: ويتضمن القواعد، وهي:
§ القاعدة الأولى: المقاصد والنيات.
§ القاعدة الثانية: وضوح الرؤية والهدف.
§ القاعدة الثالثة: الغايات والوسائل.
§ القاعدة الرابعة: الموازنة بين العلم والعبادة والعمل.
§ القاعدة الخامسة: فقه المصالح والمفاسد.
§ القاعدة السادسة: البناء والمعالجة.
§ القاعدة السابعة: التغيير والإصلاح.
§ القاعدة الثامنة: العقل والعاطفة.
§ القاعدة التاسعة: المثالية والواقعية.
§ القاعدة العاشرة: العناية بالكل أو الجزء.
§ القاعدة الحادية عشرة: الائتلاف والاختلاف.
§ القاعدة الثانية عشرة: الموازنة بين الترغيب والترهيب.
§ القاعدة الثالثة عشرة: التفاؤل واليأس.
§ القاعدة الرابعة عشرة: التدرج وعدم الاستعجال.
* والخاتمة.
وأخيرًا، فهذه محاولة، آمل أن تكون مفيدة لكاتبها وقارئها، لا أزعم أني بلغت فيها شأنًا لم يُبلغ، ولكنه اجتهاد أملاه الأمانة، والمسؤولية، قام على الاستقراء للواقع، والنظر في الأدلة الشرعية، والاعتماد على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فما كان فيه من صواب فهو المؤمل، وأسأل الله تعالى الثواب عليه، وما كان فيه من خطأ، أو عدم رجحان فأسأل الله العفو والصفح، إنه سميع قريب مجيب.
ثم آمل من القارئ الكريم التصويب والتسديد، فهذا البحث اعتمد على الاستقراء كثيرًا، فجزى الله خيرًا من سدد وصوّب، وأعان بزيادة فكرة، أو تعديل أخرى، أو مزيد أمثلة، ونحو ذلك.
وسنتحدث في الحلقة التالية التمهيد، نذكر فيه مفهوم الدعوة وموضوعها إن شاء الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والى لقاء قادم ان شاء الله
ابو وليد البحيرى
2018-01-24, 09:19 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (3)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر من تمهيد البحث: مفهوم الدعوة وموضوعها:
أولاً: مفهوم الدعوة:
الدعوة لغةً: جاء في اللغة الدَّعوة إلى الطعام: بالفتح، يقال: كنا في دعوة فلان ومدعاة فلان، وهو مصدر، والمراد بهما الدعاء إلى الطعام.
وداعية اللبن: ما يترك في الضرع ليدعو ما بعده((1) وتأتي الدعوة بمعان كثيرة، منها:
1- الاستغاثة، كقولك للرجل: إذا لقيت العدو خاليًا فادع المسلمين. فالدعاء هنا بمعنى الاستغاثة.
2 – العبادة، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [غافر: 60]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة» (2) .
3 – المناداة، دعا الرجل دعوًا ودُعاءً بمعنى ناداه، والاسم الدعوة، ودعوتُ فلانًا، أي صحتُ به، واستدعيته، والدعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدىً أو ضلالةً، واحدهم: داع. ورجل داعية: إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين، أدخلت الهاء فيه للمبالغة. والنبي صلى الله عليه وسلم داعي الله تعالى ومنه قوله تعالى: (وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) [الأحزاب: 46]، معناه: داعيًا إلى توحيد الله وما يقرب منه(3) .
والدعوة يراد بها في الاصطلاح أحد معنيين:
1 – المعنى الأول: الإسلام.
2 – المعنى الثاني: «نشر هذا الدين للناس». وفي المجال الدعوي يقصد هذا المفهوم على العموم. كما قال تعالى: )قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ([يوسف: 108]، ولمقصود بالدعوة إلى الله هنا الدعوة إلى دينه.
وهذا المعنى الأخير هو المراد بالدعوة في هذا البحث، سواء كانت الدعوة إلى الإسلام وترك الكفر، أو الدعوة إلى الطاعة وترك المعصية، أو الدعوة إلى العمل الفاضل وترك المفضول.
ثانيًا: موضوع الدعوة:
إن موضوع الدعوة إلى الله تعالى هو الإسلام الذي هو الخضوع والاستسلام والانقياد لله رب العالمين، والذي عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حين سأله عن الإسلام فقال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا»(4).
وهذا يعني أن موضوع الدعوة هو: الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، ومن ثم الدعوة إلى تطبيق الشريعة بكاملها من العبادات والأخلاق والآداب والسلوك والاستقامة، ونبذ الشرك والكفر والنفاق وعموم المعاصي والآثام وغيرها.
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: أهداف الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) مختار الصحاح للرازي: ص: (206).
(2) أخرجه أبوداود: (1/551رقم1481)، كتاب الوتر، باب الدعاء، والترمذي: (5/211 رقم2969)، كتاب التفسير، باب سورة البقرة، وابن ماجة: (5/5 رقم3828)، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، وهو حديث صحيح، صححه الترمذي.
(3) ينظر: لسان العرب لابن منظور: فصل الدال، حرف الواو والياء، المجلد التاسع، (18/ 281-284) بتلخيص.
(4) أخرجه البخاري: (1/20رقم51)، كتاب الإيمان، باب (39)، ومسلم: (1/36رقم8)، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام. بيان الإيمان والإسلام.
ابو وليد البحيرى
2018-01-25, 09:19 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (4)
(أهداف الدعوة)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر من تمهيد البحث: أهداف الدعوة.
ثالثًا: أهداف الدعوة :
يمكن الوصول إلى معرفة أهداف الدعوة من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، والتي تتجلى في الأمور الآتية:
1 – تحقيق رضا الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى:( يوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً*وَ ُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً )[الإنسان: 7 – 9].
2 – نشر الإسلام في الأرض، لقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )[التوبة:33].
3 – تصحيح العقيدة عند الناس، لأنه الأصل الذي إذا صلح، صلح سائر الأعمال وإذا فسد، فسد سائر الأعمال، وقد كان من أول أهداف دعوة الرسل جميعًا عليهم السلام تصحيح العقيدة، لقوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25]، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا حين بعثه إلى اليمن أن يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى قبل دعوتهم إلى أي شيء آخر فقال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله»(1) .
4 – القيام بالفروض والعبادات المتمثلة في أركان الإسلام، وتصحيح ما يشوبها أحيانًا من البدع والزيادات، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الهدف تاليًا للعقيدة في وصيته لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، حيث قال: «فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»(2) .
5 – تصحيح السلوك والأخلاق، لقوله تعالى:(لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[آل عمران: 164].
وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع على المشركين، فقال: «إني لم أبعث لعّانًا وإنما بُعثْتُ رحمة»(3) .
6 – القيام بمهمة البلاغ: وهو إيصال دعوة الله إلى الناس بالحجة والبيان، لقوله تعالى: ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)[الشورى: 48].
وخلاصة الكلام في أهداف الدعوة أنها: نقل العباد من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد(4
).
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: فضائل الدعوة إلى الله تعالى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه البخاري: (5/206رقم4347)، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، ومسلم: (1/50رقم19)، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
(2) أخرجه البخاري: (2/159رقم1496)، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد إلى الفقراء، ومسلم: (1/50رقم19)، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين.
(3) أخرجه مسلم: (4/2006رقم2599)، كتاب البر والصلة، باب النهي عن لعن الدواب.
(4) سيأتي مزيد من التفصيل لأهداف الدعوة وتحريره في القاعدة الثانية.
ابو وليد البحيرى
2018-01-26, 06:18 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (5)
(فضائل الدعوة إلى الله تعالى)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر من تمهيد البحث: فضائل الدعوة إلى الله تعالى.
رابعًا: فضائل الدعوة إلى الله:
الدعوة إلى الله تعالى من أفضل القربات وأجلّ الأعمال، وقد أمر الله تعالى عباده إلى القيام بهذه العبادة في قوله: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]. ويمكن الإشارة إلى بعض فضائل هذه العبادة وآثارها من خلال النقاط الآتية:
1 – أنها ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) [المائدة: 67].
2 – أن الله تعالى أثنى على الدعاة والعاملين في مجال الدعوة، فقال: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].
3 – الأجر الجزيل والثواب العظيم، جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم خيبر: «انفُذْ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من حُمْرُ النَّعم»(1) .
4 – يكرم الداعية بمعية النبي صلى الله عليه وسلم لقيامه بمهمة الدعوة، لقوله تعالى: ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].
5 – يحصل بالدعوة إلى الله الإصلاح في الأرض، فتنتشر الفضيلة وتقل الرذيلة، وتصلح عقيدة الناس وسلوكهم، يقول الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام: ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [هود: 88].
6- استمرار الأجر فهي من أعظم الصدقات الجارية، جاء في الحديث الصحيح: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء»(2).
هذا غيض من فيض في فضائل الدعوة وآثارها الحسنة على الفرد والمجتمع، لأن فضائلها لا تعدّ ولا تحصى.
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: مقومات الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)أخرجه البخاري: (4/58رقم2942)، كتاب الجهاد، باب فضل من أسلم على يديه رجل، ومسلم: (4/1872رقم2406).
(2) أخرجه مسلم: (4/2060رقم2674)، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة.
ابو وليد البحيرى
2018-01-28, 02:56 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (6)
(مقومات الدعوة (1-2))
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر مقومات الدعوة.
خامسًا: مقومات الدعوة:
للدعوة إلى الله تعالى مقوّمات كثيرة تجعلها تحقق أهدافها المنشودة، ومن أهم هذه المقوّمات:
1 – العلم:
ويقصد به العلم الشرعي، وهو العلم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا يعني العلم بتوحيد الله في ربوبيته وألوهيته في أسمائه وصفاته، والعلم بأحكام الحلال والحرام، والعلم بالواجبات والفروض وغيرها.
وتتضح أهمية العلم الشرعي في أن أول سورة نزلت من القرآن الكريم تأمر بالتعلم والقراءة والكتابة، قال الله تعالى: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ([العلق: 1-5].
وتوفر العلم الشرعي مطلب ضروري ومقوّم رئيس من أجل العمل في الميدان الدعوي، لأنه يرشد إلى الدين الصحيح في العقيدة والعبادة والأخلاق وسائر الأعمال الصالحة، والجهل بالدين يؤدي إلى ظهور الانحرافات والتناقضات في العقيدة والعبادات، لذا أثنى الله تعالى على أهل العلم بقوله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر:9]، وقال جل ثناؤه: )إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ([فاطر : 28].
2 – الإخلاص:
كما إن إخلاص النية لله تعالى من أهم المقوّمات للقيام بالدعوة إلى الله تعالى وتحافظ على مسارها في الاتجاه الصحيح، يقول جل ثناؤه: )وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء([البينة: 5]، والله تعالى يبارك في كل جهد يبذل من أجله، فيتكفل بحفظه وفلاح القائمين عليه، لذلك أمر الله عباده بإخلاص العمل له وحده بغض النظر عن النتائج التي تؤول إليه، يقول تبارك وتعالى: )يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )[هود : 51].
أما الذي يعمل لغير الله، للشهرة أو المال أو المناصب وغيرها من المقاصد الدنيوية، فإن الله يجازيه حسب نيته وغايته، فيحرم من الأجر والثواب في الآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (1) .
فليحذر الدعاة والمصلحون وأهل العلم من انحراف النية والقصد، والذي يحدد نجاح الدعوة أو فشلها، لأن الدعوة من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله، فلا بد أن يخلص النية لله جلّ ثناؤه.
3 – وضوح الرؤية والهدف:
ومن مقوّمات نجاح الدعوة إلى الله تعالى وضوح الرؤية لدى الداعية وتحديد الهدف المتمثل في إيصال الإسلام إلى الناس، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، اقتداء بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، الذين كانوا يبينون الهدف من دعوتهم، يقول الله تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )[النحل: 36]. فالهدف واضح ومبين وهو عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه من الأصنام والأوثان وجميع أشكال الآلهة الأخرى.
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرؤية في دعوته التي دامت ثلاثة وعشرين عامًا، فعن ابن عباس م قال: لـمّا نزلت هذه الآية ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَالْأ َقْرَبِينَ([الشعراء: 214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف:( يا صباحاه! فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه. فقال: «يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب، فاجتمعوا إليه». فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقي؟» قالوا: ما جرّبنا عليك كذبًا. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». قال: فقال أبو لهب: تبًّا لك أما جمعتنا إلا لهذا، ثم قام). فنزلت هذه السورة: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ([المسد: 1].
