المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)



ابو وليد البحيرى
2018-01-24, 03:23 PM
(بناء البيت السعيد)
الحلقة الأولى :


أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

قصة الزواج الأول



بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: ((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) (1).خلق الله سبحانه الناس من نفس واحدة هي آدم عليه السلام، وخلق من هذه النفس زوجها حواء عليه السلام، خلقها من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته فأنس إليها، وأنست إليه، وهو قوله (وجعل منها زوجها ليسكن إليها) (2) أي يألفها ويسكن بها، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خُلقت من ضلع...) (3) وفي الحديث إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام. وأسكنهما الله تعالى الجنة في نعيم عظيم قال سبحانه (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) (4). وقال (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى، إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى،...) (5)، فأزلهما الشيطان فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والعيش الرغيد، ونزلا إلى الأرض، وأخرج الله منهما رجالاً كثيراً ونساء (6).

الهوامش:
(1) سورة النساء آية 1.
(2) سورة الأعراف جزء من آية 189.
(3) أخرجه البخاري ك بدء الخلق ح 3331-6/363 مع فتح الباري.
(4) سورة البقرة آية 35. (5) سورة طه آية 118 و119.
(6) انظر المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص271 و 855.

ابو وليد البحيرى
2018-01-24, 03:36 PM
(بناء البيت السعيد)
الحلقة الثانية :


أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر





بسم الله الرحمن الرحيم


الزواج سنة كونية


إن من سنن الله تعالى الكونية أن جعل من كل شيء زوجين اثنين يكمل أحدهما الآخر ويسكن إليه، قال سبحانه: ((وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) (1).

فمن النباتات زوجين قال سبحانه: ((وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)) (2) وقال: ((وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى)) (3).

ومن البهائم زوجين قال سبحانه: ((وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)) (4)، وقال: ((قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)) (5).

ومن الإنسان زوجين قال سبحانه: ((وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى)) (6) وقال: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا)) (7).

وجعله سبحانه من سنن الأنبياء والمرسلين خير الخلق أجمعين فقال سبحانه: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)) (8).

وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر، والنكاح، والسواك) (9)، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من امتنع عن الزواج تعبداً ورهبانية، فقال: (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي، وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) (10).

لذا استحب العلماء للمتزوج أن ينوي بزواجه إصابة السنة وصيانة دينه وعرضه.

فلا تخرج أخي / أختي عن سنن هذا الكون الواسع بالعزوف عن الزواج مع القدرة عليه وفقنا الله وإياك.



الهوامش:

(1) سورة الذاريات آية 49.

(2) سورة الرعد آية 3.

(3) سورة طه آية 53.

(4) سورة الشورى آية 11.

(5) سورة هود آية 40.

(6) سورة النجم آية 45.

(7) سورة فاطر آية 11.

(8) سورة الرعد آية 38.

(9) أخرجه الترمذي ك النكاح باب ما جاء في فضل التزويج ح 1086 -2/272، وسعيد بن منصور في سننه ك النكاح باب الترغيب في النكاح ح 503 – 1/141، وأحمد 5/421. والحديث ضعيف لضعف أحد رواته وهو الحجاج بن أرطاة وعنعته مع كونه مدلساً وجهالة أحد رواته، وللحديث شواهد لكنها ضعيفة، وقد ضعف الحديث الألباني رحمه الله في إرواء الغليل ح75-/116-199.

(10) متفق عليه أخرجه البخاري ح 5063 – 9/104 مع فتح الباري، ومسلم 9/175 مع شرح النووي.

ابو وليد البحيرى
2018-01-25, 03:56 PM
(بناء البيت السعيد)
الحلقة الثالثة :

أ. باسمة بدر الجابري

بسم الله الرحمن الرحيم
يا شباب هلموا إلى الزواج (1-8)
1- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" [أخرجه البخاري ح 5065 -9/112 مع فتح الباري، ومسلم ح 1400.].
في هذا الحديث حث على النكاح وترغيب فيه؛ فهو سنة الأنبياء والمرسلين، وفي هذا الزمان رغب كثير من الشباب والفتيات عن النكاح استصغارا لشأنه واستهانة لفضلة.
وفي خلال هذه السطور سنلقي الضوء على أحوال َالنَّاسُ فِي النِّكَاحِ وهم عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
الأول: منهم من يجب عليه النكاح؛ وهو مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ إنْ تَرَكَ النِّكَاحَ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ، وَصَوْنُهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ. وهو قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ.
الثَّانِي: مَنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ النكاح؛ وَهُوَ مَنْ لَهُ شَهْوَةٌ يَأْمَنُ مَعَهَا الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ، فَهَذَا الِاشْتِغَالُ لَهُ بِهِ أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِعْلِهِمْ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا، وَلِي طَوْلُ النِّكَاحِ فِيهِنَّ، لَتَزَوَّجْت مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ: قَالَ لِي طَاوُسٌ: لَتَنْكِحْنَ، أَوْ لَأَقُولَنَّ لَك مَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُك عَنْ النِّكَاحِ إلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ.
وقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَيْسَتْ الْعُزْبَةُ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ، فِي شَيْءٍ.
وَهَذَا حَثٌّ عَلَى النِّكَاحِ شَدِيدٌ، وَوَعِيدٌ عَلَى تَرْكِهِ يُقَرِّبُهُ إلَى الْوُجُوبِ.
ومَصَالِحَ النِّكَاحِ كثيرة منها: تَحْصِينِ الدِّينِ، وَإِحْرَازِهِ، وَتَحْصِينِ الْمَرْأَةِ وَحِفْظِهَا، وَالْقِيَامِ بِهَا، وَإِيجَادِ النَّسْلِ، وَتَكْثِيرِ الْأُمَّةِ، وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ.
فبادري أخي وأختي بالقبول بالزوج الصالح؛ فالتأخير مخالفة للسنة، ومدعاة للوقوع في الحرام.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ، إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ شَهْوَةٌ كَالْعِنِّينِ، أَوْ كَانَتْ لَهُ شَهْوَةٌ فَذَهَبَتْ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ؛ لِعُمُومِ مَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي: التَّخَلِّي لَهُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَصِّلُ مَصَالِحَ النِّكَاحِ، وَيَمْنَعُ زَوْجَتَهُ مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ، وَيُضِرُّ بِهَا، وَيَحْبِسُهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقِيَامِ بِهَا، وَيَشْتَغِلُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالْأَخْبَارُ تُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَهُ شَهْوَةٌ ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا.

ابو وليد البحيرى
2018-01-27, 12:34 PM
(بناء البيت السعيد)
الحلقة الرابعة :

أ. باسمة بدر الجابري

بسم الله الرحمن الرحيم
يا شباب هلموا إلى الزواج (2-8)





الزواج حفظ للعرض







2- عن جابر رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تَمْعَسُ مَنِيئَة (1)، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه، فقال (إن المرأة تُقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يردّ ما في نفسه) (2).



في الحديث بيان فضيلة الزواج في حفظ العرض وتحصيل الإحصان والتحلي بفضيلة



العفاف عن الفواحش والآثام، وفيه إرشاد لمن رأى امرأة فوقعت في نفسه، أن يأتي



أهله ؛ فإن ذلك كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم يردُّ ما في نفسه (3).



وقد حثّ المصطفى صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج لمن وجد القدرة عليه، ورّغبهم فيه لما فيه



من فضيلة الإحصان والإعفاف، وأرشد من لا يجد مؤونة الزواج بالصوم لأنه له وجاء؛ أي حصن من الوقوع في الآثام.



فقال "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ".







الهوامش:



(1) أي تدلك الجلد الموضوع للدباغ



(2) أخرجه مسلم ك النكاح باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته (9/177).



(3) شرح النووي 9/178

أبو مالك المديني
2018-01-27, 04:55 PM
بارك الله في جهدك أخانا القاضل.

ابو وليد البحيرى
2018-01-29, 07:21 PM
بارك الله في جهدك أخانا القاضل.
وفيكم بارك اخى الفاضل
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال

ابو وليد البحيرى
2018-01-29, 07:30 PM
(بناء البيت السعيد)
الحلقة الخامسة :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

هلموا إلى الزواج (3-8)

الزواج بوابة السعادة

قال سبحانه : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)( 1).

والآية صريحة في أن من أهداف الزواج حصول السكن النفسي والاستقرار نتيجة للألفة والرحمة التي تتحقق بين الزوجين . فقوله: (لِتَسْكُنُوا) أي تستأنسوا بها، (مَوَدَّةً) أي المحبة والرحمة (2).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة)(3)

فالمرأة سبب سعادة الرجل ، كما أن الرجل سبب سعادة المرأة ، لكن بشرط أن يكونا صالحين ، وإلا كان كل واحد منهما سبب لشقاء الآخر فعن سعد بن أبيوقاص قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أربع من السعادة : المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ،

والجار الصالح ، والمركب الهنيئ ، وأربع من الشقاء : الجار السوء ، والمرأة السوء، والمركب السوء ، والمسكن الضيق)(4)

ولا يخفى سرور كل من الزوجين بالزواج ، واستمرار هذا السرور باستمرار صلاحهما وانقلاب الحياة الزوجية إلى شقاء بظهور السوء في أحدهما.





(1) سورة الروم آية 21 .



(2) انظر تفسير ابن زمنين 3/359 .



(3) أخرجه مسلم ك الرضاع باب استحباب نكاح البكر 10/56 .



(4) أخرجه ابن حبان ك النكاح ذكر الأخبار عن الأشياء التي هي من سعادة المرء في الدنيا ح 4021-6/135. وفي رواية ( ثلاثة ) دون ذكر الجار أخرجها أحمد 1/168 ، والبزار – انظر كشف الأستار ك النكاح باب في المرأة الصالحة ح 1412-2/156 – ، والطبراني في المعجم الكبير – مجمع البحرين ح329-1/146- قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/272 : رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ، ورجال أحمد رجال الصحيح .

أم رفيدة المسلمة
2018-01-29, 10:54 PM
جزاكم الله خيرا .

ابو وليد البحيرى
2018-01-31, 11:05 PM
واياكم
بارك الله فيكم ونفع بكم

ابو وليد البحيرى
2018-01-31, 11:07 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة السادسة :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



هلموا إلى الزواج (4-8)




الزواج طاعة لله تعالى

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... ) ، وعن أنس - رضي الله عنه - قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها ، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني)(1)، وفي الحديث الأخير ردٌ على من ترك الزواج تعبداً ورهبانية ، وبيان أنه سنة من سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، ومن رغب عنه فقد رغب عن سنته - صلى الله عليه وسلم - .

وبه يحصل الإعفاف والتحصين عن الحرام وهو من مقاصد الشريعة ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم . قال (أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؛ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة)، قالوا : يا رسول الله أ يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟! قال (أ رأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ، فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجرا)(2).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

قال النووي رحمه الله : (قال القاضي : يُحتمل تسميتها صدقة أن لها أجراً كما للصدقة أجر ، وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور ، وسماها صدقة على طريق المقابلة ، وتجنيس الكلام ، وقيل معناه أنها صدقة على نفسه والله أعلم)(3) .

والزوجة الصالحة عون لزوجها على طاعة الله تعالى ، وكذا الزوج الصالح عون لزوجته على طاعة الله ؛ فعن ثوبان سأل الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو علمنا أي المال خير فنتخذه ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - (أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه)(4)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)(5).

وباجتماعهما يكمل لكل منهما نصف دينه ، عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الثاني)(6).

فاظفر أخي / أختي بذات الدين وبذي الدين تربت يداكما .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg








(1) أخرجه البخاري ك النكاح باب الترغيب في النكاح ح5063-9/104 مع الفتح ، ومسلم ك النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤونة 9/175 مع شرح النووي .



(2) أخرجه مسلم باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف ح 1006-2/697 .



(3) انظر شرح النووي 7/91 .



(4) أخرجه الترمذي ك التفسير تفسير سورة التوبة ح 5092-4/341 وقال: هذا حديث حسن سألت محمد بن إسماعيل فقلت له : سالم بن أبي الجعد سمع من ثوبان ؟ فقال : سمع من جابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وذكر غير واحد من أصحاب النبي -- ، وأخرجه أحمد 5/278 و282، وابن ماجه ك النكاح باب أفضل النساء ح 1856-1/596 .



(5) أخرجه أبو داود ك الصلاة باب قيام الليل ح 1308-2/33 ، وابن ماجه ك إقامة الصلاة باب ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل ح 1336 -1/424 ، وابن خزيمة ك الصلاة باب فضل إيقاظ الرجل امرأته .. ح 148-2/183 ، وابن حبان ك الصلاة باب فضل إيقاظ المرء أهله لصلاة الليل .. ح2558-4/118 ، والحاكم ك صلاة التطوع 1/309 وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .



(6) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط –انظر مجمع البحرين ك النكاح باب في المرأة الصالحة ح 2246-4/153 – والحاكم ك النكاح 2/161 وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذؤهبي ، ومن طريقه أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ح 5487-4/383 . والحديث حسن لغيره كما قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ح 625- 2/199-202 . والله تعالى أعلم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-02-03, 12:29 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة السادسة :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



هلموا إلى الزواج (5-8)


بوابة الرزق الحسن

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


الزواج طريق للرزق الحلال الطيب ، قال سبحانه: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(1). وهذا أمر بالتزويج ، والأيامى جمع أيِّم ، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها وللرجل الذي لا زوجة له، سواء كان تزوج ثم فارق أو لم يتزوج، قال ابن عباس ططط : رغَّبهم الله في التزويج ، وأمر به الأحرار والعبيد ، ووعدهم عليه الغنى.
وقال ابن مسعود ططط : التمسوا الغنى في النكاح يقول الله تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(2).
وعن أبي هريرة ططط قال رسول الله (ص)(ثلاثة حق على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح الذي يريد العفاف)(3).
وفي قوله (حق على الله) تأكيد لهذا العون من الله تعالى ، وقوله: (الذي يريد العفاف) بيان أن عون الله تعالى متحقق لكل من أراد بالزواج التعفف وحفظ نفسه من الوقوع في الحرام.
ومَن تأمل حال المتزوجين حوله وقارنه بما كان عليه حالهم من قبل وجد تصديق هذا الوعد من الله تعالى ؛ فبادر أخي / أختي إلى الزواج ولا يحول بينك وبينه ضيق اليد فالرزاق هو الله تعالى.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




(1) سورة النور آية 32 .

(2) انظر تفسير ابن كثير- المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص940 و تفسير الطبري 19/166 .

(3) أخرجه الترمذي ك فضائل الجهاد باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح وعون الله إياهم ح 1706-3/103 وقال : هذا حديث حسن ، والنسائي ك النكاح باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف ح 3218-6/61، وابن ماجه باب المكاتب ح 2518-2/841 ، وابن حبان ك النكاح ذكر معونة الله القاصد في نكاحه العفاف .. ح 4019-6/134 ، والحاكم ك النكاح 2/160 وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وغيرهم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-02-04, 08:24 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (8) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



هلموا إلى الزواج (6-8)



الزواج مفتاح لحياة جديدة


بالزواج يستكمل كل من الزوجين خصائصه ؛ فيستكمل الرجل رجولته بالقوامة وتحمل المسؤولية ، وتستكمل المرأة أنوثتها بالتبعل لزوجها وحصولها على الأولاد ورعايتها لمملكتها . فكلاهما اتسعت دائرة اهتمامه وشغله ليشمل الآخر مع ما يحصل لهما من أولاد لكن كل منهما من وجه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله(ص) : (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)(1). ومسؤولية الرجل غير مسؤولية المرأة ؛ فللرجل القوامة وعليه النفقة والحفظقال سبحانه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )(2)، وللمرأة النفقة وعليها الرعاية وتشارك الرجل في التربية ، إضافة إلى ما يُتوجب على كل منهما من حسن العشرة ، عن ابن عباسططط قال : (.... ثم جاءته امرأة، فقالت: إني رسولة النساء، والله ما منهم امرأة علمت أو لم تعلم إلا وهي تهوى مخرجي إليك الله رب النساء والرجال وإلههن، وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء؛ كتب الله الجهاد على الرجال، فإن أصابوا أجروا، وإن استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، فما يعدل ذلك من النساء؟ قال (طاعتهن لأزواجهن والمعرفة بحقوقهم وقليل منكن تفعله)(3) .
وبذلك يظهر أن الزواج حياة جديدة بأسلوب جديد بعضه حلو ، وبعضه مرّ وفي كله أجر وثواب لمن صبر واحتسب .



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg





(1) أخرجه البخاري ك الأحكام باب قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (6/2611) ح 6719 ، ومسلم ك الإمارة باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر (3/1459) ح 1820.
(2) سورة النساء آية 34 .

(3) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه باب من نذر لينحر نفسه ح 15914-8/463 ، والطبراني في المعجم الكبير ح 2163-11/410 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-02-06, 01:53 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (9) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



هلموا إلى الزواج (7-8)



الحصول على زينة الحياة الدنيا


الحصول على الأولاد الذين هم زينة الحياة الدنيا قال سبحانه: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)(1)، وقال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)(2).
وبالزواج ُيحفظ النسل ويتوالد النوع الإنساني ويتناسل جيلاً بعد جيل لتكوين المجتمع البشري وإقامة الشريعة وإعلاء الدين وعمارة الكون، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًً)(3) وكثرة العدد قوة للأمة فلا فائدة في عتاد بلا عدد، وفيه تكثير لسواد أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)(4).
وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً، ويقول: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



(1) سورة الكهف آية 46.

(2) سورة آل عمران آية 14.

(3) سورة النساء آية 1.

(4) أخرجه أبو داود ك النكاح باب النهي عن تزويج من لا تلد من النساء ح 2050 -2/227، والنسائي ك النكاح باب كراهية تزويج العقيم ح 3227-6/65، وابن حبان ك النكاح ذكر الزجر عن أن يتزوج المرء من النساء من لا تلد ح 4045-6/144، والحاكم ك النكاح باب تزوجوا الودود الولود 2/162 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي ، وغيرهم.فتح الباري 9/111، نيل الأوطار 6/105.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-02-09, 08:43 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (10) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



هلموا إلى الزواج (8-8)




لتعارفوا

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




بالزواج تقوم علاقات كثيرة من القرابات والأصهار مما يكون له الأثر الأكبر في الترابط والتناصر وتبادل المنافع . وقد تزوّج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وحفصة رضي الله عنهما ابنتي صاحبيه أبي بكر الصديق وعمر الفاروق، مما زاد أواصر الصداقة بينهم، وتزوج جويرية بنت الحارث رضي الله عنها بعد أن هزم قومها ووقعوا في أسر المسلمين، فكان من نتيجة هذا الزواج، أن فكّ المسلمون أسر من بأيديهم من قومها بلا فداء، قائلين أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرى بأيدينا ؟! وتزوّج صفية بنت حيي بعد أن انتصر على قومها من اليهود، وكان من نتيجة هذا الزواج أن خفّ كيد اليهود على المسلمين، وهكذا تزوجه عليه الصلاة والسلام ببقية زوجاته كان لكل منها هدف وحكمة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-02-14, 06:40 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (11) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم







كيف تختار زوجتك


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




الدين أولاً:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تنكح المرأة لأربع خصال: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)(1) في الحديث إخبار بما يفعل الناس في العادة، وأنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين.
وفيه حث على اختيار ذات الدين سواء اجتمعت فيها بقيت الصفات أم لا(2) وتقديم ذات الدين على غيرها من النساء ولو كن أكثر جمالاً منها لأمور؛ منها أن ذات الدين أكثر حفظاً لنفسها ولمال زوجها فعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أربع من أعطيهن، فقد أُعطي خير الدنيا والآخرة قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه خَوْناً في نفسهاوماله)(3).
ومنها أن ذات الدين حسنة التبعل لزوجها وتفعله تديناً، فعن أبي هريرة قال: قيل لرسول الله أي النساء خير؟ قال: (التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)(4) ولفظ الطبراني (ما أفاد عبد بعد الإسلام خيراً له من زوج مؤمنة، إذا نظر إليها سرّته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



ومنها أن ذات الدين عضو صالح في مجتمع زوجها؛ لأنها تعلم ما عليها من واجبات وما لها من حقوق فتلزم حدودها، وتراقب الله تعالى في أفعالها، ومنها أن ذات الدين تُقدِّر مسؤولياتها تجاه بيتها وزوجها وأولادها، فإن جمعت ذات الدين معه الجمال فهو خير على خير، وقد راعى الإسلام الحاجة النفسية إلى الشكل الذي ترتاح له النفس ولأجل ذلك شرع النظر إلى المخطوبة، لكن ليحذر الشاب من الجري وراء الجمال وإغفال الدين، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إياكم وخضراء الدمن) فقيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: (المرأة الحسناء في المنبت السوء)(5). الودود الولود ثانياً: فتحبب المرأة لزوجها وتوددها إليه من الصفات المطلوبة، والتي ينبغي أن لا يغفلها الخاطب، وهذا مبني أيضاً على دين المرأة فكلما كانت أتقى لله عز وجل كانت أعرف بحق زوجها عليها، وأحرص على رضاه ما لم يكن فيه معصية لله تعالى، عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خير نسائكم من أهل الجنة الودود الولود العوود على زوجها؛ التي إذا أذنبت أو آذت أتت زوجها حتى تضع يدها في كفه، فتقول: لا أذوق غمضاً حتى ترضى)(6).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



وكذلك أن تكون المرأة قادرة على الإنجاب بأن لا يكون فيها علة تمنع منه، عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: (لا) ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم)(7).

وبعد هذه الصفات تأتي بقية الصفات التي يطلبها الناس عادة؛ من الدراية بأمور البيت والدربة على التربية، والمهارة في التنظيم والتجمل... الخ.
وإذا وفقك الله أخي القارئ لاختيار امرأة ما فصلِ ركعتين - صلاة الاستخارة – ففيها الخير الكثير.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



(1) أخرجه البخاري ك النكاح باب الأكفاء في الدين ح 5090-9/132 مع الفتح، ومسلم ك النكاح باب استحباب نكاح ذات الدين 10/51 مع شرح النووي.

(2) انظر سبل السلام 3/238، شرح النووي لصحيح مسلم 10/52، فتح الباري 9/135.

(3) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ح 2249-4/155،156 – انظر مجمع البحرين – وفي المعجم الكبير ح 11275-11/109، والبيهقي في كتابه الآداب ح 1030 ص459، قال المنذري في الترغيب والترهيب ح 7-3/67: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناد أحدهما جيد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/273: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجال الأوسط رجال الصحيح.

(4) أخرجه النسائي ك النكاح باب أي النساء خير ح 3231-6/68، والحاكم ك النكاح باب أي النساء خير 2/161 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وأحمد 2/251، والطبراني في المعجم الأوسط ح 2136-3/71، وهو حسن الإسناد لأجل محمد بن عجلان.

(5) أخرجه في مسند الشهاب ح 957-2/96.

(6) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال ح493-2/682 قال: في إسناده خلف بن خليفة الأشجعي وهو صدوق . وحسّنه الألباني في صحيح الجامع ح 2604.

(7) أخرجه أبو داود ك النكاح باب النهي عن تزويج من لا تلد من النساء ح 2050-2/227، والنسائي ك النكاح باب كراهية تزويج العقيم ح 3227-6/65، وابن حبان في صحيحه ك النكاح ذكر الزجر عن أن يتزوج المرء من النساء من لا تلد ح 4040 و 4045-6/144 نحوه، والحاكم ك النكاح باب تزوجوا الودود الولود 2/162 نحوه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي، والبيهقي ك النكاح باب استحباب التزوج بالودود الولود 7/81 نحوه. وإسناد أبي داود حسن لوجود راوٍ صدوق هو مستلم بن سعيد لكن يشهد له حديث أنس الآتي الصحيح وبه يرتقي إلى الصحيح لغيره. وانظر فتح الباري 9/111 و نيل الأوطار 6/105.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-07-05, 09:26 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (12) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم




مَن الذي تقبلينه زوجاً


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



كثيرٌ من الناس لا يقدرون قلق الفتاة عند خطبتها، والبعض منهم يطالب المرأة بالمغامرة والمخاطرة وقبول أي طارق، رغم أن المرأة أحق بالقلق من الرجل، فهي

مقيمة في أسر الرجل ولهذ وصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم)(1).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




ولما كان يصعب على المرأة الاطلاع على حقيقة حال الخاطب، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليها بالسؤال عن الخاطب والتحري عن خبره وحاله فإن كان صالحاً ذا خلق حسن فحيهلا وإلا فلا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(2). والمعنى إن لم تزوجوا من ترضون دينه وخلقه، وترغبوا في مجرد الحسب والجمال أو المال يكن فساد كبير ؛ لأنكم إن لم تزوجوها إلا من ذي مال أو جاه، ربما بقي أكثر نسائكم بلا أزواج، وأكثر رجالكم بلا نساء، فيكثر الافتتان، وربما يلحق الأولياء عار، ويترتب عليه قطع النسب وقلة الصلاح والعفة(3).

والولي وغيره ممن يُستشار في الخاطب مؤتمنون، فلا يحق لأحد أن يكذب أو يماري أو يخفي سوءاً يعلمه في الخاطب، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة فعن فاطمة بن قيس رضي الله عنها قالت: ذكرت له – أي للنبي صلى الله عليه وسلم – أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أما جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحي أسامة بن زيد)، فكرهته ثم قال (أنكحي أسامة) فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت)(4)، فالكلام في الخاطب وذكر ما فيه من عيب ليس من الغيبة المحرمة بل هو من النصيحة لئلا تقع المرأة في المشقة، وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُخلص النصيحة لفاطمة بنت قيس لما استشارته، فأخبر عن جهم أنه كثير الضرب، وعن معاوية أنه في غاية الفقر والفاقة، وأشار عليها بالزواج من أسامة لما علم من مصلحتها في ذلك، وكان كذلك، ولذا قالت (فجعل الله فيه) أي فقدّر في أسامة وصحبته خيراً كثيراً، واغتبطت أي به وصرت ذات غبطة بحيث اغتبطتني النساء لحظ كان لي منه(5).

فالدين والخلق الحسن والقدرة المالية على النفقة كلها من الصفات المطلوبة المعتبرة في الرجل.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg













(1) أخرجه الترمذي ك النكاح باب ما جاء في حق المرأة على زوجها ح 1163-5/372 وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائي في سننه الكبرى باب ما جاء في حق المرأة على زوجها ح 9169-5/372. ومعنى عوان أي كالأسيرات أنظر النهاية في غريب الحديث والأثر 3/314، ومختار الصحاح 1/192.



(2) أخرجه الترمذي ك النكاح باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه ح 1084، 1085، وابن ماجه ك النكاح باب الأكفاء ح 1967، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح 865.



(3) انظر تحفة الأحوذي 4/172، وشرح سنن ابن ماجه 1/141.



(4) أخرجه مسلم ك النكاح ح 1479-2/1114



(5) انظر مرقاة المفاتيح 5/445، سبل السلام 4/194.






http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-07-08, 03:00 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


(بناء البيت السعيد)
الحلقة (13) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم




لا تتبتلوا

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg
عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- قال: (ردّ رسول الله صلى اللهعليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له، لاختصينا). رواه البخاري ومسلم.(1)
قال الطبري(2): التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون؛ تحريم النساء والطيب وكل ما يتلذَّذُ به فلهذا أنزل في حقه: (يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا لاَتُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَيُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة: 87.
إن منهج التبتل والانقطاع للعبادة والابتعاد عن المشاركة في عمران الأرض وعن الانتفاع بما خلق الله تعالى فيها من الطيبات والخيرات هو منهج يرفضه الإسلام ويأباه، بل إن الإسلام يعتبر ذلك هروباً من حمل الأمانة التي طلب الإنسان أن يحملها دون بقية مخلوقات الله تعالى.
ورغم نهي الإسلام عن سلوك هذا الطريق-العزوف عن الزواج- نجد كثير من المسلمين اليوم من يسير عليه ويدعو إليه لأسباب مختلفة دينية(زعموا) أو دنيوية.
وقد حذر السلف الصالح رحمهم الله من هذه الطريقة قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد‏:‏ إنما يمنعك من التزويج عجز أو فجور، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره.(3)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

وإذا كان سبب العزوف ظروف المعيشة القاسية وقلة ذات اليد فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:ثلاث حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه الترمذي.(4)
وقال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-: (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى).(5)
وأما إذا كان السبب الهروب من تحمل المسؤولية وأعباء أسرة-من رعاية ونفقة وتربية- فهذا إهمال لأوامر الشرع، ومخالفة لسنة الأنبياء والمرسلين الذين أمرنا الله بإتباعهم والإقتداء بهم، كما أنه تضيِّيع لأجر عظيم؛ فبالزواج يكسب الفرد الأجر والثواب الجسيم قال عليه الصلاة والسلام: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في امرأتك) متفق عليه.(6)
فبادر أخي المسلم وأختي المسلمة إلى الزواج مادام في العمر بقية امتثالا لأمر الله تعالى وطمعاً بما عنده، قال ابن مسعود: لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوماً ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: النكاح، باب: ما يكره من التبتل والخصاء، رقم: 4786، ج: 5/1952. ومسلم في صحيحه، كتاب: النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشْتغال من عجز عن المؤن بالصوم، رقم: 1402، ج:2/1020.
(2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تأليف: أبي جعفر محمد بن جرير الطبري(7/12).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب النكاح، في التزويج من كان يأمر به ويحث عليه، رقم: 15910، ج3/453. وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب: النكاح، باب: وجوب النكاح وفضله، رقم: 10384، ج6/170. وسعيد بن منصور في سننه، كتاب: الوصايا، باب: الترغيب في النكاح، رقم: 491، ج1/164.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، رقم: 7410، ج 2/251. والترمذي في سننه، كتاب: فضائل الجهاد، باب: بَاب ما جاء في الْمُجَاهِدِ وَالنَّاكِحِ وَالْمُكَاتَبِ وَعَوْنِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، رقم: 1655، ج 4/184، وقال: هذا حديث حسن، وابن حبان في صحيحه، كتاب: النكاح، ذكر معونة الله جل وعلا القاصد في نكاحه العفاف والناوي في كتابته الأداء، رقم: 4030، ج 9/339، والحاكم في المستدرك، كتاب: النكاح، رقم: 2678، ج 2/174، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وابن ماجه في سننه، كتاب: العتق، باب: المكاتب، رقم: 2518، ج 2/841. والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب: النكاح، باب: رغبة في النكاح، رقم: 13234، ج 7/78. وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب: الجهاد، باب: فضل الجهاد، رقم: 9542، ج 5/259.
(5) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ج 8/2582، رقم: 14449.
(6) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب:ما جاء أن الأعمال بالنية، وقم: 56، ج1/30. ومسلم، كتاب الوصية، باب: الوصية بالثلث، رقم: 1628، ج3/1251.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-07-16, 05:54 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (14) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



لا إجبار على النكاح

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن). قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: (أن تسكت) رواه الجماعة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله: تستأمر النساء في أبضاعهن، قال: (نعم)، قلت: إن البكر تستأذن وتستحي. قال: (إذنها صماتها). (رواه البخاري ومسلم).
وهذه الأدلة نص في أنه لا سبيل على المرأة بإجبار في النكاح ثيباً كانت أو بكراً، وأن الفرق بينهما إنما هو الفرق في صورة الإذن فالثيب -عادة- لا تستحي من الكلام في الزواج، ولذلك فهي تخطب إلى نفسها أو ترضى وتأمر وليها بولاية عقد نكاحها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (تستأمر) أي يطلب أمرها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



وأما البكر فالغالب عليها الحياء ولذلك تخطب من وليها والولي يستأذنها، فإن أذنت بمقال أو بسكوت يدل على الرضا تزوجت وإلا فلا.
وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية حيث أن البيوت المسلمة التي بُنيت على أساس الرضا والرغبة غالبا ما تكون أكثر استقرارا وطمأنينة؛ لأن كل طرف أقبل على الآخر عن اقتناع ورغبة.
وإن المرأة إذا زُوِّجت بدون رضاها فإن العقد باطل، لأنه عقد محرم، فلا يمكن تصحيحه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، ومذهب الحنفية، وهو رواية عن الإمام أحمد: أن العقد موقوف على إجازة المرأة ، فإن أجازته صح، وإلا فلها الفسخ (1).
ولقد خالف في هذا الحكم بعض الفقهاء-رحمهم الله- واستدلوا بتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب في الإذن، وقالوا: إنه يجوز إجبار البكر على الزواج(2)، وهذا خطأ لأن التفريق إنما هو في بيان صورة الرضا والإذن فقط.
ويدل على خطأ القول بإجبار البكر ما رواه ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدار قطني).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



وأخرج النسائي في سننه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: إن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، فقالت عائشة: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله: قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء.
قال شيخ الإسلام المرأة لا ينبغي لأحد إن يزوجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن كرهت ذلك لم تجبر على النكاح إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ، ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين(3) أ.هـ
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



(1) انظر المغني 7 / 364 ، فتح الباري 9 / 194؛ البحر الرائق شرح كنز الدقائق > كتاب النكاح.


(2) التاج والإكليل لمختصر خليل كتاب النكاح؛ والأم للشافعي(5/29)

(3) " مجموع الفتاوى " ( 32/39-40)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-07-19, 01:59 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (15) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

لا تجبر... ولو كان الأفضل

عن ابن عمر قال: توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية حارثة، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبد الله: وهما خالاي. فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة يعني إلى أمها فأرغبها في المال، فحطت إليه، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبتا، حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال قدامة بن مظعون يا رسول الله: ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها ابن عمتها، فلم أقصر بها في الصلاح، ولا في الكفاءة، ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى أمها. قال: فقال رسول الله: (هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها). قال فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة. رواه أحمد والدارقطني


أيها الأولياء... إن إكراه الفتاة بمن لا ترضاه زوجاً سبب في بناء أسرة متفككة الروابط، مثقلة بالمشاكل عبئ على المجتمع المسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



وقضية الميل للطرف الآخر والرضا به قاعدة أساسية لبناء البيت المسلم وثباته بإذن الله تعالى، كما أنها قضية أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.أخرجه مسلم.

قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم : قوله صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) قال العلماء: معناه جموع مجتمعة، أو أنواع مختلفة. وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه، وقيل: إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها، وتناسبها في شيمها.

وقيل: لأنها خلقت مجتمعة، ثم فرقت في أجسادها، فمن وافق بشيمه ألِفه، ومن باعده نافره وخالفه . أهـ

فالمال والجاه وغيرها من مقومات الزوج الصالح الني تراها في الخاطب وترفضه الفتاة لأنها لا تجده الزوج الذي ستسكن إليه وتستقر نفسها معه كل ذلك أمور لا ينكرها الشارع الحكيم يقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف: 189.


فالزواج سكن.. ومودة.. وألفة.. واستقرار.. تلوح تباشيره عند أنفاسه الأولى فلا تتجاهلوها..

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-07-28, 04:58 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (16) :

أ. باسمة بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



مشكلة اختيار الزوجة




قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) أخرجه البخاري.

الحياة الزوجية ليست ميدان مجازفة ولا حقل تجارب، ولا يلام الرجل إذا أطنب في البحث عن شريكة حياته وأم أبنائه وحصن بيته.

وإذا أمعنا النظر في قضايا المشاكل الزوجية اليوم وجدنا أن جلها ناجم عن التسرع في اختيار الزوجة دون بحث وتدقيق وأسس اختيار صحيحة.

فالبعض يجعل أساس الاختيار الجمال، والبعض الآخر الجاه ومال، أو الحسب والنسب والمناصب إلى غير ذلك.

والبيوت التي تبنى على أسس اقتصادية، أو مطامع شخصية، أو على مظاهر شكلية ..توشك أن تزول وتنتهي.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




وقد ذكر رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ مرغباتِ الزواج من المرأة عادةً فقرر أنها أربعة: وهي المال والحسب والجمال والدين.

وحضَّ على أن يكون المقياس المرغِّب في الزواج هو الدين وهو الحق الذي يعضده حال كثير من الأسر التي أولت هذا الجانب حقه من الاهتمام فهي تنعم في الاستقرار الأسري والحياة السعيدة، بينما بعض الأسر تعصف بها رياح الفتن والنزاعات لأنها أهملت جانب الدين قبل بنائها.

وكون النبي صلى الله عليه وسلم يجعل الدين الأساس في الاختيار لا يعني ذلك تجاهله عن الفطرة البشرية التي يسرها الجمال.

يقول الغزالي - رحمه الله: وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح المرأة لجمالها فلعل جمالها يرديها ولا لمالها فلعل مالها يطغيها وانكح المرأة لدينها) وإنما بالغ في الحث على الدين لأن مثل هذه المرأة تكون عوناً على الدين فأما إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدين ومشوشة له‏.‏
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




إلى أن قال: وما نقلناه من الحث على الدين وأن المرأة لا تنكح لجمالها ليس زاجر عن رعاية الجمال بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين فإن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح ويهون أمر الدين.(1)

فاحرص يا أخي على الفتاة الصالحة؛ فهي زوجة بارة وأم حنون تحفظ العرض وتنشأ ذرية صالحة تنعم ببركتها في حياتك وبعد مماتك.








(1) أحياء علوم الدين للغزالي. كتاب آداب النكاح.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-08-03, 04:35 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (16) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



الكـــــفاءة

المقصود بـ الكفاءة في الزواج المماثلة بين الزوجين، دفعاً للعار في أمور مخصوصة(1). وهي معتبرة في الرجال دون النساء؛ فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من قبائل العرب عامة(2).
وهذه الأمور هي: الدين والنسب والحرية والحرفة والمال.
وقد اتفق العلماء على اعتبار الكفاءة في الدين والصلاح والاستقامة. واختلفوا في البقية. على قولين هما:
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



القول الأول: الكفاءة غير معتبرة إلا في الدين، وهذا رأي الإمام مالك وأصحابه(3) والمحققين من العلماء كابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهم الله جميعاً، قال ابن القيم رحمه الله: (الذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الكفاءة في الدين أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك؛ فإنه حُرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث. ولم يعتبر نسباً، ولا صناعة، ولا غنى ولا حرفة، فيجوز للعبد نكاح المرأة النسيبة الغنية، إذا كان عفيفاً مسلماً، ويجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات)(4).
فالنبي صلى الله عليه وسلم خطب بنت عمته -زينب بنت جحش القرشية- لزيد بن حارثة مولاه، وأشار على فاطمة بنت قيس حين استشارته في أمر تزوجها بأن تنكح أسامة بن زيد، وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى – أن المسلمين أكفاء لبعضهم – وعملوا به؛ فعبد الرحمن بن عوف زوج بلالاً أخته، وزوج أبو حذيفة سالماً مولاه من فاطمة بنت الوليد بن عتبة، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير...(5)؛ بل أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) صريح في الدلالة على اعتبار الكفاءة في الدين فقط.
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ عليه رجل، فقال (ما تقولون في هذا ؟) قالوا: حَريٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفع، وإن قال أن يُستمع، ثم سكت، مر رجل من فقراء المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم (ما تقولون في هذا ؟) قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع. فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم (هذا خيرٌ من ملء الأرض مثل هذا)(6).
ومما يدل أيضاً على عدم اعتبار الكفاءة في المال والحرفة قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(7)، ففي هذه الآية حث على تزويج الفقير الصالح، والتبشير برزق من الله تعالى.
ولما حجم أبو هند النبي صلى الله عليه وسلم قال (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه، وإن كان في شيء مما تداوون خير فالحجامة)(8)، فحث على تزويج أبي هند رغم أنه كان يعمل حجاماً نظراً لديانته وتقواه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



(1) انظر: مغني المحتاج 3/165، حاشية الوض المربع 6/278.
(2) انظر: بدائع الصنائع 2/320، المبدع /51.
(3) انظر التمهيد لابن عبد البر 9/163.
(4) زاد المعاد 4/22.
(5) انظر الجامع لأحكام القرآن 14/187.
(6) أخرجه البخاري ك النكاح باب الأكفاء في الدين ح 5091.
(7) سورة النور آية 32.
(8) أخرجه أبو داود ك النكاح باب في الأكفاء ح2102-2/240.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-08-26, 11:35 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (18) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



رؤية المخطوبة




عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : تزوج رجل من الأنصار امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أ نظرت إليها ؟) قال: لا، قال: (فاذهب فانظر إليها ؛ فإن في أعين الأنصار شيئاً)(1).

وفي الحديث دليل على إباحة النظر إلى المخطوبة، قال ابن قدامة في المغني : (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها).

كما أن القول باستحبابه متجه ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، ولربطه بالوفاق والوئام كما في الحديث الآتي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال : خطبت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)(2). وفي رواية (أحرى).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




وأجدر وأحرى بمعنى واحد(3)، يؤدم أي تجتمعا وتتفقا على ما فيه صلاح أمركما(4). وله أن ينظر إليها من دون علمها وقبل خطبتها إذا غلب على ظنه إجابته إلى تزوجها، لعدم اشتراط إذنها في الحديث، لكن لا يخلو بها، ولا ينظر إليها نظر تلذذ ونحوه.

واختلف العلماء فيما يسمح للخاطب أن ينظر إليه من المرأة ؛ فقيل : لا ينظر إلا إلى وجهها وكفيها لدلالة الوجه على الجمال أو ضده، والكفين على خصوبة البدن أو عدمه. وقيل : ينظر إلى ما يظهر منها غالباً. وقيل غير ذلك، ولعل الراجح والله تعالى أعلم النظر إلى ما يظهر غالباً ؛ قال ابن قدامة رحمه الله : (ووجه جواز النظر إلى ما يظهر غالباً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها عُلم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة ؛ إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور، ولأنه يظهر غالباً فأبيح النظر إليه كالوجه، ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع، فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم) والله تعالى أعلم(5)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg





(1) أخرجه مسلم ك النكاح باب ندب من أراد نكاح امرأة إلى أن ينظر إلى وجهها وكفيها 9/209 -مع شرح النووي – نحوه.
(2) أخرجه النسائي ك النكاح باب إباحة النظر قبل التزويج ح 3235-6/69، والترمذي ك النكاح باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة ح 9093-2/275، والدارمي ك النكاح باب الرخصة في النظر للمرأة عند الخطبة 2/134، وغيرهم، وهو حديث صحيح.
(3) النهاية في غريب الحديث 1/375.
(4) النهاية في غريب الحديث 1/32.
(5) انظر : بداية المجتهد 2/3، معالم السنن 3/168، فتح الباري 9/182، المغني 6/552-554.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-09-05, 02:00 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (19) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


حكم الخطبة على الخطبة




عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى بترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب)(1).

وهذا النهي يفيد التحريم عند عامة العلماء ؛ فمن فعل ذلك فأجيب صحّ نكاحه مع الإثم ما لم يأذن له الخاطب الأول(2). وقوله: (حتى يترك الخاطب الأول) يفيد أن التحريم إنما يكون إذا صرحت المخطوبة أو وليها بالرضا. فإذا رُدّ الأول، أو رجع عن الخطبة، فلا تحرم خطبة الثاني، وكذا لا يحرم على الثاني الخطبة إذا لم يعلم بخطبة الأول. أو أذن له(3).

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




العدول عن الخطبة:

الخطبة وعد بالزواج، وليست عقداً ملزماً تبنى عليه الحقوق، فإن رجعا أو رجع أحدهما عن الخطبة لعذر أو غرض فله ذلك، وإن كان لغير عذر أو غرض صحيح كره لما فيه من إخلاف الوعد، والرجوع عن القول ولم يحرم ؛ لأن الحق بعد لم يلزمهما(4).



حكم ما يقدمه الخاطب أثناء مدة الخطبة:

- المــهر: إن كان الخاطب قد قدَم المهـر فله حق استرجاعه، لأن المهر إنما يجب بالزواج، والزواج قد أُلغي فله حق استرجاعه.

- الهدايا: وقد اختلف فيها العلماء على أقوال نجملها فيما يلي:

الأول: ذهب الأحناف إلى رد ما وهب إن كان قائماً على حالته كالأسورة والخواتم ونحوها، أما إذا لم يكن قائماً بأن فقد أو بيع أو أُكل أو خيط فإنه لا يُرد.

الثاني: ذهب المالكية إلى التفريق بين أن يكون الرجوع من الخاطب فلا يرد إليه شيء مما أعطى غير المهر، وبين أن يكون الرجوع من المخطوبة فإنها ترد له ما أخذت، وإن كانالرجوع منهما جميعاً فلا يُرد شيء وفي حال الرد إن كانت الهدايا قد فنيت فتقوّم يوم أهدى وترد القيمة.

الثالث: ذهب الشافعية إلى أن له الرجوع فيما أعطى، لأن ما قدمه كان مقابل عوض وهو الزواج ولم يتم فله الرجوع، وإليه ذهب ابن القيم رحمه الله.

الرابع: ذهب الحنابلة إلى أنه لا يجوز له استرجاع الهدايا لأنها كالهبة والهبة لا يجوز الرجوع فيها.

والذي نراه هو رأي المالكية رحمهم الله تعالى، لما في ترك الخطبة من ضرر على الخاطب إن كان الترك من جهة المخطوبة، أو يكون الضرر على المخطوبة إذا كان الترك من جهة الخاطب، ما لم يكن لدى التارك عذر ومبرر شرعي مقبول شرعي. وقياس الهدايا على الهبة قياس مع الفارق، فالهدايا تختلف عن الهبات ؛ بأن الأولى بعوض، والثانية تبرع بلا عوض. والله تعالى أعلم(5).

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg









(1) أخرجه البخاري ك النكاح باب لا يخطب على خطبة أخيه ح5142-9/198 مع الفتح، ومسلم ك النكاح باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه..9/197 مع شرح النووي.
(2) انظر فتح الباري 9/199، وشرح النووي لصحيح مسلم 9/197.
(3) انظر امراجع السابقة وسبل السلام 3/243، حاشية الروض المربع 6/242.
(4) انظر: المغني 7/111. وقد قاس المسألة على من سام سلعة ثم بدا له ألا يبيعها.
(5) وهذا هو رأي القانون المصري انظر نظام الأسرة في الإسلام د. محمد عقلة 1/233. وعزاه إلى كتاب لـ الأحوال الشخصية لـ البرديسي ص11.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-09-17, 01:22 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (20) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


أركان عقد النكاح (1-4)


أركان الشيء أجزاء ماهيته، والماهية لا توجد بدون جزئها(1).
وأركان العقد خمسة الصيغة (أي الإيجاب والقبول)، والزوجان، والولي، والشاهدان، والصداق(2).
الركن الأول: حصول الإيجاب وهو اللفظ الصادر من أحد العاقدين أولاً دالاً في رغبته في إنشاء العقد، سواء صدر عن الزوج أو وليه أو وكيله، أو صدر عن ولي الزوجة.
وحصول القبول وهو اللفظ الذي يصدر ثانياً عن العاقد الآخر دالاً على رضاه بما أوجبه الأول(3).
الصيغة اللفظية للإيجاب والقبول وتكون بلفظ الإنكاح والتزويج وما اشتق منهما؛ وسواء كانا بصيغة الماضي أو المضارع، أو كان الإيجاب ببصيغة الأمر والقبول بصيغة الماضي....(4)
حكم العقد بالكتابـة:
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



ذهب الجمهور من العلماء إلى أن الإيجاب والقبول يصحان بالكتابة، فإذا كان الرجل غائباً ويتعذر حضوره إلى مجلس العقد، فبعث إلى المرأة كتاباً يتضمن إرادته الزواج بها – الإيجاب – فلما بلغها قامت بقراءته أمام الشهود، أو ذكرت مضمونه أمامهم وأتبعت ذلك بالقبول صح العقد. والدليل على جواز العقد بالكتابة ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي ملك الحبشة يخطب أم حبيبة رضي الله عنها فزوجها منه متولياً ذلك بالوكالة وأمهرها عنه.
ويشترط لانعقاد الإيجاب والقبول بالكتابة ما يلي:
1- أن يكون الزوج غائباً عن مجلس العقد.
2- أن تكون الكتابة واضحة.
3- أن تكون موجهة إلى المرأة أو وليها من الخاطب وعليها توقيع ونحوه يثبت صحة نسبتها إليه.
4- أن تقرأ المرأة نص الرسالة أو تذكر فحواها بحضرة الشهود ثم تعلن بولها بحيث يسمع الشهود طرفي العقد – الإيجاب والقبول -.
والأفضل في زماننا – بعد أن انتشرت وقائع الكذب والتزوير في العقود والمعاملات – أن يتم عقد الغائب من خلال ووكالة رسمية لدى كاتب العدل، فيوكل الزوج من يشاء في تزويجه وكالة خاصة أو عامة(5)، وكذا يصح لولي المرأة أن يوك من يزوجها، ووكيل كل ولي يقوم مقامه، غائباً أو حاضراً بشرط إذنها للوكيل بعد توكيله، ويشترط في وكيل ولي ما يشترط فيه(6).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




(1) انظر: المبدع 7/17، كشاف القناع 5/37.
(1) كذا عند الشافعية الأربعة انظر مغني المحتاج 3/139، الإقناع للشربيني 2/408، روضة الطالبين 7/36، وعند المالكية خمسة بإضافة الصداق انظر حاشية الدسوقي 2/294، القوانين الفهية لابن جزي 1/131، وعند الحنابلة الزوجان والصيغة انظر المبدع 7/17، الفروع 5/123، كشاف القناع 5/37،كتب ورسائل ابن تيمية 32/15، حاشية الروض المربع 6/246 وجعلوا الباقي من شروط الصحة، واخترنا قول المالكية لأن العقد لا يصح بغير هذه الأمور والله تعالى أعلم.
(1) انظر حاشية الروض المربع 6/246، منار السبيل 2/146. والمراجع السابقة.
(1) انظر المراجع السابقة.
(1) انظر شرح قانون الأحوال الشخصية لـ السباعي 1/94، أحكام الأحوال الشخصية لـ شقفة 1/154. منقول من حاشية نظام الأسرة في الإسلام لـد. محمد عقلة 1/245.
(1) انظر حاشية الروض المربع 6/272، منار السبيل 2/154.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-09-24, 05:09 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (21) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


أركان عقد النكاح (2-4)




الركن الثاني: وجود الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح؛ بأن لا تكون المرأة مثلاً من اللواتي يحرمن على هذا الرجل بنسب أو رضاع أو عدة أو غير ذلك، ولا يكون الرجل مثلاً كافراً والمرأة مسلمة وغير ذلك من الموانع الشرعية(1).
والمحرمات في النكاح قسمان:
القسم الأول: محرمات على التأبيد وقد جمعن في قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً)(2)، وهن ثلاثة أنواع؛ الأول: محرمات بالنسب ويشملن الأم والجدة من قبل الأم أو الأب وإن علت، والبنت وبنت الابن وبنتاهما من حلال أو حرام وإن سفلت، وكل أخت شقيقة أو لأب أو لأم، وبنتها وبنت ابنها وإن نزلت، وبنت كل أخ وبنتها، وبنت ابن الأخ وإن سفلت، وكل عمة وخالة وإن علتا من جهة الأب أو الأم، والدليل على كل أولئك قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت)، الثاني: محرمات بالرضاع ويحرم به ما يحرم بالنسب للآية (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة)، ولقوله عليه الصلاة والسلام (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة)(3)، الثالث: محرمات بالمصاهرة وهن صنفان؛ صنف يحرم بمجرد العقد وإن لم يحصل دخول وهن زوجة الأب ولو من رضاع، وزوجة كل جد وإن علا لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)(4)، وزوجة الابن وإن نزل ولو من رضاع لقوله تعالى (وحلائل أبنائكم)، وتحرم أيضاً أم الزوجة وجداتها لقوله سبحانه (وأمهات نسائكم)، وصنف يحرم بالدخول وهن بنات الزوجة التي دخل بها وبنات أولادها الذكور والإناث وإن نزلن من نسب أو رضاع لقوله تعالى (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن).
القسم الثاني: محرمات إلى أمد وهن ما يلي: االأول: من يحرمن بسبب جمع كالمرأة وأختها لقوله تعالى (وأن تجمعوا بين الأختين)، والمرأة وعمتها أو خالتها لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)(5)، وكذلك الزواج بخامسة حتى يطلق إحدى زوجاته وتنقضي عدتها فلا يحل له أكثر من أربع لقوله تعال (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)(6) الثاني: من تحرم لعارض وهن: المعتدة من الغير حتى تنقضي عدتها لقوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله)(7)، ومطلقته ثلاثاً حتى تنكح زوجاً نكاح رغبة ثم يطلقها وتقضي عدتها، لقوله تعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون)(8)، والمحرمة حتى تحل من إحرامها لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يَنْكِح المحرم، ولا يُنْكَح، ولا يَخْطُب)(9)، والزانية حتى تتوب لقوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين)(10)، والكافرة غير الكتابية حتى تؤمن لقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)(11)، وقوله تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)(12)، أما الكتابية العفيفة فيحل للمسلم نكاحها لقوله تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)(13)(14).

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



(1) انظر حاشية الروض المربع 6/246 وعدّ الأكثر ركنين فقط ولم يعرجوا على هذا لوضوحه، وذكره بعض العلماء ضمن الشروط.
(2) سورة النساء آية 23.
(3) أخرجه البخاري ك النكاح باب (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) ح5099-9/140 مع الفتح، ومسلم ك الرضاع 10/18 مع شرح النووي.
(4) سورة النساء آية.
(5) أخرجه البخاري ك النكاح باب لا تنكح المرأة على عمتها ح5109 -9/160 مع الفتح، ومسلم ك النكاح باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ح33-4/134.
(6) سورة النساء آية 3.
(7) سورة البقرة آية 235.
(8) سورة البقرة آية 230.
(9) أخرجه مسلم ك النكاح باب تحريم نكاح المحرموكراهة خطبته 9/194 مع شرح النوي.
(10) سورة النور آية 3.
(11) سورة البقرة آية 221.
(12) سورة الممتحنة آية 10.
(13) سورة المائدة آية 6.
(14) انظر: شرح الروض المربع 6/294-312، منار السبيل 2/161-171.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-09-29, 11:49 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (22) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


أركان عقد النكاح (3-4)


الركن الثالث : أن يعقد على المرأة وليها ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا نكاح إلا بولي)

فلو زوجت المرأة نفسها بدون وليها فنكاحها باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ) .

مَن هو الولي : يرى جمهور الفقهاء أن الولي في الزواج يكون من العصبة ويقدم أبو المرأة لأنه لا ولاية لأحد معه عليها ، ثم وصية في تزويج ابنته ، ثم الجد للأب ، ثم الابن ، ثم الأخ الشقيق ، ثم للأب ، ثم أبناء الأخوة ثم العم الشقيق للأب ، ثم أبناء العم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



شروطه : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والذكورة ، والعدالة .

عضل الأولياء : ليس للولي أن يعضل موليته إذا طُلبت من كفء ، وبصداق مثلها ولها أن ترفع أمرها إلى السلطان ليزوجها إذا عضلت إلا إذا كان الأب هو الولي ففي هذه المسألة خلاف .

قال تعالى : (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) . قال الحسن : "حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه ، قال زوجت أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ، ثم جئت تخطبها ، لا تعود إليك أبداً . وكان رجلاً لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه . فأنزل الله هذه الآية (فلا تعضلوهن) فقلت الآن أفعل يا رسول الله ، قال : فزوجها إياه" .
وللبكر أن ترفض تزويج والدها لها من فاسق وللحاكم أن يفرق بينهما إن حصل ذلك .
الحكمة من اشتراط الولي في النكاح :
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



إن من مقاصد هذا التشريع الحكيم صيانة المرأة عن أن تباشر بنفسها ما يُشعر بوقاحتها وميلها إلى الرجال ، مما ينافي حال أرباب الصيانة والمروءة .
قال الشيخ ولي الله الدهلوي رحمه الله :[ واستبداد النساء بالنكاح وقاحة منهن ، منشؤها قلة الحياء ، واقتضاب على الأولياء ، وعدم اكتراث ، وأيضاً يجب أن يميز النكاح من السفاح بالتشهير ، وأحق التشهير أن يحضره أولياؤها) .

كما أن المرأة - لقلة تجربتها في المجتمع ، وعدم معرفتها شئون الرجال وخفايا أمورهم – غير مأمونة حين تستبد بالأمر لسرعة انخداعها ، وسهولة اغترارها بالمظاهر البراقة دون تزو وتفكير في العواقب ، وقد اشترط إذن الولي مراعاة لمصالحها لأنه أبعد نظراً ، وأوسع خبرة ، وأسلم تقديراً ، وحكمه موضوعي لا دخل فيه للعاطفة أو الهوى ، بل يبنيه على اختيار من يكون أدوم نكاحاً وأحسن عشرة . وكيف لا يكون لوليها سلطان في زواجها وهو الذي سيكون – شاءت أم أبت ، بل شاء هو أو أبى – المرجع في حال الاختلاف ، وفي حالة فشل الزواج يبوء هو بآثار هذا الفشل ، ويجني ثمرات خطأ فتاته التي تمردت عليه وانفردت بتزويج نفسها؟! .
إن الهدف من رقابة الولي على اختيار الزوج ليس فقط تسهيل الزواج ، وإنما أيضاً تأمينه وتوفير عوامل الاستقرار له ، ورعاية مصالح الفتاة التي ائتمنه الله عليها ، وإن قصر نظرها عن إدراكها ، ومن هنا كان مبنى الولاية على حسن النظر والشفقة وذلك معتبر بمظنته ، وهي القرابة ، فأقربهم منها أشفقهم عليها ، وهذا أغلب ما يكون في العصبة .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-10-04, 01:21 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (23) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


أركان عقد النكاح (4-4)




الركن الرابع: الشهادة على عقد النكاح

لحديث جابر مرفوعاً (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)(1) قال الترمذي : العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم . ويشترط في الشاهدين أن يكونا ذكرين مسلمين مكلفين عدلين من غير أصلي الزوجين وفرعيهما ؛ لأن شهادتهم لا تقبل للزوجين ، متكلمين ؛ لأن الأخرس لا يتمكن من آداء الشهادة ، وأن يكونا سميعين ؛ لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به ، واشتراط الشهادة في النكاح احتياط للنسب خوف الإنكار(2).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




(1) عزاه السيوطي إلى البيهقي عن عمران بن الحصين وعن عائشة رضي الله عنهما ، وإلى الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه ، وصححه الألباني . انظر صحيح الجامع ح7433و7434 -6/203 .
(2) انظر حاشية الروض المربع 6/276 ، منار السبيل 2/157 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-10-13, 02:35 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (24) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



الشروط في النكاح ( 1-2 )



الشروط في النكاح قسمان :


القسم الأول : صحيح وهو شرط ما تنتفع به المرأة مثل : اشتراط زيادة في المهر ، أو نقد معين منه ، أو لا يخرجها من دارها أو بلدها ، أو لا يتزوج عليها ، أو لا يفرق بينها وبين أهلها أو أولادها ، أو مواصلة تعليمها ونحو ذلك مما تنتفع به المرأة ولا تتعدى به على الغير ، فالوفاء به واجب ، وإذا لم يفِ به كان لها الفسخ على التراخي ولا يسقط ملكها الفسخ إلا بما يدل على رضاها من قول أو تمكين مع العلم بعدم وفائه لها بما شرطت عليه(1) .

والدليل قول رسول الله e ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )(2) ، ولعمومات الأمر بالوفاء بالعقود والعهود .

فإن كان في شرطها تعدٍ على حق الغير كاشتراط طلاق ضرتها لم يصح لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِى صَحْفَتِهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَازِقُهَا )(3) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg





(1) المبدع 7/80 ، دليل الطالب 1/231 ، الإنصاف للمرداوي 8/154،155 ، منار السبيل 2/157 ، الكافي في فقه ابن حنبل 3/55 ، المغني 7/71 .



(2) أخرجه البخاري باب الشروط في المهر عند عقد النكاح ح 2572-2/970 ، ومسلم باب الوفاء بالشروط في النكاح ح 1418 .



(3) أخرجه مسلم باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ح 3509-4/136 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-10-21, 03:54 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (25) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



الشروط في النكاح ( 2-2 )


القسم الثاني : فاسد وهو نوعان :

النوع الأول : يبطل الشرط ويصح النكاح مثل أن يشترط أن لا مهر لها ، أو لا نفقة لها ، أو أن تنفق عليه ، أو أن يقسم لها أكثر من ضرتها ، أو أقل أو أكثر ، أو لا يقسم لها إلا في النهار دون الليل ، أو ليلة في الأسبوع ، ...الخ . وهذه الشروط باطلة وإن رضيت بها ، ولها الحق في الرجوع عنها ومطالبته بها والنكاح صحيح ، لمنافاة هذه الشروط مقتضى العقد ، وتضمنها إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل إنعقاده(1) (2).

النوع الثاني : يبطل النكاح ، وله ثلاث صور هي ما يلي :

الصورة الأولى : نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل موليته بشرط أن يزوجه الآخر موليته وليس بينهما مهر. وهذا نكاح باطل(3)، لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار ، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق )(4) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



الصورة الثانية : نكاح المحلل وهو أن يتزوج المرأة بشرط أن يحللها لمطلقها ثلاثاً وهو باطل حرام في قول عامة أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن الله المحلل والمحلل له )(5) ، وكذا إذا نوى التحليل دون شرط فلا يصح ، فقد روى نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال له : تزوجتها أحلها لزوجها ، لم يأمرني ولم يعلم ؟ قال : لا ، إلا نكاح رغبة ؛ إن أعجبتك أمسكتها ، وإن كرهتها فارقتها(6) .
الصورة الثالثة : النكاح المؤقت وهو أن يتزوج المرأة إلى مدة ، أو يشترط طلاقها بوقت كذا ، أو ينويه بقلبه ولا يشترطه على المرأة أو وليها ؛ فهذه ثلاث حالات .
فأما الحالة الأولى , هي أن يتزوج المرأة إلى مدة معلومة أو غير معلومة ، فهذا هو نكاح المتعة رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب شدة العزوبة في الغزو والسفر ثم نهى عنه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( كنا نغزوا مع رسول الله وليس معنا نساء فقلنا : ألا نختصي ؟ فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن نستمتع ، فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب إلى أجل )(7) .
وعن سبرة الجهني أنه كان مع رسول الله فقال ( أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً )(8).
والأحاديث في تحريم نكاح المتعة كثيرة(9) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



أما الحالة الثانية : أن ينكح المرأة ويشترط طلاقها بوقت محدد أو غير محدد ، كقوله حتى أرجع بلدي ، أو تنقضي تجارتي ، أو عاماً ، ...الخ . وهذا نكاح باطل لشبهه بالمتعة ، ومخالفته لمقصود النكاح – العشرة الدائمة وحصول السكن والطمئنينة وإنجاب الأولاد ..._ والفرق بينه وبين المتعة ، أن يفتقر إلى لفظ الطلاق أما المتعة فبمجرد انتهاء المدة يفترقان(10) .
أما الحالة الثالثة : أن ينكح المرأة وهو ينوي طلاقها بقلبه ، وهذا اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال ؛ القول الأول أن النكاح صحيح إذا استوفى أركانه وشروطه ، ونيته لا تضر لأنه قد تعجبه المرأة أو تنجب له ولداً فيمسكها ، وإليه ذهب جمهور أهل العلم(11) .
القول الثاني : أن النكاح لا يصح لأنه نكاح متعة وإن لم يشترط ، وقياساً على نكاح المحلل الذي نوى التحليل بقلبه ولم يشرطه فقد اتفق العلماء على بطلانه ، وهذا مثله . وإلى هذا ذهب الأوزاعي وجماعة من أهل العلم .
القول الثالث : أن النكاح يصح مع الإثم ، والأولى منعه لما فيه من التغرير بالمرأة ووليها ؛ إذ لو علما بنيته ما قبلا هذا الزواج ، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، كما أنه يفتح باب شر كبير من جراء التساهل في الحرمات والسفر بقصد الزواج أياماً معدودة بنية الطلاق دون اشتراط احتيالاً على الشرع فالقصد الاستمتاع لا الزواج(12) .


(1) ونقل عن أحمد ما يحتمل إبطال العقد فروي عنه في النهاريات والليليات " ليس هذا من نكاح أهل الإسلام " وهذه الشروط معروفة في الزواج المعروف اليوم بزواج المسيار ، فيصح النكاح ويبطل الشرط ولها حق مطالبته بالنفقة والقسم . انظر منار السبيل 2/160 ، الكافي في فقه ابن حنبل 3/55 .

(2) انظر : منار السبيل 2/160 ، كتب ورسائل ابن تيمية 32/158 ، سبل السلام 3/264 ، الكافي في فقه ابن حنبل 3/55 ، المغني 7/71 ، القوانين الفقهية لابن جزي 1/145 .

(3) انظر سبل السلام 3/257 ، روضة الطالبين 7/40 ، منار السبيل 2/172 ، دليل الطالب 1/231 .

(4) متفق عليه .

(5) أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح ، وابن ماجه .

(6) انظر : سبل السلام 3/269 ، منار السبيل 2/158 ، حاشية الروض المربع 6/320 .

(7) أخرجه البخاري ومسلم .


(8) أخرجه مسلم .

(9) انظر : سبل السلام 3/266 ، حاشية الروض المربع 6/324 ، منار السبيل 2/159 ، كتب ورسائل ابن تيمية 32/158 ، المغني 7/72 ، وحواشي الشرواني 7/224 ، بدائع الصنائع 2/272 .

(10) انظر المراجع السابقة .

(11) انظر : منار السبيل 2/159 ، فتاوى علماء البلد الحرام ص428،429 .

(12) وهذا رأي الإمام أحمد و الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى انظر فتاوى البلد الحرام ص429 ، حاشية الروض المربع 6/324 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-10-27, 06:32 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (25) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


ولاية المرأة لعقد النكاح



اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين همـــا:

القول الأول : جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية ؛ أن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها، ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح النكاح ، وروي هذا عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة - رضي الله عنهم- (1).

واستدلوا بعدة أدلة منها :

1) قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}( 2). سبب نزول الآية أن معقل بن يسار كان زوّج أختاً له ابن عم له فطلقها، ثم أراد الزواج وأرادت نكاحه بعد مضي عدتها، فأبى معقل وقال: زوجتك وآثرتك على غيرك فطلقتها لا أزوجكها أبداً .

قال الشافعي رحمه الله تعالى: وهذه أبين آية في كتاب الله تعالى تدل على أن النكاح لا يجوز بغير ولي؛ لأنه نهى الولي عن المنع، وإنما يتحقق المنع منه إذا كان الممنوع في يده.

2) عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا نكاح إلا بولي )(3)، يدل على أن النكاح لا ينعقد ولا يصح بغير ولي .

3) عن عائشة - رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها, فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"(4).

4) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُنْكِحُ المَرْأةُ المَرْأةَ فإن البَغيَّ إنما تُنْكِحُ نفسها ) وفي رواية (لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها ) قال أبو هريرة رضي الله عنه كنا نعدّ التي تنكح نفسها هي الزانية (5) . وهذا صريح في أنه ليس للمرأة أن تتولى عقد النكاح لنفسها ولا لغيرها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




5) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي اللَّهُ عَنْهَا- تُخْطَبُ إِلَيْهَا الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا فَتَشْهَدُ فَإِذَا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قَالَتْ لِبَعْضِ أَهْلِهَا : زَوِّجْ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تلي عُقْدَةَ النِّكَاحِ (6).

6) ولأن النكاح عقد عظيم ، خطره كبير ، ومقاصده شريفة، ولهذا أظهر الشرع خطره باشتراط الشاهدين فيه من بين سائر المعارضات ، وجعل مباشرته مُفوّضة إلى أولي الرأي الكامل من الرجال؛ لأن النساء ناقصات عقل، والدليل على اعتبار نقصان عقلها أنه لم يجعل إليها من جانب رفع العقد شيء، بل الزوج هو الذي يستبدُّ بالطلاق.

7) ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه رد نكاح امرأة نكحت بغير إذن وليها في أكثر من حادثة، ولم يُنكر عليه أحد من الصحابة(7) .

8) دليل عقلي : ثبوت حق الاعتراض للأولياء إذا وضعت نفسها في غير كفء، ولو ثبتت لها ولاية الاستبداد بالمباشرة لم يثبت للأولياء حق الاعتراض كالرجل ، وكذلك تملك مطالبة الولي بالتزويج، ولو كانت مالكة للعقد على نفسها لما كان لها أن تطالب الولي به.



القول الثاني: الحنفية؛ أن للمرأة أن تلي عقد النكاح فتزوج نفسها أو تزوج غيرها، لكنهم اختلفوا بعد ذلك فيما لو زوّجت نفسها بغير كفء سواء كانت بكراً أو ثيباً، فعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى- النكاح صحيح لكن للأولياء حق الاعتراض.

وفي رواية الحسن - رحمه الله- إن كان الزوج كفؤا لها جاز النكاح، وإن لم يكن كفؤا لها لا يجوز ، وكان أبو يوسف - رحمه الله تعالى- أولاً يقول لا يجوز تزويجها من كفء أو غير كفء إذا كان لها ولي، ثم رجع وقال: إن كان الزوج كفؤا جاز النكاح وإلا فلا، ثم رجع فقال: النكاح صحيح سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كفء لها .

وقال محمد - رحمه الله تعالى- يتوقف نكاحها على إجازة الولي، سواء زوّجت نفسها من كفء أو غير كفء ، فإن أجازه الولي جاز، وإن أبطله بطل، إلا أنه إذا كان الزوج كفؤا لها ينبغي للقاضي أن يجدد العقد إذا أبى الولي أن يزوجها منه(8) .

واستدلوا بما يلي :

1) قول الله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } قالوا : لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في النكاح؛ لأن الله تعالى أضاف النكاح إليهن، ونهى عن منعهن منه .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




2) في الموطأ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي اللَّهُ عَنْهَا- : أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : مِثْلِى يُصْنَعُ هَذَا بِهِ وَيُفَتَاتُ عَلَيْهِ ببناتِه ؟ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ - رضي اللَّهُ عَنْهَا- الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ الْمُنْذِرُ : فَإِنَّ ذَلِكَ بَيْدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْتُ لأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ، فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاَقًا(9) .

3) لأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها كبيع أمتها ، ولأنها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رقبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض منافعها أولى .

وأجابوا عن أدلة الجمهور بما يلي:

- حديث لا نكاح إلا بولي بجوابين؛ الأول: أن يراد بالولي من يتوقف على إذنه، أي لا نكاح إلا بمن له ولاية، لينفي نكاح الكافر المسلمة، والثاني أن المراد نفي الكمال والسنة وليس الصحة .

- وأجابوا عن حديث عائشة - رضي الله عنها-: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ... ) بأن مفهومه صحة النكاح بإذن الولي، ولأن المنع لحقه فجاز بإذنه كنكاح العبد الذي يصح بإذن وليه.



الراجح رأي الجمهور من العلماء ، ويُجاب عن الحنفية بما يلي :

- أما إضافة النكاح للنساء في قوله تعالى ( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) فلأنهن محل له، لا أنه لهن أن ينكحن أنفسهن بدون وليهن، وإلا لما كان للمنع من العضل معنى.

- وأما استدلالهم بفعل عائشة - رضي الله عنها- فيُأوّل على معنى أنها أذنت في التزويج ومهّدت أسبابه ، فلما لم يبق إلا العقد أشارت إلى من يلي أمرها عند غيبة أبيها أن يعقد ، يدل على ذلك ما روي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال : كانت عائشة - رضي الله عنها- تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد ، فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها : زوج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح .وفي لفظ : فإن النساء لا ينكحن .أسنده البيهقي عنه(10) .

كما أن الإمام مالك الذي أخرج الخبر قيل له: حديث عائشة حين زوّجت حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر بن الزبير أليس قد عقدت عائشة النكاح ؟ قال: لا نعرف ما تفسيره إلا أنا نظن أنها قد وكّلت من عقد نكاحها(11) .

- وأما استدلالهم بمفهوم حديث عائشة - رضي الله عنها-: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ... ) فيجاب التخصيص ههنا خرج مخرج الغالب ، فإن الغالب أنها لا تزوّج نفسها إلا بغير إذن وليها ، إذ لو رضي لكان هو المباشر له دونها ، أما القياس على نكاح العبد فهو مع الفارق ؛ فالمرأة غير مأمونة على البضع لنقص عقلها، وسرعة انخداعها، فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال , بخلاف العبد فإن المنع لحق الولي خاصة والله أعلم .








(1) - انظر : المدونة 2/117 ، إعانة الطالبين 3/308 ، الأم 9/12 ، المغني 7/337 ، العدة شرح العمدة 2/516 ، شرح مسلم للنووي 9/204 ، معالم السنن للخطابي 3/176 ، فتح الباري 9/193.

فإن حكم بصحة هذا العقد أي بغير ولي حاكم أو كان المتولي لعقده حاكماً لم يجز نقضه وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة لأنها مسألة مختلف فيها ويسوغ فيها الاجتهاد فلم يجز نقض الحكم . انظر المغني 7/337 .

(2) - سورة البقرة آية 232 .

(3) - أخرجه أبو داود ك النكاح باب في الولي ح2085-2/236 ، والترمذي ك النكاح باب14 ما جاء لا نكاح إلا بولي ح1107-2/280، والدرامي ك النكاح باب النهي عن النكاح بغير ولي 2/137 ، وأحمد 4/394 ، وابن حبان ك النكاح باب الولي ذكر البيان بأن عقد النساء إلى الأولياء عليهن دونهن ...ح4071-6/154 وقال : سمع هذا الخبر أبو بردة عن أبي موسى مرفوعاً ؛ فمرة كان يحدث به عن أبيه مسنداً ، ومرة يرسله ، فالخبر صحيح مرسلاً ومسنداً معاً لا شك ولا ارتياب في صحته ، والحاكم ك النكاح باب لا نكاح إلا بولي 2/170 وقال بعد أن ساق عدة أسانيد : هذه الأسانيد كلها صحيحة وقد علونا فيه عن إسرائيل ، وقد وصله الأئمة المتقدمون الذين ينزلون في رواياتهم عن مثل عبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وغيرهم ، وقد حكموا لهذا الحديث بالصحة ، صححه الألباني بشواهده في إرواء الغليل 6/238 .

(4) - أخرجه أبو داود ك النكاح باب في الولي ح2083-2/235 ، والترمذي ك النكاح باب 14 ما جاء لا نكاح إلا بولي ح1108-2/80 وقال: هذا حديث حسن ، والنسائي في الكبرى ك النكاح باب34 الثيب تجعل أمرها لغير وليها ح5394-3/285 ، والدرامي ك النكاح باب النهي عن النكاح بغير ولي 2/137 ، وابن حبان ك النكاح باب الولي ذكر بطلان النكاح الذي نكح بغير ولي ح4062-6/151 والحاكم ك النكاح باب أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل 2/168 وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وصححه بمتابعاته ابن حجر في الفتح 9/194 ، والألباني في إرواء الغليل ح1840-6/243 .

(5) - أخرجه الشافعي في مسنده بتربيب السندي ح28 ص1113 وإسناده صحيح ، وابن أبي شيبة في المرأة تزوج نفسها 16210-4/135 ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى باب لا نكاح إلا بولي ح13411-7/110 ، والدارقطني ح30-3/228 .


(6) - أخرجه البيهقي في السنن ك النكاح باب لا نكاح إلا بولي ح14023-7/112 .

(7) - ذكرها الإمام الشافعي في كتابه الأم 9/12 .

(8) - انظر : فتح القدير 6/465 . شرح فتح القدير 2/11 ، المبسوط 5/16-19 ، تبيين الحقائق 2/117 .

(9) - أخرجه الإمام مالك في موطئه رواية محمد بن الحسن باب الرجل يجعل أمر امرأته بيدها ح568-2/499 ورواية يحيى الليثي باب ما لا يبين من التمليك ح1160-2/555 .

(10) - السنن الكبرى للبيهقي 7/112 . وبه قال البيهقي .

(11) - المدونة 2/117 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-11-02, 10:18 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (27) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


لا إجبار على النكاح
فليس للأب ولا لغيره أن يزوج ابنه البالغ العاقل أو ابنته الثيب البالغة بغير رضاهما ، فإن أُكره أحدهما لم يصح العقد ، فعن عائشة - رضي الله عنها- ( أن فتاة قالت : -تعني للنبي صلى الله عليه وسلم - إن أبي زوّجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ، وأنا كارهة ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيها ، فجاء فجعل الأمر إليها ، فقالت : يا رسول الله ، إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء ) (1)، وعن خنساء بنت خذام الأنصارية - رضي الله عنها-: أن أباها زوّجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فردّ نكاحها )(2)، ظاهر هذا الحديث رد زواج الثيب إذا أكرهت عليه، وهو موضع إجماع .
وكذلك للأب أن يزوج ابنه المجنون، أو البالغ المعتوه، وابنته المجنونة دون إذنهم، إذا ظهرت منهم أمارات الرغبة في الزواج ، وكان في تزويجهم مصلحة .
واختُلف في البكر البالغة والصغير والصغيرة دون البلوغ هل للأب أن يزوجهم دون رضاهم؟
أما البكر البالغ/ فقد اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: لا يجب إذنها، وإنما يستحب، فيجوز للأب إجبارها.
وهذا مذهب مالك(3)، والشافعي(4)، وأحمد(5) .
واستدلوا بمفهوم حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا )(6)؛ لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها ، فدلّ على أن ولي البكر أحق بها منها . وأما الاستئذان فهو تطييب لخاطرها.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




القول الثاني: يجب استئذانها ولا تجبر على النكاح.
وهذا مذهب أبي حنيفة والثوري وابن المنذر(7) . واستدلوا بما يلي :
-بحديث أبي هريرة ( لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيِّب حتى تستأمر ) ، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها ـ أي: البكر ـ؟ قال: ( أن تصمت )(8)، فالحديث نصّ على البكر وعلى الثيب، ودلّ على النهي عن تزويج الأب ابنته البكر حتى يستأذنها، ومعناه أنه إذا لم تأذن فليس له تزويجها ، وإلا لما كان للاستئذان فائدة ، كما أن تعليق النكاح على الإذن يدل على أنه واجب .
-وحديث ابن عباس : ( أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِىَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النبي صلى الله عليه وسلم )(9) . ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ نكاح البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة ، فدل على أن إذن البكر لا بد منه في النكاح .
-كما أنه ليس للأب أن يتصرف في مال ابنته الرشيدة بغير إذنها، وبُضعها أعظم من مالها، فكيف يجوز له التصرف في بضعها مع كراهتها ورشدها ؟!.
وهذا القول هو الراجح . ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم ، وقال : [وهو الذي ندين الله به ، ولا نعتقد سواه ، وهو الموافق لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره، ونهيه، وقواعد شريعته، ومصالح أمته ] .
وأجابوا عن حديث ابن عباس بثلاثة أجوبة:
1)أنه استدلال بالمفهوم، وهو مختلف في الاحتجاج به، والمنطوق مقدم عليه.

2)أن المفهوم لا عموم له فيُحمل على البكر الصغيرة غير البالغة.

3)نفس نظم باقي الحديث يخالف المفهوم وهو قوله:( والبكر يستأذنها..) الخ ، فهو خبر يفيد وجوب الاستئذان وهذا مناف للإجبار، كأنه طلب الأمر أو الإذن، وفائدته الظاهرة ليست إلا ليستعلم رضاها أو عدمه، فيعمل على وفقه. وغاية الأمر أنه نص على أحقية كل من الثيب والبكر بلفظ يخصها ؛كأنه قال الثيب أحق بنفسها، والبكر أحق بنفسها أيضاً ، غير أنه أفاد أحقية البكر ضمن إثبات حق الاستئذان والاستئمار لها ؛ وسببه أن البكر لا تخطب إلى نفسها عادة، بل إلى وليها بخلاف الثيب، فلما كان الحال أنها أحق بنفسها، وخطبتها تقع للولي، صرح بإيجاب استئماره إياها، فلا يفتات عليها بتزويجها قبل أن يظهر رضاها بالخاطب . والله تعالى أعلم

أما غير الأب، فلا يجوز له أن يزوج البكر الكبيرة بالاتفاق(10) .
أما الصغير والبكر الصغيرة / أيضاً اختلف فيهما العلماء على قولين هما :


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


القول الأول: قول عامة الفقهاء(11)، أن للولي تزويج الصغير، والبكر الصغيرة، دون رضاهما(12)، واستدلوا بما يلي :
1)بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوج عائشة - رضي الله عنها- وهي صغيرة بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين، وزوج صلى الله عليه وسلم بنت عمه حمزة - رضي الله عنه- من عمر بن أبي سلمة وهي صغيرة ، وإنما زوّجها بالعصوبة لا بولاية ثبتت بالنبوة ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزوج بها قط، وهذا دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة، وأنه ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم .
2)وكذلك قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}(13)، فقد حدّد الله تعالى عدة الصغيرة التي لم تحض بثلاثة أشهر، والعدة لا تكون إلا من طلاق في نكاح صحيح .
3)كما أن قدامة بن مظعون تزوّج بنت الزبير رضي الله عنه يوم ولدت ، وقال: إن مت فهي خير ورثتي، وإن عشت فهي بنت الزبير . وزوّج علي ابنته أم كلثوم من عمر وهي صغيرة ، وزوّج ابن عمر رضي الله عنه بنتاً له صغيرة من عروة بن الزبير رضي الله عنه ، وزوّج عروة بن الزبير رضي الله عنه بنت أخيه من ابن أخته وهما صغيران (14).
4)أن الحاجة إلى الكفء ثابتة؛ لأن مقاصد النكاح إنما تتم معه، وإنما يظفر به في وقت دون وقت، والولاية لعلة الحاجة، فيجب إثباتها إحرازاً لهذه المصلحة.
لكن مع قولهم بجواز تزويج الصغير والصغيرة، قالوا بضرورة وجود مصلحة للصغير والصغيرة في هذا الزواج، وأن لا يُدخل على الصغيرة حتى تصبح صالحة لذلك.
القول الثاني: قول ابن شبرمة، وأبو بكر الأصم -رحمهما الله تعالى- وغيرهما، أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا ، واستدلوا بعدة أدلة منها :
1)قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}(15)، فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا التحديد فائدة .
2)قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تنكح البكر حتى تستأذن ) أي حتى تصبح من أهل الإذن ، ولا يعتبر إذنها ورضاها حتى تبلغ ، فدلّ على عدم جواز تزويج الصغيرة التي لم تبلغ .
3)قياساً على البكر البالغة، فإذا كان لا يجوز إجبارها فغير البالغة من باب أولى.
4)ولأن ثبوت الولاية على الصغير والصغيرة لحاجة المولى عليه حتى أن فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات، ولا حاجة بهما إلى النكاح؛ لأن مقصود النكاح طبعاً هو قضاء الشهوة، وشرعاً النسل والصغر ينافيهما.
5)أن هذا العقد يعقد للعمر، وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ، فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك، إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ.
والقول بعدم تزويج الصغيرين أولى لما سبق من الأدلة، والكفء غير متعين في زمن دون زمن، والخشية من فواته يقابله الخشية من انتكاسه وتغيره، والقائلون بجوازه منهم من جعل للصغير الخيار عند البلوغ ، وعندئذ يلزم الولي المهر ، وهذا يتنافى مع الحكم بصحة تصرفه ، والله تعالى أعلم (16).








(1) - أخرجه النسائي ك النكاح باب36 البكر يزوجها أبوها وهي كارهة ح30269-6/86 ، وابن ماجه ك النكاح باب12 من زوج ابنته وهي كارهة ح1874-1/602 ، وأحمد 6/136 ، والدارقطني ح45-3/232 ، والبيهقي ك النكاح باب إنكاح الآباء الأبكار 7/119 . إسناده حسن لكنه مرسل

(2) - أخرجه البخاري ك النكاح باب لا يجوز نكاح المكره ح6546-6/2547 .

(3) - انظر : الفواكه الدواني 3/951 .

(4) - انظر : فتح الوهاب 2/61 .

(5) - انظر : حاشية الروض المربع 6/256 ، المبدع شرح المقنع 7/20 .

(6) - أخرجه مسلم نكاح بالنطق والبكر بالسكوت ك النكاح باب استئذان الثيب في اح3542-4/141 .

(7) - أنظر : المبسوط 5/12 ،... ،

(8) - أخرجه البخاري في النكاح باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما ح 5136 ؛ ومسلم بنحوه في النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت ح 3538-4/140 .

(9) - أخرجه بو داود ك النكاح باب 25 في البكر يزوجها أبوها .. ح 2098-2/195 ، وابن ماجه ك النكاح باب 12 من زوج ابنته وهي كارهة ح 1875-1/603 ، وأحمد ح 2469-1/273 وقال محققه الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط البخاري ، وقال لألباني في صحيح أبي داود 6/330 :[ قلت: حديث صحيح، وكذلك قال ابن القطان، وقوّاه ابن القيم والعسقلاني ] .

(10) - انظر لهذه المسألة: إيقاظ الأفهام في شرح عمدة الأحكام 2/35 ، فيض القدير 3/449 ، فتح الباري 9/193 ، شرح صحيح مسلم للنووي 9/203 ، مرقاة المفاتيح 10/69،70، الشرح الممتع 12/ 33 ، الفتاوى الكبرى 3/83 ، مجموع الفتاوى 32/23، زاد المعاد 5/96 ، وما سبق من كتب الفقه المشار إليها .


(11) - الأحناف يرون أن للولي من العصبة أن يزوج الصغير والصغيرة، وأن لهما حق الفسخ إذا بلغا ، أما الإمام مالك فيمنع غير الأب ، ويزيد الشافعي الجد .

(12) - انظر : المبسوط 4/390 ، فتح القدير 7/4 ، حاشية ابن عابدين 3/70 ، الفواكه الدواني 3/959 ، المدونة 2/100 ، روضة الطالبين 7/53 ، شرح الروض المربع 6/256 ، المغني 6/487 .

(13) - سورة الطلاق آية 4 .

(14) - انظر: المبسوط 4/387 ، الفواكه الدواني 3/958 ، فتح الوهاب 2/61 ، المبدع شرح المقنع 7/21 ،

(15) - سورة النساء آية 6 .
(16) - وقد رجحه أيضاً الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى- انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 12/34 فيما إذا كانت المرأة دون التسع سنوات .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-11-15, 05:56 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (28) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



حكم تولي شخص واحد طرفي العقد (الإيجاب والقبول) (1-2)


وله صورتان/ الصورة الأولى:

أن يكون الزوج أصيلاً من جهة نفسه في العقد، وولياً من جانب الزوجة ، كابن العم إذا كان ولياً للمرأة، وأراد تزوجها ، فهل يصح توليه لطرفي العقد؟
اختلف العلماء على قولين :

القول الأول: قول الحنفية-غير زفر- والمالكية في المشهور، والحنابلة في رواية ، أن ولي المرأة الذي يحل له نكاحها إذا أذنت له أن يتزوجها ، له أن يتولى طرفي العقد بنفسه ، واستدلوا بما يلي :
قول الله تعالى { وَيَسْتَفْتُونَ كَ فِي النِّسَاءِ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ }(1).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



عن عائشة قالت: هو الرجل تكون عنده اليتيمة، هو وليها ووارثها قد شَرِكته في ماله، حتى في العَذْق، فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يزوِّجها رجلا فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها، فنزلت هذه الآية(2).

ووجه الاستدلال بالآْيَة الكريمَة أَن قوله تعالى { لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } خَرَجَ مَخْرَجَ الْعِتَابِ، فيدل على أَنَّ الولِي يَقُومُ بِنِكاحِ وَلِيَّتِهِ وَحْدَهُ ،إِذْ لَوْ لَمْ يَقُمْ وَحْدَهُ بِهِ لم يكن للعِتَابِ معنى لمَا فِيه مِنْ إِلْحَاقِ الْعِتَابِ بِأَمْرٍ لاَ يَتَحَقَّقُ .

وقوله تعالى { وَأَنْكِحُوا الأَْيَامَى مِنْكُمْ }(3)، هذا أمر بالتزويج من غير فَصْلٍ بَيْنَ الإِْنْكَاحِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ .

وَلَمَّا وَرَدَ " أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَال لأُِمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ : أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَقَال : قَدْ تَزَوَّجْتُكِ "(4) فكان بذلك عقداً .
ولأنه يملك الإيجاب والقبول، فجاز أن يتولاهما كما لو زوّج أمته عبده الصغير .
ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب من ولي ثابت الولاية ، والقبول من زوج هو أهل للقبول، فصحّ كما لو وجدا من رجلين(5) .


القول الثاني: قول زفر من الحنفية، والشافيعة ، ورواية عند الحنابلة، أنه لا يجوز للولي الذي يريد الزواج من موليته أن يتولى طرفي العقد ، ولكن يُوكل غيره ليُزوِّجه إيَّاها بإذنها، لِحَدِيثِ " أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا فَأَمَرَ رَجُلاً فَزَوَّجَهُ(6).
وَلأَِنَّهُ عَقْدٌ مَلَكَهُ بِالإِْذْنِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ(7) .

الراجح القول الأول ؛ لفعل الصحابة - رضي الله عنهم- بلا خلاف، ولا تعارض بين فعل المغيرة وعبد الرحمن، وغايته أن كلا الأمرين جائز؛ ولأن هذه امرأة، ولها ولي حاضر غير عاضل، فلم يلها غيره، كما لو أراد أن يزوجها غيره . والله تعالى أعلم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg










(1) - سورة النساء آية 176 .
(2) - تفسير القرآن العظيم 2/424 .
(3) - سورة النور آية 32 .
(4) - أخرجه البخاري معلقا ( فتح الباري 9 / 188 - ط السلفية )، ووصله ابن سعد في الطبقات،كما في التغليق لابن حجر ( 4 / 416 - ط المكتب الإسلامي ) .
(5) - البحر الرائق 3/146 ، بدائع الصنائع 2/231 ، ومغني المحتاج 3 / 163 ، والمغني 7 / 360 ، وكشاف القناع 5 / 62 . المبدع شرح المقنع 7/39 ، الموسوعة الفقهية الكويتية 41/244
(6) - أخرجه البخاري معلقا ( فتح الباري 9 / 188 - ط السلفية ) ، ووصله البيهقي في الخلافيات، كما في التغليق لابن حجر ( 4 / 416 ) .

(7) - بدائع الصنائع 2 / 231 ، تبيين الحقائق 2/132 ، والحطاب 3 / 439 ، ومغني المحتاج 3 / 163 ، والمغني 7 / 360 . المبدع شرح المقنع 7/39 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-11-27, 09:27 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (29) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



حكم تولي شخص واحد طرفي العقد (الإيجاب والقبول) (2-2)





الصورة الثانية:

أن يتولى طرفي العقد ولي الزوج والزوجة ؛ كَأَنَّ يَتَوَلَّى جَدٌّ طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الآْخَرِ . وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين (1):



القول الأول/ ذهب الحنفية - غير زفر - والشافعية في الأصح والحنابلة في رواية، أنه يجوز أن يتولى ولي الزوجين طرفي العقد، إلا أن الشافعية يجعلون هذا الحق للجد فقط، دون سائر الأولياء؛ لقوة ولايته. واستدلوا بأنه زوج صلى الله عليه وسلم بنت عمه حمزة - رضي الله عنه- من عمر بن أبي سلمة وهي صغيرة ، وبما روي عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ « أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلاَنَةَ ». قَالَ نَعَمْ. وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ « أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلاَنًا ». قَالَتْ نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُلُ، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ ، وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - زوجني فُلاَنَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وإني أُشْهِدُكُمْ أَنِّى أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سهمي بِخَيْبَرَ، فَأَخَذَتْ سَهْمًا فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ(2). وهذا يعم كل الأولياء .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




القول الثاني/ عند زفر، ومقابل الأصح عند الشافعية، وفي الرواية الثانية عند الحنابلة، أنه لا يجوز له أن يتولى طرفي العقد، وإنما يوكل رجلاً يزوجها لابن ابنه؛ لأن ركن النكاح اسم لشطرين مختلفين، وهو الإيجاب والقبول، فلا يقومان إلا بعاقدين .



الراجح القول الأول للحديث، كما أن لفظا الإيجاب والقبول صدرا ممن هو أهل لهما، فقام بذلك مقام العاقدين.







(1) - البحر الرائق 3/146 ، بدائع الصنائع 2 / 231 ، تبيين الحقائق 2/132 ، ومغني المحتاج 3 / 163 ، والمغني 6 / 469 - 471 . الموسوعة الفقهية الكويتية 41/244 .

(2) - أخرجه أبو داود ك النكاح باب فيمن تزوج ولم يسم صدااقاً ح2119-2/203 وصححه الألباني .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2018-12-05, 02:41 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (30) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



شروط أركان النكاح عند الحنفية(1)




شروط الانعقاد(2) :


هي تلك الاعتبارات التي ينبغي مراعاتها في أركان العقد ( وهي العاقدان والصيغة )، بحيث لو تخلف أحد منها كان العقد باطلاً . وهي ما يلي :

- أن يكون العاقد عاقلاً ؛ فلا ينعقد بالمجنون والصبي غير المميز .

- وأن تكون المرأة غير محرمة على الرجل تحريماً قطعياً .

- وأن لا يختلّ وصف من أوصاف الصيغة ، وذلك بأن تكون الصيغة صريحة (بلفظ التزويج، والإنكاح، وما اشتق منهما)، أو كناية نوى بها التزويج مثل (الهبة، والتمليك، والصدقة، والجعل ) ، وسماع كل من العاقدين كلام صاحبه ، وأن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد ، وأن يكون الزوج والزوجة معلومين.



شروط الصحة(3) :

وهي التي ينبغي توافرها ليصير العقد صالحاً؛ لترتب الآثار عليه، وإلا كان فاسداً ، وشروط الصحة تأتي بعد تحقق أركانه، وتوافر شروط انعقاده . وهذه الشروط هي :



1) الإشهاد وقت إجراء العقد ؛ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، يشترط فيهم العقل، والحرية، والبلوغ، والإسلام ، وتصح شهادة الأصول والفروع، وكذلك الفاسق(4)، ولكن شهادة هؤلاء وإن كان يعقد بها النكاح إلا أنه لا يثبت بها عند الإنكار، فشهادتهم تنفع في حل الزوجة ديانة لا قضاء؛ فالنكاح له حالتان: حالة الانعقاد، وهذه تصح فيها شهادة الفاسق، والابن، والأب . وحالة إثبات عند الإنكار، وهذه لا تصح فيها شهاداتهم؛ بل يشترط في الشاهد على إثبات النكاح ما يشترط في غيره.



2) ألا يكون أحد الزوجين مكرهاً .



3) ألا يكون الزواج مؤقتاً .



شروط نفاذ :

هي التي تشترط لنفاذه، وعدم توقفه على إجازة أحد بعد انعقاده وصحته .

1) أن يكون كل من العاقدين عاقلاً بالغاً، فإن كانا غير بالغين، وكانا مميزين أوأحدهما، وتولى العقد بنفسه ؛ فإن العقد ينعقد بعبارته ، إلا أنه يكون موقوفاً على إجازة ولي النفس ، فإن أجازه صح ونفذ(5) .



2) أن يكون كل من العاقدين ذا صفة تخول له أن يتولى العقد ، وتجعل له الحق في مباشرته، وذلك بأن يكون أحد الزوجين ، أو وكيلاً عنه ، أو ولياً عليه ، فلو كان أحد العاقدين فضولياً محضاً ، أو كان وكيلاً ولكن خالف فيما وُكل فيه كأن عقد له على غير المرأة التي سماها ، أو كان ولياً ولكن يوجد ولي أقرب منه مقدم عليه ، لم يجز(6).



شروط اللزوم :

وهي التي يتوقف عليها العقد واستمراره، وبعبارة أخرى هي ألا يكون لأحد الزوجين، ولا لغيرهما حق فسخ العقد بعد انعقاده، وصحته، ونفاذه، وهي :

1) أن يكون العاقد لفاقد الأهلية – المجنون، والصبي غير المميز – أو لناقص الأهلية كالمعتوه، والصبي المميز الأب أو الجد ، فهذا العقد يكون لازماً، ولا خيار عند البلوغ والإفاقة ، إلا إذا كان الأب والجد معروفين من قبل العقد بفساد الرأي، وسوء الاختيار .



2) إذا كان الزوج غير كفء، ورفض أحد أولياء المرأة هذا العقد فله الحق في فسخه، ومحل ثبوت هذا الحق للأولياء إذا لم يسكتوا حتى تلد، أو يظهر عليها الحمل؛ تغليباً لحق الحمل على حقهم .(7)



3) أن يكون كل من الزوجين خالياً من العيوب المبيحة للفسخ(8) .













(1) - أفردناه بالذكر لاعتماد بعض القوانين العربية عليه في القضاء .

(2) - انظر : بدائع الصنائع 2/233 ، الفتاوى الهندية 1/267 ، العناية شرح الهداية 4/316 ، الفقه على المذاهب الأربعة 4/11 .

(3) - انظر : تبيين الحقائق 2/97 ، بدائع الصنائع 2/239و253 ، العناية شرح الهداية 4/320 و394 ، المبسوط 5/173 ، الفقه على المذاهب الأربعة 4/13 ، رد المحتار 9/231 ، الموسوعة الفقهية الكويتية 41/248

(4) - سبق عند ذكر الركن الرابع أن الجمهور يشترط الذكورة والعدالة، وأن لا يكون الشاهدين من أصلي الزوجين، ولا فرعيهما .

(5) - بدائع الصنائع 2/233 .

(6) - انظر : بدائع الصنائع 2/233 و249 . تبيين الحقائق 2/132 .

(7) - انظر : العناية شرح الهداية 4/441 ، بدائع الصنائع 2/249 . تبيين الحقائق 2/128 .

(8) - المبسوط 5/173 ،

ابو وليد البحيرى
2018-12-10, 10:09 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (31) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


أوصاف عقد النكاح، والآثار المترتبة عليه




وبناءً على شروط الأركان فإن الآثار المترتبة على عقد نكاح تنقسم عند الحنفية إلى أربعة أقسام هي :



الزواج الباطل(1) :

هو الذي فقد أحد أركانه، كأن يكون زواجًا عديم الأهلية، وقد باشر العقد بنفسه، كالمجنون والمعتوه ، أو يكون الرجل عقد على امرأة محرمة عليه تحريماً قطعياً .

ويعتبر وجود هذا العقد كعدمه، فلا يحل به الدخول، ولا غيره ، ولا يجب به مهر، ولا نفقة، ولا طاعة، ولا توارث، ولا يقع فيه طلاق ، وتجب العدة بالدخول ، ويعتبر الدخول زنا، ويوجب الحد إذا علما الحل والتحريم .



الزواج الفاسد(2) :

وهو الذي فقد شرطاً من شروط الصحة، كعدم وجود الشهود، أو مؤقت . وحكمه قبل الدخول : لا يترتب عليه أثر من آثار الزوجية، لا عدة، ولا مهر، ولا يثبت به حرمة المصاهرة، ولا النسب، ولا التوارث .

بعد الدخول : لا حد لشبهة النكاح ، وجوب مهر المثل والعدة ، وثبوت نسب الولد ، وثبوت حرمة المصاهرة ، لكن لا توارث، ولا نفقة .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




الفرق بين الفاسد والباطل، الباطل لا يحتاج إلى طلاق، ولا فسخ، ولا يجب به عدة، ولا مهر بدون الوطء.



الزواج الموقوف(3):

وهو الذي يباشره من ليست له ولاية شرعية ، وحكمه أنه عقد صحيح، إلا أن صحته هذه غير نافذة ، فإن أجازه من له حق في الإجازة كالولي، أو الزوج، إن كان رشيداً اعتبرت هذه الإجازة بمثابة إذن سابق على العقد ، أما إذا حصل الدخول قبل الإذن فيترتب عليه ما يترتب على العقد الفاسد .



الزواج النافذ :

استوفى شروط انعقاده، وشروط صحته ونفاذه . يترتب عليه آثار العقد وهي :

1) حل الاستمتاع 2) وجوب المهر 3) النفقة، إلا إذا امتنعت عن طاعته 4) نسب الولد 5) التوارث 6) حرمة المصاهرة .













(1) - انظر : المغني 7/344 ، الدرر السنية في الكتب النجدية 8/192-200 .

(2) - انظر : المغني 7/343 ، الدرر السنية في الكتب النجدية 8/192-200

(3) - انظر : كتاب اختلاف الأئمة العلماء 2/126 ، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 2/666 ،
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-01-02, 11:13 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (32) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



آداب النكاح (1-8)

خطبة النكاح :

يستحب عند إرادة عقد النكاح تقديم خطبة قبله يخطبها العاقد أو غيره من الحاضرين(1) ، ولفظها ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ) الخمسة ويقرأ بعد هذه الخطبة ثلاث آيات من كتاب الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون ) (2)و ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (3) و (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) (4)(5) .



شرح الحديث :

( أن الحمد لله نحمده ) على جميع آلائه ونعمه ومنها نعمة النكاح ، (ونستعينه ) أي في حمده وغيره وهو وما بعده جمل مستأنفة مبينة لأحوال الحامدين ، ( ونستغفره ) أي في تقصير عبادته وتأخير طاعته ( ونعوذ به من شرور أنفسنا ) أي من ظهور شرور أخلاق نفوسنا الردية وأحوال طباع أهوائنا الدنية ، ( من يهده الله ) بإثبات الضمير أي من يوفقه للعبادة ، ( فلا مضل له ) أي من شيطان ونفس وغيرهما ، ( ومن يضلل فلا هادي له ) أي لا من جهة العقل ولا من جهة النقل ، وقد أضاف الشر إلى الأنفس أولا كسباً والإضلال إلى الله تعالى ثانياً خلقاً وتقديراً ، وفي الحديث جاءت الأفعال المضارعة بنون الجمع في أولها إلا قوله: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وذلك لأن الشهادة لا تصح إلا من قائلها ذاته، فلا يصح قولها عن الغير، أما العون المغفرة والعياذ بالله فيصح طلبها للنفس وللغير فلذلك أتى فيها بنون الجمع في أول المضارع ، (اتقوا الله الذي تساءلون به ) أي تتساءلون فيما بينكم حوائجكم بالله كما تقولون أسألك بالله ، ( والأرحام ) أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها وفيه عظيم مبالغة في اجتناب قطع الرحم ، ( رقيباً ) أي حافظاً ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) قال ابن مسعود وابن عباس: هو أن يطاع فلا يعصى قيل وأن يذكر فلا ينسى ، قال أهل التفسير : لما نزلت هذه الآية شق ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله ومن يقوى على هذا ؟! فأنزل الله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم فنسخت هذه الآية ، وقيل إنها ثابتة والآية الثانية مبينة ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) النهي في ظاهر الكلام وقع على الموت وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام ومعناه داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا وأنتم مسلمون ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) أي مخالفته ومعاقبته ( وقولوا قولاً سديداً ) أي صواباً ، وقيل عدلاً ، وقيل صدقاً ، وقيل مستقيماً ، وقيل هو قول لا إله إلا الله ؛ أي داوموا على هذا القول ، ( يصلح لكم أعمالكم ) أي يتقبل حسناتكم ، ( ويغفر لكم ذنوبكم ) أي يمحو سيئاتكم ، ( ومن يطع الله ورسوله ) أي بامتثال الأوامر واجتناب الزواجر ، ( فقد فاز فوزاً عظيماً ) أي ظفر خيراً كثيراً وأدرك ملكاً كبيراً .(6)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg







(1) انظر : عمدة القاري شرح صحيح البخاري 29/328 ،عون المعبون 6/110 ، سبل السلام 3/112 ، فتح الباري 9/202 .

(2) سورة آل عمران آية 102 .

(3) سورة النساء آية 1 .

(4) سورة الأحزاب آية 70 .

(5) انظر : الشرح الكبير للدردير 2/216 / المجموع شرح المهذب 16/203، الإقناع في فقه الإمام أحمد 3/162 .

(6) انظر : عون المعبود 6/109 ، شرح سنن أبي داود لعبد المحسن العباد 12/71



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-01-12, 07:43 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (33) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



آداب النكاح (2-8)




إعلان النكاح والضرب بالدف :
يستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف ، عن محمد بن حاطب الجمحي قال رسول الله ( فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت ) (1) ، وعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله ( أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف )(2) .
قال الصنعاني : ( دلت الأحاديث على الأمر بإعلان النكاح ، والإعلان خلاف الإسرار ، وعلى الأمر بضرب الغربال وهو الدف ولكن بشرط أن لا يصحبه محرم من التغني بصوت رخيم من امرأة أجنبية بشعر فيه مدح القدود والخدود ، بل ينظر الأسلوب العربي الذي كان في عصره صلى الله عليه وسلم فهو المأمور به ، ولا كلام في أنه في هذه الأعصار يقترن بمحرمات كثيرة فيحرم لذلك لنفسه ) .
ومن أمثلة ما يجوز التغني به ويُقاس عليه ما روي عن النبي أنه سأل عائشة لما زفت امرأة من الأنصار إلى زوجها ، هل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ؟ قلت : تقول ماذا ؟ قال ( تقول :
أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحمـ ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم )(3)
وشتّان بين ما أشار به النبي من الغناء العفيف ، وبين ما أحدثه الناس اليوم من التغني بالكلمات التي خرجت عن حد الأدب والعفاف مع ما اقترنت به من آلالات اللهو المحرمة فالله المستعان (4) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg







(1) أخرجه الترمذي ك النكاح باب ما جاء في إعلان النكاح ح 1094-2/275 وقال: حديث حسن ، والنسائي ك النكاح باب إعلان النكاح بالصوت .. ح3369-6/127 ، وابن ماجه ك النكاح باب إعلان النكاح ح1896-1/611 ، وأحمد 3/418 ، وحسنه الألباني في آداب الزواج .
(2) أخرجه الترمذي ك النكاح باب ما جاء في إعلان النكاح ح 1095-2/276 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف الحديث ، وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن نجيح التفسير هو ثقة ، وابن ماجه ك النكاح باب إعلان النكاح ح 1895 – 1/611 ، والبيهقي ك النكاح باب ما يستحب في إظهار النكاح ... 7/290 ، والحديث ضعيف ضعفه ابن حجر في الفتح 6/226 ، وفي التلخيص (2122) والألباني في إرواء الغليل –ح1993-7/50 – والسلسلة الضعيفة –ح978-2/409 – لكن الحديث يرتقي للحسن لغيره بشواهده ومتابعاته انظر إرواء الغليل 7/50 .