وهكذا كانت دعوته عليه الصلاة والسلام واضحة للجميع، من غير غموض أو أسرار أو إخفاء للحقائق، كما هي حال سائر العقائد والمذاهب والأديان. وقد تجلى ذلك أيضًا حين كان يعرض عليه الصلاة والسلام الدعوة على الوفود القادمة إلى مكة أو حين يراسل الملوك والقياصرة حيث يقول عليه الصلاة والسلام في إحدى رسائله إلى هرقل: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله – إلى قوله – اشهدوا بأنا مسلمون» (2) .
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: بقية من مقومات الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه البخاري: (1/2/رقم1)، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان الوحي.
(2) أخرجه البخاري: (1/5رقم7)، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، ومسلم: (3/1393رقم1773)، كتاب الجهاد، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل.
ابو وليد البحيرى
2018-01-29, 06:19 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (7)
(مقومات الدعوة (2-2))
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر بقية من مقومات الدعوة.
4 – سلامة الوسيلة من الانحراف:
ومن المقوّمات التي تحافظ على سلامة الدعوة ونجاحها أن تكون الوسائل والآليات المستخدمة مشروعة، فلا تبلّغ دعوة الله بالغناء والعزف على الموسيقى والكذب والزور والغيبة والنميمة وغيرها من المعاصي، كما لا تبلغ دعوة الله بمال حرام من السرقة أو الرشوة أو الغش أو غيرها من المحرمات المالية، وقد وضع أهل العلم لذلك قاعدة فقهية مفادها: أن الغاية لا تبرر الوسيلة، كما ستأتي إن شاء الله تعالى.
5 – البدء بالأهم فالمهم:
إن فقه الأولويات من الأركان المهمة التي تقوم عليه الدعوة إلى الله، وهو القيام بالأهم من الأعمال ثم المهم، فلا تقدم الأمور المهمة على الأهم منها، وكان عليه الصلاة والسلام يأخذ بهذا المنهج، ورسمه لمعاذ ذلك حين أوصاه أن يبدأ بتعليم القوم الذي بعثه إليهم بأمور العقيدة وتوحيد الله تعالى، التي تعدّ من أولويات هذا الدين بل في مقدمتها، ثم وصّاه عليه الصلاة والسلام بالانتقال من هذا الأهم إلى المهم المتمثل في العبادات والفروض، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله،فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (1) .
6 – التخطيط السليم في الدعوة:
إن العمل في الدعوة يحتاج مثل أي عمل آخر إلى التخطيط السليم قبل القيام بأي خطوات عملية، وهذا كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته القولية والعملية، فقد اختار في واقعة الهجرة أبا بكر ط ليكون صاحبًا له في الطريق، وهاجر سرًّا وأخذ طريق البحر، واختفى فترة في غار ثور، وكان يتحرى أخبار قريش، إلا أن وصل إلى المدينة بسلامة دينه وحياته، وقد فكّر عليه الصلاة والسلام وخطط لهذه الهجرة من قبل، ولم تكن أمرًا عفويًا حدث فجأة من غير تخطيط أو تفكير.
7 – المحاسبة والتقويم:
وتعني أن تكون هناك مراقبة دائمة للعمل الدعوي من جوانبه المختلفة، في الأشخاص والأدوات والوسائل وفي طبيعة العمل وكيفيته، واستدراك نقاط الضعف والتقصير فيه بإصلاحها وتقديم الأفضل منها، كما يدخل في المحاسبة والتقويم القيام بمراجعات بين الفترة والأخرى للماضي الدعوي والاستفادة من الأخطاء السابقة للحدّ منها ومن آثارها في المستقبل .
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: سمات الداعية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) سبق تخريجه.
ابو وليد البحيرى
2018-02-01, 09:48 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (8)
سمات الداعية (1-2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر سمات الداعية.
سادسًا: سمات الداعية:
من أجل أن تنجح مسيرة الدعوة إلى الله، وتُؤتى ثمراتها يانعة، فلا بد للداعية أن يتحلى بخُلق الدعاة ويقتدي في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيما يلي بعض تلك الخلال والصفات التي ينبغي التحلي بها في العمل الدعوية:
1 – الإخلاص والصدق:
وقد سبق الحديث عن ضرورة إخلاص النية لله تعالى في العمل الدعوي بأن يكون كل حركات الداعية وسكناته لله تعالى وألا يشوبها شيء للدنيا وزخرفها، وأن يكون طلب الأجر والثواب من الله وحده، كما قال الله تعالى:( يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( [هود: 51].
2 – العلم الشرعي:
وقد سبق الإشارة إليه أيضًا في بيان مقوّمات الدعوة، حيث لن ينجح العمل الدعوي إلا أن يكون لدى القائمين عليه العلم الشرعي الكافي لبيان الإسلام بتشريعاته وأحكامه، يقول الله تعالى في شأن أهل العلم والفرق بينهم وبين أهل الجهل والهوى الذين يتبعون المتشابه من الآيات والأحكام: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)[آل عمران: 7].
3 – الحلم والرفق:
ومن أهم ما ينبغي أن يتحلى به الداعية إلى الله الحلم والرفق في كل حركة أو سكن، فمن طبيعة الناس وفطرتهم أنهم يميلون إلى اللين والرفق في المعاملة، وينفرون من الشدة والغلطة فيها، تصديقًا لقوله تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران: 159].
وقد أمر الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب إلى فرعون ومخاطبته بالقول اللين رغم طغيانه وجبروته، فقال جل ثناؤه: ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه: 43 – 44].
4 – الصبر والتحمل:
إن الصبر في طريق الدعوة وتحمّل مشاقها مطلب ضروري ينبغي توافره في الداعية، فالتسرع والاستعجال والانفعال والتضجر كلها من مناقضات عمل الدعوة إلى الله، فمن أراد أن يسير في هذه الطريق لا بد أن يعرف معالمها ويتصور عقباتها، حتى يتزوّد بسلاح الصبر والتحمل، فالتحديات كثيرة التي تقف في وجه الدعوة وتحاول وأْدَها، فلا بد من الصبر لصدّها، وكذلك فإن دعوة الناس أمر يتطلب الصبر والمصار، لاختلاف أطباعهم وقدراتهم وتصوراتهم.
وقد تعرّض النبي صلى الله عليه وسلم لشتى أنواع الأذى والمعاناة، خلال مسيرته الدعوية، ولكنه ثبت على الطريق بالصبر والتقوى، حتى مكّنه الله تعالى ونصر دينه وأعلى كلمته، وكان الله تعالى يواسي نبيه عليه الصلاة والسلام ويأمره بالصبر فقال: ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) [النحل:127]، وقال جل شأنه: (و َلَنَبْلُوَنَّك ُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: بقية من سمات الداعية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ابو وليد البحيرى
2018-02-04, 09:51 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (9)
(سمات الداعية (2-2))
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر بقية من سمات الداعية.
5 – التواضع وعدم الكبر:
وذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يسلم على الصغير والكبير، والضعيف والمسكين، ويسأل عنهم، ويشاركهم في أفراحهم، ويواسيهم في أحزانهم، فعن أنس بن مالك قال: «كانت الأمَة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت»(1) .
عن عبد الرحمن العائشي عن بنت لخباب ، قالت: «خرج خباب في سرية فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدنا حتى كان يحلب عنـزًا لنا، قالت: فكان يحلبها حتى يطفح أو يفيض»(2) .
فكان على الداعية أن يتسم بهذه الصفة ليكسب حب الناس وقربهم وسهولة التواصل معهم، لأن الناس مجبولة على حب التواضع وكراهية الكبر.
6 – توافق القول مع العمل:
وهذه صفة مهمة للداعية، حيث إن واقعه يحدد مدى تأثيره على الناس وتأثّرهم به، فالداعية الذي يوفّق بين القول والعمل يعطي صورة عملية لإسلامه وما يدعو إليه، فحذر من مخالفة هذه الصفة، قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ([الصف: 2-3]، وقال أيضًا: )أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ([البقرة: 44].
7 – الوعي بحال المدعو:
كما ينبغي للداعية أن يكون على دراية كافية بحال المدعو، بحيث يختار الوقت المناسب للمدعو في التحدث إليه بالموضوع الذي يتلاءم مع حاله في ذلك الوقت، وكذلك يكون حصيفًا في اختيار المكان المناسب لهذا الأمر، وهذا كله يبقى على مدى فهم الداعية ووعيه في ممارسة العمل الدعوي في الزمن والمكان المناسبين له، وبناء على ذلك تتحدد النتائج على هذا العمل، سلبًا أو إيجابًا.
هذه الصفات وغيرها، ضرورية للداعية أثناء عمله الدعوي، ويتوقف عليها نجاح هذا العمل إلى حدّ كبير، وإن غياب بعض هذه الصفات يعرقل المسيرة الدعوية، بل يسيء إليها ويشوّه صورتها المشرقة.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: القواعد المنهجية في الدعوة إلى الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه البخاري: (8/24رقم6072)، كتاب الأدب، باب الكبر.
(2) مسند أحمد: (6/372رقم27097) وفي إسناده ضعف.
ابو وليد البحيرى
2018-02-05, 06:05 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (10)
القاعدة الأولى: المقاصد والنيات (1-6)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نبدأ ببيان: القواعد المنهجية في الدعوة إلى الله تعالى.
القاعدة الأولى: الـمقاصد والنيات
مدخل: (صلاح العمل مرتبط بصلاح القلب، وصلاح القلب مرتبط بصلاح النية، فاطلب النية للعمل قبل العمل).
فالعمل الذي لا يصحبه الإخلاص صورة بلا حياة، وجثة بلا روح، والله تعالى إنما يريد من الأعمال حقائقها لا رسومها وصورها، وجاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»(1) .
وليس تشديد الإسلام في طلب الإخلاص، وتأكيده على تجريد النية لله، وتصحيح الاتجاه إليه وحده: ضربًا من التشديد أو العبث، فإن الحياة نفسها لا تستقيم ولا ترقى إلا بالمخلصين، وأكثر ما يصيب الأمم والجماعات من النكبات والكوارث القاصمة إنما يجره عليها أناس لا يرجون الله والدار الآخرة...
إن الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين: وجه لله، ووجه لشركائه، ولا أن تنقسم حياته إلى شطرين: شطر لله وشطر لغيره، فالإسلام يرفض الثنائية المقيتة، والازدواجية البغيضة، التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم، فتجد الرجل مسلمًا في المسجد أو في شهر رمضان، ثم هو في حياته، أو في معاملاته، أو في مواقفه إنسان آخر.
إن الإخلاص هو الذي يوحد حياة المسلم، ويجعلها كلها لله، فصلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين.
وإذا كان (الإخلاص) يمثل هذه الحقيقة العميقة، ويترتب عليه نجاح الإنسان في حياته الدنيوية ومنها الدعوية، وحياته الأخروية، فنقف معه بشيء من البسط في الكلمات الآتية:
معنى المقاصد والنيات:
يستعمل العلماء القصد والنية بمعنى واحد.
قال الخطابي في تعريف النية: «هي قصدك الشيء بقلبك، وتحرى الطلب منك له»(2) .
وقال الزركشي في قواعده: «حقيقة النية ربط القصد بمقصود معين، والمشهور: أنها مطلق القصد إلى الفعل».
وقال الماوردي: «النية قصد الشيء مقترنًا بفعله، فإن قصده وتراخى عنه فهو عزم»(3).
وقال القرافي: «هي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله»(4) .
وقال البيضاوي: «النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض، من جلب نفع، أو دفع ضرر، حالًا أو مآلًا، والشرع خصها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله، وامتثالًا لحكمه»(5).
ولا ريب أن النية التي صحت بها الأحاديث النبوية –وستأتي- إنما تتمثل في الإرادة الجازمة المصممة المتوجهة نحو الفعل، خيرًا كان أم شرًا، واجبًا أو مستحبًا، أو محظورًا، أو مكروهًا، أو مباحًا، ولهذا تكون أحيانًا نية صالحة محمودة، وأحيانًا نية سيئة مذمومة، حسب المنوى: أي شيء هو؟ وحسب المحرك الباعث: أهو الدنيا أم الآخرة؟ أهو وجه الله أم غيره؟
فليست النية إذن مجرد خاطرة تطرأ على القلب لحظة ثم لا تلبث أن تزول، فلا ثبات لها، يقول صلى الله عليه وسلم : «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به،أو تتكلم به»(6) ، وهذا يؤيد ما قاله بعضهم من أن النية ليست مجرد الطلب، بل الجد في الطلب(7) .