(3) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ح 3265-3/315 .
(4) انظر : سبل السلام 3/249 ، فتح الباري 9/226 ، المغني 6/537 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-01-30, 12:10 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (34) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



آداب النكاح (3-8)



زينة العروس :

يستحب لكلا الزوجين التزين ليوم الزفاف وفي كل حال بكل زينة ، لكن يجتنب ما يحرم كالوصل والوشم والنمص والفلج وغير ذلك من المحرمات . عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِ لَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِ مَة"(1).

وعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِ مَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّص َاتِ وَالْمُتَفَلِّج َاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِى عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِ مَاتِ وَالْمُتَنَمِّص َاتِ وَالْمُتَفَلِّج َاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَمَا لِىَ لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَىِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ. فَقَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ فَإِنِّى أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الآنَ. قَالَ اذْهَبِي فَانْظُرِي. قَالَ فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا. فَقَالَ أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ نُجَامِعْهَا(2). وقال ما حفظت إذا وصية العبد الصالح " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه"(3).



يدل الحديثان على تحريم بعض أنواع التزين وهي ما يلي :

الوشم هو أن يُغرز الجلد بإبرة ونحوها ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يَخضر(4) .

الواصِلة : التي تَصِل شَعْرَها بشَعْرٍ آخرَ زُور ، والمُسْتَوصِلة : التي تأمُر مَن يَفْعَل بها ذلك(5).

النامصة: التي تَنْتِف الشَّعَر من وجْهِها . ويقال أنه يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما أو ترفيعهما أو تسويتهما .

والمُتَنَمِّصة : التي تأمُر مَن يَفْعل بها ذلك (6)

والمتفلجات جمع متفلجة وهي التي تطلب الفلج أو تصنعه، والفلج : انفراج ما بين الثنيتين والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه وهو مختص عادة بالثنايا والرباعيات .تصنعه المرأة التي تكون أسنانها متلاصقة لتصير متفلجة، وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة لأن الصغيرة غالباً تكون مفلجة جديدة السن ويذهب ذلك في الكبر(7) .

ويحرم كشف العورات للغير بغرض التزين والتنظف ، فعن أبي المليح قَالَ: دَخَلَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أَنْتُنَّ اللَّاتِي تَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ(8 ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَا مِنْ امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلَّا هَتَكَتْ سِتْرًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ -وفي رواية- إِلَّا هَتَكَتْ سِتْرَهَا )(9)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




( تخلع ) بفتح اللام أي تنزع ( ثيابها ) أي الساترة لها ( في غير بيتها ) أي ولو في بيت أبيها وأمها ، وفي رواية الترمذي وابن ماجه في غير بيت زوجها ( إلا هتكت ) الستر وحجاب الحياء وجلباب الأدب ومعنى الهتك خرق الستر عما وراءه ( ما بينها وبين الله ) تعالى لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة أيضاً إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاؤها في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به.



قال الطيبي: وذلك لأن الله تعالى أنزل لباساً ليوارى به سوآتهن وهو لباس التقوى فإذا لم يتقين الله تعالى وكشفن سوآتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى. (10)

قال الإمام أحمد : " بهذه الأخبار تنهى النساء عن دخول الحمامات على الإطلاق و ذلك لما بني عليه أمرهن من المبالغة في الستر"(11)وعَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جارَه ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلاَّ بِمِئْزَرٍ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ مِنْ نِسَائِكُمْ فَلاَ تَدْخُلْ الْحَمَّامَ ». قَالَ فَنَمَى ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ فِى خِلاَفَتِهِ فَكَتَبَ إِلَى أَبِى بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ : أَنْ سَلْ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ حَدِيثِهِ فَإِنَّهُ رِضًا فَسَأَلَهُ ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمَنَعَ عُمَرُ النِّسَاءَ مِنَ الْحَمَّامِ(12).

إلا إن كانت هناك حاجة للمرأة في دخول الحمام من مرض ونحوه فلا بأس، فعَنْ مَكْحُولٍ ، قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بن الخطاب إلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ : أَنْ لاَ يَدْخُلَ رَجُلٌ الْحَمَّامَ إِلاَّ بِمِئْزَرٍ ، وَلاَ امْرَأَةٌ إِلاَّ مِنْ سُقَمٍ.(13)

وكذا ينبغي عدم التساهل في الطهارة للصلاة خوفاً على الزينة ونحوها ، أو تأخير الصلاة عن وقتها ، وغير ذلك من ألوان التساهل في المحرمات في مثل هذا اليوم .














(1) أخرجه البخاري باب الموصولة ح 5598-5/2218 ، ومسلم باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ح5693-6/166 .

(2) أخرجه البخاري بنحوه ك التفسير باب سورة الحشر ح4604-4/1853 ، ومسلم واللفظ له باب في تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ح5695-6/166 .

(3) مسند أحمد بن حنبل 1/415 .

(4) النهاية في غريب الحديث 5/189 .

(5) النهاية في غريب الحديث 5/425 .

(6) انظر : النهاية في غريب الحديث 5/253 ، غريب الحديث لابن الجوزي 2/437 ، تحفة الأحوذي 8/55 ، عون المعبود 11/150 ، فتح الباري 10/377 .

(7) انظر : فتح الباري 10/372 ، النهاية في غريب الحديث 3/912 ، آداب الزفاف ص131 ،

(8) يقصد بالحمامات ؛ الحمامات البخارية وما يعرف الآن بالمغربية ونحوها .

(9) أخرجه أحمد في عدة مواضع ح25407-42/251 وح25446 وح25668 وح26347 وح25647 وح26304 بإسناد صحيح ، وقد صححه أيضاً الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند ، وأخرجه ابن ماجه في باب دخول الحمام ح3750-2/1234 وصححه الشيخ الألباني في تحقيقه لسنن ابن ماجه ، والحاكم في مستدركه ك الأدب ح7780-4/321 وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم ، والطبراني في معجمه الأوسط ح4743-5/84 ، وأبو يعلى في مسنده ح4680-8/138 ، وعبد الرزاق في مصنفه باب الحمام للنساء ح1132-1/294 ، والبيهقي في شعب الإيمان فصل في الحمام ح7771-6/157 .

(10) عون المعبود 11/32 . وبنحوه قال المناوي في فيض القدير 3/176 .


(11) نقله عنه البيهقي في شعب الإيمان 6/158 .

(12) أخرجه ابن حبان في صحيحه ك الحظر والإباحة ح 5597-12/409 وقال محققه الأرناؤوط:حديث صحيح ، والحاكم ك الأدب ح 7783-4/321 وقال:هذا حديث صحيح ولم يخرجاه . وقال الذهبي: صحيح ، والبيهقي في السنن الكبرى باب ما جاء في دخول الحمام ح 15204-7/309 ، والطبراني في المعجم الأوسط ح 8658-8/287 ، والبيهقي في شعب الإيمان فصل في الحمام ح 7769-6/156 ،


(13) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه باب من كان يقول إذا دخلته فادخله ... ح1186-1/110 . وعبد الرزاق في مصنفه باب الحمام للنساء ح1133-1/259 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-01-30, 12:14 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (35) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



آداب النكاح (4-8)
الوليمة:
وهي كل طعام يُتخذ لسرور حادث ، وتختص بوليمة العرس .
وقتها : عند العقد ، أو بعد الدخول ، أو عند الدخول . والأفضل فعلها بعد الدخول لأنه صلى الله عليه وسلم لم يولم على نسائه إلا بعد الدخول(1).
مقدارها : تجزئ الوليمة بكل طعام ولا يشترط الذبح فعن أنس قال : أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يُبنى عليه بصفية ، فدعوت المسلمين إلى وليمته ، فما كان فيها من خبز ولا لحم ، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت ، فألقي عليها التمر والأقط والسمن )(2).
حكم إجابة الوليمة : واجبة إلا لعذر أو منكر بها يعلمه ولا يقدر على إزالته(3) لحديث ( إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها )(4) .
النثار : وهو أن يُنثر في الوليمة طعام، أو دراهم ، أو ثياب، فهذا مكروه ، فإن كان المنثور طعاماً، فمكروه لسببين:
الأول: إن فيه امتهاناً للنعمة.
الثاني: أن فيه دناءة وخلافاً للمروءة .
وأما إن كان المنثور دراهماً فيكره لما فيه من إضاعة للمال .
ويكره كذلك التقاط النثار لمخالفته للمروءة(5).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg








(1) انظر إعانة الطالبين 3/357 ، المجموع شرح المهذب 16/390 .

(2) أخرجه البخاري باب غزوة خيبر ح3976-4/1543 .
(3) انظر إعانة الطالبين 3/358 ، المجموع شرح المهذب 16/402 .
(4) أهرجه البخاري باب حق إجابة الوليمة ... ح4878-5/1984 ، ومسلم باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوته ح3584-4/152 .

(5) انظر المجموع شرح المهذب 16/392 ، إعانة الطالبين 3/369 ، الشرح الممتع 12/145
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg
.

ابو وليد البحيرى
2019-01-30, 06:35 PM
لا اله الا الله

ابو وليد البحيرى
2019-02-14, 09:32 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (36) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



آداب النكاح (5-8)



الوصية عند الزفاف:

كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زفوا امرأة إلى زوجها يأمرونها بحسن صحبة الزوج وخدمته ورعاية حقه ، فيستحب وصية الزوجين عند زفافهما بحسن الصحبة ورعاية حق كل منهما على الآخر ، والتوادد والتراحم ... ونحو ذلك .

ومن الوصايا التي اشتهرت وصية أسماء بن خارجة الفَزاري لابتنه عند التزوج حيث قال لها :[ إنك خرجت من العش الذي فيه درجت ، فصرت إلى فراش لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، فكوني له أرضاً ، يكن لك سماءً ، وكوني له مهاداً ، يكن لك عماداً ، وكوني له أمة ، يكن لك عبداً ، لا تلحفي به فيقلاك(1)، ولا تبعدي عنه فينساك ، إن دنا منك فاقربي منه ، وإن نأى عنك فابعدي عنه ، واحفظي أنفه وسمعه وعينه ، فلا يشمن منك إلا طيباً ، ولا يسمع منك إلا حسناً ، ولا ينظر إلا جميلاً ](2).

وأوصت أمامة بنت الحارث ابنتها حين زفت إلى زوجها ، فقالت : [ أي بنية : إن الوصية لو كانت تترك لفضل أدب ، أو لتقدم حسب ، لزويت ذلك عنك ، ولأبعدته منك ، ولكنها تذكرة للغافل ، ومعونة للعاقل .

أي بنية : لو أن امرأة استغنت عن زوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها ، كنت أغنى الناس عن ذلك ، ولكن النساء للرجال خلقن ، ولهن خلق الرجال .

أي بنية : إنك قد فارقت الحمى الذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجت ، إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، فأصبح بملكه عليك مليكاً ، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً ، واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً :

أما الأولى والثانية : فالصحبة بالقناعة ، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ، فإن في القناعة راحة القلب ، وفي حسن المعاشرة مرضاة للرب .

وأما الثالثة والرابعة : فالمعاهدة لموضع عينيه ، والتفقد لموضع أنفه ، فلا تقع عيناه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




وأما الخامسة والسادسة : فالتعاهد لوقت طعامه ، والتفقد لحين منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة ، وتنغيص النوم مغضبة !

وأما السابعة والثامنة : فالاحتراس بماله ، والإرعاء على حشمه وعياله ، وملاك الأمر في المال حسن التقدير ، وفي العيال حسن التدبير .

وأما التاسعة والعاشرة : فلا تفشين له سراً ، ولا تعصين له أمراً ، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره ، وإن عصيت أمره أوغرت صدره ، واتقي مع ذلك كله الفرح إذا كان ترحاً ، والاكتئاب إذا كان فرحاً ، فإن الأولى من التقصير ، والثانية من التكدير ، وأشد ما تكونين له إعظاماً أشد ما يكون لك إكراماً ، وأشد ما تكونين له موافقة أطول ما يكون لك مرافقة ، واعلمي يا بنية إنك لا تقدرين على ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاك ، وتقدمي هواه على هواك فيما أحببت أو كرهت ، والله يضع لك الخير ، وأستودعك الله ](3)












(1) أي لا تلحي عليه فيكرهك .


(2) أحكام النساء لابن الجوزي ص73 .

(3) أحكام النساء ص74 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-02-14, 09:38 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (37) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



آداب النكاح (6-8)




زفاف الرجل مع عروسه ودخوله على النساء:
عن أبي صالح قال : جاء عمرو بن العاص إلى منزل علي بن أبي طالب يلتمسه فلقم يقدر عليه ثم رجع فوجده فلما دخل كلم فاطمة فقال له علي : ما أرى حاجتك إلا إلى المرأة قال : أجل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندخل على المغيبات (1).


"لا تلجوا" : أي لا تدخلوا . "المغيبات" : جمع المغيبة وهى التي غاب عنها زوجها (2).
أي اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء والنساء أن يدخلن عليكم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



وعن عقبة بن عامر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تدخلوا على النساء » فقيل : الحمو ، قال : « ذاك الموت »(3).
من هذا يُعلم عدم جواز ما يحدث من دخول الرجل مع عروسه على النساء وفعل الأمور التي تخالف الأدب والحياء أمامهن .







(1) أخرجه ابن حبان ك الحظر والإباحة ح5584-12/397 ، وأحمد ح17796-4/96 وقال محققه الأرناؤوط : حديث صحيح بطرقه وشواهده ، وأبو يعلى ح 7348-13/275 وقال محققه حسين سليم أسند: إسناده صحيح ، والطبراني في معجمه الأوسط ح 1391-2/103 قال الأرناؤوط:إسناد صحيح ، وابن أبي شيبة في مصنفه باب ما قالوا في الجارية تشوف ... ح17956-4/410 ، وعبد الرزاق باب دخول الرجل على امرأة رجل غائب ح12542-7/137 .

(2) انظر : جامع الأحاديث للسيوطي 16/331 ، تحفة الأحوذي 4/280 .
(3) أخرجه الروياني في مسنده ح 167-1/200 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-02-14, 09:43 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (38) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



آداب النكاح (7-8)






التهنئة :
عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ من تزوج قال ( بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير )(1) .
الرِّفاء : الإلْتِئَام والاتِّفاقُ والبَركة والنَّمَاء(2) .
كانت عادة العرب إذا تزوّج أحدهم قالوا له بالرفاء والبنين فنهى الشرع عن ذلك وأبدله بالدعاء المذكور فيكره أن يقال له بالرفاء والبنين .
واختلف في علة النهي عن ذلك ؛ فقيل لأنه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر لله ، وقيل لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر .
ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره فقال (بارك الله لك) أي كثّر لك الخير في هذا الأمر المحتاج إلى الإمداد ، والبركة النماء والزيادة والسعادة ، (وبارك عليك) وفي رواية ( وبارك عليكم ) بنزول الخير والرحمة والرزق والبركة في الذرية ، ( وجمع بينكما في خير ) ، أي في طاعة وصحة وعافية وسلامة وملاءمة وحسن معاشرة وتكثير ذرية صالحة .
قيل : قال أولاً بارك الله لك لأنه المدعو له أصالة ، أي بارك لك في هذا الأمر ثم ترقى منه ودعا لهما وعدَّاه بعلى بمعنى بارك عليه بالذراري والنسل لأنه المطلوب من التزوج ، وأخَّر حسن المعاشرة والمرافقة والاستمتاع تنبيهًا على أن المطلوب الأول هو النسل وهذا تابع(3).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg








(1) أخرجه أبو داود ك النكاح باب ما يقال للمتزوج ح 2130-2/248 ، والترمذي ك النكاح باب ما جاء ما يقال للمتزوج ح 1097-2/276 وقال: حديث حسن صحيح ، والنسائي في السنن الكبرى ك عمل اليوم والليلة باب ما يقال له إذا تزوج ح 10089-6/73 ، وابن ماجه ك النكاح باب تهنئة النكاح ح 1905-1/614 ، والدارمي ك النكاح باب إذا تزوج الرجل ما يقال له 2/134 ، وأحمد 2/381 ، والحاكم ك النكاح باب الدعاء في حق الزوجين عند النكاح 2/183 وقال: هذا حديث على شرط مسلم . ووافقه الذهبي .

(2) النهاية في غريب الأثر 2/591 .
(3) انظر : فتح الباري 9/222 ، التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي 1/169 ، فيض القدير 5/176 ، مشكاة المصابيح 8/427 ، ومرعاة المفاتيح للمباركفوري 8/198 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-02-18, 05:01 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (39) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



آداب النكاح (8-8)

الدعاء عند التزوج:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ، ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة )(1).
وقال عليه الصلاة والسلام ( أما لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، ثم قُدر بينهما في ذلك ولد لم يضره الشيطان أبداً )(2).
معنى الحديث : قال القرطبي :[ مقصود هذا الحديث والله تعالى أعلم أن الولد الذي يُقال له ذلك يُحفظ من إضلال الشيطان وإغوائه ، ولا يكون للشيطان عليه سلطان ؛ لأنه يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله تعالى ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا )(3) ، وذلك ببركة نيّة الأبوين الصالحين وبركة اسم الله تعالى والتعوّذ به والالتجاء إليه ، وكأنّ هذا شوب من قول أم مريم ( وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ )(4)ولا يُفهم من هذا نفي وسوسته وتشعيثه وصرعه ، فقد يكون كل ذلك ، ويحفظ الله تعالى ذلك الولد من الضرر في قلبه ودينه وعاقبة أمره والله أعلم ](5).
وقال ابن حجر بعد أن ذكر عدة معاني محتملة كان أولها هذا :[ ويتأيد الحمل على الأول بأن الكثير ممن يعرق هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند إرادة المواقعة ، والقليل الذي قد يستحضره ويفعله لا يقع معه الحمل ، فإذا كان ذلك نادراً لم يبعُد ](6) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg









(1) أخرجه أبو داود ك النكاح باب في جامع النكاح ح2160-2/255 ، وابن ماجه ك النكاح باب ما يقول الرجل إذا دخلت عليه أهله ح1918-1/617 ، والبيهقي ك النكاح باب ما يقول إذا نكح امرأة ودخل عليها 7/148 ، والحاكم ك النكاح باب الدعاء لمن أفاد جارية أو امرأة 2/185 وقال: هذا حديث صحيح على ما ذكرناه من رواية الأئمة الثقات عن عمرو بن شعيب ولم يخرجاه عن عمرو بن شعيب ، ووافقه الذهبي . والحديث حسن جوّد إسناده العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1/298 ، والألباني في آداب الزفاف ص21 ، ومحققا شرح السنة للبغوي 5/118 . فاد جارية أو امرأة
(2) أخرجه البخاري في عدة مواضع منها ك بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ح3271-6/335 مع فتح الباري ، ومسلم ك النكاح باب ما يستحب أن يقال عند الجماع 10/5 مع شرح النووي .

(3) سورة الإسراء آية 65 .
(4) سورة آل عمران آية 36 .
(5) المفهم 4/160 .
(6) فتح الباري 9/229 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-02-18, 05:06 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (40) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


منهج الإسلام في تفادي المشكلات الزوجية وحلها (1 - 7)




أولاً/ الحث على التوادد والتراحم وإن لم يحصل الحب:

قال الله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(1).

أي جعل بينكم بالمصاهرة مودة تتوادّون بها، وتتواصلون من أجلها،(وَرَحْمَ ً) رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض ، من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة ولا رابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم ، وإنما هذه المودة والرحمة من قبل الله تعالى ؛ فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك(2).

فليس الحب هو سر استمرار الحياة الزوجية وسعادتها ، وإنما المعاشرة بالمعروف والتوادد والتراحم . فمع تحريم الشرع الكذب ، وتشديده فيه ، غير أنه أباح طرفاً منه ليتألَّف كل زوج صاحبه ويستطيب نفسه ، ، فعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِى خَيْرًا ». قَالَت : وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ الْحَرْبُ وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا (3).

وهكذا فعل كل ما من شأنه تحقيق التآلف والتراحم بين الزوجين مما أحله الله تعالى .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg










(1) سورة الروم آية 20 .


(2) انظر : تفسير القرآن العظيم 6/309 ، الدر المنثور 7/56 ، فتح القدير 4/312 ، تفسير الطبري 20/86 .

(3) أخرجه مسلم باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه ح6800-8/28 وانظر شرح النووي 16/158 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-02-18, 05:11 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (41) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


منهج الإسلام في تفادي المشكلات الزوجية وحلها (2- 7)



ثانياً/ التذكير بالمأموول من الخير وحسن العاقبة والخيرة:
قال سبحانه (... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنّ َ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً )(1).
أي لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز ؛ فهذا يندب فيه إلى الاحتمال ، فعسى أن يؤول الأمر إلى أن يرزقه الله منها أولاداً صالحين.
قال ابن عباس: ربما رزق الله منهما ولدا فجعل الله في ولدها خيرا كثيراً .
وقال مكحول : سمعت ابن عمر يقول : إن الرجل ليستخير الله تعالى فيُخار له ، فيسخط على ربه عز وجل فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير له(2).
وهذا كثير معاين في الواقع ، فكم من رجل كره امرأته فأمسكها وصبر فكانت عوناً له على أمر دينه ودنياه ، أو رُزق منها أولاداً بررة صالحين ، وغير ذلك من الفتوح .
قال العلامة ابن الجوزي رحمه الله :[ وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ونبهت على معنيين أحدهما أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محموداً ومحمود عاد مذموماً، والثاني أن الإنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره فليصبر على ما يكره لما يحب وأنشدوا في هذا المعنى ...
ومن لم يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
... ومن يتتبع جاهداً كل عثرة ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب ](3) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg









(1) سورة النساء آية 19 .
(2) انظر الجامع في أحكام القرن للقرطبي 5/98 . وزاد المسير 2/42 .
(3) زاد المسير 2/42 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-03-02, 12:35 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (42) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


منهج الإسلام في تفادي المشكلات الزوجية وحلها (3- 7)




ثالثاً/ النظر إلى الحسنات والغض عن السيئات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ». أَوْ قَالَ « غَيْرَهُ »(1) .
الفرك : هو بغض أحد الزوجين الآخر(2).
فلا ينبغي للرجل أن يبغضها إذا رأى منها ما يكره لأنه إن كره منها خلقاً رضي منها آخر فيقابل هذا بذاك .
ولا شكّ أن تركيز الفكر فيما يُرضي كل طرف عن صاحبه من الخلال الطيبة طريق للهناء والسرور ، فالكمال عزيز ، ولا تخلو امرأة من نقص ، كما هو الحال أيضاً بالنسبة للرجل .
وسلامة الدين أكبر غنيمة وأعظم نعمة ، وما دونه يهون ، وكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم « فاظفر بذات الدين ».
وأخيراً ... أراد شعيب بن حرب أن يتزوج امرأة ، فقال لها : إني سيء الخلق، فقالت : أسوأ منك خلقاً مَن أحوجك أن تكون سيء الخلق، فقال : إذاً أنت امرأتي(3) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg








(1) أخرجه مسلم باب الوصية بالنساء ح3721-4/178 .
(2) النهاية في غريب الأثر 3/840 .
(3) أحكام النساء ص82 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-03-02, 12:38 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (43) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


منهج الإسلام في تفادي المشكلات الزوجية وحلها (4- 7)



رابعاً/ الحث على مداراة المرأة :

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها )(1) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا »(2).

وفي رواية ( استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء )(3) .

قال ابن حجر [قوله (وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه ) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها ... وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها ، أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله .

قوله (فإن ذهبت تقيمه كسرته) قيل هو ضرب مثل للطلاق أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم (وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها )](4).

[ وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم ](5).

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg
















(1) أخرجه ابن حبان باب معاشر الزوجين ح 4178-9/485 قال الأرناؤوط:إسناد على شرك مسلم ، والحاكم ك البر والصلة ح7333-4/192 وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وأحمد ح20105-5/8 .


(2) أخرجه مسلم باب الوصية بالنساء ح 3719-4/178 .

(3) أخرجه البخاري باب قول الله تعالى ( وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة ) ح3153-3/1212 .

(4) فتح الباري 6/368 .

(5) شرح مسلم للنووي 10/57 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-03-02, 12:42 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (44) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


منهج الإسلام في تفادي المشكلات الزوجية وحلها (5- 7)


خامساً/ الحث على الصبر على الزوجة واحتمال الأذى منها :
قال الغزالي رحمه الله : [ واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها ، والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوماً إلى الليل وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه في الكلام فقال : أتراجعيني يا لكعاء! فقالت : إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك](1)(2).
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة « إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَىَّ غَضْبَى ». قَالَتْ فَقُلْتُ وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ « أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ». قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ(3).
وينبغي كذلك للزوج أن يتغاضى عما يراه من خطإ يبدر من زوجه ولا يتعقب الأمور صغيرها وكبيرها ما لم يكن في حق من حقوق الله تعالى ؛ فالخطأ من سمات البشر لا يسلم منه أحد .
وذلك ما يرشدنا إليه قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير )(4).
قال العلامة السعدي رحمه الله :[ قوله: { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } قال كثير من المفسرين: هي حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أسرَّ لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا، وأمر أن لا تخبر به أحدًا، فحدَّثت به عائشة رضي الله عنهما، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته، فعرَّفها صلى الله عليه وسلم ببعض ما قالت، وأعرض عن بعضه، كرمًا منه صلى الله عليه وسلم ، وحلمًا](5).
وأخيراً ...
ذكر ابن العربي بسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن حيث قال : كان الشيخ أبو محمد بن أبي زيد من العلم والدين في المنزلة والمعرفة، وكانت له زوجة سيئة العشرة وكانت تقصر في حقوقه وتؤذيه بلسانها ؛ فيقال له في أمرها ويُعذَل بالصبر عليها ، فكان يقول : أنا رجل قد أكمل الله علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني ، فلعلها بعثت عقوبة على ذنبي فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشد منها(6).

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg







(1) أخرجه مسلم في حديث طويل باب في الإيلاء واعتزال النساء ح3768-4/192 [قَالَ كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ - قَالَ - وَكَانَ مَنْزِلِى فِى بَنِى أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَوَالِى فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِى فَإِذَا هِىَ تُرَاجِعُنِى فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِى. فَقَالَتْ مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ نَعَمْ. فَقُلْتُ أَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ قَالَتْ نَعَمْ. قُلْتُ قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هِىَ قَدْ هَلَكَتْ لاَ تُرَاجِعِى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَسْأَلِيهِ شَيْئًا وَسَلِينِى مَا بَدَا لَكِ وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِىَ أَوْسَمَ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ - يُرِيدُ عَائِشَةَ -]
(2) إحياء علوم الدين 4/72 .

(3) أخرجه البخاري باب غيرة النساء ووجدهن ح4930-5/2004 ، ومسلم باب في فضل عائشة ح6438-7/134 .
(4) سورة التحريم آية 3 .
(5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص872 .
(6) الجامع في أحكام القرآن 5/98 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-03-02, 12:46 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (45) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


منهج الإسلام في تفادي المشكلات الزوجية وحلها (6- 7)


سادساً/ اتخاذ عدة خطوات لتأديب المرأة:
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً {34} وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً{35}}النس ء(1) .
والنشوز هو العصيان ، ولعلاجه يتخذ الخطوات التالية :
الخطوة الأولى : الوعظ بالرفق واللين فإن لم ينفع فلينتقل إلى :
الخطوة الثانية : الهجر في المضجع وذلك بأن يولّيها ظهره في المضجع ، لكن ينبغي ألا يبلغ بالهجر في المضجع أربعة أشهر ، وينبغي أن يقصد من الهجر التأديب والاستصلاح لا التشفي والانتقام ، ولا يهجرها في الكلام أكثر من ثلاثة أيام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )(2) .
الخطوة الثالثة : الضرب غير المخوف، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادمًا ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نِيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه ، إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله فينتقم )(3) .
متى يجوز الضرب ؟ الآية على الترتيب فالوعظ عند خوف النشوز ، والهجر عند ظهور النشوز ، والضرب عند تكرره ، واللجاج فيه ، ولا يجوز الضرب عند ابتداء النشوز .
شروط الضرب : منها أن تصر على النشوز والعصيان حتى بعد تدرجه معها في التأديب على النحو الذي سبق ذكره .
ومنها أن يتناسب العقاب مع نوع التقصير، فلا يبادر إلى الهجر في المضجع في أمر لا يستحق إلا الوعظ والإرشاد ـ ولا يبادر إلى الضرب وهو لم يجرب الهجر في المضجع ، وذلك لأن العقاب بأكثر من حجم الذنب والتقصير ظلم .
ومنها أن يراعي أن المقصود من الضرب العلاج والتأديب والزجر لا غير، فيراعي التخفيف فيه على أبلغ الوجوه ، وهو يتحقق باللكزة ونحوها ، أو بالسواك ونحوه . وفي خطبة حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ َ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُ مْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ )(4).
قال عطاء : قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح ؟ قال : السواك وشبهه يضربها به(5). قال الفقهاء: هو ألا يكسر فيها عضواً ولا يؤثر فيها شيئاً(6) .
ومنها أنها إذا ارتدعت وتركت النشوز فلا يجوز له بحال أن يتمادى في عقوبتها ، أو يتجنى عليها بقول أو فعل لقوله تعالى: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً }النساء34.
ومنها أن يكون الضرب نافعاً في الإصلاح فإن كان يترتب عليه مفسدة أكبر وفتنة أشد فلا ، وقد اتفق العلماء على أن ترك الضرب والاكتفاء بالتهديد أفضل لما رواه إياس بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ». فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ. فَرَخَّصَ فِى ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم « لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ »(7) .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



قال ابن الجوزي:[ وليعلم الإنسان أن من لا ينفع فيه الوعيد والتهديد لا يردعه السوط ، وربما كان اللطف أنجح من الضرب فإن الضرب يزيد قلب المعرض إعراضاً ](8) .
الخطوة الرابعة : إذا استمر الشقاق بين الزوجين يلجآن إلى حكمين أحدهما من أهله والآخر من أهلها على أن يكونا مسلمين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين ، ويعرفان الجمع والتفريق ، فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه ، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب ، فإن لم يستطع أحدهما ذلك أقنعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق . ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلان عنه .
فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله ، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح فرقا بينهما .








(1) سورة النساء آية 34و35 .
(2) أخرجه البخاري ك الأدب باب ما ينهى عنه من التحاسد ح6065 – 10 / 481 مع الفتح .
(3) أخرجه مسلم ك الفضائل باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام ح2327 .
(4) أخرجه مسلم باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ح3009-4/39 مطولاً .
(5) تفسير الطبري 8/314 .

(6) تفسير ابن كثير 2/295 .
(7) أخرجه أبو داود باب في ضرب النساء ح2148-2/211 وصححه الألباني ، والنسائي في السنن الكبرى باب ضرب الرجل زوجته ح9167-5/371 ، والدارمي باب في النهي عن ضرب النساء ح2219-2/198 وصححه حسين سليم أسد ، وابن حبان باب معاشر الزوجين ح4189-9/499 وصححه الأرناؤوط ، والحاكم ك النكاح ح2765-2/205 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، والحميدي ح876-2/386 ، والطبراني في المعجم الكبير ح784-1/270 .
(8) أحكام النساء ص82 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-03-17, 09:31 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (46) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


منهج الإسلام في تفادي المشكلات الزوجية وحلها (7- 7)


سابعاً : بقليل من التنازلات وبمزيد من الإحسان تستقيم الحياة ؛ ويتغير الحال ، وتُحفظ الأسرة

فالإسلام يُرشد الزوجة إذا لمست من زوجها جفوة ، وأحست منه غلظة ، أن تُبادر إلى شيء من التنازل عن حقوقها حفظاً لأسرتها واستقرارها ، فعسى أن يؤول الحال إلى ما يسرّ ، ويحصل الصلح ، والصلح خير ، قال الله تعالى ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )( 1 )


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


ثم ذكر سبحانه ما قد يمنع من الصلح بقوله: ( وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحّ ) أي: جبلت النفوس على الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان للآخرين ، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعاً، لا سيما مع شنآن النفوس وإعراضها ، وعندئذ لا يقتصر الشح على الأموال والأفعال ، بل يتجاوزه إلى الشح بالعواطف والكلمات ، وتكون المحاسبة الشديدة فيما له وفيما ناله من الحقوق ، ومع الشح لا يمكن الصلح (وإن تحسنوا وتتقوا) ببذل الحق الذي عليكم ، والاقتناع ببعض الحق الذي لكم ، يذهب شنآن نفوسكم ويتحقق الصلح .

ولعل في ذكر التقوى تذكير لأهميتها ؛ فغالباً ما تغيب عند حصول الخلاف ، ويحل الظلم ، ويُنسى الإحسان الذي ربما يكون قد دام سلفاً أطول من الإساءة .

ألا فليتقِ الله كل زوج وليتقه في الآخر ، وليَصر إلى العدل والإحسان ، ولينزِل كل واحد للآخر عن القليل من حقه تكرماً وفضلاً وحفاظاً على كيان الأسرة.











( 1 ) سورة النساء آية 128 . وانظر تفسيرها في تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/426 ، وتفسيسر الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 1/206 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-03-17, 09:36 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (47) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


الطــلاق حل لا مشكلة (1-12)



يعدُّ بعض الناس الطلاق مشكلة من المشاكل الأسرية ، ويبذل قصارى جهده لمنع وقوعه ، مع أنه في بعض الأحيان حينما تُستعصى الأمور يكون الحل هو الطلاق ، فالناظر إلى التشريعات الإسلامية في الطلاق يجد أن الإسلام جعله حلاً مناسباً للإصلاح بين الزوجين ؛ فكثيراً ما يكون الزوجان تحت ضغط المشاكل غير قادرين على التفكير السديد ، والنظر في إيجابيات الطرف الآخر ، والنظر في المصالح والمفاسد ، فإذا وقعت الطلقة الأولى سنحت الفرصة لكل منهما في فترة العدة لمعاودة التفكير الجاد والبعيد عن المؤثرات السلبية ، فإذا راجعا نفسيهما وقررا العودة أمكنهما ذلك في العدة ، فإن انقضت العدة ورغبا في الرجوع تكلّف الزوج مهراً جديداً وعقداً جديداً مما يبرهن على صدق رغبتهما في الصلح ، فإن استأنفا المشاكل من جديد ، كانت أمامهما فرصة ثانية ، فإن أضاعاها اشتدّ الحكم في قضيتهما ، وعُلم أن صلاح الحال بينهما عسير ، والفرقة خير من الاجتماع ، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً آخر نكاح رغبة فيطلقها أو يموت عنها ، فقد يدرك كل منهما فضل صاحبه إذا جرّب غيره ، وربما كان امتداد العمر بهما سبب لصقل خبرتهما في الحياة الزوجية .


وسوف نستعرض في الصفحات القادمة التشريعات الإسلامية في الطلاق

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-03-17, 09:40 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (48) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


الطــــلاق (2-12)

تعريـف الطـلاق:

الطلاق في اللغة عبارة عن رفع القيد(1) .
وفي عرف الفقهاء عبارة عن حكم شرعي برفع القيد النكاحي بألفاظ مخصوصة(2).
الحكمة من مشروعية الطلاق:
[إن الله تعالى شرع النكاح لمصلحة العباد لأنه ينتظم به مصالحهم الدينية والدنيوية ، ثم شرع الطلاق إكمالاً للمصلحة ؛ لأنه قد لا يوافقه النكاح فيطلب الخلاص فمكّنه من ذلك ، وجعله عدداً ، وحكمه متأخراً ليجرّب نفسه في الفراق كما جرّبها في النكاح ، ثم حرّمها عليه بعد فراغ العدد قبل أن تتزوج بزوج آخر ليتأدب بما فيه غيظه وهو الزوج الثاني على ما عليه جبلة الفحولة بحكمته ولطفه بعباده ، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضرراً مجرداً بإلزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه (3)]
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


الحكمة من جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة :

قال ابن القيم رحمه الله: [ والله سبحانه جعل الطلاق بيدِ الزوج لا بيد المرأة رحمةً منه وإحساناً، ومراعاةً لمصلحة الزوجين.نعم له أن يُملكها أمرها باختياره، فيخيرها بين القيام معه وفراقها. وأما أن يخرجَ الأمرُ عن يد الزوج بالكلية إليها، فهذا لا يمكن. فليس له أن يُسقط حقَّه مِن الرجعة، ولا يملك ذلك، فإن الشارع إنما يملك العبد ما ينفعُه ملكه، ولا يتضرر به، ولهذا لم يملكه أكثر من ثلاث، ولا ملكه جمع الثلاث، ولا ملَّكه الطلاق في زمن الحيض والطهر المواقع فيه، ولا ملكه نكاح أكثر من أربع، ولا ملك المرأةَ الطلاق، وقد نهى سبحانه الرجال: أن يُؤتُوا السفهاء أموالهم الَّتي جعل الله لهم قياماً، فكيف يجعلون أمر الأبضاع إليهن في الطلاق والرجعة، فكما لا يكون الطلاقُ بيدها لا تكون الرجعة بيدها ](4)





(1) انظر الصحاح في اللغة 1/428 ، لسان العرب 10/225 .
(2) انظر : العناية 5/160، ونحوه تبيين الحقائق 2/188 والبحر الرائق 3/253 و مغني المحتاج 3/279 والمغني 8/234 والمبدع 7/230 لكن لم يقولا بألفاظ مخصوصة .
(3) انظر : العناية 5/160، والمغني 8/235 .
(4) زاد المعاد 5/676 .


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-03-24, 11:04 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (49) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



الطـــلاق (3-12)



أحكام الطلاق(1):

هو مشروع والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }(2) وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }(3) .


وأما السنة فما روي عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَ ا ثُمَّ لْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ (4) .

والطلاق على خمسة أضرب هي ما يأتي :

واجب : وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفيئة ، وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأيا ذلك ، وعند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها أو تكون له امرأة غير عفيفة ، لأن فيه نقصاً لدينه ولا يأمن إفسادها لفراشه وإلحاقها به ولداً ليس هو منه ، ولا بأس بعضلها في هذه الحال والتضييق عليها لتفتدي منه قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنّ َ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنّ َ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }(5)

ومكروه : وهو الطلاق من غير حاجة إليه لأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها فيكون مكروهاً .

ومباح : وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها من غير حصول الغرض بها .

ومندوب إليه : وهو الطلاق في حال الشقاق وفي الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر كبغضها لزوجها .

وأما المحظور : فهو الطلاق البدعي كالطلاق في الحيض، والنفاس، وطهر وطئ فيه .












(1) انظر : المبسوط 6/2 ، الفواكه الدواني 3/1004 ، روضة الطالبين 8/3 ، شرح زاد المستقنع 6/482 ، المغني 8/234 ،

(2) سورة البقرة آية 229 .

(3) سورة الطلاق آية 1 .

(4) أخرجه البخاري باب سورة الطلاق ح4625-4/1864 ، ومسلم تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ح3725-4/179 واللفظ له

(5) سورة النساء آية 19 .

ابو وليد البحيرى
2019-03-24, 11:07 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (50) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


الطـــلاق (4-12)



أقسام الطـلاق :

للطلاق عدة أقسام بثلاثة اعتبارات :

الأول : باعتبار صيغة الطلاق ينقسم إلى ألفاظ صريحة ، وألفاظ كناية (1) .

الألفاظ الصريحة :

ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح، وما تصرّف منهن ؛ لأن الطلاق ثبت له عرف الشرع واللغة، والسراح والفراق ثبت لهما عرف الشرع ، فإنه ورد بهما القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق قال الله تعالى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقال { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }(2) وقال سبحانه : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوف }(3) وقال سبحانه { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِه}(4) وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحًا جَمِيلًا}(5).

ويقع بها الطلاق من غير حاجة إلى نية .



مسألة : إذا قال لامرأته: أنت طالق، أو طلقتك، أو أنت مطلقة أو سرحتك، أو أنت مسرحة، أو فارقتك، أو أنت مفارقة، ثم قال: أردت غيرها فسبق لساني إليها لم يُقبل، لأنه يدّعي خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه يحتمل ما يدعيه .

مسألة : إن قال: أنت طالق ، وقال أردت طلاقاً من وثاق، أو قال سرحتك وقال أردت تسريحاً من اليد، أو قال فارقتك، وقال أردت فراقاً بالجسم، لم يُقبل في الحكم، لأنه يدّعي خلاف ما يقتضيه اللفظ في العرف، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه يحتمل ما يدعيه، فإن علمت المرأة صدقه فيما دِين فيه الزوج جاز لها أن تقيم معه.



مسألة : إن قال أنت طالق من وثاق، أو سرحتك من اليد، أو فارقتك بجسمي لم تطلق، لأنه اتصل بالكلام ما يصرف اللفظ عن حقيقته.



مسألة : لو قال له رجل: طلقت امرأتك ؟ أو امرأتك طالق ؟ أو فارقتها أو سرحتها ؟ فقال: نعم ، فإن كان صادقاً فيما أخبر به من الطلاق وقع عليها الطلاق في الظاهر والباطن، وإن لم يكن طلاق قبل ذلك وإنما كذب بقوله نعم، وقع الطلاق في الظاهر دون الباطن .



ألفاظ الكناية :

هي الألفاظ التي تشبه الطلاق وتدل على الفراق، وذلك مثل قوله: أنت بائن، وخلية وبرية وبتة وبتلة وحرة وواحدة وبِيني وابعدي واغربي واذهبي واستفلحي والحقي بأهلك وحبلك على غاربك، واستتري وتقنعي واعتدي وتزوجي وذوقي وتجرعي وما أشبه ذلك(6)، فإن خاطبها بشيء من ذلك ونوى به الطلاق وقع، وإن لم ينو لم يقع، لأنه يحتمل الطلاق وغيره، فإذا نوى به الطلاق صار طلاقاً، وإذا لم ينو به الطلاق لم يصر طلاقاً، كالإمساك عن الطعام والشراب لما احتمل الصوم وغيره، إذا نوى به الصوم صار صوماً، وإذا لم ينو به الصوم لم يصر صوماً .








(1) انظر : البحر الرائق 3/263 ، الاستذكار 6/24 ، المجموع شرح المهذب 17/96 ، المغني 8/264 .

(2) سورة البقرة آية 231 .

(3) سورة الطلاق آية 2 .

(4) سورة النساء آية 130 .

(5) سالأحزاب آية 28 .

(6) قوله " بائن الخ " أي مفارقة من البين وهو الفراق، وخلية، أي خالية عن الزوج فارغة منه، وبرية أي بريئة عما يجب من حقوقي وطاعتي، وبتة القطع وبتلة مثلها، ومنه التبتل أي الانقطاع عن النكاح، وحرّة أي لا سلطان لي على بضعك كما لا ملك في رقبة الحرة، وواحدة أي أنت فردة عن الزوج، ويحتمل طلقة واحدة ، وبِيني وهو من البعد والفراق واغربى مثله ،واستفلحي من الفلاح والفوز، أي فوزي بأمرك واسْتَبِدِّي برأيك ويحتمل أن يكون من الفلح وهو القطع، أي اقطعي حبل الزواج من غير نزاع ، وحبلك على غاربك، أي امضي حيث شئت، وتقنعى، أي غطي رأسك ،وقيل معناه استتري مني ولا يحل لي نظرك.، وتجرعي ، يقال: جرعه غصص الغيظ إذا أذاقه الشدة مما يكره . انظر : المجموع شرح المهذب 17/103 .

ابو وليد البحيرى
2019-06-09, 03:10 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (51) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



الطــــلاق (5-12)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




أقسام الطلاق باعتبار زمن إيقاع الطلاق ينقسم إلى طلاق سني ، وطلاق بدعي(1) .

الطلاق السني له صورتان :

الصورة الأولى : أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه .

والصورة الثانية : أن يطلقها حاملاً ؛ بأن يطلقها واحدة متى شاء ويمهلها حتى تضع حملها

وكلا الصورتين وردتا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَ ا ثُمَّ لْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ »(2).

وعَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَ ا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلاً »(3).

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


الطلاق البدعي : هو الذي يوقعه صاحبه على الوجه المحرم ، ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله .

وله قسمان :

القسم الأول : طلاق بدعي من حيث الوقت ، وله كذلك صورتان :

الصورة الأولى : أن يطلقها وهي حائض أو نفساء .

والصورة الثانية : أن يطلقها في طهر جامعها فيه .

وكلا الصورتين مذكورتين في حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق ، وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريم الصورتين .

وهناك صورة ثالثة(4) عند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وهي أن يطلقها في كل طهر طلقة إلى ثلاث طلقات ، أما الحنفية فيعدون هذه الصورة من الطلاق الجائز .








(1) انظر : المبسوط 6/11، البحر الرائق 22/257 و3/260 ، المدونة 2/3 ، الفواكه الدواني 3/1004 ، مغني المحتاج 3/307 ، المغني 8/234 . المبدع شرح المقنع 7/239 ، مجموع الفتاوى 33/6 .

(2) أخرجه مسلم ك الطلاق باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ح3725-4/179 .

(3) أخرجه مسلم في الموضع السابق ح3732-4/181 ،

(4) انظر : مواهب الجليل 5/300 ، المدونة 2/3 ، الاستذكار 6/203 ، المغني 8/236 . العناية شرح الهداية 5/162 ،

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-06-09, 03:13 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (52) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



الطــــلاق (6-12)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

مسألــة : هل يقع الطلاق البدعي من حيث الوقت ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين هما :
القول الأول : جمهور العلماء)1) أن الطلاق البدعي يقع ويأثم صاحبه واستدلوا بعدة أمور :
- حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال عليه الصلاة والسلام (مره فليراجعها) والرجعة لا تكون إلا بعد الطلاق . كما أنه ورد في رواية عند مسلم من طريق سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاَقِهَا وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-))2)
- ولأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق فوقع كطلاق الحامل .
- ولأنه ليس يقر به فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظاً عليه وعقوبة له .
- إن تحريمه لا يمنع ترتب أثره عليه قياساً على الظهار فمع كونه محرماً ومنكراً من القول يقع ، فكذلك الطلاق البدعي .
- قياساً على طلاق الهازل فإنه يقع مع أنه لم يقصد وقوع الطلاق .
القول الثاني : الطلاق البدعي لا يقع)3)وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية)4) وتلميذه ابن القيم)5) رحمهما الله ، واستدلوا بما يلي :
- قالوا : لو كان الطلاق قد لزم لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلقها طلقة ثانية فائدة ؛ بل فيه مضرة عليهما ؛ فإن له أن يطلقها بعد الرجعة بالنص والإجماع وحينئذ يكون في الطلاق مع الأول تكثير الطلاق ؛ وتطويل العدة وتعذيب الزوجين جميعاً ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليه أن يطأها قبل الطلاق ؛ بل إذا وطئها لم يحل له أن يطلقها حتى يتبين حملها ؛ أو تطهر الطهر الثاني . وقد يكون زاهداً فيها يكره أن يطأها فتعلق منه ؛ فكيف يجب عليه وطؤها ولهذا لم يوجب الوطء أحد من الأئمة الأربعة وأمثالهم من أئمة المسلمين ؛ ولكن أخّر الطلاق إلى الطهر الثاني .
- ولأنه إذا امتنع من وطئها في ذلك الطهر ثم طلقها في الطهر الثاني دلَّ على أنه محتاج إلى طلاقها ؛ لأنه لا رغبة له فيها إذ لو كانت له فيها رغبة لجامعها في الطهر الأول .
- وقالوا : لأنه لم يأمر ابن عمر بالإشهاد على الرجعة كما أمر الله ورسوله ولو كان الطلاق قد وقع وهو يرتجعها لأمر بالإشهاد .
- ولأن الله تعالى لما ذكر الطلاق في غير آية لم يأمر أحداً بالرجعة عقيب الطلاق ؛ بل قال : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } فخيَّر الزوج إذا قارب انقضاء العدة بين أن يمسكها بمعروف - وهو الرجعة - وبين أن يسيَّبها فيخلي سبيلها إذا انقضت العدة ؛ ولا يحبسها بعد انقضاء العدة كما كانت محبوسة عليه في العدة قال الله تعالى : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ) .
- وأيضاً فلو كان الطلاق المحرم قد لزم لكان حصل الفساد الذي كرهه الله ورسوله وذلك الفساد لا يرتفع برجعة يباح له الطلاق بعدها والأمر برجعة لا فائدة فيها مما تنزه عنه الله ورسوله ؛ فإنه إن كان راغباً في المرأة فله أن يرتجعها وإن كان راغباً عنها فليس له أن يرتجعها ، فليس في أمره برجعتها مع لزوم الطلاق له مصلحة شرعية ؛ بل زيادة مفسدة ويجب تنزيه الرسول صلى الله عيلة وسلم عن الأمر بما يستلزم زيادة الفساد .
وأجابوا عن أدلة القائلين بوقوع الطلاق البدعي بما يلي :
- أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فأجابوا عنه بعدة أجوبة منها :
أحدُها: صريح قوله ( فردّها عليَ ولم يرها شيئاً ) )6).
الثاني: أنه قد صحَّ عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناده من رواية عبيد الله، عن نافع عنه، في الرجل يُطلِّق امرأته وهى حائض، قال: لا يُعْتَدُّ بذلك)7).
الثالث : قوله (حسبت) مراده بها أن ابن عمر إنما طلَّقها واحدة، ولم يكن ذلك منه ثلاثاً ؛ أي طلق ابن عمر امرأته واحدة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره.
الرابع : قوله (فليراجعها) فلأنه فارقها ببدنه كما جرت العادة من الرجل إذا طلق امرأته اعتزلها ببدنه واعتزلته ببدنها ؛ { فقال لعمر : مره فليراجعها } ولم يقل : فليرتجعها . " والمراجعة " مفاعلة من الجانبين : أي ترجع إليه ببدنها فيجتمعان كما كانا ؛ لأن الطلاق لم يلزمه فإذا جاء الوقت الذي أباح الله فيه الطلاق طلقها حينئذ إن شاء .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg
- وأجابوا عن قياسهم الطلاق على الظهار .
أولاً: هذا قياسُ يدفعه النص (لم يرها شيئاً) ، وسائر تلك الأدلة التي هي أرجح منه. ثانياً: هذا معارَض بمثله سواء معارضة القلب بأن يقال: تحريمُه يمنع ترتب أثره عليه كالنكاح ؛ فالنكاح الفاسد لا تترتب آثاره عليه .
ثالثاً: ليس للظهار جهتانِ: جهة حل وجهة حرمة، بل كُلُّه حرام فإنه منكر من القول وزور، فلا يُمْكِنُ أن ينقسِمَ إلى حلال جائز، وحرام باطل، بل هو بمنزلة القذف والرِّدة، فإذا وجد لم يُوجد إلا مع مفسدته، فلا يتُصوَّر أن يقال: منه حلال صحيح، وحرام باطل، بخلاف النكاح والطلاق والبيع ، وإلحاقُ الطلاق بالنكاح، والبيع والإجارة والعقود المنقسمة إلى حلالٍ وحرامٍ، وصحيحٍ وباطلٍ، أولى.
- وأما قياسهم على طلاق الهازل ؛ فطلاقُ الهازِلِ إنما وقع، لأنه صادف محلاً، وهو طهر لم يُجامع فيه فنفذ ، وكونُه هزل به إرادة منه أو لا يترتب أثرُه عليه، وذلك ليس إليه، بل إلى الشارع، فهو قد أتى بالسبب التام، وأراد ألا يكونَ سببه، فلم ينفعْه ذلك، بخلاف من طلَّق في غير زمن الطلاق، فإنه لم يأت بالسَّببِ الَّذي نصَبه اللهُ سبحانه مفضياً إلى وقوع الطلاق، وإنما أتي بسبب مِن عنده، وجعله هو مفضياً إلى حكمه، وذلك ليس إليه.
والراجح والله أعلم عدم وقوع الطلاق لما سبق من الأدلة .


(1) انظر : البحر الرائق 3/311 ، العناية شرح الهداية 5/166 ، الاستذكار 6/142 ، المدونة 2/3 المجموع شرح المهذب 17/78 ، المغني 8/238 .
(2) باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ح3730-4/180 .
(3) وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله انظر فتاوى إسلامية 3/204 ، وفتاوى الإسلام سؤال وجواب 1/5893 ، مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11/235
(4) انظر مجموع الفتاوى 33/22 .
(5)انظر زاد المعاد 5/227 وما بعدها .
(6) أخرجه أبو داود باب في طلاق السنة ح2187-2/222 ، وأحمد ح5524-2/80 .
(7) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه باب ما قالوا في الرجل يطلق امرأته وهي حائض ح18051-5/5 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-07-02, 02:33 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (53) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



الطــــلاق (7-12)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




القسم الثاني طلاق بدعي من حيث العدد

بأن يقيد الطلاق الصريح بعدد صريح كأن يقول لها : أنت طالق اثنتين أو يقول ثلاثاً ، أو يقول : أنت طالق طالق طالق ، أو يفصل بينها بـ (الواو) أو (أو) فهل يلزم بعدد الطلقات أو تحسب واحدة ؟ (1) .

إن ادّعى الزوج أن تكراره للفظ الطلاق إنما هو لإفهامها أو إسماعها ونحو ذلك وقعت واحدة ديانة لا قضاء اتفاقاً .

وإن قصد الطلاق و لم ينو شيئاً فقد اختلف العلماء على قولين :

القول الأول : جمهور العلماء منهم أئمة المذاهب الأربعة ؛ أن الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد يقع ثلاثاً وتبين منه امرأته . واستدلوا بما يلي :

1) قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ(2)) يدل على وقوع الثلاث معاً مع كونه منهياً عنه؛ لأن قوله تعالى: {الطلاق مرتان} تنبيه إلى الحكمة من التفريق، ليتمكن من المراجعة، فإذا خالف الرجل الحكمة، وطلق اثنتين معاً، صح وقوعهما إذ لا تفريق بينهما، ثم إن قوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون) (3)يدل على تحريمها عليه بالثالثة بعد الاثنتين ، ولم يفرق بين إيقاعهما في طهر واحد أو في أطهار.

2) قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (4) والطلاق المشروع ما يعقبه عدة، وهو منتف في إيقاع الثلاث في العدة، وفيها دلالة على وقوع الطلاق لغير العدة، إذ لو لم يقع لم يكن ظالماً لنفسه بإيقاعه لغير العدة، ومن لم يطلق للعدة بأن طلق ثلاثاً مثلاً، فقد ظلم نفسه.

3) ومنه آية (وَلِلْمُطَلَّق اتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين) (5) وغيرها من آيات الطلاق. تدل ظواهر هذه الآيات على ألا فرق بين إيقاع الطلقة الواحدة والاثنتين والثلاث.

وأجيب: بأن هذه عمومات مخصصة، وإطلاقات مقيدة بما ثبت من الأدلة الدالة على المنع من وقوع ما فوق الطلقة الواحدة.

4) السنة: منها حديث سهل بن سعد في المتلاعنين قَالَ سَهْلٌ: فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (6). ولم ينقل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم .

وأجيب: إنما لم ينكره عليه؛ لأنه لم يصادف محلاً مملوكاً له ولا نفوذاً.

5) حديث مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانًا ثُمَّ قَالَ ( أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ) حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ (7) .

هذا يدل على أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يكون ثلاثاً، ويلزم بها المطلّق ، وإن كان عاصياً في إيقاع الطلاق بدليل غضب النبي عليه الصلاة والسلام.

وأجيب بأنه حديث مرسل؛ لأن محمود بن لبيد لم يثبت له سماع من رسول الله e ، وإن كانت ولادته في عهده عليه السلام . وهذا مردود ؛ لأن مرسل الصحابي مقبول.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




القول الثاني : قال شيخ الإسلام ابن تيمية(8)وتلميذه ابن القيم أن الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع واحدة(9)واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:

1) آية(الطلاق مرتان) إلى قوله تعالى في الطلقة الثالثة: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) أي أن المشروع تفريق الطلاق مرة بعد مرة، لأنه تعالى قال: {مرتان} ولم يقل «طلقتان» .

ويرد عليه بأن الآية ترشد إلى الطلاق المشروع أو المباح، وليس فيها دلالة على وقوع الطلاق وعدم وقوعه إذا لم يكن مفرقاً، فيكون المرجع إلى السنة، والسنة بينت أن الطلاق الثلاث يقع ثلاثاً.

2) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الطَّلاَقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِى بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ طَلاَقُ الثَّلاَثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ. فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ.وفي رواية أخرى أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ أَتَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَتِ الثَّلاَثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِى بَكْرٍ وَثَلاَثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَعَمْ. (10)

وهذا واضح الدلالة على جعل الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة.

وأجيب عنه بأنه محمول على صورة تكرير لفظ الطلاق ثلاث مرات، بأن يقول: (أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق) فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد، وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع، فكان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الغالب عليهم الصدق وسلامة المقصد ، ولم يظهر فيهم خب ولا خداع، وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد، فلما رأى عمر في زمانه أموراً ظهرت، وأحوالاً تغيرت، وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل، ألزمهم الثلاث في صورة التكرير، إذ صار الغالب عليهم قصدها، وقد أشار إليه بقوله: «إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة» .

3) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( كَيْفَ طَلَّقْتَهَا قَالَ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا قَالَ فَقَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّمَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْجِعْهَا إِنْ شِئْتَ ) قَالَ فَرَجَعَهَا فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى أَنَّمَا الطَّلَاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍِ (11) .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم { في مجلس واحد } مفهومه أنه لو لم يكن في مجلس واحد لم يكن الأمر كذلك ؛ وذلك لأنها لو كانت في مجالس لأمكن في العادة أن يكون قد ارتجعها ؛ فإنها عنده والطلاق بعد الرجعة يقع . وقد روى أبو داود وغيره { أن ركانة طلق امرأته ألبتة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال : ما أردت بها إلا واحدة . فلو كان أراد ثلاثاً لوقعت ثلاثاً .

وأجيب على هذا الاستدلال بأنه يدل على أن الطلاق الثلاث يقع ثلاثاً ما لم ينو خلافه المطلِّق ؛ وإلا لما كان لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم ركانة عن مقصده وجه ، كما أن حزن ركانة دليل على أنه من المستقر عندهم يومئذ أن الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد يقع ثلاثاً .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



الراجح والله تعالى أعلم : قول الجمهور أن الطلاق المجموع يقع بعدده لقوة أدلتهم وسلامتها من الاعتراض المؤثر. وقد ثبت عن عدد من الصحابة قولهم بوقوع الطلاق (12)منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ، وابن عباس ، وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين .








(1) انظر البحر الرائق 3/311 ، المبسوط 6/7 ، المدونة 2/3 ، الاستذكار 6/4 ، الأم 5/139 و181، المجموع شرح المهذب 17/132 ، المغني 8/400 ، إعلام المقعين 3/30 ، إغاثة اللهفان 1/325 ،

(2) سورة البقرة آية 229 .

(3) سورة البقرة من آية 229-231 .

(4) سورة الطلاق آية 1 .

(5)سورة البقرة آية 241 .

(6) أخرجه البخاري باب التلاعن في المسجد ح5003-5/2033 ، ومسلم باب وحدثنا يحيى بن يحيى ح3816-4/205 واللفظ له .

(7) أخرجه النسائي باب الثلاث المجموعة وما فيها من التغليظ ح3401-6/142 قال الألباني:ضعيف .

(8) نظر مجموع الفتاوى 33/13 .

(9) قال أد. وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته 9/384 :[ وأخذ القانون في مصر وسورية بهذ الرأي،نص القانون السوري على ما يلي:

(م 91) - يملك الزوج على زوجته ثلاث طلقات. (م 92) - الطلاق المقترن بعدد لفظاً أو إشارة لا يقع إلا واحداً. ]

(10) أخرجه مسلم باب طلاق الثلاث ح3746و3747 -4/183 .

(11) أخرجه أحمد في مسنده ح2387-4/215 قال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف... وقال الخطابي : وكان أحمد بن حنبل يضعف هذه الأحاديث كلها . ( قلنا ) ونص ابن قدامة في المغني على أن أحمد ضعف إسناد حديث ركانة هذا وتركه . وقال الحافظ في الفتح : إن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة وهو تعليل قوي لجواز أن يكون بعض رواته حمل ألبتة على الثلاث فقال طلقها ثلاثا فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس . قلنا : ومع هذا فقد جود ابن تيمية سند هذا الحديث في الفتاوى وصححه ابن القيم في الزاد وأحمد شاكر في تعليقه على المسند . وأخرجه أبو يعلى ح2500-4/379 قال حسين سليم أسد: رجاله ثقات
(12) انظر الاستذكار 6/4 .


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-07-02, 02:40 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (54) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



أقسام الطلاق باعتبار الرجعة (8-12)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



ينقسم الطلاق باعتبار الرجعة(1) إلى قسمين : طلاق رجعي ، وطلاق بائن .
الطلاق الرجعي:
وهو الذي يمكنه أن يرتجعها فيه بغير اختيارها وذلك إذا طلق زوجته بعد الدخول الطلقة الأولى أو الثانية ، لقوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَ تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنّ َ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) (2)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (نص في أن الرجعة إنما ثبتت لمن قصد الصلاح دون الضرار) (3)
ويسن أن يُشهد على الرجعة(4) لقوله تعالى (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) (5)

الطلاق البائن :
هو الذي لا يمكنه أن يرتجعها ، وله قسمان :
القسم الأول: ويسمى بينونة صغرى وله صورتان :
الأولى: أن يطلق امرأته ويدعها حتى تنقضي عدتها على أن تكون هذه الطلقة الأولى أو الثانية وعندئذ تحرم عليه ويكون خاطباً من الخطاب لا تباح له إلا بعقد جديد .
الصورة الثانية : إذا طلق زوجته قبل الدخول فلا عدة عليها ، ولا ترجع إلا بعقد ومهر جديدين . بدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن َّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) (6) وإذا لم تجب العدة فلا تمكن المراجعة؛ لأن الرجعة لا تكون إلا في العدة، فيكون الطلاق بائناً غير رجعي.
وأما بعد الخلوة الصحيحة ، فيقع الطلاق بائناً، وإن وجبت العدة؛ لأن وجوب العدة إنما هو للاحتياط لثبوت النسب
القسم الثاني: يسمى بينونة كبرى وهو فيما إذا طلقها ثلاث تطليقات ؛ بأن يطلقها ثم يرتجعها في العدة ، أو يتزوجها ثم يطلقها ثم يرتجعها أو يتزوجها ، ثم يطلقها الطلقة الثالثة . فهذا الطلاق المحرم لها حتى تنكح زوجاً غيره باتفاق العلماء . ولا يستحق زوجها عليها رجعة .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg








(1) انظر مجموع الفتاوى 33/9 . المدونة 2/3 ، المجموع شرح المهذب 17/262 ، المغني 7/589 ،
(2) سورة البقرة آية 228 .
(3) الفتاوى الكبرى 6/54 .
(4) وهذا رأي الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعي في الجديد وأصح الروايتين عن أحمد انظر : البحر الرائق 4/55 ،العناية شرح الهداية 5/399 ، المجموع شرح المهذب 17/269 ، المغني 8/482 .
(5) سورة الطلاق آية 2 .
(6) سورة الأحزاب آية 49 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-07-02, 02:45 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (55) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



طــلاق فاقد العقل (9-12)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


مسألــة طلاق المجنون(1) :

أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو معناه لا يقع طلاقه.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق ) ، ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع .
مسألــة طلاق السكران (2):
من شرب الخمر لغير عذر فسكر أو شرب دواء لغير حاجة فزال عقله، ففي طلاقه قولان.
(أحدهما) قول عند الشافعية ورواية عن أحمد ، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن السكران لا يقع طلاقه كما لا يصح بيعه وعتقه ولا ينعقد نكاحه ، لكن يؤاخذ بقتله وسرقته ، واستدلوا بما يأتي:
- عن عثمان رضي الله عنه قال : ليس لمجنون ولا سكران طلاق.
- لأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم .
- ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره .
- ولأن العقل شرط للتكليف إذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهي ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل أن من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعداً ولو ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة ولو ضرب رأسه فجن سقط التكليف .
(والثاني) مذهب الحنفية وقول عند المالكية والشافعية ورواية عن أحمد يقع طلاقه ويشترط في وقوع طلاق السكران أن يتناول شيئاً عالماً بأنه يغيب العقل أو شاكاً فيه وفي هذه الحالة يكون تناوله حراماً بلا فرق بين أن يكون خمراً . أو لبناً رائباً . أو غير ذلك أما إذا تحقق أنه غير مسكر أو غلب على ظنه أنه كذلك وشربه فسكر وطلق فإن طلاقه لا يقع .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



- لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى)فخاطبه في حال السكر فدل على أن السكران مكلف.
- وإن سلمنا بأن السكران غير مخاطب حال السكر لكنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد .
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه ] (3)
- ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي قال أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت : إن خالداً يقول إن الناس انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فقال عمر : هؤلاء عندك فسلهم فقال علي : نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي .
- ولأنه إيقاع للطلاق من مكلف غير مكره فوجب أن يقع كطلاق الصاحي ويدل على تكليفه أنه يقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون .
- تغليظاً عليه لعصيانه .
- السكران يلزمه الحد فكذلك يلزمه الطلاق إذا طلق ؛ لأن الحد يحتال لدرئه والطلاق يحتاط فيه ، فلما وجب ما يحتال لدرئه لأن يقع ما يحتاط أولى.






(1) انظر : البحر الرائق 3/268 ، مواهب الجليل 5/307 ، المغني 8/255 ، الشرح الكبير 8/237 .
(2) انظر : البحر الرائق 3/266 ، مواهب الجليل 5/307 ، الفواكه الدواني 3/1003 ، المجموع 17/62 ، مغني المحتاج 3/279، المغني 8/156 . المبدع شرح المقنع 7/232 . الشرح الكبير 8/238 . اغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ص45 .
(3) أخرجه الترمذي باب طلاق المعتوه ح1191-3/496 قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن عجلان و عطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث والعلم على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز إلا أن يكون معتوها يفيق الأحيان فيطلق في حال إفاقته . قال الشيخ الألباني : ضعيف جداً والصحيح موقوف .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-10-08, 03:43 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (56) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



طــلاق فاقد العقل (10-12)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



مسألــة طلاق الغاضب(1) :

قسّم بعض العلماء الغضب إلى ثلاثة أقسام :

الأول : أن يكون الغضب في أول أمره فلا يُغير عقل الغضبان بحيث يقصد ما يقوله ويعلمه ، فالغضبان بهذا المعنى يقع طلاقه وتنفذ عباراته باتفاق .
الثاني : أن يكون الغضب في نهايته بحيث يغيّر عقل صاحبه ويجعله كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى لا يقع طلاقه لأنه هو والمجنون سواء .

الثالث : أن يكون الغضب وسطاً بين الحالتين بأن يشتدّ بصاحبه ولا يبلغ به زوال عقله بل يمنعه من التثبت والتروي ويخرجه عن حال اعتداله ، ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه ، وهذا القسم وقع فيه الخلاف بين العلماء على قولين هما :
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

القول الأول: قول الجمهور(1)وهو أن طلاق الغضبان يقع ، ولو لم نقُل به لم يقع على أحد طلاق لأنه لا يطلق أحدٌ حتى يغضب .
القول الثاني: أحد القولين من مذهب أحمد ، ورأي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن طلاق الغضبان لا يقع لأن الغضبان لا قصد له ، وقياساً على طلاق المكره فإنه لا يقع ، وعلى لغو اليمين فإنه لا ينعقد ، قال الله تعالى (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيم)(2)
وحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي غَلاَقٍ)((3)) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْغِلاَقُ أَظُنُّهُ في الْغَضَبِ. وكذا فسّره الشافعي والقاضي إسماعيل وأحمد ومن قبلهم مسروق (44
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وحقيقةُ الإغلاق: أن يُغلق على الرجل قلبُه، فلا يقصِدُ الكلام، أو لا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصدُه وإرادتُه(5)
وهو من أحسن التفسير ؛ لأن الغضبان غلق عليه باب القصد بشدة غضبه وهو كالمكره بل الغضبان أولى بالإغلاق من المكره لأن المكره قد قصد رفع الشر الكثير بالشر القليل الذي هو دونه فهو قاصد حقيقة ومن هنا أوقع عليه الطلاق من أوقعه .
وقال الطحاوي :أن الإغلاق هو الإطباق على الشيء ، فاحتمل بذلك عندنا أن يكون في هذا الحديث أريد به الإجبار الذي يغلق على المعتق وعلى المطلق حتى يكون منه العتاق والطلاق على غير اختيار منه لهما (6)
لكن قال أبو بكر: سألت أبا محمد وابن دريد وأبا عبد الله وأبا طاهر النحويين عن قوله لا طلاق ولا عتاق في إغلاق قالوا : يريد الإكراه لأنه إذا أُكره انغلق عليه رأيه .
وكذا فسّره علماء الغريب بالإكراه كابن الجوزي (7) وابن الأثير (8)وغيرهم .
وعلى كل حال إما تكون دلالة الحديث عند أصحاب هذا القول على عدم وقوع طلاق الغاضب مباشرة أو بالقياس على المكره .
الراجح والله أعلم :
وقوع طلاق الغاضب الذي لا يبلغ به الغضب زوال عقله بل يمنعه من التثبت والتروي ؛ لأن الطلاق لا يقع غالباً إلا في هذا الحال ، وقياساً على الهازل الذي يقصد اللفظ ولا يرض به ويقع طلاقه ، والغاضب أولى .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




(1) انظر : إعانة الطالبين 4/5 ، حاشية الروض المربع 6/490 ، الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/3 .
(2) سورة البقرة آية 225 .
(3) أخرجه أبو داود باب الطلاق على غيظ ح2195-2/224 وقال الألباني : حسن ، وابن ماجه باب طلاق المكره والناسي ح2046-1/660 ، قال الألباني:حسن ، والدارقطني في سننه ك الطلاق ح98-4/36 ، وأخرجه أحمد ح26405-6/276 ، وأبو يعلى في مسنده ح4444-7/421 ، والحاكم ك الطلاق ح2802-2/216 وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ،قال الذهبي: ومحمد بن عبيد لم يحتج به مسلم وقال أبو حاتم ضعيف .
(4) انظر عون المعبود 6/187 . زاد المعاد 5/214 ، إعلام الموقعين 3/52،53 .
(5)نقله عنه تلميذه ابن القيم في زاد المعاد 5/215 .
(6)مشكل الآثار 2/151 .
(7)غريب الحديث 2/161 .
(8)النهاية في غريب الحديث 3/716 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-10-08, 03:48 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (57) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



طــلاق فاقد العقل (11-12)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




مسألـة طلاق الهازل(1):


وصورة الهزل أن يلاعبها بالطلاق بأن تقول في معرض الدلال والاستهزاء: طلقني . فقال: طلقتك . فتطلق ؛ لأنه خاطبها قاصدا ًمختاراً .
لحديث ( ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَة )(2)

مسألـة طلاق المكره(3) :
جمهور العلماء أن المكره على الطلاق بغير حق لا يقع طلاقه ، واستدلوا بما يلي:
لحديث ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (4) .
ولحديث (لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي غَلاَقٍ) وقد فسر الإغلاق بالإكراه .
ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح كالمسلم إذا أُكره على كلمة الكفر.

ولا يصير مكرهاً إلا بثلاثة شروط :
(أحدها) أن يكون المكره قاهراً له لا يقدر على دفعه
(والثاني) أن يغلب على ظنه أن الذي يخافه من جهته يقع به
(والثالث) أن يكون ما يهدّده به مما يلحقه ضرر به كالقتل والقطع والضرب المبرح والحبس الطويل ونحوه.
وأما الضرب القليل في حق من لا يبالي به أو أخذ القليل من المال أو الحبس القليل فليس بإكراه.
وأما المكره بحق كالمولي إذا أكرهه الحاكم على الطلاق وقع طلاقه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



خلافاً للحنفية الذين يقولون بوقوع طلاق المكره قياساً على الهازل كما في حديث ( ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ )
فالمكره مختار في التكلم اختياراً كاملاً إلا أنه غير راض بالحكم ، وقد عرف الشرَّين فأختار أهونهما عليه . والهازل كذلك مختار في الكلام غير راضٍ به .
وأجابوا عن حديث (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) أنه من باب المقتضى ولا عموم له فلا يجوز تقدير الحكم الشامل لحكم الدنيا والآخرة ؛ بل إما حكم الدنيا وإما حكم الآخرة وقد انعقد الإجماع على أن المراد بالحديث المؤاخذة في الآخرة ، فلا يراد الآخر معه وهو المؤاخذة في الدنيا وإلا يلزم عمومه ، ولا يقول به أحد .
وأجابوا عن قياس المكره في الطلاق على المكره على الكفر ؛ بأن الردة تنبني على الاعتقاد وهو التكلم بخبر عن اعتقاده وقيام السيف على رأسه دليل ظاهر على أنه غير معتقد وأنه في إخباره كاذب . بخلاف المكره على الطلاق فهو مختار له قاصداً .

الراجح والله أعلم :
عدم وقوع طلاق المكره ، قال ابن القيم رحمه الله :[ والفرق بينه وبين الهازل ؛ أن الهازل قاصد للفظ غير مريد لحكمه، وذلك ليس إليه، فإنما إلى المكلف الأسباب، وأما ترتب مسبباتها وأحكامها، فهو إلى الشارع قصده المكلف أو لم يقصده، والعبرة بقصده السبب اختياراً في حال عقله وتكليفه، فإذا قصده، رتّب الشارع عليه حكمه جدَّ به أو هزل، وهذا بخلاف النائم والمبرسم، والمجنون والسكران وزائل العقل، فإنهم ليس لهم قصد صحيح، وليسوا مكلفين، فألفاظهم لغو بمنزلة ألفاظ الطفل الذي لا يعقل معناها، ولا يقصده.
وسر المسألة الفرق بين من قصد اللفظ، وهو عالم به ولم يرد حكمه، وبين من لم يقصد اللفظ ولم يعلم معناه، فالمراتب التي اعتبرها الشارع أربعة.
إحداها: أن يقصد الحكم ولا يتلفظ به.
الثانية: أن لا يقصد اللفظ ولا حكمه.
الثالثة : أن يقصد اللفظ دون حكمه.
الرابعة : أن يقصد اللفظ والحكم. فالأوليان لغو، والآخرتان معتبرتان. هذا الذي أستفيد من مجموع نصوصه وأحكامه، وعلى هذا فكلام المكره كله لغو لا عبرة به.
وقد دل القرآن على أن من أكره على التكلم بكلمة الكفر لا يكفر، ومن أكره على الإسلام لا يصير به مسلماً، ودلَّت السنة على أن الله سبحانه تجاوز عن المكره، فلم يؤاخذه بما أكره عليه، وهذا يراد به كلامه قطعاً، وأما أفعاله، ففيها تفصيل، فما أبيح منها بالإكراه فهو متجاوز عنه، كالأكل في نهار رمضان، والعمل في الصلاة، ولبس المخيط في الإحرام ونحو ذلك، وما لا يباح بالإكراه، فهو مؤاخذ به، كقتل المعصوم، وإتلاف ماله .
والفرق بين الأقوال والأفعال في الإكراه ؛ أن الأفعال إذا وقعت، لم ترتفع مفسدتها، بل مفسدتها معها بخلاف الأقوال، فإنها يمكن إلغاؤها. وجعلها بمنزلة أقوال النائم والمجنون، فمفسدة الفعل الذي لا يباح بالإكراه ثابتة بخلاف مفسدة القول، فإنها إنما تثبت إذا كان قائله عالماً به مختاراً له ] (5).





(1) انظر : البحر الرائق 3/263 ، المبسوط 24/106 ، المجموع شرح المهذب 17/100 ، إعانة الطالبين 4/5 ، روضة الطالبين 8/54 ، حاشية الروض المربع 6/490 .
(2) أخرجه أبو داود باب الطلاق على الهزل ح2196-2/225 وحسنه الألباني ، والترمذي باب الجد والهزل في الطلاق ح1184-3/490 وقال: هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي e وغيرهم ، وابن ماجة باب من طلق أو نكح أو راجع لاعباً ح2039-1/658 ، والدارقطني باب المهر ح45-3/256 ، وحسنه الألباني في إرواء الغليل ح1826-6/224.
(3) انظر : البحر الرائق 3/264 ، تبيين الحقائق 2/195 ، شرح فتح القدير 3/488 ، حاشية إعانة الطالبين 4/9 ، المجموع شرح المهذب 17/65

، حاشية الروض المربع 6/489 ، الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/4 .
(4) أخرجه ابن حبان في صحيحه باب فضل الأمة ح7219-16/202 قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط البخاري ، وابن ماجة باب طلاق المكره والناسي ح2045-1/659 ، والدارقطني ك النذور ح33-4/170 ، وصححه الألباني في مختصر إرواء الغليل ح82-1/17 .
(5) انظر زاد المعاد 5/206 باختصار يسير .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-10-08, 03:53 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (58) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



طــلاق فاقد العقل (12-12)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg







مسألــــة


إذا طلقها طلقة بائنة ثم تزوجها هل يستأنف الطلقات الثلاث أم يبني على ما سبق من الطلاق(1)

للمسألة حالتان :

الحالة الأولى إن كان طلقها طلاقاً بائناً بينونة صغرى ثم تزوجها فإنها ترجع إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف .

أما إن تزوجت آخر ودخل بها ثم طلقها أو مات عنها فتزوجت الأول ، فهل تعود إليه على ما بقي من الطلقات أم يستأنف الطلاق من جديد ؟ خلاف بين العلماء على قولين هما :

القول الأول : قول الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كعمر وعلي وأبي بن كعب وعمران بن

الحصين وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم ، وأهل الحديث وفيهم مالك والشافعي وأحمد أنها تعود إليه على ما بقي من الطلقات ، واستدلوا بما ذكر ابنُ المبارك، عن عثمانَ بنِ مِقْسَمٍ، أنه أخبره، أنه سمع نُبَيْهَ بنَ وهب، يُحدِّث عن رجل من قومه، عن رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في المرأة يُطلِّقُها زوجُها دونَ الثلاث، ثم يرتجِعُها بعد زوج أنها على ما بقي من الطلاق(2).

وقالوا : لما كانت إصابة الثاني شرطاً في حِلِّ المطلقة ثلاثاً للأول لم يكن بُدٌّ مِن هدمها وإعادتها على طلاق جديدٍ، وأما مَنْ طُلِّقَت دونَ الثلاث،فلم تُصادِف إصابة الثاني فيها تحريماً يُزيلُه، ولا هي شرطٌ في الحِلِّ للأول، فلم تَهْدِمْ شيئاً، فوجودُها كعدمها بالنسبة إلى الأول، وإحلالها له، فعادت على ما بقي كما لو لم يُصبها، فإن إصابتَه لا أثر لها البتة، ولا نكاحه.



القول الثاني : أنها تعود على الثلاث نكاح جديد وطلاق جديد وهو قول ابنُ عمر،

وابنُ عباس، رضي الله عنهم وأبو حنيفة، فإن الزَّوج الثاني إذا هَدَمَتْ إصابتُه الثلاثَ، وأعادتها إلى الأول بطلاقٍ جديدٍ، فما دُونها أولى .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg






الحالة الثانية : إذا طلّق الرجل زوجته طلاقاً بائناً بينونة كبرى ، فتزوجت آخر ودخل بها ثم طلقها أو مات عنها ، فتزوجت الأول ، فإنها تعود إليه على الثلاث الطلقات من جديد بغير خلاف
















)1) انظر : شرح فتح القدير 4/184 ، المدونة 2/75 ، الاستذكار 6/200 ، زاد المعاد 5/279 .

(2) قال ابن القيم وهذا الأثر وإن كان فيه ضعيف ومجهول فعليه أكابر الصحابة .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-11-10, 03:41 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (59) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

الإيــلاء(1)(1-5)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




العلاقة بين الطلاق والإيلاء:

التحريمات التي تنفذ من الزوج بحكم ملك النكاح أربعة أنواع : الطلاق ، والإيلاء ، واللعان ، والظهار .

فيبدأ بالطلاق لأنه الأصل والمباح للزوج في وقته .

ثم أدنى درجة منه في الإباحة الإيلاء ، لأنه من حيث إنه يمين مشروع، ولكن فيه معنى الظلم فيحرم، وسببه سبب الطلاق الرجعي وهو عدم الموافقة ، وهما متشابهان في أن الإبانة فيهما مؤقتة إلى وقت، لكن من الناس من يختار الطلاق الرجعي؛ لأن التدارك فيه لا يستعقب مكروهاً .

ومنهم من يختار الإيلاء لما أن التدارك فيه غير متضمن نقصان عدد الطلاق ، بخلاف الطلاق الرجعي .

قال قتادة: كان الإيلاء طلاقاً لأهل الجاهلية، وقال سعيد بن المسيب: كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يحب امرأته ولا يريد أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، فيتركها لا أيّماً ولا ذات بعل، وكانوا عليه في ابتداء الإسلام، فضرب الله له أجلاً في الإسلام

تعريف الإيلاء لغة :



هو عبارة عن اليمين .

يقال آلى يولي إيلاء : إذا حلف .

تعريفه شرعاً :

يَمِينُ الزوج على تَرْكِ قُرْبَانِ زوجته أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بِالْقَسَمِ أو بِتَعْلِيقِ ما يَسْتَشِقُّهُ على الْقُرْبَان .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg










(1) انظر : البحر الرائق 4/65 ، العناية شرح الهداية 5/441 ، الدر المختار 3/422 ، الاستذكار 6/35 ، المدونة 2/366 ، الكافي في فقه أهل المدينة 2/598 ، إعانة الطالبين 4/33 ، الأم 5/265 ، روضة الطالبين 8/229 ، المغني 8/505-508 ، حاشية الروض المربع 6/619 ، الفتاوى الكبرى 3/275،276 و 5/504 ،كتب رسائل وفتاوى ابن تيمية 20/381 ، زاد المعاد 5/344 ، تفسير الطبري 4/456 ، تفسير البغوي 2/36 ، تفسير الثعلبي 1/266 ، تفسير ابن كثير 1/604 ، تفسير الألوسي 2/232 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-11-10, 03:45 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (60) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


أقسام الإيلاء (2-5)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



ويظهر من تعريف الإيلاء أن له قسمان هما :

القسم الأول : حلف زوج يمكنه الوطء بالله تعالى أو صفته على ترك وطء زوجته أبداً، أو أكثر من أربعة أشهر .

وهذا القسم من الإيلاء متفق عليه وأصله قول الله تعالى { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ }(1) فالإيلاء المطلق إنما هو القسم . ولهذا قرأ أُبي وابن عباس رضي الله عنهما يقسمون مكان يؤلون ، وروي عن ابن عباس في تفسير يؤولون قال : يحلفون بالله .

القسم الثاني : أن يحلف على ترك الوطء بطلاق أو عتاق أو صدقة المال أو الحج

وهذا اختلف فيه العلماء على قولين :

القول الأول : أنه لا يكون مولياً وهو قول الشافعي في القديم ، ورواية مشهورة عن أحمد ، واستلوا بما يلي :

- أن التعليق بشرط ليس بقسم ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه ولا يذكره أهل العربية في باب القسم فلا يكون إيلاء وإنما يسمى حلفاً تجوزاً لمشاركته القسم في المعنى المشهور في القسم وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر والكلام عند إطلاقه لحقيقته يدل على هذا قول الله تعالى { فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وإنما يدخل الغفران في اليمين بالله .

- وأيضا قول النبي صلي الله عليه وسلم [ إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت](2) ، وإن سلمنا أن غير القسم حلف لكن الحلف بإطلاقه إنما ينصرف إلى القسم وإنما يصرف إلى غير القسم بدليل ولا خلاف في أن القسم بغير الله تعالى وصفاته لا يكون إيلاء لأنه لا يوجب كفارة ولا شيئاً يمنع من الوطء فلا يكون إيلاء كالخبر بغير القسم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




القول الثاني : هو مول وروي عن ابن عباس أنه قال: كل يمين منعت جماعها فهي إيلاء ولا يكون مولياً إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق كقوله إن وطئتك فعبدي حر أو فأنت طالق أو فأنت علي كظهر أمي أو أنت علي حرام أو فلله علي صوم سنة أو الحج أو صدقة فهذا يكون إيلاء لأنه يلزمه بوطئها حق يمنعه من وطئها خوفه من وجوبه .

وبذلك قال الشعبي و النخعي و مالك وأهل الحجاز و الثوري و أبو حنيفة وأهل العراق و الشافعي و أبو ثور و أبو عبيد وغيرهم واستدلوا بقولهم :

- لأنها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلف بالله .

- ولأن تعليق الطلاق والعتاق على وطئها حلف بدليل أنه لو قال متى حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال إن وطئتك فأنت طالق طلقت في الحال.

- ولأن هذه الصيغة تشترك مع صيغة اليمين في كونهما منع لحق المرأة وإلحاق الظلم بها ، وترتب ما يستشق على قربانه زوجته سواء كفارة يمين ، أو غيره من صيام وعتق..









(1) سورة البقرة آية 622 .
(2) أخرجه البخاري: في الأيمان باب: لا تحلفوا بآبائكم 11 / 530. ومسلم: في الأيمان والنذور باب: النهي عن الحلف بغير الله برقم (1646) 3 / 1266 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-11-10, 03:50 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (61) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



تعليق الإيلاء (3-5)

وتعليق الإيلاء على شرط قسمان هما :
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



القسم الأول : تعليق الإيلاء على شرط مستحيل
إذا علق الإيلاء بشرط مستحيل كقوله : والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء أو تقلبي الحجر ذهباً ... فهو مول لأن معنى ذلك ترك وطئها ؛ فإن ما يُراد إحالةُ وجودِه يُعلّق على المستحيلات قال الله تعالى في الكفار { وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ }الأعراف40 ومعناه لا يدخلون الجنة أبداً.
القسم الثاني: الايلاء بتعليق الوطء على أمر ممكن . وذلك على خمسة ضرب :
أحدها : ما يعلم أنه لا يوجد قبل أربعة أشهر كقيام الساعة فإن لها علامات تسبقها فلا يوجد ذلك في أربعة أشهر ، فهذا مول لأن يمينه على أكثر من أربعة أشهر
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



الثاني : ما الغالب أنه لا يوجد في أربعة أشهر كخروج الدجال والدابة وغيرهما من أشراط الساعة أو يقول حتى أموت أو تموتي أو يموت ولدك أو زيد أو حتى يقدم زيد من مكة والعادة أنه لا يقدم في أربعة أشهر فيكون مولياً ؛ لأن الغالب أن ذلك لا يوجد في أربعة أشهر .
الثالث : أن يعلقه على أمر يحتمل الوجود في أربعة أشهر ويحتمل أن لا يوجد احتمالاً متساوياً كقدوم زيد من سفر قريب أو من سفر لا يعلم قدره فهذا ليس بإيلاء لأنه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ولا يظن ذلك.
الرابع : أن يعلقه على ما يعلم أنه يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك كذبول بقل وجفاف ثوب ومجيء المطر في أوانه وقدوم الحاج في زمانه فهذا لا يكون مولياً لما ذكرناه ؛ ولأنه لم يقصد الإضرار بترك وطئها أكثر من أربعة أشهر فأشبه ما لو قال والله لا وطئتك شهراً .
الخامس : أن يعلقه على فعل منها هي قادرة عليه أو فعل من غيرها وذلك ينقسم أقساما ثلاثة أحدها: أن يعلقه على فعل مباح لا مشقة فيه كقوله والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار أو تلبسي هذا الثوب أو حتى أتنفل بصوم يوم ، فهذا ليس بإيلاء لأنه ممكن الوجود بغير ضرر عليها فيه فأشبه الذي قبله .
والثاني: أن يعلقه على محرم كقوله والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو تزني أو تسقطي ولدت أو تتركي صلاة الفرض أو حتى أقتل زيدا أو نحوه فهذا إيلاء لأنه علقه بممتنع شرعاً فأشبه الممتنع حساً .

الثالث: أن يعلقه على ما على فاعله فيه مضرة مثل أن يقول والله لا أطؤك حتى تسقطي صداقك عني أو دينك أو حتى تكفلي ولدي أو تهبيني دارك أو نحو ذلك فهذا إيلاء ؛ أخذه لمالها أو مال غيرها من غير رضا صاحبه محرم فجرى مجرى شرب الخمر .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-11-10, 03:53 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (62) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


حكم الإيلاء وأركانه (4-5)
وحكمـه :
حرام لما فيه من ظلم للمرأة ، وإضرار بها .
أركـانـه :
أركانه ستة حالف ومحلوف به ومحلوف عليه ومدة وصيغة وزوجة .
1) شرط في الحالف : أن يكون زوجاً مكلفاً مختاراً يتصور منه الجماع فلا يصح من غير الزوج كسيد ولا من غير مكلف إلا السكران ولا من مكره ولا ممن لا يتصور منه الجماع كمجبوب وأشل .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

2) وشرط في المحلوف به : أن يكون واحداً من ثلاثة إما اسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته تعالى وإما تعليق طلاق أو عتق وإما التزام ما يلزم بالنذر كصلاة وصوم وغيرهما من القرب . ومن حلف بشيء غير الله تعالى فليس بحانث ولا كفارة عليه إذا حنث كما لو قال والكعبة أو والفجر أو والليل أو وشيء مما يشبه هذا لا أقربك لم يكن مولياً لأن كل هذا خارج من اليمين
3) وشرط في المحلوف عليه : ترك وطء شرعي فلا إيلاء بحلفه على امتناعه من تمتعه بها بغير وطء ولا من وطئها في نحو حيض أو إحرام
4) وشرط في المدة : أن تكون زائدة على أربعة أشهر فلو كانت أربعة أشهر أو أقل فلا يكون إيلاء بل مجرد حلف ، لأن المرأة تصبر على الزوج أربعة أشهر فعن عمرو بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:
تطاوَلَ هذا الليلُ واسودّ جانِبُهْ ... وأرقني ألا خليلَ ألاعِبُهْ ...
فوالله لولا الله أني أراقبهْ ... لحرِّكَ من هذا السرير جوانبه ...
فسأل عمر ابنته حفصة، رضي الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر. فقال عمر: لا أحبس أحدًا من الجيوش أكثر من ذلك .
5) الصيغة : لفظ يشعر بإيلاء وهو إما صريح مثل: لا أجامعك لا أطؤك لا أباضعك لا أغتسل منك من جنابة . وهذا لا يشترط فيه النية ، فلو ادعى أنه لم يعن الجماع لا يصدق قضاء ويصدق ديانة .
والكناية كل لفظ لا يسبق إلى الفهم معنى الوقاع ويحتمل غيره ما لم ينو نحو لا أمسك ولا آتيك ولا أغشاك لا ألمسك لأغيظنك لأسوءنك لا أدخل عليك لا أجمع رأسي ورأسك لا أضاجعك لا أدنو منك لا أبيت معك في فراش لا يمس جلدي جلدك لا أقرب فراشك فلا يكون إيلاء بلا نية ويدين في القضاء .
6) ويصح الإيلاء عن الزوجة وعن المطلقة الرجعية .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-11-10, 03:56 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (63) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


الأمور التي تترتب على الإيلاء (5-5)





يترتب عليه : أمران هما :

الأمر الأول : لزوم الكفارة أو الجزاء المعلق إذا حنث . فوعد المغفرة بسبب

الفيء الذي هو مثل التوبة لا ينافي إلزام الكفارة لأنه حكم دنيوي وذاك أخروي .



الأمر الثاني : إذا انقضت المدة ولم يرجع ويفيء فالعلماء على قولين :



القول الأول : وقوع طلقة بائنة بمجرد انقضاء المدة وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله . واستدلوا بما يلي :

-بقراءة ابن مسعود صلى الله عليه وسلم للآية (فإن فاءوا فيهن) ، وقالوا : فإضافة الفيئة إلى المدة تدل على استحقاق الفيئة فيها، وهذه القراءة إما أن تُجرى مجرى خبر الواحد، فتوجب العمل، وإن لم تُوجب كونها مِن القرآن، وإما أن تكون قرآناً نسخ لفظه، وبقى حكمه لا يجوز فيها غير هذا البتة.

-لأنه ظلمها بمنع حقها فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة .

-ولأنه حدد هذه المدة للتخلص من الظلم ولا يكون بالرجعي لأنه له أن يردها إلى عصمته ويعيد الإيلاء فتعيّن البائن لتملك نفسها وتزول سلطته عنها جزاء لظلمه .

-أن الله عز وجل جعل التربص في الإيلاء أربعة أشهر كما جعل في عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً وفي عدة الطلاق ثلاثة قروء فلا تربص بعدها .

-ولأنه كان طلاقاً في الجاهلية فحكم الشرع بتأجيله إلى انقضاء المدة .

-أن الله سبحانه جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر، فلو كانت الفيئةُ بعدها، لزادت على مدة النص، وذلك غيرُ جائز.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




القول الثاني : يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء فإن أبى الفيء وأبى الطلاق فإن القاضي يطلقها طلقة رجعية لأنه منع حقها في الجماع فينوب القاضي منابه في التسريح كما في الجب والعنة . وإن قال أنا أفيء لم يعجل عليه بالطلاق واختبره القاضي مرة وثانية فإن تبيّن كذبه طلق عليه . وهذا مذهب الثلاثة ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وعن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول بوقف المولي .





قال الجمهور: لنا مِن آية الإيلاء عشرة أدلة ، نذكر أهمها :



أحدها: أنه أضاف مدة الإيلاء إلى الأزواج، وجعلَ لهم شيئاً، وعليهم شيئين، فالذي لهم تربُّصُ المدة المذكورة، والذي عليهم إما الفيئةُ وإما الطلاقُ، والقول بأن الطلاق يقع بائناً بمجرد انقضاء المدة خلاف ظاهر النص ؛ فليس عليهم عندئذ إلا الفيئة في المدة وأما الطلاق فليس عليهم، بل ولا إليهم، وإنما هو إليه سبحانه عند انقضاء المدة، فيُحكم بطلاقها عقيب انقضاء المدة شاء أو أبى .


الدليل الثاني: قوله: {فَإنْ فَاءُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، فذكر الفيئةَ بعد المدة بفاء التعقيب، وهذا يقتضى أن يكونَ بعدَ المدة، ونظيرُه قولُه سبحانه: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(1) وهذا بعدَ الطلاق قطعاً .

الدليل الثالث: قوله: {وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ}(2)، وإنما العزم ما عزم العازمُ على فعله، والعزمُ هو إرادة جازمة لفعل المعزوم عليه أو تركه، وإيقاع الطلاقَ بمجرد مضيِّ المدة دون اعتبار عزمه مخالف للآية .

الدليل الرابع: أن الله سبحانه خيَّره في الآية بين أمرين: الفيئةِ أو الطلاقِ، والتخييرُ بين أمرين لا يكون إلا في حالة واحدة كالكفارات، ولو كان في حالتين، لكانتا ترتيباً لا تخييراً، وإذا تقرر هذا، فالقول بأن الفيئة في نفس المدة، وعزمُ الطلاق بانقضاء المدة، غير صحيح ؛ إذ لم يقع التخييرُ في حالة واحدة .

الدليل الخامس: أنه سبحانه قال :{وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. فاقتضى أن يكون الطلاقُ قولاً يُسمع، ليحسن ختم الآية بصفة السمع.

الدليل السادس: أنه لو قال لغريمه: لك أجلُ أربعة أشهر، فإن وفّيتني قبلتُ منك، وإن لم تُوفني حبستُك، كان مقتضاه أن الوفاء والحبس بعد المدة لا فيها، ولا يَعْقِلُ المخاطبُ غيرَ هذا.

-قالوا: ولأنها يمين بالله تعالى توجب الكفارةَ. فلم يقع بها الطلاق كسائر الأيمان .

-ولأنها مدة قدّرها الشرعُ، لم تتقدمها الفرقة، فلا يقع بها بينونة، كأجل العنِّين

-ولأنه لفظ لا يَصِحُّ أن يقع به الطلاق المعجَّل، فلم يقع به المؤجَّلُ كالظهار.

-قالوا: ولأن الطلاقَ إنما يقع بالصريح والكناية، وليس الإيلاء واحداً منهما، إذ لو كان صريحاً، لوقع معجَّلاً إن أطلقه، أو إلى أجل مسمَّى إن قيَّده، ولو كان كنايةٍ، لرجع فيه إلى نيته .

قالوا: وأما قراءةُ ابن مسعود، فغايتُها أن تدُلَّ على جواز الفيئة في مدة التربُّص، لا على استحقاقِ المطالبة بها في المدة، وهذا حقٌّ لا ننكِرُه.

وأما قولُكم: إنه لو كانت الفيئة بعد المدة، لزادت على أربعة أشهر، فليس بصحيح، لأن الأربعة أشهر مدة لزمن الصبرِ الذي لا يستحِقُّ فيه المطالبة، فبمجرد انقضائها يستحِقُّ عليه الحقُّ، فلها أن تعجِّل المطالبة به. وإمَّا أن تُنْظِرَه، وهذا كسائِرِ الحقوق المعلَّقة بآجال معدودة، إنما تُستحق عند انقضاء آجالها، ولا يُقال: إن ذلك يستلزِمُ الزيادةَ على الأجل، فكذا أجلُ الإيلاء سواء.








1 -سورة البقرة آية 229 .

2-سورة البقرة آية 227 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-12-24, 03:14 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (64) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



الحلقة (64) الظــــهار(1)

(1-4)








وكان طلاقاً في الجاهلية ، وقيل في أول الإسلام ، ويقال كانوا في الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر فتبقى لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره فغيّر الشارع حكمه إلى تحريمها بعد العود ولزوم الكفارة .
وحقيقته الشرعية
تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حلا
أي تشبيه الحلال بالحرام ولهذا وصفه الله تعالى بكونه منكرا من القول وزورا فقال سبحانه وتعالى في آية الظهار ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِين َ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) )(2)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



(1) انظر : بدائع الصنائع 3/299 ، البحر الرائق 6/308 ، المدونة 2/309 ، المجموع شرح المهذب 17/343 ، مغني المحتاج 3/352 ، المغني 8/560 ، حاشية الروض المربع 6/628 ، الإنصاف 9/140 .

(2) سورة المجادلة آية 2 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-12-24, 03:21 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (65) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

الظــــهار(1)

(2-4)


وللظهار ثلاثة أركان :
الأول : المظاهر وهو كل من يصح طلاقه ؛ بأن يكون بالغاً عاقلاً مسلماً .
مسألة : هل يشترط في المظاهر أن يكون رجلاً ، بمعنى هل يصح ظهار المرأة من زوجها؟
القول الأول : وهو الصحيح أنه لا يصح ظهار المرأة من زوجها لأن الله تعالى قال " والذين يظاهرون منكم من نسائهم " ولم يقل اللائي يظاهرن منكن من أزواجهن .
ولأن الحل والعقد والتحليل والتحريم في النكاح بيد الرجال ليس بيد المرأة منه شيء .
وهذا هو رأي جمهور العلماء . لكن إن ظاهرت المرأة من زوجها ، فالجمهور كأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم أن ظهارها ليس بشيء .
وقال الأوزاعي وإسحاق والزهري وعطاء والحسن بن زياد : إذا قالت المرأة لزوجها أنت على كظهر فهي يمين وعليها كفارة يمين .
وقال الزهري : أرى أن تكفر كفارة الظهار، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها .
القول الثاني : قال صاحب أبي حنيفة أبو يوسف لا يشترط أن يكون المظاهر رجلاً ، فيصح ظهار المرأة وعليها كفارة الظهار ، وقالوا : أن الظهار تحريم يرتفع بالكفارة وهي من أهل الكفارة فكانت من أهل الظهار .
الركن الثاني : المظاهر منها والظهار يلزم في كل زوجة مدخول بها أو غير مدخول بها من زوج يجوز طلاقه .
الركن الثالث : الصيغة وهي نوعان : صريحة وكناية ؛ أما الصريحة فبأن يشبه امرأته أو عضواً منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد أو بها أو بعضو منها ، كقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي .
وأما الكناية أن يقول: أنت علي كأمي أو مثل أمي لم يكن ظهاراً إلا بالنية ، لأنه يحتمل أنها كالأم في التحريم أو في الكرامة فلم يجعل ظهاراً من غير نية كالكنايات في الطلاق.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg

إلا إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف، كقوله إن فعلت كذا فأنت علي كروح أمي، أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار، لأنه إذا خرج مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شيء أو الحث عليه، وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه، ولأن كونها مثل أمه في صلتها أو كرامتها لا يتعلق على شرط فيدل على انه إنما أراد الظهار، ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأذاها ويوجب اجتنابها وهو الظهار.
وإن عدم هذا فليس بظهار لأنه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيراً.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-12-24, 03:26 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (66) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

الظــــهار(1)



توقيت الظهار وتعليقه (3-4)

مسألة توقيت الظهار :
القول الأول : يصح الظهار مؤقتاً ، وهو أن يقول أنت علي كظهر أمي يوماً أو شهراً لحديث سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ قَالَ : كُنْتُ امْرَأً أُصِيبُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لاَ يُصِيبُ غَيْرِي ، فَلَمَّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ خِفْتُ أَنْ أُصِيبَ مِنَ امْرَأَتِي شَيْئًا يُتَابَعُ بِي حَتَّى أُصْبِحَ فَظَاهَرْتُ مِنْهَا حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَخْدُمُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيءٌ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَزَوْتُ عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ خَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُم ُ الْخَبَرَ وَقُلْتُ امْشُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالُوا : لاَ وَاللَّهِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ « أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ ». قُلْتُ أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ وَأَنَا صَابِرٌ لأَمْرِ اللَّهِ فَاحْكُمْ فيَّ مَا أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ « حَرِّرْ رَقَبَةً ». قُلْتُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا وَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي قَالَ « فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ». قَالَ وَهَلْ أُصِبْتُ الَّذِي أُصِبْتُ إِلاَّ مِنَ الصِّيَامِ قَالَ « فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ». قُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ مَا لَنَا طَعَامٌ قَالَ « فَانْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا ». فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْي وَوَجَدْتُ عِنْدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- السَّعَةَ وَحُسْنَ الرأي وَقَدْ أَمَرَنِي- أَوْ أَمَرَ لِي - بِصَدَقَتِكُم )(1)
فإذا مضى الوقت زال الظهار وحلّت المرأة بلا كفارة. ولا يكون عائداً بالوطء في المدة . وهو قول ابن عباس وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأبى ثور والشافعي وأحمد بن حنبل.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


وحديث سلمة بن صخر صريح في ذلك ففيه " تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أصابها في الشهر فأمره بالكفارة ولم يعتبر عليه تقييده .
ولأنه منع نفسه بيمين لها كفارة فصح مؤقتاً كالإيلاء ، ولأنها يمين لم يحنث فيها فلا يلزمه كفارتها كاليمين بالله تعالى .
القول الثاني : وقال أبو حنيفة وابن أبى ليلى والليث لا يكون ظهاراً ؛ لأن الشرع ورد بلفظ الظهار مطلقاً . وهذا لم يطلق فأشبه ما لو شبهها بمن تحرم عليه في وقت دون آخر .
القول الثالث : وقال مالك: يسقط التأقيت ويكون ظهاراً مطلقاً . لأن هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة فإذا وقّته لم يتوقف كالطلاق .
الراجح :
القول الأول لما سبق من أدلتهم ، ويُجاب عن أدلة القولين الآخرين بما يلي :
- تشبيه الظهار المؤقت بما لو شبه زوجته بمن تحرم عليه في وقت دون وقت ؛ أنه تشبيه مع الفارق لأن تحريمها غير كامل. وهذه حرمها في هذه المدة تحريماً كاملاً .
- وأما تشبيه الظهار الموقت بالطلاق الموقت فهو تشبيه مع الفارق ؛ فالطلاق يزيل الملك فلا يمكن توقيته ، وأما الظهار فهو يوقع تحريماً يرفعه التكفير فجاز توقيته .
مسألة تعليق الظهار بشرط :
فإذا قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ، أو قال إن قدّم فلان ، أو قال شاء زيد ، فمتى شاء زيد أو دخلت الدار أو قدم فلان صار مظاهراً وإلا فلا.
وبهذا قال جمهور العلماء لأنه يمين فجاز تعليقه على شرط كالإيلاء.
ولأن الظهار أصله كان طلاقاً والطلاق يصح تعليقه بالشرط فكذلك الظهار .