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: أهمية النية في تحقيق الإخلاص.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه مسلم: (4/1986رقم6543)، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره.
(2) أعلام الحديث للخطابي: (1/112).
(3) إتحاف السادة المتقين: (10،26،27).
(4) الذخيرة: (134:1).
(5) فتح الباري: (19:1).
(6) أخرجه البخاري: (1/71رقم2528)، كتاب العتق، باب الخطأ والنسيان في العتاق والطلاق، ومسلم: (1/116رقم 331)، كتاب الإيمان، باب بيان تجاوز الله تعالى عن حديث النفس.
(7) وتطلق النية ويراد بها تمييز الفعل وإن كانت صورة العمل واحدة مثل التفريق بين صلاتين متحدثين في الأفعال، فالذي يميز بينهما هو النية، وهذا المعنى ليس المقصود بالبحث هنا، وإنما ما ذكر وهو الإخلاص.
وإلى لقاء قادم إن شاء الله
ابو وليد البحيرى
2018-02-06, 09:30 AM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (11)
القاعدة الأولى: المقاصد والنيات (2-6)
أهمية النية في تحقيق الإخلاص
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر:أهمية النية في تحقيق الإخلاص
إن الإخلاص لا يتحقق في العمل إلا بعنصرين أساسيين:
الأول: استحضار النية فيه، فإنما الأعمال بالنيات، ومن أدى العمل أداء آليًا بغير نية طيبة، لم يدخل دائرة المخلصين.
والثاني: تجريد النية من الشوائب الذاتية والدنيوية، حتى تخلص لله سبحانه، فإن الله لا يحب العمل المشترك، ولا القلب المشترك، فالعمل المشترك لا يقبله الله تعالى، والقلب المشترك كذلك، جاء في الحديث الصحيح: أن رسول الله قال: قال الله عزَّ وجل: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل لي عملًا أشرك فيه غيري فانا منه بريء وهو للذي أشرك»(1) .
إخلاص النية أساس القبول:
إن أي عمل يقوم به المسلم في الحياة - فضلًا عن الدعوة إلى الله - لا يكون مقبولًا عند الله عز وجل، ولا يكتب في سجل الحسنات إلا إذا أقيم على ركنين – بعد الإيمان بالله -:
أولهما: الإخلاص، وتصحيح النية.
وثانيهما: موافقة السنة ومنهاج الشرع.
وبالركن الأول تتحقق صحة الباطن وبالثاني تتحقق صحة الظاهر، وقد جاء في الركن الأول قوله صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات»(2) ، فهذا هو ميزان الباطن، وجاء في الركن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم : «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»(3)، أي: مردود على صاحبه، وهذا ميزان الظاهر.
وقد جمع الله الركنين في أكثر من آية في كتابه الكريم، قال تعالى:( وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ) [لقمان: 22]، وقال تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ) [النساء: 125].
وإسلام الوجه لله: إخلاص القصد والعمل له.. والإحسان فيه أداؤه على الصورة المرضية شرعًا، ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
قال الفضيل بن عياض: «إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا،والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة... ثم قرأ الفضيل قوله تعالى: ) فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ( [الكهف: 110](4).
وقال ابن مسعود: «لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا بما يوافق السنة»(5) .
وبذلك يتبين مدى حاجة الأعمال الظاهرة إلى النيات، فالعبادات التي تخلو من النية لا قيمة لها أبدًا، كالعبادات التي يؤديها المرء نسيانًا أو سهوًا، أو هو نائم، أو غافل.
والعبادات التي تنبعث بنية غير صادقة لا تعتبر باطلة فحسب، بل يعاقب صاحبها بسبب قصده الفاسد.
فالعبادات التي يقوم بها المراؤون والمنافقون وعباد الدينار والدرهم وزرها عظيم، وحسابها شديد، يقول تعالى:( َوقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً) [الفرقان: 23].
ولذلك رتب الرسول صلى الله عليه وسلم الثواب والمغفرة في أكثر من عمل على القيام بالأعمال بنية صالحة، منها على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم : «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»(6) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : «من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد...»(7) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة»(8) .
فهذه أعمال متنوعة وغيرها كثير، الأجر متوقف فيها على صدق النية وسلامة المقصد، ومما يدل على ذلك صراحة قوله صلى الله عليه وسلم :«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»(9) .
ذلك أن النية رأس الأمر وعموده وأساسه واصله الذي عليه يبنى، فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها، يصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، ويعدمها الخذلان،وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، فكم بين مريد بالفتوى وجه الله ورضاه والقرب منه وما عنده، ومريد بها وجه المخلوق ورجاء منفعته وما يناله منه تخويفًا أو طعمًا فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة،وبينهما في الفضل والثواب أعظم مما بين المشرق والمغرب، هذا يفتى لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر، ورسوله هو المطاع، وهذا يفتى ليكون قوله هو المسموع، وهو المشار إليه، وجاهه هو القائم، سواء وافق الكتاب والسنة أو خالفهما، فالله المستعان.
وقد جرت عادة الله التي لا تبدل، وسنته التي لا تحول، أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو لائق به، فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء)(10).
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: أهمية النية في القرآن الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه مسلم: (4/289رقم7475)، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك غير الله في عمله.
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه مسلم: (1/22رقم1718)، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، وأصله متفق عليه بلفظ: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد».
(4) ينظر: علم الحديث لابن تيمية: ص: (183،172).
(5) العدة: (8:1).
(6) أخرجه البخاري: (1/16رقم38)، كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتسابًا الإيمان، وكتاب الصوم، باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ومسلم: (1/523رقم760)، كتاب الصلاة، باب الترغيب في قيام رمضان.
(7) أخرجه البخاري: (1/18رقم47)، كتاب الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان.
(8) أخرجه البخاري: (4/34رقم2853)، كتاب الجهاد والسير، باب من احتبس فرسًا في سبيل الله.
(9) سبق تخريجه.
(10) إعلام الموقعين: (199:4).
وإلى لقاء قادم إن شاء الله
ابو وليد البحيرى
2018-02-07, 07:19 AM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (12)
القاعدة الأولى: المقاصد والنيات (3-6)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر:أهمية النية في القرآن الكريم:
إذا كانت النية بهذه الأهمية التي ذكرنا بعضًا منها فيما مضى، فمبعثها اهتمام القرآن الكريم والسنة المطهرة بأمر النية.
لقد عني القرآن الكريم بالنية كثيرًا، ووردت بعبارات مختلفة مثل: إرادة وجه الله، أو إرادة الدار الآخرة، أو ابتغاء وجه الله، أو ابتغاء مرضاته، أو الإنابة أو الإخلاص، أو في سبيل الله... إلخ.
يقول الله تعالى: ( وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ) [آل عمران: 145].
ويقول تعالى: ( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) [الشورى : 20].
ويقول تعالى: ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً* وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً) [الإسراء: 18-19].
فهذه الآيات الكريمة تقسم الناس قسمين: مريد للدنيا، بمعنى أنه ليس له هدف سواها، ومصيره ما ذكرت الآية الكريمة: جهنم.
ومريد للآخرة، الذي جعلها هدفه، وسعى لها سعيها، فسعيه مشكور، وعمله مأجور، ومصيره الفوز بالجنة، والسعادة برضوان الله عز وجل.
ولذلك جاء الحث في القرآن الكريم على إرادة الآخرة: وهو الإخلاص.
يقول الله تعالى حثًا على التخلق بهذا الوصف والتحلي بهذا السلوك في كل عمل وفعل: ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ) [الزمر: 2].
ويقول سبحانه: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء ) [البينة: 5].
وكم أشاد القرآن الكريم بالمخلصين الذين لم يريدوا بأعمالهم إلا وجه الله تعالى يبتغون مرضاته، ولا يركضون وراء الناس وثنائهم.
من هؤلاء: الأبرار الذين يطعمون الطعام لوجه الله، لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورًا وهم الذين قال الله فيهم: ( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً* إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً* وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) [الإنسان: 5-12].
وعليه فيجب على المسلم أن يبتغي بعمله وجه الله سبحانه وتعالى، وبذلك يرجو قبوله عند الله، والمثوبة عليه في الآخرة.
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: أهمية النية في السنة النبوية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإلى لقاء قادم إن شاء الله
ابو وليد البحيرى
2018-02-08, 05:17 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (13)
القاعدة الأولى: المقاصد والنيات (4-6)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر:
أهمية النية في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم:
إن في السنة النبوية أحاديث كثيرة تشيد بفضل النية والإخلاص، مظهرة ما لها من أثر على الأعمال والعاملين، وهذا عرض لبعض النصوص في هذا الباب:
1 ـ النية مصدر قبول الأعمال:
روى النسائي بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لا شيء له»فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاشيء له»، ثم قال: «ألا إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغى به وجهه»(1) .
إن نوايانا هي التي تشكل أعمالنا وتوجهها، والعمل مهما تكن ضخامته وخطره، لا يكون جليلًا ولا يكتب له القبول الحق إلا بقدر ما تكون النوايا جليلة وصادقة، وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ حين وجهه إلى اليمن: «أخلص دينك يكفك العمل القليل»(2) .
2ـ الجزاء على العمل يتنوع بتنوع النية:
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الخيل ثلاثة، ففرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله، فعلفه وروثه وبوله حسنات في ميزانه يوم القيامة، وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي تستر من فقر»(3) .
ومن ثم وجب على المؤمن – خاصة الداعية - أن يحسن نيته، فإن ما افترق الناس في غالب أحوالهم إلا من هذا الباب، لأن الغالب على بعضهم تقارب أفعالهم، ثم إنهم يفترقون في الخيرات والبركات بحسب مقاصدهم وتنمية أفعالهم.
3- النية الصالحة تجعل العادة عبادة والمباح طاعة:
إن الإخلاص والنية الصالحة هما (إكسير) العمل، الذي إذا وضعا على أي عمل ولو كان من المباحات والعادات حوله إلى عبادة وقربة لله تعالى.
فعن أبي ذر أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»(4) .
قال القرطبي: فيه دليل على أن النيات الصادقات تقلب المباحات إلى الطاعات(5).
4- صدق النية يثمر نجاح العمل ولو وقع خطأ أو لم يتم:
عن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس ، قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن»(6).
وعن أبي كبشة الأنماري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«...إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلمًا، فهو يتقى فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أن لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرها سواء...»(7) .
5- صدق النية يثمر للعبد كفاية الله ومعونته:
من بركات النية الخالصة أن صاحبها يستجلب عون الله له، وقرب الله منه، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله»(8) .
وفي رواية ابن حبان والحاكم من حديث ميمونة: «ما من أحد يدان دينًا يعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أداءه الله عنه في الدنيا»(9) .
وقد جاء عن عمر في رسالته الشهيرة في القضاء قوله: «فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله».
قال ابن القيم في شرح هذه الكلمات: «هذا شقيق كلام النبوة، وهو حري بأن يخرج من مشكاة المحدث الملهم، وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره، وانتفع غاية الانتفاع، فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله، والثانية أصل الشر، فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى، وكان قصده وهمه وعمله لوجهه سبحانه كان الله معه، فإنه سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق، والله سبحانه لا غالب له، فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء؟ فإن كان لله مع العبد فمن يخاف؟ وإن لم يكن معه فمن يرجوا؟ وبمن يثق؟ ومن ينصره من بعده؟»(10).
وفي السنة نصوص كثيرة توضح قدر النية وتظهر فضل الإخلاص لكننا نكتفي بما ذكرناه، ففيه الخير والكفاية.
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: مواصفات الدعاة المخلصين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه النسائي: (6/25رقم3140)، كتاب الجهاد، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر.
(2) أخرجه الحاكم: (4/341رقم7844)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعقب الذهبي بقوله: لا، يعني غير صحيح. واستشهادنا به هنا لمعناه، فالمعنى صحيح.
(3) أخرجه أحمد: (1/395رقم3756)، وقال الهيثمي في المجمع: (5/261،260)، رواه أحمد ورجاله ثقات، فإن كان القاسم بن حسان سمع من ابن مسعود، فالحديث صحيح، قلت في سنده: شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيء الحفظ، لكن له شواهد تقويه.
(4)أخرجه مسلم: (2/697رقم1006)، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من أنواع المعروف.
(5) المفهم: (522،3).
(6) أخرجه البخاري: (2/138رقم1422)، كتاب الزكاة، باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر.
(7) أخرجه الترمذي: (4/562رقم2325)، كتاب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا أربعة نفر، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(8) أخرجه البخاري: (2/139رقم2387)، كتاب الاستقراض، باب من أخذ أموال الناس يريد أدائها أو إتلافها.
(9) موارد الظمآن، كتاب البيوع ص: (282)، ومستدرك الحاكم: (27،2).
(10) إعلام الموقعين: (178،2).
وإلى لقاء قادم إن شاء الله
ابو وليد البحيرى
2018-02-11, 02:22 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (14)
القاعدة الأولى: المقاصد والنيات (5-6)
مواصفات الدعاة المخلصين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر: مواصفات الدعاة المخلصين:
إذا كان فيما سبق بيان لقدر الإخلاص وقيمة النية، فإنه يجب على الدعاة أن يدركوا عظم أمر الإخلاص ويستشعروا الحقائق التالية:
أولًا: أن يقصدوا من دعوتهم وجه الله تعالى، وأن يحذروا المقاصد الدنيوية المتنوعة.
ثانيًا: أن تكون جميع تصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم الاجتماعي على وفق شريعة الله.
ثالثًا: أن يحاسبوا أنفسهم بشكل دائم ومستمر، وأن يتساءلوا ماذا يريدون من تبليغ الدعوة؟ وماذا يقصدون من دعوة الناس؟
رابعًا: أن ينظروا إلى أفعالهم هل هي مطابقة لأقوالهم ولسان حالهم؟
خامسًا: أن يحذروا مكائد الشيطان، ووساوس النفس والهوى، وفتنة العجب ومزالق الرياء(1). فإن هذا من أكبر المزالق، وأعظم الأخطار.
سادسًا: أن يحسنوا الظن بالمسلمين، ولا يسيئوا الظن بهم وبأعمالهم، ففي الحديث: «إن أقوامًا بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعبًا ولا واديًا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر»(2) .
فالدعاة إلى الله إذا أدركوا هذه الحقائق، واتصفوا بهذه المواصفات، ساروا صادقين في درب الإخلاص، ومضوا مخلصين في طريق الدعوة، وحقق الله سبحانه على أيديهم إصلاح البشر، وهداية الناس وبرئت ذممهم، بل إن الناس يتأثرون بهم، ويستجيبون لدعوتهم، ويقبلون هدي الله عز وجل طائعين مختارين.
لماذا كان الإخلاص ضرورة للدعاة؟:
إن العمل لنشر الإسلام وعودته لقيادة الحياة بعقيدته وشريعته وأخلاقه وحضارته، إنما هو عبادة وقربة إلى الله عز وجل من ناحية، وجهاد في سبيل الله من ناحية أخرى، وتجريد النية لله في هذه العبادة وذلك الجهاد: أمر أساس لقبول العمل ولنجاحه معًا، فالنية المدخولة تفسد العمل، وتلوث النفس، وتضعف الصف، وتحبط الأجر، والنية الصالحة، تصلح العمل، وتقوي العزم، وتفسح الطريق، وتعين على إزالة العقبات، قال تعالى: (إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا ) [النساء: 35]، فدل على أهمية الإرادة والنية في إنجاز المهمة المنشودة، فهي سبب توفيق الله تعالى وتأييده.
وقد كتب سالم بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز ناصحًا له، فقال: «اعلم أن عون الله تعالى للعبد على قدر النية، فمن تمت نيته تم عون الله له، ومن نقصت نيته نقص بقدره».
ولهذا السر بدأ الأمام البخاري كتابه «الجامع الصحيح» بهذا الحديث الذي عده بعض العلماء ربع الإسلام أو ثلثه: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه»(3).
إن على المسلم العامل للإسلام أن يفتش في قلبه عن حقيقة نواياه وبواعثه، فإن كان فيها حظ للدنيا أو للشيطان، جاهد أن ينقى قلبه من دخله، وأن يجرد نيته لله، وأن ينذر نفسه محررًا لربه، كما قالت امرأة عمران ( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران: 35]، وهذه الكلمة من أم مريم ( مُحَرَّراً ) توحي بأن سنة الله ألا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا من كل شركة محررًا من كل عبودية لغيره.
إن الحياة لا يسود فيها الحق، وينشر الخير، وتعلو كلمة الإيمان، وتخفق أعلام الفضيلة: بانحراف النوايا، ولا بطلب المغنم من الدنيا، ولا بالمرائين الذين لا يعملون إلا ليراهم الناس، ويسمعوا بهم، ويتحدثوا عنهم، ويشيروا إليهم بالبنان، بل ينتصر الحق والخير والإيمان والفضيلة بالمخلصين الذين يعتنقون المبادئ بإخلاص لله ورغب ورهب(4) .
إن الداعية الحق لا يجري وراء المطامع، ولا يخطف بصره بريق الشهرة، ولا يجذب قلبه سطوة الجاه والنفوذ... إن الدنيا ليست أكبر همه، ولا مبلغ علمه، إن أكبر همه أن يتقبله الله في عباده الصالحين، وجنده الصادقين، وحزبه المفلحين.
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم :: «لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت، فإذا طلبت الإخلاص، فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص»(5).
ويقول الغزالي : في كلام نفيس يسطر بماء من ذهب: بعد أن ذكر فتنة حبّ الجاه والظهور والشهرة والمحمدة عند الناس وبخاصة لدى الدعاة والعلماء: «وأشد الخلق تعرضًا لهذه الفتنة العلماء، فإن الباعث للأكثرين على نشر العلم لذة الاستيلاء والفرح بالاستتباع، والاستبشار بالحمد والثناء، والشيطان يلبس عليهم ذلك ويقول: غرضكم نشر دين الله، والنضال عن الشرع الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترى الواعظ يمنُّ على الله تعالى بنصيحة الخلق، ووعظه للسلاطين، ويفرح بقبول الناس قوله وإقبالهم عليه، وهو يدعى أنه يفرح بما يسّر له من نصرة الدين، ولو ظهر من أقرانه من هو أحسن منه واعظًا، وانصرف الناس عنه، واقبلوا عليه ساءه ذلك وغمه، ولو كان باعثه الدين لشكر الله تعالى، إذ كفاه الله تعالى هذا المهم بغيره، ثم الشيطان مع ذلك لا يخليه، ويقول: إنما غمك لانقطاع الثواب عنك لا لانصراف وجوه الناس عنك إلى غيرك، إذ لو اتعظوا بقولك لكنت أنت المثاب، واغتمامك لفوات الثواب محمود، ولا يدري المسكين، أن انقياده للحق، وتسليمه الأمر أفضل وأجزل ثوابًا، وأعود عليه في الآخرة من انفراده.
فمعرفة حقيقة الإخلاص والعمل به بحر عميق، يغرق فيه الجميع، إلا الشاذ النادر، والفرد الفذ، وهو المستشفى في قوله تعالى: ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: 83](6).
إنها كلمات حرية بالتأمل من كل داعية، تغوص في أعماق النفوس، وتصارحها بخفاياها.
إن وضوح هذا الهدف أمر ضروري للعاملين في الدعوة، فقد يكون هدفهم تصحيح العقيدة أو نشر الشريعة، أو عودة مجد أو حضارة أو نحو ذلك من الأهداف التي يسعون إليها، ويحرصون على تحقيقها، ولكن هدف الأهداف، وغاية الغايات من وراء ذلك كله، هو: رضوان الله عز وجل.
وسنذكر في الحلقة التالية بإذن الله تعالى: النتائج المترتبة على مخالفة قاعدة [إخلاص النية في عملية الدعوة].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) مدرسة الدعاة: (136،1).
(2) أخرجه البخاري: (4/31رقم2839)، كتاب الجهاد، باب من حبسه العذر من الغزو.
(3) سبق تخريجه.
(4) النية والإخلاص: ص:( 97-98) بتصرف.
(5) ينظر: منزلة الإخلاص من كتاب مدارج السالكين.
(6) إحياء علوم الدين: (369،4).
ابو وليد البحيرى
2018-02-13, 05:55 AM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (15)
القاعدة الأولى: المقاصد والنيات (6-6)
النتائج المترتبة على مخالفة قاعدة إخلاص النية في عملية الدعوة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر: النتائج المترتبة على مخالفة قاعدة [إخلاص النية في عملية الدعوة]:
لا شك أنه يترتب على الانحراف عن هذه القاعدة الثمينة العظيمة آثار سلبية على الداعية والدعوة نفسها، أوجز بعضها فيما يلي:
1 - إن غياب الإخلاص - مع ما سبق - يعرض الداعية إلى الرد وعدم القبول، ويعرض الدعوة إلى التلاشي والاضمحلال، ويورث في القلوب نوايا الدنيا بشهواتها، ويوقعها في شراك الشيطان وأعماله.
2 - كما يفتح عدم الإخلاص وتشعب النوايا الباب على مصراعيه لإتباع الشيطان، وأعداء الدعوة ليقدحوا في الدعوة نفسها فضلًا عن الداعية الذي انحرف قصده ومال بنيته يمينًا ويسارًا.
3 - وإن مخالفة هذه القاعدة قد ينشأ عنه مجموعة من الناس يندسون في صفوف الدعوة، كلامهم كثير، وعملهم قليل، يقلون عند الفزع، ويكثرون عند الطمع، يتخذون الدعوة قنطرة إلى مآربهم، وسلمًا إلى مطامعهم، متظاهرين بالتقوى، متوسلين بالقول المعسول، والحماس المفتعل، والملمس الناعم، وباطنهم خراب وقلوبهم هواء، وذلك شر ما تصاب به الدعوات الربانية، وقد حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك حين قال: «يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل: أبيَ يغترون أم علي يجترئون؟ فبي حلفت: لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحكيم منهم حيرانًا»(1).
4 – ومخالفة هذه القاعدة يورث التحزب والتنافر وتبادل الاتهامات، وتشيع الدعاة إلى فرق وأحزاب، فكل يدعي أنه الصواب وغيره الخطأ، ويلمز ويغمز بالآخرين، ومن ثم فشل الدعوة نفسها، وعدم الوصول إلى أهدافها.
وأخيرًا: إن هذه القاعدة جدٌّ وليست هزلًا تحتاج إلى مصارحة ومكاشفة للنفس – كما سبق في كلام الغزالي : – ومراجعة بين وقت وآخر كما قال سفيان الثوري :: «ما عالجت شيئًا أشد عليّ من نيتي».
هذه هي القاعدة الأولى، ومنطلق الدعوة، فليبدأ الداعية بتحريرها وتجريدها. حقق الله تعالى ذلك.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: القاعدة الثانية: وضوح الرؤية والهدف في عملية الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه الترمذي: (4/604رقم2404)، كتاب الزهد، باب خاتلي الدنيا بالدين، وفي سنده يحيى بن عبد الله بن موهب تكلم فيه شعبه، وذكر الترمذي شاهدًا له من حديث ابن عمر (2405)، وقال: حديث حسن غريب.
ابو وليد البحيرى
2018-07-04, 11:28 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (16)
القاعدة الثانية : وضوح الرؤية والهدف (1-7)
تحديد الهدف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ،،
ففي هذه الحلقة نذكر: وضوح الرؤية والهدف .
مدخل: (قيمة كل دعوة، وواجهة كل بلاغ في الهدف الذي يسعى الداعي إلى تحقيقه من وراء دعوته، ويرمي إلى تحصيله من خلال بلاغه، وكلما كان الهدف محددًا، والرؤية واضحة كان السير صحيحًا والعمل متزنًا والثمرة يانعة، وغاية الدعوة: رضي الله تعالى، وتحقيق عبودية الله في أرضه، وعمارة الكون عن طريق البلاغ).