(1) أخرجه ابو داود باب في الظهار ح2215 – 2/233، والترمذي في سورة المجادلة ح3299-5/405 وقال: هذا حديث حسن ، وابن ماجة في الظهار ح2062-1/665 ، والدارمي في الظهار ح2273-1/217 ، وصححه الألباني في تحقيقه لسنن ابن ماجه .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-12-24, 03:30 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (67) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

الظــــهار(1)



مسائل في الظهار(4-4)



مسألة : بيان ما يحرم وما يباح من المرأة المظاهر منها قبل التكفير

- يحرم على المظاهر وطء امرأته قبل أن يكفر وليس في ذلك اختلاف إذا كانت الكفارة عتقاً أو صوماً لقول الله تعالى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } وقوله سبحانه : { {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } وأكثر أهل العلم على أن التكفير بالإطعام مثل ذلك وأنه يحرم وطؤها قبل التكفير منهم عطاء و الزهري و الشافعي وأصحاب الرأي .

وذهب أبو ثور إلى إباحة الجماع قبل التكفير بالإطعام وعن أحمد ما يقتضي ذلك لأن الله تعالى لم يمنع المسيس قبله كما في العتق والصيام . والراجح الأول : لما روى عكرمة [ عن ابن عباس: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم قد ظاهر من امرأته فوقع عليها فقال يا رسول الله ! إني قد ظاهرت من زوجتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال وما حملك على ذلك يرحمك الله ؟ قال رأيت خلخالها في ضوء القمر قال فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به ](1) .

ولأنه مظاهر لم يكفر فحرم عليه جماعها كما لو كانت كفارته العتق أو الصيام وترك النص عليها لا يمنع قياسها على المنصوص الذي في معناها
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



- فأما التلذذ بما دون الجماع من القبلة واللمس والمباشرة ، ففيه روايتان إحداهما : يحرم وهو اختيار أبي بكر وهو قول الزهري و مالك و الأوزاعي و أبي عبيد وأصحاب الرأي وروي ذلك عن النخعي وهو أحد قولي الشافعي لأن ما حرم الوطء من القول حرم دواعيه كالطلاق والإحرام . والثانية : لا تحرم قال أحمد أرجو أن لا يكون به بأس وهو قول الثوري و إسحاق و أبي حنيفة وحكي عن مالك وهو القول الثاني للشافعي لأنه وطء يتعلق بتحريمه مال فلم يتجاوزه التحريم كوطء الحائض .



مسألة : من أراد الوطء قبل الكفارة



ينبغي على المرأة منع زوجها المظاهر من مقاربتها ولها أن تشكوه إلى القاضي ليحول بينه وبينها حتى يكفِّر ، وللسلطان أن يؤدبه .



مسألة : إذا امتنع من التكفير مع قدرته :

إذا ظاهر من امرأته فقال لها: أنت علي كظهر أمي وامتنع عن التكفير ، عُلم أنه مضار ، وصار مولياً إما أن يفيء ويكفر وإما أن يطلق ، وهو وإن لم يكن يميناً إلا أنه لما كف عن الوطء

وهو يقدر على الكفارة علم أنه مضار، فلا بد أن يحمل محمل المولي . وبه قال مالك وغيره .









(1) أخرجه الترمذي باب المظاهر يواقع قبل أن يكفر ح 1199-3/503 وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح ، وحسّنه الألباني في تحقيقه للسنن ، والنسائي باب الظهار ح 3475-6/479 ، والبيهقي في السنن الكبرى ح 15036-7/386 ، و الطبراني في المعجم الكبير ح 11600-11/236 .


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-12-24, 03:35 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (68) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


اللعـــــان(1)

(1-3)



وهو مشتق من اللعن لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذباً وقيل : سمي بذلك لأن الزوجين لا ينفكان من أن يكون أحدهما كاذباً فتحصل اللعنة عليه وهي الطرد والإبعاد
تعريفه شرعاً:
هو شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة باللعن والغضب قائمة مقام حد قذف في جانبه وحد زنى في جانبها .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg


عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلاَنِىَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِىٍّ الأَنْصَارِىِّ فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ يَا عَاصِمُ لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَسَلْ لِى عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ لَمْ تَأْتِنِى بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَسْأَلَةَ الَّتِى سَأَلْتُهُ عَنْهَا. قَالَ عُوَيْمِرٌ وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِى حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا. فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِى صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا ». قَالَ سَهْلٌ فَتَلاَعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَي ْنِ. قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ حَامِلاً فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ. ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا(2)







(1) انظر : بدائع الصنائع 3/242، مغني المحتاج 3/367 ، المبدع شرح المقنع 8/65، عمدة الفقه 1/111 ، حاشية الروض المربع 7/29 ، المغني 9/3 .
(2) أخرجه البخاري باب التلاعن في المسجد ح5003-5/2033 ، ومسلم باب وحدثنا يحيى بن يحيى ح3816-4/205 واللفظ له .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-12-24, 03:38 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (69) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


اللعـــــان(1)



صفة اللعان وشروطه (2-3)




صفـة اللعـــان :


أن يبدأ الزوج فيقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنى . ويشير إليها ، وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها ، حتى يكمل ذلك أربع مرات ، ثم يقول في الخامسة : وإن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنى .

ثم تقول هي : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى أربع مرات ، ثم تقول في الخامسة: وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى .

فإن نقص أحدهما من الألفاظ الخمسة شيئاً ، أو بدأت باللعان قبله ، أو تلاعنا بغير حضرة الحاكم ، أو نائبه لم يعتد به . وإن أبدل لفظة أشهد بـ أقسم أو أحلف أو لفظة اللعنة بـ الإبعاد أو الغضب بـ السخط فعلى وجهين .

ويسن تلاعنهما قياماً بحضرة جماعة أربعة فأكثر ، بوقت ومكان معظمين ، وأن يأمر حاكم من يضع يده على فم زوج وزوجة عند الخامسة ويقول: اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




ولا يصح إلا بشروط ثلاثة



"1- كونه بين زوجين مكلفين" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فلا لعان بقذف أمة، ولا حد. وأما اعتبار التكليف، فلأن قذف غير المكلف لا يوجب حداً ، واللعان إنما وجب لإسقاط الحد .

"2- أن يتقدمه قذفها بالزنى ولو في دبر، لأنه قذف يجب به الحد. ولا فرق بين الأعمى والبصير لعموم الآية.

"3- أن تكذبه" الزوجة في قذفها

"ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان" لأن اللعان إنما ينتظم بتكذيبها فإن صدقته، أو عفت عن الطلب بحد القذف، أو سكتت فلم تقر ولم تنكر لحقه النسب، ولا لعان، لأن الحق لها، فلا يستوفى من غير طلبها وإن كان بينهما نسب يريد نفيه، فله أن يلاعن، لأنه محتاج إليه، وهو حق له، فلا يسقط برضاها .


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-12-24, 03:41 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (70) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


اللعـــــان



صفة اللعان وشروطه (3-3)






و إذا تم اللعان بينهما ثبت أربعة أحكام:

"1- سقوط الحد أو التعزير" الذي أوجبه القذف عنها وعنه. ولو قذفها برجل سماه سقط حكم قذفه بلعانه، لأن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن سحماء، ولم يذكره في لعانه، ولم يحده النبي صلى الله عليه وسلم، لشريك ولا عزره له، ولأن اللعان بينة في أحد الطرفين فكان بينة في الآخر كالشهادة .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



"2- الفرقة ولو بلا فعل حاكم" لأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد فلم يقف على تفريق الحاكم، كالرضاع وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم ، بينهما بمعنى: أنه أعلمهما بحصول الفرقة باللعان. وعنه لا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما، لقول ابن عباس في حديثه: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهما. وفي حديث عويمر: أنه قذف امرأته، فتلاعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. فدل على أن الفرقة لم تحصل بمجرد اللعان. قدمه في الكافي.

"3- التحريم المؤبد" لقول سهل بن سعد: مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعا أبدا رواه الجوزجاني. وقال عمر، رضي الله عنه: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا رواه سعيد، وعن علي وابن مسعود نحوه.

4-"انتفاء الولد، ويعتبر لنفيه ذكره صريحا، كـ: أشهد بالله لقد زنت، وما هذا ولدي" وظاهر كلام أبي بكر صحة نفي الحمل في لعانه لظاهر حديث هلال بن أمية، فإنه لاعنها قبل الوضع، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انظروها فإن جاءت به كذا وكذا" . الحديث. ونفي عنه الولد قال ابن عبد البر: الآثار على هذا كثيرة، وأوردها، ولم ينقل ملاعنة بعد وضعه وشرط لنفيه أن لا يتقدمه إقرار به أو بتوأمه، أو تهنئة به، فيسكت، أو يؤمن على الدعاء أو يؤخر النفي بلا عذر لأنه خيار لدفع ضرر، فكان على الفور كخيار الشفعة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-03-24, 12:08 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (71) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


طرق التخلية من جهة الزوجة

الخــــلع(1) (1-5)







تعريفه شرعاً :

هو فراق الزوجة بعوض بألفاظ مخصوصة سمي بذلك لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس(2)

ألفاظ الخلع

تنقسم إلى صريح وكناية :

فالصريح ثلاثة ألفاظ ؛ خالعتك لأنه ثبت له العرف ، والمفاداة لأنه ورد به القرآن سبحانه : (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنّ َ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)(3) ، وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية .

وما عدا هذه مثل بارأتك وأبرأتك وابَنتك فهو كناية لأن الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg
















(1) انظر : الاختيار لتعليل المختار 1/37 ، البحر الرائق 4/77 ، العناية شرح الهداية 5/464 ، المبسوط 6/308 ، الاستذكار 6/76 ، المجموع 17/3 ، مغني المحتاج 3/262 ، روضة الطالبين 7/390 ، المغني 8/174 ، الإنصاف 8/282 ، حاشية الروض المربع 6/459 ، اختلاف الأئمة العلماء 2/162، الفقه على المذاهب الأربعة 4/184 ، مجموع الفتاوى 32/282 و33/152 ، زاد المعاد 5/192 وما بعدها .

(2) انظر : حاشية الروض المربع 6/459 ، الروض المربع 1/357 ، وفي البحر الرائق 4/77 إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبولها بلفظ الخلع أو ما في معناه

(3) سورة البقرة آية 229 .


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-03-24, 12:18 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (72) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

أحكام الخلع (2-5)



حكم الخلع :

- إذا كرهت المرأة زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة وخافت أن لا تؤدي حقه، جاز أن تخالعه على عوض، لقوله عز وجل " {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }

وعَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّة ِ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِى الْغَلَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ هَذِهِ ». فَقَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ. قَالَ « مَا شَأْنُكِ ». قَالَتْ لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ. لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ ». وَذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ وَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ « خُذْ مِنْهَا ». فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ هِىَ فِى أَهْلِهَا وفي رواية ابن عباس أنها قالت : يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فتردين عليه حديقته ) . قالت نعم فردت عليه وأمره ففارقها(2) .http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg





- وإن لم تكره منه شيئاً وتراضيا على الخلع من غير سبب جاز، لقوله عز وجل { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } ولأنه رفع عقد بالتراضي جعل لدفع الضرر فجاز من غير ضرر كالإقالة في البيع .

- إذا عضل الرجل زوجته وضارَّها بالضرب والتضييق عليها ، أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك ، لتفتدي نفسها منه ، ففعلت ؛ فللعلماء في هذه المسألة قولان :

الأول : أن الخلع باطل والعوض مردود وبه قال مالك و الشافعي والحنابلة ، وروي ذلك عن ابن عباس و عطاء و مجاهد و الشعبي و النخعي و القاسم بن محمد و الزهري .

واستدلوا بالآتي :

قول الله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } .

وقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنّ َ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة}(3)

ولأنه عوض أُكرهن على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والأجر في الإجارة . فإن طلقها في هذه الحال على عوض لم يستحق العوض لأنه عقد معاوضة أكرهت عليه بغير حق فلم يستحق فيه العوض كالبيع، فإن كان ذلك بعد الدخول فله أن يراجعها، لأن الرجعة إنما تسقط بالعوض وقد سقط العوض فتثبت الرجعة فيه.

الثاني : العقد صحيح والعوض لازم وهو آثم عاص وبه قال أبو حنيفة . والصحيح القول الأول .

- فأما إن ضربها على نشوزها ومنعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لأن ذلك لا يمنعها أن لا يخافا أن لا يقيما حدود الله وفي بعض حديث حبيبة ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَضَرَبَهَا فَكَسَرَ بَعْضَهَا فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الصُّبْحِ فَاشْتَكَتْهُ إِلَيْهِ فَدَعَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ثَابِتًا فَقَالَ « خُذْ بَعْضَ مَالِهَا وَفَارِقْهَا » فَقَالَ وَيَصْلُحُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ فَإِنِّى أَصْدَقْتُهَا حَدِيقَتَيْنِ وَهُمَا بِيَدِهَا فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « خُذْهُمَا فَفَارِقْهَا ». فَفَعَلَ(4)

- لو ضربها ظلماً لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها ولكن عليه إثم الظلم .

_ فإن أتت بفاحشة فمنعها حقها لتخالعه على شيء من مالها يجوز ويستحق فيه العوض لقوله عز وجل " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " والاستثناء من النهي إباحة .

ولأنها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولداً من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } .








(1) أخرجه أبو داود باب في الخلع ح2229-2/236 صححه الألباني ، وابن حبان باب الخلع ح4280-10/110 .

(2) أخرجه البخاري باب الخلع ح4973-5/2022 .

(3) سورة النسااء آية 19 .

(4) أخرجه أبو داود باب في الخلع ح2230-2/236 . وصححه الألباني .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-03-24, 12:27 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (73) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم

الخلع هل هو فسخ أو طلاق (3-5)




التكييف الفقهي للخلع

اختلف العلماء في الخلع هل هو فسخ أو طلاق بائن ؟ على قولين هما :

القول الأول :
أنه فسخ وهو أحد قولي الشافعي ورواية عن أحمد ورأي شيخ الإسلام ابن تيمية((1)، وقول ابن عباس ، واحتج ابن عباس صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ ) - ثم قال( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) - ثم قال – (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها فلو كان الخلع طلاقاً لكان أربعاً ، ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكانت فسخاً كسائر الفسوخ.
القول الثاني :
أنه طلقة بائنة وهو قول مالك و الأوزاعي وأصحاب الرأي . ووجه هذا القول أنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقاً ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصداً فراقها فكان طلاقاً .
والراجح الأول والله أعلم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



ثمرة الخلاف :
أنا إذا قلنا هو طلقة فخلعها مرة حسبت طلقة فينقص بها عدد طلاقه ، وإن خالعها ثلاثاً طلقت ثلاثاً فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن قلنا هو فسخ لم تحرم عليه وإن خالعها مائة مرة وهذا الخلاف فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه ، فأما إن بذلت له العوض على فراقها وكان بلفظ الطلاق فهو طلاق لا اختلاف فيه ، وإن وقع بغير لفظ الطلاق مثل كنايات الطلاق أو لفظ الخلع والمفاداة ونحوهما ونوى به الطلاق فهو طلاق أيضاً لأنه كناية نوى الطلاق فكانت طلاقاً كما لو كان بغير عوض والله أعلم .
ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا هو فسخ أو طلاق في قول أكثر أهل العلم .



(1) مجموع الفتاوى 19/284 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-03-24, 12:30 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (74) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


مسائل في الخلع (4-5)

مسألة : ولا بأس بالخلع في الحيض والطهر الذي أصابها فيه ؛ لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة ، والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة ؛ فجاز دفع أعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها .

ولأنها تملك نفسها بالاختلاع فلهما فائدة في تعجيل الإبانة لرفع الشر الذي بينهما ؛ بخلاف الطلاق الرجعي فإنه لا فائدة في تعجيله قبل وقته ؛ بل ذلك شر بلا خير .
وقد قيل : إنه طلاق في وقت لا يرغب فيها وقد لا يكون محتاجاً إليه ؛ بخلاف الطلاق وقت الرغبة فإنه لا يكون إلا عن حاجة (1)
مسألة : يصح الخلع بأقل وبأكثر مما أعطاها إذا تراضيا على ذلك ، لقول الله تعالى : ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) وقالت الربيع بنت معوذ : اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه ومثل هذا يشتهر فلم ينكر فيكون إجماعاً ، فهو قول عثمان وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وبه قال أكثر أهل العلم .
مسألة : هل يصح الخلع بدون عوض ؟
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



اختلف العلماء على قولين ؛ الأول قول مالك ورواية عن أحمد يصح الخلع بغير عوض ؛ لأنه قطع للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق ، ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها وحاجة إلى فراقه فتسأله فراقها فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع فصح كما لو كان بعوض .
والقول الثاني : لا يكون خلع إلا بعوض وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ورواية عن أحمد ؛ لأن الخلع إن كان فسخاً فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا بعيبها ، وكذلك لو قال : فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة فلا يجتمع له العوض والمعوض ، وإن قلنا الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقاً ، وإنما هو كناية والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو بذل للعوض فيقوم مقام النية وما وجد واحد منهما .


(1) انظر إضافة إلى المراجع الرئيسة مجموع الفتاوى 33/21 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-03-24, 12:34 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (75) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


عـدة المختلعة(5-5)



مسألة عدة المختلعة(1):

اختلف العلماء في هذه المسألة هل تعتد عدة المطلقة أو تعتد بحيضة ، والراجح أنها تعتد بحيضة واستدلوا بـ الآتي :

- ورد في حديث امرأة ثابت بن قيس أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها بأن تعتد بحيضة وأن تلحق بأهلها .

- وقد عضدها عمل عثمان بن عفان صلى الله عليه وسلم في قضية الربيع بنت معوذ ، روى يحيى بن بكير حدثنا الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر : أنه سمع الربيع بنت معوذ ابن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر : أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان فجاء عمها إلى عثمان فقال : إن ابنة معيذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل ؟ فقال عثمان : لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ؛ إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة ؛ خشية أن يكون بها حبل فقال عبد الله بن عمر : وَلَعُثْمَانُ خَيَّرَنَا وَأَعْلَمَنَا .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




- وهو مقتضى قواعد الشريعة، فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة، فيتروى الزوج، ويتمكن من الرجعة في مدة العدة فإذا لم تكن عليها رجعة، فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل، وذلك يكفى فيه حيضة، كالاستبراء(2)

قال ابن حزم : فهذا عثمان والربيع ولها صحبة وعمها وهو من كبار الصحابة وابن عمر : كلهم لا يرى في الفسخ عدة .

وروي أيضاً عن ابن عباس وأبان بن عثمان وإسحاق وابن المنذر ، وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهوية، والإمام أحمد في رواية عنه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .











(1) انظر إضافة إلى المراجع الرئيسية مجموع الفتاوى 32/322 وما بعدها فقد فصّل في المسألة ، وزاد المعاد 5/196 .

(2) قال ابن القيم : قالوا: ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثا، فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحدا بائنة ورجعية.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-03-24, 12:44 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (76) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



فسخ النكاح لإعسار الزوج(1)أو غيبته(1-3)






إذا عجز الزوج عن دفع مقدم الصداق وعن النفقة فهل للزوجة الحق في طلب فسخ العقد أو لا ؟ له حالتان :

الحالة الأولى : أن يكون للزوج بينة على إعساره أو تصدقه الزوجة وفي هذه الحالة اختلف العلماء على قولين هما :

القول الأول الحنفية وهو الصحيحُ من مذهب أحمد ، اختاره عامة أصحابه، وهو قولُ كثير من أصحاب الشافعي. - قالوا : إذا عجز الزوج عن دفع المهر أو النفقة بجميع أنواعها فلا حق للزوجة في فسخ الزواج بذلك على أي حال وإنما لها الحق في منع نفسها منه وعدم التقيد بإذنه في السفر والخروج . ونحو ذلك . وتستدين عليه وعليه السداد إذا أيسر ، وعليه تخلية سبيلها لتكتسب لها وتحصل ما تنفقه على نفسها لأن في حبسها بغير نفقة إضراراً بها .

واحتج من لَم ير الفسخ بالإِعسار بما يلي :

- بقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلا مَا أتاهَا)(2)قالوا: وإذا لم يُكلفه الله النفقة في هذه الحال، فقد ترك ما لا يجب عليه، ولم يأثم بتركه، فلا يكون سبباً للتفريق بينه وبين حبِّه وسكَنه وتعذيبه بذلك.

وقالوا أيضاً: وإذا أعسر ولم يجد سبباً يمكنه به تحصيل النفقة فلا تكليف عليه بدلالة الآية.

يجاب عنه بأنا لم نكلفه النفقة حال إعساره، بل دفعنا الضرر عن امرأته وخلّصناها من حباله لتكتسب لنفسها أو يتزوجها رجل آخر.

- روى مسلم في "صحيحه": من حديث أبي الزبير، عن جابر، دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجداه جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، فقالَ أبو بكر: يا رسول الله! لو رأيتَ بنت خارجة سألتني النفقة فقمتُ إليها، فوجأتُ عنقها، فضَحِكَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: هُنَّ حَوْلِي كما ترى يَسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأُ عُنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقولُ: تسألنَ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ليس عنده، فقلن: والله لا نسأَلُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً أبداً ما ليس عنده، ثم اعتزلهُنّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً وذكر الحديث.

قالوا: فهذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يضربان ابنتيْهما بحضرة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ سألاه نفقةً لا يجِدُها. ومن المحال أن يضرِبا طالبتين للحق، ويُقرَّهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، فدلَّ على أنه لا حقَّ لهما فيما طلبتاه من النفقة في حال الإِعسار، وإذا كان طلبُهما لها باطلاً، فكيف تمكن المرأةُ من فسخ النكاح بعدم ما ليس لها طلبُه، ولا يحلُّ لها.

ويجاب عن هذا بعدة أجوبة؛ أن زجرهما كان لأجل أنهما خالفتا الأولى في جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصبر معه على اللأواء والشدّة حتى يكنّ زوجاته في الجنة.

وأن زجرهما عن المطالبة بما ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدل على عدم جواز الفسخ لأجل الإعسار، ولم يرو أنهن طلبنه ولم يجبن إليه، كيف ؟ وقد خيَّرهن صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فاخترنه.

وأجيب أيضاً عن هذا الحديث بأن أزواجه صلى الله عليه وسلم لم يُعْدَمن النفقة بالكلية، لأنه صلى الله عليه وسلم قد استعاذ من الفقر المدقع، ولعل ذلك إنما كان فيما زاد على قوام البدن.

- أمر الله سبحانه صاحب الدَّين أن يُنْظِرَ المُعْسِرَ إلى الميسرة، وغايةُ النفقة أن تكون ديناً، والمرأةُ مأمورة بإنظار الزوج إلى الميْسَرَةِ بنص القرآن هذا إن قيل: تثبت في ذمة الزوج، وإن قيل: تسقط بمضي الزمان، فالفسخ أبعد وأبعد.

وقالوا: فالله تعالى أوجب على صاحب الحقِّ الصبرُ على المعسر، وندبه إلى الصَّدَقَةِ بترك حقه، وما عدا هذين الأمرين، فجورٌ لم يُبحه له، ونحن نقولُ لهذِهِ المرأة كما قال الله تعالى لها سواءً بسواءٍ؟ إما أن تُنظريه إلى الميسرة، وإما أن تَصَدَّقي، ولا حقَ لَكِ فيما عدا هذين الأمرين.

- قالوا ولم يزل في الصحابة المُعْسِرُ والموسِرُ، وكان مُعسِرُوهم أضعافَ أضعافِ موسريهم، فما مكَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم قطُ امرأةً واحدة من الفسخ بإعسار زوجها، ولا أعلمها أن الفسخَ حق لها فإن شاءت، صبرت، وإن شاءت، فَسَخَتْ، وهو يشرعُ الأحكام عن الله تعالى بأمره، فهبْ أن الأزواج تركن حقهن، أفما كان فيهن امرأةٌ واحدةٌ تُطالِبُ بحقها، وهؤلاء نساؤه صلى الله عليه وسلم خيرُ نساء العالمين يُطالبنه بالنفقة حتى أغضبنه، وحلفَ ألا يدخُلَ عليهن شهراً مِن شدة مَوْجِدَتِهِ عليهن، فلو كان مِن المستقر في شرْعِهِ أن المرأة تملِكُ الفسخَ بإعسار زوجها لرفع إليه ذلك، ولو مِن امرأة واحدة،
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




وأجيب أن نساء الصحابة رضي الله عنهن كُنَّ يُرِدْنَ الدارَ الآَخرة، وما عند الله، ولم يكن مرادُهُنَّ الدنيا، فلم يكنَّ يُبالين بعُسر أزواجهن، لأن أزواجهن كانوا كذلك. وأما النساء اليوم، فإنما يتزوجن رجاء دنيا الأزواج ونفقتهم وكسوتهم، فالمرأة إنما تدخل اليوم على رجاء الدنيا، فصار هذا المعروفُ كالمشروط في العقد، وكان عرفُ الصحابة ونسائهم كالمشروط في العقد .

كما أن القول بحقها في الفسخ في حال جهلها بإعساره، أو تغريرها، وهذا منتفٍ عند الصحابة في الغالب.

- قالوا: وقد جعل الله الفقر والغنى مطيَّتينِ للعباد، فيفتقِرُ الرجل الوقت ويستغني الوقتَ، فلو كان كُلُّ من افتقر، فسخت عليه امرأته، لعم البلاءُ، وتفاقم الشرُّ، وفسخت أنكحة أكثرِ العالم، وكان الفراق بيدِ أكثر النِساء، فمن الذي لم تُصِبْهُ عُسْرةٌ، ويعوز النفقة أحياناً.

وأُجيب عن هذا أن هذا خارج عن محل الخلاف.

القول الثاني : المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إذا عجز الزوج عن دفع المهر بإعساره فإن صبرت الزوجة عليه فذاك وإلا فلها فسخ الزواج بشروط :

الأول : أن تكون حرة فلا حق للأمة في الفسخ بإعسار الزوج بل الحق في ذلك لسيدها إن شاء فسخ . وإن شاء لم يفسخ وليس له الحق في الفسخ من أجل الإعسار بالنفقة.

الثاني : أن تكون مكلفة فإذا كانت صغيرة فليس لها ذلك وكذا ليس لوليها خلافاً للشافعية ومثل الصغيرة المجنونة .

الثالث : لها الحق في الفسخ ولو بعد الدخول خلافاً للمالكية والشافعية رفعاً للضرر عنها.

الرابع : أن لا تكون عالمة بعسره فإن تزوجته وهي عالمة بأنه معسر فلا حق لها في الفسخ خلافاً للشافعية .

الخامس : أن يثبت إعساره بإقرار أو بينة عند قاض وإلا فلا فسخ .

السادس : أن يصدر الفسخ من الحاكم فليس للمرأة الفسخ من تلقاء نفسها . وإذا رفع الأمر للقاضي وثبت أنه معسر بالبينة ، أو بتصديقها فإنه لا يجبر على الدفع بل ينظر إلى ميسرة وتحديد الزمن الذي يؤجل فيه موكول لاجتهاد القاضي فله أن يؤجله سنة ، أو أقل ، أو أكثر لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج ممن يرجى يساره أو لا على الصحيح ؛ لأن اليسار موكول للظروف فلا يمكن الجزم بأن هذا لا يرجى له يسار فإذا عجز بعد ذلك طلق القاضي عليه .

هذه السلسلة بقلم

د. إلهام بدر الجابري












(1) انظر : العناية شرح الهداية 6/211 ، الفواكه الدواني 3/1077، الأم 5/88 و91، المجموع شرح المهذب 18/267 وما بعدها ، إعانة الطالبين 4/93 ، حاشية الروض المربع 7/125 ، مجموع الفتاوى 30/57 ، زاد المعاد 5/511 وما بعدها ، الفقه على المذاهب الأربعة 4/86 .

(2) سورة الطلاق آية 7 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-03-24, 12:51 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (77) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



فسخ النكاح لإعسار الزوج(1)أو غيبته(2-3)





- مسألة : وإن تزوجت بفقير مع العلم بحاله ثم أعسر بالنفقة فلها أن تفسخ، لأن حق الفسخ يتجدد بالإعسار بتجدد النفقة.

واستدلوا بما يلي :

- قوله تعالى (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) فخيَّر الله الزوج بين الإمساك بالمعروف، وهو أن يمسكها وينفق عليها، وبين التسريح بإحسان. فإذا تعذر عليه الإمساك بمعروف تعيَّن عليه التسريح .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول). تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: اطعمني إلى أن تدعني. فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا هذا من كيس أبي هريرة(2)
وأجيب بأنه اجتهاد من أبي هريرة رضي الله عنه وفهمه ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا تورع أبي هريرة عن نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته (يفرق بينهما) (3)
وأجيب بأن الصواب وقفه على أبي هريرة ؛ إذ لو كان مرفوعأَ لما نسب القول بالتفريق بين الزوجين إذا عجز الزوج عن النفقة إلى كيسه كما سبق عند البخاري .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg



- وعن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم: ( فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا )(4).
ويُجاب عنه بأن عمر رضي الله عنه خيّر الرجال بين الإنفاق والطلاق، ولم يخيّر الزوجات، وليس فيه أنهم كانوا معسرين.
- وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: ' يفرق بينهما '(5)، وعن أبي الزناد، قال: سألت سعيد بن المسيب ، عن الرجل لا يجد ما ينفقه على امرأته قال: ' يفرق بينهما ' قال أبو الزناد: قلت : سُنّة ؟ فقال سعيد: ' سنة '(6)
قال الشافعي: ' والذي يشبه قول سعيد : سنة ، أن يكون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم(7)
الراجح والله أعلم : إذا تأملت أصولَ الشريعة وقواعدَها، وما اشتملت عليه من المصالح ودرء المفاسد، ودفعِ أعلى المفسدتين باحتمالِ أدناهما، وتفويتِ أدنى المصلحتين لتحصل أعلاهما، تبَين لكَ بأن القولُ الراجحُ بأن الرجل إذا عجز عن النفقة على الزوجة ولحقها الضرر ولم يكن لها مال تنفق منه على نفسها ، ولم يمكنها العمل لتنفق منه على نفسها ، فعندئذ رفعاً للضرر عن المرأة نقول لها حق الفسخ . والله أعلم .
الخلاصـــــة:
الذي تقتضيه أصولُ الشريعة وقواعدها في هذه المسألة أن الرجل إذا غرَّ المرأة بأنه ذو مال، فتزوجته على ذلك، فظهر مُعْدماً لا شيء له، أو كان ذا مالٍ، وترك الإِنفاق على امرأته، ولم تَقدرْ على أخذ كفايتها من ماله بنفسها، ولا بالحاكم أن لها الفَسخ، وإن تزوجته عالمةً بعُسرته، أو كان موسِراً، ثم أصابته جائحةٌ اجتاحت مالَه، فلا فسخَ لها في ذلك، ولم تزل الناس تصيبهم الفاقة بعد اليسار، ولم ترفعهم أزواجُهم إلى الحكام ليفرقوا بينهم وبينهن، وبالله التوفيق





(1) انظر : العناية شرح الهداية 6/211 ، الفواكه الدواني 3/1077، الأم 5/88 و91، المجموع شرح المهذب 18/267 وما بعدها ، إعانة الطالبين 4/93 ، حاشية الروض المربع 7/125 ، مجموع الفتاوى 30/57 ، زاد المعاد 5/511 وما بعدها ، الفقه على المذاهب الأربعة 4/86 .
(2) أخرجه البخاري باب وجوب النفقة على الأهل والعيال ح5040-5/2048 .
(3) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى ح2909 .
(4) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى ح2914 6/533-538 .
(5) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى ح2908
(6) أخرجه البيهقي في السنن الصغرى ح2906
(7) نقله عنه البيهقي في السنن الصغرى ح2907

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-03-24, 12:58 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (78) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



فسخ النكاح لإعسار الزوج(1)أو غيبته(3-3)




مسألة : إذا ثبت إعسار الزوج خُيّرت بين ثلاثة أشياء: بين أن تفسخ النكاح و بين أن تقيم معه وتمكنه من الاستمتاع بها ويثبت لها في ذمته ما يجب على المعسر من النفقة إلى أن يُوسر، وبين أن يقيم على النكاح ولكن لا يلزمها أن تمكنه من نفسها، بل تخرج من منزله، لأن التمكين إنما يجب عليها ببذل النفقة، ولا نفقة هناك، ولا تستحق في ذمته نفقة في وقت انفرادها عنه، لأن النفقة إنما تجب في مقابلة التمكين من الاستمتاع ولا تمكين منها له.

فإن اختارت المقام معه ثم عَنَّ لها أن تفسخ النكاح كان لها ذلك، لأن وجوب النفقة لها يتجدد ساعة بساعة ويوماً بيوم، فإذا عفت عن الفسخ ووجوب نفقة وقتها ورضيت به تجدد لها الوجوب فيما بعد فثبت لها الفسخ بخلاف الصداق إذا أعسر به فرضيت بالمقام معه، فإن خيارها يسقط لأنه يجب دفعة واحدة ولا يتجدد وجوبه .

الحالة الثانية : وهو أن لا تصدقه الزوجة على دعواه الإعسار ، ولا بينة له ولم يغلب على الظن إعساره:

في هذه الحالة يؤجل القاضي الفصل في الدعوى لإثبات عسره، ومدة الأجل موكولة لاجتهاده وقُدِّرت بثلاثة أسابيع فإن ثبت عسره انتظر بعد ذلك مدة أخرى يرجى فيها يساره وتحديدها موكول للقاضي فإن عجز طلق عليه القاضي .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/271.jpg




ولكن يشترط للتأجيل لإثبات العسر شروط :

الشرط الأول : أن يأتي بضامن - ضمان وجه لا ضمان مال وهو ما يضمن الشخص خوف هروبه - فإن لم يأت حبس لإثبات عسره

الشرط الثاني : أن لا يكون له مال ظاهر فإن كان له أخذ منه حالا .

الشرط الثالث : أن يكون قد أجرى عليها النفقة من وقت مطالبته بالدخول ، فإن لم ينفق عليها من ذلك الحين فلها فسخ العقد لعدم النفقة مع عدم الصداق على الراجح.








(1) انظر : العناية شرح الهداية 6/211 ، الفواكه الدواني 3/1077، الأم 5/88 و91، المجموع شرح المهذب 18/267 وما بعدها ، إعانة الطالبين 4/93 ، حاشية الروض المربع 7/125 ، مجموع الفتاوى 30/57 ، زاد المعاد 5/511 وما بعدها ، الفقه على المذاهب الأربعة 4/86 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-05-30, 04:25 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (79) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم




المفقــــــــود (1) (1-2)




المفقود لغة: اسم مفعول من فقد الشيء: إذا عدمه، والفقد أن تطلب الشيء فلا تجده، والمراد بالمفقود هنا من انقطع خبره وجهل حاله؛ فلا يدرى أحي هو أم ميت، سواء كان سبب سفره أو حضوره قتالاً أو انكسار سفينة أو أسره في أيدي أهل الحرب أو غير ذلك.

إذا غاب الرجل عن امرأته لم يخل من حالين:

الحال الأول : أن تكون غيبة غير منقطعة يعرف خبره ويأتي كتابه فهذا ليس لامرأته أن تتزوج في قول أهل العلم أجمعين إلا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله أو خيف عليها الفساد ، فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه ، وكذا زوجة الأسير والمحبوس لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته .

الحال الثاني : أن يفقد وينقطع خبره ولا يعلم له موضع فهذا ينقسم قسمين :

القسم الأول : أن تكون غيبته ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلاً أو نهاراً ، أو يفقد بين الصفين أو ينكسر بهم مركب فيغرق بعض رفقته ، أو يفقد بمهلكه كبرية الحجاز ونحوها. فالصحيح أن زوجته تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج .

وهذا قول عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير قال أحمد : خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبه يقول مالك و الشافعي في القديم وأحمد .

فعن عبيد بن عمير قال: فقد رجل في عهد عمر فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين. ففعلت ثم أتته فقال: انطلقي فاعتدي أربعة اشهر وعشراً. ففعلت ثم أتته فقال: أين ولي هذا الرجل ؟ فقال: طلقها ففعل فقال لها عمر: انطلقي فتزوجي من شئتِ. فتزوّجت ثمّ جاء زوجُها الأول فقال عمر: أين كنت ؟ قال: يا أمير المؤمنين استهوتني الشياطين فوالله ما أدري في أي أرض الله كنت عند قوم يستعبدونني حتى اغتزاهم منهم قوم مسلمون فكنت فيما غنموه فقالوا لي: أنت رجل من الإنس وهؤلاء من الجن فما لك وما لهم ؟ فأخبرتهم خبري فقالوا: بأي أرض الله تحب أن تصبح ؟ قلت: المدينة هي أرضي. فأصبحت وأنا أنظر إلى الحرَّة فخيَّره عمر إن شاء امرأته وإن شاء الصداق فاختار الصداق، وقال: قد حبلت لا حاجة لي فيها(2)

قال أحمد : يروى عن عمر من ثلاثة وجوه ولم يعرف في الصحابة له مخالف .

وروى الجوزجاني وغيره بإسنادهم عن علي في امرأة المفقود تعتد أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها وتعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشراً، فإن جاء زوجها المفقود بعد ذلك خُيِّر بين الصداق وبين امرأته. وقضى به عثمان أيضاً وقضى به ابن الزبير في مولاة لهم وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تنكر فكانت إجماعاً .












(1) البحر الرائق 5/176 ، العناية شرح الهداية 8/230 ، الاستذكار 6/130 ، المدونة 2/30 ، إعانة الطالبين 4/83 ، الأم 5/240 ، المجموع شرح المهذب 18/268 ، روضة الطالبين 8/400 ، الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/113 ، المغني 9/131 ، حاشية الروض المربع 7/66 . إعلام الموقعين 2/55 .

(2) قال ابن حجر في فتح الباري 9/431 : أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وبن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عمر .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-05-30, 04:34 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (80) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



المفقــــــــود (1) (2-2)





القسم الثاني من الحالة الثانية : أن يكون ظاهر غيبته السلامة كسفر التجارة في غير مهلكة وطلب العلم والسياحة ، أو خرج إلى الصلاة فلم يعد ، وللعلماء في هذه الحالة ثلاثة أقوال هي :

القول الأول: لا تزول الزوجية ما لم يثبت موته ، روي عن علي أنه قال: إذا فقدت المرأة زوجها لم تزوج حتى يقدم أو يموت(2) ، وإليه ذهب ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي في الجديد ورواية عن أحمد .

قالوا: لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل الأربع سنين أو كما قبل التسعين .

القول الثاني: مالك والشافعي في القديم ، وقول عمر وابنه وعثمان وابن عباس ومسعود رضي الله عنهما(3) وجمع من التابعين كالنخعي وعطاء والزهري ومكحول والشعبي : تتربص أربع سنين منذ أن ترفع أمرها للحاكم ، وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج فإذا تزوجت فجاء الزوج الأول خُيّر بين زوجته وبين الصداق .

وقالوا: إذا جاز الفسخ لتعذر الوطء بالعنة وتعذر النفقة بالإعسار ؛ فلأن يجوز ههنا لتعذر الجميع أولى . واحتجوا بحديث عمر في المفقود(4) مع موافقة الصحابة له وتركهم إنكاره .

القول الثالث: الحنفية ورواية عن أحمد ، قالوا بضرب مدة يغلب على الظن وفاته فيها ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً ثم تحل للأزواج ، واختلفوا في تقدير هذه المدة ، فمنهم مَن قال ، إذا مضت عليه تسعون سنة منذ ولادته ، ومنهم من قال سبعون ، ومنهم من قال إذا مات أقرانه من أهل بلده ، ومنهم من قال بحسب اجتهاد القاضي .

قالوا: لأن النكاح عرف ثبوته ، والغيبة لا توجب الفرقة ، والموت في حيز الاحتمال فلا يزال النكاح بالشك ، وحكم بموته بعد هذه المدة ؛ لأنه الغاية في زماننا والحياة بعدها نادر فلا عبرة للنادر ، فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك .

الراجح والله أعلم :

القول الثاني رفعاً للضرر عن المرأة ، كما أن القصة التي وقعت في عهد عمر هي صورة مسألتنا إذ الرجل انقطع انقطاعاً لا يُعلم به سلامة ولا هلاك .

والتقدير بمدة لا ينبغي أن يصار إليه إلا بالتوقيف لأن تقديرها يفضي إلى اختلاف العدة في حق المرأة باختلاف عمر الزوج ولا نظير لهذا .

الخلاصــــة:

إذا فُقد الرجل وانقطع خبره ولا يعلم له موضع سواء كانت غيبته ظاهرها الهلاك أو السلامة فالصحيح والله تعالى أعلم أن زوجته تتربص أربع سنين منذ أن ترفع أمرها للحاكم ، وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج فإذا تزوجت فجاء الزوج الأول خُيّر بين زوجته وبين الصداق . لقصة الرجل الذي استهوته الشياطين في عهد عمر رضي الله عنه فغاب فقضى عمر رضي الله عنه لزوجته بهذا ووافقه الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك فكان إجماعاً.








(1) البحر الرائق 5/176 ، العناية شرح الهداية 8/230 ، الاستذكار 6/130 ، المدونة 2/30 ، إعانة الطالبين 4/83 ، الأم 5/240 ، المجموع شرح المهذب 18/268 ، روضة الطالبين 8/400 ، الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/113 ، المغني 9/131 ، حاشية الروض المربع 7/66.إعلام الموقعين 2/55.

(2) قال ابن حجر في فتح الباري 9/431 بعد أن ذكر قول علي t : أخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح وقال عبد الرزاق بلغني عن بن مسعود انه وافق عليا في امرأة المفقود أنها تنتظره أبدا وأخرج أبو عبيد أيضا بسند حسن عن علي لو تزوجت فهي امرأة الأول دخل بها الثاني أو لم يدخل .

(3) قال ابن حجر في فتح الباري 9/431 : وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عمر وبن عباس قالا تنتظر امرأة المفقود أربع سنين وثبت أيضا عن عثمان وبن مسعود وقال : ولم يفرق أكثرهم بين أحوال الفقد .

(4) قال ابن حجر في فتح الباري 9/431 : أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عمر .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-05-30, 04:42 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (81) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم




العـدة وأحكامهــا(1)(1-6)





العدة : هي التربص المحدود شرعاً .

أسباب العدة:

السبب الأول : الفرقة بسبب الموت

الحكمة من عدة الوفاة وإحداد المرأة:

قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: "هذا من تمام محاسن هذه الشريعة وحكمتها ورعايتها على أكمل الوجوه؛ فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة، وتمكث المرأة في أضيق بيت وأوحشه، لا تمس طيباً، ولا تدهن، ولا تغتسل ...إلى غير ذلك مما هو تسخط على الرب وأقداره، فأبطل الله بحكمه سنة الجاهلية، وأبدلنا به الصبر والحمد والاسترجاع الذي هو أنفع للمصاب في عاجلته وآجلته .

ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباع؛ سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك وهو ثلاثة أيام؛ تجد بها نوع راحة، وتقضي بها وطرًا من الحزن، وما زاد؛ فمفسدته راجحة، فمنع منه.

والمقصود أنه أباح للنساء لضعف عقولهن وقلة صبرهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام، وأما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدة وهو من مقتضياتها ومكملاتها فإن المرأة إنما تحتاج إلى التزين والتجمل والتعطر لتتحبب إلى زوجها، وترد لها نفسه ، ويحسن ما بينهما من العشرة فإذا مات الزوج واعتدَّت منه، وهي لم تصل إلى زوج آخر، فاقتضى تمام حق الأول، وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله؛ أن تُمنع مما تصنعه النساء لأزواجهن مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال وطمعهم فيها بالزينة والخضاب والتطيب، فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجة إلى ما يرغب في نكاحها ، فأبيح لها من ذلك ما يباح لذات الزوج ؛ فلا شيء أبلغ في الحسن من هذا المنع والإباحة ولو اقترحت عقول العالمين لم تقترح شيئاً أحسن منه ](2) .

يتبع أحكام عدة الوفاة








(1) انظر : الشرح الكبير للدردير 2/468 ، بدائع الصنائع 3/ 192، الدر المختار 2/ 831 وما بعدها،، القوانين الفقهية: ص 236، 238، الفواكه الدواني 3/1054 ، بداية المجتهد2/96، المدونة 3/2 ، مغني المحتاج3/ 388وما بعدها، 396، المهذب2/ 142، حاشية الروض المربع 7/46 ، المغني7/ 524 و9/77. المبدع شرح المقنع 7/12 ، مجموع الفتاوى 33/11 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 5/657 وما بعدها 600 وما بعدها .

(2) إعلام الموقعين 2/165 باختصار .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-05-30, 04:51 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (82) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم




العـدة وأحكامهــا(1)(2-6)





لعدة الوفاة أحكام تختص بها:


فمن أحكامها:

- أنه يجب أن تعتد المتوفى عنها في المنزل الذي مات زوجها وهي فيه؛ فلا يجوز لها أن تتحول عنه؛ إلا لعذر لحديث زَيْنَب بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ - وَهِىَ أُخْتُ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُّومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنِّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلاَ نَفَقَةٍ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « نَعَمْ ». قَالَتْ فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ « كَيْفَ قُلْتِ ». فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي قَالَتْ فَقَالَ « امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ». قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَىَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِه(2).

- فإن اضطرت إلى التحول إلى بيت غيره كأن خافت على نفسها من البقاء فيه، أو حُوّلت عنه قهرًا، أو كان البيت مستأجرًا وحوّلها مالكه، أو طلب أكثر من أجرته؛ فإنها في هذه الأحوال تنتقل حيث شاءت دفعًا للضرر.

- ويجوز للمعتدة من وفاة زوجها: الخروج من البيت لحاجتها في النهار، لا في الليل؛ مظنة الفساد، قال مجاهد: استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن: إنا نستوحِشُ يا رسول الله ، فنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا تبددنا فى بيوتنا فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ، فَإذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلتَؤُبْ كُلُّ امْرَأةٍ إلى بَيْتِها (3)" .

- وجوب الإحداد على المعتدة مدة العدة، والإحداد: اجتنابها ما يدعو إلى نكاحها ويرغب في النظر إليه؛ فتجتنب عمل الزينة في بدنها بالتحسين بالأصباغ والخضاب ونحوه، وتتجنب لبس الحلي بأنواعه، وتتجنب الطيب بسائر أنواعه، وتجتنب الزينة في الثياب؛ فلا تلبس الثياب التي فيها زينة، وتقتصر على الثياب التي لا زينة فيها؛ لكن ليس للإحداد لباس خاص، فتلبس المحدة ما جرت عادتها بلبسه، ما لم يكن فيه زينة.

- ولا يجوز التصريح بخطبة المتوفى عنها زوجها في العدة ، ويجوز التعريض لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُ نَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيم)(4).

يتبع السبب الثاني الفرقة بالطلاق والفسخ








(1) انظر : الشرح الكبير للدردير 2/468 ، بدائع الصنائع 3/ 192، الدر المختار 2/ 831 وما بعدها،، القوانين الفقهية: ص 236، 238، الفواكه الدواني 3/1054 ، بداية المجتهد2/96، المدونة 3/2 ، مغني المحتاج3/ 388وما بعدها، 396، المهذب2/ 142، حاشية الروض المربع 7/46 ، المغني7/ 524 و9/77. المبدع شرح المقنع 7/12 ، مجموع الفتاوى 33/11 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 5/657 وما بعدها 600 وما بعدها .

(2) أخرجه أبو داود باب في المتوفى عنها تنتقل ح2302-2/259 قال االألباني:صحيح ، والنسائي باب عدة المتوفى عنها زوجها ..ح3532-6/200 ، وابن ماجة باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها ح2031-1/654 ، وابن حبان باب العدة ح4292-10/128 وصححه الأرناؤوط ، وأحمد ح27132-66/370 .

(3) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه باب أين تعتد المتوفى زوجها ح12077-7/36 قال ابن القيم في إعلام الموقعين [وهذا وإن كان مرسلاً، فالظاهِر أن مجاهداً إما أن يكون سمعه مِن تابعي ثقة، أو مِن صحابي، والتابعون لم يكن الكذبُ معروفاً فيهم، وهم ثاني القرون المفضلة] وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ح5597-12/206 : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات ، ولكنه مرسل .

(4) سورة البقرة آية 234و235 .

ابو وليد البحيرى
2020-05-30, 04:59 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (83) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


العـدة وأحكامهــا(1)(3-6)




السبب الثاني : الفرقة بسبب الطلاق أو الفسخ

الحكمة من مشروعية عدة الطلاق:

قال ابن القيم :[ واللهُ سبحانه إنما شرع له الطلاق واحدة بعد واحدة، ولم يشرع له إيقاعه مرة واحدة، لئلا يندم، وتزولَ نزغةُ الشيطان التى حملته على الطلاق، فتتبع نفسُه المرأة، فلا يجد إليها سبيلاً، فلو ملكه الشارع أن يطلقها طلقة بائنة ابتداء، لكان هذا المحذورُ بعينه موجوداً، والشريعةُ المشتمِلةُ على مصالح العباد تأبى ذلك ](2)

وقال في الحكمة من العدة في البينونة الكبرى [أن الشارع حرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره عقوبة له ولعن المحلل والمحلل له لمناقضتهما ما قصده الله سبحانه من عقوبته وكان من تمام هذه العقوبة أن طول مدة تحريمها عليه فكان ذلك أبلغ فيما قصده الشارع من العقوبة فإنه إذا علم أنها لا تحل له حتى تعتد بثلاثة قروء ثم يتزوجها آخر بنكاح رغبة مقصود لا تحليل موجب للعنة ويفارقها و تعتد من فراقه ثلاثة قروء أخر طال عليه الانتظار وعيل صبره ، فأمسك عن الطلاق الثلاث وهذا واقع على وفق الحكمة والمصلحة والزجر فكان التربص بثلاثة قروء في وزجرا لما اوقع الطلاق المحرم لما أحل الله له وأكدت هذه العقوبة بتحريمها عليه إلا بعد زوج وإصابة وتربص ثان ](3)

يتبع أحكام عدة الطلاق








(1) انظر : الشرح الكبير للدردير 2/468 ، بدائع الصنائع 3/ 192، الدر المختار 2/ 831 وما بعدها،، القوانين الفقهية: ص 236، 238، الفواكه الدواني 3/1054 ، بداية المجتهد2/96، المدونة 3/2 ، مغني المحتاج3/ 388وما بعدها، 396، المهذب2/ 142، حاشية الروض المربع 7/46 ، المغني7/ 524 و9/77. المبدع شرح المقنع 7/12 ، مجموع الفتاوى 33/11 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 5/657 وما بعدها 600 وما بعدها .

(2) إعلام الموقعين 5/676 .

(3) إعلام الموقعين 2/90 .


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-03, 05:24 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (84) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



العـدة وأحكامهــا(1)(4-6)








أحكام عدة الطلاق :

المطلقة طلاقاً رجعياً زوجة لها السكنى والنفقة مادامت في العدة، وإذا مات أحد الزوجين في العدة ورثه الآخر(2). ولا تجوز خطبتها تصريحاً ولا تعريضاً .

أما المطلقة طلاقاً بائناً فليست زوجة ولا تجب لها سكنى ولا نفقة لحديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي عَهْدِ النَّبِىيِ وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ وَاللَّهِ لأُعْلِمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا كَانَ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الَّذِي يُصْلِحُنِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ (لاَ نَفَقَةَ لَكِ وَلاَ سُكْنَى )(3).

إلا أن تكون حاملاً فلها النفقة لأجل الحمل حتى تضعه سواء كانت مطلقة طلاقاً بائناً ، أو طلاقاً رجعياً قد انقضت عدتها، (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)(4).وتجوز خطبتها سواء بالتعريض أو التصريح .

يتبع أنواع العدة ومقاديرها














(1) انظر : الشرح الكبير للدردير 2/468 ، بدائع الصنائع 3/ 192، الدر المختار 2/ 831 وما بعدها،، القوانين الفقهية: ص 236، 238، الفواكه الدواني 3/1054 ، بداية المجتهد2/96، المدونة 3/2 ، مغني المحتاج3/ 388وما بعدها، 396، المهذب2/ 142، حاشية الروض المربع 7/46 ، المغني7/ 524 و9/77. المبدع شرح المقنع 7/12 ، مجموع الفتاوى 33/11 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 5/657 وما بعدها 600 وما بعدها .

(2) انظر : البحر الرائق 4/217 ، الاستذكار 6/160 ، المدونة 2/48 ، الأم 5/237 ، المبدع شرح المقنع 8/168 . إعلام الموقعين 5/674 .

(3) أخرجه مسلم باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ح3771-4/195 .

(4) سورة الطلاق آية 6 . وانظر تفسير القرآن العظيم 8/153 ، المبدع شرح المقنع 8/168 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-03, 05:28 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (85) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


العـدة وأحكامهــا(1) (5-6)









أنواع العدة ومقاديرها :

العدة ثلاثة أنواع : عدة بالأقراء، وعدة بالأشهر، وعدة بوضع الحمل.

النوع الأول : عدة بالأقراء:

المقصود بالقروء:

القرء لغة مشترك بين الطهر والحيض، ويجمع على أقرء وقروء وأقرء .