تحديد الهدف:
إن تحديد الهدف من أي عمل يقوم به الإنسان هو الخطوة الأولى للتخطيط الناجح، وذلك لأنه أعني ـ تحديد الهدف ـ يتوقف عليه نوع الدراسة الموصلة إليه كما يترتب عليه نوعية الوسائل التي يجب استعمالها لبلوغه، ومثل الذين يعملون من غير أن يحددوا أهدافهم، كمثل إنسان يضرب في الصحراء دون أن يكون معه دليل يرشده أو قائد يهديه، ولا شك أنه سيظل يسير حتى يمل السير، ويضرب في الأرض حتى يضطرب ويختل، والله عز وجل قد علمنا ذلك فلما أراد أن يخلق آدم عليه السلام حدد الغاية من خلقه فقال عز من قائل للملائكة: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30]، وقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، ثم وضح الوسائل المؤدية إلى ذلك بالشريعة التي شرعها لعباده، كما حدد -سبحانه- الهدف من إرسال الرسل فقال –جل شأنه-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ، ثم برهن -سبحانه- بطريق النقل والعقل على صحة الهدف الذي دعاهم إليه ) (1) .
هكذا علمنا الإسلام أن نحدد الهدف، ثم خطط لاتخاذ الوسائل الموصلة.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: أهداف الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) انظر: أسس الدعوة وآداب الدعاة: ص: (43).
ابو وليد البحيرى
2018-07-15, 02:02 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (17)
القاعدة الثانية : وضوح الرؤية والهدف (2-7)
أهداف الدعوة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نذكر: أهداف الدعوة:
الأهداف هي الغايات، وكل داعية مطالب بتوجيه هذا السؤال إلى نفسه: لماذا أدعوا؟ وماذا أريد؟
والإجابة على هذا السؤال هي مبدأ كل عمل من الأعمال، وعلى ضوء الجواب يتحدد الجهد المطلوب والزمن الكافي والوسائل والأساليب والبرامج.
وهناك نوعان من الأهداف:
الأول: الهدف الأكبر، الذي هو الثمرة الرئيسة.
الثاني: الأهداف المرتبطة بأزمنة محددة أو أمكنة معينة أو أفراد معينين أو أعمال معينة، وهذه الأهداف بعضها يسلم للآخر، وبعضها أكبر من بعض، وكلها يستوعبها الهدف الأكبر والغاية العظمى، ويحدث أحيانًا خلط بين الأهداف الصغرى والأهداف المتوسط والأهداف الكبرى، وعندها تقل إنتاجية العمل، ويستنفد الدعاة جهدهم بعيدًا عن الهدف الأكبر.
فبعض الدعاة يجيب على سؤال: لماذا أدعوا؟
فيقول: أدعو إلى تزكية النفوس لقول الله تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس : 9-10]، وللوصول إلى هذا الهدف نجمع المريدين، ونطبق عليهم نظامًا يقوم على الأوامر السلوكية والأوراد والأذكار، وينبغي أن يصرف الاهتمام كله لهذا الهدف.
وداعية آخر يقول: الهدف إعانة الفقراء والمساكين والإحسان إليهم لقول الله تعالى: ) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ( [المدثر: 42 -44]، ولتحقيق هذا الهدف لابد من دعوة أهل الخير إلى الإحسان، وبذل الصدقة وإيتاء الزكاة، وعليه فإنشاء الجمعيات الخيرية خير وسيلة لتحقيق هذا الهدف.
وداعية ثالث يقول: الهدف تحرير المسائل العلمية المختلف فيها وجمع الأحاديث الصحيحة، ولتحقيق هذا الهدف لابد من عقد حلقات العلم وإنشاء المدارس والمؤسسات المتخصصة وطباعة الكتب.
وداعية رابع يقول: الهدف هو الوصول بالمسلمين إلى درجة عالية من الوعي السياسي الذي يطلعهم على مخططات الأعداء وما يستخدمونه من الوسائل لتنفيذ هذه المخططات، وتحقيقًا لهذا الهدف فلابد من القيام بالدراسات المتخصصة المعمقة والاطلاع على ما يقال وينشر عن الإسلام.
إلى جانب هذه الأهداف نجد بعض الدعاة يرضى بأهداف أصغر من ذلك، وبالرغم من أهمية بعض هذه الأهداف إلا أن السؤال يبقى قائمًا: هل هناك أهداف أكبر وأشمل؟
وإن نظرة سريعة إلى مستويات الأهداف يظهر لنا أن هناك أهدافًا متنوعة تجتمع في الهدف الأكبر وهو تحقيق رضا الله جل وعلا من خلال تعبدنا له في هذه الحياة، وعمارة الكون.
ويندرج تحت هذا الهدف الأعظم أهداف توصل إليه.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: عبادة الله أعظم الأهداف.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ابو وليد البحيرى
2018-07-19, 01:39 AM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (18)
القاعدة الثانية : وضوح الرؤية والهدف (3-7)
عبادة الله أعظم الأهداف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نبين أن: عبادة الله أعظم الأهداف:
ولا يشك أحد من الدعاة بأن أعظم الأهداف وأشرفها هو عبادة الله عز وجل، فمن أجلها خلق الله الخلق، ومن أجلها أرسل الرسل وأنزل الكتب، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25].
إن هاتين الآيتين الكريمتين حددتا معالم الدعوة الرئيسة، ووضحتا الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين، فالدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والكفر بالطواغيت والتنديد بالوثنية وإظهار عجز ما دون الله –عز وجل- وافتقاره إلى كل ما يفتقر إليه جميع المخلوقات هو الأساس الأول للدعوة إلى الله –تبارك وتعالى- وكل ماعدا ذلك من التشريع إنما يحصل نتيجة حتمية للإيمان بهذا الركن.
إن الإيمان بوحدانية الله، وإلهيته، وأسمائه وبصفاته التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يستدعي بغير جدال الإيمان بالرسل والكتب والملائكة واليوم الآخر والقضاء والقدر، حيث إن الله –سبحانه وتعالى- الذي آمنا به قد دعانا إلى الإيمان بكل ذلك، فمن تحقيق الإيمان بالله الإيمان بكل ما طلب منا الإيمان به.
وختام الآية الأولى بالانضمام إلى الآية الثانية يحدد أبعاد هذه الدعوة ويوضح الغاية منها توضيحًا لا لبس فيه ولا غموض، تأمل قوله تعالى: (إِلَّا لِيَعْبُدُوْنَ) وأمعن النظر في قوله – جل شأنه -: ( فَاعْبُدُونِ )، فعبادة الله عز وجل طاعته في كل ما أمرنا به واجتناب كل ما نهانا عنه، وبهذا تتحقق العبودية الخالصة، وتلك هي الغاية من إرسال الرسل وخلق الخلق، فالدعوة إذن واضحة المعالم، محددة الأبعاد.
قد حمل المسلمون الأوائل هذا الهدف، وكان واضحًا في أذهانهم، جليًا في أقوالهم وأفعالهم وسائر تصرفانهم فقد رسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسهم، وعمقه في وجدانهم، فهو يذكرهم بحق الله على عباده قائلًا: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا» (1) .
وهو صلى الله عليه وسلم يربيهم على أن يكون هذا الهدف هو أول مطلوب في الدعوة، فيقول لمعاذ رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل...»، ومن ثم وجدناهم رضي الله عنهم ينطلقون بهذا الهدف داعين الناس إليه مرغبين الخلق فيه لا يثنيهم عائق ولا يضعفهم إغراء أو قوة، فهذا ربعي بن عامر رضي الله عنه، وقد سأله قائد الفرس: ما الذي جاء بكم؟ فيجيبه دون وجل أو خوف: «إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة» (2) .
وإذا كان هذا هدف الدعوة وتلك غايتها، فإن الداعية الناجح هو الذي يعمل على إنجاز أهداف الدعوة وتحقيق غاياتها، ومعلوم أن النجاح الأتم في الدعوة هو قبول الحق والعمل به، ورفض الباطل والإقلاع عنه، فهو قناعة نظرية واستجابة عملية، فإذا حصل إعراض وعدم قبول من المدعو للداعي فهذا ليس دليلًا على عدم نجاح الداعية، إذ أن الهداية من عند الله، يقول الله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) [القصص: 56].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي النبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان والنبي وليس معه أحد»، وهذا قطعًا لا يدل على عدم نجاح هؤلاء الأنبياء، وإنما يدل على عدم وجود القابلية عند المدعوين.
فالنجاح إذن هو القيام بالواجب على الوجه الأكمل وكثيرًا ما تتحقق به النتائج وقد تتخلف لحكمة عند الله، وبهذا يتضح أنه لابد من أسس يلزم توافرها للداعية في شخصيته وممارسته ومفاهيمه التي تؤدي إلى حصول الهداية وتحقيق أثر الدعوة.
وخلاصة ما سبق يمكن أن يتحدد في النقاط الآتية:
1- من المهم جدًا للداعية أن يحدد هدفه الذي يسعى لتحقيقه، ويريد أن يصل إليه، وأن يكون واضحًا لدى الداعية.
2- ومن المهم أن يدرك أن الهدف الأعلى والأكبر لكل داعية ودعوة هو السعي لإخراج العباد من عبادة الهوى والدنيا إلى عبادة الله وحده، ومن ثم الوصول إلى رضي الله سبحانه وتعالى، وما أعده سبحانه لعباده الداعية إليه.
3- ومن المهم تحديد الأهداف القريبة التي يريد تحقيقها وتوصل إلى الهدف الأكبر مثل:
- نشر العلم الشرعي بين الناس.
- تعميق العقيدة في نفوس الناس.
- نشر الخير والمعروف والفضائل.
- إنكار المنكرات الظاهرة.
- تربية الناس على الأخلاق.
- نشر المفاهيم الصحيحة المنبثقة من الكتاب والسنة.
- توعية الناس بالواجبات الشرعية.
- تربية الأسرة على الدين.
- تحفيظ القرآن الكريم للناشئة.
- نشر السنة النبوية، وغيرها من الأهداف التي يعمل الداعية لتحقيقها.
4- قد ينبثق من الهدف المحدد أهداف أخرى أقل، وعلى الداعية ألا يستكبر هدفًا، وألا يستصغر أخر فكلٌ يحدد هدفه وأهدافه في ضوء إمكاناته وقدراته وفي ضوء الحاجة إليه.
أظنك أخي الداعية تستطيع تحديد أهدافك البداية الجادة.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: مواصفات الهدف أو ضوابط الهدف الصحيح.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه البخاري: (8/74رقم5967)، كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجال، ومسلم: (1/58رقم30)، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا.
(2) البداية والنهاية: (7/39).
ابو وليد البحيرى
2018-07-25, 04:02 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (19)
القاعدة الثانية : وضوح الرؤية والهدف (4-7)
مواصفات الهدف أو ضوابط الهدف الصحيح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نبين: مواصفات الهدف أو ضوابط الهدف الصحيح:
لكي يحقق الداعية هدفه من دعوته، ويصل إلى ما يصبوا إليه فعليه أن يحدد هدفه وفق مواصفات واضحة يمكن إجمالها فيما يلي:
1- أن يكون الهدف شرعيًا بذاته فلا يقوده حماسة معينة، أو خطأ اجتماعي، أو بعد كثير من الناس عن الهدى، أو عمل جاد لأهل الباطل، أو غير ذلك من العوامل إلى أن يجعل هدفه غير شرعي.
ومثال ذلك كأن يجعل هدفه تتبع أهل الباطل فيقوده ذلك إلى القدح فيما لا يُقدحون فيه، أو نقد ذواتهم، فهذا انحراف عن الهدف الشرعي إلى هدف غير شرعي.
ومثال آخر: أن يكون هدفه الإصلاح العام لكن يحدد هدفه الموصل إلى هذا الهدف بتدمير منشأة أو قتل معصوم.
ومثال آخر: أن يكون هدفه تربية الشباب على الخير، ونقلهم من حياة اللهو والعبث والضياع، فيحدد للوصول إلى ذلك أهدافًا أخرى منها: التساهل في السلوكيات الشرعية مثل سماع المعازف والجلوس في مجالس الغيبة النميمة بحجة استمالة قلوبهم.
ومثال آخر: أن يكون هدف الداعية رعاية الأيتام والأرامل فيحدد هدفًا للوصول إلى ذلك هو جمع المال ولو كان من الحرام فيتساهل في ذلك في ذلك حتى يصل إلى تكوين جمعية الأيتام.
فهذه نماذج لأهداف جزئية تحرف الداعية عن الأهداف الصحيحة وتوقعه في محظورات متنوعة في دعوته دنيا وأخرى (1) .
2- أن يكون الهدف واقعيًا وممكن التطبيق، فلا يكون خياليًا أو فوق طاقة الداعية، أو يجنح نحو مثالية لا يتصور تطبيقها في الواقع، أو يقلد آخرين تختلف إمكاناتهم عن إمكاناته، ووسائلهم المتاحة لديه تختلف عن وسائلهم ونحو ذلك.
مثل: أن يكون هدفه نشر العلم الشرعي فيجعل من نفسه مفتيًا أو موجهًا أو معلمًا شرعيًا وهو لم يتأهل التأهل الشرعي بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية»، ومن ثم تراه يخبط في الأحكام الشرعية، ويتناقض فيها، ويتخذ المواقف من الأحداث مبنية على مجرد الحماسة، أو الهوى، أو نظرية العقلية المجردة.
ولا أبالغ إذا قلت إن كثيرًا من الفشل الواقع في بعض الدعوات ومن بعض الدعاة هو بسبب هذا الأمر.
3- أن يكون الهدف أو الغاية سليمة من حيث تطبيقها فلا تتعارض مع غيرها، ولا تضر غيره.
ومعنى ذلك أن الهدف قد يكون مباحًا، بل ومأمورًا به شرعًا لكنه يتعارض مع غيره عند تطبيقه، أو يضر بغيره، وذلك مثل أن يكون هدفه تربية النشئ على تحفيظ القرآن الكريم أو تعليمهم مبادئ الدين ، لكن هذا الداعية قد يحدد هذا الهدف مع معارضة هؤلاء النشئ لوالديهم، فيتعلق هذا النشئ بهذا المربي مع وقوعه في كبيرة من كبائر الذنوب وهو عقوق الوالدين.
ومثال آخر: أن يكون هدف الداعية أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر لكنه يتعدى بهما إلى الضرب أو الإيذاء وهو ليس من سلطته ذلك.
وبناء على ما سبق يجب أن يكون هدف الدعوة والداعية شرعيًا، وواقعيًا، وممكن التطبيق، ولا يتعارض مع غيره حتى يصل إلى تحقيقه بإذن الله تعالى.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) لا يخفى أن الأهداف الجزئية قد يسميها البعض وسائل، والمهم إذا عرف المقصود فلا مشاحة في السميات.
ابو وليد البحيرى
2018-08-30, 04:37 AM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (20)
القاعدة الثانية : وضوح الرؤية والهدف (5-7)
ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة- المَعلم الأول
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نبين: ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة- المعلم الأول:
ويقصد بذلك المعالم التي يستعين بها الداعي لصياغة هدفه ووضوح رؤيته.
1-المعلم الأول: التخطيط الواعي:
إن الدعوة إلى الله بحاجة ماسة إلى تخطيط قويم يعنى به دعاة اليوم كما عني بها دعاة الأمس من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة رضوان الله عليهم.
إن المتفحص في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى أنه كان عليه الصلاة والسلام يُعنى بالتخطيط، فقد كان صلى الله عليه وسلم يختار النماذج الصالحة لأن تكون رسلًا بالبشارة بالإسلام وهداية الناس إليه، فقد أرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة، وأرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وحبيب بن زيد رضي الله عنه إلى مسيلمة الكذاب، وقد كان يخبرهم بأحوال هذه المجتمعات وما هي عليه وما يصلح لها من دعوة.
وقد أقام نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم دار الرقم بن أبي الأرقم لتربية الصحابة وتعليمهم أمور الإسلام، وقد عاش بدعوته السرية ثلاث سنوات حتى كثر أتباع هذه الدعوة وأصبح لها قيمة في المجتمع المكي، وكذا كانت الهجرة النبوية تمضي بخطة مدروسة محكمة آتت ثمارها الحسنة والإيجابية.
إن التخطيط الواعي للدعوة هو الذي يوصل إلى النتائج المثمرة بأقصر الطرق بعد توفيق الله سبحانه وتعالى باستخدام أفضل الوسائل، أرقى الأساليب، والإفادة من وسائل الاتصال المعاصرة والتقنية الحديثة المتطورة لتصل إلى كل قلب.
إن ما ينبغي بيانه والتأكيد عليه أن البذرة مهما كانت صالحة فإنها تحتاج في نمائها إلى صلاح الأرض، وطيب التربة، وملاءمة الطقس، وكذلك كلمة الحق رغم أنها تحمل في داخلها تأثيرًا طبيعيًا، فإنها تحتاج إلى أن يراعي الداعية عند عرض الدعوة أوضاع المخاطب النفسية، فإن القلوب والنفوس تختلف إقبالًا وإدبارًا وتقدمًا وتخلفًا ورغبةً وإعراضًا بفعل الملابسات والأحوال التي تتناوبها، كاختلاف المواسم والفصول تمامًا في الملائمة لشيء ما أو عدم الملائمة له.
والخلاصة: أن على الداعية أن يخطط لعمله الدعوي، ولا يعني التخطيط الإيغال في الكتابة والورق، أو الجلوس على الطاولة وقتًا طويلًا، وإنما يعني أن يدرك عمله، وماذا يريد أن يصل إليه، والخطوات الني يريد القيام بها في ضوء الوسائل المتاحة لديه.
ولنضرب لذلك مثالًا: معلم جعل هدفه تقويم سلوك تلاميذه مع مادته العلمية.
فالتخطيط أن يقيد الموضوعات التي يريد طرحها، والزمن الذي يستغرقه، ومدى قياس التأثر والتأثير، والأسلوب الذي يريد طرح أفكاره فيه هل هو القصة المؤثرة؟ أو أسلوب الاستفهام؟ أو الترغيب والترهيب؟ ونحو ذلك، وبهذا سيكون نتاج دعوته عظيمًا بإذن الله تعالى.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: المَعلم الثاني من ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ابو وليد البحيرى
2018-09-14, 09:31 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (21)
القاعدة الثانية : وضوح الرؤية والهدف (6-7)
ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة- المَعلم الثاني:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نبين: ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة- المعلم الثاني:
2-المعلم الثاني: العلم والبصيرة:
إن من أعظم ضروريات الدعوة إلى الله تعالى أن يكون الداعية عالـمًا مدركًا لما يدعوا إليه، فقيها فيه بخاصة.
قال تعالى: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].
والبصيرة أخص من العلم العام، وفيها معنى زائد عليه، فهي تعني: البينة، والإدراك، والوضوح، والفهم، واليقين (1) .
ومن البصيرة: أن يدرك الداعية عواقب الأمور، وأن لا يغفل عن النتائج في أقواله وتصرفاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فلابد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان من الثلاثة مستصحبًا في هذه الأحوال»، وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعًا، ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: «لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهًا فيما يأمر به، حليمًا فيما ينهى عنه»(2) .
فالفقه قبل الأمر، ليعرف المعروف وينكر المنكر، وهذا شرط من شروط الدعوة إلى الله تعالى، وواجب من واجبات الداعية أن يكون الداعية مدركًا لما يدعوا إليه، متحليًا بالفطنة، متسلحًا باليقين، ثابت الخطوة، واضح الرؤية في دعوته، ومدعويه، وفيمن حوله من أصدقاء وأعداء، وما يقع من أحداث.. فكل هذه المعاني تتضمنها «البصيرة» فهذا الشرط الذي ألزم الله به الدعاة في دعوتهم.
ولهذا فلا يجوز للمسلم أن يدعوا إلى الله إلا بعد أن يحمل قدرًا من العلم يكفيه في دعوته، وفهمًا ووضوحًا ينير له طريقه.
فالعلم يسدد له مسيرته، والفهم يوضح له رؤيته، فمن لم يحمل العلم في دعوته انحرف، ومن لم يكن على بصيرة تعثر.
وفضلًا عن هذا، فإن الداعية بغير بصيرة آثم عند الله لمخالفته أمر الله، ولأن فاقد البصيرة «العلم والفهم» لا يضل نفسه فحسب، بل يضل معها غيرها ممن يدعوهم، قال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ) [الحج : 3]، فلربما جعل الأمر نهيًا، والنهي أمرًا، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة.
ولربما دعا إلى أمر غير مشروع، باسم الدين، كمن يعلم الناس الضلال والابتداع باسم الدين، كالخوارج والمعتزلة، وغلاة الصوفية والروافض ولهذا حذر الله من أمثال هؤلاء فقال سبحانه: (وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 119].
وقد عدَّ الله كل قول بغير علم افتراء، فكيف إذا كان في الدين والدعوة إليه، قال تعالى:( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء: 36].
وقال سبحانه بعد أن عدد بعض أقوال الكافرين وأفعالهم الكفرية ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [الأنعام: 140].
ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع مقالته أن يعيها حتى يبلغها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نضر الله امرءًا سمع منه شيئًا فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع» (3).
ولأهمية هذا عقد الإمام البخاري بابًا في صحيحه «باب العلم قبل القول والعمل»، فإن العلم يسدد القول، ويصوب العمل.
قال ابن حجر: «قال ابن المنير: أراد به: أن العلم شرط في صحة القول والعمل»، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما (4) .
وقال ابن حيان الأندلسي: «لأن الدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لا يصلح إلا لمن علم المعروف والمنكر، وكيف يرتب الأمر في إقامته، وكيف يباشر، فإن الجاهل ربما أمر بمنكر، ونهى عن معروف... وقد يغلظ في مواضع اللين، وبالعكس» (5) .
وقال الحسن محذرًا من ترك العلم والابتعاد عنه: «العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبًا لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا يضر بالعلم، فإن قومًا طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا» (6) .
ومن هنا كان القول على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم من أخطر الذنوب والمحرمات لما فيه من الضلال والإضلال.
قال ابن القيم: «وأما القول على الله بلا علم فهو أشد هذه المحرمات وأعظمها إثما... وهو أصل الشرك وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم... واصل الشرك والكفر هو القول على الله بلا علم...» (7) .
وعليه فيجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يتعرفوا على الحكم الشرعي في المسألة التي يرغبون الدعوة إليها، وأن يتعرفوا على أقوال العلماء حولها إن تعددت أقوالهم واختلفت مذاهبهم فيها، كما أن عليهم أن يعلموا رتبتها من الدين، وأن يتعرفوا على مقاصد الإسلام في تشريعاته وأحكامه.
والخلاصة: أن يبني هدفه على علم وبصيرة، وفهم وإدراك، ووضوح رؤية، لا أن يستخدم الهوى، والعقل المجرد، والتقليد للآخرين، فمفهوم البصيرة شامل لذلك كله.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: المَعلم الثالث من ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) انظر: لسان العرب: (4/67).
(2) مجموع الفتاوى: (28/137)، والحديث لا يصح سندًا بهذا اللفظ، وإن كان صحيح المعنى وورد بألفاظ مقاربة، وكلها ضعيفة، فقد ذكره الغزالي في الإحياء: (2/333)، وقال العراقي لم أجده هكذا وللبيهقي في الشعب: (7603) من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: (من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف) وفيه ضعيفان، وضعفه الألباني في الضعيفة: (590).
(3) أخرجه البخاري: (2/216رقم1741)، كتاب العلم، باب الخطبة أيام منى.
(4) فتح الباري: (1/160).
(5) تفسير البحر المحيط: (3/20).
(6) جامع بيان العلم وفضله: (1/136).
(7) مدارج السالكين: (1/404،403).
ابو وليد البحيرى
2018-10-24, 07:37 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (22)
القاعدة الثانية : وضوح الرؤية والهدف (7-7)
ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة- المعلم الثالث:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نبين: ركائز الداعية في تحقيق أهداف الدعوة- المعلم الثالث:
3- المعلم الثالث: الحكمة والموعظة الحسنة:
وهذا هو المعلم الثالث لركائز الدعوة ولرسم الهدف الصحيح، قال تعالى: ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ) [النحل: 125]، وقال جل شأنه: ( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) [البقرة : 83].
وروى الإمام البخاري عن علي بن أبي طالب ط: «حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله»(1)
إن الحكمة في الدعوة والموعظة الحسنة للمدعوين هما الركيزة الثالثة من ركائز الدعوة.
والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، والحكمة ضالة المؤمن ينشدها في كل مجال، ويبحث عنها بكل الوسائل، ذلك لأن الحكمة تقتضي أن يكون الداعية مدركًا لما حوله مقدرًا للظروف التي يدعو فيها، مراعيًا لحاجات الناس ومشاعرهم، حتى يتمكن من الوصول إلى قلوبهم، وتلك هي الخطوة الأولى في بلوغ الدعوة أهدافها.
والحكمة تجعل الداعي إلى الله يقدر الأمور قدرها، فلا يزهد في الدنيا والناس في حاجة إلى النشاط والجد والعمل، ولا يدعوا إلى التبتل والانقطاع والمسلمون في حاجة إلى العلم بالعقيدة والشريعة، والعلم بأحكام البيع والشراء، وكذا والناس في مسيس الحاجة لتعلم الوضوء والصلاة.