وللفقهاء رأيان في تفسير القروء :

الأول : قول الحنفية والحنابلة وهو قول أكثر الصحابة كعثمان وعلي وابن مسعود وأبي موسى وغيرهم : أن المراد بالقرء: الحيض؛ واستدلوا بما يلي :

- لأن الحيض مُعَرِّف لبراءة الرحم، وهو المقصود من العدة، فالذي يدل على براءة الرحم إنما هو الحيض لا الطهر.

- ولقوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرا )(2) فنقلهن عند عدم الحيض إلى الاعتداد بالأشهر، فدل على أن الأصل الحيض، كما قال تعالى: (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّبا )(3).

- ولأن المعهود في الشرع استعمال القرء بمعنى الحيض، عن عائشة قالت أتت فاطمة بنت أبي حبيش النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني اسْتَحضتُ قال (دعي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئ عند كل صلاة وإن قَطُرَ على الحَصِير)(4)وهو عليه الصلاة والسلام المعبر عن الله، وبلغة قومه نزل القرآن .

- ولأن ظاهر قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وجوب التربص ثلاثة كاملة، ومن جعل القروء الأطهار، لم يوجب ثلاثة، لأنه يكتفي بطهرين وبعض الثالث، فيخالف ظاهر النص. ومن جعله الحيض أوجب ثلاثة كاملة، فيوافق ظاهر النص، فيكون أولى من مخالفته.

الثاني : المالكية والشافعية وهو قول أم المؤمنين عائشة وابن عمر رضي الله عنهم: أن القرء هو الطهر؛ واستدلوا بما يلي :

- لأنه تعالى أثبت التاء في العدد «ثلاثة»، فدل على أن المعدود مذكر، وهو الطهر، لا الحيضة.

- ولأن قوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) أي في وقت عدتهن، لكن الطلاق في الحيض محرَّم، فيصرف الإذن إلى زمن الطهر.

وأجيب بأن معنى الآية مستقبلات لعدتهن.

- ولأن القرء مشتق من الجمع، فأصل القرء الاجتماع، وفي وقت الطهر يجتمع الدم في الرحم، وأما الحيض فيخرج من الرحم. وما وافق الاشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته.

وفائدة الخلاف: أنه إذا طلقها في طهر، انتهت عدتها في رأي الفريق الثاني بمجيء الحيضة الثالثة؛ لأنها يحتسب لها الطهر الذي طلقت فيه، ولا تخرج من عدتها إلا بانقضاء الحيضة الثالثة في رأي الفريق الأول .

الراجح والله أعلم : هو الرأي الأول- القرء هو الحيض- لقوة أدلته وهو المناسب لما شُرعت له العدة من ظهور براءة الرحم من الشغل بولد للزوج الأول .

يتبع أسباب عدة الأقراء







(1) انظر : الشرح الكبير للدردير 2/468 ، بدائع الصنائع 3/ 192، الدر المختار 2/ 831 وما بعدها،، القوانين الفقهية: ص 236، 238، الفواكه الدواني 3/1054 ، بداية المجتهد2/96، المدونة 3/2 ، مغني المحتاج3/ 388وما بعدها، 396، المهذب2/ 142، حاشية الروض المربع 7/46 ، المغني7/ 524 و9/77. المبدع شرح المقنع 7/12 ، مجموع الفتاوى 33/11 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 5/657 وما بعدها 600 وما بعدها .

(2) سورة الطلاق آية 4 .

(3) سورة المائدة آية 6 .

(4) أخرجه أحمد ح26298-6/262 تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن هاشم فمن رجال مسلم .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-03, 05:34 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (86) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


العـدة وأحكامهــا(1) (6-6)





أسباب عدة الأقراء :

1 - الفرقة في الزواج الصحيح، سواء أكانت بطلاق أم بغير طلاق. وتجب هذه العدة لاستبراء الرحم، وتعرف براءته من الشغل بالولد.

وشرط وجوبها: الدخول بالمرأة أو ما يجري مجرى الدخول وهو الخلوة الصحيحة .

2 - الفرقة في الزواج الفاسد بتفريق القاضي، أو بالمتاركة. وشرطها الدخول عند الجمهور غير المالكية، فتجب العدة عندهم أيضاً بالخلوة بعد زواج فاسد.


3- الوطء بشبهة العقد: بأن زفت إلى الرجل غير امرأته، فوطئها؛ لأن الشبهة تقوم مقام الحقيقة في حال الاحتياط، وإيجاب العدة من باب الاحتياط.

النوع الثاني : عدة الأشهر

وهي نوعان:


أ*) نوع يجب بدلاً عن الحيض، وهو عدة الصغيرة، والآيسة، والمرأة التي لم تحض أصلاً، بعد الطلاق. وسبب وجوبها: الطلاق لمعرفة أثر الدخول، وهو سبب وجوب عدة الأقراء المتقدمة.

وشرط وجوبها شيئان:

أحدهما: الصغر أو الكبر أو فقد الحيض أصلاً.

والثاني: الدخول، أو الخلوة الصحيحة .

ب*) نوع يجب أصلاً بنفسه. وهو عدة الوفاة. وسبب وجوبها الوفاة، إظهاراً للحزن بفوات نعمة الزواج، وشرط وجوبها: الزواج الصحيح فقط، فتجب هذه العدة على المتوفى عنها زوجها، سواء أكانت مدخولاً بها أم غير مدخول بها، وسواء أكانت ممن تحيض أم ممن لا تحيض.

النوع الثالث: عدة الحبل

هي مدة الحمل، وتنقضي بوضع الحمل.

وسبب وجوبها: الطلاق أو الوفاة، حتى لا تختلط الأنساب وتشتبه المياه، فلا يسقي رجل ماءه زرع غيره.

وشرط وجوبها: أن يكون الحمل من الزواج الصحيح أو الفاسد؛ لأن الوطء في النكاح الفاسد يوجب العدة. ولا تجب هذه العدة عند الحنفية والشافعية على الحامل بالزنا؛ لأن الزنا لا يوجب العدة، إلا أنه إذا تزوج رجل امرأة، وهي حامل من الزنا، جاز النكاح عند أبي حنيفة ومحمد، لكن لا يجوز له أن يطأها ما لم تضع، لئلا يصير ساقياً ماءه زرع غيره.

وأجاز الشافعية نكاح الحامل من زنا ووطأها، إذ لا حرمة له.










(1) انظر : الشرح الكبير للدردير 2/468 ، بدائع الصنائع 3/ 192، الدر المختار 2/ 831 وما بعدها،، القوانين الفقهية: ص 236، 238، الفواكه الدواني 3/1054 ، بداية المجتهد2/96، المدونة 3/2 ، مغني المحتاج3/ 388وما بعدها، 396، المهذب2/ 142، حاشية الروض المربع 7/46 ، المغني7/ 524 و9/77. المبدع شرح المقنع 7/12 ، مجموع الفتاوى 33/11 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 5/657 وما بعدها 600 وما بعدها .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-03, 05:37 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (87) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


أحكام الحضانــة إذا حصلت الفرقة(1-7)


تعريف الحضانة :
- بفتح الهاء وكسرها - والفتح أشهر معناها لغة مصدر حضنت الصغير حضانة تحملت مؤنته وتربيته مأخوذة من الحضن - بكسر الحاء - وهو الجنب لأن الحاضنة تضم الطفل إلى جنبها(1) .
وفي الشرع: حفظ من لا يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل وكبير مجنون والقيام بتربيته وبما يصلحه من طعام وشراب ولباس ونحو ذلك(2).
مستحق الحضانة :
من المتفق عليه أن الأم أحق بالحضانة من الأب، واختُلف فيمن يستحق الحضانة بعدهما؛ فقيل قرابة الأم مقدمة على قرابة الأب، وقيل العكس.
واتفقوا على استحقاق الرجال من قرابة الأب الحضانة، واختلفوا في استحقاق الرجال من قرابة الأم للحضانة.
وقد أوضح ذلك ابن القيم رحمه الله فقال :[ ولما كان النساءُ أعرفَ بالتربية، وأقدرَ عليها، وأصبَر وأرأفَ وأفرغ لها،لذلك قُدِّمَتِ الأم فيها على الأب.
ولما كان الرجالُ أقومَ بتحصيل مصلحة الولد والاحتياط له في البضع، قُدِّمَ الأبُ فيها على الأم، فتقديمُ الأم في الحضانة مِن محاسن الشريعة والاحتياط للأطفال، والنظر لهم، وتقديمُ الأب في ولاية المال والتزويج كذلك.
إذا عُرِفَ هذا، فهل قُدِّمتِ الأُمُّ لكون جهتها مقدمةً على جهة الأبوة في الحضانة، فقُدِّمت لأجل الأمومة، أو قُدِّمت على الأب، لكون النساء أقوم بمقاصد الحضانة والتربية من الذكور، فيكون تقديمُها لأجل الأنوثة؟
ففي هذا للناس قولان وهما في مذهب أحمد يظهر أثرهُما في تقديم نساء العصبة على أقارب الأم أو بالعكس، كأم الأم، وأم الأب، والأخت من الأب، والأخت من الأم، والخالة، والعمة، وخالة الأم، وخالة الأب، ومن يُدلي من الخالات والعمات بأم، ومن يُدلي منهن بأب، ففيه روايتان عن الإِمام أحمد. إحداهما تقديمُ أقاربِ الأم على أقاربِ الأبِ. والثانية وهيَ أصحُّ دليلاً، واختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية(3): تقديمُ أقارب الأب وهذا هو الذي ذكره الخرقي في "مختصره" فقال والأختُ من الأب أحقُّ من الأخت من الأم وأحقُّ من الخالة، وخالة الأب أحقُّ مِن خالة الأم، وعلى هذا فأمُّ الأبِ مقدَّمة على أمِّ الأم كما نصَّ عليه أحمد في إحدى الروايتين عنه..
وعلى هذه الرواية: فأقاربُ الأب من الرجال مقدَّمون على أقارب الأم، والأخ للأب أحق من الأخ للأم،والعم أولى من الخال، هذا إن قلنا:إن لأقارب الأم من الرجال مدخلاً في الحضانة، وفي ذلك وجهان في مذهب أحمد والشافعي. أحدهما: أنه لا حضانة إلا لرجل مِن العصبة مَحْرَمٍ، أو لامرأة وارثة،أو مُدلية بعصبة، أو وارث..
والثاني: أن لهم الحضانة والتفريع على هذا الوجه، وهو قولُ أبي حنيفة،
وهذا يدل على رجحان جهة الأبوة على جهة الأمومة في الحضانة، وأن الأم إنما قدِّمت لكونها أنثى لا لتقديم جهتها، إذ لو كان جهتها راجحةً لترجَّحَ رجالها ونساؤها على الرجالِ والنساءِ من جهة الأب، ولما لم يترجَّح رجالُها اتفاقاً فكذلك النساء، وما الفرقُ المؤثر؟
وأيضاً فإن أصولَ الشرع وقواعِدَهُ شاهدةٌ بتقديم أقارب الأب في الميراث، وولاية النكاح، وولاية الموت وغير ذلك، ولم يُعهد في الشرع تقديمُ قرابة الأم على قرابة الأب في حكم من الأحكام، فمن قدَّمها في الحضانة، فقد خرج عن موجب الدليل.
فالصوابُ في المأخذ هو أن الأم إنما قُدِّمت، لأن النساءَ أرفقُ بالطفل، وأخبرُ بتربيته، وأصبرُ على ذلك، وعلى هذا فالجدَّةُ أم الأب أولى من أمِّ الأم، والأخت للأب أولى مِن الأخت للأم، والعمةُ أولى من الخالة، كما نصَّ عليه أحمد في إحدى الروايتين، وعلى هذا فتقدَمُ أمُّ الأب على أب الأب، كما تُقدَّم الأم على الأب.
وإذا تقرر هذا الأصل، فهو أصل مطَّرِد منضبط لا تتناقض فروعُه، بل إن اتفقت القرابةُ والدرجةُ واحدة قُدِّمت الأنثى على الذكر، فتُقدَّم الأخت على الأخ، والعمة على العم، والخالة على الخال، والجدةُ على الجد، وأصلُه تقديم الأم على الأب.
وإن اختلفت القرابةُ، قُدِّمت قرابةُ الأب على قرابة الأم، فتقدم الأخت للأب على الأخت للأم، والعمة على الخالة، وعمةُ الأب على خالته، وهلم جراً.
وهذا هو الاعتبارُ الصحيح، والقياسُ المطرد، وهذا هو الذي قضى به سيِّدُ قُضاةِ الإِسلام شريح، كما روى وكيع في "مصنفه" عن الحسن بن عقبة، عن سعيد بن الحارث قال: اختصم عمُّ وخالٌ إلى شُريح في طفل، فقضى به للعم، فقال الخال: أنا أُنفق عليه من مالي، فدفعه إليه شريح.
ومن سلكَ غيرَ هذا المسلك لم يجد بداً من التناقض](4).
يتبع شروط الحضانة







(1)انظر : الصحاح في اللغة 1/135 مادة حضن ، لسان العرب 13/122 مادة حضن ، مختار الصحاح 167 باب الحاء . التوقيف على مهمات التعاريف 1/283 فصل الضاد ، التعريفات 1/119 باب الحاء .
(2) انظر : نحو هذا التعريف في البحر الرائق 4/182 ، مواهب الجليل 5/593 ، إعانة الطالبين 4/101 ، مغني المحتاج 3/452 ، الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/157 .
(3)انظر مجموع الفتاوى 34/122 .
(4) زاد المعاد 5/438 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-03, 05:44 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (88) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


أحكام الحضانة إذا حصلت الفرقة2-7







شروط الحضانة(1) :

بعضها متفق عليه وهي الآتي:

- الحرية فلا حضانة لمن فيه رق، ولو قل لأن الحضانة ولاية، والرقيق ليس من أهل الولاية، ولأنه مشغول بخدمة سيده، ومنافعه مملوكة لسيده.

- العقل، فلا حضانة للمجنون والمعتوه؛ لأنهما أيضاً في حاجة إلى من يرعى شؤونهما.

- البلوغ، فلا حضانة للصغير ولو كان مميزاً؛ لأنه عاجز عن رعاية شؤون نفسه.

- القدرة على تربية المحضون: وهي الاستطاعة على صون الصغير في خلقه وصحته، فلا حضانة للعاجز لكبر سن أو مرض أو شغل. فالمرأة المحترفة أو العاملة إن كان عملها يمنعها من تربية الصغير والعناية بأمره، لا تكون أهلاً للحضانة. وإن كان عملها لا يحول دون رعاية الصغير وتدبير شؤونه، لا يسقط حقها في الحضانة.(2)

- الأمانة على الأخلاق: فلا حضانة لغير أمين على تربية الولد وتقويم أخلاقه، كالفاسق رجلاً أو امرأة؛ لأنه لا يوثق به فيها، وفي بقاء المحضون عنده ضرر عليه؛ لأنه يسيء تربيته، وينشئه على طريقته.

- عدم كون الأنثى متزوجة بأجنبي عن الصغير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لوالدة الطفل: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، ولأن الزوج يملك منافعها، ويستحق منعها من الحضانة، وقالوا أيضاً: لأَنَّ زوجَ الأُمِّ إذَا كان أَجنبيًّا يُعْطِيهِ نَزْرًا وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شزراً، فَلَا نَظَرَ له، وَالنَّزْرُ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ والشزر نَظَرُ الْبُغْضِ.

والمراد بالأجنبي هنا من ليس من عصبات المحضون، فلو تزوجت بقريب محضونها؛ لم تسقط حضانتها.(3)

يتبع شروط الحضانة المختلف فيها










(1) انظر : البحر الرائق 4/183 ، الفواكه الدواني 3/1075 ، الشرح الكبير 2/528 ، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل 5/593 ، إعانة الطالبين 4/101 ، المجموع شرح المهذب 18/321 ، المبدع شرح المقنع 8/200 ، المغني 9/298 ، زاد المعاد 5/459 ، الفقه الإسلامي وأدلته 10/49 وما بعده ، الملخص الفقهي 2/439 .

(2) وقد جرى العمل في مصر على أن الطبيبات والمعلمات ونحوهن، لا يسقط حقهن في الحضانة؛ لأن الواحدة منهن تستطيع إدارة أمر الطفل بنفسها وبالتعاون مع قريبتها أو النائبة عنها.

وقد نصت المادة (137) من القانون السوري على الشروط السابقة: يشترط لأهلية الحضانة البلوغ والعقل والقدرة على صيانة الولد صحة وخلقاً.

ونص القانون السوري (م 2/139) على أنه: لا يسقط حق الحاضنة بحضانة أولادها بسبب عملها إذا كانت تؤمن رعايتهم والعناية بهم بطريقة مقبولة.

(3) نصت المادة (138) من القانون السوري على ذلك: زواج الحاضنة بغير قريب محرم من المحضون يسقط حضانتها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-07, 12:07 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (89) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


أحكام الحضانــة إذا حصلت الفرقة(3-7)









شروط الحضانة المختلف فيها هي الآتي (1) :

- الرشد واشترطه المالكية، فلا حضانة لسفيه مبذر، لئلا يتلف مال المحضون أو ينفق عليه منه ما لا يليق.

- عدم المرض المنفر كالجذام والبرص، فلا حضانة لمن به شيء من المنفرات. واشترطه المالكية والشافعية والحنابلة .

- الإسلام شرط عند الشافعية والحنابلة: فلا حضانة لكافر على مسلم؛ إذ لا ولاية له عليه ، ولأنه ربما فتنه عن دينه. ولم يشترط الحنفية والمالكية إسلام الحاضنة، فيصح كون الحاضنة كتابية أو غير كتابية، سواء أكانت أماً أم غيرها؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم خيَّر غلاماً بين أبيه المسلم وأمه المشركة، فمال إلى الأم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم اهده، فعدل إلى أبيه)(2) ولأن مناط الحضانة الشفقة وهي لا تختلف باختلاف الدين.

لكن اختلف هؤلاء في مدة بقاء المحضون عند الحاضنة غير المسلمة:

فقال الحنفية: إنه يبقى عندها إلى أن يعقل الأديان، ببلوغه سن السابعة، أو يتضح أن في بقائه معها خطراً على دينه، بأن بدأت تعلمه أمور دينها أو تذهب به إلى معابدها، أو تعودِّه على شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير.

وقال المالكية: إنه يبقى مع الحاضنة إلى انتهاء مدة الحضانة شرعاً، ولكنها تمنع من تغذيته بالخمر ولحم الخنزير، فإن خشينا أن تفعل الحرام أعطي حق الرقابة إلى أحد المسلمين، ليحفظ الولد من الفساد.

واختلفوا أيضاً في إسلام الحاضن:

رأي الحنفية: أنه يشترط إسلام الحاضن واتحاد الدين، بخلاف الحاضنة؛ لأن الحضانة نوع من الولاية على النفس، ولا ولاية مع اختلاف الدين، ولأن حق الحضانة عندهم مبني على الميراث، ولا ميراث بالتعصيب للرجال مع اختلاف الدين، فلو كان الطفل مسيحياً أو يهودياً، وله أخوان، أحدهما مسلم والآخر غير مسلم، كان حق الحضانة لغير المسلم.

ورأي المالكية: أنه لا يشترط إسلام الحاضن أيضاً كالحاضنة؛ لأن حق الحضانة للرجل لا يثبت عندهم إلا إذا كان عنده من النساء من يصلح للحضانة كزوجة أو أم أو خالة أو عمة، فالحضانة في الحقيقة حق للمرأة.

والراجح(3) والله أعلم اشتراط الإسلام فلا حضانة لكافر على مسلم لثلاثة أمور:

الأول: أن الحاضن حريصٌ على تربيةِ الطفل على دينه، وأن ينشأَ عليه، ويتربَّى عليه، فيصعبُ بعد كِبره وعقله انتقاله عنه، وقد يُغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عبادَه، فلا يُراجعها أبداً، كما قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ مَوْلُود يولَدُ عَلى الفِطرَةِ فَأَبَواه يَهَوِّدَانِهِ أو يُنَصِّرَانِهِ، أو يُمَجِّسَانِه)(4) فلا يُؤمن تهويدُ الحاضن وتنصيرُه للطفل المسلم.

فإن قيل: الحديثُ إنما جاء في الأبوين خاصة. قيل:الحديث خرجَ مخرج الغالِب إذ الغالب المعتادُ نشوء الطفل بين أبويه، فإن فُقِدَ الأبوانِ أو أحدُهما قامَ ولي الطفل مِن أقاربه مقامهما.

الثاني:أن اللهَ سبحانه قطعَ الموالاة بين المسلمين والكفار، وجعلَ المسلمين بعضهم أولياءَ بعض، والكفارَ بعضَهم مِن بعض، والحضانةُ مِن أقوى أسباب الموالاة التي قطعها الله بين الفريقين.

الثالث: إن القول باشتراط الإسلام أولى من القول بالعدالة وأنه لا حضانةَ للفاسقِ، إذ أيَّ فِسق أكبر مِن الكفر؟ وأينَ الضّررُ المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى الضرر المتوقَّع من الكافر.

ويجاب عن الحديث بعدة أجوبة منها:

أولاً: الحديث لا يصح ولا يثبته أهل النقل فهو مِن رواية عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري الأوسي، وقد ضعفه إمامُ العلل يحيى بن سعيد القطان، وكان سفيان الثوري يَحمِلُ عليه، وضعف ابنُ المنذر الحديث، وضعفه غيرُه، وقد اضطرب في القصة، فروَى أن المخيَّر كان بنتاً، وروَى أنه كان ابناً.

ثانياً: إن الحديث قد يحتج به على صحة مذهب من اشترط الإِسلام، فإن الغلام لما مال إلى أمه دعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بالهداية، فمال إلى أبيه، وهذا يدل على أن كونَه مع الكافر خلافُ هُدى الله الذي أرادهُ مِن عبادِه، ولو استنكر جعله مع أمه، لكان فيه حجة، بل أبطله الله سبحانه بدعوة رسوله.

ثالثاً: قيل أنه محمول على أنه صلّى الله عليه وسلم عرف أنه يستجاب دعاؤه، وأنه يختار الأب المسلم. وقصده بتخييره استمالة قلب أمه.

يتبع تتمة شروط الحضانة المختلف فيها








(1) انظر : البحر الرائق 4/182 وما بعدها ، الفواكه الدواني 3/1073و1075 ، الشرح الكبير 2/528 ، مواهب الجليل 5/598 ، إعانة الطالبين 4/101 ، المجموع شرح المهذب 18/320 ، المبدع شرح المقنع 8/202 ، المغني 9/298 ، الفقه الإسلامي وأدلته 10/49 وما بعده ، الملخص الفقهي 2/439 .

(2) أخرجه النسائي باب إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد ح3495-6/185 وصححه الألباني وفي السنن الكبرى ح6386-4/83 ، وابن ماجه باب تخيير الصبي بين أبويه ح2352-2/788 وصححه الألباني ، وأحمد ح23810-5/447 وقال الأرناؤوط : صحيح . وأخرجه أبو داود باب إذا أسلم أحد الأبوين ...ح2246-2/240 عن رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَأَتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتِ ابْنَتِى وَهِىَ فَطِيمٌ أَوْ شِبْهُهُ وَقَالَ رَافِعٌ ابْنَتِى. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ –صلى الله عليه وسلم « اقْعُدْ نَاحِيَةً ». وَقَالَ لَهَا « اقْعُدِى نَاحِيَةً ». قَالَ وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ « ادْعُوَاهَا ». فَمَالَتِ الصَّبِيَّةُ إِلَى أُمِّهَا فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « اللَّهُمَّ اهْدِهَا ». فَمَالَتِ الصَّبِيَّةُ إِلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا. وصححه أيضاً الألباني .

(3)انظر زاد المعاد بتصرف 5/460 ،461 .

(4) أخرجه البخاري باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ح1292-1/456 ، ومسلم باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ح6926-8/52 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-07, 12:12 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (90) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


أحكام الحضانــة إذا حصلت الفرقة(4-7)





تابع شروط الحضانة المختلف فيها:

- أن يكون عند الحاضن من أب أو غيره من يصلح للحضانة من النساء كزوجة أو أم أو خالة أو عمة؛ إذ لا قدرة ولا صبر للرجال على أحوال الأطفال كما للنساء. فإن لم يكن عند الرجل من يحضن من النساء فلا حق له في الحضانة. وهذا شرط عند المالكية.

- أن تكون ذات رحم محرم من الصغير كأمه وأخته وجدته ؛ فلا حضانة لبنات العم أو العمة، ولا لبنات الخال أو الخالة بالنسبة إلى الصبي، لعدم المحرمية، ولهن عند الحنفية الحق في حضانة الأنثى.

- ألا تكون قد امتنعت من حضانته مجاناً والأب معسر لا يستطيع دفع أجرة الحضانة. فإن كان الأب معسراً وقبلت قريبة أخرى تربيته مجاناً، سقط حق الأولى في الحضانة. وهذا شرط عند الحنفية والشافعية.

- أن يكون مَحْرماً للمحضون إذا كان أنثى مشتهاة وهي بنت سبع سنين عند الحنابلة والحنفية حذراً من الخلوة بها، لانتفاء المحرمية بينهما، وإن لم تبلغ حد الشهوة أعطيت له بالاتفاق؛ لأنه لا فتنة. فلا يكون لابن العم حضانة ابنة عمه المشتهاة. وأجاز الحنفية إذا لم يكن للبنت عصبة غير ابن عمها إبقاءها عنده بأمر القاضي إذا كان مأموناً عليها، ولا يخشى عليها الفتنة منه.

وكذلك أجاز الحنفية والحنابلة تسليمها لغير محرم ثقة إذا تعذر غيره. وأجاز الشافعية تسليمها لغير محرم إن رافقته بنته أو نحوها كأخته الثقة، وتسلم لها لا له.

- واشترط المالكية والحنابلة أيضاً ألا يسافر عن المحضون ولي المحضون أو تسافر الحاضنة سفر نُقْلة، مسافة طويلة ، فإن أراد الولي أو الحاضنة السفر المذكور، كان له أخذ المحضون من حاضنته إلا أن تسافر معه، بشرط كون السفر لموضع مأمون وأمن الطريق، لأنه هو الذي يقوم بتأديب ولده والمحافظة عليه، فإذا كان بعيدًا عنه؛ لم يتمكن من ذلك، وضاع الولد.

وإن كان السفر إلى بلد قريب دون مسافة القصر لغرض السكنى فيه؛ فالحضانة للأم، سواء كانت هي المسافرة أو المقيمة؛ لأنها أتم شفقة على المحضون، ولأنه يمكن لأبيه الإشراف عليه في تلك الحالة.

أما إذا كان السفر لحاجة، ثم يرجع، أو كان الطريق أو البلد المسافر إليه مخوفين؛ فإن الحضانة تكون للمقيم منهما؛ لأن في السفر بالمحضون إضرارًا في هاتين الحالتين.

يتبع مدة الحضانة

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-07, 12:18 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (91) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم



أحكام الحضانــة إذا حصلت الفرقة(5-7)










مــــدة الحضانة:

اتفق الفقهاء على أن الحضانة تبدأ منذ ولادة الطفل إلى سن التمييز، وهو السن التي يستغني فيها الولد ذكراً أو أنثى عن خدمة النساء، ويستقل بنفسه في الأكل والشرب واللبس والاستنجاء، وقدِّر زمن استقلاله بسبع سنين؛ لأنه الغالب، لقوله صلّى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع)(1) والأمر بها لا يكون إلا بعد القدرة على الطهارة.

واختلفوا في بقاء الحضانة بعد سن التمييز وتخيير الولد.

القول الأول: اتفق الشافعية والحنابلة على أن الحضانة إلى سن التمييز ثم اختلفوا؛ فقال الشافعية

قال الحنفية(2): الحاضنة أماً أو غيرها أحق بالغلام حتى التمييز وعندئذ يرجع إلى الأب؛ لأنه إذا استغنى يحتاج إلى تأديب والتَّخَلّق بآداب الرجال وأخلاقهم والأب أقدر على التأديب والتعنيف .

والأم والجدة أحق بالفتاة الصغيرة حتى تبلغ بالحيض أو الشهوة أو السن؛ لأنها بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء كالغزل والطبخ وغسل الثياب ونحوها، والمرأة على ذلك أقدر، وأما بعد البلوغ فتحتاج إلى التحصين والحفظ، والأب فيه أقوى وأهدى.

وقال المالكية(3): تستمر الحضانة في الغلام إلى البلوغ، على المشهور من مذهبهم، ولو مجنوناً أو مريضاً، وفي الأنثى إلى الزواج ودخول الزوج بها، ولو كانت الأم كافرة. وهذا في الأم المطلقة أو من مات زوجها. وأما من في عصمة زوجها فهي حق للزوجين جميعاً.

ولا يخيّر الولد في رأي الحنفية والمالكية؛ لأنه لا قول له، ولا يعرف حظه، ولقصور عقله قد يختار من عنده الدّعة والراحة لتخليته بينه وبين اللعب فلا يتحقق النظر(4).

والمراد بعدم تخييره أنه إذا بلغ السن الذي ينزع من الأم يأخذه الأب ولا خيار للصغير .

وقال الشافعية(5) والحنابلة(6) : إن الحضانة إلى التمييز، واتّفقوا على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد مميز ذكر، وله سبع أو ثمان سنين، وصلح الزوجان للحضانة، حتى لو فضل أحدهما الآخر ديناً أو مالاً أو محبة، وتنازعا في الحضانة، خُيِّر بينهما، وكان عند من اختار منهما؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم «خيَّر غلاماً بين أبيه وأمه»(7) .

فإن اختار الأب سُلِّم إليه وإن اختار الأم سُلم إليها، فإن اختارهما معا أُقرع بينهما وسُلّم لمن خرجت قرعته منهما، وله بعد اختيار أحدهما اختيار الآخر؛ لأنه قد يظهر له الأمر على خلاف ما ظنّه كأن يظن أن في الأب خيراً فيظهر له أن فيه شراً، أو يتغيّر حال مَن اختاره أولاً فيُحوّل إلى من اختاره ثانياً وهكذا حتى إذا تكرر منه ذلك نقل إلى من اختاره ما لم يظهر أن ذلك لقلة تمييزه وإلا ترك عند من كان عنده قبل التمييز.

فإن عُلِم أنه يختار أحدهما ليُمكّنه من فساد ويكره الآخر للأدب لم يعمل بمقتضى شهوته .

ولو اختار الولد أحد الأبوين، فامتنع من كفالته، كفله الآخر، فإن رجع الممتنع أعيد التخيير.

فإن اختار أباه كان عنده ليلاً ونهاراً ولا يمنع من زيارة أمه ، وإن مرض كانت أحق بتمريضه في بيتها ، وإن اختار أمه كان عندها ليلاً وعند أبيه نهاراً ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه .

وكما يقع التخيير بين الأبوين يقع أيضاً عند فقد أحدهما بين الذي لم يفقد من الأبوين وبين غيره ممن له الحضانة ، فإذا كان المفقود الأب يقع التخيير بين الأم والجد إن وجد ، فإن لم يوجد وقع التخيير بينها وبين من على حاشية النسب كأخ وعم ، وإذا فقدت الأم وقع التخيير بين الأب والأخت لغير أب فقط بأن كانت شقيقة أو لأم أو بين الأب والخالة إن لم توجد الأخت ، وعند فقدهما معاً ، أو امتناعهما عن حضانته ، يقع التخيير بين الأخت أو الخالة وبقية العصبة .

وإن صلح أحد الأبوين للحضانة دون الآخر بسبب جنون أو كفر أو رق أو فسق، أو زواج الأنثى أجنبياً، فالحق للآخر فقط، ولا تخيير لوجود المانع. فإن عاد صلاح الآخر عاد التخيير.

واستدل الشافعية والحنابلة على تخيير الغلام بما يأتي :

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَقَدْ نَفَعَنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « اسْتَهِمَا عَلَيْهِ ». فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقُّنِي فِى وَلَدِي ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ ». فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ(8)

- ولأنه إجماع الصحابة فروي عن عمر أنه خيّر غلاماً بين أبيه وأمه(9)، وروي عن عُمَارَةَ الْجَرْمِىِّ قَالَ: خَيَّرَنِي عَلِىٌّ رضي الله عنه بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي، ثُمَّ قَالَ لأَخٍ لِي أَصْغَرَ مِنِّي وَهَذَا أَيْضًا لَوْ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا لَخَيَّرْتُهُ(10) . وروي نحو ذلك عن أبي هريرة. وهذه قصص في مظنة الشهرة ولم تُنكر فكانت إجماعاً .

- ولأن التقديم في الحضانة لحق الولد، فيتقدم من هو أشفق؛ لأن حظ الولد عنده أكثر ، فإذا بلغ الغلام حداً يُعرب عن نفسه ويُميّز بين الإكرام وضده فمال إلى أحد الأبوين دلَّ على أنه أرفق به وأشفق عليه فقُدّم بذلك ، وقيّدناه بالسبع لأنها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالأمر بالصلاة، ولأن الأم قُدّمت في حال الصغر لحاجته إلى حمله ومباشرة خدمته ، لأنها أعرف بذلك وأقوم به، فإذا استغنى عن ذلك تساوى والداه لقربهما منه فرجح باختياره .

وإنما يخير الغلام بشرطين:

أحدهما ـ أن يكون الأبوان وغيرهما من أهل الحضانة: فإن كان أحدهما من غير أهل الحضانة، كان كالمعدوم، ويتعيّن الآخر.

الثاني ـ ألا يكون الغلام معتوهاً: فإن كان معتوهاً كان عند الأم، ولم يخير؛ لأن المعتوه بمنزلة الطفل، وإن كان كبيراً، لذا كانت الأم أحق بكفالة ولدها المعتوه بعد بلوغه.

أما الفتاة إذا بلغت سبع سنين، فالأب أحق بها عند الحنابلة، ولا تخير عندهم خلافاً للشافعية؛ لأن غرض الحضانة الحظ والمصلحة، والحظ للفتاة بعد السبع في الوجود عند أبيها؛ لأنها تحتاج إلى حفظ، والأب أولى به، فإن الأم تحتاج إلى من يحفظها ويصونها .

لكن إذا كانت البنت عند الأم أو عند الأب، فإنها تكون عنده ليلاً ونهاراً؛ لأن تأديبها في جوف البيت، كتعليمها الغزل والطبخ وغيرهما.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله::[وأحمد وأصحابه إنما يقدمون الأب إذا لم يكن عليها في ذلك ضرر، فلو قُدّر أنه عاجز عن حفظها وصيانتها، ويهملها لاشتغاله عنها، أو لقلة دينه ، والأم قائمة بحفظها وصيانتها؛ فإنه تُقدّم الأم في هذه الحال، فكل من قدمناه من الأبوين إنما نقدمه إذا حصل به مصلحتها واندفعت به مفسدتها، فأما مع وجود فساد أمرها مع أحدهما فالآخر أولى به بلا ريب، حتى الصغير إذا اختار أحد أبويه وقدّمناه إنما نُقدِّمه بشرط حصول مصلحته وزوال مفسدته .

وقال رحمه الله: "وإذا قدر أن الأب تزوج بضرة، وهو يتركها عند ضرة أمها، لا تعلم مصلحتها، بل تؤذيها وتقصر في مصلحتها، وأمها تعمل مصلحتها ولا تؤذيها؛ فالحضانة هنا للأم قطع ](11)

يتبع حكم الولد إذا بلغ واستغنى هل ينفرد بالسكنى أو يستمر عند الأب ؟








(1) سبق تخريجه .

(2) انظر : البحر الرائق 4/184 وما بعدها ، العناية شرح الهداية 6/186 . موقف القانون: قرر القانون المصري رقم (25) لسنة (1929) أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ الصغير سبع سنين، وبلوغ الصغيرة تسعاً. وكان هذا هو المقرر في القانون السوري، ثم عدل الحكم سنة (1975)، فنصت المادة (146) على أنه: تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلام التاسعة من عمره، والبنت الحادية عشرة.

(3) انظر : الشرح الكبير للدردير 2/526 ، مواهب الجليل 5/594 .

(4) انظر : البحر الرائق 4/186 .

(5) انظر : إعانة الطالبين 4/101 ، المجموع شرح المهذب 18/324 ، مغني المحتاج 3/456 .


(6) انظر : الإقناع في فقه الإمام أحمد 4/160 ، المغني 9/301 .

(7) سيأتي الحديث بتمامه أخرجه أبو داود باب من أحق بالولد ح2279-2/251 وصححه الألباني ، والنسائي باب إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد ح3496-6/185 ، والدارمي باب في تخيير الصبي بين أبويه ح2293-2/223 وصححه حسين سليم أسد ، والحاكم ك الأحكام ح7039-4/108 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

(8) أخرجه أبو داود باب من أحق بالولد ح2279-2/251 وصححه الألباني ، والنسائي باب إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد ح3496-6/185 ، والدارمي باب في تخيير الصبي بين أبويه ح2293-2/223 وصححه حسين سليم أسد ، والحاكم ك الأحكام ح7039-4/108 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

(9) انظر السنن الكبرى للبيهقي باب الأبوين إذا افترقا 8/4 .

(10) أخرجه الشافعي في المسند ح1378-1/288 ، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى باب الأبوين إذا افترقا ح16179-8/4 .

(11) المستدرك على مجموع الفتاوى 5/83 و85 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-07, 12:24 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (92) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


أحكام الحضانــة إذا حصلت الفرقة(6-7)





حكم الولد إذا بلغ واستغنى هل ينفرد بالسكنى أو يستمر عند الأب ؟

الغلام إذا عقل واستغنى عن الأب ليس للأب أن يضمه إلى نفسه إلا إذا لم يكن مأموناً على نفسه كان له أن يضمه إلى نفسه وليس عليه نفقته إلا أن يتبرع .

ومتى كانت الجارية بكراً يضمها إلى نفسه وإن كان لا يخاف عليها الفساد إذا كانت حديثة السن، أما إذا دخلت في السن واجتمع لها رأي وعقل فليس للأولياء حق الضم ولها أن تنزل حيث أحبت حيث لا يتخوف عليها ، وإن كانت ثيباً مخوفاً عليها وليس لها أب ولا جد ولكن لها أخ أو عم ليس له ولاية الضم إلى نفسه بخلاف الأب والجد .

والفرق أن الأب والجد كان لهما ولاية الضم في الابتداء فجاز أن يعيداها إلى حجرهما إذا لم تكن مأمونة أما غير الأب والجد فلم يكن له ولاية الضم في الابتداء فلا يكون له ولاية الإعادة أيضاً. وإن لم يكن لها أب ولا جد ولا عصبة أو كان لها عصبة مفسد فللقاضي أن ينظر في حالها فإن كانت مأمونة خلاها تنفرد بالسكنى سواء كانت بكراً أو ثيباً، وإلا وضعها عند امرأة أمينة ثقة تقدر على الحفظ لأنه جعل ناظراً للمسلمين .


يتبع أجرة الحضانة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-07, 12:36 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg

(بناء البيت السعيد)
الحلقة (93) :

د. إلهام بدر الجابري


بسم الله الرحمن الرحيم


أحكام الحضانــة إذا حصلت الفرقة(7-7)





أجـــرة الحضــانة (1)



يجب على الأب أو من تجب عليه النفقة ثلاثة: أجرة الرضاع وأجرة الحضانة ونفقة الولد ، ويرى جمهور الفقهاء أن نفقة الحضانة تكون في مال المحضون، فإن لم يكن له مال، فعلى الأب أو من تلزمه نفقته ؛ لأنها من أسباب الكفاية والحفظ والإنجاء من المهالك .

وهل تشمل أجرة الحضانة النفقة بجميع أنواعها حتى المسكن أو لا مسكن لها ؟

والجواب: أن الحاضنة إذا كان لها مسكن ويسكن الولد تبعاً لها فلا يقدر لها أجرة مسكن ، وإن لم يكن لها مسكن قُدر لها أجرة مسكن لأنها مضطرة إلى إيوائه ، وكذا إذا احتاج الصغير إلى خادم. هذا كله إذا لم يوجد متبرع ممن هو أهل للحضانة يتبرع بحضانته مجاناً (2)







(1) انظر : الدر المختار 3/561 ، حاشية ابن عابدين 3/562 ، رد المحتار 13/36 ، تهذيب المدونة 1/420 ، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل 5/604 ، الفتاوى الفقهية الكبرى 4/214 ، مغني المحتاج 3/452 ، روضة الطالبين 9/98 ، الفقه الإسلامي وأدلته 10/59 ، الفقه على المذاهب الأربعة 4/297 .

(2) موقف القانون: نصت المادة (142) على المكلف بنفقة الحضانة: «أجرة الحضانة على المكلف بنفقة الصغير، وتقدر بحسب حال المكلف بها» . ونصت المادة (44) على حالة إعسار المكلف بالنفقة وتبرع أحد المحارم بالحضانة: «إذا كان المكلف بأجرة الحضانة معسراً عاجزاً عنها وتبرع بحضانة الصغير أحد محارمه، خيرت الحاضنة بين إمساكه بلا أجرة، أو تسليمه لمن تبرع» انظر الفقه الإسلامي وأدلته 10/95 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg
بفضل الله انتهت هذه السلسلة سنبدأ المرة القادمة
سلسلة جديدة بعنوان (أخلاق البيت السعيد)

ابو وليد البحيرى
2020-06-14, 01:05 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (1)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم

ماهية الأخلاق


إن المتأمل في مفهوم الأخلاق لدى الشعوب الأخرى على اختلاف ثقافاتهم يجد أن الأخلاق عندهم هي السلوك فقط.

وهذا قصور شديد في مفهوم الأخلاق، ولهذا لا تتسامى تلك الشعوب ولا تتنامى فيها الفضائل.

أما مفهوم الأخلاق في الإسلام فهو أوسع وأشمل، يتضح ذلك من خلال اختلاف تعبيراتنا عن الأخلاق، ومن هذه العبارات في وصف صاحب الخلق الفاضل ؛ الصادق - الرحيم - العطوف - الكريم - المخلص - المتعاون - المتواضع - المحب لإخوانه المسلمين - النصوح -... الخ.

ولو تأملنا هذه الأخلاق لوجدنا أن بعضها يعود إلى الفكر، وبعضها يعود إلى المشاعر، وبعضها يعود إلى السلوك.

فالذي يحمل فكراً سليماً يبطن مشاعر طيبة ويسلك سلوكاً مستقيماً، والذي يحمل فكراً سقيماً يبطن مشاعر سيئة ويسلك سلوكاً منحرفاً، قال تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) (1).

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (...ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلُحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) (2).

قال العلامة ابن رجب رحمه الله عند شرحه للحديث: [فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه ؛ فإن كان قلبه سليماً ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات وإن كان القلب فاسداً قد استولى عليه إتباع هواه، وطلب ما يحبه ولو كرهه الله فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب إتباع هوى القلب] (3).


ولنتأمل هذا الحديث الشريف (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) (4) إفشاء السلام سلوك كوّن المشاعر (الحب) وهذان أثرا في زيادة الإيمان.

وفي واقعنا نرى أن الأوضاع السلوكية تؤثر على المشاعر فالشخص المرتبك الخجول يحتاج إلى تغيير وضعه كرفع الرأس واعتدال القامة حتى يتغلب على مشاعر الارتباك والقلق، وأكثر الأشخاص العدوانيين في سلوكهم يحملون مشاعر الكره لمن يعادونهم إضافة إلى فكر الانتقام والإجرام.

فالسلوك إذن يعبر عن الفكر والمشاعر ويظهر نتيجةً لهما.

وبهذا نخلص إلى تعريف الأخلاق بأنها:

هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة من غير حاجة إلى فكر وروية (5).

شرح التعريف:

هيئة راسخة: هي عبارة عن الفكر الذي يحمله والمشاعر التي يبطنها.

الأفعال: ويعني السلوك.

بيسر وسهولة: أي تلقائية.

من غير فكر ولا روية: أي من غير إعمال العقل والتفكير في العواقب.

فالذي يكظم غيظه ويعفو حياءً من نظر الآخرين لا يُعدّ حليماً، والذي يدفعه الحَرَج والسمعة إلى الإنفاق لا يعدّ كريماً... وهكذا.

وبحسب هذه الأفعال والمشاعر والفكر فإن كانت حسنة كان الخلق حسناً،وإن كانت سيئة كان الخلق سيئاً.



الهوامش:

(1) سورة الأعراف آية 58.

(2) أخرجه البخاري باب فضل من استبرأ لدينه ح52-1/28، ومسلم باب أخذ الحلال وترك الشبهات ح1599-3/1219.

(3) جامع العلوم والحكم 1/210.

(4) أخرجه مسلم باب لا يدخل الجنة إلا المؤمنون 2/35 مع شرح النووي.

(5) التعريفات للجرجاني ص101.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-14, 01:09 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (2)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم




مكانة الأخلاق في الإسلام

أولاً: تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) (1).

ثانياً: سبب لزيادة الأعمار وعمارة الديار، قال عليه الصلاة والسلام (حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار)(2).

ثالثاً: ترتب الثواب العظيم على حسن الخلق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق)(3)، وقال (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)(4).

رابعاً:المؤمنون يتفاضلون في الإيمان، وأفضلهم فيه أحسنهم أخلاقاً جاء في الحديث (ألا أنبئكم بخياركم أحاسنكم أخلاقاً)(5).

خامساً: إن أحب المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه منزلاً يوم القيامة أحاسنهم أخلاقاً، قال صلى الله عليه وسلم (إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)(6)

سادساً:إن حسن الخلق أمر لازم وشرط لا بد منه للنجاة من النار والفوز بالجنان قال الله تعالى (ويل لكل همزة لمزة)(7).

سابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله حسن الخلق -وهو ذو الأخلاق الحسنة- فيقول (اللهم حسّنت خَلقي فحسن خُلُقي)(8) ويقول (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت)(9).

ثامناً: مدح الله تعالى نبيه بحسن الخلق فقال سبحانه (وإنك لعلى خلق عظيم)(10).

تاسعاً: كثرة الآيات والأحاديث المتعلقة بموضوع الأخلاق.



الهوامش:


(1) أخرجه أحمد 2/381، والبخاري في الأدب المفرد ح 273 ص104، وصححه الألباني في الصحيحة ح 45-1/75.

(2) أخرجه أحمد 6/159 وصححه الألباني في الصحيحة ح 519 -2/34.

(3) أخرجه أحمد 6/446، وأبو داود ك الأدب باب في حسن الخلق ح 4799-4/253، والترمذي ك البر والصلة باب ما جاء في حسن

(4) الخلق ح 2070 -3/244 وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة ح 876 -2/562.

(5) أخرجه أبو داود في الموضوع السابق ح4798، وصححه الألباني في الصحيحة ح 795-2/437.

(6) أخرجه أحمد 2/467، قال الهيثمي في الزوائد 10/206: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والخرائطي في مكارم الأخلاق (22)

(7) أخرجه أحمد 4/193، والخرائطي في مكارم الأخلاق (23) قال الهيثمي في الزوائد 8/21: رجال أحمد رجال الصحيح.

(8) سورة الهمزة آية 1.

(9) أخرجه أحمد 1/403، قال الهيثمي في الزوائد 10/173: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح غير عوسجة بن الرماح وهو ثقة. وأخرجه أيضاً الخرائطي في مكارم الأخلاق(9).

(10) أخرجه مسلم ك الصلاة في حديث طويل باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل 6/58 مع شرح النووي..

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-14, 01:17 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (3)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم


أركان الأخلاق (1-4)?>
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:[حسن الخلق يقوم على أربعة أركان لا يتصور قيام ساقه إلا عليها؛ الصبر والعفة والشجاعة والعدل] (1) وعند ابن مسكوية الحكمة بدل الصبر (2).
الصبــر

الصبر لغة: الحبس (3).

الصبر اصطلاحاً: حبس النفس على طاعة الله تعالى حتى لا تفارقها، وعن معصية الله تعالى حتى لا تقربها، وعلى قضاء الله تعالى حتى لا تجزع له ولا تسخط عليها (4).
فالصبر إذاً له ثلاثة أنواع هي:

أولاً: صبر على طاعة الله تعالى: وذلك أن العبادات من أركان وغيرها تحتاج إلى صبر لآدائها والمداومة عليها؛ فبعضها قد يكون ثقيلاً على البدن بسبب النفقة والتعب كالحج، وبعضها يكون ثقيلاً بسبب البخل كالزكاة والصدقة، وبعضها يكون ثقيلاً لمشقة المداومة والحفاظ على المواقيت كما في الصلاة. ولهذا قال سبحانه (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)(5) وقال عز وجل: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)(6)والا صطبار هو المبالغة في الصبر.

ثانياً: صبر عن معصية الله تعالى وهو أن يكف الإنسان نفسه عما حرم الله تعالى؛ بمجاهدة نفسه الأمارة بالسوء: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)(7) والشيطان، وقرين السوء؛ فقد ابتلى الله تعالى عباده بعضهم ببعض، يزين بعضهم لبعض المعاصي ويدعو بعضهم بعضاً إلى الشهوات قال سبحانه: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ)(8) قال العلامة ابن كثير رحمه الله:[أي اختبرنا بعضكم ببعض وبلونا بعضكم ببعض، لنعلم من يطيع ممن يعصي](9).

ثالثاً: الصبر على أقدار الله تعالى المؤلمة، قال سبحانه وتعالى: ((وَلَنَبْلُوَنّ َكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)) (10) فهذه أنواع من البلايا تحتاج إلى صبر وتصبر، والإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:

الحالة الأولى: أن يتسخط إما بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه، والتسخط بالقلب أن يكون في قلبه شيء على ربه من السخط والشره على الله والعياذ بالله.

وأما باللسان فبالتلفظ بكلمات تدل على سخطه وعدم رضاه بقضاء الله.
وأما بالجوارح مثل أن يلطم خده أو يصفع رأسه، أو يشدّ شعره، أو يشق ثوبه، وما أشبه هذا.
وحال السخط هذه حال الهلعين الذين حرموا من الثواب ولم ينجوا من المصيبة بل الذين اكتسبوا الإثم؛ فصار عندهم مصيبتان، مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في الدنيا لما أتاهم مما يؤلمهم.
الحالة الثانية: فالصبر على المصيبة بأن يحبس نفسه وهو يكره المصيبة ولا يحبها ولا يحب أن وقعت، لكن يصبر نفسه ولا يسخط.

الحالة الثالثة: الرضا بأن يكون الإنسان منشرحاً صدره بهذه المصيبة ويرضى بها رضاءً تاماً وكأنه لم يصب بها.

الحالة الرابعة: الشكر فيشكر الله عليها وكان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال، فيشكر الله من أجل أن يرتب له من الثواب على هذه المصيبة أكثر مما أصابه.

ومن هذا النوع الصبر على أذى الناس؛ فمخالطتهم لأجل الدعوة إلى الله تعالى والتعليم والتوجيه يحتاج إلى صبر واحتمال وهذا ما نجده في التوجيهات القرآنية الكريمة قال سبحانه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (11) ويقول سبحانه: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (12)، ويقول عز وجل: (وَالْكَاظِمِين الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (13) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم إذا كان مخالطاً الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) (14).