فيعالجها بحسب ما يقتضيه الحال، وبذلك ينفذ إلى قلوب الناس من أوسع الأبواب، وتنشرح له صدورهم، ويرون فيه المنقذ الحريص على سعادتهم وأمنهم واطمئنانهم.
والموعظة الحسنة هي الكلمة الطيبة تخرج من فم الداعية لتصل إلى عقول الناس فيجدون فيها الخير والسعادة، ويحسون من خلالها صدقه، وحرصه على جلب الخير لهم ودفع الضر عنهم، وقد مثل لها القرآن الكريم بقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ( 24 ) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )[إبراهيم : 24 -25].
الموعظة الحسنة هي التي تحمل للناس البشرى، وتأخذ بأيديهم إلى طريق الحق والصواب، هي مع ذلك لا تسيء إلى أحد أيًا كان، ولا تعنف أحدًا مهما كان، يلقيها الداعية يقصد بها وجه الله فتستل الضغائن من النفوس، وتنزع السخائم من القلوب، فيصفوا الناس بعضهم لبعض، ويلتـئم الشمل، وتأتلف القلوب، ويصبح الجميع أخوة متحابين.
والموعظة الحسنة هي الكلمة الندية الرقيقة التي تلمس القلوب فترق بها، وتخالط النفوس فتستهل لها وتفرح بها، وهي البلسم الشافي يداوي الجراح، ويخفف الآلام، ويشفي النفوس.
والقرآن الكريم قد عرض لنا نماذج من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في صورة مشرقة رائعة يأخذ منها الدعاة ما يفيدهم، وهي وان اختلفت في البيئات وتباينت العوامل إلا أنها على كل حال تعطي التصور العام الذي ينبغي أن يسلكه الدعاة، ويضعوا على أساسه خططهم ومنهاجهم.
من هذه النماذج خليل الله إبراهيم عليه السلام لم يعامل الذي حاجّه بالمثل بل حاجه بالحسنى، وجادله بالتي هي أحسن.
وطلب النمرود من إبراهيم عليه السلام أن يقدم له دليلًا على وجود الله عز وجل فأجابه إبراهيم ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ )فقال النمرود في تجبر وعناد: ( أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) [البقرة: 258].
وأدرك إبراهيم عليه السلام أن العناد قد استولى على عقل خصمه، وأن اللجاج قد سيطر على نفسه، فسلم له، وأرخى العنان ليتمكن من إفحامه بما لا يستطيع رده ليبطل بذلك ما أدعاه أولا بعجزه في الثاني، قال إبراهيم عليه السلام: ( فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) وهنا أخرس ذلك الخصم العنيد فلم يحر جوابًا، وسكت وكأنه لا يعرف الكلام: ) فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ )وهنا تلاحظ أن إبراهيم عليه السلام لم يغضب لعناد خصمه المتغطرس، ولم يلجأ إلى كلام فاحش أو لفظ بذيء، أو لم يتناول غير الموضوع الذي يريده، وتلك هي عين الحكمة والموعظة الحسنة.
إن خليل الله إبراهيم عليه السلام لو لجأ إلى غير ذلك لكان معذورًا فالخصم لدود، وخصومته شرسة، وعناده ولجاجه يستوجب السخرية والتهكم، ولكن إبراهيم عليه السلام ترفع عن ذلك، وعامله بما يجب أن يعامل به الدعاة المدعوين، فترفق به ولان ليستميل قلبه العاتي ويزلل نفسه الشرود.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمر بقوله تعالى: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة ِ) [النحل: 125] يتخذ من الحكمة والموعظة الحسنة أسلوبًا يغزو به القلوب ويلين به النفوس.
فهذا عتبة بن ربيعة عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء حتى إذا فرغ منها ما ناقشاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جادله فيها، ولكن قال له: (أفرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال: اسمع مني) فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) [فصلت : 1-3] ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فلما سمع بها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلفه أو خلف ظهره معتمدًا عليها ليسمع منه(2) ، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام عتبة وقد تغيرت معالم وجدانه وتقاسيم وجهه وقال فيه قومه لما رأوه من بعيد: «نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به».. نعم، لقد جاءهم بوجه رق للإسلام وقال لهم صراحة: «والله لقد سمعت قولًا ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلو بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كيفتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به»(3)
إن الكلمة الطيبة تبقى قاعدة وأسلوبًا في تبليغ الدعوة ترد بنبرتها الهادئة ونسمتها الحانية غاضبًا مفلوت الزمام.. فإن لم ترده هذه الكلمة الطيبة فقد بقي للدعوة أنها كانت ولا تزال تحب له الخير غير أنه هو الذي لا يريد لنفسه ذلك.
والخلاصة: أن من أهم ركائز الدعوة وصياغة الأهداف أن تبنى على وسائل سليمة قاعدتها: الحكمة بمفهومها الشامل، الذي سبق إيضاحه، والموعظة في أعلا درجاتها وهي: «الحسنة».
النتائج المترتبة على العمل بهذه القاعدة:
لاشك أن من أهم عناصر نجاح الدعوة والداعية تحديد الهدف ووضوح الرؤية، ولذلك آثار إيجابية، منها:
1- تحقق الاقتداء بإمام الدعاة عليه الصلاة والسلام فلم تكن حركته الدعوية عشوائية أو بغير هدف واضح - كما سبق بيانه - فالداعية الذي يصوغ هدفه بوضوح يتحقق له الاقتداء.
2- معرفة ما يريد الداعية الوصول إليه فيكون ذلك دافعًا قويًا وحافزًا عظيمًا لمواصلة المسير.
3- يدرك الداعية بهذا الهدف طول الطريق وقصره، وماذا يريد من الوسائل، وما الأساليب التي يريد استخدامها؟
4- بصياغة الهدف والعمل له يستطيع الداعية القياس لمدى صحة مسيره، والتقويم الصحيح لسلامة خطواته.
5- عظم الأجر والمثوبة، فالأجر يعظم بعظم العمل، والعمل يعظم بعظم الهدف الذي يريد الداعية تحقيقه.
إن واحدة من تلك الآثار كافية لئن يسارع الداعية لصياغة هدفه والعمل له، فكيف وهو أساس العمل الدعوي؟
الآثار السلبية لعدم صياغة الأهداف أو عدم وضوحها كثيرة، منها:
1- التخبط في الأعمال الدعوية وعدم الثبات على هذه الدعوة فهذا الداعية لا يدرك إلى أين هو ذاهب.
2- طول الطريق وعدم سلامته.
3- كثرة العقبات المؤدية إلى التساقط أو ضعف المسير.
4- الملل والفتور إذ لا يدري هذا الداعية ماذا يريد أن يحقق؟
5- قد يفسد أكثر مما يصلح كما قال عمر بن عبد العزيز :: «من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح»(4)
ونخلص إلى ما بدأنا به: أن على الداعية أن يحدد هدفه ويجتهد في ذلك ليكون سيره صحيحًا، وعمله سليمًا، وثمرته واضحة.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: القاعدة الثالثة: الغايات والوسائل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) أخرجه البخاري: (1/44رقم...)، كتاب العلم، باب من خص بالعلم دون قوم كراهية أن لا يفهموا.
(2) السيرة لابن كثير: (1/504).
(3) السيرة النبوية لابن كثير: (1/505)، والسيرة لابن هشام: (1/294).
(4) جامع بيان العلم لابن عبد البر: (1/27).
ابو وليد البحيرى
2018-12-04, 05:58 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (23)
القاعدة الثالثة : الغايات والوسائل
حكم وسائل الدعوة
حكم وسائل الدعوة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نبين: حكم وسائل الدعوة:
بعد أن عرفنا ثبوت مشروعية وسائل الدعوة، يجدر بنا أن نتساءل: هل جميع وسائل الدعوة مشروعة؟ وصالحة لنشر الإسلام؟ وهل كل الوسائل النافعة وغير النافعة يمكن أن يأخذ بها الداعية بحجة إيصال الدعوة للناس؟
الحقيقة أن تلك التساؤلات هامة وفي مكانها.
ولإيضاح حكم وسائل الدعوة، فإن العلماء والباحثين ذكروا أن تصنيف الوسائل والأساليب لا يخرج عن ثلاث حالات(1)
الحالة الأولى:
النص على مشروعية الوسيلة والأسلوب في الكتاب والسنة، وحكم الوسيلة والأسلوب فيها توقيفي، ورد فيها الأمر الذي يدل على الوجوب أو الندب، أو الجواز، ومثاله قوله تعالى ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ ) [النحل: 125]، وقوله سبحانه: ) وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة : 83].
الحالة الثانية:
النص على منع الوسيلة والأسلوب في الكتاب والسنة، فالحكم فيها توقيفي بمنع استخدامها، ولا يجوز لأحد مخالفة ذلك، وبناء على ذلك فلا يجوز للداعية استخدام هذا النوع من الوسائل والأساليب الممنوعة شرعًا كالكذب والزور ودق الناقوس للصلاة والمال المحرم، وما فيه خدعة، والغيبة والنميمة، وآلات اللهو والطرب المحرمة وغير ذلك.
الحالة الثالثة:
عدم النص على الوسيلة والأسلوب بمشروعية أو منع في الكتاب والسنة، فالحكم فيها الاجتهاد بحسب ما تمليه المصالح المرسلة والقياس الصحيح، مع الأخذ بالاعتبار الضوابط الشرعية لذلك، فهذا النوع من الوسائل والأساليب يدخل في دائرة المباح، بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة.
أقسام وسائل الدعوة:
لوسائل الدعوة قسمان:
القسم الأول: وسائل دعوية مباشرة.
والمقصود بها: مجموع الوسائل الدعوية التي تتجه إلى المدعوين مباشرة دون واسطة، ومثال ذلك: الموعظة والخطابة، والمحاضرة، والدرس، والندوة، وغيرها.
القسم الثاني : وسائل دعوية غير مباشرة .
والمقصود بها: مجموع الوسائل الدعوية التي تتجه إلى المدعوين، بصورة غير مباشرة، وذلك عن طريق وسائط تحملها وتوصلها على المدعوين، ومثال ذلك: الوسائل الإعلامية والاتصالية المتعددة كالإذاعة والتلفاز والهاتف والفاكس والإنترنت والشريط والكتابة وغيرها.
ضوابط وسائل الدعوة:
هناك عدة ضوابط وشرائط ينبغي توافرها في وسائل الدعوة حتى تصان عن الاضطراب، وتحفظ من الخلل والفساد.
وهذه الضوابط عديدة ومتنوعة، ويمكن إجمالها مختصرة دون توسع فيما يلي(2)
1- أن تكون هذه الوسائل شرعية، متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ومنسجمة معها، منضوية تحت كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أثر عن سلف الأمة الصالح، بمعنى أن يكون لها أصل شرعي تعتمد عليه.
2- عدم مخالفة هذه الوسائل للشرع، بمعنى أن تكون الوسيلة الدعوية غير محرمة ولا تدخل تحت نهي أو شبهة أو بدعة.
3- خروج الوسيلة من كونها شعارًا لغير المسلمين، وخاصة ما يتعلق بالشعارات في الأمور الدينية، مثل: الناقوس، والصليب، والبوق، والنار، وما يسمى بنجمة داود، أضف إلى ذلك القداح والأسهم، والزجر بالطير والضرب على الأرض وقراءة الكف، وما إلى ذلك من أمور تخالف العقيدة الإسلامية، وتتعلق بالديانات الأخرى بأي وجه من الأوجه.
4- أن يكون المقصود من الوسيلة مشروعًا، فإن كان الهدف ممنوعًا شرعًا فلا يتوسل إليه بأي وسيلة، لأن النهي عن المقصد نهي عن جميع وسائله المؤدية إليه، فكل وسيلة تؤدي إلى الحرام فهي محرمة، وكل وسيلة تؤدي إلى المكروه فهي مكروهة.
يقول ابن القيم :: «فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصود قصد الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئًا، وله طرق ووسائل تفضى إليه، فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقًا لتحريمها، وتثبيتًا له، ومنعا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء»(3)
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: «والوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها، ووسيلة المباح مباحة» (4)
5- أن لا يؤدي استعمال بعض الوسائل الدعوية إلى أحداث مفسدة أكبر من المصلحة المقصودة منها، فإن كانت تؤدي إلى مفسدة أو ضرر أو فتنة بين الناس فلا يشرع التوسل بها، لأن درء المفسدة الراجحة أولى من جلب المصلحة المرجوجة، وهذا ضابط عظيم فقد اضطرب فيه كثير من الدعاة، وسيأتي قاعدة مستقلة إن شاء الله تعالى.