وهذا الرسول الكريم يوسف عليه السلام يجد أنواع الصبر الثلاثة؛ فصبر على أقدار الله تعالى حين ألقي في البئر، وحين سجن بضع سنين.
وصبر على طاعة الله تعالى فهو في السجن يعبد الله تعالى، ويدعو إلى عبادته وتوحيده. وصبر عن معصية الله تعالى حينما دعته امرأة العزيز إلى نفسها فصبر وامتنع، ثم كانت له العاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة.
ومما يعين على التخلق بخلق الصبر أمور هي:

1- دعاء الله تعالى والاستعانة به وعدم العجز؛ فهذا خليل الله تعالى إبراهيم عليه السلام كان يدعو فيقول كما أخبر عنه سبحانه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)(15) ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعلم معاذاً أن يقول دبر كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)(16). وينهى عن العجز فيقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)(17) وفي كل صلاة؛ بل في كل ركعة نقرأ في فاتحة الكتاب (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

2- تذكر أن طريق الجنة محفوف بالمكاره وطريق النار محفوف بالشهوات؛ فالعبرة بآخر الطريق لا بأوله فمن خاف وصبر نجا وفاز قال عليه الصلاة والسلام: (حُجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)(18). قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: [(وحفت الجنة بالمكاره) يعني أحيطت بما تكره النفوس؛ لأن الباطل محبوب للنفس الأمارة بالسوء والحق مكروه لها، فإذا تجاوز الإنسان هذا المكروه وأكره نفسه الأمارة بالسوء على فعل الواجبات وعلى ترك المحرمات، فحينئذ يصل إلى الجنة. ولهذا تجد الإنسان يستثقل الصلوات مثلاً، ولا سيما في أيام الشتاء وأيام البرد، ولا سيما إذا كان في الإنسان نوم كثير بعد تعب وجهد، فتجد الصلاة ثقيلة عليه ويكره أن يقوم يصلي ويترك الفراش اللين الدافئ، ولكن إن هو كسر هذا الحاجب وقام بهذا المكروه وصل إلى الجنة. وكذلك النفس الأمارة بالسوء تدعو صاحبها إلى الزنا، والزنا شهوة وتحبه النفس الأمارة بالسوء، لكن إذا عقلها صاحبها وأكرهها على تجنب هذه الشهوة؛ فهذا كره له، ولكن هو الذي يوصله إلى الجنة؛ لأن الجنة حفت بالمكاره](19).
3- أن يتفكر في حال الدنيا وأهلها الذين اتبعوا شهواتهم، ونالوا جُلّ لذاتهم، وما شبعوا منها وما قنعوا، ثم ماذا؟ رحلوا عنها وما حملوا معهم ما جمعوا ولا ما اختصموا عليه؛ رحلوا وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ليلقوا شرّ ما عملوا، ولهذا فمتاع الدنيا متاع الغرور، [وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة)(20) وهما كلمتان عظيمتان، فالإنسان إذا نظر إلى الدنيا ربما تعجبه فيلهو عن طاعة الله، فينبغي أن يذكر نعيم الآخرة عند ذلك، ويقارن بينه وبين هذا النعيم الدنيوي الزائل، ثم يُوطن نفسه ويرغبها في هذا النعيم الأخروي الذي لا ينقطع، ويقول (اللهم إن العيش عيش الآخرة). وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فعيش الدنيا – مهما كان – زائل، ومهما كان فمحفوف بالحزن، ومحفوف بالآفات، ومحفوف بالنقص] (21).
4- أن يتذكر ما أعدّه الله تعالى للصابرين على طاعته الصابرين عن معصيته الصابرين على أقداره؛ من الثواب العظيم الذي لا يُقدر بقدر قال سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(22). فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر، ولأجل أن الصوم من الصبر كان أجره أيضاً عظيماً بغير تقدير، كما أن في المصائب تكفير للذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نَصب ولا وَصب ولا هم ولا أذى ولا غمٍ حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه)(23). وفي الحديث: (سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) (24). فمن صبر وخاف نجا وفاز قال الله تعالى حاكياً عن حال أهل الجنة: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (25) صبروا على طاعة ربهم، وصبروا عن معصيته، وخافوا عقابه، فأمّنهم يوم يلقونه وأثابهم خلوداً في جنات النعيم، فهنيئاً لهم.

5- أن الله تعالى قد وعد الصابرين بأنه معهم فقال: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(26 ) أي أن الصابر مُعان من قبل الله، وأن الله يعين الصابر ويؤيده ويكلؤه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله عز وجل. ولهذا أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصبر ضياء) (27) يعني أنه ضياء يهدي الإنسان عندما تشتد به الكربات إلى الحق، فتطمئن نفسه ويهدأ وجدانه - ولو بعد حين - وينال رضا ربه سبحانه، وعبّر عن ذلك بالضوء؛ لأن الضوء فيه حرارة كضوء الشمس والصبر فيه مشقة كبيرة وتعب(28).

الأخلاق التي تندرج في خلق الصبر:

- الصبر على الطاعة وعن المعصية يسمى استقامة.
- الصبر عن شهوة البطن والفرج يسمى عفة.
- الصبر في القتال يسمى شجاعة.
- الصبر في كظم الغيظ يسمى حلماً.
- الصبر في إخفاء أمر يسمى كتمان السر.
- الصبر عن فضول العيش يسمى زهداً.
- الصبر على قدر يسير من الحظوظ يسمى قناعة.
وبذلك تكون أكثر الأخلاق الإسلامية داخلة في الصبر، واكتساب صفة الصبر يحمل على اكتساب جملة كبيرة من الأخلاق (29).



الهوامش:

(1) مدارج السالكين 3/73.
(2) تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق ص26.
(3) انظر لسان العرب 4/438، مختار الصحاح 1/149.
(4) انظر لسان العرب 4/439، شرح رياض الصالحين 1/324.
(5) سورة مريم آية 65.
(6) سورة طه آية 132.
(7) سورة يوسف آية 53.
(8) سورة الفرقان آية 20.
(9) تفسير القرآن العظيم ص960.
(10) سورة البقرة الآيات 155-157.
(11) سورة الكهف آية 28.
(12) سورة الشورى آية 43
(13) سورة آل عمران آية 134.
(14) أخرجه الترمذي ح 2507-4/662، وابن ماجه باب الصبر على البلاء ح 4032-2/1338 وصححه الألباني، وأحمد ح 5022-2/43.
(15) سورة إبراهيم آية 40.
(16) أخرجه النسائي ك الشكر باب نوع آخر من الدعاءح 1303-3/53، وأبو داود باب في الاستغفار ح 1522-2/86، وأحمد ح 22172-5/244 قال المحقق شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير عقبة بن مسلم، وأخرجه الحاكم ذكر مناقب أحد الفقهاء الستة ح 5194-3/307 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وابن حبان ذكر الأمر بسؤال العبد ربه أن يعينه على ذكره ح 1303-3/53.
(17) أخرجه مسلم في الإيمان بالقدر 16/215 مع شرح النووي.
(18) متفق عليه البخاري في الرقاق ح (6487) ومسلم بنحوه في الجنة وصفة نعيمها 18/165 مع شرح النووي.
(19) شرح رياض الصالحين 1/323،324.
(20) جزء من حديث أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب التحريض على القتال ح 2679-3/1043، ومسلم في الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب ح 1805-3/1431.
(21) شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/618.
(22) سورة الزمر آية 10.
(23) متفق عليه أخرجه البخاري باب في كفارة المرض ح 5318-5/2137، ومسلم ح 2573-4/1992..
(24) متفق عليه البخاري ك الصلاة باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ح 629-1/234، ومسلم باب فضل إخفاء الصدقة ح 1031-2/715.
(25) سورة الإنسان من آية 5 إلى 12.
(26) سورة البقرة آية 153.
(27) جزء من حديث أخرجه مسلم في الطهارة ح 223-1/203.
(28) انظر شرح رياض الصالحين ص72 و ص74-76.
(29) انظر مختصر منهاج القاصدين ص294،295، و مدارج السالكين 3/73



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-19, 09:23 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (4)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم

أركان الأخلاق (2-4)؟



(لاَ يَسْأَلُوْنَ النَّاْسَ إِلْحَاْفاً)

قال تعالى: (لِلْفُقَرَاْءِ الَّذِيْنَ أُحْصِرُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيْعُوْن َ ضَرْباً فِيْ الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاْهِلُ أَغْنِيَاْءَ مِنَ الْتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيْمَاْهُمْ لاَ يَسْأَلُوْنَ النَّاْسَ إِلْحَاْفاً وَمَاْ تُنْفِقُوْا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيْمْ )(1).

في هذه الآية يثني سبحانه على المتعففين الذين لا يسألون الناس شيئاً ، وينفي عنهم الشره والضراعة التي تكون من الملحين بالسؤال ، ويرغّب سبحانه عباده إلى المبادرة بالإحسان إلى المتعففين ، وعدم إعوازهم إلى السؤال(2).
وتوعّد النبي -صلى الله عليه وسلم- من سأل الناس استكثاراً فقال: (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزعة لحم)(3)، ومعناه أنه يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله تعالى ، أو هو على ظاهره بمعنى أنه يُحشر يوم القيامة ووجهه عظم لا لحم عليه عقوبة له وعلامة على ذنبه حين طلب وسأل بوجهه ، وهذا فيمن سأل الناس لغير ضرورة استكثاراً(4) كما في الحديث الآخر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من سأل الناس أموالهم تكثراً ، فإنما يسأل جمراً ، فليستقل أو ليستكثر)(5) وهذا أمر على وجهة التهديد ، أو على وجهة الإخبار عن مآل حاله ، ومعناه أنه يعاقب على القليل من ذلك والكثير(6).
لكن إذا أُعطي الإنسان شيئاً لم يسأله أو يطلبه فذلك رزق ساقه الله إليه وهذا ما فهمه ابن عمر رضي الله عنهما من مجموع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فعن القعقاع بن حكيم قال : كتب عبد العزيز بن مروان إلى ابن عمر أن ارفع إلي حاجتك ، قال : فكتب إليه ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول) ولست أسألك شيئاً ، ولا أرد رزقاً رزقنيه الله منك(7).

(1)سورة البقرة آية 273 .

(2)انظر تفسير الطبري 3/97-100 .

(3)أخرجه البخاري ك الزكاة باب ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة... ح 1405-2/536 ، و مسلم واللفظ له ك الزكاة باب كراهة المسألة للناس ح 1040-2/720

(4)انظر شرح النووي 7/130 .

(5)أخرجه مسلم باب كراهة المسألة للناس ح 1041-2/720 .

(6)انظر الديباج على مسلم 3/120 .

(7)أخرجه أحمد ح 4474-2/40 قال شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح وهذا إسناد حسن .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-19, 09:27 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (5)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم

أركان الأخلاق (3-4)




العمل العمل

عن كعب بن عجرة قال: مرّ على النبي - صلى الله عليه و سلم - رجل، فرأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم - من جَلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله ؟ فقال (إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان)(1). فهنا بلغ النبي - صلى الله عليه و سلم - بالعمل لإعفاف النفس منزلة الجهاد في سبيل الله ، وإن كان الجهاد منازل ودرجات .
وجعل النبي - صلى الله عليه و سلم - أطيب المال ما كان من كسب اليد ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - (ما أكل أحد طعاماً قط خير من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده )(2).
[والحكمة في تخصيص داود عليه السلام بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة ؛ لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى ، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل ، ولهذا أورد النبي - صلى الله عليه و سلم - قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدّمه من أن خير الكسب عمل اليد](3).
وحثّ عليه الصلاة والسلام على العمل أياً كان ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله - صلى الله عليه و سلم - (لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه)(4).
وكان يُعلِّم أصحابه كيف يتدبرون أمر معاشهم حتى لا تعوزهم الحاجة إلى السؤال ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه و سلم - يسأله ، فقال له: (أما في بيتك شيء ؟) قال: بلى؛ حِلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه من الماء ، قال: (ائتني بهما) فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله بيده ، وقال: (مَن يشتري هذين ؟) قال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قال (مَن يزيد على درهم ؟) مرتين أو ثلاثاً ، قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري ، وقال: (اشترِ بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به) فأتاه به فشدّ فيه رسول الله عوداً بيده ، ثم قال له: (اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً) فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال النبي - صلى الله عليه و سلم - (هذا خيرٌ من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة ؛ لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، و لذي دم موجع)(5).





(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح 282-19/129 قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياي ح1455-2/1018 : رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث كعب بن عجرة بسند ضعيف . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/325 :ورجال الكبير رجال الصحيح .

(2) أخرجه البخاري باب كسب الرجل ..ح 1966- 2/730 .

(3) فتح الباري 4/306 .

(4) أخرجه البخاري باب كسب الرجل وعمله بيده ح 1968-2/730 .

(5) أخرجه أبو داود باب ما تجوز فيه المسألة ح 1641-2/120 ، وابن ماجه باب بيع المزايدة ح 2198-2/740 ، وأحمد ح 12155-3/114 قال الأرناؤوط : إسناده ضعيف لجهالة حال أبي بكر الحنفي ، وللقطعة الأخيرة منه ( إن المسألة .... ) شواهد تصح بها .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-06-19, 09:32 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (5)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم

أركان الأخلاق (4-4)


اليد العليا خير من اليد السفلى

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، وخير الصدقة عن ظهر غنى ، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله)(1)
يمتدح النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الذي يعطي دون الذي يأخذ ، ويصف يد المعطي بالعليا ويد الآخذ بالسفلى ، وفيه أيضاً بشارة للمتعفف بالغنى وزوال الاحتياج بإذن الله تعالى ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبتدر صحابته من أراد منهم السؤال بهذا الحديث لينالوا بركة التعفف فعن حكيم بن حزام قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسأله، فقال: (إن مَن يسأل الناس فيُعطى يكون كالذي يأكل ولا ينفعه ما أكل ، اليد العليا خير من اليد السفلى ، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول) قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي أكرمك لا آخذ من أحد شيئاً أبداً(2).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: أعوزنا مرة فقيل لي: لو أتيت رسول الله فسألته، فانطلقت إليه معنقاً، فكان أول ما وجهني به (من استعفّ أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن سألنا لم ندخر عنه شيئاً نجده) قال: فرجعت إلى نفسي فقلت: ألا استعف فيعفني الله، فرجعت فما سألت رسول الله شيئاً بعد ذلك من أمر حاجة حتى مالت علينا الدنيا فغرقتنا إلا من عصم الله(3).



(1) متفق عليه البخاري ك الزكاة باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى ح 1361-2/518 ، ومسلم ك الزكاة باب بيان أن اليد العليا خير ..ح 1033-2/717.

(2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح 3124-3/201.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره 3/99.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-07-07, 10:03 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (7)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم



الصّيام مدرسة الأخلاق




العفّة



عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلتُ مع علقمة والأسود على عبد الله فقال عبد الله:كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئا فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(1).



حينما تهبُّ نسائم الإيمان في شهر البرِّ و الإحسان، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، تلفح المؤمنين نفحات التقوى و الصلاح، والجود و العطاء، ويتألَّق ميدان السباق إلى الخيرات و الظفر بأكبر رصيد من الحسنات، وترى المشمِّرين لباب الريّان في الجنة فرحين بما أفاء الله عليهم من بركات هذا الشهر الفضيل، و رحمات رب العالمين، حيث تُغفر خطايا المذنبين، ويتوب الرحمن على التائبين النادمين، و تتضاعف أجور المحسنين.

في هذا الشهر الكريم... تنادي ملائكة الرحمن.. يا باغي الخير أقبل.. هلمّ إلى ركاب الفائزين، اغتنم هذا الموسم العظيم بالتقرب لرب العالمين، فمن حرم فيه الخير فهو المحروم المخذول المحسور.

و في هذه الأيام المعدودة تغشى المؤمنين سحائب الرحمة و أنوار الهداية.. فتلقى المسرفين المقصّرين في عبادة الله تعالى في شوق إلى طاعته، و ندم على معصيته، قد صاموا مع الصائمين، و صلّوا في المساجد مع الراكعين الساجدين.

فواعجباً لتأثير هذه العبادة العظيمة على جوارحهم و سجاياهم في صلاحها و استقامتها.

إن سرّ التأثير يكمن في أن الصيام عبادة قيّمة، و ركن عظيم، يهذِّب الطِّباع و يربّي النفس على العفّة و الصّيانة، وإن كانت في صورته الامتناع عن الأكل و الشرب، فإن حقيقته في الكفّ عما نهى الله تعالى عنه من الأقوال و الأفعال و الأخلاق.


كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني منه (الصيام), وخوف الله, والحذر

كذلك الحـبُّ لا إتيان معـصيةٍ لا خير في لذّةٍ من بعدها سقـر(2)



و يؤكد هذا المعنى العظيم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للشباب الذين رآهم في مرحلة القوة و الفتوة و الحاجة إلى النكاح: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج) حيث يكون النكاح محصِّنا للفرج من الشهوات المحرمة، ثم أردف ذلك بعبارة أخرى يخاطب بها أولئك الشباب الذين ضاقت بهم الحالة المادية فعجزوا عن النكاح بقوله: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

وهنا يلفت النبي - صلى الله عليه وسلم - انتباهنا ؛ حيث جعل الصوم بديلا صالحاً عن النكاح (لمن قُدِر عليه رزقه) لتحقيق العفّة، و التأكيد على الصيانة، و قطع الشهوة المحرمة، كما كان الوجاء وهو رض الخصيتين قاطعا لشهوة النكاح و مانعاً منهاً.

و لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: فعليه بالجوع، الذي يعتبر أحد مظاهر الصيام ؛ لأن مجرد الامتناع عن المباحات لا يكفي لتهذيب النفس و إصلاحها، ما لم تكن النية مَعْقودة و الأركان مَقُودة للتخلّي عن المحرمات

و التحلّي بالطاعات تقرباً لرب البريّات.(3)









(1) متفق عليه، صحيح البخاري ج5/ص1950، صحيح مسلم ج2/ص1019.
(2) اقتباس من قصيدة أبي عبد الله الواسطى.
(3) ينظر شرح الحديث في: فتح الباري ج9/ص110، النووي على صحيح مسلم ج9/ص173.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-07-07, 10:11 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (8)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم


العـفـة



العفة هي النزاهة عن الرذائل والقبائح من الأعمال والأقوال(1)، وهي تُقصد في العِرض، والمال. والنوع الأول هو المقصود بالعفة عند الإطلاق.

وإن أردت أن ترى روعة هذا الخلق الجميل ماثلاً في مجتمع ما؛ فتأمّل ذلك المجتمع الذي رباه النبي - صلى الله عليه وسلم -، المجتمع الذي ينطف بالطهر والعفاف ابتداءً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وانتهاءً بذلك الصحابي الجليل الذي أحرقته نار المعصية لما زلّت به القدم فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (طهرني)(2) وتلك الصحابية الجليلة التي أغواها الشيطان فزلت بها القدم فجعلت تتردد على النبي - صلى الله عليه وسلم - تصيح من حرّ المعصية (طهرني طهرني)(3) فيمهلها حتى تضع حملها ثم تتم رضاع طفلها، ثم تفطمه؛ فتأتيه وبيد طفلها قطعة خبز حتى لا يردها.

ذلكم العفاف والطهر الذي جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الموت دونه شهادة والدفاع عنه جهاد، قال - صلى الله عليه وسلم - (من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد)(4). وكان الحفاظ على الأعراض والمنع من الاعتداء عليها وصية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في أخريات أيام حياته، فقال في خطبة الوداع (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)(5).

ومن أجله شرع الإسلام أموراً كثيرة، وحرم أموراً أخرى، وسوف نستعرض تلك التشريعات في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى.










(1) انظر مدارج السالكين 3/73 و النهاية3/264.
(2) قصة الصحابي ماعز بن مالك -رضي الله عنه- أخرجها مسلم باب من اعترف على نفسه بالزنا ح 1695-3/1321.
(3) قصة المرأة الغامدية رضي الله عنها أصلها في صحيح مسلم وهي بتمامها عند أحمد ح 22999-5/348 قال شعيب الأرناؤوط: صحيح.
(4) أخرجه أبو داود باب في قتال اللصوص ح 4772 -4/246، والترمذي باب فيمن قتل دون ماله فهو شهيد ح 1421- 4/30 وقال حسن صحيح، والنسائي باب من قاتل دون أهله ح 4094-7/ 126، وأحمد ح1652-1/190 قال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.
(5) متفق عليه أخرجه البخاري باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - رب مبلغ أوعى من سامع ح67-1/37، ومسلم باب في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ح 1218-2/886.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-07-07, 10:16 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (9)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم


لأجـل العفـة (1-6)



أولاً: حث على النكاح فقال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(1)، بل وعد بالعون لمن أراد النكاح ليعف به نفسه فقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث حق على الله تعالى عونهم – وذكر منهم – الناكح يريد العفاف)(2)، وقال سبحانه: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ....)(3)

.

ثانياً:حرّم الفواحش ورتب عليها حدوداً في الدنيا وعقوبات في الآخرة لمن لم ينزجر عنها، قال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ...)(4). فحد الزاني المحصن مثلاً الرجم حتى الموت، وغير المحصن الجلد مائة، ومن انتكست فطرته فاكتفى بمثله؛ رجل ورجل، امرأة وامرأة، أو مع الدواب، فحده كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اقتلوا الفاعل والمفعول به)(5) ولا عجب من هذه الشدة في العقوبة لأن داعي الشهوة يقوى مع ضعف داعي الإيمان في النفس، ويتسلط الشيطان وقرناء السوء، فيعم بذلك الفساد في الأرض، ولا رادع عندئذ لهذه الأهواء إلا العقوبات الشديدة. أضف إلى هذا أن الإسلام لم يضع الحدود إلا بعد أن وضع السياجات الحامية للمجتمع من الفساد والوقوع في الرذيلة. فإن أبى مجتمع ما إلا أن يخلع ثوب العفة وينغمس في وحل الرذيلة، سلّط الله تعالى عليه عقوبات دنيوية علّه ينفكّ ويكف، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا …)(6).












(1) أخرجه البخاري باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة ح 1806-2/673، ومسلم باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه..ح 1400-2/1018.
(2) أخرجه الترمذي باب ما جاء في المجاهد... ح 1655-4/184 وقال حديث حسن، وابن ماجه ح 2518-2/841، والنسائي في الكبرى باب في المكاتب ح 5014-3/194، وأحمد ح 7410-2/251 قال الأرناؤوط: إسناده قوي رجاله ثقا رجال الشيخين غير محمد بن عجلان، وابن حبان ثلاث حق على الله...ح 4030-9/339.
(3) سورة النور آية 32و33.
(4) سورة الأعراف آية 33.
(5) أخرجه أبو داود باب فيمن عمل عمل قوم لوط ح4462-4/158، والترمذي باب ما جاء في حد اللوطي ح 1456-4/57، وابن ماجه باب فيمن عمل عمل قوم لوط ح2561-2/856، وأحمد ح2727-1/300، والحاكم ك الحدود ح 8050-4/396 وسكت عنه الذهبي.وانظر كتاب الكبائر للذهبي ص55 وما بعدها.
(6) رواه ابن ماجه ك الفتن باب22 العقوبات ح4019-2/1332، والحاكم ك الفتن والملاحم باب ذكر خمس بلاء أعاذ النبي منها للمسلمين 4/540 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الجامع ح7855-6/306، وفي السلسلة الصحيحة ح106-1/168.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-07-07, 10:22 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (10)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم


لأجـل العفـة (2-6)





سادساً: النهي عن الاختلاط: فالاختلاط منهي عنه في أعظم العبادات وهي الصلاة فللرجال صفوف وللنساء صفوف وفي الحديث: (خير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها)(1)، وقد خص النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء بيوم يعلمهن فيه أمور دينهن حتى لا يحتجن إلى الاختلاط لطلب العلم، وكان يقول لهن عليكم بحافات الطريق(2)، حتى لا يختلطن بالرجال. ولا يخفى ما للمباعدة بين الرجال والنساء من الحفاظ على عفة المجتمع وسلامته من الفساد.

سابعاً: النهي عن الخلوة قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)(3).

ثامناً: شرع الاستئذان قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(4). قال القرطبي رحمه الله: (لما خصص الله سبحانه ابن آدم الذي كرمه وفضله بالمنازل، وسترهم فيها عن الأبصار، وملّكهم الاستمتاع بها على الانفراد، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها من غير إذن أربابها، أدّبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع منهم على عورة...سواء كان الباب مغلقاً أو مفتوحاً ؛ لأن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الإذن من ربه، بل يجب عليه أن يأتي الباب ويحاول الإذن على صفة لا يطّلع منه على البيت لا في إقباله ولا في انقلابه)(5)، وشرع الاستئذان أيضاً للأطفال على آبائهم في ثلاث أوقات كما في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْك ُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ...)(6).


تاسعاً: شرع الله الحجاب على المرأة وأمرها بستر زينتها عن الرجال الأجانب قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(7)، قال ابن عباس رضي الله عنه: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب)(8). وقال سبحانه: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا...) - إلى قوله سبحانه – (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(9)، وهذا بأمر بإخفاء الزينة كلها إلا ما ظهر بنفسه من غير قصد منها كأطراف الثياب ونحو ذلك دون الوجه الذي هو أعظم الزينة ومكمن الجمال والفتنة فهو لا يظهر إلا بفعل من المرأة وقصد، ومن الزينة التي نهيت المرأة عن إبدائها (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ) أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت لتُسمع صوت خَلخالها، فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة والغرض التستر(10)، كما نهيت المرأة أيضاً عن التعطر والخروج بحضرة الرجال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل)(11)، هذا في خروجها إلى المسجد خير البقاع فكيف بخروجها إلى الأسواق ونحوها.

عاشراً: يشرع دعاء الله تعالى وسؤاله العفة والحياء فقد كان من أدعية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)(12), (اللهم إني أسألك الصحة والعفة، والأمانة وحسن الخلق، والرضا بالقدر)(13)، وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (أول ما يُرفع من هذه الأمة الحياء، والأمانة فسلوهما الله)(14).









(1) أخرجه مسلم باب تسوية الصفوف...ح 440-1/326.
(2) أخرجه أبو داود باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق ح 5272-4/369، والطبراني في الكبير ح 580-19/261.
(3) أخرجه أحمد ح 177-1/26 قال الأرناؤوط: حديث صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين، والنسائي في الكبرى باب خلوة الرجل بالمرأة ح 9219-5/387، وابن حبان ذكر الزجر أن يخلو المرء بامرأة أجنبية ح 5586-12/399.
(4) سورة النور آية 27.
(5) الجامع لأحكام القرآن 12/212-220.
(6) سورة النور آية 58.
(7) سورة الأحزاب آية 59. وقد اتفق العلماء قاطبة على وجوب ستر المرأة شعرها وسائر بدنها عن الرجال الأجانب بالجلباب الفضفاض الذي يستر تفاصيل البدن، وإنما اختلفوا في الوجه والكفين.
(8) أخرجه الطبري في تفسيره 20/ 324.
(9) سورة النور آية 31.
(10) انظر الجامع لأحكام القرآن 1/237.
(11) أخرجه أبو داود باب في المرأة تطيب للخروج ح 4174-4/79، و ابن ماجة باب فتنة النساء ح4002-2/1326وصححه الألباني، وأحمد ح 7350-2/246، وابن خزيمة باب إيجاب الغسل على المتطيبة للخروج إلى المسجد ح 1682-3/92.
(12) أخرجه مسلم باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل ح 2721-4/2087.
(13) أخرجه البخاري في الأدب المفرد باب من دعا الله أن يحسن خلقه ح (307)، والخرائطي في مكارم الأخلاق ح (166).
(14) أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق ح (178).

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-07-07, 10:25 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (11)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم



أخلاق الحاج



رغم أن الحج مرة واحدة، - ليس في الشهر ولا في العام وإنما في العمر كله - إلا أن تأثيره يمتد بقية عمر الإنسان إن أحسن المرء حجه وأخلصه.

ولما كان الله تعالى أوجبه على العباد مرة واحدة في العمر، ولمن استطاع إليه سبيلاً وأجزل الثواب عليه وعظمه، علّق ترتب الثواب عليه لمن أدى الواجبات والأركان وصان حجه عن الآثام.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن حج لله فلم يَرْفُث ولم يَفْسُق رجع كيوم ولدته أمه)(1).

وقال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)(2).

ففي الآية والحديث نهي عن الرفث، وقد اختلف في المقصود به، فقيل الرفث الجماع، ومقدماته القولية والفعلية، وقيل: هو عام يعم كل فحش في القول والفعل، ونهي عن الفسوق وهو المعاصي(3). ونهي عن الجدال.

فعلى الحاج أن يحفظ بصره فلا يطلقه فيما حرم الله النظر إليه، فإن كان رجلاً غض بصره عن النساء، وإن كانت امرأة غضت بصرها عن الرجال، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشِّق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أ فأحج عنه ؟ قال (نعم) وذلك في حجة الوداع(4). وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له العباس: يا رسول الله لِمَ لويت عُنُق ابن عمك قال: (رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما)(5)، وجاء في بعض طرق الحديث بيان سبب سفور هذه المرأة، وأن سفورها لم يكن إلا أمام النبي صلى الله عليه وسلم لكن اطلع عليها الفضل رضي الله عنه لأنه كان رديفاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فعن الفضل بن عباس قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه بنت له حسناء فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها، وجعلت ألتفت إليها، ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسي فيلويه، فكان يلبي حتى رمى جمرة العقبة)(6).

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفضل حين غطى وجهه يوم عرفة: (هذا يوم مَن ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له)(7).

وحتى يقطع النبي صلى الله عليه وسلم طمع الرجال في النساء والعكس، وحتى لا يجد الشيطان مدخلاً لدفعهم إلى إطلاق البصر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَنكِح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب)(8).

كما أن الحاج مأمور بحسن الخلق مع إخوانه المسلمين، وترك الجدال والشجار والسباب والأذى أيّاً كان نوعه.

ولعل مما يساعد على التآلف بين المسلمين واحتمال بعضهم لبعض استشعار الوحدة بينهم في اللباس والمكان والعمل والقصد.

وإليك أخي الحاج هذه الكلمات من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

(المسلم إذا كان مخالطاً الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)(9).







(1) أخرجه البخاري في الحج باب فضل الحج المبرور ح1521-3/382 مع الفتح. ومسلم ك الحج باب فضل الحج والعمرة 9/119 مع شرح النووي.
(2) سورة البقرة آية 197.
(3) فتح الباري 3/382.وشرح النووي 9/119.
(4) أخرجه البخاي في جزاء الصيد باب حج المرأة عن الرجل ح184-4/6 م فتح الباري ومسلم ك الحج باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما 9/98 مع شرح النووي.
(5) أخرجه أحمد 1/7،76، والترمذي في الحج باب 53 ما جاء أن عرفة كلها موقف ح886-2/185 وقال حديث علي حديث حسن صحيح.
(6) قال ابن حجر في فتح الباري 4/68:[ رواه أبو يعلى بإسناد قوي).
(7) عزاه ابن حجر في الفتح 4/70 إلى أحمد وابن خزيمة.
(8) أخرجه مسلم ك الحج باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته 9/193.
(9) أخرجه الترمذي ح2507-4/662، وابن ماجه باب الصبر على البلاء ح 4032-2/1338 وصححه الألباني، وأحمد ح5022-2/43.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-07-15, 11:33 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (12)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم


لأجـل العفـة (3-6)



1- الحث على ستر العورات وهذا من أول ما عني به الإسلام لما في كشفها والتساهل فيها من إثارة نزعات السوء، ونزع ثوب العفة، والولوغ في وحل الرذيلة، فحدد العورات للرجال والنساء، وما يأتون منها وما يذرون، عن جرهد الأسلمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرّ به وهو كاشف عن فخذه، فقال له: (غط فخذك، فإنها من العورة)(1)، وعن بهز بن حكيم -رضي الله عنه- قال: قلت:يا نبي الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك) قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: (إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يراها) قال قلت: يا نبي الله، إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: (فالله أحق أن يُستحيا منه من الناس)(2).

وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)(3) فهنا جاوز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بموضوع الستر حدود الحلال والحرام إلى الكمال وابتغاء معالي الأمور، فهو أمر يحبه الله تعالى، وهو أحق بأن يستحيا منه من الناس، فلا تقف النفس عندئذ عند الحدود فتأتي ما حلّ كشفه من البدن وتستر ما حرّم، بل تسمو بعفافها وحيائها وسترها لتظفر بمحبة الله تعالى.

وليس هذا فحسب بل أرشد سبحانه عباده إلى أن المزيد من الستر يعني المزيد من التقوى من خلال عقد الصلة بين لباس الظاهر ولباس الباطن في قوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(4) ، فكلاهما لباس ؛ هذا يستر عورات القلب والروح ويزينها بزينة الإيمان والحياء، والآخر يستر عورات الجسد ويزينه ويجمله بين الناس، وهما متلازمان ؛ فإذا زاد العبد تقى وإيمان زاد حياء وستراً، وكلما نقص ستره وحياؤه نقص تقواه ؛ فهذا الشيطان لم يبلغ مراده من آدم عليه السلام إلا حين عصى ربه وأكل من الشجرة فانكشف ستره وبدت سوأته قال سبحانه: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ...)(5)، وقال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا...)(6 ) فكانت أول فتنة للشيطان في اللباس.






(1) أخرجه الترمذي ك الأدب باب ما جاء أن الفخذ عورة ح 2798 -5/111وقال: هذا حديث حسن، وصححه الألباني، وأحمد ح 15974-3/479، والدارمي ح2650-2/364.
(2) أخرجه الترمذي ك الأدب باب ما جاء في حفظ العورة ح 2794 -5/110 وقال: هذا حديث حسن، وأبو داود باب ما جاء في التعري ح4017-4/40، وأخرجه البخاري مختصراً باب من اغتسل عرياناً ح20-1/107..
(3) أخرجه أبو داود باب النهي عن التعري ح 4012-4/39، والنسائي باب الاستتار عند الاغتسال ح 406-1/200، وأحمد ح 17999-4/224 وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.
(4) سورة الأعراف آية 26. وانظر كتاب لباس الرجل أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي 2/814.
(5) سورة الأعراف من آية 20 إلى 22.
(6) سورة الأعراف آية 27.





http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-07-15, 11:38 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (13)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم


لأجـل العفـة (4-6)


1- حفظ الجوارح (عفة الجوارح) قال سبحانه: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)(1)، فالجوارح يوم القيامة تشهد على أصحابها بما عملوه في الدنيا قال سبحانه: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(2)، وقال: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُأَرْج ُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(3)، ولهذا كان على المسلم حفظ جوارحه واستعمالها في طاعة الله تعالى.
ونبتدئ بذكر حفظ البصر قال سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا...)(4)، وغض البصر المأمور به شرعاً في هذه الآية معناه: كفه عن الاسترسال، فلا ينظر إلى الشيء بملء العين، وهو أدب لطيف عظيم من الله تعالى لعباده المؤمنين؛ أن يغضوا من أبصارهم عما حرم الله عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما يباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإذا صادف وقوع البصر على ما لا يحل لهم النظر إليه صرفوه سريعاً، وكفوه عما لا يحل(5). قال عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :(يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة)(6)، قال ابن الجوزي:[وهذا لأن الأولى لم يحضرها القلب، ولا يتأمل بها المحاسن، ولا يقع التلذذ بها، فمن استدامها مقدار حضور الذهن كانت الثانية في الإثم](8). والأمر بغض النظر يعم كل المحرمات من النظر إلى النساء الأجنبيات، والنظر إلى العورات، والمنكرات ؛ لأن النظر بريد الزنا وسهم من سهام إبليس مسموم قال عليه الصلاة والسلام (النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، فمن غض بصره أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه)(9). قال ابن القيم رحمه الله: [والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع مانع](10). حفظ السمع والمراد حفظه عن سماع المحرمات قال سبحانه: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)(11) قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: [لما ذكر الله تعالى حال السعداء... عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات لطرب، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) قال: هو والله الغناء](12)،وقال عليه الصلاة والسلام: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف...)(13). وقد سماه ابن القيم وغيره في كتابه القيم إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان(14) بـ رقية الشيطان. ومثل الغناء كل كلام فاحش يحرم سماعه ولعل وسائل الإعلام مليئة بهذا فليكن المسلم والمسلمة على حذر من أن يصل إلى مسامعه ما يخدش حياءه ويصرع عفته. وقد وصف سبحانه المؤمنين بقوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)(15). حفظ اللسان فالإسلام ينهى عن الكلام الفاحش كله قال عليه الصلاة والسلام: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار)(16)، وقال: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء)(17)، والفحش والبذاء هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، وأكثر ما يكون ذلك فيما يتعلق بما يقع بين الرجل والمرأة، ولهذا ورد النهي الصريح عن التحدث بما يحصل بين الرجل وزوجته، وفي القرآن والسنة التكنية عن هذه الأمور بما يدل عليها دون التصريح؛ فهلا تأدب المسلمون بأدب الكتاب والسنة!. ومن الكلام الباطل قذف المحصنات المؤمنات قال سبحانه في التحذير منه (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)(18 ). وكذلك نهى سبحانه النساء عن الخضوع بالقول مع الرجال الأجانب وهو إلانة الصوت وترقيقه قال سبحانه: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)(19). حفظ اليد عن ملامسة المرأة الأجنبية – أي التي لا تحل له – قال أبو سهم رضي الله عنه مرت بي امرأة فأخذت بكشحها(20) ثم أطلقتها، فأصبح رسول الله يبايع الناس، فأتيته، فقال: (ألست بصاحب الجبذة بالأمس ؟) فقلت: بلى وإني لا أعود يا رسول الله فبايعني. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصافح النساء وينهى عن مصافحتهن(21)، وحذّر عليه الصلاة والسلام تحذيراً شديداً من التساهل في لمس المرأة الأجنبية، فقال: (لأن يُطعن في رأس أحدكم بمِخيَط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحل له)(22) والمخيط هو ما يُخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما(23). والمرأة شقيقة الرجل في الأحكام ؛ فليس لها كذلك التساهل في ملامسة الرجل الأجنبي بحال.

(1) سورة الإسراء آية 36.
(2) سورة فصلت آية 20.
(3) سورة يس آية 65.
(4) سورة النور آية 30-31.
(5) انظر أحكام القرآن لابن العربي 3/377، وتفسير ابن كثير 3/310، والجامع لأحكام القرآن 12/222.
(6) أخرجه أبو داود ك النكاح باب فيما يؤمر به من غض البصر ح 2149 -2/246، والترمذي ك الأدب باب ما جاء في نظرة المفاجأة ح 2777-5/101 قال: هذا حديث حسن غريب، وأحمد ح23024-5/351 قال الأرناؤوط: حسن لغيره، والحاكم ك النكاح ح4623-3/133 قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه..
(7) غذاء الألباب 1/84.
(8) أخرجه الحاكم ك الرقاق ح 7875-4/349 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والطبراني في المعجم الكبير ح 10362-10/173.
(9) الداء والدواء ص.
(10) سورة لقمان آية 6.
(11) أخرجه الطبري في تفسيره 20/127.
(12) تفسير ابن كثير ص1061.
(13) أخرجه البخاري ك الأشربة باب فيمن جاء يستحل الخمر... ح5268-5/2123.
(14) 1/255.
(15) سورة المؤمنون آية 1-3.
(16) أخرجه الترمذي باب ما جاء في الحياء ح 2009-4/365 وقال: حسن صحيح، وابن ماجه باب الحياء ح 4184-2/1400، وأحمد ح 10519-2/501 قال الأرناؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد حسن، وابن حبان ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم الحياء.. ح 608-2/372، والحاكم ك الإيمان ح 171-1/118 وقال صحيح على شرط مسلم .
(17) أخرجه الترمذي في البر باب ما جاء في اللعنة ح 1977-4/350 وقال: حديث حسن غريب، وابن حبان باب ذكر نفي اسم الإيمان عمن أتى ببعض الخصال... ح 192-1/421.
(18) سورة النور آية 4.
(19) سورة الأحزاب آية 32.
(20) الكشح الخصر. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر 4/175.
(21) أخرجه النسائي في السنن الكبرى ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الخبر ح 7329-4/319، وأحمد ح 22564-5/294 وقال الأرناؤوط:إسناد* صحيح رجاله ثقات، والحاكم ك الحدود ح 8134-4/418 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والطبراني في المعجم الكبير ح 933-22/373.
(22) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح 487-20/212، والبيهقي في شعب الإيمان ح 5455-4/374 قال الهيثمي في مجمع الزوائد4/326:ورجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب والترهيب 3/66:رواه الطبراني والبيهقي ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة ح226-1/395: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن ؛ ولذلك فإن مسلماً إنما أخرج له في الشواهد.
(23) انظر النهاية 2/92.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-07-15, 11:46 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (14)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم


لأجـل العفـة (5-6)




الركن الثالث: الشجاعة
قال ابن القيم رحمه الله: [الشجاعة تحمله على عزة النفس، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته، وتحمله على كظم الغيظ والحلم ؛ فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنانها ويكبحها بلجامها عن النزغ والبطش، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب)(1) وهو حقيقة الشجاعة وهي ملكة يقتدر بها العبد على قهر خصمه](2).
ومن الأخلاق التي تندرج في خلق الشجاعة ما يلي:
1- الشجاعة تحمله على كظم الغيظ والحلم كما سبق في الحديث: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب).
2- الشجاعة تُكسب الإنسان الثبات على الحق وعدم التزعزع عنه ؛ فلا يُغيّر مبادئه وقيمه التي يؤمن بها ويدعو إليها تبعاً لتغيّر الناس الذين يحيطون به، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا !! ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا)(3)، ولا يخاف لومة لائم، ولا يثني عزيمته سخرية ساخر، ولا يفتُّ في عضده تخاذل من يتخاذل عنه، ولا يرعبه تهديد ووعيد ؛ لأنه يؤمن أن الغلبة له ولأمثاله ممن جعل رضا الله مبتغاه، قال عليه الصلاة والسلام: (مَن أسخط الله في رضا الناس، سخط الله عليه، وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه من أسخطه في رضاه)(4)، وتأمل هذه الشجاعة التي يغذيها الإيمان والثبات على الحق في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه أبي طالب بعد أن أخبره عمه بمطالبة قريش له بالكف عن نصرته -صلى الله عليه وسلم-: (والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه)(5)، فلا المغريات والشهوات ولا التخويف والتهديد يُضعف قوته أو يزعزع ثباته، وهذا الشأن لا يكون إلا للمؤمن القوي الشجاع.
3- الشجاعة تكسب الإنسان قوة في مجابهة أهوائه، وكبح جماح شهواته، فيسيّر نفسه وفق ما يريده لها من النجاة والفلاح، لا وفق هواها ؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الكيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)(6).
ومما يعين على الاتصاف بالشجاعة ما يلي:
1- الإيمان بأن الآجال محدودة وأن الموت لا بد منه، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً...)(7)، وقال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)(8).
2- الإيمان بأنه لن يصيب العبد إلا ما كتبه الله عليه كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)(9).
3- فضل الشجاعة والقوة قال -صلى الله عليه وسلم- (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)(10).
4- البصيرة في الدين قال سبحانه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)( 11)؛ والعالم العامل خير وأفضل من العابد من غير علم راسخ قال سبحانه: (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(12)؛ وذلك لأن العلم يقوي صاحبه ويثبته على العمل والدعوة.
5- الدعاء فالدعاء من أقوى الأمور المعينة على التخلق بخلق الشجاعة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو كثيراً يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك(13).




(1) أخرجه البخاري ك الأدب باب الحذر من الغضب ح6114-10/518 مع فتح الباري.
(2) مدارج السالكين 3 / 74.
(3) أخرجه الترمذي ح 2007-4/364 باب ما جاء في الإحسان والعفو قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(4) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح 11696-11/268، وابن حبان ذكر رضاء الله جل وعلا عمن التمس رضاه..ح 276-1/510 .
(5) انظر السيرة النبوية 2/101، الروض الأنف 2/7.
(6) أخرجه الترمذي باب لم يسمه ح 2459-4/638 وقال حديث حسن، وابن ماجه باب ذكر الموت..ح 4260-2/1423 وقال الألباني: ضعيف، وأحمد ح 17164-4/124 قال الأرناؤوط: إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم وباقي رجال الإسناد ثقات، والحاكم ك الإيمان ح 191-1/ 125 وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
(7) سورة آل عمران آية 145.
(8) سورة آل عمران آية 185.
(9) أخرجه الترمذي باب لم يسمه ح 2516-4/667 وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد ح 2669-1/293 قال الأرناؤوط: إسناده قوي، والحاكم ذكر عبد الله بن عباس ح 6303-3/623، والطبراني في الكبير ح 11243-11/123.
(10) أخرجه مسلم سبق تخريجه.
(11) سورة يوسف آية 108.
(12) سورة المجادلة آية 11.
(13) أخرجه الترمذي باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن ح 2140-4/448، والنسائي في الكبرى باب قوله ولتصنع على عيني ح 7737-4/414، وأحمد ح 12128-3/112 قال الأرناؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-08-12, 03:58 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (15)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم


لأجـل العفـة (6-6)




الركن الرابع : العدل

العدل في اللغة هو ما قام في النفوس أنه مستقيم ، وتعديل الشيء ؛ تقويمه ، والاعتدال توسط حال بين حالين في كمٍ أو كيف ، والعدل الأمر المتوسط بين الإفراط والتفريط (1) . وهو ضد الظلم والجور ، ويقصد به عدة أمور ؛ العدل في الأخلاق ، والعدل في المعاملات المالية ، والعدل في الأسرة ، والعدل في القضاء ، والعدل من النفس .

أما العدل في الأخلاق فقد قال عنه ابن القيم رحمه الله : [ العدل يحمله على اعتدال أخلاقه وتوسطه بين طرفي الإفراط والتفريط ؛ فيحمله على خلق الجود والسخاء الذي هو توسط بين الإمساك والإسراف والتبذير ، وعلى خلق الحياء الذي هو توسط بين الذل والقحة ، وعلى خلق شجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور ، وعلى خلق الحلم الذي هو توسط بين الغضب والمهانة وسقوط النفس ](2).

وأما العدل في المعاملات المالية ، كالعدل في المكاييل والموازين وغيرها ،قال الله تعالى ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط )(3).

وأما العدل في الأسرة فكالعدل بين الأولاد(4)، والعدل بين الزوجات ، قال سبحانه ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )(5) والعدل بين الأقران عموماً .

وأما العدل في القضاء فمعلوم ؛ بأن لا يفرق بين رئيس ومرؤوس ، ولا بين شريف في قومه ومن هو دونه ،.... وتأمل هذه العدالة الحقة التي لا تعرف المماراة ولا المحاباة ، عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يُكلم فيها رسول الله ؟ فقالو : ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله ؟! فكلمه أسامة ، فقال رسول الله ( أ تشفع في حد من حدود الله ؟! ) ثم قام فخطب فقال ( أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!؟ )(6)

وأما العدل من النفس فهو الإنصاف منها للغير . قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين )(7) .

ولا شك أن هذه الأمور كلها تعود إلى الأخلاق . ومتى عوّد الإنسان نفسه على العدل في كل الأمور والأخذ بأوساطها ظفر بمعالي الأخلاق .

ومما يعين على اكتساب صفة العدل :

الأول : تقوى الله تعالى ، وتذكر يوم العرض والحساب ، يوم لا تخفى خافية .

الثاني : التأني في الأمور كلها وعدم العجلة ؛ فإن التأني يجعل المرء ينظر فيما عرض له ويتأمله ويتصرف بحكمة ، فيدرك مثلاً البذل وقتئذ إسرافاً ، أم جوداً ، وكظم الغيظ أ هو حلم أم مهانة ، والإقدام شجاعة أم تهور ... وهكذا ؛ ولذلك يقول النبي r ( الأناة من الله والعجلة من الشيطان )(8) .









(1) انظر لسان العرب 11/430-433 ، مختار الصحاح 1/176 ، التعاريف 1/183 ، التعريفات 1/192 .



(2) مدارج السالكين 3/74 .



(3) سورة الأنعام آية 152 .



(4) سيأتي ذكره في الفصل الثاني في الخلق مع الأولاد .



(5) سورة النساء آية 3 .



(6) أخرجه مسلم ك الحدود باب قطع السارق الشريف وغيره ح 688-3/1315 .



(7) سورة النساء آية 135 .



(8) أخرجه الترمذي باب الأناة من الله ح 2012 -4/367 وقال: حديث غريب ، والبيهقي في السنن الكبرى باب التثبت في الحكم ح 20057-10/104 ، والطبراني في الكبير ح 5702-6/122 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-08-12, 04:03 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (16)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم



فقه الأخلاق – الخلق مع الله تعالى (1-9)



نبتدئ في هذا الشهر وما يليه بذكر فقه الأخلاق، وأولى من ينبغي التأدب معه هو الله سبحانه وتعالى.


الخلق مع الله تعالى


إن تعلم فقه الأدب مع الله تعالى أوجب الواجبات على العبد، إذ هو مناط سعادته في الدارين، وهذا يتمثل في الإيمان به سبحانه وحده، الإيمان الذي يتعدى مجرد الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى، فهذا الإيمان تتفق فيه جميع الكائنات، أما الإيمان الذي به يسعد العبد وبدونه يشقى فهو: قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية(1).


شرح التعريف:


قول باللسان: أي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذه الكلمة تشتمل على توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. فالإله هو الذي يُعرف ويًُعبد(2) وسنفرد ذكر كل واحدة منها في الورقات الآتية.


قول القلب : هو اعتقاده وتصديقه، وأما عمله فهو عبارة عن تحركه وإرادته ؛ مثل الإخلاص في العمل، وكذلك التوكل والرجاء والخوف.


عمل بالجوارح : ويشمل ذلك العبادات والمأمورات والمنهيات كلها، قال عليه الصلاة والسلام:

(الإيمان بضعة وسبعون شعبة ؛ أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)(3)، فالإيمان إذاً قول وعمل، والاقتصار على القول دون العمل إلغاء للشريعة التي جاءت بكثير من التشريعات.

والإيمان في القلب يدفع صاحبه إلى العمل بمقتضى هذا الإيمان ؛ قال الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)(4).



قال العلامة السعدي في تفسيره لهذه الآية(5): [يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) هي شهادة أن لا إله إلا الله وفروعها، (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) هي النخلة، (أَصْلُهَا ثَابِتٌ) في الأرض، (وَفَرْعُهَا) منتشر (فِي السَّمَاءِ)، وهي كثيرة النفع دائماَ (تُؤْتِي أُكُلَهَا) أي ثمرتها، (كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) فكذلك شجرة الإيمان أصلها ثابت في قلب المؤمن علماً واعتقاداً، وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والأخلاق المرضية والآداب الحسنة في السماء دائماً يصعد إلى الله منه … (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) المأكل والمطعم وهي شجرة الحنظل ونحوها، (اجْتُثَّتْ) هذه الشجرة (مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) أي ثبوت فلا عروق تمسكها، ولا ثمرة صالحة تنتجها، بل إن وجد فيها ثمرة فهي ثمرة خبيثة. كذلك كلمة الكفر والمعاصي ليس لها ثبوت نافع في القلب، ولا تتثمر إلا كل قول خبيث وعمل خبيث يؤذي صاحبه ولا يصعد إلى الله منه عمل صالح، ولا ينفع نفسه، ولا ينتفع به غيره].


كيف أحافظ على شجرة الإيمان قوية يانعة ؟

بأمرين يتبينان بقولنا (يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان) وبيانه ما يلي

الأول : بتعاهد هذه الشجرة بالسقي في كل وقت بالعلم النافع، والعمل الصالح، والتذكر والتفكر.

الثاني : بتنقية هذه الشجرة من عوالق الذنوب والمعاصي والغفلة عن الآخرة بالإقلاع عن الذنب والتوبة والاستغفار وإتباعه بالأعمال الصالحة الماحية وكثرة ذكر الله تعالى



يدل على زيادة الإيمان ونقصه قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ)(7).









(1) انظر شرح الواسطية2/230، وأعلام السنة المنشورة ص45.
(2) انظر مجموع الفتاوى 2/6.
(3) سبق تخريجه رقم 106.
(4) سورة إبراهيم 24،25.
(5) 4/138.
(6) سورة التوبة آية 124،125.


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-08-19, 09:24 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (17)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم




الخلق مع الله تعالى ( 2-9)

أولاً : توحيد الربوبية

هو الإقرار الجازم بأن الله وحده رب كل شيء وخالقه ومليكه ، وأنه وحده المحيي المميت ، الرزاق ، المدبر ... الخ ، ويمكن تعريفه بأنه :

توحيد الله تعالى بأفعاله .

ومما يدل على توحيد الربوبية ما يلي :

1- الفطرة : فالله عز وجل فطر خلقه على الإقرار بربوبيته ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )(1) ، فمهما عاند الإنسان واستكبر وأنكر ربوبية الله ، إذا أصابته ضائقة أو شدة دعا إلها واحداً سبحانه وتعالى ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )(2) . وقال عليه الصلاة والسلام ( كل مولود يولد على الفطرة )(3) .

2- دلالة الخلق على الخالق :فإن هذه المخلوقات وما فيها من بديع صنع وحكمة تدل على أن لها خالقاً متصفاً بصفات الكمال(4) .

وقد ذكر سبحانه هذا الدليل القاطع في وقوله سبحانه ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ )(5) ، ولما سمع جبير بن مطعم رضي الله عنه -قبل إسلامه- رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآية قال : كاد قلبي أن يطير ، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي(6) .

هل الإقرار بتوحيد الربوبية وحده يكفي ؟

وهذا التوحيد أقره كفار قريش كما حكاه الله تعالى عنهم في قوله ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ )(7) .

لكن أشركوا مع الله عز وجل الأصنام وصرفوا لها بعض أنواع العبادة مع إقرارهم بتوحيد الربوبية فلم ينفعهم ذلك .

وإنكار وجود الله لا يقوى عليه أحد لمخالفته للفطرة السوية والعقل السليم ، إلا ما وقع من الملاحدة الذين يدعون أن الكون وُجد صدفة ، لكن تُوجد طوائف أخرى أشركت في توحيد الربوبية من وجه آخر حين اعتقدت أن هناك من ينفع أو يضر غير الله تعالى من ولي أو قبر أو ملك أو جان أو حجر ونحوه ، فصرفت له أنواعاً من العبادة من ذبح ودعاء وتوسل وطواف ونحو ذلك . أو اعتقدت أن أحداً غير الله يعلم الغيب من كاهن أو عرّاف أو منجم ونحوهم .