معالم في استعمال الوسائل:
وهي عوامل مساعدة للإفادة من الوسائل المتجددة:
1- ينبغي على الدعاة مراعاة الأولويات في استعمال الوسيلة الدعوية، ومراتب الوسائل تابعة لمراتب مصالحها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أقل من ذلك فهي أقل درجة.
2- التدرج في استعمال الوسائل الدعوية، وهو التقدم شيئًا فشيئًا والصعود درجة فدرجة، ومعنى ذلك أن لا يبادر الداعية إلى استعمال كل ما عنده من وسائل دعوية دفعة واحدة لمجتمع معين، بل ينبغي عليه استعمال هذه الوسائل شيئًا فشيئًا والترقي مع حالة المدعو حتى يصل إلى أوفى الوسائل معه.
3- مناسبة الوسيلة الدعوية لحال المدعو أو لحال المجتمع، وقدرته على فهمها والإفادة منها، ومعرفة ما يريد الداعية إيصاله للمدعو عن طريقها.
4- مقدرة الداعية على استعمال هذه الوسائل الدعوية، والإلمام بفوائدها، وطرق نفعها للناس، مع حسن التعامل مع هذه الوسائل وتسخيرها لخير المدعوين ونفعهم، والتزام الصدق والحق في التعامل مع هذه الوسائل الدعوية.
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: الدعاة وتطور الوسائل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) انظر: وسائل الدعوة إلى الله تعالى بين التوقيف والاجتهاد: ص: (31)، قواعد الوسائل ص:(328)، مناهج الدعوة إلى الله تعالى: ص: (66)، المدخل إلى علوم الدعوة: ص: (286).
(2) ينظر: وسائل الدعوة للدكتور عبد الرحيم المغذوي: ص: (20)، وسائل الدعوة إلى الله تعالى وأساليبها للدكتور حسين عبد المطلب: ص: (61)، قواعد الوسائل للدكتور مصطفى مخدوم ص:(347)، الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية للدكتور عبد الرحيم المغذوي ص:(676،674).
(3) إعلام الموقعين: (3/175).
(4) القواعد والأصول الجامعة: ص: (10).
ابو وليد البحيرى
2020-09-17, 04:01 PM
(الدعوة في السنة النبوية)
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (24)
الدعاة وتطور الوسائل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،
ففي هذه الحلقة نبين: الدعاة وتطور الوسائل:
إن من حكمة الداعية وفطنته، أن يواكب تطور الوسائل وبخاصة في هذا العصر، وأن لا يتخلف عن ركبها واستعمالها لمالها من أثر كبير في توسيع إطار الدعوة وتوضيحها، بل عليه أن يبدع في استخدامها ما استطاع، فإن عجلة القطار إذا سارت لا ترحم من صادمها، ولا تنتظر من تأخر عنها.
وهناك نوعان من الوسائل – التي جدت وانتشرت في هذا الوقت – ذات أهمية كبيرة في هذه الباب، ينتفع لها القاصي والداني والقريب والبعيد، وعلى الداعية أن يشارك فيهما وأن يسهم في النهوض بها ورفع مستواهما، وهذان النوعان هما:
1ـ الشبكة العالمية (Internet): فهذه الشبكة التي أوصلت جنبات العالم بعضها ببعض هي أجدى الوسائل التي ينبغي أن يستفيد منها الدعاة في نقل الدعوة إلى المدعوين، فالداعية والعالم يمكنه عبر هذه الشبكة أن ينقل دروسه وخطبه ومواعظه إلى أي في العالم – لديه القدرة على الدخول في هذه الشبكة- وينصح الدعاة عند استخدامهم لهذه الشبكة أن يتحلوا – في ما يبثونه عبرها- بخلق الداعية من اللين في الحديث، والتيسير في العرض، والبدء بنقاط الالتقاء من أصول العقيدة والتشريع، وبيان حقيقة الإسلام وإيصال الفهم الصحيح لمقاصده، كما عليهم أن يتجنبوا الإساءة إلى الآخرين مهما كان الأمر، وأن يحاولوا الوصول إلى أولى الأمر في المجتمعات غير الإسلامية لعرض الإسلام ومحاسنه عليهم لعلهم يستجيبون(1)
2- وسائل الإعلام: وما قيل عن الشبكة العالمية يقال عن وسائل الإعلام المختلفة ولاسيما المرئية منها كالقنوات الفضائية التي تخترق كل الحواجز، فمعظم الجهود الموجودة على الساحة مشوبة بالحرص على تحقيق الأهداف التجارية أو خدمة أحزاب وفرق وجماعات، أو تسيء للإسلام من غير فقه في أصول الشريعة ولا غاياتها الأساسية، والأمر يحتاج إلى خوض الدعاة الربانيين مجال هذه القنوات بغرض الإصلاح في فهم مقاصد الإسلام –عقيدة وشريعة- وبالتالي بث ما يطابق هذه الفهم الصحيح والدعوة من خلاله ليعم الخير العالم بأسره.
يقال هذا مع الأخذ بالاعتبار تلك الضوابط في التعامل مع هذه الوسائل.
الدعاة والموازنة بين الغاية والوسيلة:
إن الموازنة بين الغاية الوسيلة في حياة الدعاة وممارستهم على جانب كبير من الأهمية.
وهذه الموازنة لها محاور متعددة، ومنها:
1- الموازنة في التعامل مع كل من الغاية والوسيلة بما يناسبها، فلا يتعامل مع الوسائل على أنها غايات، ولا يتعامل مع الغايات على أنها وسائل، فكم تحولت في حياة بعض المسلمين اليوم الوسائل إلى غايات، حتى وصل ببعضهم الغلو في الوسائل إلى إضاعة الغاية التي استخدموا الوسيلة لها، مثل ما وقع فيع بعض الدعاة اليوم من الذين انتموا إلى أحزاب وجماعات إسلامية لتحقيق الدعوة إلى الله تعالى، فإذا بهم يصبحون دعاة إلى جماعاتهم وأحزابهم أكثر من دعوتهم إلى مبادئهم وأهدافهم، فوقعوا في الحزبية المنغلقة، وتجاوز بعض الدعاة الحدود في التعامل مع الوسائل التي اتخذوها لتوصلهم إلى هدفهم العام، فكانت هي هدفهم وإن أدت إلى ضياع الهدف الأصيل الذي استخدموها لأجله.
وهذا المحور غاية في الأهمية من الناحية العملية، إذ أن عدم الموازنة أوقع في مشكلات كثيرة خرجت بالدعوة عن مسارها الدعوي الصحيح إلى مآرب شخصية وحزبية ونحوها، والناظر إلى بعض الدعوات في مختلف أنحاء العالم الإسلامي يجد ذلك واضحًا جليًا.
2- كما أن من محاور الموازنة بين الغاية والوسيلة تقدير الوسائل المناسبة للغايات المطلوبة، فكم تساهل الناس في وسائل كثيرة كان بالإمكان الاستفادة منها لتحصيل غاياتهم في الدعوة إلى الله تعالى، متجاهلين لمشروعيتها من جهة، أو مستشكلين في التباسها بمحرم، فضيعوا فرصًا كثيرة لعدم استخدامهم لتلك الوسائل، ومثل أولئك مثل من ابتعد عن الدعوة في بعض الوسائل الإعلامية اليوم مدعيًا حرمة التعامل معها بإطلاق لما تحويه من محرم، فمثل هذا يعذر باجتهاده، ولكنه في وجهة النظر الأخرى ضيع فرصًا عظيمة ثبت نفعها في الواقع، وبخاصة إذا ألزم غيره بهذا الرأي(2)
3- ومن محاور الموازنة أيضًا بين الغاية والوسيلة اختيار الوسائل المناسبة والاهتمام بها عند وضع الخطط والمناهج الدعوية، فلا يكتفي الداعية بحسن الهدف ونبله، وكم اقتصر بعض الدعاة على الهدف في دراستهم وأعمالهم، غير مقدرين لما تحتاجه أعمالهم من وسائل تحقق لهم غاياتهم، فإذا بهم يخوضون فيما لا يحسنون، ويقعون فيما لا يقدرون، لأن وسائلهم المتاحة عجزت عن مساعدتهم في تحقيق أهدافهم، كمن تعجل في أعمال جهادية لم يحقق وسائلها، ولم ينظر إلى متطلباتها، فكان ضرره أكثر من نفعه وتدميره أكبر من بناءه، ومثال ذلك: أن يحدد هدفًا عظيمًا مثل تشييد مدارس لتحفيظ القرآن الكريم أو تربية الناس على المنهج العلمي، ويوغل في تشييد هذا الهدف وصناعته لكن لم يقدر الوسائل المناسبة لتحقيقه، فيذهب الجهد هباءًا منثورًا.
ومن هنا على الداعية أن يوازن لكي يبدأ عملًا جادًا ومثمرًا.
4- ومن محاور الموازنة بين الغايات والوسائل، التقدير والمساواة بين الغاية والوسيلة، فلكل غاية وسائلها، وقد بالغ بعض الدعاة في استخدام الوسائل وتطويرها، واتخاذ القدر الكبير منها، واستغلاله في الحركة الدعوية، لتحقيق أهداف ميسرة، فإذا بالغاية تضيع بين كثرة الوسائل، ويفقد المدعوون التركيز على الغاية لانشغالهم بمتعة التعرف على الوسيلة، وهذا لا يعني التقليل من أهمية الوسائل، بل المراد من ذلك دقة الموازنة في اختيار الوسيلة المناسبة للغاية المناسبة.
ومن خلال ما سبق تتبين أهمية الموازنة بين الغاية والوسيلة في حياة الدعاة إلى الله تعالى(3)
الآثار الإيجابية:
إن من أهم الآثار الإيجابية في استخدام الوسائل المناسبة ما يلي:
1 – تبليغ الدعوة بكل ما تيسر من الوسائل.
2 – براءة الذمة في الاستفادة مما منح الله جل وعلا من الإمكانات.
3 – اختصار الوقت والجهد والمال في تبليغ الدعوة.
4 – عدم تأخر الدعوة وقتًا، مما تضيع معه عدد من الفرص الدعوية.
5 – الفاعلية في التجاوب مع القضايا المستجدة لتبليغ الدعوة.
وعلى عكس هذه الإيجابيات تكون السلبيات في التأخر عن الوسائل والاستفادة من المناسبة فيحصل التأخر والإحجام عن تبليغ الدعوة، كما يحصل من انتشار الشر والرذيلة ما يستدعي جهودًا أكبر في معالجتها ومكافحة انتشارها.
والخلاصة: أن على الداعية بعد صياغة أهدافه، أن يصوغ وسائله التي يريد العمل بها للوصول إلى الأهداف المرسومة كلما كانت الوسيلة أسهل تناولًا، وأقل تكلفة، وأوسع انتشارًا، وأوضح بيانًا، كانت الحاجة إليها أمس، والداعي إليها أوجب.
وكلما كانت الوسيلة أصعب استعمالًا، وأكثر تكلفة، وأضيق انتشارًا، وأعقد بيانًا، كان تركها أولى من استخدامها.
والمسألة تخضع لقواعد تزاحم المصالح والمفاسد، مما هو مفصل في مظانه(4)
وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: القاعدة الرابعة: الموازنة بين العلم والعبادة والعمل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) تأسيًا بأولئك الدعاة الكرام الذين وجهوا دعوتهم لرؤوس المغول الغزاة فأسلموا، فلم يلزم المسلمين جهاد ضدهم، لأنهم ما إن أسلموا حتى انقلبوا حماة للإسلام بعد أن كانوا أشد الناس عداوة له.
(2) أذكر أن حوارًا دار مع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رحمة واسعة، حضره عدد من العلماء حول أهمية مشاركة العلماء وطلاب العلم القادرين إعلاميًا في الفضائيات، وكان هناك رأيان بالمشاركة وعدمها، وكان توجيه سماحته : بالمشاركة للقادرين، وعلى المانعين عدم التثبيط، وهم معذورون – أي المانعون – لكونهم لم يقتنعوا شرعًا.
(3) ينظر: فقه الموزانات الدعوية: ص: ( 139،138).
(4) ينظر: منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر: ص: (368).
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.