وبالجملة فإن كل من أشرك مع الله تعالى شيئاً في أفعاله من خلق أو ملك أو تدبير أو علم أو قدرة أو نفع أو ضر أو إحياء أو إماتة ونحو ذلك ، فهو مشرك في ربوبية الله ، فإن تقرب إلى ذلك الشيء بأي نوع من أنواع العبادة فقد أشرك أيضاً في توحيد الألوهية .










(1) سورة الروم 30 .
(2) سورة العنكبوت آية 65 .
(3) أخرجه البخاري ح1358-3/219 فتح الباري ، ومسلم ح2658-4/4047 .
(4) ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل ص147 وما بعدها عجائب مخلوقات الله تعالى تشهد أن لهذا الكون خالقاً متصفاً بصفات الكمال .

(5) سورة الطور آية 35 .
(6) أخرجه البخاري ك التفسير 6/49 .
(7) سورة العنكبوت آية 61 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-08-19, 09:28 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (18)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم



الخلق مع الله تعالى ( 3-9)

ثانياً : توحيد الأسماء والصفات

هو الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه ، أو وصفه به رسوله ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل .

قال سبحانه ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (1) وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(2)، وقال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )(3).

وفي الآية الثانية إثبات ونفي ؛ نفى سبحانه عن نفسه المثل ، وأثبت لنفسه سمعاً وبصراً ، وهذا منهج السلف الصالح ؛ فهم يثبتون لله ما أثبته لنفسه ، وينفون عنه ما نفى عن نفسه .

ومثاله قوله تعالى ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ... ) فأثبت سبحانه لنفسه الحياة والقيمومة ، ونفى عن نفسه السِّنة والنوم .

ومعنى قولنا ( من غير تحريف ) التحريف صرف الكلام عن معناه المتبادر منه إلى معنى آخر لا يدل عليه اللفظ إلا باحتمال مرجوح . فنؤمن بصفاته وأسمائه بمعانيها من غير تحريف .

ومعنى قولنا ( ولا تعطيل ) التعطيل هو نفي الصفات الإلهية ، بمعنى تعطيل الأسماء عن معانيها ، كأن يقال سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

ومعنى قولنا ( من غير تكييف ) أي من غير أن يُعتقد أن صفاته تعالى على كيفية كذا ، أو يسأل عنها بكيف ، فلا يعلم الكيفية إلا الله تعالى .

ومعنى قولنا ( ولا تمثيل ) أي من غير اعتقاد أنها مثل صفات المخلوقين .

أركان الإيمان بالأسماء والصفات :

1) الإيمان بالاسم .

2) الإيمان بما دلّ عليه الاسم من معنى

3) الإيمان بما يتعلق به من الآثار .

فمثلاً نؤمن بأن الله تعالى رحيم ذو رحمة وسعت كل شيء ، ويرحم عباده ، قدير ذو قدرة ، ويقدر على كل شيء .



دلالة الأسماء الحسنى :

1) دلالة مطابقة إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله

2) دلالة التزام : إذا استدللنا به على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها .



مثال ذلك الخالق يدل على ذات الله وعلى صفة الخلق بالمطابقة ، ويدل على الذات وحدها بالتضمن ، ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام ، وذلك لأن الخالق لا يمكن أن يخلق إلا وهو قادر ، وكذلك لا يمكن أن يخلق إلا وهو عالم .

والرحمن دلالته على الرحمة والذات دلالة مطابقة ، وعلى أحدهما دلالة تضمن ، ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة والعلم والإرادة والقدرة ونحوها دلالة التزام(4)






(1) الدعاء ثلاثة أقسام 1) أن تسأل الله بأسمائه وصفاته ، 2) أن تسأله بحاجتك وفقرك وذُلّك فتقول : أنا العبد الفقير المسكين الذليل المستجير ونحو ذلك ، 3) أن تسأل الله حاجتك ولا تذكر واحداً من الأمرين ، والأكمل جمع الأمور الثلاثة ، وهذه عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم انظر شرح أسماء الله الحسنى للقحطاني ص49 .




(2) سورة الأعراف آية 180 .



(3) سورة الشورى آية 11 .



(4) انظر شرح أسماء الله تعالى في كتاب معارج القبول 1/78 وما بعدها .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-08-19, 09:32 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (19)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم



الخلق مع الله تعالى ( 4-9)

ثالثاً : توحيد الألوهية :
وهو إفراد الله تعالى بالعبادة ، بألا تكون عبداً لغير الله ، فلا تعبد غير الله تعالى ، لا ملكاً ولا نبياً ولا شيخاً ولا أماً ولا أباً ولا غير ذلك ، ولا تكون عبداً لغير الله .
والعبادة تطلق على أمرين ؛ على الفعل والمفعول ، فأما المفعول فهو المتعبد به ، وبهذا المعنى عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال:
العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة (1).
ولا تُقبل العبادة إلا بشرطين هما :
الأول : أن يكون خالصاً لله تعالى .
الثاني : أن يكون صواباً ؛ أي موافقة شرع الله تعالى ومتابعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

والدليل عليهما قوله تعالى: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء )(2) ، وقال عليه الصلاة والسلام ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )(3) .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى ( ليبلوكم أيكم أحسن عملاً )(4) أخلصه وأصوبه.
قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟
قال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل؛ حتى يكون خالصاً صواباً ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة(5) .


وإطلاق العبادة على الفعل ، يعني التعبد وتعرّف العبادة بناء عليه بأنها : التذلل لله عز وجل حباً وتعظيماً ؛ بفعل أوامره واجتناب نواهيه(6) .
والعبودية تعني الخضوع لله بالطاعة ، والتذلل له بالاستكانة(7) ، وكل مَن ذلّ لله عزّ بالله ، إذ هو عبد لمن بيده ملكوت السموات والأرض ، عبد لمن إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون ، عبد لمن إذا دخل في عبوديته أمن من كل ما يخاف ونال كل ما يريد ؛ وشتّان بين هذه العبودية وبين عبودية الأهواء والشهوات ، أو عبودية مَن لا حول له ولا قوة ؛ فهي خوف من مفارقة المعبود أو نقصانه أو فواته ، وهمٌ وشقاء في تحصيله ، قال سبحانه ( ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )(8)
وقال عليه الصلاة والسلام ( تعس عبد الدينار ، وعبد الدرهم ، وعبد الخميصة ، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش )(9)
ومعنى العبودية لهذه الأشياء الشغف والولوع بها ، والاشتغال بجمعها وحفظها ، والاغتمام لفواتها أو قصورها ، وكأنه خادمها وعبدها ، ومَن كان كذلك لم يصدق في حقه إياك نعبد(10).
وكمال العبودية لله تعالى بكمال الذل له والانقياد والطاعة ؛ لأنه يعلم أن ما قدره عليه ربه وقضاه ، أو أمره ونهاه فلأن لله تعالى الخلق والأمر .. وهو سبحانه حكيم في أمره وتدبيره ، وهو سبحانه لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون ، قال ابن القيم رحمه الله :[ إن مقام العبودية هو بتكميل مقام الذل والانقياد ، وأكمل الخلق عبودية أكملهم ذلاً لله وانقياداً وطاعة ، ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل ، فهو ذليل لقهره ، ذليل لربوبيته فيه وتصرفه ، وذليل لإحسانه إليه وإنعامه عليه ](11) .
وكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله ، وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته(12) . وقد نعت الله سبحانه بالعبودية كل من اصطفى من خلقه فقال ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار )(13) وقال ( سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ..) (14)، وقال ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً )(15) .
وبهذا يتضح أن للعبودية ركيزتين لا تتحقق إلا بهما هما ؛ الأولى : المحبة ، والثانية : الخضوع والتعظيم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :[ ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابداً له ، ولو أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له ، كما قد يحب الرجل ولده وصديقه ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى ، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء ، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء ، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله ، وكل ما أحب لغير الله فمحبته فاسدة ، وما عظم بغير أمر الله فتعظيمه باطل ](16) . سنتكلم عنهما بإذن الله في الحلقة القادمة

(1) شرح العبودية ص6 .

(2) سورة البينة آية 5 .

(3) أخرجه البخاري ك الصلح باب إذا اصطلحوا على صلح جور ... ، ومسلم ك الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة

(4) سورة الملك آية 2 .

(5) شرح العبودية ص59 .

(6) شرح الواسطية 1/25 .

(7) تفسير ابن جرير 1/155 .

(8) سورة الزمر آية 29 .

(9) أخرجه البخاري باب الحراسة في الغزو في سبيل الله ح2730-3/1057 .

(10) انظر فتح الباري 11/254 . ومعنى القطيفة: الثوب الذي له خمل ، الخميصة: الكساء المربع ، وأما قوله ( وإذا شيك فلا انتقش ) إذا أصابته شوكة فلا وجد مَن يخرجها منه بالمنقاش انظر الفتح 6/82 .

(11) مفتاح دار السعادة 1/500 .

(12) انظر شرح العبودية ص63 .

(13) سورة ص آية 45 .


(14) سورة الإسراء آية 1 .

(15) سورة الفرقان آية 63 .

(16) العبودية مع شرحها ص18 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-09-12, 04:24 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (20)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم




الخلق مع الله تعالى ( 5-9)


الركيزة الأولى : محبة الله تعالى


من لوازم العبودية محبة الله تعالى لأنه سبحانه الخالق البارئ المنعم بالنعم التي لا تعد ولا تحصى ؛ وإليه سبحانه الملتجأ ، ولا حول ولا قوة للعبد إلا به سبحانه .

علامات محبة العبد لله تعالى :


1-محبته أعظم من كل ما سواه ، قال الله عز وجل ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )(1) وقال عز وجل ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله)(2) .

2. دوام ذكر الله وشكره ، يقول سبحانه في وصف المؤمنين بأنسهم بذكره سبحانه ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )(3) ، ( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ... )(4) .

3. لزوم طاعته واجتناب معصيته ، فلما ادعى أقوام حب الله تعالى أنزل الله عز وجل آية تمتحن صدق حبهم لله تعالى وقد سماها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك بالممتحنة قال سبحانه ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )(5) .

4. الرجاء ؛ فإذا أحببت الله عز وجل رجوت ما عنده ، ورغبت فيما يُقرّب إليه سبحانه قال الله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم )(6)، والمؤمن يلتمس في كل أعماله رضا الله سبحانه ويرجو ثوابه ، وإذا وقع في الذنب ثم ندم وأقلع عنه واستغفر وتاب رجا مغفرة الله وعفوه الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، يقول سبحانه في الحديث القدسي ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )(7) ، قال ابن حجر رحمه الله :[قال القرطبي في المفهم: قيل معنى ( ظن عبدي بي ) ظن الإجابة عند الدعاء ، وظن القبول عند التوبة ، وظن المغفرة عند الاستغفار ، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكً بصادق وعده ، ويؤيده قوله في الحديث الآخر ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ) ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقناً بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد ؛ فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر … وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة ](8) .

5. وإذا أحببت الله جعلت حياتك ومماتك له ، قال سبحانه ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) يقول الحسن رحمه الله :[ ما ضربت ببصري ، ولا نطقت بلساني ، ولا بطشت بيدي ، ولا نهضت على قدمي ، حتى أنظر أ على طاعة أو على معصية ؟ فإن كانت على طاعة تقدمت ، وإن كانت على معصية تأخرت ](9) ، وكان بعض السلف يقول : إني لأحتسب نومي كما أحتسب قومتي . بمعنى أنه يرجو ثواب الله على نومه لأنه نام ليتقوى بهذا النوم على ما يرضي الله كما يرجو ثوابه على صلاته بالليل .

محبة الله سبحانه وتعالى للعبد


عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أحب الله العبد نادى جبريل : إن الله يحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ويُوضع له القبول في الأرض )(10).

كيف نفوز بمحبة الله تعالى ؟


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله قال : مَن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إلي من آداء ما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ....)(11).


الولي هو العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته ، وإذا أدى العبد الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرهما أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى ، وقوله ( كنت سمعه ... ) أي توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء ، وتيسير المحبة له فيها ، بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه ، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره ، ومن البطش فيما لا يحل له بيده ، ومن السعي إلى الباطل برجله ، ولئن سأل الله شيئاً ليعطينه ما سأل ، ولئن استعاذ به أعاذه(12) .




(1) سورة البقرة آية 165 .



(2) سورة البقرة آية 165 .



(3) سورة الرعد آية 28 .



(4) سورة آل عمران آية 191 .



(5) سورة آل عمران آية 31 .




(6) سورة البقرة آية 218 .



(7) أخرجه البخاري باب قول الله تعالى ( ويحذركم الله نفسه) ح6970-6/2694 ، ومسلم باب الحث على ذكر الله تعالى ح 2675-4/2061 .



(8) فتح الباري 13/386 .



(9) جامع العلوم والحكم 1/155 .



(10) أخرجه البخاري ك بدء الخلق باب ذكر الملائكة ح3209-6/303 فتح الباري .



(11) أخرجه البخاري ك الرقاق باب التواضع ح6502-11/340 فتح الباري .



(12) انظر فتح الباري 11/342-345 .

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-09-12, 04:34 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (21)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم



الخلق مع الله تعالى ( 6-9)


الركيزة الثانية : تعظيم الله تعالى


تعظيم الله سبحانه من عبادات القلب التي ينبغيش للمسلم استشعارها ومراعاتها في سائر شؤونه ؛ فبهذا التعظيم يحُسن المسلم عبادة ربه ، ويتقي معصيته ، ويشفق من الوقوف بين يديه يوم الحساب والجزاء ، قال سبحانه ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه )(1) .




ومما يحقق هذا التعظيم أمران هما(2) :

1) إدراك عظمة الخالق وجبروته فكلما كان العبد أعلم بالله تعالى وصفاته وأسمائه كان أكثر تعظيماً له وتذللاً بين يديه قال سبحانه ( إنما يخشى الله من عباده العلماء )(3) ، وكذا متى تفكر في عظمة مخلوقات الله تعالى أدرك عظمة الخالق ، وكلما تذكر نعم الله تعالى عليه وحلمه عليه وإمهاله له مع قدرته عليه وقوته حصل له تعظيم الله تعالى .

2) إدراك العبد لضعفه وعجزه ؛ فمن عرف قدر نفسه ، وأنه مهما بلغ في الجاه والسلطان والقوة فهو عاجز ضعيف لا يملك لنفسه صرفاً ولا عدلاً ، تصاغرت نفسه وذهب كبرياؤه وذلّت جوارحه لله سبحانه .

ولهذا التعظيم علامات سنذكرها في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى




(1) سورة الزمر آية 67 .



(2) انظر الافتقار إلى الله لب العبودية لـ أحمد بن عبد الرحمن الصويان صادر عن مجلة البيان .



(3) سورة فاطر آية 28 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-09-12, 04:40 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (22)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم



الخلق مع الله تعالى ( 7-9)



ولهذا التعظيم علامات هي ما يلي :


1- الخوف من الله تعالى ، فإذا عظمت الله سبحانه خفت منه كلما هممت بمعصية ، وكلما ذكرته سبحانه أو تلوت كتابه ، قال سبحانه ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً )(1) ، لكن هذا الخوف خوف محب لربه مُعظّم له وكلما زاد خوفه زاد قربه منه وفراره إليه ، ولهذا يقول سبحانه ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين )(2)، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم عند النوم إذا آوى إلى فراشه يقول ( اللهم أسلمت نفسي إليك ، وفوّضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رهبة ورغبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنيك الذي أرسلت )(3)، وهذا الخوف سبب للنجاة من النار والفوز بالجنان بشرط أن يحقق التقرب من الله والبعد عما يسخطه قال سبحانه ( ولمن خاف مقام ربه جنتان )(4) ، وقال تعالى ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )(5)، وقال عليه الصلاة والسلام ( مَن خاف أدلج ، ومَن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة )(6).

2- سرعة التوبة بعد المعصية فهذه الصديقة بنت الصديق اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله ، فعرفت في وجهه الكراهية . تقول فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بال هذه النمرقة ؟ ) قلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها ، فقال ( إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون ، فيقال لهم أحيوا ما خلقتم – وقال – إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة )(7) فها هي الصديقة سارعت إلى التوبة من ذنب لم تعلمه بعد ، وهذا شأن من عظَّم الله تعالى حق التعظيم ؛ فهو سريع الندم على ما وقع منه سريع الرجوع إلى الله تعالى قال سبحانه في وصفهم ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون )(8) .

كما أنهم لا يستهينون بالمعاصي مهما كانت صغيرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود ، وجاء ذا بعود ، حتى أنضجوا خبزتهم ، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه )(9) .

ولهذا كان السلف رضي الله عنهم يتحرجون أشد الحرج من الوقوع في المعاصي كبيرها وصغيرها ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعرة ، إن كنا نعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات ) .

قال ابن القيم رحمه الله : [ مَن كملت عظمة الحق تعالى في قلبه عظمت عنده مخالفته ، لأن مخالفة العظيم ليست كمخالفة من هو دونه ، ومن عرف قدر نفسه وحقيقتها وفقرها الذاتي إلى مولاها الحق في كل لحظة ونفَس ، وشدة حاجتها إليه ، عظمت عنده جناية المخالفة لمن هو شديد الضرورة إليه في كل لحظة ونَفَس ، وأيضاً إذا عرف حقارتها مع عظم قدر من خالفه ؛ عظمت الجناية عنده ؛ فشمّر في التخلص منها ](10) .

3- تعظيم أمر الله تعالى ونهيه وعدم التقدم عليه أو تقديم غيره عليه قال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم )(11) . قال عليه الصلاة والسلام ( من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس )(12) .

ولو تأمل متأمل قول الله تعالى عن يوم القيامة ( ولا يسأل حميم حميماً ، يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ، وصاحبته وأخيه ، وفصيلته التي تؤويه ، ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه ، كلا إنها لظى ...)(13) لما قدّم على ربه ومولاه أحداً.



4- تعظيم شعائر الله تعالى قال سبحانه ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )(14) ومن شعائر الله تعظيم بيوت الله تعالى ، قال سبحانه ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال )(15) ، قال العلامة السعدي رحمه الله :[ أي يتعبد لله ( في بيوت ) عظيمة فاضلة ، هي أحب البقاع إليه ، وهي المساجد . ( أذن الله ) أي : أمر ووصى ( أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) هذان مجموع أحكام المساجد ، فيدخل في رفعها بناؤها ، وكنسها ، وتنظيفها من النجاسة والأذى ، وصونها عن المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة ، وعن الكافر ، وأن تصان عن اللغو فيها ، ورفع الأصوات بغير ذكر الله ٍ](16) .

وتعظيم كلام الله سبحانه وتعالى ، بتدبره ، والإنصات لتلاوته ، والاشتغال بتعلمه ، والعمل بما فيه .

وتعظيم شأن الأذان ، برفعه أوقات الصلوات ، والإنصات إليه ، وترديده لقوله عليه الصلاة والسلام ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن )(17) .

وتعظيم أمر الصلاة ، قال عليه الصلاة والسلام ( فأما الركوع فعظِّموا فيه الرب عز وجل ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء ؛ فقَمِن أن يُستجاب لكم )(18) ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع ( اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي )(19) ، قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله : [ الدليل على عظم قدرها وفضلها على سائر الأعمال أن كل فريضة افترضها الله ؛ فإنما افترضها على بعض الجوارح دون بعض ، ثم لم يأمر بإشغال القلب به ، إلا الصلاة فإنه أمر أن تقام بجميع الجوارح كلها ، وأهل العلم مجتمعون على أنه إذا شغل جارحة من جوارحه بعمل من غير الصلاة ، أو بفكر ، أو شغل قلبه بالنظر في غير أمر الصلاة أنه منقوص من ثوابها ، ذلك أنه يناجي الملك الأكبر ، فلا ينبغي أن يخلط مناجاة الإله العظيم بغيرها ، وكيف يفعل ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الله مقبل عليه بوجهه ، فكيف يجوز لمن صدق بأن الله مقبل عليه بوجهه أن يلتفت أو يغيب أو يتفكر أو يتحرك بغير ما يحب المقبل عليه بوجهه ! ](20) .

5- تعلق القلب بالله تعالى والافتقار إليه قال سبحانه ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد )(21) وتجرده عن الخلق ومن كل حظوظه وأهوائه ، لأنه سبحانه هو من بيده خزائن الرحمة وخزائن السماوات والأرض ، وإذا أراد شيئاً سبحانه قال له كن فيكون ، قال عز وجل في وصف عباده المؤمنين ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار )(22) فهؤلاء تعلقت قلوبهم بالله سبحانه ، وبكل ما يقرب إلى الله من الأعمال والأقوال حتى صارت حياتهم كلها لله قال سبحانه ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )(23) ، قال ابن القيم رحمه الله [ الفقر الحقيقي : دوام الافتقار إلى الله في كل حال ، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه ](24) .






(1) سورة الأنفال آية 2 .



(2) سورة الذاريات آية 50 .



(3) أخرجه البخاري باب إذا بات طاهراً ح 5952 -5/2326 ، ومسلم باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع ح 2710 -4/2082 .



(4) سورة الرحمن آية 46 .



(5) سورة النازعات آية 40 .



(6) أخرجه الترمذي ك صفة القيامة باب لم يسمه ح 2450-4/633 وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر ، والحاكم ك الرقاق ح 7851-4/343 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وأدلج أي سار أول الليل ، بلغ المنزل أي وصل إلى مطلبه انظر تحفة الأحوذي 7/123 .



(7) أخرجه البخاري باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء ح 1999-2/742 ، ومسلم باب تحريم تصوير صورة الحيوان ح2107-3/1669 .



(8) سورة آل عمران آية 135 .



(9) أخرجه أحمد ح22860-5/331 قال ابن حجر في الفتح 11/329 : أخرجه أحمد بسند حسن ، والطبراني في العجم الكبير ح5872-6/165 .



(10) مدارج السالكين 1/144،145 .



(11) سورة الحجرات آية 1 .



(12) سبق تخريجه .




(13) سورة المعارج الآيات من 10-15 .



(14) سورة الحج آية 32 .



(15) سورة النور آية 36 .



(16) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص569 .



(17) أخرجه البخاري ك الأذان باب ما يقول إذا سمع المنادي ح611-2/90 مع فتح الباري .



(18) أخرجه مسلم ك الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ح 479-1/348 .




(19) أخرجه مسلم مطولاً ك الصلاة باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح771-1/534 .



(20) تعظيم قدر الصلاة ص97 باختصار ، وهو كتاب جدير بالمطالعة لمن شغله أمر صلاته .



(21) سورة فاطر آية 15 .



(22) سورة النور آية 37 .



(23) سورة الأنعام 162 .



(24) مدارج السالكين 2/439 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-09-15, 10:50 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (23)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم




الخلق مع الله تعالى ( 8-9)


رابعاً : اجتناب الشرك

والشرك اتخاذ الند مع الله ، سواء كان هذا الند في الربوبية أو الألوهية(1) ، وهو ضد التوحيد ، وهو غاية الظلم ، كما في قوله سبحانه ( إن الشرك لظلم عظيم )(2) .

وينقسم إلى شرك أكبر وشرك أصغر ، وإليك بيانهما :

الشرك الأكبر :

هو اتخاذ العبد من دون الله نداً يسوّيه برب العالمين ؛ في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته(3) ؛ فمن اعتقد أن المدبر أو المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل أو من يعلم الغيب ... غير الله أو معه فقد أشرك بربويته ، فإن صرف له شيئاً من العبادة كالمحبة والرجاء والتوكل والاستعانة والاستغاثة و الدعاء والصلاة والطواف والذبح والنذر .... وغير ذلك فقد أشرك أيضاً في ألوهيته سبحانه(4).

وهذا الشرك ينافي التوحيد بالكلية ، ومخرج عن الملة ، قال سبحانه ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً )(5).





(1) الشرك في القديم والحديث 1/121 .



(2) سورة لقمان آية 13 .



(3) انظر الشرك في القديم والحديث 1/141 .



(4) المرجع السابق باختصار .



(5) سورة النساء آية 48 .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2020-09-19, 11:32 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (24)
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر



بسم الله الرحمن الرحيم




الخلق مع الله تعالى ( 9-9 )

الشرك الأصغر :


وهذا له أنواع كثيرة يمكن حصرها بما يأتي :

أولاً قولي : أي ما كان باللسان ، ويدخل فيه ما يأتي :

1- الحلف بغير الله ، قال عليه الصلاة والسلام ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد )(1) ، وقال ( من حلف بالأمانة فليس منا )(2) .

2- قول ( ما شاء الله وشئت ) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان )(3)، ومثله قول لولا الله وفلان ، أو متوكل على الله وفلان ، أو هذا من بركات الله وبركاتك ....الخ . [ ولعل الضابط في هذا أن يكون الشيء مما يختص بالله جل وعلا ، فيعطف عليه غيره سبحانه لا على سبيل المشاركة ، وإنما بمجرد التسوية في اللفظ ، وأما إن كان يعتقد المشاركة فهذا يدخل تحت الشرك الأكبر ](4).

3- التعبيد لغير الله تعالى ، كعبد النبي وعبد الرسول ( إذا لم يقصد به حقيقة العبودية ) .

4- إسناد بعض الحوادث إلى غير الله تعالى ، مثل أن يقول : لولا وجود فلان لحصل كذا ، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص ، أو ي

قول : لولا الله وفلان ، أو يقول مطرنا بنوء كذا وكذا ، قال عليه الصلاة والسلام ( قال الله تعالى : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ؛

فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب

)(5).

لأنه أنكر نعمة الله تعالى ونسبها إلى سبب لم يجعله الله تعالى سبباً(6) .



ثانياً فعلي : وهو ما كان بأعمال الجوارح ، ويدخل فيه ما يلي :

1- الرقى المشتملة على الشرك ، وتعليق التمائم والتولة ، قال صلى الله عليه وسلم ( إن الرقى والتمائم والتَّولة شرك ) (7) ، فإن اعتقد أنها سبب فقد أشرك شركاً أصغر ، وإن اعتقد أن لها تأثير لذاتها فقد أشرك شركاً أكبر .

والضابط في الأشياء كلها مما تتخذ أسباباً لجلب نفع أو دفع ضر ؛ هو أنها إذا لم يكن لها تأثير بمقتضى الشرع أو العادة أو التجربة فإن اتخاذها لذلك شرك أصغر(8).



2- إتيان الكهان والعرّافين(9)، وسؤالهم دون تصديق لقوله عليه الصلاة والسلام ( مَن أتى عرّافاً فسأله ، لم تقبل له صلاة أربعينيوماً )(10)،وذلك لأنه وسيلة إلى الشرك ؛ إذ لو وقع مما أخبر به شيء ، اعتقده الناس عالماً بالغيب فصار شركاً أكبر(11).



3- التنجيم أي تعلم علم النجوم أو اعتقاد تأثير النجوم ؛ ويكون شركاً أصغر إذا اعتقد أنها سبباً لحدوث الخير والشر ، فإذا وقع شيء نسبه إلى النجوم ، أي بعد الوقوع ، أما إذا جعلها سبباً يدعي به علم الغيب كسعادة فلان أو شقاوته ونحوه لأنه وُلد في النجم الفلاني فهذا شرك أكبر إذ لا يعلم الغيب إلا الله تعالى(12).



ثالثاً قلبي : وهو الرياء ، وهو قصد المدح والثناء أو شيئاً من الدنيا ومن أمثلته ما يلي :



1- أن يكون الرياء بالأعمال ، كمن يطيل صلاته لنظر الناس إليه ، أو يظهر صومه وصدقته ... طلباً لثناء الناس ومديحهم ، أو يتعلم العلم الشرعي لينال منصباً ، أو يواظب على الصلاة في المسجد لأجل وظيفة أو نكاح أو مسكن ... ، ونحو ذلك .

2- أن يكون الرياء من جهة القول ؛ كالرياء بالوعظ والتذكير ، أو تلاوة القرآن ... ونحو ذلك طلباً للسمعة والثناء .



حكم الشرك الأصغر :

أنه محرم ، بل هو أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر ، لكنه لا يخرج من ارتكبه عن ملة الإسلام .








(1)- أخرجه أبو داود ك الأيمان والنذور باب كراهية الحلف بالآباء ح3248-3/219 ، وصححه السيوطي والألباني انظر صحيح الجامع الصغير ح7126-6/137 .

(2) - أخرجه أبو داود ك الأيمان والنذور باب كراهية الحلف بالأمانة ح3253- 3/220 ، وأحمد 5/352 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح94-1/149 .

(3) - أخرجه أبو داود ك الأدب باب لا يقال خبثت نفسي ح4980-4/297 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح137-1/214 .

(4) - الشرك في القديم والحديث 1/170 .

(5) -أخرجه البخاري ك الاستسقاء باب قول الله ( وتجعلون رزقكم ..) ح1038-2/522 مع الفتح ، ومسلم ك الإيمان باب كفر من قال مطرنا بالنوء 2/59 مع شرح النووي .

(6) - انظر القول المفيد ص392 ، والشرك في القديم والحديث 1/170 .

(7) - أخرجه أبو داود ك الطب باب في تعليق التمائم ح3883-4/9، وابن ماجه ك الطب باب تعليق التمائم ح3530-2/1166 ، وأحمد 1/381 ، والحاكم ك الطب 4/217 ، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير ، وكذا صححه الألباني انظر صحيح الجامع الصغير ح1628-1/67 ، والرُّقية هي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة ، والمقصود بها هنا الرقى التي اشتملت على الشرك ، التمائم هي العوذ التي تعلق على الإنسان وغيره لدفع الآفات عنه من أي شيء كان ، سواء كان خيطاً أو خرزاً أو حلقة ونحو ذلك مما يلبس أو يعلق . انظر أحكام الرقى والتمائم ص27 و210 ، والقول المفيد ص112، وأعلام السنة المنشورة ص192 ، والتولة شيء يعلقونه على الزوج ، يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها والزوج إلى امرأته . انظر القول المفيد ص113 .

(8) -انظر القول المفيد بتصرف ص106 .

(9) - الكاهن هو من يخبر عن المغيبات في المستقبل ، والعراف هو من يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك ، انظر القول المفيد ص356 .


(10) -أخرجه مسلم ك السلام باب تحريم الكهانة وإتيان الكاهن 14/227.

(11) -هذا إذا لم يكن ما أخبروا به مما يستند إلى أمور حسية ، فإن كان كذلك فليس هو من علم الغيب . مثل أحوال الطقس ، وأوقات الخسوف . انظر القول المفيد ص344 .
(12) - القول المفيد ص377 باختصار .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2021-05-24, 01:33 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (25)
الدكتورة إلهام بدر الجابرى



بسم الله الرحمن الرحيم



الخلق مع الملائــــــكة



الملائـكة من الغيب الذي لا ندركه بحواسنا ، ولا نعلم عنه شيئاً إلا عن طريق الوحي (الكتاب و السنة) . ومن الخلق الذي يجب علينا تجاههم ما يلي :



1) الإيمان بهم(1)،وهو يشمل الإيمان بوجودهم ، وبأنهم خلق من خلق الله تعالى خلقهم من نور ، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

(خلقت الملائكة من نور،وخلق الجان من مارج من نار،وخلق آدم مما وصف لكم)(2).

وأن لهم أجنحة كما أخبر سبحانه في قوله ( الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير )(3).

وأنهم يعبدونه بالليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون قال سبحانه ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون )(4).


ونؤمن أن لهم وظائف وأعمال موكلون بها ولهم أسماء كما ورد في الكتاب والسنة ، من ذلك ما روي عن سمرة رضي الله عنه ، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ( رأيت الليلة رجلين أتياني ، فقالا: الذي يوقد النار مالك خازن النار ، وأنا جبريل ، وهذا ميكائيل )(5).

2) الاستحياء منهم وإكرامهم ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إياكم والتعري ؛ فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط ، وحين يفضي الرجل إلى أهله ، فاستحيوهم وأكرموهم )(6) .

3) عدم إيذاءهم ، وذلك بالرائحة الكريهة ؛ عن جابر رضي الله عنه عن النبي

صلى الله عليه وسلم قال ( مَن أكل من هذه البقلة الثوم – وقال مرة من أكل البصل والثوم والكراث – فلا يقربن مسجدنا ؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )(7). وفي هذا الحديث دليل على منع آكل الثوم والبصل والكراث والفجل(8) وكل ما في معناها من البقول الكريهة الرائحة من دخول المسجد وإن كان خالياً ؛ لأنه محل الملائكة(9) ، كذلك يستدل بهذا الحديث على أن أكل هذه البقول من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة ، وذلك لئلا يتأذى من رائحتها الملائكة والمسلمون ، لكن إذا أراد أحد أن يتخذها حيلة لترك الجماعة حرم عليه ذلك(10) .

4) إكرامهم في البيوت ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : حشوت للنبي صلى الله عليه وسلم وسادة فيها تماثيل كأنها نمرقة ، فجاء فقام وجعل يتغير وجهه ، فقلت : مالنا يا رسول الله ؟ قال ( ما بال هذه ؟ ) قلت : وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها ، قال ( أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ؟) وأن من وضع الصور يُعذب يوم القيامة فيقول أحيوا ما خلقتم ؟ )(11).

بقلم د. إلهام بدر الجابري





(1) - انظر شرح الواسطية 1/64 وما بعدها .



(2) - -خرجه مسلم ك الزهد باب أحاديث متفرقة 18/123 مع شرح النووي .



(3) - سورة فاطر آية 1 .



(4) -سورة الأعراف آية 206 .



(5) -أخرجه البخاري ك بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين ...ح3236-6/313 .



(6) - أخرجه الترمذي ك الأدب باب ما جاء في الاستتار عند الجماع ح2008 وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير ح2193-2/255 ، لكن يشهد لمعناه حديث بهز رضي الله عنه في سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن العورات ، قال : قلت يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً ؟ قال ( فالله أحق أن يستحيا منه من الناس ) وقد سبق الحديث .



(7) - أخرجه مسلم واللفظ له ك الصلاة باب نهي آكل الثوم والبصل ونحوهما عن حضور المسجد 5/50 مع شرح النووي ، والبخاري ك الأذان باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث ح855-2/339 مع فتح الباري .



(8) - ورد النص عليه في حديث أخرجه الطبراني ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/17:[ رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه يحيى بن راشد البراء البصري وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وقال يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات ] .




(9) -انظر فتح الباري 2/343و2/575 وشرح النووي لصحيح مسلم 5/49 .



(10) - انظر فتح الباري وتعليق الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عليه 2/343 .



(11) -أخرجه البخاري ك بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين ..ح3224-6/311 مع فتح الباري .




http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2021-05-24, 01:41 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (26)
الدكتورة إلهام بدر الجابرى



بسم الله الرحمن الرحيم



فقه الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم (1-3)


إن الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم- لا يجب فقط على الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين عاشوا معه وصحبوه وإنما يجب الأدب على كل مسلم تجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة ويتمثل ذلك في عدة أمور هي ما يلي :

الأول: الإيمـان بالنـبي -صلى الله عليه وسلم-:

والإيمان به واجب قال –سبحانه-: ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا )(1) ،

والإيمان به يقتضي أربعة أمور هي : تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع .

1-تصديقه في كل ما أخبر من أمر الماضي أو الحاضر أو المستقبل قال –سبحانه-: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )(2).

ولقد ضرب أبو بكر في ذلك أروع الأمثلة حتى لُقَّب بالصديق ، تقول عائشة -رضي الله عنها-: ( لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى ، أصبح يتحدث الناس بذلك ، فارتدّ ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعوا بذلك إلى أبي بكر ، فقالوا : هل لك إلى صاحبك ، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال : أوَ قال ذلك ؟ قالوا : نعم ! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟! قال : نعم ! إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي الصديق )(3). وكان النبي -صلى الله عليه

وسلم - يدرك صدق إيمان أبي بكر وعمر به ويشيد بهما فقد قال يوماً لأصحابه ( بينما راعٍ في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها ، فالتفت إليه الذئب ، فقال له : مَن لها يوم السبع ليس لها راعٍ غيري ؟! وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها ، فالتفتت إليه فكلمته فقالت : إني لم أُخلق لهذا ، ولكني خُلقت للحرث ، فقال الناس : سبحان الله ! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإني أُومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب )(4).

2-طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وهذه الطاعة واجبة بأمر الله – تعالى- قال – سبحانه-: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم )(5) وجعل –سبحانه- طاعة نبيه طاعة له فقال: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله )(6) وتوعّد

من يعصه ويعص رسوله فقال: ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً )(7)وقال –سبحانه-: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(8)،بل إن

التسليم التام لأمره وارتفاع الحرج عن الصدر هو حقيقة الإيمان قال –سبحانه-: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )(9).

3-ألا يُعبد الله إلا بما شرعه -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )(10)، وقال -صلى الله عليه وسلم- ( مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )(11).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى :[ فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب ؛ فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله ، وكل مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء ](12)، وقال - عليه

الصلاة والسلام-:(...فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)(13) .



والبدعة هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله –سبحانه- (14) .











(1) - سورة التغابن آية 8 .

(2) - سورة النجم آية 3 .

(3) - أخرجه الحاكم باب أبو بكر بن أبي قحافة t ح4407- 3/65 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وصححه الألباني لشواهده في السلسلة الصحيحة ح 306.

(4) - أخرجه البخاري باب استعمال البقر للحراثة ح2199-2/818 .

(5) -سورة محمد آية 33 .

(6) - سورة النساء آية 80 .

(7) - سورة الجن آية 23 .

(8) -سورة الحشر آية 7 .

(9) - سورة النساء آية 65 .

(10) - سورة آل عمران آية 31.


(11) - أخرجه مسلم 2/1342 ح1718.

(12) -جامع العلوم والحكم 1/176 .

(13) - أخرجه أبو داود ك السنة باب في لزوم السنة ح6407-4/200 ، والترمذي ك العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة ح2676-5/44 ، وأحمد 4/126 ، والحاكم ح1/95 وقال صحيح ليس له علة ووافقه الذهبي .
(14) - الاعتصام للشاطبي المختصر ص7 .


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2021-05-24, 01:46 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (27)
الدكتورة إلهام بدر الجابرى



بسم الله الرحمن الرحيم



فقه الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم(2-3)

الثاني/ محبتــه صلى الله عليه وسلم:

ومحبته صلى الله عليه وسلم واجبة قال سبحانه ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )(1).

قال القاضي عياض رحمه الله بعد أن أورد هذه الآية :[ فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها ، وعظم خطرها ، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله ، وتوعدهم بقوله تعالى ( فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ) ثم فسّقهم بتمام الآية ، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله ](2)، وقال عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )(3).

وقد بلغ حب الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً عظيماً فلما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ (4).

واشتهرت مواقف وأقوال كثيرة للصحابة في حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولعل قائل يقول : لا عجب فهم رضي الله عنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وصحبوه فحق لهم أن يحبوه ، أما نحن فأنى لنا أن نبلغ مبلغهم في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟! وأترك الإجابة عن هذا التساؤل لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم ( مِن أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي ، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله )(5).

بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم :

1- حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم نابع من حبنا لله تعالى قال ابن القيم رحمه الله تعالى :[ وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعاً لمحبة الله وتعظيمه ، كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه ؛ فإن أمته يحبونه لمحبة الله له ، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له ، فهي محبة لله من موجبات محبة الله ، وكذلك محبة أهل العلم والإيمان ومحبة الصحابة رضي الله عنهم وإجلالهم تابع لمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ](6).

2- حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته كما قال سبحانه ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )(7).

وقد ظهر هذا الحرص في صور عدة منها ؛ حرصه على تبليغ الدعوة وهداية أمته قال سبحانه ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً )(8).

وحينما جاءه جبريل عليه السلام يبلغه بأن ملك الجبال يستأمره بما يصنع بكفار قريش وقد كذبوه وآذوه حتى بلغ به الأذى ما بلغ ( يا محمد إن الله قد سمع ول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليه الأخشبين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )(9).

ومنها حرصه على تخفيف التكاليف الشرعية عن أمته ولعل من أقرب الأمثلة على ذلك تخفيف الصلاة المفروضة من خمسين صلاة إلى خمس صلوات مع بقاء أجر الخمسين ، ولولا خشية الإطالة لسردنا الكثير من الأمثلة التي تظهر حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التخفيف والتيسير وحسبنا قول الله تعالى ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )(10).

ومنها أنه بعث عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين قال سبحانه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )(11)، وقال سبحانه أيضاً ( بالمؤمنين رءوف رحيم )(12)، فكان مبعثه رحمة وحياته رحمة قال سبحانه ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )(13).

وبه أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى. ومنها ادخاره دعوته لأمته فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وإني اختبيء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة )(14) .

ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة ففي الحديث ( يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم _ إلى قوله – فيأتونني فانطلق حتى استأذن على ربي فيؤذن لي ، فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله، ثم يقال ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع ، فيحد لي حداً ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي – مثله – ثم أشفع ، فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ، ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا مَن حبسه القرآن ووجب عليه الخلود ... )(15).

3- أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم العظيمة التي امتدحه بها الله سبحانه وتعالى ( وإنك لعلى خلق عظيم )(16)، هذا الخلق الذي نالنا منه نصيب وافر ونحن لم نلقه ولم نره ؛ كدعائه صلى الله عليه وسلم لعامة أمته من لقيهم ومن لم يلقهم ، والشفاعة لكل من استحقها من أمته وإن لم يلقه ، وكذا أضحيته عمن لم يضح من أمته ، ورحمته بأمته التي ندركها في كثير من التكاليف الشرعية ، ووصيته بالنساء والضعفاء ونحوهم ، وكل من يقرأ في سيرته عليه الصلاة والسلام يتملكه الإعجاب به ومحبته بل إن معرفة كريم خلقه صلى الله عليه وسلم دفع الكثيرين إلى الدخول في الإسلام .

4- أن محبته صلى الله عليه وسلم من أجلّ القرب وأفضل الطاعات ، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال ( يا أيها الناس ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ) قال : أُبي : فقلت يا رسول الله ، إني أكثر من الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : ( ما شئت ) قلت : الربع ؟ قال : ( ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ) قلت : فالنصف ؟ قال : ( ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ) قلت : فالثلثين ؟ قال : ( ما شئت فإن زدت فهو خير لك ) قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : ( إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك )(17) .

علامات صدق محبة النبي صلى الله عليه وسلم :

1- تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأوامره على من سواه وهذا معنى محبته أكثر من الولد والوالد والناس أجمعين ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )(18)، وقال سبحانه ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )(19).

2- الاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم والاستنان بسنته ، وقد عُرف هذا منذ القدم في الدلالة على المحبة فمازال الناس يتتبعون سنن مَن يحبون ويحاكونهم في عاداتهم وسلوكياتهم وهيئاتهم وإن لم يكونوا أهلاً للحب والاقتداء ، والناظر للمجتمع يرى من ذلك عجباً. ومما يساعد على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم مطالعة سيرته وإلا بأي شيء سيستن!

3- الصلاة والسلام عليه قال سبحانه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )(20)، وقال صلى الله عليه وسلم ( البخيل مَن ذُكرت عنده فلم يصل عليَّ )(21).

4- محبة حديثه وأهل بيته وصحابته ، فإن محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة أصحابه من محبته صلى الله عليه وسلم لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم .











(1) - سورة التوبة آية 24 .

(2) - الشفا بتعريف أحوال المصطفى 2/18 .

(3) - أخرجه البخاري باب حب الرسول من الإيمان ح 15-1/14 ، ومسلم باب وجوب محبة النبي r أكثر من الأهل والولد والوالد ح44-1/67 .

(4) - شرح الشفا ملا علي القاري 2/40 .

(5) - أخرجه مسلم باب فيمن يود رؤية النبي r بأهله وماله ح 2832-4/2178 .

(6) - جلاء الأفهام ص297 .

(7) - سورة الأنبياء آية 107 .

(8) - سورة الكهف آية 6 .

(9) - أخرجه البخاري باب ما لقي النبي r من أذى المشركين ح3059-3/1180 .

(10) - سورة الأعراف آية 157 .

(11) - سورة الأنبياء آية 107 .

(12) - سورة التوبة آية 128 .

(13) - سورة الأنفال آية 33 .

(14) - أخرجه البخاري باب لكل نبي دعوة مستجابة ح945-5/2323 ، ومسلم باب اختباء النبي r دعوة الشفاعة لأمته ح199-1/189.

(15) - أخرجه البخاري باب قول الله ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ح 4206-4/1624 ، ومسلم باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ح 193-1/180 .

(16) - سورة القلم آية 4 .

(17) - أخرجه الترمذي وحسنه ح2587 ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح1999 وفي الصحيحة ح954 .


(18) - قال ابن حجر في الفتح 13/289 : أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات وقد صححه النووي في آخر الأربعين .

(19) - سورة الأحزاب آية 36 .

(20) - سورة الأحزاب آية 56 .

(21) - أخرجه الترمذي باب قول النبي r رغم أنف الرجل ح 3546- 5/551 وقال :حسن صحيح غريب ، وابن حبان ذكر نفي البخل عن المصلي على النبي r ح 909-3/189 ، والنسائي في السنن الكبرى باب من البخيل ح 9883-6/19 ، وأحمد ح 1736- 1/201







http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2021-05-24, 01:51 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (28)
الدكتورة إلهام بدر الجابرى



بسم الله الرحمن الرحيم



لا تزدحمــــا



قال ابن جريج : أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام – وكان أميراً على الحج - النساء الطواف مع الرجال ، قال : كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم- مع الرجال ؟ قلت : أبعد الحجاب أم قبل ؟ قال : إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب ، قلت : كيف يخالطن الرجال ؟ قال : لم يكن يخالطن ، كانت عائشة - رضي الله عنها- تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم ، فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين ؟ قالت: عنكِِ. وأبت، فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأُخرج الرجال (1).



ومعنى هذا أن ابن هشام لما كان أميراً على الحج منع طواف النساء والرجال في وقت واحد، وعمد إلى تقسيم الأوقات بينهم ، فاستنكر ذلك عطاء ، واستند على طواف زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم- مع الرجال غير مختلطات ، فعائشة وغيرها - رضي الله عنهن- كانت تطوف حجرة - أي معتزلة الرجال- . ولهذا لما أخبرتها مولاة لها أنها طافت بالبيت سبعاً واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً قالت لها : لا آجرك الله ، لا آجرك الله ، تدافعين الرجال ، ألا كبرت ومررت (2). وكن يخرجن مستترات بالليل فيطفن مع الرجال، وهن إلى الجهة القريبة من الكعبة(3) .



من هنا يُعلم أنه ليس للنساء مدافعة الرجال، والعكس، والتساهل في ذلك والاعتذار بالازدحام، وأداء النسك ، وعلى الرجل والمرأة اتقاء الله تعالى، وبذل الوسع ليتجنبا الالتصاق والازدحام، فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لأن يُطعن في رأس أحدكم بمِخيَط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له )(4).













(1) - أخرجه البخاري ك الحج باب64 طواف النساء مع الرجال ح1618-3/479، 480 مع فتح الباري.

(2) - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/81 .

(3) - انظر: فتح الباري 3/480.
(4) - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح487-20/212 ، والبيهقي في شعب الإيمان ح5455-4/374 ، وإسناده حسن قال الألباني في السلسلة الصحيحة ح226-1/395 :[ وهذا سند جيد ...] .
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2021-05-24, 01:54 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (29)
الدكتورة إلهام بدر الجابرى



بسم الله الرحمن الرحيم



هل تغطي المحرمة وجهها؟ تخطئ كثير من النساء فهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ( لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين )(1) فتظن أن المحرمة لا تستر وجهها، بل تظن خطأً أنه لا يجوز لها ذلك ، وهذا غير صحيح ، فالمرأة في الحج يتأكد في حقها مزيد من الستر والتغطية لإحاطة الرجال بها من كل جانب ، لا سيما في الطواف والسعي ، والمراد أن النقاب الذي رُخّص لها في غير حال الإحرام لا يُرخص لها في الإحرام ، وأنها مأمورة بسدل الخمار على كامل وجهها .
فها هي أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- تذكر من حالها وحال الصحابيات معها في الحج قائلة ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- محرمات ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ) أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، والبيهقي .
وتخبرنا أسماء بنت أبي بكر فتقول: ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال ، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام ) أخرجه ابن خزيمة، والحاكم وقال:: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي .


وبذلك يتضح أن على المحرمة تغطية وجهها أمام الرجال الأجانب، وهذا الذي يتماشى مع سماحة الإسلام في تشريعاته للرجال والنساء ؛ إذ كيف يؤمر الرجل بغض البصر ، ويؤثم بإطلاقه ، وهو مُحاط بالنساء السافرات من كل جهة في الطواف والسعي !!



(1) - أخرجه البخاري في جزاء الصيد باب ما ينهى عن الطيب للمحرم ح1838.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg

ابو وليد البحيرى
2021-05-24, 01:57 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/270.jpg


السلسلة الثانية
(أخلاق البيت السعيد)
الحلقة (30)
الدكتورة إلهام بدر الجابرى



بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم (3-3)

الثالث: تعظيـم النـبي صلى الله عليه وسلم:

وتعظيمه واجب قال الله – تعالى - : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً )(1).

والتعزير: اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه مما يؤذيه .

والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يُعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار(2).


والتعظيم يقتضي ما يلي :

1- استشعار هيبته صلى الله عليه وسلم، وجلالة قدره، وعظيم شأنه ومكانته .

2- التأدب عند ذكره صلى الله عليه وسلم، بألا يُذكر باسمه مجرداً؛ بل يُوصف بالنبوة أو الرسالة .

3- الأدب في مسجده، وكذا عند قبره، وهذا مُستفاد من النهي عن رفع الصوت بحضرته صلى الله عليه وسلم في قوله – تعالى -: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )(3).

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُلْزِمُ الناس بهذا الأدب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره ، فعن السائب بن يزيد قال : [ كنت قائماً في المسجد ، فحصبني رجل ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : اذهب فائتني بهذين ، فجئته بهما ، قال : مَن أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله!](4).

4- توقير حديثه صلى الله عليه وسلم والتأدب عند سماعه ودراسته ، وتقديمه على كل قول ورأي ، قال ابن القيم - رحمه الله -: [ ومن الأدب معه ألا يُستشكل قوله ، بل تُستشكل الآراء لقوله ، ولا يُعارض نصه بقياس ، بل تُهدر الأقيسة وتُلقى لنصوصه ، ولا يُحرف كلامه عن حقيقته](5) . وحدّث ابن سيرين - رحمه الله - رجلاً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: قال فلان وفلان كذا، فقال ابن سيرين: أُحدِّثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول قال فلان وفلان كذا وكذا ؟ والله لا أكلمك أبداً (6) .

وقد كان لسلف الأمة وعلمائها مواقف تدل على أدب جم مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نقتصر على موقف واحد منها ، قال أبو سلمة الخزاعي : [ كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج يُحدث توضأ وضوءه للصلاة ، ويلبس أحسن ثيابه ، ويلبس قلنسوة ، ويمشط لحيته ! فقيل له في ذلك، فقال: أُوقر به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)إذا جلس جلس للحديث قعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار (8).

ولكن يُحذر من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، ورفعه فوق منزلة النبوة، وإشراكه في علم الغيب ، أو سؤاله من دون الله ، أو القسم به ، وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال : ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )(9) .

وقال ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله)(10).

ولما همّت طائفة من الناس بالغلو فيه فقالوا: أنت سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا.قال لهم ( يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - عز وجل- )(11) .

وكذا حذر من أن يُتخذ قبره وثناً يعبد من دون الله، أو مسجداً، أو عيداً ، فقال - عليه الصلاة والسلام-: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )(12) يُحذِّرُ مما صنعوا(13) .















(1) - سورة الفتح آية 8و9 .

(2) - الصارم المسلول ص422.


(3) - سورة الحجرات آية

(4) - أخرجه البخاري باب رفع الصوت في المساجد ح 458- 1/179، الفتح 1/667.

(5) - مدارج السالكين 2/406 .

(6) - الدارمي 1/124 رقم247 .

(7) - الجامع للخطيب 2/34 .

(8) - الشفا 2/601 .

(9) - أخرجه البخاري باب كيف يستحلف ح 2533-2/951، ومسلم باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى ح1646-3/1267.

(10) - أخرجه البخاري باب ( واذكر في الكتاب مريم ...) ح 3261-3/1271 .

(11) - أخرجه النسائي في السنن الكبرى ذكر اختلاف الأخبار في قول القائل سيدنا وسيدي ح 10087-6/71 ، وأحمد ح 12573-3/153 قال الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم .

(12) - أخرجه البخاري باب النهي عن بناء المساجد على القبور ح 1265-1/446، ومسلم باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ح529 -/376.

(13) - انظر في الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلمإضافة إلي ما سبق: هذا الحبيب يا محب، للشيخ/ أبو بكر الجزائري، و حقوق النبي صلى الله عليه وسلمبين الإجلال والإخلال، إعداد فيصل البعداني، صادر عن مجلة البيان .


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/01/272.jpg